
رواية الاروبية البدوية الفصل الثاني2 بقلم سالي سيلا
أخذنا الى خيمة كبيرة. جلسنا على افرشة من الصوف والوبر. ثم ضيفونا بتقديمهم لنا التاي في كؤوس صغيرة من النحاس مع صحن به تمر . كان الجميع يبتسم لنا ويرحب بنا في كل مرة يحل علينا شخص ما... والغريب لم يمضي سوى القليل حتى اتو بخروفين مشويين مصحوبا بالثريد. هذا ما اخبرونا عن اسمه. اكلت منه وكأنني مغصوبة على امري في البداية. بسبب كثرة الجوع والحر الشديد الذي لم اعتد عليهما من قبل. احسست كأنني سأفقد وعيي في اي لحظة. وكل طاقتي نفذت مني. ولكن بعد ان ذقت طعمه وبعضا من اللحم استطعمت مذاقهما اللذيد. فيه طعم البهارات الغير عادية في لذتها. فاكلت منه الكثير. وعندما انتهينا قاموا بإعطائنا كوبا مصنوعا من الفخار به لبن . شربناه كي يساعدنا على الهضم دون ان يحدث الطعام حرقة او ألم في المعدة. وفعلا كأنه سحر. لم احس بأي وجع رغم انني لم اتعود على اكل طعام دسم او ثقيل.. بعدها هناك من تمدد ليأخذ قيلولة. وهناك من يتبادل اطراف الحديث. ومنهم من يتصل بأهله يطمنونهم على احوالهم. اما انا فأردت ان استطلع المكان.. نهضت وخرجت من الخيمة. لأجد مايشبهها في كل عدة امتار. ورغم ان الرؤية صعبة لشدة اشعة الشمس. الا ان صورة قادمة من بعيد اسرتني.. حصان تمتطيه امرأة بكل شموخ وهيبة.. وعندما توقفت ونزلت من عليه. كانت تنظر إلي باستغراب ليس اكثر من استغرابي من جمالها وبهية طلعتها. ذوا الاعين الواسعة حالكة السواد. بهما كحل زاد من بروز جمالهما. وشعرها المموج الطويل المغطى بفولار شفاف خفيف يظهر باطنه. وعباءة مطرزة سوداء. وحذاء جلدي طويل يليق باحذية الفرسان. كانت تبتسم لي ورحبت بي.. في تلك الاثناء قدم ايضا ذلك الشاب الذي باستطاعته ترجمة لغتنا الانجلزية الى لغتهم البدوية... دار بينهم كلام لم افهمه طبعا وطلبت مني ان اتبعها كي اعرفها على المكان فلم اتعرف الا ماهو كل غريب عني. ارضهم رغم انها رملية. الا انها مختلطة باحجار صخرية. تلك النخيل والنباتات العملاقة اضافت على المكان رونقا وسحرا خاصا. المياة التي تجلب بواسطة القلل والقرب الكبيرة من طرف الفتيات الحسناوات والنساء فهن من يتولين جلبها الى ديارهن. اما الشباب فلهم اعمال اخرى كرعي الغنم. والتجارة ببيعهم امتعتهم التقليدية. كالزرابي والخناجر المنقوشة والحلل من الفخار والطين. والقشابيات المصنوعة من وبر النوق. وتعتبر من اغلى الالبسة التي تباع في الاسواق... تعرفت على الكثير من طبيعة نمط حياتهم. فانا كنت متلهفة على التغيير. وهذه الحادثة جاءت في الوقت المناسب. فكنت كالجاسوسة اترقب تصرفات اصحاب المنطقة البدوية هذه. طريقة عيشهم.. حديثهم. من يحكمهم. كيف هي ديانتهم.. تعامل الرجال مع النساء. خاصة الاطفال ما اهمية وجودهم مابينهم؟ فهذا الاخير كان فضول ربما متصل بما عشته سابقا في طفولتي.
فلم اجد مايخالف احساسي بالارتياح منهم.. الاحترام المتبادل مابينهم..تقديرهم للكبار وطاعتهم في اوامرهم. احترامهم للمرأة بشكل قد اقول انه مبالغ
بالنسبة لما نعيشه في اروبا. و اكثر شيء لفت انتباهي هي حنيتهم واهتمامهم بالاطفال. وتعليم الذكور كيف يجالسون ويخاطبون الكبار.. ولا حظت امورا كثيرا مغايرة تماما لطبعنا. منها الحشمة والسترة. وعدم المخالطة مابين النساء والرجال.. وغيرها. كل هذه الملاحظات لم ارها فقط في تلك الامسية. بل طيلة مكوثي هناك .. ففي الحقيقة اليوم الموالي الذي وجب علينا المغادرة فيه بالطائرة من تلك المنطقة. بعد ان السلطات رتبت كل شيء بالعودة في اجواء امنة وسالمة الى ديارنا. كنت انا في تلك الاثناء تأخرت مع الفتيات بالواحة نجمع فيه الثمار بالصناديق. اردت مساعدتهن واكون مابينهن. فهن منذ وصولي وهن يعاملنني بطيبة. فرحتهن بي جعلتني لم اشعر قط انني غريبة عنهن... ولكن وقع لي حادث غير متوقع. ونحن عائدات الى الدوار غرست قدمي في رمل كثيف فاحسست عندها بوخزة صغيرة في اصبع قدمي. في باديء الامر لم اكن مهتمة. ولكن بعد ثواني اصبح الالم لايوصف... لا حظت جنات تلك الفتاة الاصيلة تغير ملامحي. فسألتني بالاشارات مابي؟ فأريتها اصبع قدمي وعبرت عن مدى الوجع الذي يصدر منه.. حينها اجلستني على صخرة. وامسكت بقدمي لترى ماخطبه.. وما ان رأته خاصة انه يظهر عليه تورم حتى اصبحت تنادي على بقية الفتيات والخوف والهلع بدى على وجهها. وكأنها رأت شبحا في تلك اللحظة مما انتقل الخوف لي الذي بدأ يسري في عروقي.
اجتمعت الفتيات من حولي. وامسكت احداهن طرف التنورة فمزقتها وقامت جنات بربطها على الطرف السفلي من ساقي. لأعلم بعد ذلك ان عقرب سامة لدغتني..
عدت الى الخيمة بصعوبة فلولا مساعدة جنات والفتيات. لما استطعت ان امشي خطوة من كثرة الوجع والحرقة التي بقدمي. الذي اصبح يمتد الى اعلى ساقي.
احضر لي حكيم البادية. وقام بعصر المكان الذي اصبت منه بعدها قام بإعداد خلطة من الاعشاب. وربطها على المكان المنضر. في تلك الاثناء اصبح قلبي يتزايد ضرباته وكل مكان يهمني ان اشرب ولو رشفة من الماء.. ولكنهم اخبروني انه خطر على حياتي لو وضعت قطرة واحدة في فمي. لانه بذلك يساعد السم في انتشاره بكل جسدي... كانت جنات تمسك بيدي. وتصبرني انه سيزول كل هذا عن قريب.. اشتدت حمتي وزاد خوف الجميع من حولي.. اعيدت تلك الخلطات مرة واثنين وخمسة. لتمتص السم. بعد عدة سويعات استطعت اخيرا ان اشرب مشروبا من الاعشاب ليخفض درجة حرارتي.. كنت كأنني احلم. انام واستيقظ ولا اعلم مالذي يحدث معي. ارى اشياء. واتكلم كلاما غير مفهوم ولا موزون. رايت اخي هارفت يعانقني بعد عودتي من السفر. ووالدي ووالدتي يطلبان مني السماح. ويعدانني انهما سيمكثان معي اكثر وقت ممكن بعد الان. واحيانا تراودني صورا وكأنها حفلة زفاف. حصان ابيض من هناك قادم. ذاك الشاب الذي عليه اعرفه. رأيته قبل يومين فقط... جنات تضحك وتبكي في نفس الوقت. صقورا ضخمة تحوم فوق القبور كل هذه تهيؤات ارى صورا ولا استطيع الكلام.
علمت ذلك في اليوم التالي. عندما اخبروني بما جرى لي جراء الحادثة التي وقعت لي. والشاب يترجم لي عن التصرفات التي كنت اقوم بها وانا محمومة. والجميع يضحك علي. خاصة عندما قمت بجذب لحية الحكيم الذي كان يداوي حالتي.
حينها ضحكت من قلبي. ولكن تشقلب كياني عندما علمت ان الطائرة انقلعت بدوني. وكل من كان معي عادوا الى اوطانهم. رغم ان شيخ البادية طمنني انني في رعايتهم. وفور شفائي سيقومون بتوصيلي الى اقرب مطار متاح لهم. ومن ذاك اعود الى بلدي. وماعلي سوى ان اطمن عائلتي حاليا بالهاتف. حتى لاينشغل بالهم علي وهذا على حسب قولهم.. ضحكت في سريرتي. وقلت في نفسي من هؤلاء الذين سيقلق علي. فانا لم ارى احد قلق علي يوما كهؤلاء الغرباء مما اراه في اعينهم من خوف واهتمام.
مضى يوم اخر واصبحت اشعر انني احسن عن ذي قبل. واكدت لي جنات ان الخطر زال. ولكن حذرتني ان امشي مجددا بذاك الحذاء الخفيف. واخبرتني انه في الصباح الباكر سنذهب الى السوق كي نبتاع حذاء يليق بالمكان فاعجبت بالفكرة. وامسكتها من يدها واخذتها الى المكان الذي اضع به اغراضي. وجلبت من الحقيبة الصغيرة اوراق نقدية من المال. ومنحتها لها كي تقوم بالتصرف بها... ضحكت كثيرا علي جنات واعادت لي النقود وهي تمزح معي بأنها لا تكفي. علي ان اعود الى بلدي واحضر الكثير منها كي اشتري الفردة الثانية من الحذاء... ضحكنا كثيرا. فبالكاد فهمت عليها ماتقصده. فهم اصحاب الكرم والجود. ولا يليق بهم ان يمسكوا على ضيوفهم سنتا واحدا من المال.