رواية فراشة في سك العقرب
الفصل الاول1
بقلم ناهد خالد
- فُل, فُل يا باشا.
نظر من نافذة سيارته نحو مصدر الصوت مقررًا صرفها فلا خُلق له للباعة المتجولين هؤلاء والآن تحديدًا لا يحتمل النفس الخارج منه حتى, لكنه ابتلع كلماته حين أبصر فتاة ببشرة سمراء جميلة وشعر غجري مجعد يصل لمنتصف ظهرها, وعينان بنيتان بدرجة فاتحة تجذب الأنظار لها ليخر الناظر صريعًا بهما, ملامح جميلة ينقصها فقط بعض النظافة, هكذا حدث نفسه قبل أن يستفيق على صوتها تقول بابتسامة ودودة:
- خدلك فُل يسعد نهارك.
ابتسم جانب فمه ابتسامة ساحرة رغم نظرته الثعلبية وهو يغمغم:
- لا مهو نهاري اتسعد خلاص, اسمك ايه يا حلوة؟
قطبت ما بين حاجبيها بضيق بعدما اختفت ابتسامتها وهي تردد مستهجنة:
- وتعرف اسمي ليه؟ لو معجبكش مش هتشتري!؟
ضحك بخفوت عليها ونظر لها بعينيه البندقيتين وهو يجيبها بهدوء:
- لا, الموضوع ملوش علاقة بالفُل.
فُتحت إشارة المرور, ليُجبر على التحرك بعد تعالي أصوات زمور السيارات خلفه, ليتحرك فورًا بالسيارة لكن عيناه لم تفارق المرآة الخلفية ليرى لأين ذهبت, حتى صف السيارة بجانب الطريق, وترجل منها على الفور راكضًا للجهة الأخرى حيث تقف في الإشارة المعاكسة تمارس عملها, وصل لها فجذبها من كفها بغتة جعلتها تنتفض وهي تصرخ بهِ:
- ابعد ايدك يا جدع انتَ, انتَ اتجننت؟
رفع كفيهِ مستسلمًا وقال:
- مقصدش, انتِ بس كنتِ هتمشي فوقفتك مانا معرفش اسمك.
تجاهلت حديثه ورفعت عقود الفُل أمام عينيه تسأله:
- عاوز عقد ولا اتنين؟
ضيق عينيه ناظرًا للعقد في يدها قبل أن يسألها:
- بتبعيه بكام؟
ابتسمت بسعادة وهي تراه على وشك الشراء, فهي اليوم كان حظها عاثر ولم تبيع عقدًا واحدًا, وقالت ببهجة:
- العقد ب 50 جنية, بس ده عقد بلدي وريحته فواحة حتى شم.
قالتها مقربة العقد من وجهة ليصدمه عبيره الرائع, ليبتسم لها بلامبالاة لِمَ تعرضه, وقال بنبرة جادة هادئة:
- واللي يديكي 50 الف جنية؟
امتعضت ملامحها واختفت ابتسامتها وهي تنهره:
- انتَ جاي تهزر يا بيه, روح شوف حالك الله لا يسيئك.
كادت تتحرك من أمامه ليتحرك فورًا واقفًا أمامها يقول بجدية:
- انا مبهزرش, مصلحة... مصلحة هتطلعي منها ب 50 الف جنية.
التمعت عيناها لوهلة بالشغف, لكن سرعان ما انطفاء وهيجها وهي تسأله بسخرية:
- وايه المقابل؟ غرضك ايه؟
- غرضي شريف, مش أي حاجه ممكن تيجي في بالك, انا ضابط على فكرة.
انهى جملته وأخرج هويته من محفظته ورفعها أمامها يكمل:
- يعني مفيش مني قلق.
تمايلت في وقفتها ساخرة:
- مفيش منك قلق؟ طب ده انا كده قلقت اكتر.
- اسمعي بس, كل الحكاية مصلحة خفيفة ممكن تاخد منك قولي أسبوعين او شهر, انتِ وشطارتك, وبعدها الفلوس تكون في ايدك, واقولك هديكي 50 الف مقدم, و50 الف بعد ما المصلحة تتم.
جحظت عيناها وهي تردد بفاه فاغر:
- 100 الف؟؟ ليه كل ده؟! انا هفتح عكا!
- لا, اهم, هبعتك لواحد كل مهمتك تجيبلي منه اللي هطلبه منك, من غير ما يحس بيكي, ولا يكشفك, وعلى فكرة ده مجرم, يعني انتي كمان بتعملي عمل وطني.
شردت بنظرها بعيدًا تردد مشدوهة:
- عمل وطني!!
"
