رواية عقاب ابن الباديه الفصل الثالث عشر13 والرابع عشر14 بقلم ريناد يوسف


رواية عقاب ابن الباديه الفصل الثالث عشر13 والرابع عشر14 بقلم ريناد يوسف

آدم: 
-شيختي، ياشيختي. ياغاليتي 
عوالي:- تعال ياعيون شيختك، ادخل ياعقاب القلب والعقل
يانوارة البوادي
- شيخه انا نجحت وجبت مجموع كبيرر يدخلني ثانوي وقسم علمي اعلا لقسام. 
هللت عوالي ثم فردت ذراعيها له وهو هرول ليترتمي بينهم، فقد كانت هذه الضمة جائزته الكبرى واثمن من كل العطايا، وهمست له في أذنه:
اليوم عطيتي الك غييير، شي من صنع يدي. 
- عاشت ايدك وصنعها ياشيختي الحنون، والله انت عطيتي وهديتي وماودي غير وجودك بحياتي عطاياوهدايا 
تبسمت له ونهضت واحضرت له قلادة فضية رجاليه يتدلى منها عقاب وإسم آدم منقوش عليها وألبسته إياها وهي تقول له:
- لعقاب للعقاب، بس شفته قلت هاد مصنوع لآدم وماحد يلبس القلاده غيره، جبتها ودسيتها وانتظرت الوقت المناسب واهو جه. 

ابتسم آدم وهو يمسك القلادة بين يديه ويطالعها بإعجاب شديد، فلا يدري لم شعر بأنها رمز لأشياء كثيرة، للقوة والمحبة والعطاء.. فأحياناً الاشياء الصغيرة يكون لها معانى لا حصر لها. 
استاذنها وغادر يكمل مراسم تجهيز الحفل، وكانت سعادته منقطعة النظير وهو يرى كامل القبيلة تستعد للإحتفال من أجله، وسالم بالخصوص فرحته تعادل فرحة كامل القبيلة وكأنه هو من نجح وليس آدم. 

أما في الجانب الاخر وتحديداً في القصر.. 
عايده تجلس والدموع تتسابق علي وجنتيها:
كان نفسي اكون معاه في اليوم ده، كل سنه ببقي نفسي احضنه واحتفل معاه بنجاحه واقوله اني فرحانه بيه بس للأسف دي امنيه حالفه ماتتحقق، نفسي اشوفه يامحمود في الحقيقه مش في الصور، نفسي اشوفه حقيقه قدامي بيتحرك ويتنفس ويتكلم، نفسي المسه ياعالم هموت. 
- معلش ياعايده هانت،، هانت وهيرجع وهتشبعي منه شوف واحضان وكل اللي اتحرمتي منه واتحرم هو منه هتحققوه. 
- وتفتكر بعد السنين دي كلها هيصدق محبتنا ولا لهفتنا عليه؟ تفتكر حجتنا هتشفعلنا عنده؟ 
دا بطل يسأل علينا خالص يامحمود الولد نسينا ومبقاش فاكرنا. 
- كلام، مفيش حد ينسى اهله، هيرجع مكانه وبيته ويفتكر كل حاجه. 
-طب انا عايزه اشوفه، انشاله حتي من بعيد زي زمان.. انت مش بتقول انهم عاملينله حفله، خلاص نتنكر ونلبس بدوي ونروح ومحدش هيعرفنا منهم ولا هو هيعرفنا، وانا هغطي وشي باللي بتلبسه ستاتهم على وشها ومش هخليه يعرفني، بس اشوفه بالله عليك. 
- طيب واللي قاعدينلنا ومفنجلين عنيهم علينا دول لو عرفوا طريقه واللي اتحملنا فراق السنين عشان ميحصلش حصل دلوقتي وضاع ابننا، هنعمل ايه ساعتها ياعايده، هتتحملي؟ ردي عليا هتتحملي ابننا التاني نحطه تحت الارض ونزيح عليه التراب؟ 
نفضت رأسها برفض وخوف وهي تقول له:
- تف من بوقك يامحمود بعد الشر.. لا تقدر ولا يكون يارب. 
- شفتي مجرد الفكره عملت فيكي ايه، اشحال لو حصلت.. استحملي ياعايده عشان خاطر آدم مش فات الكتير ومش باقي غير القليل. 
أومأت له بإستسلام وعادت تنظر للصور بين يديها وأردفت وهي تحرك اصبعها فوق صورته:
- ابني بقى جميل اوي يامحمود.. ابني كبر وبقى راجل، شفت اللبس البدوي لايق عليه ازاي، شفت هو اجمل واحد في كل الواقفين ازاي؟ بس ياخساره كبر بعيد عني.. انهت جملتها وعادت للنحيب مما جعل محمود يقترب منها ويطوقها بذراعيه مخففاً عنها وطأة الحنين والإشتياق الذي ات لا يقوى عليه هو الآخر، ويتمنى أن يراه هو الاخر مثلها واكثر منها، وفي لحظة جنون فكر في إقتراحها، وأخذ عقله يسهل له الأمر ويهونه..وإذ به يلغى كل المنطق الذي يفكر به منذ سنوات ويستسلم لشوقه، فنظر إليها واردف:
- تيجي نخاطر؟ 
نظرت اليه بسعادة وأومأت له وهي تمسح دموعها وتبتسم، فاكمل هو:
- بس ياترى مدركه هنخاطر بأيه؟ 
- مش هتحصل حاجه يامحمود بإذن الله وربنا مش هيرضالنا بالوجع ده مره تانيه. 
- خلاص سيبيني من هنا لبكره افكر في طريقه مناسبه ولو لقيت تمام ملقيتش سامحيني. 
- هتلاقي، والله هتلاقي عشان انت كمان عايز تشوف ابنك اكتر مني، وواحشك اكتر مني  بس بتمثل القوة وانت من جواك اضعف من الضعف نفسه. 
تبسم محمود وضمها إليه واغمض عينيه فالإنكار بات لا يفيد، فهو حقاً مشتاق والاشتياق مفضوح لا يتخبأ. 

في اليوم التالي:
منصور
-قصيرر.. يابو هلال اقبل. 
اتي اليه قصير مهرولاً.. آمر ياشيخ. 
- كل شي تمام؟ ضيوفنا زمانهم  على عتب القبيلة
-اي ياشيخ ماتشيل هم كل شي تمام ياهلا بالضيوف امتي مايجو. 
- دريت إن ابو عقاب وامه جايين اليوم؟ 
-اي المرسال خبرني واني بروحي انعدي  نجيبهم واتأكد ان ماحدا قاطرهم. 
- براوة عليك.. والحين يلا اعطي خبر لمكاسب ان فيه حرمه غريبه جايه ماتسألها عن اي شي، تكرم ضيافتها وبس. 
- صار ياشيخ. 
فى المساء.. الكل يستعد، عقاب ارتدى الجلباب الجديد الذي احضرته له الشيخه عوالي والجاكت فوقه ولف العقال وارتدى قلادته ونظر لنفسه في المرآة بإعجاب، واخذ يمسد على شنبه النامي، وخرج على رابح وسالم فور أن سمع اصواتهم ينادون عليه خارج حجرته، وما أن رأوه حتى انطلقت صافراتهم معبرة عن مدي إعجابهم به، وتبسم هو بخجل، ثم انضم اليهم وغادروا متجهين للمكان المخصص للرجال، وفي طريقهم مروا على الفتيات وهن يطبخن الطعام، فخطف آدم الانظار بطلته وسرق الضوء من رابح وسالم، وهمست إحدى الفتيات لمعزوزه وهي تطالعه بتمني:
- يااااويل قلللبي وعزاب عقلي اعلى عقاب قد ايش هو سمح ومتأنق ... ياريته إبن عمي ويرهنوني اعلى إسما أو حتى يغصبونه اعليا ويقولون ماتاخذ غير بنت عمك. 
معزوزه:
 - لا تحلمين ولا تتمنين شي ماراح يتحقق، وديري بالك عالطبخه اللي قدامك لتحترق والشيخه عوالي تحرق دياتك وتوكلهم للضيوف بدال الطبخه. 
- بربك ماتشوفينا سمح؟ 
- بدك الصراحه اني عيني ماشايفه بكل القبيله اسمح من رابح ولد عمي.. الله يحفظه ويحرسه من لعيون اللي تشوفه وماتسمي وتصلي. 
البنت: رابح الازرق؟ 
معزوزة:- رابح  حتى كان سماره باهي سكر ومدوب في شاهي  
البنت:- والله مراية العشق عميه. 
- اي انحبه وما ننكر.. واخذت تغني بصوت جميل منخفض:
كانت معزوزه تجلس امام القدور تدندن وهي تطبخ:
- خودي ولد العم دلالـه.. فيه الزايد ع الرجالـه
ولد العم حنون لقيتـه ..يطلع برا ما خليتـه
سلم ولد العم الدانـي.. ماخلاني للبرانـي
انا والغالي نفس الجد.. علينا  قولو الله واحد
ما خلاني للبرانًـي ..عارفني جوهر حقانـي
غلا درته مافيه ندم ..رفيق العمر وليد العم. 
انهت دندتها وردت عليها الفتاة بسخريه:
- بس هي الغنيه يغنوها المرهونات لولاد عمهم، وانت ماانرهنتي ولا شي.. واصلا ماتعرفين لمين بتنرهني
معزوزة- لرابح ماغيره. 
- خوي جابر حكى مع بوي بده يرهنك. 
- ارمحي انت وخوكي جابر، معزوزه لرابح ورابح لمعزوزه، وانت ابقي بحلقي في السمحين لغراب وتمني. 

نهضت رجوه من جانبهم، فقد كانت تجلس دون ان يلحظا وجودها، ولحقت برابح وادم وسالم وجلست بجوارهم ونظرت لآدم واردفت:
البنيات يقولن اعليك سمح واااجد ياآدم، ويقولن على رابح ازرق، وسالم ماحدا جاب سيرته ولا انذكر طاريه كنه عفريت ماحدا شايفه. 
بس معزوزه قالت اعلى رابح انه اسمح من كل اهل القبيله وقالت انها تـ... وقبل ان تكمل وضع رابح يده علي فمها يكتم بقية الحديت، ورفع حاجباه وفتح عيناه على وسعهم وقال لها محذراً:
اذا تنقلين حديث الصبايا للشباب مره تانيه اقص لسانك قص.. اللي ينقال بين الصبايا مايسمعه الشباب.. واللي ينقال بينا ماتنقليه لحدا فهمتي؟ 
هزت له رجوه رأسها بخوف وحين رأها سالم كالأرنب بين يديه هجم عليه وبدأ يبعده عنها بعنف وهو يقول له:
- بعد عنها ماعليك بيها، مازال صغيره ماتفهم لا تخوفها. 
تركها رابح وهو يرد عليه:
-انت ويش فيك عند رجوه وتصير مهبول تهجم متل كلب مسعور! 
سالم:- وانهش مصارينك بعد اذا خوفتها، رجوه بنتي اني اللي مربيها وماحد يقترب منها ولا حد يخوفها، واللي يقرب منها ياويلا وسواد ليلا. 
نهضت رجوه وارتمت في حضنه محتمية به وهي تقول لرابح:
- والله ان سالم اسمحكم واحلاكم وانت صدق ازرق طين وكحل كمان ومابيك خير .
فضحك سالم وهو يحميها من رابح الذي يحاول إمساكها وهي تضحك وتختبئ خلف سالم وتجاكر رابح حتى جعلته يشتشيط غضباً. 

وبعد ساعة من بدء الحفل وصل قصير بسيارة دفع رباعي جديدة خطفت انظار الجميع! ، فأمر منصور آدم ان يذهب ويستقبل ضيوفه، فذهب آدم ومعه سالم، وما أن وصلا عند السيارة حتى ترجل قصير من السيارة، وكان معه ضيفان رجل ملثم وإمرأة مبوشة، وما أن ترجلا من السيارة هم أيضاً من السيارة حتى تقدم اليهم آدم مرحباً، وما ان مد يده للرجل يصافحه قائلاً:
هلا والله، هلا بالغوالي نورتونا وكترتونا.. وفور إنهائه لجملته كانت المرأة تقع على الأرض مغشياً عليها، أما الرجل فتجاهلها ومد يده ليد آدم الممدودة وجذبه اليه وقام بإحتضانه بجسد يرجف واحكم إغلاق ذراعيه حوله وكأنه كنزه الضائع الذي وجده، ودقات قلبه كانت بمثابة الطبول التي وصل صداها لمسامع آدم، ومن بين دهشته لكل مايحدث نظر للمرأة على الأرض ولا يعلم سر الرجفة التي سرت في جسده حين رؤيته لعيناها، وكأنه يعرفها ورآها الاف المرات.. ولكن أين ومتى لا يعلم؟!
إبتعد عنه الرجل والتفت للمرأة التي على الارض وجلس على ركبتيه أمامها وبدأ يحاول إفاقتها، وقصير وآدم إستدارا حتي لا ينكشف من المرأة شيئ امامهم، اما سالم فأسرع نحوا نساء البادية يحضر منهم من تستطيع مساعدة المرأة. 
فأمال آدم علي قصير وسأله بغرابه:
- مين هذول ياعمي؟ 
- ضيوف من الحضر ياوليدي معرفة الشيخ منصور، وعلي قد ماعرفوا غلاك عنده صرت من غلاته عندهم. 
صمت آدم فلم تنطلى عليه الحجة، ولازال يشعر بالغرابة تجاه هاذين الاثنين، وهذا الطبيعي نظراً لتصرفهم الغريب، ولكن الغير طبيعي هو شعوره بالألفة نحوهم، من أين اتى ياترى وهو حتى وجوههم لم يراها؟!
اتت النساء لأخذ عايده التى بدأت تستعيد وعيها، وفور أن استعادته بالكامل اخذت تتلفت حولها وصرخت وهي لا تجد آدم بجوارها فامسكت تلابيب محمود وصرخت به:
- هو فين راح فين هاتهولي هاته دلوقتي؟ 
فهمس لها محمود مهدئاً:
- حبيبتي انتبهي لنفسك احنا مش لوحدنا، قالها وهو يشير بعينيه على النساء من حوله، ثم اكمل لها.. الأمانه جوه وانتي هتشوفيها وتشبعي منها بس خلي بالك اوعي تضعفي. 
- كان نفسي احضنه اوي.. ملحقتش اشوفه. 
- ااااه، اهو دا اللي لو كان حصل كان هيودي الكل فداهيه.. انهى جملته واشار لقصير حتى يعطي امراً للنساء  بأخذها، فامرهم قصير وامر مكاسب على وجه الخصوص ان تجلسها في مكان قريب من مجلس الرجال حتى تتمكن من رؤية زوجها طوال الوقت، فهي لا تأمن إلا بوجوده لأنها مريضة، ولم يكن يحتاج لإثبات صحة كلامه فحالتها تؤكد كل حرف يقوله،

 فأخذتها مكاسب وباقي النساء واجلسوها بجوار الشيخه عوالي التي كانت تعلم جيداً من منصور من هي، وكانت في إنتظارها.. فأستقبلتها أحر إستقبال وضايفتها مضايفة الملكات. 
أما محمود فأخذه الشيخ منصور في جولة فى الباديه واخذ يحكي له كل شيئ بخصوص آدم وكان يتحدث وهو فخور بكل الذي تعلمه، 
ونقل فخره هذا لوالده الذي لم تفارق الإبتسامة وجهه طوال إستماعه لما بات عليه إبنه، وأخبره أن المهمة أوشكت على الإنتهاء ولم يتبقى سوى عامان أو ثلاث على الأكثر ويعود الغائب لموطنه، فرقص قلب محمود فرحاً، وبعدها عاد به  منصور الى الحفل، وجلس واجلسه بجواره، واستدعى آدم وفتح معه حديث ونقاش على مسامع ابيه، فتحدث آدم بطلاقة جعلت ابيه لا يصدق ان من هو جالس امامه هو إبنه الذي يحاور ويجادل ويعارض، ونبرته الرجولية التي اكتسبها مبكراً طغت على اصوات كل الحضور ورأيه لم يعترض عليه أحد، بل كان قمة الصواب وقد أشاد الجميع بذلك، فأخذ محمود يقاوم أن يقفز من وسط الحضور ويلتهمه بين احضانه ويضمه لقلبه ويخبره أنه ابيه وانه اتى ليراه وأنه إمتلأ به فخراً.. ولكن يد منصور التي كانت تربت على فخذه من الحين للآخر كانت تعيده لصوابه وتمنعه من تنفيذ ماتسوله له نفسه.. فكان يضه يده على يسار صدره مهدئاً لقلبه الذي يصرخ فيه بأن يستجيب لما يطلبه منه وان يتجاهل العالم باسره، فهذا ابنه الذي امامه وقد بلغ مبلغ الرجال واصبح يجالسهم ويتغلب عليهم حكمة وذكاء، فأي أب يستطيع ان يرى كل هذا ويقاوم إحتضان إبنه؟!

أما عايده فكانت تنظر لآدم وتبكي سراً حتي بللت دموعها بيشتها، وهذا جعل عوالي تشفق عليها وتحاول جاهدة ان تُسكتها وتخبرها بكل شيئ يفرحها بإبنها، فما كان من كلام عوالى إلا أن زادها حزناً وبكاءً.. فكيف لإمرأة غيرها ان تعلم كل هذا عن إبنها وهي امه لا تعلم عنه شيئ؟ 
كيف لغيرها أن تعرف ادق تفاصيله وهي تجلس امامه مثل الغريبة لا تستطيع حتى الاقتراب منه.. فظلت تراقب من بعيد جلسته وحركات جسده وحركة يده وهو يتحدث بجرأة امام الجميع، وابتسمت من وسط عبراتها لطلته التي باتت تشبه ابيها جداً، فهو كان وسيماً بنفس الدرجة، ويحمل نفس الطلة، فنظرت لعوالي واردفت لها متوسلة:
-ممكن تناديه وتتحججي بأي حجه عشان يتكلم معاكي واسمع صوته.. ممكن تخليه يسلم عليا والمسه لأني مقدرتش.. ممكن تعملي كده ابوس ايدك. 
فتبسمت لها عوالي وهي تجيبها:
- ابشري الحين ادزلك اعليه.. وارسلت إحدى الصبيا له بالفعل، وماهي إلا دقائق انتظرتهم  على احر من الجمر تنظر اليه وهو ينهي حديثه مع الشيخ منصور وينهض ويتقدم نحوهم، وفي كل خطوة يقتربها كانت دقات قلبها تعلوا اكثر، حتي غطت على صوت الدفوف، وظلت عيناها تلتهم طوله ومشيته وهيئته وملامحه، شعره الطويل من تحت ربطة رأسه، حتي وقف أمامهم ونظر للشيخه عوالي وأردف:
- أمري شيختي قالولي تريديني؟ 
- فتحدثت عوالي دون انتباه ودون ان تحسب لكلمتها الف حساب للمرة الاولى في عمرها:
- اي ياوليدي دزين اعليك لتسلم على امك.... 


الفصل الرابع عشر 

نظر آدم للمرأة الجالسة ثم نظر الي الشيخه عوالي مرة اخرى وقبل أن يعيد عليها ماسمع تداركت خطأها وصححته سريعاً:
سلم على امك ام سعيد ونادي على سالم وباقي الشبان يسلمون اعليها هي رفيجتي وفمقام اختي ولما حكيتلها عنك قالت ودي انسلم اعليه وانشوف بعيني اللي خطف قليب اختي ورفيجتي ومحبته واصله عندها للغيم
تبسم آدم ومد لها يده مصافحاً وهو يقول:
.مرحبتين  هلا وغلا برفيقة الغالية.. 
أما عايده فمدت اليه يد ترتعش من فرط ماتشعر به من احاسيس ومشاعر تتلاطم داخلها تلاطم الأمواج.. نظر هو بغرابة ليدها المرتعشة قبل ان يضع يده فيها، فقد كان ارتعاشها ظاهراً، وبمجرد أن تلامست ايديهم شهقت المرأة وسريعاً اسرت يده بين يديها واخذت تقبلها مرة بعد مرة، سريعاً وبلهفه، وكم تمنت الا يكون هناك حاجز بين فمها ويده فتشعر شفاهها بملمس يده وحرارة جسده. 
أما هو فكان ينظر اليها بغرابة غير مدرك لماذا تفعل معه هذه الأفعال، فنظر للشيخة عوالي يطلب منها تفسيراً، فردت عليه سريعاً:
-اعذرها ياوليدي امك مريضه وكمان عندها وليد وحيد غايب سافر بره لبلاد يدرس فتلاقي قليبها رجيج عالوليدات. 
تبسم آدم بتفهم وبدأ بعدها يسحب يده من بين يدي المرأة وهو ينظر لعينيها اكثر، ولا يعرف لم هذا الشعور الغريب الذي إنتابه فور رؤيتهم يفيضان بالدمع، لم اشفق عليها جداً ومم؟ ولم اجتاحته هذه الرغبة العارمة في احتضانها الآن والتخفيف عنها.. لم كل هذه المشاعر الغريبة تجاه هذه المرأة الغريبة؟ 
تنهد وهو لا زال واقفاً لا يعرف لماذا لا يرغب في الرحيل من جوارها، وبنفس الوقت لا يستطيع المكوس معها اكثر وترك ضيوفه وعدم القيام بمضايفتهم بنفسه.. 
فغادر بعد أن إستأذن منهم، وذهب للقيام بواجب الضيافة وارسل لها سالم ورابح وبعضاً من الاولاد لتسلم عليهم، ووقف يراقب من بعيد هل ستفعل معهم مثلما فعلت معه ام لا، ولكنها لم تفعل، وكان سلامها عليهم عادياً عابراً خالياً من أي مشاعر! 
فزاده هذا عجباً فوق عجبه، فإن كانت تشتاق لإبنها وتراه في كل الأولاد لماذا تكيل بمكيالين إذاً؟ 
ظل طوال السهرة يختلس النظر اليها، وكلما فعل وجدها تنظر اليه، ويكاد يقسم ان عيناها لم تبارحاه لحظة واحدة، فقرر ان يزيل العجب بالاستفسار والتوضيح من لسانها، ولكن ليس الآن، فالآن سامره وحفله وفرحته التي يجب اغتنام كل لحظة فيها، فقام يشارك الصبية في الغناء والرقص البدوي، وعلى وقع خطواته كانت تتراقص القلوب، ليس كل القلوب ولكن القلوب المحبة فقط. 

انتهى الحفل تقريباً.. اكل الجميع من وليمته حتى شبعوا وبدأوا في الإنصراف، لم يتبقى سوى القليلين واهل البادية.. والغريبين.. الرجل وزوجته. 
إستغل أن الشيخة عوالي إبتعدت عن المرأة فتسلل اليها خلسة وهو يحاول عدم لفت الانظار، أما هي فوقفت حين رأته يقترب منها وانتفض قلبها.. هل عرفها؟ هل شعر بها.. هل قلبه حدثه بأنها أمه؟ أم مالذي أتى به اليها مرة أخرى؟ 
وقف على مقربة منها، ونظر لعينيها المثبتتان عليه ونظر ليداها التان  تحاولان الاختباء في بعضهما من فرط التوتر، فسألها دون تردد:
- منو انت، ويش فيكي، أحسك عندك شي، أحس أمورك غريبه، ماعرف ليش هكي حسيت، بس اعذري فضولي وجاوبيني، ليش عيونك مافارقوني ومحاوطاتني طول الليل، وليش احس بيهم حكي كتير؟
وليش احس اني اعرفك وريتك من قبل مرات واجدة.. وين وامتى ماادري بس هاد شعوري!
حاولت عايده التحكم في الصوت الذي يصرخ بداخلها ويخبرها بأن تلتهمه الآن داخل أحضانها وتخبره انها أمه وان هذا الحضن هو بيته، وأن هاتان العينان هم من سهرا يحرسانه ليالٍ طوال ومنذ افترق عنهم فارقتهم الحياة وهذا سبب الحزن الذي يراه فيهم.. همت أن تخبره بأنها طفلها الذي فرقها القدر عنه.. ضعفت وهي تنظر لعينيه المترقبتان لما سيخرج من فمها، ضعفت وهي ترى الهواء يداعب خصلات شعره الطويلة وياتي بهم على عينيه وأرادت ان تزيحهم بيدها كما كانت تفعل وهو صغير حتى لا يضايقه شعره، شعرت بأنها لا تقوى على المقاومة ولا تستطيع الوقوف أكثر وأن قدماها باتتاً رخوتين لا يستطيعان حملها اكثر وارادت الاستناد عليه وأن تشعر بأنه عكازها القوي الذي ادخرته للزمن كما تفعل جميع الأمهات..
رفعت يدها التي ترتعش وامسكت بطرف نقابها كي ترفعه وتخبره بأنها امه وتهد جميع المعابد الآن وليحترق مايحترق، ستأخذه وتذهب به بعيداً الآن.. لن تعود للقصر ولا تريد من الدنيا شيئ سواه.
وما ان شرعت في رفع النقاب حتى وجدت يداً تمنعها عن ذلك، فنظرت اليها وإذ بها عوالي تنظر لها بحدة وقالت لها بتحذير:ايش فيكِ
- مايجوز ياخيه مايجوز، الوليد مانه صغير.. لوليد بالغ الحلم.. ثم اكملت وهي تشعر بأن عايده تنهار.. لسه ماآن الآوان لا تخربينها.. بس هانت ووليدك راح يردلك عن اقريب وراح يطفي شوقك.. وانت ياعقاب امشي بعيد عنها، بس شافتك تذكرت وليدها  فيك منا ملامحك تشبهه وااجد، صحيت بيها الحنين لضناها، عدي ياوليدي.
هم ان ينصرف وهو لا يزال غير مقتنع بكل ماقالته الشيخه عوالي، فأوقفته السيده بأن اطبقت يدها على معصمه ودون ان تتفوه بكلمة واحدة واخرجت من بين طيات ملابسها علبة صغيرة باللون الازرق ومدتها اليه.. نظر للعلبة ونظر لها، وبصوت يرتجف قالت له:
- هدية نجاحك.. مبروك وعقبال شهادة الجامعه.
نتر يده منها سريعاً بمجرد أن سمع صوتها وكان برقاً ضرب أوصاله.. ماهذا الصوت المألوف، ماهذه النبرة التي جعلت القشعريرة تسري في قلبه، ماقصة هذه المرأة، هذه المرة هو من سيكشف عن وجهها ويعرف من هي، لن ينتظر، فهم بفعل هذا ولكن هذه المرة يداً اخرى هي ما اوقفته، كانت يد قصير الذي اتاه مهرولاً حينما انتبه للموقف، ومن بعده اتى الشيخ منصور مع محمود.. واستمع الجميع لقصير وهو يقول لآدم موبخاً:
- الله يخذيك ياعقاب ويش تفعل.. تكشف ستر حرمه؟.. هكي تعلمت وهي الاصول اللي تربيت اعليها؟
آدم:
بس انا اريد  نعرف منو هي، اريد اشوف ملامحها حاسس اني نعرفها.
قصير:
اغرب عن وجهي ياادم وبلا حكي فاضي وين شفتها وهي غريبه مامن ديارنا ولا من قبيلتنا ومن الكنت صغير ماجاتنا؟
نكس آدم عيناه للأرض خجلاً فقد تدارك حجم خطأة والآن هو واثق بأن لما فعله عقاب شديد، فهو ارتكب خطأ في حق الشيخ منصور وفي حق ضيوفه وفي حق القبيلة اجمع وهو يحاول كشف ستر إمرأة غريبة، هو يعرف الاصول ويعرف التقاليد، ولكن لم كسرهم وتعدى عليهم بهذه الطريقة للمرة الأولى لا يعلم؟
 تحدث الشيخ منصور وهو ينظر لآدم بحده:
- روح يم خواتك ولينا حديث طويل ياعقاب.. ماتظن هي الغلطه بتمر مرور الكرام.. والحين ياأبا يزيد خد حرمتك وتوكل على الله طريقك طِويل ودوبك تلحق توصل.. قالها له وهو يأمره بالتحرك فوراً وإلا ضاع كل شيئ، فأنصاع محمود للأمر، وأمسك يد عايده وتحرك على الفور، ولكنها قاومته وتنصلت من قبضته وعادت لآدم ومدت له العلبة قائلة:
- اشتريتهالك مخصوص ارجوك اقبلها مني.
لم يتحرك لآدم ساكن وظل ينظر اليها وكأنه لا يريد اخذها منها حتى تبقا اطول و يشبع عيناه من عيناها وصوتها، ولكن يد عوالي هي من اخذت منها العلبة وشكرتها، وكل هذا كي تغادر، فقد أصبح الأمر خطيراً وبدأت القلوب تتعرف على بعضها، وإن بقيت الأم مع ابنها اكثر سينفضح كل شيئ.

وغادر محمود وعايده الباديه، وصعدا في سيارة قصير القديمة وتركا السيارة التي أتوا بها، وكانت هذة المرة الثالثة التي تختبر فيها عايده الوداع، ونفس الشعور يعود اليها مرة اخرى وهاهي نفس الدموع تذرف ونفس الوجع يعود، وكأنه كتب عليها خوض هذه المشاعر بالتفصيل كل فترة من الزمن.. ولكن رغم ذلك كانت هناك بعضاً من السعادة تجابه الشعور بالألم وتحاول هزمه،فما رأت عليه إبنها ليس بالقليل، بل يشرح القلب ويثلج الروح، ولكن للفراق ألم لابد أن يُخاض.
عادا للفندق الذي نزلا فيه، فقد كانت خطتهم انهم سيسافران لمدة اسبوع في اجازة مسروقه من الزمن، يستريح فيها محمود من عناء العمل، وكانت سهرات السمر من ضمن برنامجهم الترفيهي، وكأن الامر حدث بتخطيط من إدارة الرحلة حتي لا يشك احد بشيء.
َوأمضوا ليلة من اسواء لياليهم، يحتضنان بعضهم وحديثهم عن ابنهم لا ينقطع، لا الوصف فيه ولا التغزل ولا السعادة التي يشعر بها كل منهما، واخيراً إستكانت ارواحهم وهدأت واطمأنت على طفلهم.

أما في البادية في نفس ليلة الحفل وبعد ان غادر الجميع، ارسل الشيح منصور لآدم، فاتى له وهو مستعد لأي عقاب سيفرض عليه، فهو اخطأ ولا يملك تفسيراً لما فعله مع المرأة سوى أنه ضرباً من الجنون انتابه.

دلف الى خيمة الشيخ منصور فوجد وجهه هادئاً عكس توقعه، فحياه واقترب حتى وقف امامه فقال له منصور آمراً:
- اجلس ياعقاب ودي احكي معك بشي.
جلس آدم وهو يرد على الشيخ منصور:
عيبتي كبيرة  ياشيخ ونا عارفها ونادم عليها ومستعد لاي شيي تحكم بيه.انا اللحم وانت السكين.

الشيخ منصور:
-مقدر قد ايش انت غالط ياعقاب؟ 
-اي يا شيخ ،حل عليا عقابك
- تعرف لو ماكان اليوم يوم اسعدك وانت محتفل وفرحان.. 
كان تما لي كلام تاني غير،وتاني شي انت معترف بخطاك ودرت عليه اعلوم، معناها ماعاد اتعثر فيه مرة ثانية،صح كلامي ولا انا غالط؟ 
آدم:
-صح كلامك ياشيخي،الله لا يحرمنا من حن قلبك وأطال الله بعمرك ياشيخنا. 
ووطى على رأسه وقبلها
الشيخ منصور:
-اسمعني زين.. عندي لك حاااجة سمحه بلحيل راح يطير عقلك فيها. 
آدم:
-ايش هالحاجة ياشيخ؟ 
الشيخ:
-ريت السيارة رباعية الدفع اللي جوار الخيمة،هادي ملك لك بصكو ملكية. 
آدم بفرحه عارمه:
والله وااااجد عليا ياشيخ بيكفيني الكباش اللي عطيتهن لي وتكاليف الحفل.
الشيخ:
- انت مو فاهم علي.. هادي مو مني، هادي هدية من واحد يحبك ويعزك واجد وهو كمان غالي عليك
 آدم :من مَن؟ 
الشيخ :هالعطية من بوك 
آدم انتفض آدم وهب واقفاً وهو يرد عليه بعصبيه:
-انا مو عندي اب، ولا انريد منه شي.. ايش خطرني عليه؟ تو غير تذكر ان عنده ولد! 
الشيخ منصور:
-اجلس وانا انفهمك كل شي
آدم:
-مانريد نفهم شي، الشي الوحيد اللي فاهمه انه رماني رميه شينة، وتو جايبلي سيارة! 
باي وجه قدر يسوي هيك وايش مناسبتها؟ انا مو محتاج سياراته ولا اي شي من ريحته.. انا عنده  مييييت ولموات لا يتهادون ولا يسوقون سيارات ياشيخ. 
الشيخ منصور:
-ياوليدي سمعني.. انت تو صرت راجل مالي توبك، وانا قررت الحين انفهمك كل شي،وليش ابوك سوا هكي.. 
آدم:
- لا ما اريد افهم شي، ولا اريد طاريهم لا ابوي ولا امي،انا بالاول كنت اريد ارجع واسألهم ليش تركوني وكيف هنت عليهم.. ،لكن تو  انا مانريد نرجع ومانريد نسأل ولا اي شئ.. خلااااص شلتهم من حساباتي نهائياً، اني ماعاد ليا أهل غيركم، ولا ودي شي من حدا، فبالله صكر على هالسيرة ياشيخ،
وهم ذاهبا تاركا الشيخ بدون استإذان
فهدر به الشيخ منصوربعصبية:
-صبي مكانك.. هادي تاني غلطة اليوم ياعقاب تطلع منك، اغلاطك صارت كثيره وكبيره.. تسيبني ونا ماخلصت كلامي معاك، وتغادرني من دون ماتستأذن مني؟ 
آدم عاد وهو مطأطا راسه وقد تدارك  خطأه:
- اعذرني ياشيخ انا مو عارف ايش بي اليوم! 
بس نرجوك ما تفتح سيرة هلي مرة اخرى بستأذنك ودي اروح ارقد راسي حيييل يوجعني. 
انهى حديثه وذهب من امام الشيخ منصور سريعاً وهو يحاول كتم غضبه حتى لا يخطئ مرة ثالثه، فتكون الغلطة التي تقسم ظهر البعير وتجمع عقاب جميع ماسبقها.. 
فأردف الشيخ منصور في نفسه:
 - الباين اني غالط لما حسبتك كبرت وعقلك نضج ياعقاب.. لك غرني بنيان جسمك وشطارتك ،لكن قلبك مازال قلب وليد صغير ،ولا يمكن الجرح كبير ومافيه يبرا بسهوله.. الله يعين قلبك ياوليدي ويعين قليب بوك وامك.

خرج آدم وهو في قمة غضبه وذهب لسالم ورابح الذين كانوا يجلسون عند البئر يضحكون بمرح، وفور أن رأوه يقترب منهم والعبوث على وجهه، سأله سالم وهو يتعجب من تغير حاله:
-ايش فيك؟ رحت فرحان رديت متكدر ومهموم، ويش حكى معك الشيخ ياخوي؟ 

حكي لهم آدم  كل شئ عن السياره وعن كل مادار بينه وبين ااشيخ، فتجاهل الاثنان كل ماحدث ووقفا عند خبر السيارة، فقال له
سالم بدهشة:
- بالله تحكي صدق؟ 
يعني انت تقصد هالسيارة رباعية الدفع المقنعرة قدام خيمة جدي منصور تخصك انت؟ 
آدم:
-اي تخصني، لكن ما اريدها
رابح:
-نشهد بالله انك بهيم. 
سالم:
-بهيم ومليون بهيم وما تفهم شي 
آدم:
-انا ما اريد شي من بنتهم. 
رابح:
-ياقليل العقل اعتبرها من بنة اي حد اخرا غيرهم، وتو ما تمت تخصهم، تمت لك انت. 
ولك ياعالم هادي سياااارة سيااارة. عارف يعني ايش؟
 يعني انطلاق وهياجه، ومشاوير الحضر تبقى اسهل وامتع من غير مانكونو تحت رحمة عمي قصير، يتحكم في كل تحركاتنا ونرحموا اقدامنا اللي بتنشوي من الحصا ورمال الصحرا القايدة واحنا نروح هناك ونرد هيني.
سالم:
- وبعدين سوا اخذتها ولا تركتها انحسبت عليك، اللي اعرفا ان هلك مانهم قريبين ليردلهم عمنا قصير خبر بانك رفضت عطيتهم.. الا راح تبقى وراح تحل لقصير يركن سيارته الخرفه وياخدها يتمشور بيها وراحت عليك يابهيم. 
صمت آدم ونظر بعيداً بتفكير في كلامهما، وبعد أن إقتنع بوجهة نظرهم رد عليهم بقلة حيله:
بس انا خلاص بريت زمتي منها قدام الشيخ منصور، رفضتها ومااريد ارجع بكلمتي معو، الراجال مايلحسون كلمتهم وانا كلمتي انطلقت كيف الرصاصه ماتعاود مره تانيه. 
سالم:
انت ماعليك، انا نمشي نقبلها منه ونجيبلك مفتاحها واقولا اني ورابح ردينا عقلك براسك.
آدم:
-سوو اللي بدكمياه، اني رايح ارقد تعبت حيييل اليوم، تصبحون على خيرات الله. 
سالم :نصبح علي مفاتيح السياره وطلعه ووناسه من بكرة الصبح. 
تبسم لهم وتركهم وذهب إلى غرفته، فخلع عنه ثيابه وارتمى على فراشه وحاول أن يريح بدنه وعقله بعد هذا اليوم المتعب ذات الأحداث الغريبه، واخذه التفكير رغماً عنه لتلك المرأة الغريبة المألوفة ذات التصرفات المريبه، ومن بعدها لموضوع السيارة، واخذ يتسائل ترى مالذي ذكر أباه به وجعله يرسل له تلك السيارة، ومن أين علم بخبر نجاحه، هل معنى ذلك أنه لازال يشغل حيزاً من تفكيره؟ 
هل لا يزال يتذكر أن لديه إبناً، وهل ياترى اصبح لديه اخوة الآن، هو لا يتذكر سوى انه كان عنده أولاد عم، فهل انجبت أمه ماانساهم إياه وجعلهم ينسون أمره؟ 
هل لم يكن إبنهم يوماً وكان دخيل عليهم او طفل مُتبنى وفور أن رزقهم الله بطفل من لحمهم ودمهم تخلصوا منه؟ أم انهم رأو أنهم بتربيتهم لغير إبنهم يزرعون في أرض لا يملكونها، فأقتلعوا الزرع ورموه قبل ان يكبر وتتفرع اغصانه؟ 
كم هائل من الأسئلة عادت لتعصف بعقله بعد أن قرر تجاهل كل شيء
في الفترة الأخيره، وكم تمنى لو أنه استمع للشيخ منصور وتفسيره للأمر، ولكنه فر هارباً خوفاً من أن تصدمه الحقيقة، ففضل البقاء في عالم الإحتمالات بدلاً من تلقي صدمة تقضى عليه. 
نهض من فراشه بعد أن هجره النوم من كثرة التفكير، فقام لحاسوبه، فتح نافذة على العالم الخارجي وبدأ يتصفح، ومن ثم بدأ يطبق في اخر دروس اخدها في تهكير المواقع حتى اجادها، وأصبح اي موقع او حساب شخصي لا يأخذ في يده اكثر من دقائق ويُفتح أمامه، وبعد أن نجح في الأمر تماماً اعاد كل شيئ كما كان وخرج من كل شيئ، وقرر الا يستغل علمه في اذى من أي نوع.. بل هو شيئ من باب المعرفة ليس إلا، مع أنه لا يرى له أهمية، ولا يعتقد أنه سيأتي اليوم الذي يحتاج لفعل شيئ مثل هذا كما يخبره معلمه دوماً بأنه سيحتاجه حتماً. 

اقبل الفجر ولاح الخيط الابيض من الأسود في كبد السماء، فقام آدم للصلاة، ثم ارتدى ملابسه وذهب يوقظ من قالا أنهم سيقفون على بابه في الصباح الباكر، ومازالوا نائمين على غير العادة، فذهب لخيمتهم ولكن اوقفه صوت مايزه وهي تنادي عليه:
-ياعقاب.. عقاااب.. أقبل الشيخه تريدك. 
ذهب اليها آدم وهو يتنهد، فهو يعلم سبب استدعائها له في الصباح الباكر، وحتماً ستوبخه على فعلته مع ضيفتها، ولكن لا يهم سيتحمل التوبيخ، فهو اخطأ والمخطئ يتحمل. 
دلف إلى الخيمة بعد الإستئذان فوجد الشيخة تجلس فوق مصلاها وبيدها مسبحتها فردت عليه تحية الصباح ودعته للجلوس بجوارها وقالت له:
- تعرف ليش دذيتلك بدري هكي ياعقاب؟ 
آدم:
اي اعرف ياشيختي.. وان كان تقصدي باللي صدر مني امس، انا مشيت للشيخ منصور واعتذرت منه وهو سامحني، ونعتذر منك انتى كمان فياريت تسامحيني ماكان قصدي
عوالي:
- هو انا كنت راح اعلمك غلطك اذا مااعترفت بيه، بس دامك قريت بغلطك مسامح ياوليدي، والحين عندي سبب ثاني جبتك لاجله. 
انهت حديثها واخرجت العلبة القاطيفة من صندوق خشبي كان بجوارها وهي تقول له:

-مد يدك واقبل الهدية، والحرمة قدراتك وجابتك هديه وانت واجب عليك تقبلها والنبي عليه الصلاة والسلام قبل الهديه ياعيوني
آدم فتح الهديه واندهش:

-هادي ساعةرولكس اصلييه واااجد غالية.. انا شفتها عالانترنت سعرها معدي حق خمس اجمال، وبلكي اكثر! 
كيف هالحرمه ماتعرفني وتهاديني هيك هديه ثمينة؟ والله غريب امرها! 
عوالي:
-يا وليدي، هالناس كتير عندهم من الخير والرزق اللي ماله حد ولا عد، 
ومايقدمو الا قيمتهم، وهالساعه عندهم شي قليييل 
فانت ماتستخسرها في روحك ،واذا ما تريد تلبسها شيلها لوقت عازة، ومو كل شي تعمل منه حكايه وليش ومن من ؟كل شي بوقته حلو
صمت آدم واخذ الساعه واستأذن منها وذهب لخيمة المجلس اللي تخص الشباب.. فوجد رابح قد استيقظ وسالم يتململ في نومته وعلى وشك الاستيقاظ، ففتح الساعة واخذ يتإملها مرة أخرى بحيرة.! 
رابح:
-الله الله  ويش هالساعات والحركات، من أمس وانت تتساقط  عليك العطايا الثمينة.. 
خلينا تحت جناحك ياكبير المقام
إشرأب سالم برقبته يرى مايتحدثون عنه واردف وهو يرى الساعة:
- ياعقاب احنا خوت وحاجتك حاجتي مووو، يعني وين ماتجيني طلعة ناخدها منك. 
رابح:
- وانا ناخدها وين مايكون عندي مشوار للحضر. 
وباقي الشباب 
كل واحد بدوره عايزها في اي مناسبه عنده
لم يعلم آدم لم شعر بأن هذه الساعة. بالذات لا يود مشاركتها أحد، لا يعلم لم يشعر بأنها شيئ خاص به هو فقط لا يتشارك، بالرغم من أنه لا يعز على رفاقه اي غرض من اغراضه، ولم يرفض لهم يوماً رجاء.. فأجابهم. معترضاً: 
-هادي مو ملكي، هادي ملك صحبتها وانا هنرجعها لها وقت تعاود، انا مااقبل هدايا من اغراب، وفكوني من وجيجكم.
رابح:
-يييي تو عاد بهيم. 
سالم:
- هي طبيعته وين يهروب منها، بينا بينا اليوم عندنا مناسبه غيير وعقاب عازمنا على يوم بالحضر وكل وشرب ووونااااسه. 
ونهض الاثنين يستعدان، أما آدم فذهب لغرفته وفتح خزانته واخرج الحقيبة التي يحتفظ فيها بألعابه، وقام بوضع الساعة معهم، ولا يعلم لم شعر بأن هذا مكانها الطبيعي، برغم أن هذه الاشياء ذكريات من طفولته! 
أما في خيمة. الشيخه عوالي، فظلت على نفس جلستها بعد أن غادر آدم، وظلت تسبح على مسبحتها وقد تأثرت ملامحها ويبدوا أنها شاردة تفكر في شيئ ما، فسألتها مايزه:
-ليش سامرة ياشيخه فيك شي 
اتحسي بشي؟ 
عوالي:
- والله مو عارفه ايش اقولك يامايزه، 
بس اللي صار واجد بلحيل على ام آدم.. انا الليل مانمته بسبب اللي صار واللي شفته بعيوني وقلبي قضى الليل ينزف عليها وجع.. 
انا اي ما ماعندي ضنا ولا ضنيت.. بس حسيت بكل شي هي مرت بيه وحسته.. حسيت بروحي مكانها ووليدي قدام عويناتي ومحرومه من ضمته لقلبي.. والله مزقت روحي، ولا الصبي اللي قلبه حس بامه.. 
ياربي لوشفتيه يامايزة كيف يدقق النضر فيها، وكيف هي كانت تطلع فيه ،ملعونه كل الظروف اللي تفرق الام من جنين كبدها وماتقدر اتضمه على صدرها.. والله لو بيدي لنمشي نقتل عمه ومرته العقربة وعمته الحيه وناكل اكبودهم ونجمع ادم بابوه وامه المسكينة.
قبل كنت نشفق عليه درجه.. تو نشفق عليه درجات ونشفق على امه اكثر واكثر.. الله يعدي مابقى على خير  ويرد الغايب لاحبابو
مايزة :
-هانت ياشيخه عدا الكثير ماتبقى الا القليل. 
عوالي:
-انت تشوفيها هينة، لكن ام ادم من اليوم راح تعدي عليها الساعات سنوات، الله يقوي عزمها.. 
هي شافت وليدها وصارت 
كيف العطشان ومربطه كل اوصاله وقدامه خرير المي ومو قادر يمد يده ويروي عطشه.. ملعونه القيود اللي يحطها البشر علي حق مكفول. 

أما في القصر.. 
كانت مديحه تجلس في غرفة محمود وتنظر لصورة آدم بسعادة وظفر، وامسكت الهاتف واتصلت برقم وبعد أن أتاها الرد قالت:
- هاه عملت إيه عرفت توصل؟ 
طيب تمام.. أول ماتلاقي الوقت المناسب نفذ فوراً. 
وبعد أن أنهت المكالمة اغلقت الهاتف واخذت تنظر لصورة آدم وقلبها يتراقص فرحاً، وبعدها خرجت بها من الغرفة وذهبت حيث تجلس فريال ويحيي بجوارها، وأخذت تلوح أمامهم بصورة آدم قبل إن تقول:
- عرفت مكان آدم.. وكلها ساعات وأول جزء في الخطه يتنفذ.. عشان بس تعرفوا إنكم خلاص راحت عليكم، وانتي يافريال المفروض تعتزلي الملاعب وتسيبيها لغيرك وتسلمي بالهزيمه. 
نهض الاثنان سريعاً وأختطف يحي الصورة من يدها ونظر اليها بدهشة، ثم اختطفتها منه فريال ونظرت اليها وقد تملكتها الدهشة هي الأخرى، وهتفت دون الإكتراث لمن يقفون بجوارها:
-يابن الصايعه! انا قلت من البدايه الولد مخرجش بره مصر، وكالعاده كلامي مبينزلش الأرض. 
جلس ثلاثتهم ينتظرون ما ستفعله مديحة، والذي رفضت الإفصاح عنه لهم، وكأنها صارت هي الربان وهم الركاب ولا يحق لهم أن يعرفون أي الاتجاهات ستسلك المركب، بل مهمتهم هي الجلوس والإنتظار فقط. 

وبعد ساعات رن جرس الهاتف، فأسرعت إليه مديحه وفور أن اجابت أتاها الرد:
-تم ياست هانم.. العربيه قدامنا اهي بتتشقلب من فوق الجبل واللي فيها بقوا سلطه.. أي أوامر تانيه؟ 
- لا ميرسي.. ابقى عدي عليا خد باقي فلوسك.. تسلم الأيادي

                    الفصل الخامس عشر من هنا 

تعليقات