رواية خيانة الدم
الفصل السادس عشر16
بقلم الهام عبد الرحمن
بداخل غرفة عثمان
كان عثمان مستلقيًا على سريره، ملامحه شاحبة وعيناه تحدقان في السقف. الباب يُفتح بهدوء، تدخل سما حاملة كوبًا من الماء وطبقًا صغيرًا به الدواء. نظرت إليه بحذر قبل أن تقترب منه.
سما بصوت ناعم: "لازم تاخد الدوا دلوقتي، الدكتور قال إنك ما ينفعش تأخر الجرعة."
رفع عثمان عينيه إليها ببطء، ثم زفر بضيق، محاولًا أن يبدو قويًا رغم ضعفه.
عثمان بحدة: "سما، جولتلك جبل اكده إني مش محتاچ مساعدة. ممكن تسيبيني لوحدي؟"
توقفت للحظة، لكنها تجاهلت حدة صوته وجلست على طرف السرير.
سما بإصرار: "مش هسيبك،يا عثمان. مهما حصل، أنا مش جاية هنا عشان أضايقك، أنا بس عايزة أساعدك."
نظر إليها بغضب ممزوج بحزن عميق، ثم أدار وجهه بعيدًا.
عثمان: "ليه؟ عشان تكملي اللي بدأتيه؟ عشان تظهري قدام الكل إنك انسانة كويسة وزينة بتحبى تساعدى لكن هم مايعرفوش انك مچرد واحدة خاينة غدرت بأجرب انسان ليها"
بقلمى الهام عبدالرحمن
تغيرت ملامح سما، وصوتها ارتجف قليلاً وهي ترد.
سما: "ما تقولش كده... أنا عارفة إني غلطت لما استسلمت لراغب بس غصب عنى خوفت والله خوفت وكنت اجبن من انى اقف قصاده ، لكن دلوقتي... كل اللي يهمني إنك تقوم بالسلامة."
مدت يدها لتضع كوب الماء على الطاولة بجانبه، لكنه أمسك بمعصمها فجأة، نظر إليها بعينين مليئتين بالغضب والارتباك.
عثمان بصوت خافت ولكنه مليء بالعاطفة: "سما، وجودك اهنه... بيوچعني أكتر من المرض نفسه. كل ما بشوفك... مشاعري بتتلخبط. ليه بتعملى فيا اكده بتبجى مبسوطة وانتى خابرة زين انك بتأثرى فيا؟
انحبست أنفاسها للحظة، ثم سحبت يدها برفق وهي ترد بهدوء:
سما: "انا هنا عشان أكون جنبك... مش عشان أوجعك،يا عثمان. لو وجودي بيسببلك ألم، أنا آسفة، بس مش هقدر أمشي وأسيبك."
نهضت من مكانها، ووضعت الأدوية بجانبه، ثم استدارت لتخرج من الغرفة. قبل أن تصل إلى الباب، توقف صوتها المرتعش للحظة.
سما دون أن تلتفت: "عارفة إنك زعلان مني... بس حتى لو ما سامحتنيش، عمري ما هبطل أحاول أعوضك عن اللي حصل."
خرجت بهدوء، تاركة عثمان غارقًا في صراع داخلي بين غضبه عليها ومشاعره التي بدأت تلين مرة أخرى، رغم كل شيء.
فى بهو المنزل كان راغب واقفا يتحدث الى زينب الخادمة حينما لمح سما خارجة من حجرة عثمان فغلى الدم بعروقه واتجه ناحيتها صاعدا الدرج بسرعة فائقة ولحقها قبل ان تدخل غرفتها وجذبها من يدها بقوة ساحبا اياها ثم دخل الغرفة واغلقها خلفه بشدة والقى سما ارضا، ثم تحدث بحدة وغضب...
راغب بحدة وغضب: كنتى بتعملى ايه فى اوضته يامحترمة يامتربية ها ولا هو سكتناله دخل بحماره؟
سما وهى تحاول ان تظهر القوة: بقولك ايه انا اعمل اللى انا عوزاه وعثمان انا هفضل اراعيه لحد مايقف على رجليه تانى ومش هسمحلك تأذيه انت فاهم.
بقلمى الهام عبدالرحمن
راغب وهو يجذبها من شعرها: لساتك بتحبيه لساتك ريداه عشان اكده لسة محصلش حبل اوعاكى تكونى بتاخدى موانع تخليكى متحبليش الله فى سماه لو كنتى بتعملى اكده لاكون مخلص عليكى.
سما بصراخ والم: اوعى كدا سيبنى انا مباخدش حاجة.
تركها راغب ونظر لها بترقب: اومال ازاى لحد دلوك مفيش حبل انتى مفكرانى عيل اصغير هتضحكى عليه لا آنى متوكد انك بتاخدى حاچة من وراى عشان تجدرى ترچعيله تانى بس دا بعدك هتخلفى منى يعنى هتخلفى منى ثم مارس حقوقه الشرعية رغما عنها.
في مساء اليوم التالي، كان شاكر يجلس في مكتبه داخل شركته الخاصة، ينظر بتمعن في بعض المستندات التي تخص أحدث الصفقات. المكان كان هادئًا، لكن الجو بدا متوترًا. فجأة، فتح راغب الباب ودخل دون استئذان،كانت ملامحه متجهمة وعيناه تلمعان بالغضب.
راغب: "واضح إنك مشغول چدًا، يا شاكر."
رفع شاكر عينيه ببرود دون أن يبدى أي انزعاج من اقتحام راغب.
شاكر: "مشغول بالغلطات اللي بتسيبها ورا صفجاتك. وكنت متوجع زيارتك."
جلس راغب على الكرسي المقابل، يتكئ للخلف بثقة مبالغ فيها.
راغب بسخرية: "غلطات؟ يا راجل! إحنا شركاء في الشغل ده، يعني لو في غلطات،يبجى نصها عليك."
شاكر بنبرة جادة: "صح شركاء، لكن في حدود. اللي عملته في صفجة الأراضي الأخيرة اتعدى كل الخطوط الحمرا. العجد كان واضح، وما كانش المفروض نتورط مع الناس دي."
راغب بنبرة استفزازية: "الناس دي اللي بتحكي عنيها هم اللي ضمنوا نچاح الصفجة. لو مش عاجبك الطريجة، كان ممكن تجول بدل ما تجعد تعطلنا بملاحظاتك."
شاكر: "أنا ما بعطلش حاچة، أنا بحمي نفسي. واللي بتعمله يا راغب ما يعتبرش شغل، دي مجامرة، والمجامرات دي هتغرقنا كلنا."
بقلمى الهام عبدالرحمن
اعتدل راغب في جلسته، ونظر إلى شاكر بحدة.
راغب: "اسمعني كويس، ياشاكر. الصفجة دي طلعت ذهب، وإحنا كسبنا أكتر مما كنا نحلم بيه. لو مش عاچبك المكسب، أنت حر. لكن ما تحاولش تلعب دور البريء جدامي."
شاكر ببرود: "المكسب مش كل حاچة، ياراغب. لما الناس اللي اتعاملت معاهم تبدأ تجلب علينا أو تفتح ملفات جديمة، ما تتوجعش مني أجف فى ضهرك و أنقذك. أنا بجولك من دلوك، لو وجعنا بسبب تهورك، أنت اللي هتشيل المسؤولية لوحدك من الاخر تشيل شيلتك."
راغب بنبرة مليئة بالتهديد: "شاكر، احنا شركاء في كل حاجة، سواء النجاح أو المشاكل. لو فكرت تتخلى عني، أو تبيعني في أول فرصة، صدجني هتندم."
شاكر بصرامة: "التهديدات دي ما تاكلش معاي يا راغب. لو كان عندك وجت تضيعه في الكلام الفارغ، استغله في إنك تصلح أخطائك جبل ما تتدهور الأمور."
وقف راغب من مكانه، يحدق في شاكر بابتسامة متكلفة.
راغب: "ما تجلجش يا شاكر، آنى عارف إزاي أجدر أحمي نفسي... وعارف كمان إزاي أحميك، غصب عنك."
استدار راغب ليغادر، لكنه توقف عند الباب وألقى نظرة أخيرة.
راغب: "بس خلي بالك، اللي بيحاول يمشي لوحده في لعبة زي دي... نهايته دايمًا معروفة."
خرج راغب، تاركًا شاكر يعيد النظر في الأوراق أمامه، ويفكر في الخطوة التالية التي قد تكون حاسمة لإنقاذ نفسه من دوامة الشبهات التي جره راغب إليها.
في إحدى الليالي، كان عثمان مستلقيًا على سريره في غرفته، يحاول أن يريح جسده المنهك بعد يوم طويل. فجأة، سمع خطوات صغيرة تقترب من الباب، ثم سمع طرقًا خفيفًا.
بقلمى الهام عبدالرحمن
عثمان بصوت منخفض: "ادخلي."
انفتح الباب ببطء، وظهرت نجمة، ابنة الأربع سنوات، بثوب نومها الصغير، تمسك بدمية قماشية في يدها. ابتسمت فور أن رأت عثمان، وركضت نحوه بحماس.
نجمة: "عمو عثمان! جيت أطمن عليك. ماما قالت إنك تعبان."
جلس عثمان على السرير وأشار لها لتقترب.
عثمان بابتسامة خفيفة: "أهلاً يا جمر. تعالي اهنه."
صعدت نجمة إلى السرير وجلست بجانبه، تنظر إليه بعينيها الواسعتين الممتلئتين بالبراءة.
نجمة: "إنت لسه تعبان؟ أنا عاوزاك تبقى كويس عشان نلعب مع بعض."
ضحك عثمان بخفة، ووضع يده على شعرها الناعم.
عثمان: "آنى ببجى أحسن لما أشوفك، يا نچمة. إنتي بتخلي جلبي مرتاح."
ابتسمت نجمة بسعادة، ثم وضعت رأسها على صدره.
نجمة: "أنا هبات هنا جنبك، عشان أحميك."
قبل أن يتمكن عثمان من الرد، سمع صوت خطوات ثقيلة على الدرج. الباب انفتح فجأة، ودخل راغب، ملامحه غاضبة بمجرد أن رأى المشهد أمامه.
راغب بحدة: "نچمة! إيه اللي بتعمليه اهنه؟ جومي على طول وارچعي أوضتك."
بقلمى الهام عبدالرحمن
رفعت نجمة رأسها ونظرت إلى راغب بخوف، لكنها تمسكت بعثمان أكثر.
نجمة بإصرار: "لأ! أنا هنام مع عمو عثمان. مش عايزة أروح أوضتي."
راغب بغضب: "أنا جولت جومي! يلا يا نچمة، ماينفعش تباتي اهنه."
لكن نجمة، بعناد طفولي، دفنت وجهها في صدر عثمان وصرخت بصوت مرتفع:
نجمة: "لأ! مش هروح! أنا عايزة أبقى مع عمو عثمان."
نظر عثمان إلى راغب، وكانت ملامحه متجمدة ولكن عينيه مليئتان بالتحدي. وضع ذراعه حول نجمة ليطمئنها.
عثمان بهدوء: "راغب، مش لازم تخوف البنت. سيبها معايا الليلة. لو مش مرتاحة في أوضتها، ليه تضغط عليها؟"
نظر راغب إلى المشهد أمامه، ملامحه ازدادت حدة، لكنه لم يقل شيئًا. ألقى نظرة غاضبة على نجمة ثم على عثمان، واستدار ليخرج من الغرفة دون كلمة أخرى، مغلقًا الباب خلفه بعنف.
بقلمى الهام عبدالرحمن
بعد أن خرج، نظر عثمان إلى نجمة التي بدأت تهدأ بين ذراعيه.
عثمان بصوت خافت: "ليه بتصرّي تباتي معايا يا نچمة؟"
رفعت رأسها ونظرت إليه بعينيها البريئتين.
نجمة: "عشان بحبك... بحس إنك... زي بابا."
تجمد عثمان للحظة، كلماتها أصابته في الصميم. نظر إليها طويلًا، شعور غريب اجتاح قلبه، شعور أقوى من مجرد كونه عمها. شيء ما بداخله كان يربطه بها بشكل لا يستطيع تفسيره.
ضمها إليه برفق وهمس:
عثمان: "وآنى كمان بحبك، يا نچمة. بحبك أكتر من أي حاچة."
بينما نامت نجمة بهدوء في حضنه، بقي عثمان مستيقظًا، غارقًا في أفكاره وشكوكه، يحاول فهم السر الذي يربطه بهذه الطفلة الصغيرة.
صلوا على الحبيب المصطفى 🌺
