رواية انذار بالعشق
الفصل الاول1
بقلم رضوي اشرف
قبض على شعرها بيده بقوة والأخرى كتم بها فمها ليضمن أنها لن تستطيع الصراخ وطلب المساعدة من أحد بينما يجبرها على السير معه حتى وصل بها إلى غرفة بعيدة تقع بآخر الحديقة خلف القصر حيث بنيت كـ مستودع للأغراض القديمة وأدوات الطهي الكبيرة والخاصة بالمناسبات، فتح الباب ودفعه بقدمه ودلف بها يجرها معه تحت زمجرتها وأنينها، تصرخ بصوتها المكتوم بكلمات غير مفهومة ومن المؤكد أن جميعها سباب له أزاح يده من على فمها ولكنه لم يحرر خصلاتها من قبضته المؤلمة، شهقت بجزع وداخلها ينتفض مما يحدث معها حاولت تحرير شعرها من يده ولكن ما زادها هذا إلا ألماً عندما شدد قبضته عليه، ترقرقت الدموع بعينيها وصرخت به بغضب وقهر:
- سيبني بقى، أنت إزاي تسمح لنفسك تعمل كده معايا أنا مش جارية عندك ولا بهيمة من بهايمك عشان تجرني وراك كده.
- اقطمي يا مرا.
قاطعها بغضب وقسوة تنبعث من كل حرف ينطقه تابع بهسيس حارق وانفاسه الملتهبة تدل على مدى غضبه، فثارت أعصابه عندما وجدها تخرج إلى الحديقة في وقت متأخر من الليل بمظهرها المهلك للقلوب وخصلاتها البندقية اللامعة التي لم يرها سوى بتلك الليلة المشؤومة طليقة على ظهرها بنعومة كخيوط من الحرير لم يستطع السيطرة على أعصابه عندما استنتج سبب خروجها بهذا الوقت فمن المؤكد أنها كانت بالخارج لمقابلته:
- اسمعي الحديت اللي عقوله، وحطيه حلجة في دانيكي (ودانك) التِنين اني مهكررش حديتي مرتين.
هتفت به بجنون وكل ما يهمها أن تبتعد عنه في الوقت الحالي فهي تعرفه حق معرفة حينما يغضب لا يعي لما يفعله أو يقوله، لقد مرت بتلك التجربة مرتين في الماضي ولا تريد أن تمر بها الآن، ليس وهي حزينة لفقدانها والدها وضعفها وشعورها بالوحدة وضياع امانها:
- ومين قالك إني عايزة اسمع منك حاجة، أبعد عن سكتي يا آدم ويستحسن طول ما أنا هنا مشوفش وشك نهائي.
جذب شعرها أكثر إلى الأسفل فكتمت صرخة ألم كادت أن تخرج منها وواجهت سقف الغرفة بعينان دامعة، صرخ بها باستهجان بعد أن زاد من جذبه لشعرها متجاهلاً شعوره بالألم والضعف عندما رأى دموعها العالقة بجفنيها فلن يسمح لقلبه بالتحكم به بعد الآن يكفي ما حدث له على يدها:
- وش مين يا مرا، هو انتي فوش اهلك دم جاية لحديت عندي برجليكي كنك معملتيش حاجة إااايه معتختشيش (مبتتكسفيش).
حاولت السيطرة على دموعها ولكنها فشلت وجرت الدموع على وجنتيها كـ الشلالات وخرج صوتها هامساً باكي لتكره ضعفها وانهيارها أمامه:
- أنا معملتش حاجة أنت ليه مش عايز تصدقني، أنا اتظلمت وأنت أول واحد ظلمني وداس عليا.
تمالكت نفسها قليلاً وتظاهرت بالشجاعة وهي تنظر إليه لتهالها الدموع المحجرة بداخل مقلتيه رغم نظراته التي تصرخ بالكره والغضب، لكنها تماسكت وأخبرته بما تريد دون ضعف لعله يبتعد عنها ويتركها وشأنها تصارح وحوش عشقه التي تغلغت إلى روحها وجعلتها تفارق الحياة وهي مازالت حية بعد أن فارقها بسبب ذنب ليس لها ذنبها وفعل حاقد لا يعلم أن الله له بالمرصاد وسيقتص لها منه:
- لو فاكر إني رجعت عشان ارجعك ليا وإني لسه بحبك تبقى غلطان أنا رجعت عشان ماما وبس أنا مستعدة اضحي بنفسي وسعادتي عشان هي تكون مرتاحة، مستعدة اكون في نفس المكان اللي أنت موجود فيه واتنفس نفس الهوا رغم أنه خانقني بس عشان تكون هي مبسوطة وسط أهلها.
ارتخت قبضته على شعرها من صدمته من حديثها فهي لم تقولها بوجهه ولو لمرة واحدة قبل الآن، لم تصرح بأنها لا تحبه أمامه من قبل رغم علمه بأنها لا تحبه ولم تحبه في أي وقت، ظنت أنه قرر تركها فخطت خطوة قاصدة تحرير خصلاتها منه والابتعاد عنه ولكنها تفاجأت به يشدد قبضته عليه من جديد بقسوة أشد فصرخت بألم ليبتسم هو بشر وما حدث بينهما منذ خمس سنوات يعاد أمام عينيه كـ فيلم مسجل وما زاده غضباً استنتاجه بسبب حضروها وموافقتها على العيش بمنزله:
- أنتي راجعة عشانه، عرفتي أنه رجع فجولتي أما تجنعي الغلبانة اللي عتحبك وتثج فيكي انكوا تجبلوا بفرمان أبوي وتاجوا تعيشوا ويانا اهنه.
ضحك بخشونة ساخراً منها وهي تنظر له بصدمه لظنه بها فلم يكفيفه ما فعله بها سابقاً ولكنه مازال يشوه سمعتها ويطعن في شرفها رغم مرور السنوات، تابع بجنون وقد نفرت عروقه ونطق بتوعد قاسي وكأن ما يقوله أمر واقع وواجب تصديقه وإن كان ظنه وتفكيره بها باطل:
- وكُتي فاكرة إني هسيب الجو يخلالك امعاه، لاه فوجي لروحك أنتي اهنه في دوار الشهاوي يعني تنسي شغل العوج والفجر اللي كان حداكي في البندر وحسك عينك ألمح طرفك برا جاعتك في وجت زي ده مرة تاني ساعتها هعرف الكل حقيقتك وأولهم عمتي سامعة ولا لاه.
دفعها بعيداً عنه ثم مال ليملأ كفه بحفنة من التربة ويدعك بها يديه ثم نفضها وملامحه منقبضة بإشمئزاز وكأنها شيء مقزز لا يجب مساسه مما حطم قلبها أكثر وجعل الدموع تزداد تساقطً لتهمس بصوت مقهور باكي أثناء مروره بجوارها مغادراً الغرفة:
- حسبي الله ونعمَّ الوكيل.
كلماتها اخترقت قلبه وادمته فتساقطت الدموع من عينيه أخيراً وكأنه بابتعاه عنها أعطى لها الضوء الأخضر للخروج فتسارعت على وجنتيه بقهر وآه من دمع الرجال فكل دمعة تسقط من عينيه تسقط معها قطرة من كبرياءه ويزداد معها كرهه وغضبه لها رغم قلبه الخائن الذي ينتفض هلعاً عليها وينهره على ما قام به وكأنه لا يحق له للثأر لكرامته وكبريائه كرجل قامت بخيانته بدم بارد دون الشعور بتأنيب الضمير أو الشعور بالندم على ما فعلته فهي حتى لم تفكر بالاعتذار منه وطلب السماح، لن يسامحها ولكن على الأقل فلتحاول أن تظهر له بأنها نادمة ولكنها تظل تنفي خيانتها وتدعي البراءة رغم إمساكه لها بالجرم المشهود، ما كاد أن يبتعد عن المكان بضع خطوات حتى اخترق صوت طلقة نارية سكون المكان من حوله واصطدام جسد به من الخلف ثم تبعه صوت اصطدام قوي بالأرض.