
رواية الاروبية البدوية الفصل السادس6 بقلم سالي سيلا
رأت جنات انها تغيرت ملامحي. وأتلفظ بكلام دون ان احرره عبر الهاتف لتفهمه.. كنت اسير نحوهما والشك بدأ يتملكني من ناحية ضياء... فالمشهد الذي اراه امامي هو لصديقين إلتقيا مع بعضهما البعص لكي يتشقر احوال كل منهما عن الاخر.. وليس امساك السارق الذي نعلم كيف يكون ذلك.. وفور انتباههما بوجودنا امامهما تقريبا. تسمرا كلاهما كل واحد في مكانه. فلم ينطق ضياء ببنت شفة. حتى قطعت المفاجأة التي كانت بادية على وجهه بظهورنا او بالاخص ظهوري انا بغتة امامه. وافتضحت امرهما.
الغريب أنه اصبح يبتسم بعد ذلك. ويقول كلاما مبهما ان كل حقيقة تظهر بالاخير. وطلب مني ان ألتقيه بعد ساعتين في نفس المكان. لكي يعلمني كل الحقيقة. وامرني ان لا اترجم مانذكره الان امام جنات. ويكون الامر سرا بيني وبينه.
عدنا ادراجنا انا وجنات التي لم تفهم مايحدث. او عقلها الذكي لم يستوعب لما قمنا بتأجيل زيارتنا لمقر الشرطة؟ رغم انني كنت مستعجلة. فلو كانت تعلم ان السارق هو من كانت قبل قليل تتحدث معه بصفة انه من الاقارب. فما كان ردها ياترى؟ وفضلت الصمت حتى استمع للطرف المتشارك على ما اظن في قضية السرقة ...
وبدأت افكاري تتضارب وتتشابك مع بعضها البعض. فلو كان ضياء مشتركا حقا في الجريمة... فلما يفعل انسان مثقف ومحترم مثل ضياء الدين هذا الفعل؟
هل من النوع الذي يحب المال؟
ام يريد ان يبتزني بجواز سفري ويأخذ مايطمع إليه لاحقا بما اني اعتبر من الاغنياء!؟
صدقا اختلطت علي المفاهيم واظهار حقيقة مايحدث يجب المواجهة في اقرب وقت حقا .
ونحن في الطريق عرجنا انا وجنات نحو الغدير لنتسلى مع الفتيات قليلا. و اللواتي كن يجلبن الماء. وبعضهن تغسلن ثيابهن.. ففرحن كثيرا بإنظمامنا لهن. وكالعادة الكثيرمن المرح والرقص. حتى تسنت لنا الفرصة ان اكون انا وجنات منفردتين. والاخريات منقسمات البعض اشتغلن بأمورهن والاخريات اندمجن في حكاياهن الخاصة.
فلم استطع ان لا أسألها عن مايخالجها من حزن.. فضحكت.. وسألتني بدورها ان الفتاة منا ما الذي يحزنها ويجعلها تعيسة رغم أنها تملك كل شيء؟
فابتسمت وقلت لها إنه الحب.
فطأطأت رأسها وصمتت قليلا ثم اتمت بل إنها لعنة الحب
تعجبت لكلامها. فالحب شيء رائع والاحساس انك انسان يتبادل ذاك الشعور الجميل بالانجذاب دون إرادتك احيانا شيء عظيم.. فسألتها بطريقة مغايرة... بانه لا يكون الحب لعنة إلا اذا كان حبا من طرف واحد. وهذا اقصى انواع الحب.. فأكدت لي أنه أقصى شعور يتذوقه الإنسان.. فرددت عليها مباشرة دون ان اضع لها مقدمات..
هلى انت تحبين ضياء ابن عمك من طرفك فقط دون ان يعلم هو بشعورك نحوه؟
حينها انتفضت كليا واستدارت نحوي بسرعة كأن لصا سرق منها سرها للتو. تريد ان تعيده لمكانه قبل ان يكتشف احدهم امرها... فنظرت إلى عيوني مطولا. ولم تستطع الرد بالإنكار او عكسه. فكان ردها سوى بظهور غرغرة داخل جفنيها. لتتكاثف اكثر بمقلتيها. وتستسلم الى انهيارهما. فاحتضتنها في تلك الاثناء بقوة لانني علمت انها تعاني بصمت. وان قوة ظاهرها الذي تظهره للعلن . ما وراءه إلا ضعفا.
لم اكن غبية حتى لا ألاحظ بعد مكوثي كل هذه المدة تلك العيون الجميلة التي كانت كل الوقت تتبع خطوات ضياء متى حل علينا. فهي تتغير ملامحها وكيانها وتصبح جنات الرزينة إلى فتاة مبتهجة يتراقص قلبها فرحا لرؤيته.. اما هو فكان يعتبرها كأخته فمنذ ان توفى والدها كان بمثابة الاخ والاب. فهو من كان يهتم لأمرها وقضاء طلباتها وحاجياتها. وهي بدورها لا تحب ان تطلب شيئا يقضى لها الا هو رغم ان لديها الكثير من الاقارب في مثل سنه واكبر. ولكنها ألفته وتعلقت به. حتى بعد مرور السنين اكتشفت انها تحبه وهي لاتزال صبية وبالاخص بعد سفره لإكمال دراسته. فانتظرته بشغف اربع سنوات كاملة. و لم تخنه كما ذكرت لي ذلك في رويها لكامل قصتها مع ضياء... لم تقبل بأي شاب ان يحل مكانه لا في قلبها ولا في حياتها. حتى عاد بعد ان أتم تعليمه بالخارج... ولكنه بقي ضياء على حاله. لم يلاحظ حبها له. ولم تتغير مشاعره نحوها بأنها مجرد اخت له فقط.
والغريب انه بعمر يسمح له بالزواج 27 سنة إلا انه حتى الان لم يفعل. ربما تغير تفكيره بالنساء. بعد ان عاش بأروبا. ورأى الفرق في التحضر وتقدم الثقافات بينهن وبين بنات منطقته. فعفت نفسه على بنات ربعه. هذا ماكانت تتكهن به جنات منه.
وانا لم يبقى لي إلا ان اتحرى عن موضوع ضياء هذا. من كل النواحي. مشاعره.. اسلوب تفكيره بالزواج والنساء خاصة. والاهم من كل ذلك ماعلاقته بالسارق؟ علي ان افك الشيفرة بمفردي وابعد قليلا جنات حتى تتوضح كل ماهو مبهم.
وعدت نفسي انني سأساعدها وأحل مشكلتها. إما ان تتقدم خطوة نحو ضياء. او ابعدها عنه بعد السماء. حينها عليها ان ترى مستقبها بدونه وكفاها كل الوقت الذي ضيعته بسببه.
موعدي مع ضياء اقترب. ولم اجد طريقة كيف اتملص دون علم جنات. فكل ما اخطوه هناك تكون معي جنات في كل الخروجات. ولكن اشكر الرب. حيث شاءت الصدف ان يقع حدث لإحدى الفتيات. التي زلت قدمها على بعض الصخور وهي تملؤ قربة الماء. فسقطت والتوى كاحلها. فقامت جنات بمساعدتها واضطرت بتوصيلها الى منزلها مستندة ذراعها. وطلبت مني ان نلتقي في الخيمة حتى لا تتعبني من مسافة المشوار. فوجدتها فرصة. تمنيت الشفاء للفتاة وودعتهما على امل ان نلتقي بعد ذلك انا وجنات في الخيمة. ثم توجهت مباشرة الى المكان الموعود. فالتقيت بضياء الذي كان ينتظرني هناك.
رحب بي مجددا. ثم طلب مني السماح قبل ان يبدأ اي حديث مابيننا . فتعجبت عن ماذا يطلب السماح؟ واسترسل في الكلام دون أن اسأله.
دون مقدمات اخبرني انه معجب بي منذ الوهلة الاولى التي رآني فيها. فانا اعتبر حلم اي شاب هنا في البادية فانا اعتبر فتاة جميلة ومثقفة. واسلوبي وتصرفاتي مغايرة لبقية فتيات منطقته. واتم انه بدل ان يتقدم إلي بأي خطوة. فكر اولا ان يعرفني على اسلوب حياتهم ونمط عيشهم. عن تقاليدهم وتربيتهم وعاداتهم.... إلخ. حتى فقط عندما اقوم بالرد على طلب الزواج منه. يكون ردي على حسب قناعتي . وكل هذا يتطلب وقتا. لذى فكر بسرقة حقيبتي التي بها جواز سفري. حتى اتاخر بالعودة الى بلدي بمساعدة صديقة الذي حطه في الامر الواقع. مساندا لصديق عمره ضياء.. وتم ذلك كله بشكل جيد. ولكن ضميره انبه على حسب قوله. يوم قدما والدي لإعادتي معهما الى الديار. في تلك اللحظة لم يستطع ان يظهر جواز السفر هكذا مابين ليلة وضحاها. ولكنه وعد نفسه في اليوم التالي سيفعل ويخيرني اما العيش معه وان استقر هنا في الصحراء. او العودة الى سويسرا... ولكن انا اكتشفت امره قبل ان يفعل ذلك بنفسه.
انصدمت بإعترافه. ولم يأتي في تفكيري في تلك اللحظة سوى جنات... وأصبحت انا خائنتها. فانا التي يفكر فيها حبيبها بدلا عنها هي.
فأي موقف انا الذي واقعة فيه الان!؟