رواية نصف الجمال الفصل السابع7 بقلم ولاء عمر


رواية نصف الجمال 
الفصل السابع7
 بقلم ولاء عمر




- ليه لما بتفرحوا بتعيطوا؟! ولما تزعلوا برضوا بتعيطوا؟!

خبطتني على كتفي وقالت:- إنت بارد والله، أنا غلطانة يعني إني فرحانة لك؟

مديت البوكيه:- لاء طبعاً يا سمو الأميرة، أنتِ بس نسيتي تشوفي البوكيه اللي جبته علشانك!

إبتسمت بخجل وخدته فعلاً.

- بمناسبة المناسبة السعيدة دي أنا مقرر إننا هنتعشى برا، وأخليكي تشوفي القاهرة ولو لليلة قبل ما نرجع البلد.

- إحلف؟!
- والله العظيم.

ضحكت على صدمتها، بعدها دخلت بحماس طفلة صغيرة تغير.

مسحت بإيديها على وشي وأنا بفتكر مكالمة أمي ليا بعد الجلسة وهي بتقولي إن عم سعيد تعبه زاد، وإن هما مخبيين على سارة علشان هتتعب.

قررت فعلاً إن بعد ما نرجع.

      ـــــــــــــــــــــ

دخلت جري وإختارت فستان بحبه وطرحة تليق مع معاه، معاها سلسلة رقيقة وخاتم شبهها.

يمكن أنا مش البنت اللي كملت تعليمها واللي هو مقياس ناس كتيرة لفكرة تنسيق اللبس، أو الثقافة، أو المعرفة، أو حاجات كتيرة، حتى لباقة الشخص وطريقته في الكلام، بس أنا فعلاً مش ضد الفكرة، أنا متصالحة مع فكرة الفروق الفردية اللي قرأت كتير، وهي إننا كلنا مفيناش حد شبه التاني.

- إيه يا سارة هتباتي عندك؟
- بلف الطرحة على فكرة.
-هعد لعشرة، ولو مخلصتيش....
- لاء لاء هخلص.

طلعت له، ماشية جنبه، ماشي جنبي، إيدي في إيده، كنت سمعت إنه عناق الأيدي كفيل يخلي القلب دافئ برضوا، إبتسامة ظاهرة على محياي.

ـ أول حاجة حابة تروحي فين؟

فكرت وبعدها قولت:- المُعز.

- يلا يا بينا.
- بجد؟!
- هو أنا ليه حاسس إن عندك بطء استيعاب النهاردة ؟
- بتتريق عليا يا نوح؟!!

رد وهو بيضحك:- ما أنتِ اللي طريقتك تضحك وأنا مالي!
- طب أنا مقموصة، يلا سلام عليكم، أنا ليا غير شقتي؟
- والله؟
- بجد.

شدني وهو بطلعني من الشقة وبيقفل الباب بالمفتاح ورايا.

- إكبري بقى وبطلي عِند يا سارة هانم.
- يعني قصدك إني عيلة؟
- أقسم بالله ما هسيبك تنكدي، يلا على تحت أنا قولت لوائل يسب لي العربية علشان هتكون أريح، يلا.

بيموت فيا، بيموت فيا، أحم أنا بحب استفزه طيب، أعمل إيه يعني ؟!

ـ  هو أنت فاكر كنت بتسوق إزاي طيب؟! أنا خايفة.

قال بشبه عصبية:- يارب صبرني، اديني الصبر من عندك.

- ما أهو أنا خايفة عليك.
- متخافيش يا أختي ؟
- أختك ؟!!!
- يارب الصبر .
-حساني مستفزة شوية؟
- لاء طبعاً يا حبيبتي مين يقدر يقول كدا؟!!
- خلاص والله كنت بهزر.

كملنا في طريقنا وأنا قاعدة أنكش فيه وأستفزه، وقلبي طاير من الفرحة بشوفته كويس، أو بوجوده.

وصلنا، كنا بعد العصر، الجو حلو، المكان جميل أوي، خصوصاً إن أنا حد بيحب الأماكن التاريخية، ما بالكم بالمعز اللي كان نفسي اروحه أصلا ؟!

- تعالي اقترح اقتراح.
- قول 
- هنروح بيت الكريتلية الأول، البيت شبه البيوت اللي في المعز، تعالي بجد.

روحت معاه ودخلنا البيت اللي كان بمثابة متحف، وأنا بدخل بيت الكريتلية، حسيت كأن الزمن رجع بيا لورا، كأني عايشة في حكاية من حكايات القاهرة القديمة. البيت مبهج من أول خطوة، المشربيات الخشبية بتدخل نور الشمس بطريقة ساحرة، والسقف مليان نقوش إسلامية دقيقة، تحس إن كل زاوية فيه بتحكي قصة.

بصيت حواليا لقيت الساحة الداخلية بمثابة لوحة فنية، مع الحوش الصغير والأشجار اللي بتدي إحساس بالهدوء. عرفت إن البيت اتسمى كده علشان واحدة من جزيرة كريت كانت ساكنة فيه زمان، بس بعد كده جه جاير أندرسون، الراجل البريطاني ده، وقرر يرممه ويجمع فيه تحف نادرة من كل حتة.

الغرف الداخلية مبهرة، فيها أثاث قديم وديكورات بتحسسك بالفخامة والبساطة في نفس الوقت. وأنا ماشية فيه، كنت متخيلة الناس اللي كانت عايشة هنا، حياتهم، لبسهم، وأصواتهم وهي بتتنقل بين الغرف. بيت الكريتلية مش مجرد مكان تزوره، ده تجربة بتعيشك جمال وتاريخ القاهرة اللي مش ممكن تنساه.

- نوح، المكان تحفة بجد؛ ليه الإنسان ميقدرش يرجع بالزمن ويعيش الأيام بتاعتهم دي؟!
- المكان فعلاً جميل، يلا بينا على المعز زيّ ما اتفقنا، أهو مخلفتش بوعدي.
- ماشي يا سيدي.

دخلنا المعز، ودا من الإماكن اللي قرأت عن تاريخها كتير.

     ـــــــــــــــــــــــــــ

حاسس إن جمال المعز بالليل وشوارعه، حتى إضاءة المكان مريحة، لو تشبه شيء مريح في حياتي، فهو وجودها.

وقفت هي الاكسسوارات النحاسية والفضية، ساعتها وقفت اختار بهدوء من غير ما تأخد بالها سلسلة فضة فيها شكل كوكب ومحيطة بيه الحلقة شبه كوكب زحل.

- إتفضلي.
- الله يا نوح، شكل عسول.
- الحمد لله إنها عجبتك يلا.

مسكت إيدها وكملنا تجول في الشارع، مش أول مرة أجي المعز؛ لكن أول مرة أحس إن أنا مستأنس وأنا فيه، أول مرة أحس إن كل خطوة فيه مختلفة عن كل مرة مشيت فيها.

الشعور بوجود حد قريب منك يشبه سكينة الليل بعد يوم طويل، حضور بسيط لكنه مليان طمأنينة. كأن وجوده بيمنحك مساحة للراحة، بدون كلام كتير أو تصنع. تحس إنك مستقر، وكأن الدنيا حواليك أهدى، وإن حتى لو كل حاجة مش واضحة، وجوده بيخلي الأمور أخف. هو شعور إنك مش لوحدك، وإن فيه طاقة هادئة بتدفي المكان بمجرد وجوده.

لقيت بنت كانت معاها كاميرا، وقفتها علشان نتصور أنا و سارة، ساعتها سارة وقفت واتوترت وقالت برفض:

- لاء أنا مش عايزة أتصور.
- ليه طيب؟
- كدا علشان مش بحب التصوير.
- دي حاجة هتبقى ذكرى.

قالت بتوتر وعنين بتلمع بالدموع:- كدا، أنا مبحبش شكلي في الصور.

حاوطتتها بكتافي وأنا بقولها:- أنا بحبه.

ـــــــــــــــــــ

ينفع أقوله إن فعلاً مبحبش شكلي؟ ولا سماري ولا حتى ملامحي.  ما اعتقدش إن ليا صور على تليفوني أصلا من كتر ما أنا مبحبش شكلي.

مسك خدودي وهو بيقول بضحكة:- قال مبحبش أتصور قال! البعيدة مشافتش لون عينيها العسلي اللي بتلمع، ولا شافت ملامحها اللي تدخل القلب وراشقة في قلبي زي السهم.

ابتسمت بخجل على كلامه، فكمل:- بكلمك بجد، متعرفيش إن الكينج قال آه يا اسمراني اللون، حبيبي يا أسمراني كان قصده عليكي ؟!

بصيت ليه بضحك وأنا عارفة إنه بـ يهزر فقال:- أيوا كدا فكي، اضحكي كدا ويلا نتصور ولو طلعت مش حلوة أنا نفسي همسحها.

إبتسمت على كلامه وهو شاور للبنت وجات تصورنا. 
بعدما اتصورنا قعد حبة منبهر بالصور وعمال يقولي إن شكلي حلو.

لحظات الفرح اللي بيكسبها المرء وسط ساعات وأيام رافض فيها نفسه كفيلة تفرحه قد اللي عاشه حزن.

بعد ما البنت مشيت مسك الصورة لأنها صورتها بالكاميرا اللي الصورة بتطلع منها نفسها، كان ماسك الصورة ومبتسم.

بص ليا وهو بيقول:- شايفة عسل إزاي ؟ إسكتي أنتِ متعرفيش حاجة أصلاً عن جمال السمار وحلاوته.

-يا ابني بقى .
- يلا بس نروح نأكل علشان فرهدت.

روحنا مطعم هادي، كان من اختياره، اتعشينا وبعدها طلع موبايلي وفتح السناب شات، ثبت الموبايل وشغل العداد وبرضوا أصر نتصور.

لما رجعت بصيت للصور تاني، حسيت إني فعلاً حلوة، وإن إيه سماري العسول دا، وإيه لون عيني الحلو في عينه دا؟!!

أول حاجة عملتها أول ما دخلت الشقة هي إني بصيت على المرايا اللي في الصالة وأنا بـ أبص لنفسي وبفكر 
يعني هو أنا حلوة؟
ملامحي وكدا يعني حلوة؟
طيب وشكلي؟
وسماري؟
يعني فعلاً حلوة؟

دخل ورايا وهو بيقول:- عجبك اليوم؟
- قوي بجد، يارب نعيده تاني.
- إن شاء الله السفرية الجاية بقى هنختار الأماكن من قبلها.
- إن شاء الله، يلا تصبحي على خير.
- وأنت من أهل الخير.

دخل ينام وأنا فكيت الطرحة، فكيت كحكة شعري بهدوء، جيبت المشط وقعدت أسرحه، يمكن دي من المرات القليلة اللي أحب شكلي كـ كل، ملامحي، سماري، لون عيني، وشعري الإسود. 

ساعات كنت بحس إن ملامحي بتميل للملامح المصرية الأصيلة، يعني مش سمرة للدرجة، لاء قمحاوية بدرجة غامقة، ورثتها من أبوي، عنين عسلي من أمي، وطول شعري ونعومته برضوا من أمي.

- منمتيش ليه؟
- مش جاي لي نوم.
- شكلك حلو كدا .

نوح كان صحي وأنا لسة قاعدة مكاني على الركنة بلعب في شعري وبفكر.

- شكلك حلو وأنتِ سايبة شعرك، ملامحك كإنك لوحة
 مرسومة بحرافية.
- بجد؟!
- بجد جداً، والله أنا يا بختي بيكي.
- أنا اللي المفروض أقول كدا باين!
- فصيلة أقسم بالله.
- شكراً.

أعمل إيه طيب، ما أهو دا الصح باين! 

- جهزتي الشنط؟
- أيوا.
- طيب ساعة كدا ونمشي.
- ياريت بجد عشان أمي وأبوي وحشوني
   
ــــــــــــــــ

إبتسامة موجوعة ظهرت على وشي وأخفيتها على الفور، بس مهما حاولت أداري هي كدا كدا هتعرف.

مرت الساعة وكنا جهزنا ووائل جه علشان يأخدنا، ساعتها خدت وائل على جنب وعرفته إني مش معرف سارة.

ركبنا إحنا التلاتة، سارة أغلب الطريق كانت نايمة لأنها منامتش بالليل دا غير إن اليوم كان مُجِهد.

وصلنا، دخلت البيت اللي كنت طالع منه على كرسي، المرة دي أنا داخله بفضل ربنا وكرمه على رجليا، في اللحظة دي صوت زغروطة أمي سمع حواليها من فرحتها إني رجعت وقفت على رجليا من تاني.

ساعتها قربت  _ وهي بتعيط برضوا، اللهم لا إعتراض يعني كلهم بيعيطوا في المواقف اللي المفروض يفرحوا فيها_ وهي بتحضني أنا وسارة.

- ربنا يسعدكم ويهنيكم، يا ألف نهار مبروك إنك رجعت تمشي من تاني، الحمدلله.

بعدها وجهت الكلام لسارة:- ربنا يبارك فيكي يا بتي على وقفتك.

جه أبويا وهو بيحضني :- واحشني يا ولدي، الحمد لله اللي خلاني اشوفك واقف على رجليك وبصحتك.

وبعد سلامات من أخواتي وعيالهم وأمي وأبوي، خدت سارة وروحنا على بيت أبوها.

في كل خطوة كنا بنقرب من البيت كنت بخاف أكتر من اللي جاي لحد ما وصلنا.

دخلنا قربت من أمها وسلمت عليها، بعدها جرت على أوضة أبوها، لاحظت ساعتها تعبه الزايد.

قعدت تعيط وهي بتسأله:- ليه محدش قالي طيب ؟! ليه أقعد لحد ما أتفاجىء؟

رد عليها بضعف:- يعني كنتي عايزانا نقلقك في غربتك يا بتي؟
- يعني يرضيك أقعد كدا يا أبوي معرفش وكلكم مخبيين عليا؟

خلصت وطلعت لأمها، ساعتها قربت من عمي سعيد وسألت عليه، إتكلمت معاه كلام قليل وبعدها قالي:
- خلي بالك منها يا نوح، هي ملهاش غيرك بعد ربنا.
- ربنا يبارك فيك ياعم سعيد متقولش كدا.
- معادش في العمر بقية، خلي بالك منها عشان هما مهيرحموهاش.

تعليقات