رواية نصف الجمال الفصل الثامن8 بقلم ولاء عمر


رواية نصف الجمال الفصل الثامن8 بقلم ولاء عمر

- خلي بالك منها يا نوح، هي ملهاش غيرك بعد ربنا.
- ربنا يبارك فيك ياعم سعيد متقولش كدا.
- معادش في العمر بقية، خلي بالك منها عشان هما مهيرحموهاش.

مش حِمل أشوفها ولا حتى أحس إنها مكسورة.

كمل:- وصيتي ليك يا ولدي، دول عيالي وأنا عارفهم، كيفهم كيف الديابة، يأكلوا الضعيف وينهشوا في لحمه، حاولت السنين اللي فاتت احميها، بس هما كانوا بيستغلوا وقت تعبي ومن أقل حاجة ييجوا عليها، حتى لو هي قوية وأنا عارف كدا؛ بس هما أقوى.

- لا عاش ولا كان اللي يفكر يمس بس شعرة منها، دا أنا أجيب عاليه واطيه، يفكر بس حد منهم يعمل كدا.
- عشان كدا وافقت عليك من الأول يا ولدي، وأنا كنت عارف إنك شايف نفسك مفروض عليها، بس حقك عليا مش بيدي والله، قلبي واكلني عليها من بعدي.
- متقولش كدا، أو يمكن في الأول كنت شايف كدا، بس دلوقتي أنا مشايفش نفسي غير معاها هي.

دخلت هي بعدها وهي ماسحة دموعها وبتبص ليا بعتاب.

- وه، أنا اللي طلبت منه ميقولكيش يا سارة .
- ليه طيب؟
- وأقلقك وأنتِ بعيدة ومهتعرفيش تيجي؟!
- وأقعد كدا أنا مش دريانة بتعب يعني؟
- أيوا، كفاية خلاص تعبتوني من كتر المناهدة، يلا على روحي مع جوزك.
- لاه بقى أنا مش هسيبك وأمشي.
- سارة متتعبنيش معاكي، يلا روحي .

بعد مناهدة مع أبوها مشينا، وآه كانت متجنباني، وكل دقيقة حد يوقفني يسلم عليا، وألف مبروك إنك رجعت تمشي من تاني، وبس يعني.

- يلا تعالوا كلوا عشان تطلعوا تريحوا، من ساعة ما جيتوا ومريحتوش دقيقة، وعلى الليل كدا ابقوا انزلوا .
- حاضر يا أمي.

طلعنا وهي برضوا ساكتة
- يا ستي أقسم بالله أبوكي هو اللي طلب مني كدا وحلفني، وبعدين كنت قاعد ضميري بيأنبني والله.

بدأت تعيط _ ماسورة الله الوكيل _ خدتها في حضني، ساعتها زاد عياطها.

إتكلمت وسط عياطها:- أنا خايفة عليه، لاء وكمان أنت كنت عارف ومش راضي تقولي، يعني أنا كنت قاعدة كل دا على عمايا؟! 

- ياستي والله هو محلفني، يرضيكي يعني أقول وهو محلفني؟
- يرضيك يعني كنت أفضل قاعدة على عمايا؟
- والله كان على نن عيني.
- ولو.
- يا ستي بقى، أنا واقف على جلي من بدري وتعبت بقى ومنمتش.
- بتطلع من الموضوع!
- تعالي نامي بس وربنا يحلها، وإن شاء الله عم سعيد يخف ويبقى بخير.
- يارب.

ــــــــــــــــــــــــــ

يوم تقيل، لحظات تقيلة، تفكير مُثقِل ومُثقَل.
ياربي خايفة أعيش لحظات وحياة كانت مخاوفي ولازالت مخاوفي من سنين.

حطيت رأسي على المخدة وأنا حاسة إنها تقيلة من كتير الأفكار، ودموعي بتسبقني، دموعي زادت ودماغي عمالة تزيد فيها التخيلات السوداء.

قرب وخد رأسي في حضنه وهو عمال بستعيذ بالله.

- أهدىٰ؟
- خايفة.

قعدت افكر وأخاف وهو يطمئني لحد ما غلبني النوم ونمت.

صحيت صليت الفروض اللي فاتتني وأنا نايمة، وفي كل سجدة كنت بدعي له يكون كويس.   خلصت صلاة وقعدت مكاني، ودماغي عمالة تروح وتيجي لحد ما سمعت صوت مرات خالي بتنادي، طلعت لها، فقالت إنها جهزت الأكل ، دخلت صحيت نوح ونزلت علشان أساعدها.

- ومنادمتيش _ ناديتي_  عليا ليه بس أنزل أساعدك ؟
- يا بتي يعني لسة راجعين من سفر وتعبانين وأصحيكي، أنا قولت أجهز الوكل وبعدها أصحيكم.
- ولا تعب ولا حاجة متقوليش كدا بس !
- يا ستي نبقى في مرة نأكل من إيدك والأيام جاية كتير، يلا ربنا يهدي سركم.

طلعت معاها الأكل وحطيناه وكان خالي دخل من برا، ونوح نزل من فوق، ودخلت هناء وابنها الصغير وبعدها بدقيقة كان دخل وائل، وإتجمعنا كلنا نأكل.

احم، بلا فخر يعني اتصاحب على زيد ابن هناء اللي عنده أربع سنين.

- عُض خالوا يا حبيب بابا.

خبطتت هناء وائل بعد الجملة دي، وبما إن زيد بيسمع كلام أبوه جداً يعني فراح عض نوح فعلا.

- إيه يا حبيبي، هو كل حاجة يقولها لك أبوك دا تسمع كلامه فيها؟ وبعدين أنا سكتت على أساس إنك مش هتسمع كلامه وإنك طفل بريء، مش زي أبوك.

ردت هناء:-  وماله أبوه بقى؟ 

ضحك ليها وائل وهو بيعمل لها حركة قلب بإيديه،  علشان بعدها يرد نوح:-أيوا يا أختي،  ومين يشهد للعروسة؟ 

في جو كان عبارة عن ضحك وهزار ودفا كنا متجمعين، دخلت كمان أنا وهناء ساعدنا مرات خالي في غسيل المواعين وبعدها طلعنا بالشاي.

- من يد ما نعدمها يا مرتي يا حبيبتي.

اتكسفت وملحقتش أرد عليه عشان خالي كان هو رد عليه:- ما تختشي يا واد! إيه دِه؟!

- سيبه يا عمي، عريس جديد خلينا نتريق عليه .

رد نوح على وائل:- شوفوا مين بيتكلم؟!!! 

جاوب نوح على نفسه في نفس اللحظة:- وائل بيه النحنوح.

زعق خالي فيهم:- ما كفاية شغل العيال دِه، انتوا كبار معتوش صغيرين عاد.

ضحكت مرت خالي عليهم بشماته وبعدها طبطب عليا وهي بتقولي:- الله يعينك على دمه يا بتي والله.

بعد قعدة طلعتني من اللي كنت فيه شوية كانوا هما مشوا وأنا طلعت أنام بعد ما قعدت مع مرت خالي وخالي شوية.

طلعت الأوضة ونمت.
كنت مقررة أقعد أستنى نوح عشان هو طلع راح مشوار بس غلبني النوم.

" شكراً إنك ساعدتيه، دلوقتي جاي دوره هو."

كان الصوت جاي من مكان بعيد، رديت بعدم فهم:- أزاي؟ وأنت مين؟

صحيت من نومي وأنا بمسح بإيدي على وشي وبحاول أفوق، أو أستوعب إيه الحلم دا؟ أو هو حلم أصلاً؟ مش عارفه ماهية الشيء الغريب دا؛ بس يارب خير.

بصيت جنبي وكان نوح نايم، استعذت بالله وبعدها رجعت نمت.

شهر بيعدي وأنا كل يوم بروح أطمئن على أبوي، شهر من الخوف، التعب، الإرهاق، قلة النوم، خناقات وشد وجذب مع اخواتي ومراتاتهم، تعب أمي كمان المتقطع، اللي بتحاول تتماسك علشان أبوي.

هواجسي ومخاوفي بدأت تكبر، وتزيد، خوفي من فكرة إن أبوي ييجي وقت وتعبه يزيد عليه فعلاً بفعل عامل السن، وبحكم إنه يمكن في أواخر السبعين، وأمي الست اللي على مشارف الخمسين، مخاوفي من إنهم يسيبوني.

كنت نايمة بعد محاولات كتيرة للنوم علشان ييجي ساعتها نوح يصحيني برعب.

- سارة قومي، سراج تحت وبيقول إن عم سعيد عايز يشوفك ضروري.
- دلوقتي يا نوح؟!

قولتها وأنا لسة بحاول افوق من نومي، كملتها بخوف:- طيب هو، يعني هو كويس؟ إتحسن طيب؟

- مش عارف والله يا سارة، هو قال إنه عاوز الكل، حتى أبوي كمان.

قومت وصليت وبعدها روحت معاه، لقيت اخواتي كلهم متجمعين حواليه، يمكن آه مبيحبونيش، ولا أنا مش بتقبل أغلبهم بس فكرة إن أبوي كان بيتقي ربنا فينا وفي ربايتنا مخليا قلبنا عليه، علاقة أخوات غريبة؛ لكنها بتيجي عن منطقة أبوي وكلنا نجتمع على حبه وإحترامه.

دخلت المندرة وكان إخواتي كلهم جوا، أبوي كان لسة داخل قدامي من الجامع، مبتسم، وشه وكإنه منور، سلم علينا بإبتسامة بشوشة، قعد يتكلم معانا كلنا شوية، بعدها قال إنه عايز ينام؛ فطلعنا كلنا وهو طلب إن أمي تفضل جنبه.

قعدت جنب نوح وأنا مبتسمة، على عكس نوح اللي ملامحه كانت متطمئنش.

- مالك يا نوح؟

رد بتوهان:- مش غريبة فكرة إن أبوكي يفوق مرة واحدة وكمان يجمع الكل حواليه ويسلم عليهم؟!
- يمكن وحشناه وما صدق بقى كويس علشان يقدر يجمعنا.
- إن شاء الله خير.

بعد ربع ساعة من الهدوء اللي مينفعش يخلى من ودودة مراتات أخواتي وأخواتي طلعت أمي وهي بتقول إن أبوي طالب يشوفنا.

دخلنا كلنا، ساعتها بص علينا بإبتسامة وشاور لينا وهو بيقولنا مع السلامة، مكنتش فاهمة هو بيقول إيه لحد ما عدل رأسه لقدام السرير زي ما هو نايم وهو بيقول بصوت شِبه واطي:

- السلام عليك يا سيدي يا رسول الله.

عدل وشه لناحية جنبه بجزء بسيط:- السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر.

كنت أنا سمعاه علشان أنا أقرب واحدة واقفة جنبه، مستغربة اللي هو بيقول له.

سكت، لحظة صمت مننا كلنا، إبتسامة مرسومة على وشه، ملامح هادية، عينين مفتوحة، قربت منه وأنا بلمس إيده.

لـ..لحظة، دي ساقعة، مفيش نبض، بكدب نفسي، بكدب عيني، صوتي بيطلع بنبرة مرجوفة:

- أ.. أبو... أبوي... رد عليا بالله عليك، عشان خاطري، يا أخي بالله لترد عليا.

بصيت لنوح وأنا بترجاه:- نوح هو بيحبك، كلمه إنت هيسمع كلامك.

صوت بكا منتشر في كل ناحية، تلاه صوت صويت، رجليا مش حملاني، خانتني في اللحظة دي.

ساعتها نوح سندني وهو بيأخدني في حضنه :- وحدي الله.

- يا نوح هو كان لسة كويس، أنا كنت فرحت إنه رجع قام يا نوح؛ دا أنا قولت إنه خلاص راق.

إنهيار، عياط، بكاء شديد، رفض قاطع للأمر الواقع، لحظات تقيلة، وكإني شِبه غائبة مغيبة عن العالم، رافضة رفض قاطع للي بيحصل.

في الوقت دا أخويا طلب من الكل يطلع برا.

- هما إزاي عايزيني أسيبه يا نوح؟ دا أنا أكتر واحدة قضيت معاه وقت فيهم، دا أنا اللي كنت متصاحبة عليه أكتر منهم، محدش منهم كان قريب منه قدي.
- تعالي ودعيه يا سارة.
- طيب أصحيه، تعالي كدا، ممكن يكون نام على نفسه من غير مايحس بسبب العلاج على فكرة.
- وحدي الله يا سارة.

قربت منه، أنا فاهمة ومدركة، بس عقلي رافض الفكرة، إزاي يسيبني طيب، دموعي متشبهش لشيء غير الشلالات، لا تنقطع، قربت منه وأنا مفيش في دماغي وأنا بـ أبوس رأسه غير آية"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ" ملامحه مبتسمة والله، بوست رأسه وسبحان من ألقى على قلبي الصبر إني اسكت في اللحظة دي.

ودعته بالفعل وخرجت مع نوح




تعليقات