
رواية مهمة زواج الفصل السابع والعشرون27والثامن والعشرون28 بقلم دعاء فؤاد
حين خرج أدهم من غرفة مكتبه وقف معتصم ينظر في أثره و صدره يعلو و يهبط و ملامحه منكمشة من فرط الانفعال، فوجد نفسه يطيح بكل ما على سطح المكتب بيده و هو يصرخ بعصبية لعله يفرغ غضبه في تلك الجمادات، فاستند بكفيه الى حافة المكتب و هو يحاول السيطرة على عصبيته الزائدة.
و بعد ثواني قام باطفاء المكيف ثم فتح نافذة الغرفة الكبيرة على آخرها و التي تطل على الطريق و أخذ ينظر من خلالها في اللاشيئ و هو يستنشق الهواء لعل صدره يتسع بعدما ضاق لحد الاختناق.
بعدما هدأ تماما أمسك هاتفه و أتى برقم ريم، ينظر له و نفسه تراوده بأن يتصل بها و يحاول اقناعها مجددا لعله ينجح تلك المرة و لكنه عاد لينهر نفسه و يحدثها:
ـــ ايه يا معتصم اتغيرت اوي... كفاية بعترة في كرامتك لحد كدا.. من امتى و انت بتجري ورا حاجة مش ليك.. كفاية عليك الكام ذكرى اللي عيشتهم معاها و سيبها بقى تعيش حياتها زي ما اختارتها و حافظ على شوية الكرامة اللي باقيينلك.
ألقى بالهاتف على سطح المكتب ثم طلب من السكرتيره أن ترسل عامل لتنظيف المكتب و اعادة ترتيبه.
حاول أن يستعيد تركيزه قدر المستطاع حتى يتمكن من استئناف أعماله، و في خضم انشغاله دخلت اليه نرمين و جلست قبالته بعدما ألقت عليه التحية.
ترك ما بيده من عمل ثم نظر لها بملامح واجمة في انتظار ما سوف تقوله، فحمحمت لتقول بتوتر و هي تفرك كفيها:
ـــ معتصم... مش هنرجع لبعض بقى؟!
قطب ما بين حاجبيه ناظرا لها باستفهام و كأنه يقول لماذا، فأسرعت ترد موضحة:
ـــ يعني البنت اللي انت طلقتني عشانها اتخطبت لواحد تاني خلاص و الموضو...
قاطعها ليسألها بدهشة:
ـــ انتي عرفتي منين انها اتخطبت؟!
ارتبكت و أخذت تحاول اختلاق كذبة لانقاذ نفسها من ذلك المأذق الى أن قالت و هي تبتلع ريقها بتوتر:
ـــ هشام.... هشام قالي... بس أنا اللي ألحيت عليه يعني... مكانش راضي يقولي.. بس انا ذنيت على دماغه لحد ما قالي.
أخذ ينظر لها بشك، فقد كانت حالتها مثيرة للشك حقا، و لكنه تجاوز ذلك على أية حال ثم قال بجدية:
ـــ مفيش حاجة هتتغير يا نرمين... خلينا كدا أحسن.. أنا كدا مرتاح أكتر.
ـــ بس أنا مش مرتاحة و انا بعيد عنك..
هز كتفيه لأعلى ليقول و هو يزم شفتيه:
ـــ دي مشكلتك انتي مش مشكلتي.. و بعدين ما احنا مع بعض علطول في الشركة و مفيش يوم بيعدي منغير ما اشوفك.
تنهدت بضيق ثم قالت:
ـــ معتصم اظن انا مش محتاجة اشرحلك اقصد ايه ببعدي عنك..
اقترب برأسه من رأسها ليقول و هو يصوب عينيه لعينيها لعلها تفهم أكثر:
ـــ قولتلك مفيش حاجة هتتغير.. و أظن مش محتاج أشرحلك أكتر من كدا.
بادلته النظرة بأخرى ساخطة ثم قالت بنبرة مغتاظة:
ـــ واضح ان لسة عندك أمل انها ترجعلك.
رمقها بنظرة حارقة ليصيح بها بعصبية:
ـــ ميخصكيش... و اتفضلي برا.. وقتك خلص.
نهضت و هي ترمقه بنظرات متوعدة و لكنه لم يهتم بنظراتها، و بمجرّد أن خرجت و أغلقت الباب من خلفها، دار بكرسيه حول نفسه و هو يضرب المكتب بقبضته و يصرخ بعصبية:
ـــ أنا كنت ناقصك انتي كمان... سيبوني بقى.. عايزين مني اييييه!!...
دفن رأسه بين كفيه و هو يتنفس بسرعة، و بقي على تلك الحالة لفترة طويلة، فلم يستطع البقاء بالشركة أكثر من ذلك و ترك ما أمامه من ملفات و التقط سترته و مفتاح سيارته و غادر الشركة بأكملها الى حيث لا يعلم بعد..
خرجت نرمين من مكتب معتصم و هي تستشيط غيظا، فذهبت الى غرفة مكتبها بالطابق العلوي و حين دخلتها أخذت تدور حول نفسها بغضب و هي تتحدث مع نفسها:
ـــ هي للدرجادي واكلة عقلك يا معتصم... بجد انا مش مصدقة... اه لو أشوفك يا زفتة انتي.. و الله ما اخلي فيكي حتة سليمة.. نفسي اعرف فيكي ايه مش فيا..
استخرجت هاتفها من حقيبتها ثم قامت بالاتصال براغب و بعد قليل اتاها رده لتقول:
ـــ ازيك يا راغب عامل ايه؟!
ـــ تمام يا هانم... ايه الاخبار؟!
ـــ لسة مش قادرة اوصل لحاجة... رغم انها اتخطبت لكن لسة بيحبها و منتظر ترجعله و مش عايزنا نرجع لبعض تاني.
ـــ اصبري شوية يا هانم... لسة الجرح مفتوح.
ـــ اصبر لحد امتى... لحد ما شهور العدة تخلص و يبقى طلاق رسمي!
سكتت مليا ثم أخذت تقول و هي تعض اناملها من الغيظ:
ـــ انا نفسي امسك البت دي اديها علقة موت و اشفي غليلي منها
حانت منه بسمة ماكرة و هو يقول:
ـــ سيبي الموضوع دا عليا يا هانم؟!
قطبت جبينها باستغراب:
ـــ قصدك ايه يعني؟... هتضربها؟!
ـــ لا طبعاً مش هينفع اضربها انا... بس عندي اللي هيجيبهالك من شعرها قدام عينيكي و اشفي غليلك براحتك... بس كله بحسابه.
هزت رأسها بحماس:
ـــ تمام اوكي حلو اوي... و طبعاً اللي تطلبه انا تحت امرك.
ـــ تمام.. ابعتيلي بس عنوان شغلها و خلي الباقي عليا.
ـــ اوكي..معتصم كان بعت عنوان شغلها للي اسمه عمر دا ع الواتس.. هبعتهولك حالا..
ـــ تمام... و ساعة التنفيذ هكلمك عشان تشوفيها و هي بيتعمل معاها الجلاشة.. سلام يا هانم.
أغلقت المكالمة و هي تبتسم بشماتة و تمني نفسها برؤية تلك الدخيلة و هي تنزف دما نظير سرقتها لأغلى ما تملك كما تظن.
أخيراً عادت مودة الى أرض الوطن و تم حجزها بمشفى الدكتور رؤف لاستكمال فترة النقاهة و قد استعادت قدر كبير من عافيتها، و لكنها منذ وطأت قدماها أرض الوطن لم تنفك عن السؤال عن أختها و رغبتها الشديدة في رؤيتها و ان كانت مازالت نائمة في غيبوبتها العميقة، و لكن محمد لم يعد يجد من المبررات ما يمنعها من رؤيتها الى أن نفذ صبره و استدعى آسر الذي وعده بالمرور اليه عقب انتهاء عمله مباشرة..
قبل أن يدخل آسر الى مودة استوقفه محمد ليأخذه الى المقهى الملحق بالمشفى حتى يتحدثان بأريحية أكثر...
ـــ آسر... أنا مش قادر اقول لمودة خبر موت أختها.. خايف عليها و في نفس الوقت مش هقدر اشوفها و هي منهارة... عشان كدا انا وكلتك انت للمهمة دي.. انا عارف انها هتكون صعبة عليك.. بس انا متأكد انك هتعرف تهديها أكتر مني.. انا اصلا قلبي مش مستحمل و هنهار قبل منها.
سكت آسر مليا يفكر في طلب حماه، الى أن قال بحزن:
ـــ كتير عليا اوي يا عمو محمد... انت كدا هتحطني في موقف صعب و مش قادر اتوقع رد فعلي لو مودة انهارت قدامي... هتقلب عليا المواجع و الأحزان.
ربت على كتفه بحب و هو يقول ببسمة واثقة:
ـــ أنا متأكد انك قدها يا آسر... معلش يابني انا عارف اني بتقل عليك...و مش هنسالك الجميل دا أبداً.
تنهد بقلة حيلة ثم هز رأسه بموافقة، فاتسعت بسمة محمد و استرسل قائلا:
ـــ اطلعلها دلوقتي سلم عليها و قولها ع الحقيقة و انا هستناك هنا... مش هقدر اشوفها بعد ما تعرف.
أومأ بموافقة ثم نهض و هو يقول:
ـــ عن اذنك يا عمو...
صعد آسر الى غرفتها و قبل أن يطرق الباب أخذ نفسا عميقا و هو يغمض عينيه استعدادا لهذا الموقف الثقيل، ثم طرق الباب و دلف اليها ليجدها تجلس بمنتصف الفراش و بيدها هاتفها تتصفحه، و بمجرد أن التفتت له تنظر بابتسامتها الجميلة دق قلبه بعنف و كأنه يرى ميريهان أمامه للمرة الثانية، و لم يكن حال مودة بأقل منه، فقد كاد قلبها أن يخرج من مكانه حين طل عليها...
حاول آسر السيطرة على حالة التخبط التي أصابته ثم أخذ نفسا عميقا و تقدم من فراشها و هو يقول برسمية:
ـــ حمد الله على سلامتك يا مودة... نورتي مصر كلها..
ردت برقتها المعهودة:
ـــ الله يسلمك يا آسر.. مصر منورة بأهلها.
جذب كرسي و جلس بجوار فراشها ثم سألها بابتسامة سحرتها:
ـــ ها يا جميلة... عاملة ايه النهاردة؟!
تاهت منها الكلمات و هي تتأمله عن قرب و كأنها تراه لأول مرة، لم تكن تلك أبداً نظرتها له سابقا، ماذا تغير اذن... نهرت نفسها أن فكرت في خطيب أختها بتلك الطريقة، ثم ابتلعت ريقها و هي تقول:
ـــ الحمد لله انا بقيت كويسة و نفسي اخرج عشان اشوف ميري.
حمحم آسر بتوتر و هو ينظر للجهة الأخرى يحاول استجماع الكلمات التي سيقولها ليخبرها بالحقيقة الى أن قال بجدية:
ـــ هتقدري تقومي من السرير؟!.. تعالي نقعد على الكنبة دي عشان عايز اتكلم معاكي في موضوع كدا.
هزت رأسها بايجاب ثم تزحزحت حتى وصلت الى حافة الفراش ثم أنزلت قدميها على الأرض، و بمجرد أن وقفت أصابها دوار طفيف و كادت أن تقع و لكن آسر أسرع باسنادها من خصرها، فتوترت كثيرا من قربه و احمرت وجنتيها خجلا بينما هو تسارعت دقات قلبه أكثر و رغما عنه أخذ نفسا عميقا يستنشق عبيرها، الى أن عاد الى وعيه و قال بتوتر و هو مازال يسندها:
ـــ خلاص خليكي في السرير طالما بتدوخي.
هزت رأسها بنفي:
ـــ لا لا أنا زهقت من رقدة السرير.. اسندني بس لحد الكنبة.
أومأ و هو يبتلع ريقه من فرط الارتباك ثم اسندها الى أن جلسا على الأريكة، فنظر آسر في عينيها ثم قال بجدية:
ـــ مودة انتي عارفة ان ميري حالتها كانت وحشة بسبب الحادثة و انتي كمان ساءت حالتك أكتر و لكي أن تتخيلي باباكي كانت حالته عاملة ايه و هو حاسس ان بناته اللي طلع بيهم من الدنيا خلاص هيروحوا منه... لكن ربنا أراد انه يتكتبلك عمر جديد عشان يخفف عن والدك شوية... بس للأسف ميري... ميري مكملتش و اتوفت.
انكمشت ملامحها بعدم تصديق او ربما عدم استيعاب و أخذت تهز رأسها و الدوع تنهمر من عينيها بغزارة و تهذي بلا وعي:
ـــ لا.. انت بتقول ايه؟!.. المفروض انا اللي كنت اموت... ميري لأ.. انا.. انا كنت مستنية موتي انما هي لأ..
أخذت تهذي بتلك الكلمات و هي تلوح بيديها هنا و هناك و جسدها ينتفض بعنف من فرط الصدمة، و آسر يحاول تهدئتها ولكن بلا فائدة، فقد خرج الأمر عن سيطرتها.
أخذت تبكي بحسرة بكاء هيستيري و هي تتأوه بصوت عالي و تمسك موضع قلبها و آسر يحاول معها بشتى الطرق، فتارة يقيد يديها و تارة يحيط وجهها بكفيه و يهدئها بالكلمات و لكن أيضاً بلا فائدة، الى أن ساءت حالته هو ايضا و كأن عدوى الصدمة انتقلت اليه، فبكى رغما عنه و هو يراقب انفعالاتها بقلب مكلوم.
من فرط صدمتها نهضت من مكانها تحاول السيطرة على نوبة البكاء الهيستري التي أصابتها فنهض آسر سريعا يسندها من كتفيها قبل أن تسقط، فأمسكته من ياقة قميصه و أخذت تهذي و هي تبكي:
ـــ مش هشوفها تاني يا آسر؟!.. ازاي هعيش من غيرها.. ها قولي.. انا عايزة اشوفها..
رد عليها و هو بالكاد يسيطر على أعصابه:
ـــ مودة انتي انسانة مؤمنة و عارفة ان كل واحد لينا له عمر و ساعة... و هي خلاص عمرها خلص.. احمدي ربنا انك لسة عايشة و الا باباكي كان هيجراله حاجة.
ردت و هي مازالت تبكي بهذيان:
ـــ انا كدا كدا هموت..
لم يتحمل كلمتها و كأنه تخيل فراقها و انشطار قلبه للمرة الثانية، فجذبها الى حضنه و هو يقول بنبرة شبه باكية:
ـــ لا متقوليش كدا... ان شاء الله هتعيشي كتييير و هتتجوزي و هتخلفي.. الدكتور رؤف قال ان انتي اتحسنتي كتير بعد العملية و تقدري تمارسي حياتك زي اي شخص عادي.
بدأت شهقاتها تقل رويدا رويدا و كأنها عادت لوعيها، فابتعدت عن حضنه و هي تسبل جفنيها بخجل، فابتسم آسر من بين ملامحه الحزينة ثم استرسل بجدية:
ـــ ميري زمانها مبسوطة دلوقتي انك رجعتي تاني للحياة... و انك هتقدري تعملي كل حاجة كنتي محرومة منها... عشان خاطري يا مودة.. لو ليا عندك خاطر تجمدي قدام باباكي... هو فيه اللي مكفيه و خلاني اقولك انا خبر وفاتها لأنه مش مستحمل يشوفك و انتي منهارة
أخذت تمسح عبراتها من وجنتيها و هي تومئ برأسها، ثم سارت الى الفراش حتى جلست على حافته و لكنها لم تستطع أن توقف عينيها عن زرف العبرات، فتركها آسر تفرغ ما بجعبتها من حزن و عاد يجلس على كرسيه مرة أخرى و هو يراقبها بحزن شديد.
مساءا عاد أدهم لتوه مع ندى من عند طبيب الصدر التي تتابع زوجته معه منذ أن أصيبت بالكورونا، فتح باب الشقة و الابتسامة الواسعة لم تفارق محياه، فدلفت ندى و دلف خلفها يحيط كتفيها بذراعه ثم سار بها مباشرة الى غرفته تحت دهشتها و استغرابها، فضحك و هو يجرها الى الغرفة و يقول:
ـــ هششش... من النهاردة مفيش اعتراض على اي حاجة... من النهاردة مش هتباتي برا القوضة دي..
ضحكت و هي تقول:
ـــ طاب اصبر بس اخد نفسي و نطمن ماما.
ـــ بعدين بعدين.
سارت معه باستسلام، و لكن استوقفتهما تيسير قبل أن يفتح باب الغرفة و هي تسأل بتفاجؤ:
ـــ ايه دا انتو جيتو امتى؟!
استدارا اليها لينظر لها أدهم باحباط ثم قال بعجلة:
ـــ الدكتور قال انها بقت كويسة الحمد لله.. عن اذنك يا ماما..
قالها و هو يستدير و يضع يده على مقبض الباب فرفعت تيسير حاجبيها باستنكار لتقول بغضب:
ـــ ما تستنى يبني فهمني الدكتور قال ايه بالظبط؟!
تنهد بنفاذ صبر ثم عاد ينظر لها بضيق يحاول اخفاؤه فقال:
ـــ كويسة يا ماما.. كويسة.. ايه اللي مش مفهوم في كلامي؟!
كممت ندى فمها لتواري ضحكتها التي تكتمها بصعوبة فرمقها بغيظ ثم وضع يده على المقبص للمرة الثالثة و هو يقول:
ـــ عن اذنك يا ماما..
ثم فتح الباب و دفعها الى داخل الغرفة و من ثم نظر لأمه و هو يبتسم بسماجة ثم أغلق الباب، كل ذلك تحت نظراتها المتعجبة من تصرفاته الغريبة فانفجرت في الضحك بمجرد أن انغلق الباب ثم أخذت تهز رأسها يمنة و يسارا و ذهبت لغرفتها..
أما بالداخل أخذت ندى تفرك كفيها بتوتر من نظرات أدهم الهائمة فقالت بارتباك حتى تهرب من نظراته:
ـــ أنا هروح قوضتي اجيب هدوم ليا عشان اخد شاور و أغير.
استند بجسده على الباب و كأنه يمنعها من الخروج ثم قال بمراوغة:
ـــ انتي ناسية ان ليكي هدوم هنا... و بعدين مش عاجبني حوار قوضتي و قوضتك دا.
رفعت حاجبها و هي ترد بتحدي:
ـــ مش دا كان اختيارك من الأول؟!.. و بعدين في الأساس قوضتي دي كانت قوضتنا اللي المفروض ننام فيها سوا لو تفتكر.
لوى فمه ببسمة معجبة ثم سار نحوها بخطى متمهلة ما زاد من توترها أكثر حتى اصبح في مواجهتها تماما و تفصلهما انشات قليلة، فمد يده فك حجابها و ألقاه على الفراش ثم فك عقدة شعرها و سمح لغرتها أن تنسدل على جبينها ثم أخذ يتأملها بهيام و هو يقول بنبرة مبحوحة:
ـــ كنت مغفل.
ابتسمت و هي تطرق رأسها بخجل ثم تهربت من مرمى عينيه و هي تقول بنبرة مهتزة:
ـــ احم... طاب انا.. انا هدخل اخد شاور..
ثم فرت سريعا من أمامه الى المرحاض الداخلي بالغرفة و تركته يضحك باستمتاع متمتما بخفوت:
ـــ كويس انها نسيت تفتح الدولاب.. ههههه.
بعد ثواني نادته:
ـــ أدهم ناولني بيجامة من الدولاب.. نسيت اخدها.
سكت لوهلة يفكر ماذا سيقول لها الى ان رد:
ـــ اخرجي بالبرنس و طلعي لنفسك.. انا مش هعرف اطلعلك هدوم.
ضربت الارض بقدمها و هي تقول بغيظ:
ـــ مش هينفع... يلا يا أدهم بطل غلاسة.
رد بعناد:
ـــ طاب غلاسة بغلاسة بقى مش جايب حاجة...
أصدرت صوتا مكتوما كناية عن غيظها البالغ فضحك بخفوت و هو يقول:
ـــ متخافيش انا هدخل بعدك علطول و مش هخرج من الحمام غير لما تخلصي لبس.
استخرج من الخزانة ملابس له و كانت بادي ابيض كات و بنطال قصير بالكاد يغطي الركبتين من اللون البيچ ثم جلس بحافة الفراش ينتظر خروجها و هو يتحدث مع نفسه بصوت خافت:
ـــ يا رب تكوني عملتي اللي قولتلك عليه يا ريم و اللي فكرت فيه يحصل زي ما انا عايز.
بعد دقائق قليلة خرجت ندى مرتدية برنس الاستحمام، فدلف أدهم خلفها مباشرة دون أن ينبس ببنت شفه حتى لا يثير خجلها أكثر و لتكون أكثر استعدادا للحظات القادمة.
فتحت درفتها لتجدها خالية الا من رداء واحد فقط عبارة عن هوت شورت قصير جدا جدا و بادي بحمالات بالكاد يغطي الصدر و يظهر البطن، كممت فمها و هي تنظر لهاتين القطعتين بذهول، لقد اشترت مثلها الكثير من الولايات المتحدة و لكن لترتديها أسفل ملابسها او حين تكون بمفردها في غرفتها المغلقة عليها، متى أتت بهما الى تلك الخزانة... حقا لا تتذكر.
ـــ يا ربي هلبس دول قدامه ازاي.. لا دا انا كدا هيغمى عليا من الكسوف.. اووف.
خطرت لها فكرة، فقامت بارتداء القطعتين سريعا قبل ان يخرج أدهم ثم فتحت ضرفته و.......
بعد دقائق قليلة خرج من المرحاض ليتفاجئ بها تجلس في شقها من الفراش و ترتدي تي شيرت خاص به و تغطي ساقيها بالغطاء و تنظر له ببسمة مصطنعة تواري بها فعلتها.
تسمر بمكانه ينظر لها بذهول الى أن نطق أخيراً:
ـــ انتي لابسة التيشيرت بتاعي؟!
هزت رأسها و زمت شفتيها:
ـــ ملقتش هدوم ليا في الدولاب.
اتسعت عينيه و هو يحدث نفسه:
ـــ يخربيت غبائك يا ريم انتي نسيتي تسيبلها هدوم!
و لكنه قال بتوتر:
ـــ ملقتيش اي هدوم خالص؟!
ردت بخجل:
ـــ لقيت اندر وير بس و لبست عليهم التيشيرت بتاعك.
أخذ يصتك فكيه بغيظ و هو يسب ريم في سره، فذلك لم يكن اتفاقه معها.
ـــ ممكن تخرج بقى تجيبلي بيچامة من قوضتي.
لم يكترث لطلبها و انما ذهب ليجلس بشقه بالفراش بأريحية ثم قال ببرود:
ـــ اللي عايز حاجة يجيبها لنفسه.
ـــ أوفف.. يا أدهم هخرج ازاي بهدومك... افرض ماما ولا ريم شافوني ماشية في الشقة كدا هيقولوا عليا ايه؟!
ـــ خلاص اقلعي هدومي... انا اصلا عايز التيشيرت بتاعي.
نظرت له بتغيظ شديد أثار استمتاعه و لكنه بادلها بنظرة باردة ليثير استفزازها، فازاحت عنها الغطاء بعصبية فكشف عن ساقيها المثيرتين و لكنها لم تهتم من فرط غيظها، فأخذ أدهم يراقبها بابتسامة ماكرة و هو يقول:
ـــ هتخرجي برا كدا؟!
ردت بانفعال طفيف:
ـــ أيوة.
فتحت باب الغرفة ثم أغلقته سريعا و هي تستند اليه من الداخل و هي توشك على البكاء، فضحك أدهم بقهقهة على مظهرها و سألها من بين ضحكاته:
ـــ مروحتيش ليه؟!
ضربت الأرض بقدميها و هي تقول:
ـــ ريم قاعدة برا.
قفز من الفراش بحركة رشيقة ثم سار نحوها حتى احتجزها بجسده بينه و بين الباب و استند بكوعه الى الباب من خلفها و اقترب بوجهه من وجهها حتى اختلطت أنفاسهما ثم قال بصوت مبحوح:
ـــ مش مهم خليكي بالتيشيرت... اصلا هياكل منك حتة.. و بعدين مش اول مرة اشوفك بالهوت شورت.
رمشت بأهدابها عدة مرات من فرط الخجل و التوتر من ناحية و من قربه المهلك من ناحية أخرى.
ابتعد قليلا عنها رأفة بخجلها ثم أطبق على كفها و سار بها الى الأريكة أجلسها عليها ثم سحب الكرسي الصغير الخاص بطاولة الزينة و جلس عليه قبالتها تماما بحيث أصبحت ساقيها المضمومة بين ساقيه ثم أمسك كفيها يحتضنهما بين كفيه و بدأ حديثه بنظرة مطولة هائما بملامحها التي عشقها و ذاب بها ثم قال بنبرة هائمة:
ـــ كنت عايز أسألك في حاجة و أتمنى تفيديني.
أومأت دون أن تنطق فقد أفقدها وضعها المخجل أمامه قدرتها على النطق، فاسترسل حديثه بنبرة مبحوحة:
ـــ لما يكون في حد شاغل تفكيري اوي و بيوحشني دايما حتى و هو معايا.. تفتكري دا يبقى ايه؟!
نظرت له بشبه ابتسامة و كأنها تنتظر أن يقول المزيد، فاسترسل حديثه:
ـــ طاب لما احس ان قلبي هيخرج من مكانه و هو قدامي و مبكونش قادر أشيل عيني من عليه طول ما انا شايفه... تفتكري دا يبقى ايه؟
ازدات بسمتها وضوحا و هي مازالت تتأمله فاسترسل حديثه:
ـــ طاب لما احس اني عايز أقرب منه اوي و أحضنه و ادخله جوايا...
قال تلك العبارة و هو يقف و يوقفها معه ثم جذبها الى صدره و طوق خصرها بذراعيه فقامت بلف ذراعيها حول عنقه، فأحس بانهيار كامل دفاعاته أمامها فتجرأ و رفع التيشيرت حتى نزعه من عليها و لم تقاومه، بل تركت نفسها له يفعل بها ما يشاء، فأخذ يتأملها باعجاب بالغ و هو يقول بهيام مستندا بجبهته الى جبهتها:
ـــ انا شايف قدامي جمال امريكاني محصلش..
ابتسمت و هي تقول بخجل:
ـــ ماهو دا يعتبر الزي الرسمي للبنات هناك.
أغمض عينيه باستمتاع بحالة العشق التي غمرته و أخذ يتمتم بصوت مبحوح:
ـــ متعرفيش انا مستني اللحظة دي بقالي قد ايه؟!
ابتسمت و هي تشدد من عناقه كناية عن مبادلتها له لنفس المشاعر، فاتسعت ابتسامته الهائمة و هو يسألها:
ـــ عرفتي دا يبقى ايه؟!
أومأت برأسها و هي تدفن وجهها في تجويف عنقه، فاسترسل قائلا:
ـــ عايز اسمعك.
ردت بنبرة خافتة:
ـــ بحبك...
انفرجت أساريره بابتسامة واسعة و كاد أن يرد عليها معبرا عن مشاعره تجاهها الا أن رنين الهاتف قطع تلك اللحظات النادرة، ليتأفف أدهم بضجر و هو يبتعد قليلا:
ـــ أوووف... نسيت اقفل التليفون... لحظة واحدة خليكي زي مانتي هقفله و ارجعلك.
هزت رأسها بصمت فتركها على مضض و ذهب الى الكومود حيث وضع الهاتف فتفقده ليجد ان اللواء سامي هو من يهاتفه فلم يستطع تجاهل الأمر، فطالما أنه يتصل بنفسه اذن الأمر لا يحتمل التأجيل..
نظر لها بأسف:
ـــ معلش يا ندى مضطر أرد.
هزت رأسها و هي تقول:
ـــ عادي رد يمكن حاجة مهمة.
فتح الخط ليأتيه صوت اللواء المذعور يقول:
ـــ أدهم لو ندى جنبك ابعد عنها.. مش عايزها تسمع او تحس باللي هقوله.
استأذن من ندى بالخروج متعللا بأن الشبكة سيئة بالغرفة ثم خرج الى الشرفة:
ـــ اتفضل يافندم انا بعدت عنها.
ـــ مصيبة يا أدهم... المافيا قتلت أنور ابو ندى و اتنين من الحرس اتصابوا و واحد مات.
ـــ ايه؟!
الحلقة الثامنة و العشرون
مهمة زواج
تجري على شاطئ البحر و هي تضحك و ضحكاتها تدوي خلفها و هو يركض ضاحكا خلفها لعله يلحقها، و كلما اقترب منها تزيد من سرعتها و هي تصرخ بضحكة عالية الى أن أمسك بها، و من فرط سرعتها وقعت و وقع فوقها، لتواجه عينيه المبتسمة عينيها لا يفصلهما سوى انشا واحدا ليقول بنبرة هائمة سلبت عقلها"بحبك يا ريم"
و فجأة صرخت ببكاء و كأنها كانت بغيبوبة و استيقظت منها و أخذت تركله و تبعده عنها تحت دهشته البالغة، فاضطر الى أن ينهض و يبتعد عنها، فنهضت و ركضت بعيدا عنه حتى اختفت تماما و هو يناديها مرة و اثنان و ثلاثة" ريم...ريم...ريم" الى أن فتح عينيه فجأة ليجد نفسه نائما على الأريكة الجلدية بمكتبه بالشركة.
أخذ يدور بعينيه في أنحاء الغرفة و يستغفر ربه و يمسح وجهه و شعره من أثر النوم و يستعيد أحداث ذلك الحلم القصير و هو يفكر بها... متى ستخرج من رأسه يا ترى... لقد شغلته الى الحد التي أصبحت فيه تراوده بأحلامه و تؤرق نومه من كثرة التفكير بها... كيف سيتركها و شأنها اذن؟!.. كيف سينساها و يكمل طريقه بدونها اذن؟!
عودة الى أدهم..
خرج من الشرفة بعدما تلقى ذلك الخبر الصادم من اللواء سامي، ليدلف الى الغرفة متهدل الكتفين و ملامحه واجمة ينظر اليها بارتباك، لا يدري كيف سيخبرها بمقتل أبيها الذي لم يبقى لها سواه في هذه الدنيا.
كانت حينئذ جالسة على الأريكة تنتظره، فنظرت له باستفهام:
ـــ مالك يا أدهم شكلك متغير كدا ليه؟!.. في حاجة حصلت في الشغل؟!
تقدم منها حتى أوقفها أمامه ثم قبض على خصرها بتملك حتى لا تسقط منه حين تسمع الخبر:
ـــ بصي يا ندى.. عايزك تتأكدي ان انا هفضل معاكي لحد اخر نفس فيا و مش هسيبك ابدا مهما حصل.. انا ليكي كل حاجة في الدنيا.. انا جوزك و ابوكي و اخوكي و صاحبك و عمري ما هتخلى عنك أبداً.. انتي فاهمة؟!
هزت رأسها بصمت و قد انتابها القلق الشديد بعد تلك المقدمة المؤثرة، ثم سألته بقلق:
ـــ في ايه يا أدهم؟!
ترك خصرها ثم أمسك وجهها بين راحتي يديه و ابتلع ريقه و هو يقول:
ـــ المافيا اغتالت والدك في بيتكم اللي في أمريكا... البقاء لله.
اتسعت عينيها ثم ما لبثت أن امتلأت بالدموع التي عرفت مجراها على وجنتيها فانهمرت بغزارة، و هي تهز رأسها بعدم تصديق:
ـــ بابا؟!.. لأ.. بابا.. هو فين؟! ... لا اله الا الله.. انا لله وانا اليه راجعون... لا لا.. انا عايزة اشوفه.. هو فين؟!.. وديني لبابا يا أدهم..
تركته و أخذت تفتح درف الخزانة واحدة تلو الأخرى تبحث عن ملابس لها ترتديها لتذهب اليه، و لكنها تبحث بعشوائية و كأنها لا تعي ما تفعله تفتح الدرفة و تغلقها ثم تفتحها مرة أخرى و هي تبكي بانهيار الى أن خارت قواها و سقطت على حافة الفراش و أدهم يراقبها بقلب منفطر.
جذبها الى صدره و هو يحتضنها بشدة و يواسيها بالكلمات بينما هي انخرطت في بكاء مرير ازداد أكثر من ذي قبل و هي تقول:
ـــ كان نفسي اشوفه يا أدهم... كان عندي امل ارجعله و نعيش سوا.. كان خايف عليا.. يا ريتني فضلت معاه و كنا متنا احنا الاتنين و مكانش سابني لوحدي.. ااااااه..
فرت دمعة من عينه حين لفظت تلك الآهة التي تردد صداها بصدره فشعر بمدى ألمها و انكسار قلبها، فشدد من احتضانها أكثر و هو يسألها بلوم:
ـــ لوحدك ليه يا ندى؟!.. طاب انا روحت فين؟!.. أنا معاكي يا حبيبتي و مش هسيبك؟!..أمي هي أمك و أختي هي أختك.. احنا عيلتك و انتي مش لوحدك يا حبيبتي..
أبعدها قليلا عن صدره و حاوط وجهها براحتي يديه ثم أخذ يمسح عبراتها بابهاميه و هو يقول:
ـــ انتي مش لوحدك يا روحي... انتي أحلى هدية باباكي قدمهالي.. و وعد هحافظ عليكي و افديكي بروحي كمان.. اصبري.. اصبري يا ندى و رددي إنا لله وإنا إليه راجعون.
أخذت تشهق و هي تردد خلفه الى أن هدأت قليلا ثم تركته و دلفت الى المرحاض تغسل وجهها بينما هو بدل ملابسه لينطلق الى مبنى العمليات الخاصة لمقابلة اللواء سامي ليتفقد موعد و اجراءات استلام الجثمان لدفنه بالأراضي المصرية...
بينما بقيت ندى بحضن تيسير تبكي و بجوارهما ريم تواسيها في انتظار مكالمة من أدهم يخبرهم بها بموعد وصول جثمان والدها الحبيب.
مرت عدة أيام عسيرة على ندى و كانت حالتها النفسية سيئة للغاية حتى أنها كانت تنام بغرفتها بعيدا عن أدهم من فرط الكآبة و حتى لا يراها بتلك الحالة.
بينما هو بقي بغرفته ينعي نفسه مرة لفقدان حماه و مرات لعدم تمكنه من الحصول على لذة حياته مع زوجته التي عشقها حتى النخاع.
في شركة معتصم....
أمر السكرتيرة بابلاغ الموظفين بعقد اجتماع بعد نصف ساعة في قاعة الاجتماعات....
و في الوقت المحدد التف الموظفون حول طاولة الاجتماعات الكبيرة و كان من بينهم نرمين و هشام، ليدلف اليهم معتصم فحياهم باحترام ثم جلس على رأس الطاولة و أدار دفة الحديث قائلا برسمية:
ـــ طبعاً سمعتوا في الاونة الأخيرة عن شركة الرشيدي للمعمار و اللي ماسكة مشروعات ضخمة في العاصمة الجديدة...هما عاملين حفلة افتتاح ضخمة لمول تجاري متكامل بيعرض كل اللي يخطر على بالكم من اول المواد الغذائية لحد الأجهزة الطبية و تجهيزات العيادات و الشركات و مكاتب المحاماة... مشروع ضخم جداً.. و من حسن حظنا ان أحد شركاء المشروع يبقى صديق قديم من أيام الجامعة و بعتلي ٥٠٠ دعوة لحفلة الافتتاح.. طبعاً الدعوات دي هتتوزع على كل موظفين الشركة و مسموح لكل شخص ياخد دعوتين او تلاتة على حسب العدد.. ممكن يهادي بيها اصحابه او حد من عيلته.. و طبعاً دي خطة دعائية ذكية جداً عشان صيت المشروع يوصل لأكبر عدد من الشركات و كل من يهمه الأمر... الأستاذة هدى هتوزع عليكم الدعوات.. و عايزكم تشرفوا شركتنا في الحفلة.. بالتوفيق..
نهض معتصم من كرسيه مغادرا الغرفة، بينما بطاقات الدعوة تقوم السكرتيرة بتوزيعها، و في تلك الأثناء شردت نرمين التي كان رأسها مشغولا بمعتصم و علاقته بحبيبته السابقة و محاولاتها المتكررة لرده لها، بينما دائما يقابلها بالرفض.
كان هذا هو شغلها الشاغل و همها الأكبر... أن يخرج حبيبته من رأسه و ينعدم أمله في عودتها اليه..
فخطرت ببالها فكرة شيطانية ربما تستطيع بها التفريق بينهما و قطع كل الطرق التي من الممكن أن تجمعهما من جديد لعله يعود لرشده كما تظن.
التقطت خمس بطاقات ثم دستها في حقيبتها و هي تبتسم بمكر و شكرت الظروف التي هيأت لها تلك الخطة.
في اليوم التالي بالمشفى اقبل خالد على ريم بابتسامة واسعة و بيده بطاقتين و حين وقف أمامها تحدث بسعادة:
ـــ ريم.. جاتلنا فرصة خروجة محصلتش.
مد يده لها بالبطاقتين فأخذتهما و فتحت احداها تقرأها بينما هو استرسل حديثه بحماس:
ـــ الدكتور سالم مدير المستشفى بعت الدعوتين دول لينا و معانا ٣ دكاترة تانيين لحضور حفلة افتتاح مول ضخم في العاصمة الجديدة.
نظرت له باستغراب:
ـــ و احنا مبعوت لينا دعوات بصفتنا ايه مش فاهمة؟!
زم شفتيه ليجيبها بلامبالاة:
ـــ عادي يعني يا ريم... اصحاب المشروع عاملين دعوات لكل الكوادر المهنية كنوع من انواع الدعاية لأن المشروع فيه أقسام مختصة بتجهيز العيادات و المستشفيات.. فطبيعي انهم يدعونا كدكاترة.
ـــ أيوة يعني اشمعنا احنا بالذات.. انا و انت؟!
رفع كتفيه لأعلى قائلا:
ـــ مش عارف.. المدير هو اللي اختارنا.. يمكن عشان احنا كابل.. بس اكيد مش هقوله اختارتنا ليه يعني... المهم اننا هنخرج و هنغير جو و هنشوف اجواء مختلفة بعيدا بقى عن المرضى و المستشفي...
نظر في عينيها بعمق و هو يقول بهيام:
ـــ من ساعة ما اتخطبنا و انا نفسي اخرج معاكي بس انتي مش سايبالي أي فرصة.
أخذت تفرك كفيها بتوتر و هي تتحاشى النظر بعينيه و تقول:
ـــ اااا انت عارف ان أدهم مبيحبش كدا و انا بحترم رغبته..
ثم ابتسمت لتسترسل حديثها بحماس:
ـــ بس خلاص ان شاء الله نروح الافتتاح دا طالما انت متحمسله كدا..
ضحك و هو يقول:
ـــ يعني اعتبر انك كدا بتصالحيني... او بتعوضيني عن رفضك للخروج؟!
لكمته في كتفه و هي تقول بتذمر طفولي:
ـــ خالد بقى.. لا طبعا.. عادي يعني عايزاك تكون مبسوط.
تأملها بنظرة هائمة:
ـــ بجد؟!.. عايزاني اكون مبسوط؟!
أومأت بخجل فاسترسل حديثه بمزيد من الهيام:
ـــ طول ما انتي معايا هكون دايما مبسوط.
ابتسمت بمجاملة، فحقا مهما أسمعها من غزل لا يحرك بها ساكنا و لكنها مضطرة لمجاراته ربما يهتز له قلبها يوما.
عاد أدهم من عمله بعد يوم طويل في التحقيقات في جريمة قتل حماه و دوافع و اسباب تلك العصابة التي أدت بهم الى قتله و عما كانوا يبحثون في منزله الذي كان منقلبا رأسا على عقب و يبدو أنهم لم يجدوا ضالتهم فاضطروا الى قتله ليتخلصوا من خطر تهديده لهم بما لديه من مستندات و أسرار.
رغم غضبه منها لأنها اعتزلته بغرفتها كل تلك الفترة منذ مقتل والدها إلا أنه مشفق عليها للغاية، فقد كان الخطب جلل و الامتحان صعب و أي شخص مكانها ربما لما تحمل فقدان عزيزه بطريقة قاسية كتلك مع بعد المسافات بينهما.
تحامل على نفسه ليذهب الى غرفتها لكي يطمئن عليها، فمنذ ذلك الحادث و هي تتحاشاه و كأنه هو من قتل أباها و لم تسأل عنه و لو مرة...
طرق باب غرفتها فلم ترد، زفر بعنف من فرط غضبه و لكنه حاول السيطرة على نفسه ثم فتح الباب و دلف مباشرة مغلقا خلفه، فوجدها نائمة بوسط الفراش متكومة على نفسها و كأنها في ملكوت آخر..
ذهب الى فراشها و استلقى بجوارها ثم أخذ يزيح غرتها من على جبينها ليرى عينيها و هو يناديها برفق الى أن فتحت عينيها و ليتها لم تفتحهما، فقد صعق من شدة احمرارهما و تلك الهالات السوداء التي ظهرت أسفلهما..
ـــ ليه عاملة في نفسك كدا يا ندى؟!.. بقى انتي ندى المؤمنة اللي محافظة على صلاتها و أذكارها و وردها القرآني؟!.. مكنتش اصدق انك تتحولي كدا مهما كان صعوبة الابتلاء..
تنهدت بعمق ثم نهضت من نومتها فأسندها حتى جلست بالفراش ثم قالت بنبرة حزينة و عينين زائغتين:
ـــ الحمد لله أنا راضية بقضاء الله و قدره... و رغم حزني الكبير اوي على بابا بس مقصرتش أبداً في صلاتي و لا أذكاري.. بالعكس بقيت أصلي أكتر و أدعي ربنا أكتر انه يرحم بابا و يغفرله و يصبرني على ابتلائي.
مسد على شعرها ثم اقترب منها حتى التصق بها و أسند رأسها الى صدره و هو يقول بنبرة حانية:
ـــ أومال مالك بس يا حبيبتي...شكلك اتغير و نفسيتك وحشة و الدنيا معاكي مش تمام خالص يا ندى.
بدأت شهقاتها بالبكاء في الظهور و هي تجيبه:
ـــ غصب عني يا أدهم... أنا بشر و اللي حصل كان فوق احتمالي.. حاسة اني فقدت الشغف في كل حاجة.. ماليش نفس اعمل أي حاجة.. انا بحمد ربنا اني لسة قادرة أصلي.. حاسة اني مشلولة.. اتكسرت بعده.. كان نفسي بس اكون معاه.. مكنتش عايزاه يموت و انا بعيدة عنه... أنا ندمت اني وافقته و رجعت مصر و سيبته هناك لوحده... حاسة اني هموت من احساسي بالذنب.. هموت يا أدهم... هموت....
ظلت تردد تلك الكلمة و هي تبكي بحرقة بينما هو أخذ يشدد من احتضانها و يمسد على شعرها لعلها تهدأ قليلا..
ـــ عشان خاطري اهدي... كفاية عياط... عنيكي مش حمل العياط دا كله... يا ريته بيرجع حبيب يا ندى.. مكناش بطلنا بكى.
ابتعدت قليلا عنه ثم أخذت تجفف عينيها و هي تقول باعتذار:
ـــ أنا عارفة اني زودتها معاك اوي و عارفة ان هجري ليك دا اثم عليا.. بس اتمنى انك تعذرني و تسامحني عشان أنا مش قد الوزر دا
تنهد و هو يبتسم شبه ابتسامة ليقول بنبرة حانية:
ـــ ولا يهمك يا حبيبتي... يعني من جملة الأيام اللي كنا فيها بعيد.
رغما عنها ابتسمت بسخرية من تلميحه الذي فهمته جيدا لتشدد من قبضتها على كفيه و تقول بنبرة حزينة:
ـــ لسة مآنش الأوان.
نظر لها متأملا ملامحها التي افتقدها كثيراً ثم قال بنبرة هائمة:
ـــ كله يهون يا روحي.. أهم حاجة انك تكوني بخير و معايا دايما.
أطرقت رأسها بخجل من اطرائته فقبل رأسها ثم قال:
ـــ تصبحي على خير يا حبيبتي.
رفعت رأسها لتجيبه:
ـــ و انت من أهل الخير
رفع حاجبيه كناية عن عدم رضاه عن ردها، فابتسمت لتستكمل ردها:
ـــ يا حبيبي..
اتسعت ابتسامته الهائمة ثم تركها على مضض و عاد لغرفته... لم ينكر أنه انتظر أن تعود معه و لكنها خيبت آماله و تركته يذهب وحيدا و حتى لم تطلب منه البقاء معها بغرفتها، و لكنه أقنع نفسه بالصبر، فمصابها لم يكن بالهين.
قابلته ريم في طريقه الى غرفته لتقول له:
ـــ أدهم.. كنت عايزة أستأذنك في حاجة كدا..
ـــ قولي بسرعة لأني مرهق جدا و عايز أنام.
ـــ حاضر حاضر.. احم.. انا و خالد جاتلنا دعوة لحفلة افتتاح مول تجاري في العاصمة الجديدة و نفسنا نحضر الحفلة دي... ممكن؟!
قطب جبينه باستغراب:
ـــ و انتوا ايه علاقتكم بالمول دا؟!
ـــ مؤسسين المول دعوا كل الكوادر المهنية لأن عندهم أقسام لكل ما يخص كل المهن و منهم مهنة الطب.. و الدعوات وصلت مدير المستشفى و المدير اختارنا انا و خالد و تلاتة تانيين من الزملا.
سكت أدهم قليلا يفكر، فنظرت له ريم باستعطاف و هي تتوسل اليه:
ـــ عشان خاطري يا أدهم متكسفنيش معاه.. و بعدين دا مكان عام و هيكون مليان ناس اشكال و الوان.. يعني خليك كووول بقى.
حانت منه نصف ابتسامة ثم قال بجدية:
ـــ ماشي يا لمضة روحي.. بس طبعاً مش هوصيكي تـ..
قاطعته و هي تومئ برأسها:
ـــ تمام تمام متقلقش... حافظة الوصايا العشر و مش هنساهم..
قرصها من وجنتها:
ـــ مش بقولك لمضة... و غلباوية كمان..
ضحكت بملئ فمها:
ـــ تربيتك يا حضرت الظابط.
حمحم و كأنه تذكر شيئا للتو:
ـــ ريم.. عايزك تقعدي مع ندى و تحاولي تخرجيها من جو الكآبة اللي هي فيه.
ـــ على فكرة كل يوم بدخلها اقعد معاها و بنتكلم بس هي معذورة مش قادرة تتخطى اللي حصل بسهولة و بسرعة كدا.. بصراحة يا أدهم الله يكون في عونها.. اللي حصل دا مكانش سهل أبداً.. ربنا يصبرها.
تنهد بحزن و هو يردد:
ـــ يا رب... طيب انا هروح انام بقى.. تصبحي على خير.
ـــ و انت من أهل الخير يا حبيبي.
مرت ثلاثة أيام أخر و ها هو يوم حفل الافتتاح التي انتظرته نرمين طويلا لكي تكتمل خطتها بعدما أرسلت خمس بطاقات لمدير المشفى التي تعمل بها ريم عن طريق أحد الوسطاء و الذي أوصاه باعطاء اثنتين منهم الى خالد و خطيبته بالذات و قد حصل ما أرادت و كان عرضا مغريا لخالد.
أرادت لريم أن ترى معتصم حبيبها بصحبتها بصفتها زوجته الأولى التي أخفاها عنها حتى تقطع بينهما سبل العودة الى الأبد... فهل يتحقق ما أرادت؟!
مر خالد على ريم بمنزلها ليأخذها بسيارة أجرة و يذهبا سويا الى الحفل و بالطبع رآها عمر الذي لم تنتهي مهمته معها بعد و استقل سيارته و سار خفية خلفهما، و حين تبين وجهتهما قام بالاتصال بمعتصم ليخبره و لكنه لم يسمع رنين هاتفه من أصوات الموسيقى الصاخبة و الازدحام... حاول كثيرا التواصل معه و اخباره بأن ريم في طريقها لذلك الحفل و لكن دون جدوى.
بينما نرمين أخذت تسير بين المدعوين بفستانها الأزرق الملكي المجسم ذو الحمالات العريضة و الطويل و بفتحة كبيرة تصل حتى ركبتها و أسدلت شعرها الأشقر المموج على ظهرها و كتفيها فكانت فاتنة... كتلة فتنة متحركة..
أخذت تبحث بعينيها في كل ركن بالحفل عن ريم و لكنها لم تجدها، فأخذت تحدث نفسها بضجر:
ـــ و بعدين بقااا.. هي مش هتيجي ولا ايه... اوف.. و اصلا لو جات هشوفها ازاي في وسط الناس دي كلها.
أقبل عليها معتصم بملامح لا تنذر بالخير أبداً الى ان وقف قبالتها و قال بغضب مكتوم:
ـــ ايه اللي انتي لابساه دا يا مدام نرمين؟!.. هو مفيش فايدة فيكي أبداً.. مفيش مرة تخيبي ظني و تلبسي لبس محترم زي الستات المحترمة..
ردت عليه بتذمر:
ـــ قصدك ايه بقى يا معتصم؟!.. عايز تقول اني ست مش محترمة؟!
رد بانفعال طفيف حتى لا يثير انتباه الناس من حوله:
ـــ انتي شريكتي و أي تصرف منك او أي مظهر بتظهري بيه بيسيئلي قبل ما بيسيئلك يا هانم... و انتي عارفة كويس اني مبحبش اخرج معاكي و انتي لابسة اللبس المفتوح دا... انا مهما كان صعيدي و دمي حر.
نظرت له بشبه ابتسامة و هي تعدل من ربطة عنقه و تقول بدلال:
ـــ انت بتغير عليا يا عصومي.
أنزل يديها و هو يصتك فكيه بغيظ:
ـــ بغير على شكلي و سمعتي و شركتي يا نرمين هانم.
قال تلك العبارة ثم تركها تغلي من الغيظ و ذهب ليسلم على أحد أصدقائه.
وصلت ريم مع خالد و دلفا سويا الى الحفل، فقد كان خالد يرتدي بدلة رسمية كاچوال من اللون الأسود و ريم ارتدت فستان اسود من الستان ضيق من الصدر و الخصر ثم يتسع من الخصر للأسفل و ارتدت حجاب قصير فضي اللون مع قليل من الزينة و مستحضرات التجميل فكانت حقا جميلة رقيقة هادئة تسر من ينظر اليها.
تجولت معه في المكان الواسع من هنا الى هناك و أخذت تراقب الحضور بمختلف طبقاتهم و بالطبع النساء منهم خاصة و قد كانت مستمتعة بالأجواء.
شعرت نرمين بأن عيناها سيصيبها الحول من كثرة بحثها عن ريم، فاعتقدت أنها لن تأتي و استسلمت للأمر الواقع و أقرت بفشل خطتها.
بينما في تلك الأثناء كانت ريم مع خالد في الطابق العلوي حيث يتجمع مجموعة من الأطباء و الطبيبات يتعرفن الى بعضهم البعض، فصدح في الأجواء صوت موسيقى هادئة جعلت كل زوجين يرقصان الرقصة البطيئة المعروفة" slow "، فأثار المشهد فضولها و همست بأذن خالد:
ـــ خالد انا هنزل اتفرج عليهم من تحت و لما تخلص كلامك انزلي.
ـــ هلاقيكي ازاي؟!.. انتي مش شايفة الزحمة؟
ـــ اتصل بيا و انا هخلي التليفون في ايدي.
ـــ تمام.. متبعديش و لو روحتي اي مكان كلميني.
ـــ حاضر... باي.
في الأسفل، ذهبت نرمين الى معتصم الذي كان مشغولا بالتحدث مع أحد عملائه، فاستغلت الموقف و استندت على كتفه لتقول بدلال:
ـــ بعد اذنك يافندم هاخد منك عصومي خمس دقايق.. هنرقص سلو مع بعض..
لم يستطع الرفض بعدما أحرجته أمام العميل، خاصة و أن تلك الشكليات مهمة في محيط عمله، فاستأذن باحترام من الرجل و ذهب معها على مضض الى ساحة الرقص و قبض على خصرها و هو في قمة غضبه منها و لكنه حاول السيطرة على ملامحه الغاضبة و بدأ يتمايل معها على أنغام الموسيقى الهادئة و هو يبتسم بتمثيل أمام الناس.
بينما هناك ريم تقف في ركن ما تراقب ساحة الرقص بانبهار و تتمايل برأسها مع الموسيقى باندماج الى أن ظهر أمامها معتصم الوسيم و هو يحتضن تلك الفاتنة التي يصل طولها لطوله تقريباً و يبتسم لها بسعادة، فتسمرت قدماها و تجمد جسدها من الصدمة، أيعقل وسامته الفتاكة تلك التي خطفت أنظار النساء و هيبته التي سلبت عقولهن بين يدي أنثى أخرى غيرها؟!... و أي أنثى هذه؟.. انها تفوقها جمالا و قواما.. انه شيئا يدعوها للحسرة.
لو كانت الغيرة تقتل لأردتها صريعة الآن.. و لكنها تشعر بأن قلبها يشبه الجبل الذي رغم رساخته انهار حتى استوى بالأرض..
بدأت أنفاسها تتسارع و هي تنظر اليهما بحملقة، لا تستطيع زحزحة عينيها عنه... لا تدري أمن الاشتياق أمن تلك النيران المستعرة بصدرها كالجحيم..
لم يكن بمخيلتها أن هذا سيكون حالها حين تراه مع زوجته الفاتنة التي أخفاها عنها.. ليتها لم تراه.. ليتها لم تأتي من الأساس.
بالطبع كان معتصم زائغ العينين يتحاشى النظر إلى عيني نرمين حتى لا يرى رجائها المستمر بهما، كان ينظر في كل مكان عداها هربا من نظراتها الهائمة، الى أن التقت عيناه بتلك العينين المتلألئتين بالدموع، و هي تنظر اليه بعتاب، فتجمد جسده و توقف عن التمايل، فرمقته نرمين باستغراب:
ـــ ايه يا عصومي وقفت ليه؟!
في تلك اللحظة أدركت ريم أنه رآها ففرت من أمامه قبل أن يرى عبراتها التي تمردت و سقطت من عينيها و ركضت و هي تتخبط بالناس الى خارج الحفل..
ـــ نرمين لحظة بس.. في واحد مهم بيشاورلي هروح اكلمه و هرجعلك.
تركته و هي تتأفف بضيق و ذهبت الى المرحاض لتعدل من زينة وجهها بينما هو ركض باتجاه باب الخروج ليجد ريم تسير أمامه بخطى سريعة و كأنها على وشك الركض..
ـــ ريم... ريم.. ريم استني..
لم تلتفت له و كأنها لم تسمعه، فأسرع الخطى حتى لحق بها و أمسك معصمها ليوقفها.
استدارت له لتنزع معصمها من يده و تنظر له باشمئزاز بينما هو لا يصدق أنها أمامه الآن، تلك الغزالة المتمردة التي أفقدته عقله.. كم هي رقيقة و أنيقة.. رغم ملامحها المشمئزة الا أنها سحرته باطلالتها بتلك اللحظة.. رغم تفاجؤه بها و هو في وضع غير محبذ و رغم دموعها المتحجرة في عينيها.. و رغم نظرة الكره و رغم كل شيئ إلا أنه لم يسعده شيئ في تلك الليلة بقدر سعادته برؤيتها الآن.
ـــ نعم؟!.. حضرتك جاي ورايا عشان تفضل تبصلي كدا.
أخيراً استعاد ادراكه بعدما افقدته رؤيتها توازنه و سألها بجدية:
ـــ ايه اللي جابك هنا؟!
نظرت له بغيظ و هي تقول بحدة:
ـــ و الله اللي جابك هو اللي جابني.
ـــ يعني اتبعتلك دعوة؟!
ردت بسخرية:
ـــ من سوء حظي.. و لو كنت اعرف انك موجود استحالة كنت جيت.
رد ببسمة أربكتها:
ـــ بس من حسن حظي انك موجوده
أطرقت رأسها و هي تتمالك نفسها و تبتلع ريقها، فوقوفه أمامها بهيبته و أناقته المفرطة و نبرته الحنونة أضعفت دفاعاتها تماما، فاقترب منها مقدار خطوتين ثم استرسل بنبرة كادت أن تفقدها وعيها:
ـــ متعرفيش انتي وحشاني قد ايه... و مبسوط قد ايه اني شوفتك.
ابتعلت ريقها ثم سألته بتوتر لتغير مجرى الحديث:
ـــ اممم... واضح.. مراتك دي اللي كنت بترقص معاها؟!
هز رأسه بايجاب ثم أسرع يصحح لها:
ـــ كانت مراتي.. انا طلقتها..
ـــ تؤتؤتؤ.. ليه؟!.. يا خسارة... حد عاقل يسيب الجمال دا كله؟!
اقترب برأسه من رأسها ليقول بهمس مثير:
ـــ معلش أصل أنا مجنون...في واحدة تانية سحرتني خلتني مش شايف حد غيرها..
ابتلعت ريقها بتوتر ثم قالت بنبرة ذات مغذى متهربة من تلميحاته:
ـــ بس بجد اللي يشوفها ميصدقش انها اكبر منك بعشر سنين...ليك حق تتجوزها و تعيشلك معاها يومين..بجد عذرتك لما شوفتها..لايقين على بعض اوي
أغمض عينيه للحظة محاولا السيطرة على انفلات أعصابه من تلميحها السخيف، ثم رد بانفعال طفيف:
ـــ ريم انتي فاهمة غلط.. انا متجوزتهاش عشان أعيشلي معاها يومين و اسيبها زي ما اخوكي مفهمك.. قولتلك قبل كدا مش انا اللي اعمل كدا...
سكت يزفر أنفاسه بعنف، فردت عليه بحدة و كبرياء:
ـــ أنا ميهمنيش كل اللي انت بتقوله دا... انت اصلا بالنسبالي ولا حاجة و مش عايزة اعرف حاجة عنك.
رد بحدة أجفلت منها:
ـــ لا لازم تعرفي.. تعالي معايا
قبض على رسغها ثم جرها خلفه الى حيث صف سيارته و هي تقاومه و تحاول نزع رسغها من قبضته و لكن بلا جدوى فقد كانت قبضته فولاذية، الى أن وصل الى سيارته و فتح بابها، فقامت بغلق الباب و استندت اليه و هي تصرخ بعصبية:
ـــ ايه اللي انت بتعمله دا؟!.. انت فاكرني ايه؟!
احتجزها بذراعه بين باب السيارة المنغلق و بين جسده فكاد أن يلتصق بها حتى لا تهرب منه، ثم قال بنبرة لينة مترجية:
ـــ عايزك تسمعيني و تفهميني... اديني فرصة واحدة بس.. هتركبي معايا دلوقتي و نروح مكان هادي نتكلم فيه براحتنا... ممكن؟!
ردت بحدة:
ـــ لا طبعاً مش ممكن...
أشهرت خاتم خطبتها ببنصرها الأيمن أمام عينيه لتسترسل كلامها:
ـــ أنا مش حرة نفسي على فكرة.. متنساش اني مخطوبة لواحد تاني..
أزاحت ذراعه الذي احتجزها به و قد استسلم لها و أنزلها و غادرت من أمامه فاصطدم كتفها بكتفه و لكنه بقي متصنما بمكانه من فرط انكساره، فاستند بجسده الى السيارة و كأنه يلحق نفسه من السقوط و نظر لأثرها الفارغ بحسرة و هو يضع يديه في جيبي بنطاله.