
رواية الاروبية البدوية الفصل الرابع4 بقلم سالي سيلا
ظننت لوهلة ان جنات ستطلب مني ان نلوذ بالفرار من امام ذاك الشخص الذي فاجأنا بظهوره على حين غرة . فرميت حبات الذرى على الأرض لتتدحرج في كل مكان حتى لا تعيقني ونحن نركض.. ولكن تفاجأت ان جنات لم تحرك ساكنا بل عقدت يديها على صدرها وبدأت كأنها تعاتب او توبخ ذاك الشاب.. لم استطع بالضبط ان افهم في تلك الاثناء مايدور بينهما. ولكن ماشعرت به من وراء تلك النظرات التي يرمقها بها الشاب بعد ان نزع اللثام عن وجهه.. يظهر انه شخص مسالم. ومشكلته الوحيدة انه واقع في الحب فقط.. لذلك اصبح يتصرف كقطاع الطرق والمجرمين.. ولم يخطيء تحليلي بعد عودتنا اخبرتني جنات عن قصة ذاك الشاب باكملها.
هو فتى مقتدر وتربيته لا يعلى عليها. يريد الزواج منها منذ عدة سنوات يحاول معها كل مرة ربما تغير رأيها بالموافقة على الزواج منه ولكنها ترفض دون اقناعه بالسبب... وعندما سألتها ماسبب رفضها له.؟ خاصة انها مدحته في وصفها له في باديء الامر.. وان كان على شكله فهو لا يعيبه شيء..! فصفنت طويلا حتى انها شردت وغرغرت عيونها بعد ذلك. ففضلت الصمت. وانا احترمت ذلك منها. ولم ألح عليها بردها على سؤالي. فالاجابة واضحة. فهي متعلقة او بالاحرى تحب شخصا اخر غيره... تركتها بمفردها لكي تستريح. اما انا فقمت بالاتصال على والدتي. لكن الامر كان صعبا. فالتغطية جد ضعيفة .. ولكي يصلح الامر معي كنت اغير الزوايا. حتى خرجت خارج الخيمة. و بعد محاولات عدة رن الهاتف اخيرا.
حينها وانا اتكلم مع امي شعرت انني لم ارها او اسمع صوتها لعدة شهور رغم انها مجرد بضعة ايام فقط. اشتقت إليها والى ابي و هارفت فغلبتني دموعي. كان الكلام سريعا واغلبه غير مفهوم بسبب انقطاع الصوت وعودته كل ثانية وثانية. المهم انني طمنتها على حالي.واعلمتها ان في اليومين القادمين سأعود الى الوطن.. ففرحت والدتي انني بخير. ولكن لم افهم عليها وهي تكرر كلمة المروحية الى ان انقطع الاتصال!؟ مادخل المروحية في كل الامر؟
اجتاحني حنين غامر في تلك اللحظة واستغربت انني كنت اريد السفر كي ابتعد عنهما بالدات. فكيف اشتقت لهما بهذه السرعة.... احتظنت نفسي ورفعت رأسي الى السماء ولاول مرة اراها كأنها قريبة مني. واستطيع ان امسك تلك النجوم الساطعة المتلألئة وما اكثرها وتخيلت انني اضعها على راحة يدي واغلق عليها.. وانا مندمجة في المنظر الخلاب من زخرفة السماء. تخيلت ان نجمة مضيئة سقطت منها فعلا. وهي تسير نحوي ببطء شديد... كنت ارى فعلا ذاك الضوء الضئيل يقترب ويدنوا مني كل مرة. حتى اصبح يظهر كلهب يتطاير منه الشرر.. سألت نفسي حينها هل انا احلم او ماذا؟
ارتعبت من الفكرة واستدرت لأتأهب الفرار. ولكن بمجرد خطوت خطوتين للامام حتى سمعت صوتا يناديني نتاليا.. نتاليااا.
استدرت ببطء والخوف يتملكني.. فبدأت الصورة تغشى حلكتها... انه ضياء الدين يحمل كانونا به جمر مشتعل. يتطاير منه بعض الشرر.. وانا على استغرابي إلتحقت بنا جنات وفي يديها هي ايضا صينية بها حبات الذرى.. حبات الذرى التي لم اتخلى عنها بعد ان تيقنت ان الامر لا يستهل كل ذاك الهلع وعاودت بإلتقاطها من على الارض.. والان على مايبدوا هناك سهرة تحت ضوء القمر و اطلالة النجوم. وكم كانت سهرة ممتعة.انظمت فيها معنا خالتي ميمونة. التي احضرت معها التاي وبعض الثمور والمكسرات. ضحكنا كثيرا وانبسطنا بأكلة الذرى المشوية على الجمر. وبتبادل اطراف الحديث معهم لم اتوقع ان ضياء بهذا التفتح والذكاء. يملك من الثقافة ما تقدر و تحترم فيه ذلك. والشيء الذي اكتشفته كذلك وأجيب فيه عن سؤالي كيف لضياء ان يكون قريبا هكذا من جنات وعائلتها.؟ يتحدث معهم دون حواجز وكأنه واحد منهم. فعلمت بحكاياهم ان ضياء هو ابن عم جنات. وشيخ البادية يكون جدهما هما الاثنان. اما عن والد جنات فهو توفي وعمرها ست سنوات. فحزنت عليها. انها عاشت بمفردها مع والدتها فقط دون والد او ان تجرب معنى الأخوة. فاشتقت اكثر لاسرتي. فانا لدي شيء لم اعرف قيمته الا عندما ابتعدت عنه. وهي اسرتي.
في الصباح الباكر. استيقظت على صوت الصهيل.. وتذكرت ان جنات لها جواد التي رأيتها عليه من قبل تمتطيه.. فقمت بسرعة نحو الخارج. وبالفعل وجدت جنات تجهز الحصان تعدل من سرجه وتقوم بمشط شعر رأسه و ذيله. وعندما رأتني واقفة ابتسمت لي واشارت لي بأن هناك جولة تنتظرنا... فرحت كثيرا. وقمت بتجهيز نفسي بسرعة. وارتديت اللباس الذي اعارته لي جنات المخصص بركوب الخيل. ثم لا أدري كيف حتى امتطت جنات الحصان بتلك السهولة. مجرد قفزة صغيرة كانت فوقه. اما انا بعد عدة محاولات وبمساعدة جنات تحقق الحلم اخيرا. فركبت خلف جنات وانا امسكها بكل قوتي خوفا من السقوط. ثم انطلقنا بإشارة منها و بخطى ضئيلة عن طريق تحكمها باللجام حتى أعتاد على الامر فقط. بعدها نغزت بقدمها اليمنى الحصان ليزيد من سرعة خطواته قليلا. لينطلق بنا اكثر سرعة بعد ان رأت جنات مني الهدوء والاستمتاع بالوضع.
كان شعور مغاير لم احسه مثله من قبل. ان تكون فوق الحصان وهو يركض بأقصى سرعته. والرياح تداعب خصلات شعرك المتطاير في الهواء يمينا وشمالا. وكأنك في تلك اللحظات الاكثر من رائعة تتعرى من كل مايضيق خاطرك. تمحى كل ذكرياتك الأليمة. وتبقى مع الاحساس بالحرية وعيشك اللحظة بكل تفاصيلها لا غير.
وصلنا قرب تلة فقامت جنات بتوقيف الحصان فجأة نزلنا من عليه. وربطته بواسطة وضع صخرة كبيرة نوعا ما على الرباط.. ثم صعدنا التلة حتى وصلنا الى قمتها. لم تكن التلة متعبة بالصعود لأعلاها. بل الذي يتعب ذاك المنظر الخلاب. كل الواحة امامنا . وكأنها صورة رسمت على يد فنان محترف. موضوعة بعناية داخل برواز عتيق.. وما اجمله من منظر حقا. لا ادري كم من الوقت بقينا هناك جالستان. كانت جنات طيلة الوقت صافنة تنظر الى الفراغ البعيد. اما انا فكنت اسأل نفسي هل استطيع ان اعيش على هذه الارض للابد دون ان امل ذات يوم؟ او هذا مستحيلا لا اعلم لما فكرت بهذه الطريقة! ولكن الشيء الوحيد الذي كنت اعلمه. انني لم استطع ان تتنحى أنظاري من على ذاك المشهد الباهر والساحر. ولم يقطع خلوتنا إلا على صوت رنين الهاتف.. كان جد جنات يطلبها ان توافيه في الحال... فعدنا ادراجنا وطيلة الطريق لم تكن جنات على ما يرام حتى وصلنا الى المكان المتواجد بها جدها. كان بالداخل بعض الضيوف لان الخيول لاتكون امام الخيمة الا من الاشخاص الغرباء. هذا مالاحظته سابقا... لذى اعلمت جنات بوصولها عن طريق الصبي المسؤول عن سقاية الضيوف.. ولم يمضي دقائق حتى خرج الشيخ من الخيمة ابتسم لي ثم استدار لجنات التي بدورها قبلت يده ورأسه. اخبرها بشيء فثارت ثائرتها. ثم عادت ادراجها دون ان تلتفت لوجودي معها او عدمه.. لم اتبعها في تلك اللحظة. ودعت الشيخ. ثم توجهت اينما كان جالس ضياء امام سيارته تيوتا وهو يغير اطار عجلتها..
رحب بي وسألني عن احوالي وان كنت مرتاحة على ارضهم ام لا؟ وما كان جوابي غير تأكيد احساسي بالارتياح والاستمتاع بمكوثي مابينهم. وفي وسط الحديث. سألني كذلك عن جنات ان كنت اعلم عن ردها بقبولها او رفضها للعريس ..؟ ففهمت لما كانت هي مستاءة بهذا الشكل بعد كلامها مع جدها. والضيوف جاؤوا من اجل جنات لخطبتها.. اعلمني ضياء انه ربما هو اكثر من 8 شبان او اكثر من خيرة شباب القبائل. جاؤوا خصيصا لخطبتها. وكل مرة ترفض بسبب ودون غير سبب. والان هو خائف عليها. لان كل من كان بسنها تزوجن وانجبن اطفالا. إلا هي .. وهي التي اجملهن واحسنهن جمالا وجودا ونسبا.. فالعمر لا ينتظرها فالشباب سيعزف عنها فور تقدمها في السن.
فكنت كل مرة يعرب فيها ضياء عن مدى استيائه من تصرفات جنات اهمس في نفسي وأؤكد أن الفتاة عاشقة وولهانة فالقصة واضحة وضوح الشمس..
من تحبين بصمت يا جنات. فمنذ وصولي لم ارك تتحدثين علنا او خلسة مع شخص غريب!؟
بعدها انتهزت فرصة وجودي مع ضياء وسألته بخصوص ان كانوا إكتشفوا مكان السارق..؟
فمهمه وارتبك ضياء واول شيء نطق به هل تودين مغادرتنا يانتاليا؟