رواية في قبضة الشيخ عثمان
الفصل الثالث3
بقلم سمية رشاد
في قبضة الشيخ عثمان
استلقى"عثمان" على فراشه ببطء شديد بعدما انتهى من تلبية احتياجات والده، شرد في سقف غرفته وهو على نفس حالة الذهول التي تتشبث بعقله منذ أن خرج من دار مسعود، إلى الآن لا يصدق ما حدث، أيعقل أن يكون ذاهبًا لمساعدة امرأة لتصبح تلك المرأة خطيبته في غمضة عين!
زفر بقوة وعقله يحاول قسرًا أن يسقيه كأسًا من الندم على ما اقترف دون تفكير ولكن لا يدري ما هذا الشيء بداخله الذي يجعله يأبى تجرع الندم بل ويتقيأ كلما حاول عقله تناوله.
كلما راود عقله التفكير في أمر الخطبة تلك جاءت بعقله تلك الفتاة المجهولة وهو يتصورها تبكي قهرًا على كلام والدها بحقها، فلقد ثار هو من كلمات والدها بل وجُنَّ عقله من الشفقة عليها كلما فكر بأمرها وهى تستمع إلى صراخ كرامتها التي دهسها والدها بقدميه دون أن يرمش له جفن.
حاول أن ينفض تلك الفكرة عن رأسه إلا أنها سرعان ما عادت إليه وهو يتذكر اقتراح الخالة عايدة لذات الفتاة ويبتسم بمرح كلما تخيل ملامح وجهها عندما تعلم بالأمر، سافر عقله إلى ذات الفتاة مرة أخرى ليغمض عيناه بقوة مانعًا عقله من التفكير بينما شفتاه تنطق بتلذذ وكأنه يردد نغمة موسيقية
- مارية
*********
استيقظت مارية من نومها على نداء شقيقها باسمها لتنهض جالسة على مقعدها الطويل الذي تستخدمه في نومها بدلًا عن السرير لعدم وجود بالبيت سوى سرير واحد يستخدمه والدها.
تطلع إليها محمد بنظرات مليئة بالشفقة عندما رأى عينيها التي يرى أثر البكاء فيها ظاهرًا فطالعته هي الأخرى بعتاب وهي تبدأ الحديث
- لماذا جئت به إلى هنا يا محمد؟ أيعجبك ما فعله أبيك معه وتحميله ببلوة ليس بحاجة إليها
ليردعها شقيقها قائلًا وهو يربت على يدها
- لا تنعتين ذاتك بهذا الوصف، أنتِ أغلى من أن توصفين به ظلمًا، ثم أنا لم أكن أعلم بما سيفعله أبيكِ.. كل ما أردته فقط أن أنقذك من بين براثن ذاك الذي لم يكن يدع دقيقة واحدة دون إذلالك والتسبب بالأذى لكِ
- وهكذا ألم يصيبني أبيك بالذل يا محمد؟!
هز رأسه بقلة حيلة ليقول بعد صمت
- لا تقارني هذا بذاك يا مارية فالشيخ عثمان كملاك يسير على الأرض بينما الآخر ليس سوى شيطان بهيئة بشر، أنا أثق بالشيخ بل لو كانت الخطبة بطريقة أخرى غير هذه لرقصت فرحًا فهو والله على الرغم من شدته وهيبته التي يصفه بهما جميع أهل البلدة إلا أن أخلاقه لم يختلف عليها اثنان.
لم تجبه وعقلها يشرد في كلمات الآخر الذي تعجبت في البداية من طلب شقيقها الاستماع إلي حديثه مع والدها ولكن سرعان ما علمت سبب زيارته ولكن بأسوأ طريقة من الممكن أن يعلم بها الإنسان شيئًا، فأن ترى نفسك كالذبابة بعين من كنت تظنه يراك نورًا فذاك الشعور الأكثر ألمًا على الإطلاق.
نهضت واقفة من المقعد بعدما وجدت أبيها يدلف إليها هو الآخر ليقول دون سابق إنذار
- اعلمي أنني ما فعلت ذاك الأمر إلا لأجلك وبمرور الأيام ستقدرين موقفي، لم آتِ إليك لتبرير الموقف بل جئت آمركِ كي تستعدين لزفافك فعلى الأرجح سيكون بنهاية الأسبوع المقبل، فأنا لا طاقة لي على تقبل أمور الخطبة ولا أرى لها فائدة.
صعقت من كلمات أبيها وكادت أن تعترض إلا أن طبيعتها غلبت عليها فجعلتها تصمت دون قول شيء لتجد شقيقها يتحدث بدلًا عنها
- كيف ذلك يا أبي لم تره ولم يرها بعد.. من الممكن ألا يقبلا ببعضهما
ليزجره والده صائحًا بعنف
- اصمت يا ولد ولا تتحدث أمامي فأنا لم أحاسبك بعد على فعلتك، ثم من هذا الذي يرى ابنتي دون رابط شرعي لن يراها سوى بعد عقد القران ولا شيء سيغير رأيي هذا .
بعد مرور يومان تغير رأي مسعود رغمًا عن إرادته وها هو جالسًا بانتظار عثمان كي يرى ابنته، ولا أحد أشد منه غضبًا من حالته هذه
ذهب عقله إلى ما حدث بالأمس حينما دلف إلى مجلس الشيخ عثمان ليجده يحكم بين رجلان أخدها يصيح في الآخر
- كيف تريد لابنك أن يرى ابنتي مرة ثانية، هل جنّ عقلك أم ماذا؟
ليصدح صوت عثمان هادرًا بالرجل
- كيف سولت لك نفسك أن ترفع صوتك بهذه الطريقة وأنت جالسًا أمامي! إن لم تكن ستجلس بالمجلس بهدوء فلتغادر فلا أحد هنا يعلو صوته فوق صوتي.
ارتجف بدن الرجل وهو حقًا يشعر بالندم فلقد نسي بأي موقف هنا بسبب غضبه الذي أعماه عن احترام كبيرهم الذي يجب عليه احترامه. ليرفع نظره إلى عثمان الذي تابع قائلًا
- ثم من أخبرك بأنه لا يحق له النظر لابنتك! الرجل تقدم للزواج منها وأنت لم تسمح له برؤيتها بطريقة مناسبة فأراد أن يأتي إليكم مرة ثانية كي يستطيع تحديد رغبته في الزواج منها أم لا فما الخطأ في الأمر
ليجيبه الرجل بنبرة هادئة هذه المرة
- الخطأ يا شيخنا أنني لم أكن أريد له أن يراها سوى بعد الزواج وبعد إلحاحهم وافقت أن يراها ليطلب أن يراها مرة ثانية، كيف ذلك هل لأنني تنازلت مرة ووافقت على رؤيته يستغل الأمر ويتجبر علينا؟
هز عثمان رأسه بعدم رضا قبل أن يقول بقوة
- بداية.. أنت لم تتنازل فما طلبه هو ليس إلا كما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم تكن تعلم بالأمر فعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا ) أي أَحْرَى أَنْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا فكيف تمنع عنه أن يرى ابنتك والنبي صلى الله عليه وسلم وصى بالأمر حتى إن رآها مرة وأراد ثانية فمن حقه أن ينظر إليها كي يستطيع أخذ القرار .
صمت الرجل ولم يعلم بماذا يجيب أمام حديث النبي صلى الله عليه وسلم ليقول عثمان
- اجعله يرى ابنتك مرة ثانية.. انتهى المجلس
قال جملته الأخيرة بحسم لينهض الرجلان إلى الخارج بينما هو انتبه إلى مسعود الذي كان يقف جانبًا ليقول بدهشة
- مرحبًا
التفت إليه مسعود وهو يبتلع ريقه فهذا الأمر الذي استمع إليه الآن من الرجلان كان آتيًا من أجل أن يفعل مثله معه وبعد هذا الحديث من عثمان لن يقدر على قول ما يريد وخاصة بعدما رأى صرامته في ما يخص الأمور الدينية ليجد نفسه ينطق دون تفكير
- جئت لتحدد موعد للزيارة والزواج فأنا لا أخبذ الخطبة وأريد أن نجعله زفافًا
شعر عثمان بالضيق الشديد منه فهذا الرجل لا ينفك عن التقليل من شأن ابنته وعقله دون إرادة عنه باغته بسؤال عن حالها الآن وهل تعلم بقدوم والدها وطلبه لينشطر قلبها هذه المرة أم أن هذا الرجل جاء دون أن يخبرها
تمنى لو أنه زجره بعدة عبارات بسبب ما يفعله بقلب ابنته إلا أنه أبى أن يتحدث بشيء كي لا يسيء الآخر فهمه ويذهب ناقلًا الكلام لابنته فتعاني هذه المرة بسببه هو فامتنع عثمان عن زجره خوفًا عليها وهذه هي المرة الأولى التي يتنازل عثمان عن قول ما يريد لأجل أحدهم.
نظر إلى الرجل الذي ينتظر رده على ما قال ليجيبه
- الرؤية غدًا إن شاء الله وأمر الزفاف العاجل هذا ننتظر لنرى ماذا ستقول هي
جحظت عيني الرجل وهو يقول متسرعًا
-وما دخلها في تحديد الموعد أنا من عليه الحديث بهذا الأمر
ليزجره عثمان هذه المرة بنظرته قبل أن يقول
- بل هي الوحيدة التي لها كل الشأن في تحديد الموعد وإن كان هناك أحد آخر فسيكون أنا.
اختنق حلق مسعود بالكلمات التي كان يريد قولها أمام نظرة عثمان ليتابع الآخر حديثه
- واستشرها في أمر زيارة غدًا وإن كان لها رأي آخر فأخبرني به.
أومأ إليه مسعود وخرج مغادرًا دون أن ينطق بشيء بينما تشتعل مراجل الندم بداخل عقله بسبب اختياره لهذا الرجل كي يتزوج ابنته فهو على ما يبدو ليس ذاك الرجل الذي أراده لابنته ولكن وقت الندم قد اندثر وإن فكر عقله بأي محاولة فلن يجد سوى أسد جامح لن يضيع ثانية واحدة سوى في التصدي له.
نظر عثمان إلى أثره بغموض يعلم جيدًا أنه لن يستشر ابنته في شيء ولكن هو سيتكفل بالأمور المتبقية
استفاق مسعود من شروده بما حدث على صوت ولده الذي صاح فرحًا
- الشيخ عثمان يقف أمام المنزل يا أبى.
بينما كانت أنامل مارية تتعارك بعنف من فرط خجلها استمعت إلى صوت شقيقها الذي علمت منه بقدوم عثمان، لم تكن تتوقع أبدًا أن توضع في موقف كهذا، فوالدها كان يلقي على مسامعها دائمًا أنه لن يسمح لها بالرؤية بل سيصدمها بالزواج مباشرة أما الآن فهي ترى عكس ما كانت تظنه، ولكن بالحقيقة هي تشعر بالامتنان لعثمان، ذاك الذي أخبرها شقيقها أن أمر الرؤية هذا بسببه، فإن كانت تشعر بالحرج الآن فحتمًا لن يتفوق عن موقفها حينما ينفرد بها كزوجة دون سابق لقاء.
فاقت من شرودها على صوت أبيها الواقف أمامها يتأمل احتشام ملابسها
- هيا
كلمة واحدة قالها وهي التي كانت تتمنى أن يخفف من حدة الموقف ولكن كيف هذا وهو المتسبب الرئيسي في خجلها هذا، فإن كان الحياء طبيعي في هذا الموقف إلا أن احتقاره لها أمام الآخر جعلها تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها دون أن تترك لها أثر.
جلست بوجه تبدل لونه من الأبيض الصافي إلى الأحمر من كثرة ما تعاني به، حمحم شقيقها حينما جلست دون أن تلقي السلام ولكنها لم تعبأ به بل لم تنتبه إليه من الأساس، فبدأ عثمان حديثه مع شقيقها قائلًا بمرح
- هل التحقت بالقسم العلمي أم الأدبي بالأزهر يا محمد
ليجيبه الآخر
- بل الأدبي على الرغم من تفوقي في المواد العلمية إلا أنني أردت الالتحاق بكلية أصول الدين والدعوة فلم أرَ داعي للالتحاق بالقسم الآخر.
أومأ إليه بإيجاب وعيناه تلمع بنظرات الإعجاب قبل أن يقول
- رائع.. هذه هي الجامعة التي تخرجت منها أنا الآخر.
- لأجل هذا أردت أن ألتحق بها فأنا آراك لي قدوة
لمعت عيني عثمان بسعادة بهذا المعجب به الذي لم يكن يعلم عنه شيئًا قبل أن يتحدث إليه ليقول بهدوء
- فليوفقك الله لما تريد
قال كلمته الأخيرة وهو يميل بنظره إلى تلك الجالسة بجوار شقيقها بصمت وسرعان ما شعر بخفقات قلبه تزداد بعنف حينما تأمل ملامحها الجذابة وكأنها فتنت قلبه فجعلته أسيرًا لها منذ النظرة الأولى، ولم ترحم قلبه المسكين الذي لا يقدر السيطرة على نبضاته هي لترتفع بنظرها تلقائيًا إلى والدها الجالس بجواره والذي صاح بغضب يلازمه منذ زيارته الأخيرة لعثمان
- فلنتحدث بالأمور الهامة
لينتبه عثمان إليه بعدما استشعر عينيها التي اغتمت بمجرد استماعها لحديث أبيها الذي أشعره بأنه قدم لشراء شيء فقال بهدوء
- أخبرني عما تريد يا شيخ مسعود
ليجيبه مسعود
- لن نتفق على تفاصل الجهاز لأننا نعلم أن الزواج في قريتنا يسير كما الشرع فيتكلف الزوج بكل الأجهزة ولكن أردت الاتفاق على الموعد فأنا لا تروقني الخطبة وتلك الأمور المائعة
هز عثمان رأسه بهدوء قبل أن يقول
- حسنًا أوافق على الموعد الذي تريدونه ولكن المهم قبل موافقتي هو موافقة ابنتكم فهلّا استمعنا لرأيها في هذا الأمر
شعر مسعود بالحقد عليه لإصراره على إعطاء ابنته حجمًا أكبر من حجمها ولكن لم يستطع أمام نظرات عثمان القوية سوى أن قال بغيظ شعر به جميع الجالسين
- وما رأيك يا مارية؟!
ليرتجف بدن مارية التي توجهت إليها جميع أنظار الجالسين بالغرفة وتقف الكلمات في حلقها الذي تحايله ليتحدث خوفًا من زجر والدها لها، وبالفعل حدث ما تخشاه وهي تستمع إلى قول أبيها الغاضب
- لماذا لا تجيبين يا فتاة، تحدثي
شعر عثمان بالغضب من هذا الرجل الذي لا يتهاون في استدعاء غضبه فقال بنبرة أشعرت الآخر بأنه فاق حدوده
- رفقًا بالقوارير يا شيخ مسعود، دعها تفعل ما تريد.
تنهد مسعود بقوة غير قادرًا على قول شيء ليصدح صوت مارية المرتجف الذي بالكاد استمعوا إليه
- ليفعل أبي ما يريد.. فالقرار قراره.
ابتسم مسعود بانتصار بعدما استمع إلى حديث ابنته الذي كان يتوقعه بينما عثمان كان تائهًا في عالم آخر ولم يستطع العودة منه، عالم تحتله عيناها بينما صوتها هو ما يتشبث بثيابه كي يبقى به ولكن صوت مسعود الغليظ أجبره لينتزع نفسه نزعًا من صوتها وهو يقول
- حسنًا فأنا أريد للزفاف أن يكون بجمعة الأسبوع القادم فعلى كل حال لم يتبقَ على ذاك اليوم سوى أقل من عشرة أيام لتستطيع تدبير أمورك بهم
أومأ إليه عثمان بإيجاب، هو كان يريد أن يتفقان على خطبة لمدة شهر على الأقل كي تتقبل الأمر ولكن لم يشأ الحديث كي لا تشعر بأنه يماطل ليتهرب من الزواج منها وهو الذي لم يقدر الآن على رفضه حتى وإن أراد والدها.
نهض واقفًا بعدما تحدث مع محمد في القليل من الأمور العادية وهو يتمتم معتذرًا
- أقدم اعتذاري مرة ثانية لعدم حضور والدي برفقتي، فأنتم تعلمون بحالته الصحية.
ليقول مسعود بتفهم مجاملًا
- شفاه الله وعافاه، أبلغه مني السلام.
مرت العشر الأيام على خير لم يحدث بهم أمر جديد سوى انتهاء عثمان من تجهيز الدور الثاني والذي كان بالفعل لا ينقصه سوى القليل، وذاك الفستان الرائع الذي أرسله عثمان لبيت مسعود ومعه وشاح أبيض بنقاب مماثل له في اللون.
ترجل عثمان من سيارته التي صحبها بها من بيت والدها ثم التفت إلى الجهة الأخرى ليساعدها في النزول، رفع يده إليها ليلتقط ترددها قبل أن تضع يدها بين راحته وسرعان ما شعر بارتجاف كفها الذي جعله يرغب في احتضانها ويخبرها أنه آخر من تخافه إلا أنه وعد روحه بأن لم يبخل عليها بفعل ذلك ولكن حينما يحين الوقت.
سار بها إلى الداخل ليقفا أمام والده الذي استقبلهما بحفاوة كبيرة وظل يردد لهما الكثير من الأدعية التي نطقت بسعادته، اقترب عثمان قليلًا من أذن مارية ليهمس إليها بنبرة حنونة ارتجف لها قلبها
- بإمكانك نزع النقاب الآن فالبيت هنا آمن من الرجال لا تخافين.. لا يوجد سواي وأبي
هزت رأسها إليه بإيجاب ثم شرعت في نزع نقابها عن وجهها وارتعاش كفيها ظاهر للعيان فاهتز قلب عثمان لأجلها وحاوط كفيها بكفيه في محاولة منه لمساعدتها، إلا أن محاولته جاءت بنتيجة عكسية فازداد خوفها لتجعله يبعد يديه مضطرًا وهو يهمس بخفوت
- لا تخافين.. فأنا أمانك ومأمنك.. أنا لباسٌ لكِ وأنتِ لباس لي فلا ترهبيني هكذا فأنا وقلبي فداءً لك يا مارية.
لم تهدأ نبضات قلبها المرتفعة بعدما استمعت إلى كلماته التي من المفترض أنها طمأنتها منه ليشعر بالحيرة وهو يفكر كيف يزيح هذا الشعور عنها، فكلما وضع ذاته بمحلها اهتز بدنه بعنف رافضًا لهذا الشعور، كان يأمل من والدها أن يبقى معهما قليلًا لحين تألف جو بيته إلا أن الآخر اعترض بصرامة بل وأمر ولده بعنف أن يغادر معه لتبقى بمفردها في هذا البيت الذي لا تعرف أحدًا به حتى هو زوجها لا تعرفه، فهو يشك في إن كانت نظرت إلى وجهه في تلك الليلة التي ذهب لرؤيتها بها أم لا ولكن بكل الأحوال لن يغير من الواقع شيئًا وسيجاهد كي يجعلها تطمئن له.
فاق من شروده على وجهها الذي شعّ بياضه أمام وجهه بمجرد أن أزاحت النقاب عنه، تصارعت دقات قلبه بل وتقاتلت وهو يرى هذا الملاك عن قرب هكذا، لم يكن يعلم أن بإمكان أحدهم أن يرسل الراحة بقلب كل من يراه من النظرة الأولى هكذا، هي ليست بالشقراء ولا زرقاء العينين ولكن من قال أن الشقراوات فقط عن من تملكن الجمال الأخاذ هذا؟
رفع نظره عن وجهها المستدير وهو يلتفت إلى الخالة عايدة التي ظلت تردد بالعديد من الكلمات تدعو لهما بها ولم تمر الكثير من الدقائق قبل أن يسحبها برفق ويصعد معها إلى شقتهم ليبدأ كلاهما بالعيش في عالم جديد.