
رواية مهمة زواج الفصل الثامن8والتاسع9 بقلم دعاء فؤاد
يا نهار مش طالعله شمس!!.. ايه اللي انت بتقوله دا يا معتصم... انت عايزني أنا أتجوز البت الهبلة دي اللي اسمها صافية؟!... طاب ياخي قول كلام يتعقل.
هتف بها حمد في ذهول و غضب في آن واحد و هو يلوح بيديه هنا و هناك، بينما معتصم رغم إشفاقه على شقيقه إلا أنه تحلى بالصرامة هاتفا به بغلظة:
ـــ بقولك ايه يا حمد... اهدى كدا و افهم... انا شرحتلك لحد دلوقتي أكتر من عشر مرات إن دي عوايدنا و مش معنى انك عيشت سنين كتير من عمرك في القاهرة و اطبعت بطباع أهلها إن احنا خلاص هنغير جلدنا و ننسى عوايدنا و اللي أهلنا ربونا عليه....
لوح بيديه بعصبية مفرطة:
ــــ خلاص اتجوزها انت... مش انت الكبير!!.
لكزه بخفة في كتفه فارتد للخلف خطوة فاسترسل معتصم بحدة:
ـــ انت اهبل يلا... دا انا عمري قد عمرها مرتين... انت أنسب واحد لصافية يا حمد و سنك قريب من سنها.
رد بعناد:
ـــ يا عم أنا مش عايز أتجوز دلوقتي... أنا لسة يادوب متخرج و مخلص جيشي و لسة بقول يا هادي في شغل البيزنس...مش هتجوز قبل ما أبني نفسي يا معتصم.
أخذ معتصم يفرك وجهه بكفيه و هو يستغفر ربه بخفوت لعله يتخلص من وساوسه التي تأمره بلكمه، ثم حاول التحلي بالصبر قائلا بنبرة من اللين:
ـــ قولي يا حبيبي... في بنت معينة في دماغك أو بتحبها عشان كدا انت رافض؟!
أجابه بنبرة صادقة:
ـــ لا يا معتصم مفيش... و لو في هتكون انت أول واحد عارف... أنا مش في دماغي الحب و العواطف و الكلام دا.
ـــ طاب خلاص إدي نفسك فرصة يمكن تحبها... صافية بنوتة حلوة و مؤدبة و غير كدا انت اللي هتربيها على ايدك و هتطبعها بطبعك.
لوح بيده بانفعال كما اعتاد منذ بداية الحوار و هو يقول بسخرية:
ـــ حلوة ايه بس يا معتصم... هو أنا أعرف شكلها أصلا... و بعدين بعيدا عن الشكل و الأدب... مكانش دا طموحي في البنت اللي هتجوزها... أنا نفسي أتجوز بنت متعلمة تعليم عالي.. مثقفة.. متكلمة.. واحدة تربي ولادي أحسن تربية.. واحدة تليق بحمد البدري رجل الأعمال المستقبلي... مش طفلة يادوب مخلصة الإعدادية!!
قال عبارته الأخيرة بمرارة جعلت معتصم يتنهد بحيرة، فماذا عساه أن يفعل..
لقد وقعوا في الفخ و قضي الأمر.
ـــ حمد... احنا قدام أمر واقع ولازم هنقبل بيه... فحاول كدا تبلع الجوازة دي بمزاجك و تقنع نفسك بيها... و بعدين جوازك من صافية مش هيعوق حياتك في حاجة.... كدا كدا هتتجوز في الدوار و هتسيبها هنا مع الحاجة و روح شوف أشغالك و انزلها البلد أجازات..
رمقه حمد بعينن حمراوتين من الغضب، فاسترسل معتصم بنفاذ صبر:
ـــ يا سيدي ابقى اتجوز البنت اللي على مزاجك هناك في القاهرة و ابني معاها مستقبلك زي ما انت عايز و...
قاطعه بانفعال بالغ:
ـــ أنا مش هغلط غلطتك يا معتصم...
احتقن وجه معتصم بالغضب حين لفظ أخوه تلك الكلمات، و لكن حمد لم يسكت عند هذا الحد، بل استرسل بمزيد من الجلد و التأنيب:
ـــ أنا مش هعمل زيك و أفضل خايف للسر ينكشف و أعيش بشخصيتين زي ما انت بتعمل.
خرج معتصم من صمته الغاضب و انفجر فيه بحدة:
ـــ معتصم البدري مبيخافش يا حمد...جوازي من نرمين أنا مخبيه عن أمك عشان مش هتقبل بيه.. و اذا كنت خايف من الجوازة دي تتكشف فدا خوفي على أمي و صحتها لو عرفت... أنما أي مخلوق تاني ميهمنيش و انت عارف.
كان يصيح حتى برزت عروق رقبته للغاية الأمر الذي أثار شفقة حمد عليه و جعله يشعر بالذنب أن استفزه لتلك الدرجة، فاقترب منه يربت على كتفه بحنو مرددا باعتذار:
ـــ معتصم أنا...
أوقفه بإشارة من كفه و هو يقول بحدة دون أن ينظر إليه:
ــــ بس ولا كلمة... اعمل حسابك هنوصل دار عمك الليلة نطلب يد البنتة و نتفج على كل حاچة و تنزل امعاها بكرة انت و أمها تنجوا الشبكة اللي تعچبها... و حسك عينك تجول كلمة اكده ولا اكده و لا يصدر منك أي حركة ملهاش عاذة يا حمد..
هنزل دلوق أصلي العصر و تحصلني ع الغدا.
ثم تركه بصدمته و غادر الغرفة، فجلس حمد على حافة فراشه منكسا رأسه بين كفيه يحاول تهدئة ذلك الغليان برأسه، فيبدو أن أخيه قد أخذ القرار و لن يتراجع مهما فعل... و هو لن يستطيع أن يكسر كلمته أو بالأحرى هيبته بين أهل بلدته.
عودة للقاهرة..
أمام إحدى الكافيهات الراقية قام آسر بصف سيارته ثم ترجل منها ليفتح الباب الخلفي لخطيبته لتخرج ميريهان تلتها شقيقتها مودة فقام آسر بغلق السيارة الكترونيا و اصطحبهما إلى الداخل..
ــــ ايه رأيكو في الترابيزة اللي هناك دي
أشار إلى إحدى الطاولات النائية التي تطل على النيل فأومأت ميريهان بحماس:
ـــ حلوة يا آسر... يلا.
حين وصلوا للطاولة و جلس كل من آسر و ميري أردفت مودة ببسمة خالصة:
ــــ طاب هروح أنا بقى أستناكم في الترابيزة اللي هناك دي..
أشارت ألى أخرى بعيدة في الجهة المقابلة، فقال آسر بجدية:
ـــ طاب اقعدي نشرب أي حاجة الأول.
ردت بمرح:
ـــ لا يا عم... أنا هروح أمارس هوايتي المفضلة..
قالتها و هي ترفع أمامهما حقيبتها التي تحوي أدوات الرسم.
فأومأ آسر ببسمة ممتنة فأسرعت بالإستئذان منهما و ذهبت الى حيث أشارت.
ـــ بتحبك أوي مودة...
قالها آسر و هو يراقبها بعدما انصرفت، فردت ميري بتنهيدة حزينة:
ـــ بتفضلني على نفسها في كل حاجة... عايزاني أعيش اللي هي مش قادرة تعيشه... انت متعرفش أنا قلبي واجعني عليها قد إيه يا آسر..
رد بلهفة:
ـــ لا يا حبيبتي سلامة قلبك... كفاية هي... ربنا يشفيها.
ـــ يا رب... نفسي تخف و تعيش حياتها زي أي بنت.. بس للأسف كفاءة القلب كل مدى بتقل لولا الأدوية اللي لو فوتت يوم و مأخدتهاش الدنيا تبوظ خالص و غالبا بتبات اليوم دا في المستشفى.
ربت على كفها المستقر على الطاولة و هو يقول بحزن:
ـــ نصيبها كدا من الدنيا يا ميري...ربنا يجعل مرضها في ميزان حسناتها.
زفرت أنفاسها و هي تتمتم بالحمد لله، فغير آسر مجرى الحديث:
ـــ ها يا حبي... تشربي ايه؟!
بينما هناك على طاولة مودة، بينما هي منهمكة في الرسم، رن هاتفها برقم ما، فنظرت للإسم و اتسعت بسمتها تباعا ثم فتحت المكالمة لترد:
ــــ ألو... ماما حبيبتي وحشتيني أوي..
ـــ و انتي يا روحي وحشاني موت... عاملة إيه يا ميمو و ميري أخبارها إيه؟!
ــــ الحمد لله يا ماما احنا بخير.. انتي اللي عاملة ايه؟!
ـــ بخير يا حبيبتي طول ما انتو بخير... ميري صوتها وحشني أوي...مش ناوية قلبها يحن و تكلمني بقى؟!
ابتلعت مودة ريقها ثم قالت بحزن:
ـــ متزعليش منها يا ماما... هي بتحبك بس انتي عارفة إن قلبها جامد شوية و لسة شايلة منك..
ـــ اممم... مش قادرة تسامحني و تنسى اللي فات.. أنا تعبت و مش عارفة أعملها ايه تاني عشان تسامحني.
ـــ معلش يا ماما إديها شوية وقت... ان شاء الله هتروق و هترجع المية لمجاريها.
ـــ يا رب يا مودة يا رب... وصلي سلامي ليها و لآسر..
ـــ حاضر يا حبيبتي يوصل...
ـــ مع السلامة يا روحي..
أغلقت ريهام والدة مودة الهاتف و هي تزفر بحزن، فمنذ أن انفصلت عن والدها و تزوجت بآخر و سافرت معه الى الخارج و قد بنت ابنتها ميريهان سدا منيعا بينها و بين والدتها لم تتخطاه بعد رغم مرور أكثر من عشر سنوات على ذلك الأمر، و رغم كل محاولات التودد من قبلها، ألا أنها كلها قابلتها ميريهان بالرفض على عكس مودة تماما، و التي رق قلبها لأمها على الفور و سامحتها و كأن شيئا لم يكن.
في شقة أدهم....
طرق باب غرفتها فردت عليه من خلف الباب ليقول لها:
ـــ ندى أنا هستناكي في الصالون....عايز أتكلم معاكي.
أتاه صوتها من خلف الباب:
ـــ حاضر ثواني و جاية.
بعد قليل أقبلت عليه مرتدية إسدال الصلاة ثم جلست بالكرسي المقابل له، فأدار دفة الحديث قائلا بجدية:
ـــ إن شاء الله بكرة الصبح ماما هترجع من عند روان و أنا هنزل شغلي.... و طبعاً ماما هتلاحظ إن كل واحد مننا بيبات في قوضة لوحده و طبعاً هتقوم الدنيا و مش هتقعدها..
ردت بتجهم:
ـــ و المطلوب؟!
رد عليها بهدوء و ترقب:
ـــ أنا فكرت في فكرة كدا مش عارف هتوافقيني عليها ولا لأ؟!
ـــ قول أنا سامعاك.
أخذ نفسا عميقا ثم قال و بؤبؤي عينيه يتحركان بعشوائية كناية عن توتره:
ـــ عايزك تقوليلها إنك اقترحتي نتعرف على بعض فترة معينة كأننا لسة في فترة خطوبة لحد ما نتعود على بعض و بعدين هنمارس حياتنا الزوجية طبيعي بعد كدا.
سكتت مليا تراقب توتره ثم أردفت بوجوم:
ــــ و ليه أنا اللي اقترحت... ليه ميكونش انت؟!
تنهد بنفاذ صبر:
ـــ عشان هي مش هتتقبل مني أنا الاقتراح دا... انما هتقبله منك انتي و هتحاول قدر الامكان متضايقكيش حتى لو هتيجي عليا انا.
هزت رأسها بإيجاب و ملامحها يبدو عليها الحزن العميق ثم قالت بنبرة خاوية:
ـــ تمام يا أدهم ربنا يسهل.
رسم بسمة صغيرة على شفتيه ثم قال بنبرة جادة فيها شيئ من الإعجاب:
ـــ بس تعرفي!.. أنا اتبسطت أوي إني اتعرفت عليكي... بجد انتي شخصية جميلة و مثيرة و أنا متأكد إن كل ما هنقعد مع بعض هكتشف فيكي حاجات أجمل.
توردت وجنتاها من الخجل و هربت بعينيها من مرمى ناظريه حياءا ثم قالت بنبرة مهتزة من أثر الخجل:
ـــ احم... و أنا.. و أنا كمان اتشرفت بمعرفتك... عن إذنك.
هبت واقفة لتسير نحو غرفتها بخطوات سريعة، فلا تدري أهي غاضبة، حانقة، محبطة، خجلى أم كل تلك المشاعر امتزجت بوجدانها.
بينما أدهم راقب طيفها بحيرة، لا يدري أقرارته تلك معقولة أم أنه قد بالغ فيها... و لكنها لطالما هي من اقترحت عليه علاقة الصداقة... إذن فالأفكار متبادلة و الرأي واحد... ندى جذابة حقا و ربما تتطور العلاقة بينهما لأبعد من ذلك... ولكن في الوقت الراهن قلبه لا يميل لها و هي بالنسبة له مهمة عمل و أمانة من والدها و عليه المحافظة عليها بأقصى ما يستطيع... هذا كل شيئ.
انتهت نزهة آسر مع ميري و مودة ثم أخذهما بسيارته عائدين إلى منرلهما حيث جلست ميري بجوار آسر في المقعد الأمامي بينما جلست مودة بالمقعد الخلفي، و أثناء ذلك تحدثت مودة إلى ميريهان عبر مرآة السيارة الأمامية:
ــــ صحيح يا ميري ماما كلمتني لما كنتي قاعدة مع آسر... نفسها تسمع صوتك... بتقول إنك وحشتيها أوي.
تجهم وجهها على إثر سيرة أمها و قالت ببرود:
ـــ امممم.... ماشي.
رمقها آسر بنظرة من جانب عينه تنم عن عدم رضاه عن رد فعلها ثم قال بحدة طفيفة:
ـــ ميري ميبقاش قلبك أسود كدا... دي مهما كانت مامتك و ربنا ميرضاش بالمعاملة اللي بتعامليها بيها دي.
رمقته بنظرة حارقة ثم هتفت بعصبية:
ـــ أنا قلبي أسود و زي الزفت... و يا ريت محدش يكلمني تاني في الموضوع دا....ممكن؟!.
هم آسر ليتحدث إلا أن مودة قاطعته:
ـــ خلاص يا آسر سيبها براحتها.
شدد من قبضته على المقود كناية عن تعصبه و صمت بينما ميري أشاحت بناظريها بعيدا عنه تراقب الشوارع عبر النافذة بشرود و تيه... تشعر بنصال حادة تمزق قلبها... فلا هي قادرة على مسامحة أمها و لا تستطيع التخلص من إلحاح شقيقتها و خطيبها... فماذا عساها أن تفعل بنابضها الذي يأبى الغفران.
في محافظة سوهاج....
ــ بت يا صافية... البَسي الدريل البنفسچي بتاع العيد الصغير عشان تجابلي بيه حمد واد عمك.
سكتت مليا تفكر ثم ما لبثت أن قالت بتررد:
ـــ بس أني كنت عايزة ألبس الدريل البني يا أمايا.
أخذت تحرك شفتيها لجانب فمها كناية عن عدم رضاها لتقول بسخرية:
ـــ بني يا مايلة!!.. كانك اتچنيتي اياك!.. أني جولت تلبسي البنفسچي يا مجصوفة الرجبة.. انتي عايزة تلبسي غامج و تچرسينا؟!
زمت شفتيها بضيق ثم قالت بانصياع:
ـــ حاضر يامايا بنفسچي بنفسچي..
ضيقت عيناها بمكر و هي تقول:
ـــ إيوة اكده... أنا خابراكي معتچيشي غير بالعين الحمرا يا بت حمد.
ضربت صدرها بخفة لتقول باستنكار:
ـــ أني يامايا؟!...دا أني بالذات لو جولتيلي لجحي روحك بالجنايا هلجحها طوالي.. دا أني عمري ما كسرتلك كلمة واصل.. أني طوالي..
قاطعتها أمها بنفاذ صبر هاتفة:
ـــ اتكتمي يا بت... ايه ياختي ماصدجتي تنفتحي في حديتك الماسخ ده... إنچري يلا روحي احلبي الچاموسة عشان تتشطفي و تغيري خلجاتك قبل ما عريس الغبرة ياچي..
أطرقت رأسها بانكسار و هي تردد بخنوع:
ـــ حاضر يا امايا أني رايحة الزَريبة أهو...
راقبتها أمها و هي تسير ناحية حظيرة الحيوانات و هي تبتسم بانتصار، فها هي فتاتها المطيعة لم تخيب ظنها أبداً و أينما توجهها تذهب كيفما شائت هي... ألغت شخصيتها و محت تفكيرها و لم تسمح لها بأن تفكر أو تختار... فحتى زواجها بابن عمها لم يكن سوى إقرارا منها بالموافقة على ما تراه أمها في صالحها و حسب، فصافية أيضا حالها من حال حمد، لم تراه منذ سنوات و لم يخطر ببالها من الأساس أن تُخطب له.
و لكن هي كل ما تعرفه أنها ترى بعين أمها و تفكر برأس أمها و تسير كما يحلو لأمها و حسب.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة التاسعة
رواية مهمة زواج
استيقظت ندى لصلاة الفجر و بعدما أدت الصلاة أنهت أذكار الصباح ثم تلت وردها القرآني و بقيت مكانها شاردة تفكر فيما أملاه عليها أدهم بالأمس، تؤلمها تلك الكذبة التي افتعلها لكي يضمن تغاضي أمه عن انفصالهما في بيت الزوجية، و لكنها مضطرة لمجاراته الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
استمرت بشرودها حتى بدأت خيوط الشمس تتسلل الى الغرفة عبر النافذة لتضيئها رويدا رويدا الى أن انتبهت لوقت الشروق فأخذت تدلك رقبتها من الألم و هي تتمتم لنفسها:
ــــ ياااه أنا قعدت كل دا سرحانة...
ثم تنهدت بقلة حيلة و نهضت من مكانها لتبدل اسدال الصلاة الى فستان قطني بسيط و مريح و في ذات الوقت لا يظهر من جسدها شيئ ثم غطت رأسها بحجاب صغير و خرجت من الغرفة لتسير بإتجاه المطبخ لتعد ثمة شطيرة تسد بها جوعها.
لم تكد تصل إلى باب المطبخ حتى استمعت الى صوت جلبة آتِ من غرفة أدهم فأدركت أنه قد استيقظ و ربما يتجهز الآن للذهاب الى عمله، فابتسمت بحالمية و هي تفكر في شيئ ما، فلا ضير من إعداد مزيد من الشطائر
يتناولنها سويا.
بينما أدهم في غرفته حائر تائه بين ملابسه و أحذيته و أحزمته الميري، الغرفة تعمها فوضة هائلة، فقد كانت أمه من تعد له ملابس العمل و توفقها مع بعضها البعض حتى حذائه هي من تتولى أمره و تضعه بجوار بدلته الرسمية و ما عليه إلا أن يرتدي ما أعدته و حسب.
أخذ يزفر أنفاسه بعنف، فقد ضاق ذرعا بهذا الأمر و نفذ صبره، و لكن لا مجال الآن للحيرة، فعليه أن يختار عاجلا أم آجلا...
بعد حوالي عشرون دقيقة كان أدهم يقف أمام المرآة يضع اللمسات الأخيره على مظهره بعدما مشط شعره و نثر عطره النفاذ، ثم قام باحكام حزامه الميري حول خصره و غرس سلاحه بالجيب المخصص له في الحزام و أخيرا و بعد عناء ألقى نظرة رضا على نفسه، فقد انتهت المهمة بنجاح.
في تلك الأثناء كانت ندى تجلس الى الطاولة الصغيرة القريبة من غرفة أدهم حتى يرى ما أعدت له من إفطار، فقد كانت تنتظره بملل الى أن خرج أخيرا و هو يعبث بهاتفه غير منتبها لها، و لكنه حين أطل عليها بتلك الطلة التي تراه بها لأول مرة بحلته حالكة السواد و شارتي الشرطة ذات النسر الذهبي على كتفيه، و شعره المصفف بعناية، و ذقنه الحليقة تماما و التي جعلته يبدو أصغر من عمره بكثير و ذلك الحزام الأسود حول خصره و السلاح الذي يزينه، و فوق كل ذلك رائحة عطره التي تصيبها بالثمالة... انحبست أنفاسها بصدرها من فرط الإثارة و اتسعت حدقتيها باعجاب بالغ، و كل ما أثار حفيظتها الآن هل تراه البنات و هو على تلك الشاكلة؟!.. حتما ستصاب بالجنون ان اتبعت أفكارها تلك..
حين رفع رأسه عن هاتفه و خطى نحوها حين انتبه لها، نفضت رأسها سريعا من لحظات الإعجاب و الصدمة و تصنعت أنها مشغولة باعداد الشطائر رغم أنها جاهزة بالفعل على الأكل.
ـــ صباح الخير يا ندى..
ـــ صباح النور.
ـــ صاحية بدري كدا ليه؟!
ـــ عادي.. أنا بصلي الفجر و مبنامش..
هز رأسه ثم ما لبثت أن تنحنحت بخجل ثم قالت:
ـــ احم.. أنا سمعت دوشة جاية من قوضتك فقولت انك أكيد بتلبس عشان تروح شغلك فعملتلك ساندويتشات معايا.
سحب الكرسي المقابل لها ثم جلس عليه و هو يقول:
ـــ يا بنتي بتتعبي نفسك ليه... أنا كنت هفطر في الشغل.
هزت كتفيها لأعلى قائلة بخجل:
ـــ عادي.. أنا كدا كدا كنت بعمل لنفسي فزودت ليك.
التقط إحداها ثم قضم منها قضمة و هو يقول:
ـــ ماشي يا قمر تسلم ايدك.
أجابته ببسمة صغيرة ثم بدأت تأكل على استحياء و هي تستنشق رائحته المسكرة باستمتاع، فبدون وعي منها سألته بتلقائية:
ـــ البرفيوم بتاعك حلو أوي... هو اسمه ايه؟!
حانت منه ابتسامة و هو مثبت نظره على الشطائر بيده، فقد فاجئته بسؤالها، ثم ما لبث أن قال:
ـــ دخون روز... بطلبه من دبي مخصوص اونلاين.
أومأت بحرج بعدما نهرت نفسها على سؤالها السخيف من وجهة نظرها، فكثيرا ما يسبق لسانها عقلها.
عم عليما صمتا وجيزا و هما يأكلان قطعته ندى بسؤالها:
ـــ أدهم بما اننا اصحاب قولي بقى.. أعجبت ببنت قبل كدا أو حبيتها؟!
توقف عن مضغ الطعام للحظة من أثر تفاجؤه بسؤالها الذي أربكه قليلا، فهو لا يدري أمن الطبيعي أن يخبرها بأمر دارين أم ماذا؟!
و لكن سرعان ما محى آثار المفاجأة من على وجهه و استرسل بمراوغة:
ـــ اه كنت معجب ببنت كدا و خطبتها فترة بسيطة بس محصلش نصيب..
صمتت بصدمة لوهلة ثم قالت:
ـــ بجد؟!
ـــ اممم... ايه مالك مصدومة كدا ليه؟!
ابتلعت ريقها ثم قالت بنبرة جاهدت أن تبدو طبيعية:
ـــ لا أبداً... أصل شكلك جد أوي و مش رومانسي و لا ليك في الحب فعشان كدا استغربت.
صدرت منه بسمة ساخرة و هو يقول:
ـــ حتى انتي كمان بتقولي كدا!
ـــ دا مش رأيي أنا لوحدي بقى؟!
هز رأسه بإيماءة بسيطة، فلم يرغب في الدخول في تفاصيل ولا الحديث عن أي شيئ يخص دارين.
ـــ و انتي؟!
باغتها بسؤاله فلم تحسب له حساب، و لوهلة سكتت تفكر في إجابة تعفيها من الحرج، فمن سواه الذي يمتلك قلبها منذ علم للحب سبيلا!.. و لكنها ابتلعت ريقها ثم قالت دون أن تنظر له متظاهرة بالانشغال بالأكل:
ـــ قبل ما اسافر أمريكا مع بابا كنت معجبة بشاب جارنا... بس كنت لسة صغيرة... هبل مراهقة بقى.
ـــ و لما كبرتي؟!
التقت عيناها الحائرتين بعينيه المصوبة تجاهها بترقب، تكاد تصرخ بعشقها له و لكن خشت أن تفضحها نظراتها، فأخفضتهما سريعا ثم قالت بوجوم:
ـــ خلاص بقى عقلت.
هز رأسه بإيماءة بسيطة ثم نظر في ساعة يده فوجدها قد دقت الثامنة، فنهض و هو يقول بجدية:
ـــ أنا كدا لازم أمشي.... شكرا يا ندى على الفطار.
نهضت تباعا لتقول بخجل:
ـــ الشكر لله دا حاجة بسيطة.
أومأ بامتنان ثم قال:
ـــ ماما كلها ساعة و هتوصل... مش هوصيكي بقى.
أومأت محاولة رسم الثبات على ملامحها حتى لا يلحظ حزنها الكامن بقلبها ثم قالت ببسمة محبة:
ـــ لا إله إلا الله..
ـــ محمد رسول الله.
غادر من أمامها بينما بقيت هي تنظر في أثره بشرود و قد أخذ الحزن من قلبها مأخذه ثم سرعان ما عادت لواقعها لتأخذ الأطباق للمطبخ و تقوم بغسلها.
ـــ ألو... آسر.. بقولك النهاردة عيد ميلاد مودة و أنا أخدت عربية بابا و رايحة خان الخليلي أجيبلها هدية من هناك... انت عارف انها بتحب المشغولات و الأنتيكات اللي بتتباع هناك.
ـــ يا مجنونة انتي سواقتك زي الزفت... مستنتيش لما أخلص شغلي ليه و كنا روحنا سوا.
ـــ أنا لسة هستناك.؟!.. كدا هتأخر أوي و مش هلحق أعمل حاجة.
ـــ طيب يا ميري ربنا يستر... بس عشان خاطري سوقي ع الهادي كدا و خلي بالك من نفسك.
ـــ متقلقش يا حبيبي... صاحبتك قلبها ميت.. ههه.
ـــ ماهو انا مش مخوفني غير قلبك الميت دا.
ـــ خلاص بقى يا آسر متبقاش قلوق كدا.
ـــ ماشي يا روح آسر...اشتري هدية مني ليها على ذوقك.
ــــ تمام يا حبيبي.. باي بقى عشان أركز في الطريق..
أغلقت ميريهان الخط و هي تتنهد ببسمة عشق خالصة، و لم تكد تعيد الهاتف إلى جوارها حتى انتبهت على صوت زامور عالي صم أذنيها ثم لم تشعر بشيئ بعدها.
بينما آسر على الجهة الأخرى أغلق المكالمة و هو يزفر بقلق، لا يدري لما انقبض قلبه هكذا حين أخبرته بأنها تقود سيارة والدها، و لكنه نفض تلك الوساوس سريعا عن رأسه و هو يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
انهمك آسر في أعماله فقد كان يومه حافلا بالمهام و المأموريات حتى أصابه الإرهاق، فقرر أن يذهب لأدهم مكتبه يتمازحان سويا.
ـــ الباشا العريس...
هز أدهم رأسه بيأس و هو يقول بغضب:
ـــ هتفضل طول عمرك طور... بتدخل من غير ما تخبط ليه يا حيوان..
لوح آسر بيده و هو يقول بسخرية:
ـــ اعم انا فتحت عليك باب الحمام؟!
رمقه بنصف عين و هو يقول بخفوت حاد:
ـــ عديم الاحساس.
ابتسم بسماجة هاتفا:
ـــ حبيبي يا دومي.
ـــ هو انا بمدحك يلا؟!.. دا انا بوبخك..
ـــ ضرب الحبيب زي أكل الزبيب... و انا بموووت في الشتيمة.. وبخني..
ـــ أبو تقل دمك.
ـــ ها يا عريس... عامل ايه في الجواز؟!
رمقه أدهم بتجهم مردفا بغيظ:
ـــ تعرف تنقطني بسكاتك؟
بادله آسر بأخرى مشمئزة هاتفا بحدة:
ـــ تصدق انا غلطان اني جيت لبأف زيك... و أنا اللي كنت فاكرك هتفرفشني شوية.
رد بنبرة متهكمة:
ـــ مالك يا ننوس عين ماما؟!
هتف به آسر بحدة:
ـــ اتكلم بجد شوية بقى يا أدهم.
اعتدل أدهم في جلسته ليميل برأسه ناحية صديقه متسائلا بقلق:
ـــ واد يا آسر فيك ايه؟!...حاسك بتحاول تتوه كدا بس شكلك مش مظبوط.
تنهد بعمق و مشاعر التيه قد احتلت ملامحه و نبرة صوته:
ـــ مش عارف يا أدهم...مضايق كدا من غير سبب.. مش عارف دا من ضغط الشغل ولا ايه بالظبط.
لم يكد يرد عليه حتى رن هاتفه برقم حماه..
ـــ دا عمو محمد والد ميري...
ـــ طاب رد عليه.
فتح الخط ليأتيه صوت حماه الباكي:
ـــ آسر تقدر تيجيلي دلوقتي مستشفى الدكتور رؤف؟!
رد بنبرة يشوبها القلق:
ـــ خير يا عمي.. هي مودة تعبت تاني ولا ايه؟!
سكت مليا و هو يعتصر عينيه بحسرة ثم قال:
ـــ تعالى بس... أنا محتاجلك جنبي دلوقتي.
ـــ حاضر يا عمي... هحاول أخد إذن و اجي لحضرتك... مع السلامة.
أغلق آسر المكالمة و هو في حالة من الحيرة و الشك ثم قال متعجبا:
ـــ غريبة أوي... مودة لما بتتعب ميري هي اللي بتتصل بيا تعرفني.
رد أدهم بتفكير:
ـــ يمكن مشغولة معاها يا آسر... روح انت بس اطمن عليهم و أنا هنا هغطي عليك.
أومأ باقتناع ليقول بنبرة حزينة:
ـــ فعلا... مودة حالتها متأخرة أوي اليومين دول... ميري كانت قالتلي انها في المرحلة الأخيرة من المرض و مفيش أي علاج ولا حتى عمليات هتجيب معاها نتيجة و إن هي خلاص كلها أيام و تودع الدنيا.
أغمض أدهم عينيه بتأثر متمتما بخفوت:
ـــ لا حول و لا قوة إلا بالله... الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به عباده و فضلنا على كثيرا ممن خلق تفضيلا.
.... طاب روح يابني مستني ايه... أكيد محتاجينك معاهم دلوقتي.
نهض آسر و هو يقول:
ـــ تمام... لو اتأخرت مش هوصيك بقى ظبط الدنيا عشان سيادة اللوا ميحسش بحاجة.
ـــ امشي يا آسر متحملش هم.
في مستشفى القلب التابعة للدكتور رؤف صديق محمد أبو مودة....
يقف محمد في حالة يرثى لها و بجواره مودة تزرف الدموع بلا انقطاع و أمامهما الدكتور رؤف يسرد لهما بأسى:
ــــ للأسف يا محمد نزفت كتير جدا لحد تقريبا ما دمها اتصفى... أنا آسف أني أقولك ان خلايا المخ ماتت و هي حاليا ميتة اكلينيكيا..
شهقت مودة بذعر بينما تحشرج صوت محمد ليخرج بصعوبة:
ـــ ماتت؟!
أردف الطبيب موضحا:
ـــ لا القلب لسة بينبض و هي حاليا متوصلة بجهاز التنفس الصناعي بس خلاص مفيش أمل في رجوعها تاني للحياة... احنا في انتظار بس إن القلب يقف... شد حيلك يا محمد ربنا يصبرك.
بينما هناك آسر يسير بتؤدة حتى لمح محمد يقف أمام العناية المركزة و تقف بجواره مودة ... ماذا؟!.. مودة تقف على قدميها؟!..هي مذعورة حقا و يبدو على ملامحها الإعياء الشديد و كأنها ستسقط في أي لحظة و لكنها بالفعل واقفة... لقد توقع أن يأتي ليجدها مسجية بفراش المرض.. لماذا إذن دعاه حماه للقدوم؟!.. لحظة.. ميريهان؟!.. أين هي إذن؟!
حين واتته تلك الفكرة ركض إليهما و قلبه يكاد يخرج من قفصه الصدري من فرط الخوف و القلق، و ما إن وصل حتى خرت مودة فاقدة للوعي فالتقطها آسر بين ذراعيه على الفور و نزل بها على أرضية المشفى الرخامية، و ذلك حين لفظ الطبيب أمر انتظاره لتوقف قلب شقيقتها.
ـــ بنتي..
صرخ بها محمد في ذهول و حاول قدر المستطاع أن يبقى واقفا على قدميه التي أصبحتا كالهلام و ألا يسقط فاقدا للوعي هو الآخر، بينما انحنى الطبيب رؤف على الفور ليتحسس نبض شريانها السباتي على جانب رقبتها فلم يشعر به البتة، فأسرع بدق جرس ما على الحائط و هو يصرخ بصوت عال:
code blue.. arrest... code blue
و في لحظات كان فريقا من حوالي ستة أفراد من ممرضين و أطباء قد حضروا للمكان و قاموا بنقل مودة إلى غرفة الإنعاش القلبي بينما محمد يتوسل لرؤف:
ـــ مودة مالها يا رؤف؟!
أخذ يلهث بعنف و هو مترددا في القول فحثه محمد بتأكيد:
ـــ قول يا رؤف انا راضي.
كل ذلك تحت مرئى و مسمع آسر الذي مازال لا يفهم شيئ إلى الآن بينما رد رؤف بأسف:
ـــ قلبها مستحملش الصدمة و وقف..
اتسعت عيني آسر و هو يردد بذهول في نفسه:
ـــ صدمة؟!... أي صدمة تلك؟!
استرسل رؤف يطمأنه:
ـــ بس متقلقش يا محمد... الفريق مش هيسيبها و شغالين معاها انعاش قلبي رئوي و ان شاء الله القلب هيشتغل تاني و هتتوصل بأدوية تدعم القلب... أنا هدخل دلوقتي أشوفها و أطمنك.. عن إذنك.
لم تعد قدماه قادرتان على حمله، فحبيبتيه على وشك فراقه، حبتي العين و قرتي القلب و زهرتي عمره... يا الله كيف لقلبه أن يتحمل كل هذا!.. فهبط ليجلس على الأرض و نزل آسر معه يسأله بهلع:
ـــ فيه ايه يا عمي فهمني؟!.. ايه اللي حصل أبوس ايدك؟!
نظر له بعينين مغشيتين بالعبرات ثم قال بصوت جريح بالكاد تخطى حنجرته:
ـــ ميري عملت حادثة و نزفت كتير لحد.... لحد ما دمها اتصفى و يعتبر ماتت... رؤف.. رؤف بيقول انها ميتة اكلينيكيا..
أخذ يهزه بلا وعي و هو يردد بعدم تصديق:
ـــ ميتة ازاي؟!.. لا ميري مماتتش... ميري كويسة و هتقوم... دي كانت بتكلمني من ساعتين بتقولي انها رايحة خان الخليلي تشتر..... هي فين؟!... عايز أشوفها... هي فين؟!
نهض و هو يبحث عنها كالمجنون و يحاول فتح باب العناية بيدين مرتعشتين و لكن بلا جدوى.
ـــ اصبر يا آسر... هتشوفها بس اصبر..
كان ذلك هتاف محمد الضعيف و لكن لم يتوانى عن الطرق على الباب الكبير إلى أن خرجت ممرضة من الداخل ليهتف بها برجاء:
ـــ لو سمحتي دخليني عايز أشوف خطيبتي.
ـــ أنا آسفة جداً مش هينفع.
ـــ أرجوكي أنا مش هعمل اي حاجة... أنا هبص عليها من بعيد.
أشفقت على حالته المذرية لتقول بعد برهة من التفكير:
ـــ بس من فضلك بسرعة قبل ما دكتور رؤف ييجى و يشوفك عندها.
ـــ حاضر متقلقيش..
أفسحت له الطريق فدلف مسرعا و هاله ما رأى من مشهد يخلع القلب...
ميريهان مسجية على الفراش الأبيض ترتدي عباءة طبية زرقاء و غطاء رأس طبي، بشرتها شاحبة شحوب الموتى، عينيها نصف مفتوحة و لكن بؤبؤيها ثابتين تماما، و أكثر ما آلم قلبه تلك الأنبوبة المغروسة بحنجرتها و الموصولة بخراطيم غليظة متصلة بجهاز التنفس الصناعي حيث الأصوات الصاخبة و العديد من الأجهزة الأخرى المتصلة بذراعيها.
تقدم منها حتى اقترب كثيرا ثم انحنى لمستوى رأسها و انفرج ثغره لينادي عليها و لكن لسانه أبى من فرط صدمته، حاول كثيرا الى أن تخطى تلك الغصة الأليمة التي علقت بحلقه ثم ردد اسمها بصعوبة:
ـــ مـ ميري... ميريـ هان... حبيبتي... أنا آسر يا روحي.. سامعاني؟!.. انتي هتقومي... هتبقي كويسة و أنا هستناكي... هستناكي العمر كله يا كل حياتي .
سكت يتأملها بصمت لعله يرى منها أي حركة أو حتى رمشة من عينيها إلا أنه لم يحدث و كأنها ميتة حقا.
انتابته حالة من الهيستيريا حين أدرك حقيقة موتها و فراقها الأبدي فأخذ يهزها و هو يبكي بنحيب وصل الممرضة:
ـــ ميري ردي عليا... طاب ارمشي بعنيكي... اعملي أي حاجة..أي إشارة... ميري الله يخليكي يا حبيبتي ردي عليا.. ميري... ميري..
استمر في تحريكها و هو يناديها بلا كلل حتى هرولت اليه الممرضة و معها زميل آخر و أخذا يجذبانه بعيدا عنها حتى أخرجاه من الغرفة و هو في حالة من الانهيار التام.