رواية الاروبية البدوية الفصل الثالث3 بقلم سالي سيلا


 رواية الاروبية البدوية الفصل الثالث3 بقلم سالي سيلا


بعد بزوغ الشمس بقليل. قامت باستيقاظي والدة جنات.  فانا اصبحت انام في خيمتهم.. جلبت لي الماء والمنشفة كي اغسل وجهي.  وكم شعرت بالخجل لحسن تصرفها معي.وحسدت جنات انها رزقت بأم حنونة مثلها.   بينما هي احضرت حليب النوق وبعض من العسل و الكسرى التي صنعتها والدتها على الفحم فجرا.  كان هذا هو فطورهم الاعتيادي.  بعدها ذهبنا الى خيمة الشيخ الكبير  والذي يكون رئيس القبيلة.  فكل شاردة وواردة يجب ان يأخذوا برأيه اولا    فطلبت منه جنات الإذن بذهابنا الى السوق.. ظننت في باديء الامر وبطريقة كلامه انه لم يوافق. ولكن سرعان ماغيرت وجهة نظره جنات التي قبلت رأسه وهي تضحك معه وتشكره. والذي بدوره نادى على ضياء الدين وهو نفسه المترجم ونفسه الذي رأيته على الحصان الابيض. كي يواكبنا في رحلتنا للسوق..  فابتسمت ابتسامة خفية على مخيلتي التي اخذتني بعيدا بسبب ذاك الحلم الغريب. 

بعد دقائق وجدت سيارة تيوتا تقف امامنا   التي يلقبونها بسفينة الصحراء... وجنات تطلب مني الصعود من الخلف لتجاورني .  انطلق بنا ضياء الدين كالبرق.  يسوق بنا بسرعة فائقة في المنحدرات ويميل بنا في المنعطفات وكأنه يلعب لعبة السيارات. ظننت لوهلة ان اجسادنا ستسبقنا  بقفزها للامان وتخرج عبر الزجاج الامامي من السيارة من شدة فرط سرعة سياقته. 
كنت امسك بقلبي وجنات تبتسم لي وتطمنني بطبطبتها على يدي بأن كل شيء بخير. واظنها ان هذا التصرف عادي بالنسبة لها وألفته مسبقا دون شك. 
وصلنا اخيرا الى السوق. نزلت ورأسي يدور كدت ان استفرغ بسبب دوار معدتي   اسمع الى ضياء الذي طلب منا ان نقضي حاجياتنا. بينما هو سيكون قريب منا  متى انهينا امورنا . 
في تلك الاثناء ونحن على استعداد للتوجه الى السوق. انصدمت بالمنظر.  فالسوق عبارة عن فوضى لا نهاية لها.  على مد البصر طوله.  لاتوجد ابنية او حتى خيم يباع بداخلها. انما هي مساحات شاسعة . يضع فيها البائع حاجياته مباشرة على الارض. والشاري يختار اين تكون وجهته وطلبه   اما الاصوات العالية من كل صوب   تكاد تصم اذني.. دخلنا انا وجنات وذراعينا متشبطة بالاخرى.  كل الاعين مصوبة نحونا.  كانت جنات لاتهتم لنظراتهم. فهي تسير كالملكة. وكل من حولها يعتبرون حاشيتها.  اظن الجميع يعلم من تكون.  بسبب طريقة تعاملهم معها وكسب ودها. 
كان الباعة مابينهم والمشتري يشبهون البيع بالمزاد العلني.هناك من يرفع السعر والاخر يخفضه كي يحضى بأكبر عدد من المشتريين.  وكل مايباع تجد عليه زحمة من الناس   فلا تجد حتى كيف ترى بضاعتهم.   ولكن مع جنات كل الابواب تفتح امامها. اخذتني حيث تباع النعال. ودهشت لما اختارته لي.  حذاء من النوع الثقيل. المصنوع من الجلد. فهذا مايحمي قدمي من كل انواع الخطر. اخذناه. ولكن بداخلي لست مقتنعة به.  ثم بعدها اخذتني ناحية الجلابيب.  وابتاعت لي ثلاثة جلابيب مطرزة على مقاسي. بالوان مختلفة وزاهية.  وعدة فولارات منها الشفافة والعميقة.  عاداك عن بعض الاكسسوارات التقليدية. هدية كتذكار منها لي.. في الحقيقة ما كان يجذبني من بين كل الاشياء التي تباع.  هي التحف الفنية اليدوية.  فانا احب هذا النوع. فهم ابرعوا في صنعها وزخرفتها.  وكنت اتتبع بشغف لأرى اكثر من هذا النوع المنتوجي  ..فإلتهيت بالبحث عن مواضع بيعهم  اخرى حتى تهت عن جنات مابين الزحمة.   لم اكن اعلم من اين دخلنا ومن اين طريق الخروج.؟  كنت كالطفل التائه. يبحث عن والده.  وكلما مر بعض من الوقت يزيد من توتري و خوفي.  وانا على ذلك الحال حتى شعرت بشقي الايسر كأنه خبطته سيارة.  وعندما استفقت مما يحدث.  شاهدت شاب يركض ومعه حقيبتي اليدوية.    فلم يأتي بذهني في تلك الاثناء سوى الهاتف.  فانا حتى اللحظة لم ارفع الهاتف واتصل بوالدي. كي اطمنهما على اخباري.. فقمت بتعقبه  وركضت وراءه. وانا اتوسله ان يأخذ المال ويترك الحقيبة وجواز السفر.  ولكن ليتني وجدت مترجما ينادي عليه هو ايضا كي يفهمه معنى كلامي.. ولكن هيهات... هو يركض كالقط البري الذي اخذ مؤونته ورحل... وانا لم اكن سوى ان ألهث وراءه كالكلب توقفت حينها عندما وجدت الامر مستحيلا بلحاقه.  عدت ادراجي متمنية ان اجد جنات او ضياء.  وبعد عدة خطوات اخرى. إلتقيت بضياء الدين   فتنفست الصعداء.  واخبرته عما جرى معي.  ووعدني ان حقيبتي ستعود لي في اقرب وقت ممكن.  والغريب انه علم بما حصل لي.   فقدم على وجه السرعة.  ولكنه وصل متأخرا... رفع هاتفه واتصل بجنات التي إلتقينا بها بعد ذلك.  وكم كانت مرعوبة بأن يكون قدحدث لي مكروها من طرف اللصوص بعدها عانقتني بشدة. هذه الفتاة كم هي طيبة.  فلو كانت لي صديقة لن تخاف علي او تهتم بي بهذا الشكل. 

عدنا الى الدوار وانا مهمومة بشأن ضياع جواز سفري.. فكيف سأعود الى بلدي إلا عن طريقه..!؟ وفور وصولنا اخبر ضياء شيخ البادية عن الامر. فعقد في المساء اجتماع طاريء لرؤساء القبائل المجاورة.. لكي ينذرهم بجلب ماليس لهم. فمنحهم فرصة بعد يومين.وإلا سيتلقون منه مالا يحمد عقباه.  فالجميع يخافه ويهابه. هذا ما اخبرني به ضياء.  لذى هو مقتنع ان كل اغراضي التي بالحقيبة ستعود لي كما هي تماما بالسابق.

ونحن داخل الخيمة انا وجنات ننظم الاغراض التي ابتعناها من السوق. اذ مجددا نسمع نداء ضياء.  فخرجت جنات.  وخجلت ان اتبعها. ولكن هي نادت علي بعد ثواني.  واذ بضياء يحمل علبة في يده   علمت انها علبة هاتف جديد من منظرها.  منحه لي وهو يؤكد لي انه مجرد بديل مؤقت حتى يأتوني بهاتفي المسروق.  ثم عرفنا انا وجنات عن تطبيق قد نزله في الهاتف مسبقا يقوم بترجمة اللغات.  وطلب من جنات ان تقوم هي ايضا بتنزيله   حتى فقط نستطيع معا التواصل بطريقة اسهل ومفهومة   ولا اعلم كيف غاب عني هذا الشيء.  فلقد ضيعنا الكثير حتى نقوم بتوضيح بعض المفاهيم بالاشارات انا وجنات.  واحيانا نفضل الصمت لكي لا نزعج بعضنا البعض بعدم الفهم.  كما انه اطلعني على رقمه الخاص.ورقم جنات اللذان سجلهما على الهاتف. حتى لو احتجت لأي شيء ما اتصل بأحدهما على الفور.  
شكرت ضياء كثيرا على صنيعه و وقوفه معي منذ قدومي الى ارضهم .  في تلك اللحظة لا ادري لما جنات تغيرت ملامحها   وقل كلامها. ولكن غلطت نفسي. ولم اعر بعد ذلك للامر اي اهتمام. 
بعدها عدنا مجددا للاغراض التي ابتعناها.  وطلبت مني جنات ان اغير ملابسي وان ارتاح بارتداء شيء مريح على حسب كلامها بدلا من السروال الجينز والقميص الضيق الذي يطبق على الانفاس.. فلم امانع ورحبت بالفكرة. فبصراحة تلك الجلابيب المطرزة شدني منظرها  منذ ان إلتقيت بجنات اول مرة وهي ترتدي احداها.  اعجبت كثيرا بمظهرها. وتمنيت ان تكون مناسبة ايضا على جسدي. 
عرفتني جنات كيف ارتديها. وساعدتني في لبسها.مع كيفية وضع الفولار على رأسي.ثم انتعلت ذاك الحذاء  الجلدي. وختمناها بالكحل العربي. وكم ضحكنا كثيرا على شكلي وكل مرة كانت تعدل جنات من مظهري حتى يكون مرتبا. 
وفي النهاية تمت مهمة التحويل. من فتاة اروبية الى فتاة بدوية.  ولا اخفيكم حقا احسست بالارتياح النفسي. بعد ارتداء تلك الجبة الفضفاضة   فنوعية قماشها البارد   لايجعلك تتصبب عرقا طيلة الوقت فأحببت ذلك فعلا. كما اعجبتها كثيرا خالتي ميمونة.  هكذا اخبرتني جنات ان انادي على والدتها. احتراما لها    اما بقية الفتيات. فعندما اجتمعنا في الغدير مساء لم يصدقوا التحويل الذي طرأ على مظهري.  حتى هن ايضا اعجبتهن  لدرجة انهم ألفن اغنية في لمح البصر من اجلي.. البعض منهن ينشدنها والبعض الاخر يرقصن على انغامها... كل ماحفظته وبصعوبة قولهن.
( يا حسناء.. يا ذات الاعين الزرقاء. فمن الان اصبحتي بدوية مثلنا... انسي ان تعودي لبلادك الاروبية.. فارضنا تبنتك منذ ان سقطتي من السماء......الخ) 
مرحنا كثيرا. وابتهجت حتى نسيت الغصة التي كانت بداخلي بسبب كل ماحدث معي سابقا. 
ونحن في طريق العودة الى الدوار.  كل واحدة افترقت عن الاخرى لتعود الى بيتها قبل غروب الشمس   اما انا وجنات تأخرنا قليلا عنهن.   لنقطف بعض الذرى الموجودة بكثرة في طريق العودة. 
قطفت الكثير منها. فلمدى حبي لها. لم اصدق انها متاحة لي بهذا الشكل.. لذلك عندما تأكدت ان يداي لم تعودا تتحمل المزيد   قررنا العودة مباشرة الى الديار.. ونحن نكاد نقترب. اذ بشخص غريب ملثم يفاجئنا بخروجه يقطع علينا الطريق.  
هل هذا ايضا لصا!؟
 وهل اللصوص يظهرون حتى في الخلاء و في كل مكان!؟  
الرب يكون معنا   انا خائفة جدا. 


تعليقات



<>