رواية كرسيي لايتسع لسلطانك الفصل التاسع والاربعون49والاخيربقلم مريم محمد غريب
_ الأبديّة معك _ :
في قلب قصر آل"البحيري" الكبير.. حيث اتّحدت الفخامة بالعراقة.. بدا المشهد و كأنه لوحة رسمتها أنامل مبدعة.. القاعة المفتوحة مضاءة بثرياتٍ كريستالية تتدلّى من السقف الاصطناعي العالي كنجومٍ متلألئة.. و الأعمدة مغطاة بنقوشٍ ذهبية تعكس سطوع الأضواء ..
على طول القاعة.. امتدت طاولات مزيّنة بزهور بيضاء و زهرية.. تنسجم مع الشموع الذهبية التي أضفت دفئًا و سحرًا خاصًا على الأجواء ..
من حولهما اكتظ المكان بالضيوف الذين توشحوا بأجمل أثوابهم.. موسيقى هادئة تُعزف مباشرةً على آلة الكمان قرب الكوشة الفخمة المصمّمة من زهور الأوركيد و الورود الحمراء ..
العروس.. "شمس البحيري".. وقفت أماما الكوشة كأنها نجمة على عرشها.. فستانها الأبيض الطويل.. المطرز يدويًا بخيوط فضيّة.. بدا و كأنه يتلألأ مع كل حركة.. ذيل الفستان امتد برقة.. و الطرحة المطرّزة بدانتيل دقيق انسدلت لتكمل جمالها.. شعرها البني الداكن كان مرفوعًا بأسلوبٍ كلاسيكي.. تُزينه قطعة مجوهرات بسيطة على شكل تاجٍ صغير ..
بجانبها.. "رامز الأمير" بدا في قمة أناقته.. بذلته السوداء الإيطالية المصممة خصيصًا له.. زادت من وسامته.. بينما ربطة العنق الحريرية باللون الكريمي انسجمت مع الألوان الهادئة للحفل.. كان يقف منتصبًا بثقة.. عيناه مثبتتان على "شمس" و كأنها محور الكون بالنسبة له ..
مع إعلان الموسيقى عن بدء الرقصة الأولى.. صمت الحضور و تركّزت الأنظار على العروسين.. تقدّم "رامز" نحو "شمس "بخطوات واثقة.. و مد يده ..
مدّت يدها بترددٍ بسيط يعكس شعورها بالخجل.. لكن ابتسامته طمأنتها.. أمسك يدها برفقٍ.. و قادها إلى منتصف القاعة حيث بدآ بالرقص ..
الحركات كانت بطيئة.. لكنها ممتلئة بالمعاني.. يد "رامز" على خصرها.. و يده الأخرى تمسك يدها بإحكام.. و كأنما يخشى أن تنفلت من بين أصابعه.. "شمس".. رغم ارتباكها الظاهر.. انسجمت سريعًا معه ..
همس لها رامز بصوتٍ منخفض.. لا يكاد يُسمع :
-شمس.. انا مش عارف اتلم على بعضي.. انهاردة دخلتنا.. هاندخل يا شمس !!
ضحكت بخجل و ردت بصوت منخفض :
-بس بقى.. اسكت و اعى حد يسمعك و انت بتقول الكلام ده.
رامز بجرآة : اللي يسمع ما يسمع.. خلاص.. بقيتي مراتي قدام ربنا و الناس.. و الليلة دي هاتبقي ملكي.
اقشعرّت "شمس" متأثرة بكلماته.. و رددت بهمسٍ خافت :
-انا طول عمري ملكك.. و ليك.. مش لأي حد غيرك.
و صمتا عند هذا الحد ..
تبادل النظرات بينهما كان كافيًا ليكشف عمق المشاعر.. الحب الممزوج بالراحة و اليقين بأن كل شيء أخيرًا أصبح في مكانه الصحيح ..
في زاوية من القاعة.. بعيدًا عن الأنظار.. وقفت "رحمة جابر".. تراقب ابنتها و هي ترقص في حضن زوجها "رامز الأمير".. رغم أجواء الفرح التي غمرت القاعة.. إلا أن وجه "رحمة" كان يحمل ملامح ضيق واضح ..
عيناها السوداوان كانتا تتابعان حركات "شمس" و "رامز" بدقة.. كأنهما تبحثان عن شيء خفي.. شيء يعيد إليها شعور الاطمئنان الذي تلاشى ..
كانت ترتدي فستانًا أنيقًا من الشيفون الأسود المطرّز بخيوطٍ ذهبية دقيقة.. يعكس أناقتها المعهودة.. مع شال حريري يغطي جزءًا من كتفيها.. شعرها الأسود مصفف بعناية مرميًا على طول ظهرها.. لكنها رغم كل هذه الأناقة و الجاذبية بدت و كأنها في معركة داخلية.. بين أن تكون أمًا تحترم اختيار ابنتها و بين أن تظل على موقفها الرافض لـ"رامز" ..
في هذه اللحظة اقترب منها "إبراهيم النشار".. زوجها.. الرجل الضخم ذو الحضور الطاغي.. كان يرتدي بذلة زرقاء داكنة بخياطة متقنة.. و ربطة عنق أنيقة تضيف لمسة من الرقي.. هيئته كانت تعكس قوته.. لكن عينيه اللطيفتين كانتا مليئتين بالحب و الاهتمام لزوجته التي بدا عليها القلق ..
وضع يده الكبيرة برفق على كتفها و قال بصوتٍ منخفض :
-مالك يا رحمة ؟ مش مبسوطة زي الناس كلها ليه ؟
نظرت إليه بطرف عينها.. ثم أعادت بصرها نحو العروسين و قالت بنبرة متوترة :
-افرح ازاي بس يا إبراهيم.. انت مش شايف شمس.. معميّة بحب الراجل ده و باين استسلامها له.. كان نفسي تبقى قوية.. كان نفسي تبقى احسن مني.
ابتسم إبراهيم ابتسامةٍ صغيرة.. و كأنه يتوقع ردها.. ثم قال بهدوء و هو يقرب وجهه منها :
-يا رحمة.. البنت خلاص بقت في عصمته.. و باين عليها مرتاحة وسعيدة مش قصة مستسلمة زي ما انتي مفكرة.. و بعدين ما هي خلاص بقت في حماية اخوها بردو.. عثمان البحيري بقى في الصورة من يوم ما عرف بيها.. خوفك عليها دلوقتي مالوش مبرر.
تنهدت "رحمة" و رفعت يدها تحرك بها طرف شالها.. محاولة كبح مشاعرها :
ـانت مش فاهم قصدي..محدش فاهمني !
نظر "إبراهيم" إليها بحنانٍ.. و مال قليلاً ليكون حديثه أكثر خصوصية و قال :
-فاهمك يا حبيبتي..محدش في الدنيا ممكن يفهمك و يحس بيكي أدي.. عارف انك خايفة عليها.. عارف ان شمس ضي عنيكي.. بس رامز دلوقتي بقى جوزها.. اديهم فرصة.. يمكن يقدر يثبت لك انه يستاهلها.
هزت رأسها ببطءٍ.. و كأنها تحاول أن تستوعب كلماته.. لكن القلق لم يختفِ من وجهها تمامًا.. قالت بصوتٍ أقرب للهمس :
-انت عارف اني دايمًا بفكر في اللي حصل زمان.. مابقيتش اقدر اثق بسهولة.. و ده اللي مخوفني اكتر من اي حاجة.
اقترب "إبراهيم" أكثر.. و أمسك بيدها برفقٍ و هو يقول بحزمٍ ممزوج بالحب :
-اللي حصل زمان انتهى يا رحمة.. انتي محتاجة تنسي.. عشان شمس تقدر تعيش.. ماتخلّيش الماضي يطاردك للأبد.. عيشي معايا.. و سيبي بنتك تعيش مع اللي قلبها اختاره.
نظرت إليه "رحمة" و كأنها تحاول أن تجد رادع لترددها في عينيه.. ثم عادت بنظرها نحو "شمس" التي بدت سعيدة جدًا بين ذراعيّ "رامز".. للحظة شعرت بشيء من الراحة.. لكنه كان شعورًا هشًا.. كأنه يمكن أن يتبدد في أيّ لحظة ..
أضاف "إبراهيم" بنبرةٍ أكثر دفئًا :
-فرح بنتك النهاردة يا رحمة.. لازم الفرحة تبان عليكي الفرحة و بس.. كل اللي هنا عينهم عليكي و على شمس.. لو مشيتي ورا مخاوفك البنت هاتحس و الجو هايتكهرب.. خليكي قوية.. عشانها.
أومأت "رحمة" برأسها دون أن تتكلم.. ثم تنهدت بعمقٍ.. كأنها تحاول إخراج القلق من صدرها.. في أعماقها لم تكن متأكدة إن كانت قادرة على تقبل "رامز" تمامًا.. لكنها أدركت بأن عليها المحاولة.. إن لم يكن من أجله.. فمن أجل "شمس" التي كانت تبدو سعيدة للغاية في تلك اللحظة ..
ابتسم "إبراهيم" و هو يرى علامات الاستسلام تلوح على ملامحها.. ربت على كتفها و قال ممازحًا :
-ايوة بقى سيبك من التكشيرة دي.. لو شمس شافتك كده هتقول ان انا السبب و اني منكد عليكي.
ابتسمت "رحمة" ابتسامة خفيفة.. لكنها لم تخفِ تمامًا مخاوفها.. حاوط "إبراهيم" خصرها و سار بجانبها باتجاه الحضور.. لكن عينيها بقيتا مثبتتين على ابنتها و هي تحاول أن تقنع نفسها بأن هذه البداية الجديدة قد تكون أفضل ممّا تتوقع ..
في جهة أخرى.. "ملك حفظي" واقفة بعيدًا.. بفستانها الحريري الأخضر الداكن.. الذي عانق جسدها النحيل بخفة.. بدت كلوحة حيّة متناغمة مع لون عينيها الخضراء التي امتلأت بالتوتر.. شعرها البني الطويل كان مرفوعًا في تسريحة بسيطة تتدلى منها خصلات ناعمة على جانبي وجهها.. أناملها لم تهدأ و هي تعبث بأطراف الفستان كأنها تبحث عن ملاذ من الخوف الذي يسكنها ..
كانت تراقب الحفل.. أخذت نظراتها تنجذب تلقائيًا نحو "عثمان البحيري" و شقيقتها "سمر".. كانا يقفان معًا وسط الحضور.. و كأنهما جزيرة من الهدوء وسط بحر الاحتفال الصاخب.. تألقت "سمر" بحضور طاغٍ و أناقة متفرّدة تعكس رقيّها و احتشامها ..
ارتدت فستانًا من التفتا الحريري باللون الزمردي العميق.. ينساب برقة على جسدها كأنه ماءٍ يتدفق على صخرة ناعمة.. الفستان مزيّن بتطريزٍ يدوي دقيق من خيوط الذهب عند الأكمام و الصدر.. يضفي عليه لمسة ملكيّة.. غطت رأسها بطرحة طويلة من الشيفون الخفيف.. بلون عاجي ينسجم برفقٍ مع بشرتها الشمعية.. تزيّنت أطرافها بتطريزاتٍ ناعمة كالريش.. و اختارت إكسسوارات بسيطة.. قرطين متدليين من اللؤلؤ الأبيض و سوار رقيق من الذهب.. ممّا أكمل إطلالتها بجاذبية آسرة ..
أما "عثمان" فبدا كأنه الأمير الذي خرج من حكاية خيالية.. ارتدى بذلة رسمية سوداء ذات تفصيل دقيق.. يظهر فيها القماش المخملي على ياقة الجاكيت كلمسة فاخرة.. نسّقها مع قميصٍ أبيض ناصع و ربطة عنق من الساتان بلون أخضر داكن يتناغم مع إطلالة زوجته.. و كأنه يعلن بصمتهما المشتركة.. الحذاء اللامع و الخياطة المثالية أعطيا إطلالته بريقًا إضافيًا.. بينما أضافت ساعة كلاسيكية فضيّة اللمسة الأخيرة التي زادت من جاذبيته ..
بين الحضور.. كانا كلوحة متناغمة.. يعكسان جمال البساطة و أناقة التفاصيل ..
كانت نظرات "ملك" تجاههما تحمل في طيّاتها مشاعر متناقضة بين الحب الصامت و الحسرة.. لكن نظرتها لم تخفَ عن "عثمان" الذي لاحظها حتى دون أن يلتفت إليها ..
بل ازدا قربًا من زوجتها.. و بدون أن ينطق بكلمة جذبها أقرب إليه.. لف ذراعه حول خصرها بحنانٍ.. كأنما يعلن للعالم بأسره بأن هذه المرأة هي قلبه و ملاذه.. "سمر" التي شعرت بحركة زوجها.. ابتسمت بخجلٍ و أخذت تضع يدها على بطنها البارزة.. كأنها تحتمي بذلك الحب المتبادل بينهما ..
سمعت صوته يردد بصوتٍ خافت ملييء بالحب :
-يا ترى عندك فكرة اد ايه انتي بتكوني حلوة اوي لما بتبقى حامل ؟
ابتسمت "سمر" له.. عيناها تشع حبًا و امتنانًا.. ثم مالت برأسها قليلاً على كتفه و هي تقول بابتسامة مرحة :
-كلامك ده فوق فوق راسي و الله.. و مش هانسى اعجابك بيا حتى و انا شبه طائر البطريق.
ضحك "عثمان" برقة و هو يضع يده فوق يدها على بطنها.. و قال بصوتٍ منخفض :
-على فكرة.. انا اخترت اسم البيبي.
نظرت إليه "سمر" بدهشة ممزوجة بالحب.. و قالت بفضول :
-اخيرًا ! طيب قولّي عشان انا مش عارفة ألاقي اسم حلو خالص.
اقترب منها أكثر.. و كأن الاسم نفسه كان سرًا يريد أن يهمس به في أذنها.. و قال بابتسامةٍ عميقة :
-عزيز.
تأملته للحظاتٍ.. و كأنها تتذوّق الاسم في قلبها قبل أن ترد.. كانت عيناها تلمعان بحب.. و ابتسامتها تتّسع و هي تقول بصوتٍ ناعم :
-عزيز… الله.. الاسم جميل يا عثمان.. تحسه قوي.. و هادي في نفس الوقت.. زيك كده.
ضحك "عثمان" بخفة و هو يقترب ليطبع قبلة صغيرة على جبينها قائلًا :
-انا عمري ما بعرف ابقى هادي طول ما انا جنبك.
ضحكت "سمر" بحياءٍ و هي تضع يدها على بطنها مجددًا.. و كأنها تريد أن تشعر بحياة الطفل الذي يحمل ذلك الاسم للمرة الأولى.. ثم همست :
-عارف.. حاسة اني بحبه اوي.. متعلّقة بيه من قبل ما اشوفه.. و خايفة لما يجي احبه اكتر من اخواته.
طمأنها بلطفٍ : الشعور ده طبيعي.. الفترة دي كلها انتي حسّاسة اوي و مشاعرك كلها بتكون اقوى من أي وقت.. افتكري كلام الدكتورة.. و ماتقلقيش.. ولادنا كلهم غلاوة واحدة عندنا.. و مافيش مشكلة لو حسّيتي ان واحد فيهم له مكانة خاصة عندك.. زي ما قلت انا بحس بكده ناحية يحيى ...
و قبض على يدها مستطردًا بدعمٍ :
-ماتقلقيش يا سمر.. مش هاتقصري انا واثق من كلامي.. انتي احن ام شوفتها في حياتي.. ولادي محظوظين عشان انتي امهم.
في تلك اللحظة.. تلاشت كل الأصوات من حولهما.. و أصبح العالم كله مركزًا على تلك اللحظة الخاصة بينهما.. كانت الأضواء الساطعة.. أصوات الموسيقى.. و حتى همسات الحاضرين تبدو كأنها مجرد خلفية لصورة رومانسية رسمها الحب بين "عثمان" و "سمر".. و هي تقف بجواره تحمل ابنهما في أحشائها.. و عيونهما مليئة بالحب و الأمل في المستقبل ..
من الجهة المقابلة.. "فادي حفظي" يقترب من شقيقته الصغرى بهدوءٍ محسوب.. خطواته الواثقة و صوته الذي يناديها منخفض لكنه واضح :
-مـلك !
كان يرتدي حلّة رمادية أنيقة.. و ربطة عنق خضراء داكنة تناسقت مع عينيه الحادّتين التي تشبه عينيّ أختيّه "ملك" و "سمر".. لكنهما بدتا مليئتين بحزمٍ أكثر منه رقة.. ملامحه القوية لم تحمل أيّ تعبير سوى الثبات.. و كأن الزمن لم يترك أثرًا عليه ..
حين وقف أمامها.. شعرت به كأنه يسدّ الهواء من حولها.. رفعت عينيها نحوه ببطءٍ.. لكن نظرتها لم تستطع الثبات عليه طويلاً.. حاولت أن تبعد خطواتها.. لكنه قال بنبرةٍ حاسمة :
-مش كفاية و لا ايه يا ملك ! لحد امتى هاتفضلي تهربي مني كل ما تشوفيني ؟
أجفلت للحظة.. ثم ردت بصوتٍ خافت :
-مش بهرب… انا بس…
قاطعها بحدة لم يتخلّلها أيّ عدوان :
-انتي خايفة مني.. من زمان.. من قبل اللي حصل لك و انا بشوف الخوف في عينيكي كل مرة لما بقابلك.. انا مش فاهم الخوف ده ليه ؟ انتي اختي الصغيرة.. عمرك حسّيتي اني مش بحبك.. اني ممكن أقسى عليكي او آذيكي.. قوليلي يا ملك بتخافي مني ليه ؟
ابتلعت ريقها بصعوبة.. و ضغطت على يدها بتوتر قائلة :
-مش خوف… انا عمري ما خوفت منك.. بس.. انا مش واخدة عليك.. و دلوقتي احساسي.. يمكن احراج.. عثمان قالّي انك عرفت اللي حصل معايا.. انا مش عارفة اتعامل معاك بعد اللي حصل.
حدق فيها للحظة طويلة.. ثم قال بنبرةٍ أهدأ لكنها مليئة بالحزم :
-اللي حصل انتهى.. و عدّى عليه وقت.. انا هنا مش عشان أفتح جراح قديمة او احاسبك.. انا هنا عشانك.
رفعت عينيها إليه بسرعة.. خجلها بدأ يتحول إلى اضطراب أكبر.. فسألته :
-عشاني ؟ يعني ايه !؟
ابتسم نصف ابتسامة.. و قال :
-عشان نرجع عيلة زي ما لازم نكون.. و ده مش هايحصل إلا لما تكوني تحت عيني زي ما المفروض كنتي تبقي من زمان.. ملك انتي هاتتنقلي تعيشي معايا.. انا قررت استقر في مصر.. هاناخد بيت كبير و هانعيش سوا.. هانعوض كل السنين اللي عدّت و احنا بعيد عن بعض.. هانبدأ صفحة جديدة.
شعرت "ملك" بضربةٍ في قلبها.. تراجعت خطوة للخلف.. عيناها اتسعتا من المفاجأة.. و شفتيها تحركتا كأنها تحاول أن تقول شيئًا لكنها فشلت ..
رفعت رأسها و نظرت عبر القاعة نحو "عثمان" الذي كان لا يزال يقف مع شقيقتها.. عيناها امتلأتا بالدموع.. لكنها ابتسمت بخفة كأنها تحاول أن تعتذر له بصمتٍ حتى دون أن يراها ..
رغم حبها لـ"عثمان".. و رغم تمسكها بالبقاء في القصر حيث وجدت لأول مرة إحساسًا بالأمان.. إلا إنها تعلم جيدًا بأن وجودها هنا بات خطرًا.. عليها و عليه.. كانت تعلم بأن قلبها لن يستطيع تجاهل مشاعرها تجاهه.. و رغبتها في البقاء معه قد تتحوّل إلى خطأ لا يغتفر ..
تنفست بعمقٍ.. و أجابت "فادي" بصوتٍ متحشرج لكنه ثابت :
-اوكي يا فادي.. انا موافقة.. هاجي اعيش معاك !
نظر إليها "فادي" نظرة طويلة.. كأنه يحاول التأكد من قرارها.. ثم اقترب.. وضع يده برفقٍ على كتفها.. و قال :
-معايا.. ده المكان الصح ليكي.. و هاتشوفي بنفسك..انا هاكرّس وقتي كله ليكي و هابذل وسعي كله عشان اخليكي مبسوطة و مرتاحة.
رفع يده عنها ببطءٍ.. ثم استدار عائدًا إلى زوجته بخطواتٍ واثقة ..
بينما "ملك" بقيت في مكانها.. تنظر نحو "عثمان" الذي بدا كأنه شعر بشيء.. لكنه لم يتحرّك.. أغمضت عينيها و أخذت نفسًا عميقًا ..
تعلم بأن هذا القرار هو التضحية الأكبر التي يمكنها تقديمها لحماية من تحب.. و لحماية نفسها من الانجراف وراء مشاعر قد تؤدي إلى تدمير كل شيء ..
بعد قليل.. في وسط أجواء من البهجة.. وقف الجميع حول التورتة الضخمة التي زُينت بتفاصيل أنيقة.. مكوّنة من خمس طبقاتٍ بيضاء مزيّنة بأزهارٍ ذهبية و حمراء متقنة الصنع ..
تصاعدت أصوات التصفيق و الضحكات عندما أمسك "رامز" بيد "شمس" بلطفٍ موجهًا السكين المزيّن بشريطٍ حريري ذهبي نحو الطبقة الأولى من التورتة ..
ابتسمت "شمس" بينما عيناها العسليتان تلمعان بعشقٍ واضح و هي تتبع حركة "رامز" الذي كان يتحرك بثقة.. ضحكته الخفيفة و تصرفاته الرقيقة أظهرت مدى سعادته بهذه اللحظة ..
بعد أن قطعا قطعة التورتة معًا.. أمسك "رامز" بالشوكة و وضع قطعة صغيرة أمام فم "شمس" قائلاً بنبرةٍ مرحة :
-سبيلي طرف اوعي تاكليها لوحدك !
ضحكت "شمس"و هي تفتح فمها لتتناول القطعة بأسنانها المثالية.. و لكن قبل أن تستقر داخل فمها.. مال "رامز" فجأة ملتهمًا شفتيها في قبلة عميقة وسط دهشة الحضور ..
تصاعدت الأصوات بين التصفيق و الضحك.. بينما "شمس" تحمر خجلاً و تدفعه بخفة لتوقفه.. قطع "رامز" القبلة و هو يضحك بحيوية قائلا ً:
-معلش يا جماعة.. لازم نحافظ على التقاليد.. دي فقرة أساسية.
الحضور انقسموا بين مستمتعين و ضاحكين.. و من بينهم بعض الوجوه التي لم تخف غيرتها أو حسدها.. لكن أجواء الفرح غلبت على الجميع ..
من بين الجموع.. اقترب "عثمان البحيري" بخطواتٍ ثابتة.. وقف أمامهما.. حاجبيه معقودان و قال كأنه يوبّخ "رامز" :
-شكلك عايز تمشي منغير العروسة !
تراجع "رامز" بخفة.. و رفع يديه معتذرًا :
-حقك عليا يا كبير.. بس و الله الفرحة واخداني.
ضحك "عثمان" بخفة.. لكن نبرته بقيت جادة :
-مقدّر فرحتك.. بس حاول تهدى شوية.. مش كل حاجة تنفع تتعمل قدام الناس.
تدخلت "شمس" سريعًا لتخفيف الجو.. و ابتسمت و هي تمسك بيد أخيها :
-ايوة يا عثمان عندك حق.. بس رامز مش قصده حاجة.. احنا الاتنين فرحانين اوي.. و انا… انا ممتنة ليك انك وافقت على جوازنا.
نظرت إلى "عثمان" بعينين ممتلئتين بالامتنان و الدموع.. ثم احتضنته بحب قائلة :
-انت دايمًا سندي يا عثمان.. و عمري ما انسى اللي عملته عشاني.
ابتسم "عثمان" و ربت على ظهرها بلطفٍ :
-فرحتك فرحتي يا شمس.. و اهم حاجة اشوفك سعيدة.. انتي وصية ابويا.. و طول ما انا عايش هافضل صاين الوصية.
دمعت عينيها عندما أتى على ذكر والدهم.. لم تترك حضنه فضمّها بقوة بدوره.. ليتدخل "رامز" بعد لحظة و قد اقترب من "عثمان" و هو يقول بنبرةٍ جادة و صادقة :
-و انا كمان عايز اشكرك يا عثمان.. على الفرصة اللي ادتهالي.. و على انك وثقت فيا.. انا غلطت زمان.. و يمكن كنت متهور احيانًا.. لكن ده وعد مني… شمس هاتعيش جوا عنيا.. و هكون انسان افضل عشانها و عشان ولادنا اللي جايين في المستقبل.
نظر إليه "عثمان" طويلاً.. كأنه يقيّم صدقه.. ثم ابتسم و ربت على كتفه بقوة قائلًا :
-طالما شمس اختارتك و مصممة انها بتحبك و عايزاك.. يبقى عندي ثقة انك ادها.. حافظ عليها يا رامز.. هي مش بس اختي… هي جزء مني.
ابتسم "رامز" و قطع المسافة بينهما ليعانقه عناق الصداقة و الأخوّة :
-مش هاتندم يا عثمان.. وعد شرف.. عمر رامز الأمير ما خذلك من يوم ما عرفك.. الغلطة حصلت و انا ماعرفش انك طرف في الموضوع.. من الليلة دي مافيش غلط تاني.. اوعدك.
و تباعدا ..
تبادل الثلاثة نظرات مليئة بالمحبة و التقدير.. بينما عاد الجو العام في القاعة إلى أجواء الفرح و الاحتفال ...
**
تحت سماء الليل الهادئة.. توقفت السيارة أمام شاليه فاخر يطل على شاطئ خاص.. الأمواج تصطدم بالرمال في انسجامٍ و كأنها تعزف معزوفة خاصة للعروسين ..
الشاليه كان هدية من "عثمان البحيري" لأخته و زوجها بمناسبة ليلة الزفاف.. مُجهزًا بعنايةٍ فائقة ليكون ملاذًا رومانسيًا يليق بـ"شمس" في ليلة عمرها ..
فتح "رامز" باب الشاليه بمفتاحٍ فضّي.. ثم انحنى قليلاً ليحمل "شمس" بين ذراعيه بينما هي تتشبّث بكتفيه بخجلٍ واضح.. كان قد خلع سترته الآن.. ليبرز قميصه الأبيض مفتوح الياقة.. ربطة عنقه قد فُكت منذ وقتٍ طويل.. بينما عينيه تتأملان "شمس" بحبٍ عميق ..
ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهه و هو يغلق الباب بركلة خفيفة من قدمه متجاهلاً الضحكة الخافتة التي أفلتت من "شمس" ..
الشاليه من الداخل كان أشبه بتحفة فنية.. مصممًا ليجمع بين الفخامة و الحميمية.. جدرانه بلون الرمل.. تزيّنها لوحات طبيعية مستوحاة من البحر.. الأرضية من خشب السنديان الدافئ.. مع أضواء خافتة تُبرز تفاصيل الأثاث الحديث.. و كل زاوية منه تنطق بالرومانسية ..
في الصالة أريكة كبيرة باللون الكريمي.. أمامها طاولة زجاجية صغيرة تحمل مزهرية مليئة بورود حمراء و بيضاء.. شموع معطّرة كانت موّزعة بعنايةٍ لتُضفي أجواء من الدفء و السكينة ..
قاد "رامز" زوجته إلى غرفة النوم مباشرةً.. كانت قلب الشاليه.. السرير الملكي مغطى بأغطية من الساتان الأبيض.. مزيّنة ببتلات ورد حمراء متناثرة بشكلٍ فني.. الستائر الشفافة الممّتدة حتى الأرضية كانت تتحرك برفقٍ مع نسمات البحر القادمة من النافذة الكبيرة التي تطل مباشرةً على الشاطئ ..
وضعها "رامز" برفقٍ على السرير.. ثم تراجع قليلاً ليتأملها.. وقف للحظة يضع يديه في جيوبه و عيناه تغمرانها بحب و اندهاش.. و كأنه لا يصدق بأن هذه اللحظة حقيقية ..
قال بصوتٍ مبحوح من التأثر :
-مش مصدق انك بقيتي مراتي.. على اسمي رسمي… بجد يا شمس.. انا مش قادر اوصف احساسي دلوقتي.
رفعت عينيها إليه بخجلٍ و هي تجلس على حافة السرير.. عضّت شفتها السفلى بلطفٍ و قالت بصوتٍ خافت :
-و انا كمان يا رامز… كأني بحلم.
اقترب "رامز" منها جاثيًا على ركبتيه أمامها.. أمسك بيدها بين يديه.. نظر إلى عينيها الواسعتين و قال :
-الحلم ده اخيرًا بقى حقيقة.. بعد كل السنين اللي كنتي بعيدة عني.. كل لحظة كنت بحلم بيها بقت بين ايديا دلوقتي.. اخيرًا احنا مع بعض.
عينيّ "شمس" لمعت بالدموع.. لكنها ابتسمت و هي تقول :
-انا كنت خايفة.. خايفة اننا مانوصلش للحظة دي.
أمسك "رامز" وجهها بين كفّيه برفقٍ.. و نظر إليها كأنها العالم كله.. ثم همس :
-مافيش حاجة هاتبعدني عنك تاني.. وعد يا شمس.
قبل أن تضيف شيئًا.. مال برأسه نحوها.. عينيه مغلقتان و كأنها لحظة مقدسة.. حتى التقت شفتيه بشفتيها في قبلة بطيئة عميقة.. مليئة بالشوق و الاحتواء ..
كانت قبلة "رامز" الأولى بعد الزواج ناعمة.. كان كأنما يمتّص فيها توتر "شمس" و ارتباكها.. لكنها تحوّلت تدريجيًا إلى قبلة أكثر حرارة.. مشبّعة بشغف رجل طال انتظاره ليحصل على المرأة التي أحبّها من أعماقه.. شفتيه التقطتا شفتيها في حركة متناغمة.. و كأنهما يرقصان معًا على نغمة غير مسموعة ..
حين انسحب قليلاً ليلتقط أنفاسه.. لم يمنحها وقتًا لتفكر.. شفتيه بدأتا تتجولان على وجهها.. تقبّلا جبهتها برفقٍ أولاً.. ثم تنزلا إلى عينيها المغلقتين.. قبلة طويلة على كل عينٍ و كأنه يريد أن يطبع عليها أمانه ..
انتقل بعدها إلى أرنبة أنفها.. ثم وجنتها.. حيث كانت قبلاته خفيفة.. كأنها لمسة ريشة ..
لكن حين وصل إلى زاوية فمها.. تغيّرت وتيرته.. فمه أصبح أكثر جرأة.. يقبّل زاوية فمها ببطءٍ شديد.. ثم نزل نحو فكّها بخطواتٍ مدروسة.. لم يمنحها فرصة للتنفس بشكلٍ كامل.. حيث كانت أنفاسه تختلط بأنفاسها.. و رائحة عطره المألوفة تعبّق في الهواء.. تُغرقها في عالم جديد من الحواس الدقيقة ..
حين وصل إلى عنقها.. توقفت "شمس" عن التنفس للحظة.. و كأنها تشعر بتيارٍ من المشاعر يجتاحها.. لامست شفتيه بشرتها هناك.. بداية بخفة.. و كأنها اختبار لردة فعلها.. ثم ازدادت عمقًا.. قبلة طويلة عند جانب عنقها.. تبعتها قبلة أخرى أسفل أذنها.. حيث ترك أنفاسه الدافئة تلامس بشرتها الحساسة ..
لم تستطع "شمس" منع نفسها من إطلاق آهة خافتة.. كانت مزيجًا من الخجل و الرغبة.. ابتسم "رامز" و هو يسمعها.. و كأن صوتها كان كل ما يحتاجه ليشعر بأنها أخيرًا استسلمت بين يديه ..
همس بصوتٍ منخفض جدًا.. أشبه بوعد :
-شمس… عايزك تطمنّي خالص.. و تسيبي نفسك تمامًا.. لو سمعتي كلامي بضمن لك ان الليلة هاتعدي زي الفل.. و مش هاتتنسي.
تجول بقبلاته نحو الترقوة.. حيث منحها وقتًا لتعتاد على حرارته.. كان يُبطئ أحيانًا.. ثم يعود ليشعلها من جديد بقبلة أكثر عمقًا.. بينما يديه بدأت تتحرك بخفة ليزيل فستانها و يسحبه عبر ساقيها.. بدأ بنزع ثيابه هو الآخر بينما يلامس ظهرها بأنامله.. يُشعرها بحماية لا مثيل لها ..
مع كل قبلة.. كانت "شمس" تحس و كأنها تذوب أكثر و أكثر بين ذراعيه.. صوت البحر في الخارج كان بالكاد يُسمع.. طغت عليه أصوات أنفاسهما المتقطعة و آهاتها التي حاولت كتمها دون جدوى.. "رامز" الذي كان يراقب كل ردة فعل منها.. شعر بأنه أخيرًا في المكان الذي ينتمي إليه ..
كانت اللحظة مزيجًا من الحب.. الشغف.. و الرغبة.. حيث لم يترك "رامز" جزءًا من وجهها و عنقها إلا وطبع عليه قبلاته.. و كأن كل قبلة كانت شهادة على سنوات اشتياقه لها.. و على الوعد الذي قطعه لنفسه بأن يجعلها أسعد امرأة في العالم ..
في اللحظة التي وصلت فيها الأمور إلى أوجها.. أطلقت "شمس" شهقة حادة لا إرادية.. شهقة مزجت بين الألم اللحظي و الخجل ..
جسدها ارتعش برفقٍ بين يديه.. بينما تركت شفتيها تطلق آهتين خافتتين متتاليتين.. و كأنها تحاول التكيّف مع الوضع الجديد الذي يغمرها ..
يدها ترتعش قليلاً و هي تمسك بذراع "رامز".. و كأنها تبحث عن دعم أو طمأنة ..
تجمد "رامز" في مكانه للحظاتٍ.. عيناه تبحثان عن عينيها وسط الضوء الخافت.. لم يتحرّك.. لم يضغط.. فقط بقي ثابتًا تمامًا.. و كأنه يريد أن يمنحها الوقت لتستوعب اللحظة.. و لتشعر بالأمان الكامل بين يديه ..
همس لها بصوتٍ منخفض.. ملييء بالحنان و الدفء :
-هدّي يا شمس… ماتخافيش... انا مش مستعجل.
كانت أنفاس "شمس" متقطعة.. و صوت آهات خافتة يخرج منها رغماً عنها.. بين التردد و الخجل.. أغمضت عينيها للحظة.. محاولِة أن تهدئ ضربات قلبها المتسارعة.. و يدها ترتخي على ذراعه قليلاً و كأنها بدأت تثق به ..
لم يتحرّك "رامز" حتى شعر بأنها بدأت تسترخي ببطءٍ بين ذراعيه.. حينها.. رفع يده ليضعها على شعرها بخفةٍ.. أصابعه تمر بين خصلاتها.. و كأنه يقول لها إن كل شيء بخير ..
كان وجهه قريبًا جدًا من وجهها.. حتى أن أنفاسه كانت تختلط بأنفاسها.. ثم قبل جبينها قبلة طويلة.. مفعمة بالاحتواء ..
قال بصوتٍ أهدأ.. و كأن كلماته كانت بلسماً لتوترها :
-مبروك يا حبيبتي.. اخيرًا يا شمس.. اخيرًا.. انا مش عايزك تخافي ابدًا.. مش هعمل حاجة إلا لما تكوني مرتاحة.. انا مش مستعجل.. الليلة كلها لينا.
رفعت "شمس" يدها ببطءٍ تضعها على صدره.. حيث شعرت بنبضات قلبه المتسارعة.. عيناها اللتان فُتحتا قليلاً بحثتا عن عينيه.. وجدت فيهما الأمان و الاطمئنان الذي تحتاجه ..
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ.. ثم همست بصوتٍ مبحوح :
-رامز… انا... مش خايفة... انا بحبك.
ابتسم لها برقةٍ و قد طرب قلبه لاعترافها الآن بالذات.. يديه انتقلتا إلى وجهها.. يمسح بسبابته آثار دمعة كانت على وشك السقوط.. ثم اقترب منها مرةً أخرى.. لكن هذه المرة ببطءٍ أكبر.. قبّلها على جبينها أولاً.. ثم تدرّجت شفتيه إلى زاوية فمها.. و عنقها.. في محاولة لطمأنتها و استبدال أيّ ألمٍ بشعور من الراحة ..
مع كل لحظة.. كانت تشعر بأن جسدها يبدأ في التكيّف.. و الخجل يتلاشى تدريجيًا تحت تأثير لمسات "رامز" الحانية.. كل قبلة منه كانت تشبه وعدًا جديدًا.. و كل لمسة تحمل رسالة حب لا تنتهي ..
ابتسمت "شمس" ابتسامة خفيفة جدًا.. لكنها كانت مليئة بالامتنان.. فتحت عينيها من جديد لتنظر إليه.. و كأنها تخبره بأنها مستعدة الآن ..
حينها بدأ "رامز" يتحرك بحذرٍ شديد.. ببطء متناهي.. و كأنه يخشى أن يكسر شيئًا ثمينًا ..
مع كل لحظة كانا يقتربان أكثر من التناغم الكامل.. شعرت "شمس" بحرارة جسده تغمرها.. و بلمساته الرقيقة التي جعلتها تتخطى ألم اللحظة الأولى.. كانت همساته و قبلاته المتناثرة على وجهها و عنقها كالسحر الذي يذيب كل مخاوفها.. حتى بدأت آهاتها تتحوّل تدريجيًا إلى صوت مختلف.. مزيج من الارتياح و الشغف ..
بينما يشعر "رامز" بنشوة غامرة.. لكنها لم تكن مجرد انتصار جسدي.. كان يحس و كأن روحه أخيرًا وجدت ملاذها.. كل حركة منه كانت مدروسة.. كل لمسة مليئة بالحب و الاحترام.. كان يراقبها بعينيه لحظة بلحظة.. و كأنه يريد التأكد من أن كل شيء على ما يرام ..
بمرور الثوانِ أصبحت "شمس" أكثر استسلامًا.. يدها تنتقل إلى كتفيه.. تحتضنه بإحكامٍ و كأنها تريد أن تؤكد له بأنها الآن معه بالكامل.. بجسدها و روحها.. لم تكن هذه مجرد لحظة حب عادية.. بل كانت لحظة اندماجٍ كامل.. شعور بأن كل شيء أصبح كما يجب أن يكون ..
مع تصاعد المشاعر بينهما.. أصبحت حركاتهما أكثر تناغمًا.. و آهات "شمس" كانت ترتفع تدريجيًا.. لكنها كانت تحمل في طياتها إحساسًا جديدًا بالثقة و الشوق.. "رامز" الذي كان لا يزال يراقب كل تفاصيلها.. ابتسم وسط تلك اللحظة الحميمية و همس من بين أنفاسه :
-انا عمري ما حلمت بلحظة اجمل من دي.. ياما تخيّلتها.. لكن الواقع غير... بحبك يا شمس... بحبك.. بحبــك ...
و استمرت طقوس الحب بينهما في تطوّر.. كل لمسة و كل همسة تضيف طبقة جديدة من المشاعر التي جعلت تلك الليلة لا تُنسى.. ليلة توّجت حبًا انتظر طويلًا ليصبح حقيقة ...
**
بعد مرور أشهر قليلة ..
كان القصر الكبير يضج بالحياة.. الحديقة الواسعة تملأها الزينات الملونة.. و الأضواء اللامعة التي تنعكس على الجدران المهيبة.. مزيّنة بالأقمشة البيضاء والزرقاء.. الطاولات المصطفة بحرفية كانت تعج بالحلويات التقليدية و المشروبات.. مظاهر احتفال باذخة.. رغم ان الحضور يقتصر على العائلة و المقرّبين فقط ..
في منتصف حفل "السبوع".. وقف "عثمان البحيري" يحمل بين يديه صغيره "عزيز".. وجهه يلمع بالفرحة و الفخر.. و كأنه يحمل العالم بأسره بين ذراعيه ..
كان يداعب الرضيع بصوتٍ منخفض.. يمسح على رأسه برفقٍ بينما يهمس لـ"سمر" بابتسامة مليئة بالمودّة :
-قلت لك من الأول انه ولد! حسيت بيه قبل حتى ما اشوفه.
كانت "سمر" تجلس بجواره بفستانٍ بسيط بلون السماء.. ترتدي وشاحًا أبيض ناعمًا يغطي رأسها و كتفيها.. ابتسمت له بدفءٍ و هي تضع يدها على ذراعه :
-و انا قلت لك ان متعلّقة بيه و بحبه من قبل ما اشوفه.. دلوقتي لما وصل اتأكدت.. عزيز بقى اعز على قلبي يا عثمان.. بحبه.. بحبه اوي.
كانت السعادة تفيض من عينيها.. و في لحظة دافئة نظرت إلى طفلها الجميل النائم بأمانٍ بين يديّ والده.. و كأنها تتمنّى أن تتوقف الحياة عند هذه اللحظة ..
في الزاوية الأخرى.. كانت "شمس البحيري" جالسة بجوار زوجها "رامز الأمير".. وجهها يضيء بإشراقة الأمومة التي بدأت تظهر عليها.. بطنها البارز قليلاً كان دليلاً واضحًا على حملها الأول.. بينما كان "رامز" ملاصقًا لها.. يضع ذراعه حول خصرها كأنه يحميها من العالم ..
همس لها بابتسامةٍ عذبة و هو يضع يده على بطنها غامزًا :
-التوأم بتوعنا مش مرّيحين جوا.. تفتكري طالعين اشقيا لمين ؟
ضحكت "شمس" بمرحٍ كبير.. كانت تعلم في داخلها كم كان "رامز" متحمسًا لهذه المرحلة الجديدة في حياتهما.. كم كان يحلم بها لسنوات.. كان ينظر إليها بحب و إعجاب و كأنها أعظم إنجاز في حياته ..
في زاوية قريبة.. الصديق المقرّب للعائلة.. "مراد أبو المجد" يقف بجوار زوجته التي أخذت تشرف بنفسها على تجمع الأطفال الصبايا حول مائدة الحلوى.. يساعدها في السيطرة على الأمور "يحيى البحيري" الإبن.. بينما "مراد" يشاركهم في الأحاديث الفكاهية و الضحكات ..
الجميع كان يشعر بالألفة و الدفء، و كأن هذا الاحتفال لم يكن مجرد سبوع.. بل تجمع عائلي يزخر بالحب و المصالحة و التجدد ..
على الجانب الآخر من ساحة الاحتفال.. وقفت "صفيّة البحيري" بين ابنة عمها "هالة" و زوجها "فادي حفظي" الاثنان لم ينفكا يتسائلا عن علّة غياب "صالح" لكنها كانت تتهرّب من السؤال باستمرارٍ متذرّعة بعمله ..
جمالها كان مختلفًا اليوم.. ناعمًا و هادئًا.. لكنه آسرًا.. ارتدت فستانًا أزرق داكن من الحرير.. بقصّة تُبرز جمال قوامها دون مبالغة.. أكتاف الفستان المكشوفة كانت تزيّنها زخارف بسيطة من الترتر.. أضفت لمسة من البريق ..
شعرها البندقي القصير كان مصففًا بنعومة على شكل أمواج انسيابية.. تتناثر فوق حول وجهها كأنها تحاكي البحر في ثوارانه.. مكياجها بسيطًا.. مع لمسة من أحمر الشفاه الوردي الذي أبرز شفتيها المكتنزتين.. و عينيها الواسعتين ذات النظرات التي كانت تتحدث حتى في صمتها ..
رغم ضحكاتها مع كلًا من "هالة" و "ملك".. كان الحزن يسكن في أعماقها.. يظهر في اللحظات التي تسكت فيها للحظة.. كانت تمسك بكأس من العصير.. تحركه دون أن تشرب.. و كأنما تفكر في شيء بعيد ..
قطع "عثمان" هذا المشهد بتقدّمه نحوها.. كان يبدو واثقًا في حلّته الصيفية الخفيفة بيضاء اللون.. ناداها بصوتٍ هادئ :
-صافي !
استدارت نحوه بابتسامةٍ خفيفة تخفي الكثير.. و اعتذرت لابنة عمها قائلة :
-هارجعلكم بعد شوية.
ابتعدا قليلًا عن الصخب.. و وقفا بجوار إحدى الزوايا المليئة بالزهور البيضاء.. نظر إليها "عثمان" بنظرة أخوية مليئة بالحنان قائلًا :
-ايه يا صافي.. عاملة ايه يا حبيبتي ؟
ردت "صفيّة" برقتها المعهودة :
-كويسة يا عثمان.. الحمد لله.
رمقها بنظرة شك و قال :
-متأكدة انك كويسة ؟ باين عليكي غير كده !
جاوبته و هي تحاول التهرّب من السؤال المباشر :
-لا صدقني انا كويسة.. كلها حاجات بتعدي.
ينظر لها بجدية قائلًا :
-و دِيالا ؟ انا شايفها مش تمام.. بقالها فترة احوالها مش زي أي بنت في سنها.
هنا تنهدت "صفيّة".. و بدت و كأنها تحمل هم العالم على كتفيها.. لتصارحه في الأخير :
-واحشها ابوها.. لسا صغيرة مش فاهمة حاجة.. بس حاسة ان في حاجة غلط.. و انا مش عارفة اعمل ايه.. كل يوم بتسألني عنه.
صمت قصير.. ثم قال "عثمان" بهدوءٍ محتضنًا جانب وجهها براحته :
-عايزة رأي اخوكي ؟ حاولي عشانها يا صافي.. مهما كان.. ديالا تستاهل انك تدي الموضوع فرصة تانية.
قبل أن ترد عليه.. ظهر "صالح البحيري" فجأة.. كان يرتدي بذلة سوداء.. و يبدو مرتبكًا.. التقت أعينهما للحظة مطوّلة.. و بدا الارتباك واضحًا على كليهما ..
نظر "عثمان" صوب "صالح" و ابتسم.. كأنما يريد أن يخفف من ثقل الموقف.. ربت على كتفه شقيقته و قال :
-صالح هو صالح.. ماينفعش اسمه يتشطب من العيلة.. هو أخ و أب و زوج.. و بس.. و على فكرة يا صافي.. ده كمان رأي فريال هانم.
ثم تركهما و عاد إلى الحفل ..
بينما ظل "صالح" واقفًا مترددًا.. تقدم نحوها بخطواتٍ بطيئة.. نظر إليها بعينين تحملان مزيجًا من الندم و الشوق و الخجل ..
أما "صفيّة".. لم تقل شيئًا.. لكنها كانت تنظر إليه بعيون مدمعة كأنما تحاول أن تقول الكثير دون كلمات ..
ظل الاثنان واقفين في صمتٍ.. وسط ضجيج الحفل الذي بدا و كأنه توقف في تلك اللحظة ..
و فجأة.. هدأت الأحاديث و توّجهت الأنظار نحو مدخل المنزل.. حيث خرجت "فريال" هانم.. بثوبٍ بسيط من الحرير اللّيلكي.. و شال من الدانتيل الأسود يغطي رأسها و شعرها بالكامل.. لقد ارتدت الحجاب.. و قد اظهرها بمظهرٍ جديد كليًا.. إذ بدا عليها الوقار و الجمال في آنٍ واحد ..
كانت الصدمة واضحة على وجوه الجميع.. لكن سرعان ما تحوّلت إلى ابتسامات و إعجاب.. اقترب "عثمان" منها بسرعة.. وجهه يشع فرحًا لا يمكن وصفه ..
أمسك يدها بحنانٍ مقبلًا إيّاها كدأبه.. و قال بصوتٍ منخفض لكنه ملييء بالفخر :
-فريال هانم.. ماما… انتي دلوقتي اجمل.. و اقوى من اي وقت فات.
ابتسمت فريال و هي تنظر إليه بعينين مليئتين بالدموع و نظرات الحب و الرضا.. ثم قالت :
-و انت السبب يا عثمان… انت السبب اللي خلّاني ابدأ من جديد.. و احس ان لسا لحياتي قيمة و معنى... طول ما انت جنبي يا حبيبي.
توافد بقيّة أفراد العائلة مهنئين "فريال".. و جاءت "سمر" لتضع حفيدها الرضيع بين ذراعيّ جدته.. "رامز الأمير" الذي كان يراقب الموقف من بعيدٍ.. همس لـ"شمس" بابتسامة خفيفة :
-شايفة ازاي العيلة دي بتلم بعضها مهما حصل ؟ ده اكبر دليل اننا نقدر نبدأ حياة جديدة.
تنهدت "شمس" التي شعرت بارتياحٍ كبير و هي ترى والدتها "رحمة" تتحدث مع "فريال" هانم لأول مرة دون أيّ توتر.. أومأت برأسها و هي تضع يدها على يد "رامز" قائلة :
-ايوة عندك حق.. و انا دايمًا جاهزة لأي حاجة.. عشان انت معايا.
استمر الحفل وسط ضحكات و أصوات الأهل و الأصدقاء تمتزج معًا في لحظة من السعادة الحقيقية.. كان المشهد عبارة عن لوحة متكاملة من الحب و التسامح.. و كأن القصر نفسه احتضن الجميع في أمانٍ ..
كانت تلك الليلة دليلًا حيًا على أن العائلة.. رغم تعقيداتها و خلافاتها.. هي الملجأ الأخير.. و المكان الذي يبدأ فيه كل شيء من جديد.. "عزيز" الذي حمل اسمًا ذا معنى كبير.. كان رمزًا للمستقبل الذي يوحد القلوب و ينهي الحكايات بنهاية سعيدة تستحقها ...
**
في نهاية الليلة ..
الإضاءة خافتة بجناح "عثمان البحيري".. ضوء القمر يتسلل من بين الستائر نصف المفتوحة.. "عثمان" و زوجته ممدان فوق السرير الكبير.. و بينهما الرضيع "عزيز" الذي يغطّ في نومٍ هادئ ..
السرير يبدو أكبر و أكثر اتساعًا.. لكن دفء اللحظة يملأ الأجواء ..
بعد لحظات طويلة من الصمت الدافئ الذي اجتمع فيه قلباهما مع قلب صغيرهما.. ابتعدت "سمر" قليلاً عن "عثمان".. لا يزال يحاوط كتفيها بذراعه.. نظرت إلى عينيه بتركيزٍ.. كما لو أنها كانت تفكر في شيء عميق و قالت :
-عثمان... انا تقريبًا افتكرت كل حاجة.. كل حاجة بينّا و كل الاحداث المهمة افتكرتها... إلا ذكرى واحدة بس !
رفع "عثمان" حاجبيه باهتمامٍ.. ثم اقترب منها أكثر.. ضحك برقة.. لكن عينيه كانتا مليئتان بالفضول.. كما لو كان يحاول فهم شعورها ...
-ايه هي طيب او عن ايه ؟ .. سألها بصوتٍ حاني و هو يمرر يده على شعرها
ابتسمت "سمر" بابتسامة خفيفة محاولة أن تُخفي توترها.. و أجابت :
-اول مرة… اول مرة اتقابلنا.. ايه اللي حصل.. ازاي !؟
توقفت يد "عثمان" عن الحركة للحظة.. ثم ابتسم ابتسامة غامضة.. و عيناه تلمعان بحنانٍ.. كان يعرف بأن هذه الذكرى هي نقطة البداية لكل شيء.. و قرر أن لا يترك هذا السؤال بدون إجابة ..
-ياااه… اول مرة اتقابلنا ! .. قالها و هو يقترب منها أكثر.. مبتسمًا كما لو كان يراها للمرة الأولى.. و تابع :
-انتي كنتي زي حلم بعيد.. حاجة ماصدفتهاش طول عمري.. أول مرة شفتك كنتي مش شبه اي حد.. كانت عينكي مليانة أسئلة.. و خوف و قلق.. و مش عارفة تجاوبي عليها و لا على أي حاجة ..
ابتسمت "سمر" بتوتر.. لكنها لم تستطع منع نفسها من الاستماع له بحبٍ عميق.. بينما كان يكمل حديثه بصوتٍ منخفض و حالم :
-كان يوم عادي في حياتي… لحد ما دخلتي انتي فيه.. و خلتيه مميز.. حياتي كلها اتغيّرت لما ظهرتي يا سمر.. كأني قطعة بازل.. و لا واحدة قبلك قدرت تكمّلني.. لكن اول ما جيتي عرفت ان انتي اللي هاتكمّليني.
رغم إنه لم يذكر فعليًا كيف إلتقيا.. لكنها أحبّت ما يرويه عليها من مشاعر لحظة لقائهما.. نظرت "سمر" إليه بعيون مغمورة بالدموع.. و على شفتيها ابتسامة لا تستطيع إخفاءها.. الكلمات التي يقولها الآن تعني لها كل شيء.. كل شيء حرفيًا ...
يضيف "عثمان" تائهًا في النظر بأعماق عينيها الخضراوين :
-انا لسا فاكر اول لحظة شفتك فيها… كنت شايفك غضبانة و متعصبة.. بس كمان شوفت جواكي طفلة ضايعة.. محتاجة الأمان.. ساعتها حسيت اني لازم أكون امانك.. لازم اقرب لك اكتر و اخد بالي منك.. كنت عارف… كنت عارف اني لازم اكون جنبك.. حتى لو كنت انا مش مستعد وقتها.. حتى لو كنت مش مصدق اني هاكمل حياتي معاكي... من يوم ما شوفتك مابطلتش افكر فيكي و لا ثانية.. و بدأت احبك من لحظتها لحد دلوقتي.. و هفضل طول عمري احبك يا سمر.
كان هناك صمت طويل أعقب كلماته.. صمت يملؤه فقط همسات الرياح في الأفق.. لكن كان بينهما نوع آخر من الكلام… كلام قلبي عميق ..
كانت "سمر" قد استعادت ذكرى أول لقاء لهما بالفعل أثناء حديثه.. لكن الآن.. أصبحت كل اللحظات بين يديها.. كأن الماضي و الحاضر أصبحا واحدًا في تلك اللحظة ...
همست له و عيناها تبرقان بعشقٍ لا نهاية له :
-و انا عايزة اعترف لك بحاجة.. انا عمري ما كرهتك.. حتى في بداية علاقتنا... غصب عني كنت بتشدّ لك... كل لحظة لما كنا قريبين من بعض على اد ما كنت بكره وضعنا.. على اد ما كنت بحس بيك و بيزيد اعجابي بيك بسبب كل حاجة.. بسببك و بسبب الطريقة اللي بتعاملني بيها.. لحد ما وقعت في حبك.. اوعدني انك مش هاتسيبني ابدًا يا عثمان !
صمت يتبع كلماتها.. كأنها أسقطت حجرًا في بحيرة ساكنة.. ملامح "عثمان" جامدة للحظة.. و كأن عقله يحاول استيعاب ما سمعه ..
فجأة تهتز زاوية فمه.. ابتسامة صغيرة تشق طريقها على ملامحه الجادة.. لكنها تكبر تدريجيًا.. و تتحوّل إلى ابتسامة دافئة لا يمكن إخفاؤها ..
رد عليها "عثمان" و هو يقترب منها بحذرٍ كي لا يوقظ الرضيع الذي بينمها :
-مقدرش… عمري ما اقدر اسيبك أبدًا يا سمر.. مهما حصل.. هاتفضلي حبيبتي لحد اخر يوم في عمري.
ثم لثم شفتيها في قبلة هادئة مليئة بالوعود التي لا تحتاج إلى كلماتٍ أكثر ..
أغمضت "سمر" عينيها.. و كأنها تغرق في تلك اللحظة الأبديّة.. تحتوي رضيعها بذراعٍ.. و تتشبّث بزوجها بالآخر.. تنمو الهمسات بين النظرات القُبل.. بينما عيناهما مفتوحة على المستقبل و الذي يخبئه لهما ..
أدركا بأن الحب بينهما أكثر من كافٍ لتمضي الأيام الصعبة بسلامٍ.. و لكن في ظنّها كان الصعب كلّه قد ولّى.. و الآتِ كله ليس سوى حب و دفء و غرام.. مع حلول عزيزهما الصغير.. كان ميلاده إيذانًا ببداية عهد جديد من العشق ..
فقط العشق ...
تمت