رواية بستان حياتي
الفصل السابع والثامن
بقلم سلوي عوض
في غرفة الجد في المستشفى، حيث كانت الأجهزة تصدر أصواتًا خافتة، كان الجد يجلس على سريره، متكئًا بضعف بينما تنظر إليه بستان بترقب وتوتر.
الجد: (بعد لحظات من الصمت العميق، يتنهد ببطء كأنه يستجمع شجاعته)
حاضر يا بتي... هجولك كل حاجة. لازم تعرفي عشان أزيح الحجر اللي على قلبي. بس عندي طلب.
بستان: (تقربت منه وملامحها مليئة بالحنان)
اؤمرني يا جدي، .
الجد: (بصوت هادئ ممزوج بالحزن)
أنا عايزك تسامحي فريد، أخوكي. عارف إن اللي عمله غلط، وما ينفعش، بس مهما كان ده أخوكي وخايف عليكي. عجله هو اللي صور له إنه يتصرف معاكي كده. سامحيه يا بتي، للأسف فريد ورث مني الطبع الجاسي .
بستان: (بدهشة وامتنان)
حضرتك أحن قلب في الدنيا، انت عمرك ما كنت قاسي.
الجد: (يهز رأسه بأسى وابتسامة حزينة ترتسم على وجهه)
لا يا بتي، زمان كنت جاسي قوي، وبسبب الجسوة دي دمرت ناس كتير كانوا قريبين ليا. الطبع ده فرق عيلتي وخلاني أندم على حاجات كتير.
بستان: (بصوت مختنق ومنكسرة، تحاول تستوعب كلامه)
انا مش فاهمه حاجه ارجوك وضحلي ياجدي . مش حضرتك قلت إنك هتحكي لي كل حاجة؟
الجد: (بنبرة مطمئنة)
هحكي، يا بتي، هتعرفي كل حاجة قريب. أنا طلبت من عمك جمال إنه يكلم الدكاترة عشان نروح قريب. (ثم ينظر حوله بقلق) فين فريد؟
بستان: معرفش، يا جدي.
وهنا تدخل الممرضة بابتسامة هادئة، وتقاطع الحديث بلطف.
الممرضة: يا حج، ده ميعاد العلاج بتاعك، وانتِ يا آنسة بستان، كفاية كده النهارده. لازم تروحي اوضتك ترتاحي
............................
في قصر العمري، وصل عمر مع بنات عمه، نور وليلى، ينادي على والدته ليعلمها بوصولهم.
عمر:فين أمي يا مرات عمي؟
نجوى (زوجة فؤاد): أمك من ساعة اللي حصل وهي بتصلي وبتدعي ربنا، ما خرجتش من أوضتها… أهلاً أهلاً بالقمرات، نورتوا بيتكم.
نور وليلى: ده نور حضرتك يا طنط.
عمر: روحوا مع مرات عمكم، ارتاحوا واتغدوا، وأنا هارجع المستشفى.
يغادر عمر، وتأتي أمنية، ابنة فؤاد الكبرى، بنظرة مليئة بالكراهية تجاه بنات عمها.
أمنية: أهلاً ببنات عمي، أخيرًا جيتوا البلد. من زمان ما شفناكم، وحتى لما كنتوا تيجوا كان كبيركم يقعد يومين ويرجع، مع إننا برضه متعلمين وخرجين جامعات زيكم.
نجوى بظرى تحذير: مش وقت الكلام ده يا أمنية… سيبيهم يرتاحوا، خليكي شوية مع تجهيز الغداء.
ليلى: لا شكرًا يا طنط، إحنا بس عاوزين نرتاح شوية.
نجوى: إيه ده! ده بيتكم، وانتوا زي عيالنا، ما فيش داعي للشكراً.
نور: طب هنطلع نرتاح ونغير، وبعدين نتغدى.
نجوى: على راحتكم يا بنات، دقيقة واحدة، هاجيبلكم مفتاح الدور بتاعكم.
تأخذ البنات المفتاح ويتوجهن للراحة، بينما تلتفت نجوى بغضب إلى أمنية.
نجوى: دي طريقة تتكلمي بيها مع بنات عمك؟ انا ربتكم على كده .
أمنية: طول عمرهم رافعين مناخيرهم علينا، ولا كأنهم أسيادنا!
نجوى: يا بتي، انسي بجى.
أمنية: انسى إيه! انسى اليوم اللي كنت تعبانه فيه، وكان لازم أنزل مصر أتابع مع الدكتور؟ أبويا خدني وروحنا عندهم، ولما جه وقت الغداء، ما رضيوش ياكلوا معانا وخلوني أنا وأبويا ناكل لوحدنا في أوضة الضيوف. ولما كنا هنبات، مرات عمي قالت لي: "معلش يا أمنية، هتنامي في أوضة الدادة عشان بناتي مش بيحبوا حد يبات معاهم في أوضهم"، وبعد كده قالت لي "خدي شاور عشان الحشرات"... وانتِ جايّة تقولي لي أسامح؟ ده لو ما كانش عم جمال جه وزعق معاها، وأبويا كان واقف ساكت! ولما قعدت أعيط عشان نمشي، قال لي: "الوقت اتأخر، هنروح فين دلوقتي يا بنتي؟". طول عمره ضعيف قدامهم كلهم.
في هذه اللحظة، يدخل فؤاد.
أمنية: (بحزن وغضب) عايزة أعرف يا أبويا ليه بيحصل لينا كده؟ وليه طول عمرك ضعيف قدامهم؟
فؤاد: (بتنهيدة ثقيلة) بعدين يا أمنية، بعدين يا بنتي هتفهمي كل حاجة... روحي بس دلوقتي وكل حاجة هتبقى زينة.
فؤاد ينظر إلى الأرض بحزن، ثم يتحدث مع نفسه بصوت خافت.
فؤاد لنفسه:
حقكم عليا يا ولادي... بس كان لازم أعيش في دور الغلبان عشان أقدر أخد كل حاجة. بكره تتعدل يا فؤاد.
---------------------
في غرفة الجد في المستشفى، كان الجو مشحونًا بالتوتر والقلق.
الجد:فين أخوك يا عمر؟
عمر: متشغلش بالك يا جدي، هياخد جزاؤه.
الجد: أخوك فين؟ متتعبش جلبي يا ولدي.
عمر: حب**سته يا جدي، ومش هاسيبه، وهصعد الموضوع.
الجد: وجالك قلب تعمل كده في أخوك الكبير يا ولدي؟!
عمر: طول عمره مربيلنا الرع***ب، وكفاية اللي عمله في بستان. ولحضرتك لازم يتربى.
الجد: والله يا سليم يا ود العمري، عشت وشوفت عيالك بياكلوا في بعض.
عمر: هو اللي بدأ يا جدي. هي بستان مكنتش أخته لما عمل فيها كده؟
الجد: خلاص يا عمر، روح طلع أخوك، وسوي الدنيا. اقفل الموضوع ده وروحوا ع البيت. محدش يجي تاني. إحنا إن شاء الله خارجين بكرة.
عمر: يا جدي، بس بستان...
الجد: اعمل اللي بقولك عليه. ما تتعبش جلبي، وملكش دعوة بأختك. أنا اللي بقولك.
عمر: أمري لله، حاضر يا جدي.
-------------------------
في غرفة بستان، كان الجو هادئًا، لكن عمر دخل بابتسامة مشبعة بالمرح.
عمر: أهلا أهلا بالعروسة اللي هتظبطلي الدنيا مع لولتي. العب يا عموره ده احنا هنحب حب. (ويغمز لها)
بستان: (بجدية) عمر... شكلك في حاجة، مهما هزرت، أنا بعرفك، باين من عينيك.
عمر: يتنده جدك عاوزني أخرج فريد من الحب***س.
بستان: (بتعجب) هو أنت حب***سته؟
عمر: ده موضوع يطول شرحه، وأنا مش عارف أعمل إيه يا بستان.
بستان: اسمع كلام جدك يا عمر.
عمر: (بقلق)طب والي عمله فيكي مش هيتحاسب عليه؟
بستان:أنا مسامحاه، أرجوك يا عمر، اسمع كلام جدي وخرجه
فريد.عمر: (باستسلام) حاضر.
---------------
في زنز***انة فريد الانفرادية، دخل عمر وفتح الباب، ليجد فريد جالسًا في الزاوية، عيونه متعبة من القلق. بمجرد أن رآه، هرع فريد نحو الباب.
فريد: (يجري تجاه عمر، صوته مليء بالقلق)
طمني على جدك وبستان! هما كويسين؟
عمر: (بابتسامة، محاولًا تهدئته)
اطمّن، أنا جاي أخرجك. كل شيء تمام، جدك وبستان بخير.
فريد: (يتنفس بارتياح، لكن صوته يظل مليئًا بالهم)
مش مهم، أنا المهم هما.
عمر: (بحزن وهو ينظر لفريد)
للأسف، سامحوك عشان تعرف الفرق بينك وبينهم. .
فريد: (تغلب عليه مشاعر الندم، ينخفض صوته)
كفاية يا عمر، أرجوك. كفاية تانيب ضميري، مش قادر أتحمل. صدقني يا عمر، أنا هتغير. هكون أخ كويس ليك ول بستان. حقك عليا يا أخويا.
عمر يقترب منه ويحتضنه، محاولًا أن يخفف عنه الألم.
عمر: (بصوت مفعم بالمشاعر)
ياريت يا أخويا تتغير بجد. أنا عارف إنك تقدر.
يخرجان معًا من الزن****زانة، وفي طريقهم إلى الخارج، يتحدث فريد بعينين مليئتين بالأمل والتوبة.
فريد:
أنا عايز أروح لجدي وبستان أول حاجة. لازم أشوفهم، وأعتذر لهم.
عمر:
إحنا هنروح البيت الأول، عشان نغير ونرتاح. وهم كده كده جاين الصبح. مينفعش حد منهم يشوفك كده، يا فريد.
يتجهان معًا إلى القصر، وعمر في قلبه أمل أن فريد سيبدأ صفحة جديدة.
..........................
في قصر العمري، كان الجو مشبعًا بالحزن والهدوء، ولكن عمر كان يحاول أن يخفف من أجواء التوتر.
عمر: (بصوت عالٍ وهو يدخل)
يا حجه صباح يا أم فريد.
صباح: (بابتسامة، متفاجئة)
أهلاً يا ولدي، الحمد لله على سلامتك.
فريد: (بحزن شديد، وهو يقترب من والدته)
سامحيني على اللي حصل يا أمي.
صباح لم ترد عليه، فقط كانت تراقب فريد في صمت.
عمر: (محاولًا التدخل بلطف)
يا صباح، سامحيه. خلاص، جدي وبستان سامحوه.
صباح: (بتنهيدة، بعد لحظة من التفكير)
خلاص يا ولدي، المسامح كريم.
يقترب فريد من والدته، ويقبل يدها في صمت، بينما تحتضنه والدته بحب ورقة.
عمر: (بتهكم خفيف، محاولًا كسر الجو الحزين)
خلاص بقى، إيه العيلة اللي مبتعرفش تفرح دي؟ واخدين النكد حصري.
وفي تلك اللحظة، نزلت نور وليلى من غرفتهم
عمر: (موجهًا حديثه إلى فريد، وهو يشير إلى الفتاتين)
أعرفك يا سيدي بنات عمك، ليلى ونور.
ثم مال عمر قليلاً على فريد وهمس في أذنه بابتسامة:
إيه رأيك في ليلى القمر دي؟ خطفت قلبي.
فريد نظر إلى نور، وعينيه اتسعت، فشعر بشيء غريب في قلبه، وكأن نبضاته عادت تدق من جديد، ولكن هذه المرة بشكل مختلف، أحس بشيء لم يكن يتوقعه.
بعدما نزلت نور وليلى من غرفتهما، كانت العائلة تتجمع ، وفريد ناظرًا لنور بهدوء غير معتاد. في لحظة خاطفة، شعر بشيء جديد ينبت داخله، كأن قلبه نبض من جديد، بخفقان لم يعهده من قبل، بينما وقف يتأمل نور، كأنه يحاول فهم هذا الإحساس الغريب.
نور اقتربت من فريد وبدأت الحديث، لتخرجه من أفكاره وتعيده إلى الواقع.
فريد (بابتسامة هادئة وبنبرة مليانة تعب): أهلا بيكم يا بنات عمي، كان نفسي تيجوا في ظروف أحسن من كده.
نور (بملامح حنونة وفيها اهتمام): مش مهم يا فريد، أهم حاجة إنك تكون بخير... قصدي كلكم تكونوا بخير.
وفي وسط هذا الحديث الهادئ، قرر عمر يدخل بخفة دمه المعتادة ويضيف جو من الضحك.
عمر (بلهجة ضاحكة): العب يا فريد، شكلنا هنبقى عدايل قريب!
ليلى (بتنهد وهي بتبصله ): يا أخي، خليك مرة واحدة جد في حياتك!
عمر (بابتسامة فيها دلال): اه لو تحني علينا شوية يا جميل.
ليلى (بتحاول تسيطر على ضحكتها): عمر!
صباح، قررت تتدخل بحنانها المعتاد عشان تهدي الجو وتستفسر عن أحوالهم.
صباح (بنبرة هادئه): اعقل يا عمر، ربنا يهديك يا ولدي... قولي يا حبيبي، جدك وأختك أخبارهم إيه دلوقتي؟
عمر (بهدوء واطمئنان): الحمد لله بخير، وإن شاء الله بكرا هيخرجوا.
صباح (بفرحة): بجد يا ولدي؟
عمر (بيهز رأسه مؤكدًا): بجد يا صبوحة.
فريد (وهو بيحاول يهرب من تفكيره): عن إذنكم، هطلع أرتاح شوية.
صباح (بقلق واضح على فريد): مال يا فريد يا عمر؟
عمر (يحاول يطمنها): مفيش حاجة يا أمي، هو كويس... حضروا العشا، بجد جوعنا.
صباح : حضروا الأكل يا بنات، وبعد العشا ورانا شغل كتير... وهاتوا الجزارين، ندبح عجلين للغلابه حلاوة سلامة الغاليين .
------------------------------
كان الصباح هادئًا، لكن الأجواء كانت متوترة، في انتظار ما سيحمله من أخبار، وربما مواجهات غير سارة. جمال أنهى إجراءات المستشفى، وخرجوا جميعًا في طريقهم للمنزل. طوال الطريق، ساد الصمت بين الجميع، كأن كل واحد فيهم غارق في أفكاره. بعد لحظات وصلوا إلى البيت، وكان الجميع في استقبالهم بترحاب.
أول ما دخلوا، أطلقت صباح الزغاريد فرحًا برجوعهم.
صباح: يانجوى، يلا نحضر الوكل، كتر خيرهم بقالهم كتير بياكلوا أكل المستشفى!
أمنية (بنظرة استهجان): اشمعنى أمي اللي تحضر معاكي الوكل؟ متخلي اللي عاملين نفسهم ضيوف دول يحضروا الأكل!
في اللحظة دي، صافي قررت تتكلم مع جمال عن شعورها.
صافي (وهي تتحدث بهدوء): أظن إن مهمتنا هنا خلصت، نرجع بيتنا وبلدنا بقى.
جمال (بحزم): وبعدين معاكي يا صافي؟ كفاية كده.
الجد كان قاعد قريب، ولاحظ نظرات صافي، فقرر يتدخل.
الجد (بهدوء ووقار): مالك يا مرت ولدي؟ حد هنا ضايقك في حاجة لا سمح الله؟ اصبري، عاوزكم كلكم ؛ هنقعد ونتكلم .
أثناء هذا الحوار، فريد اقترب من جده بابتسامة خفيفة فيها ندم.
فريد: حمد الله على سلامتك يا جدي. حقك على راسي، وصدقني مش هيتكرر تاني.
الجد (بهدوء ): خلاص يا ولدي، كان شيطان وراح لحاله.
فريد (وهو يتحدث بحب): حقك عليا يا بوسي.
عمر (بضحكة): بكرا تقولها يا بسبوسة! خلي بالك بسبوسة دي بتاعتي أنا بس.
"بستان"، اقتربت منه ونظرتها فيها رجاء.
بستان: أبية فريد، ممكن ننسى ونفتح صفحة جديدة؟
في اللحظة دي، وصل سليم.
عمر (بمزاح): اهو "انشتا" جيه! ازيك يا جوز أختي؟
فريد (بصوت مليء بالمشاعر): ازيك يا سليم. خلي بالك من بستان، دي أغلى حاجة في حياتي.
سليم (بنظرة استغراب): يا راجل؟ أمال عملت فيها كده ليه؟ إزاي جالك قلب تعمل في أختك كده؟ أنا عندي أخواتي البنات، اللي يبصلهم بس نظرة تزعجهم، أمحيه من على وش الدنيا.
فريد بدأت الدموع تلمع في عينيه، وشعر بتأنيب الضمير.
فريد: أنا عارف إني غلطت غلطة لا تغتفر، بس أرجوكم تسامحوني. كفاية إن أختي الوحيدة اتكتب كتابها من غير ما أكون موجود.
عمر قرر يتدخل بخفة دمه عشان يخفف الجو.
عمر: أختك الوحيدة؟ أمال أنا أطلع إيه؟
بستان (بابتسامة): أخته يا ذكي.
سليم (بابتسامة هادية): خلاص يا فريد، كلنا بنغلط، ولازم نسامح.
الجد (بنبرة جدية): يلا ناكل، وبعد الوكل عاوزكم كلكم معايا، نتكلم في حاجات مهمة.
الأجواء ابتدت تهدى، وكل واحد منهم حاسس بأهمية الترابط، والحب اللي بينهم، رغم كل حاجة.
--------------------------------------------
بعد الأكل، اتجهوا جميعًا إلى غرفة المعيشة، كل واحد فيهم منتظر يسمع كلام الجد، لكن الجو كان مليان توتر، وصافي قررت تكون أول واحدة تتكلم.
صافي (بنبرة متوترة): خير يا عمي، في مصايب تانية عايزنا نحلها؟ بس أنا معنديش غير سليم، وخلاص جوزته، أجيب لك ابن تاني منين؟
الجد (بهداوة): لا يا مرت ولدي، ربنا ما يجيبش مصايب.
صافي (بنبرة متحدية): أظن كده الجوازة مابقاش ليها لازمة.
سليم (بنظرة حادة لأمه): أمي، مش إنتي اللي تقرريلي حياتي.
صافي بصت لسليم بصدمة، مش مصدقة اللي بتسمعه من ابنها.
الجد قرر يطلب القهوة عشان يهدئ الأجواء.
الجد: القهوة يا نجوى.
أمنية (بزعل): هو مفيش غير نجوى؟ إحنا مش خدامين عند حد.
عمر (بتضايق): انتي مالك؟ حد كلمك؟ أعوذ بالله منك، انتي بت خنيقة.
فؤاد (بصوت غاضب): عمر! اتحدد زين مع بنت عمك، الزم حدودك، هي غلطت في إيه؟
جمال (بتدخل سريع عشان يهدي الوضع): خلاص يا عمر، خلاص يا فؤاد، ده مش وقته.
الجد شاف المشهد ده بحسرة، وأحس بقلق جوه قلبه.
الجد (بنبرة هادية ومليانة حزن): خلصتم؟ عايز أتحدد معاكم وأكلمكم في حاجة، اسمعوني، ومحدش يجاطعني.
الكل سكت وبص للجد باهتمام.
الجد: طبعًا كلكم عارفين إني هعمل عملية كبيرة، والله وحده يعلم إذا هقوم منها ولا لأ.
الكل، ما عدا أمنية وفؤاد: بعد الشر عليك يا جدي.
الجد (بهدوء): عشان كده أنا قررت أقولكم على السر اللي شايله جوايا من سنين، واللي بسببه جمال ولدي ساب البلد كلها، واللي بسببه جدتكم ماتت بحسرتها، وعشان كده سميتك بستان يا بنتي.
الأحفاد (بقلق وترقب): إيه يا جدي؟ قلقتنا، إيه السر ده؟
-------------------------------
في جو من الحزن والدموع، بدأ الجد يحكي قصته، ملامحه متجعدة وعيناه تغطيها الحزن والندم.
الجد (بصوت مختنق بالدموع): من زمان، بعد ما خلفت ولادي الرجالة التلاتة، جدتكم كانت نفسها في بنية. وربنا رضانا وادانا بنت زي الجمر، سميتها بستان لأنها كانت بيضة زي الفل الأبيض، وخدودها حمراء زي الورد الأحمر البلدي، وريحتها زي الياسمين. (ينهمر دمعه).
سميتها بستان عشان جمعت كل الورود ، ومرت السنين وكبرت بستان، دخلت الإعدادية وكان كل يوم يجيلها عريس.
جعدتها من المدرسة، بس جدتكم والمرحوم مصطفى وجمال اتحايلوا عليا عشان تروح الثانوية،
في يوم كان عندي مصلحة في قنا، قلت للسواق متروحش تجيبها، أنا هعدي وأجيبها بنفسي.
لكن لما وصلت قدام المدرسة، لقيتها واقفة مع زميلتها ومعاهم شاب. من غير ما أفهم، خدت بستان من إيديها وعملت اللي عمله فريد معاك يا بستان، لكن كنت جاسي أكتر بكتير. حجزتها في المخزن الشرقي، وحرمت حد يدخل عليها ولا ياكلها ولا يشربها.
(يبكي بمرارة).
كل اللي كان في دماغي أن بنتي هتحط راسي في الوحل. بعدها بيومين، ما راحتش المدرسة طبعا ، وصاحبتها جات تطمئن عليها وقالتلي إن بستان مجتش المدرسه بقالها يومين، من ساعة ما كانت واقفة معايا انا و أخويا الي كان جاي ياخدي لقيتها واقفه مستنيه العربيه واتاخرت عليها قولتلها نوصلك رفضت قالتلي مينفعش امشي معاكي واخوكي معاكي كنت حضرتك وصلت وخدتها ومشيتو ومن ساعتها مجتش المدرسه
أنا في اللحظة دي مكنتش فاهم، وعملت اللي عملته معاها من غير ما أفهم. كنت زعلان من جمال ومصطفى وجدتك، وقلت لهم إنهم السبب. ولما عرفت الحقيقة، نديت عليهم علشان نروح نفتح المخزن. لقيناها مرمية على الأرض وقاطعه النفس. جمال أخدها على المستشفى، واحنا وراه، لكن الدكاتره قالوا إن قلبها ضعيف، وحاولوا ينقذوها، لكن معرفوش. قعدت يومين في المستشفى وراحت للي خلقها .
بعد شهرين، جدتكم ماتت من الحسرّة، وجمال هملنا وأخد عياله ومشي. بعد سنة، جيتي أنتي يا بستان، ينظر إليها بعيون دامعة.
علشان كده سميتك بستان. ربنا سبحانه وتعالى أراد إنك تاجي شبهها في كل حاجة، ويعاقبني ويقول لي إن ذنبك هيعيش قدامك، وتعيش تتعذب طول عمرك. والله كفرت عن الذنب ده كتير. (يبكي بشدة). وكلهم يبكون معه.
جمال (بتأثر): ما دتش لنفسك فرصة تسمعها. حكمت عليها وعلينا كلنا من غير ما تسمع ولا يكون عندك ذرة رحمة.
الأب (محاولًا تهدئته): كفاية يا جمال، كفاية يا ولدي.
جمال (يمسح دموعه بحزن): خلاص، الكلام مفيش منه فايدة.
صافي (تنظر لسليم وبناتها، بحدة): عرفتوا ليه بكره الصعيد وبكره الناس هنا؟
الجد (بتنهيدة عميقة): أنا كده ريحت نفسي، بس فاضل أقولكم وصيتي.
الجميع ينظر لبعضهم في صمت، وتعمّ حالة من التوتر. ثم يضحك فؤاد ضحكة خبيثة، كأن هناك شيئًا آخر على وشك أن يحدث.
