رواية عاصفة الهوي الفصل السابع والخمسون56بقلم الشيماء محمد احمد
حاتم فضل بره منتظر نهاية المحاضرة ، راقب همس وهي خارجة. خرج وراها وقرب منها: "همس."
وقفت وبصتله بتحذير: "باشمهندسة، لو سمحت ما ترفعش الألقاب بينا."
ابتسم بموافقة: "حاضر، آسف يا باشمهندسة، بس كنت هقولك: عرفتي إن خلود أبوها أخدها؟"
استغربت: "وحضرتك مهتم يعني؟"
حاتم قرب خطوة: "مستقبلها هيضيع. دي كلها كام شهر وتتخرج."
همس رجعت خطوة لورى: "محدش قالك تنسى إنك دكتور وتعمل اللي عملته طالما بتخاف على الطلبة بتوعك."
حاتم حاول يلعب عليها: "هو مش كنتِ بتطلعي لسيف مكتبه؟ إنتِ مجربة، إزاي بتحكمي علينا؟"
همس بصتله بحدة: "بطلع لسيف مكتبه أسأله، وعمري ما طلعت لأي سبب تاني. غير إني مكنتش بطلع لوحدي، كنت باخدها هي معايا وهالة كمان. وفوق كل ده، سيف دكتور محترم وعمره ما تعدى أي حدود معايا. فحتى لو كنا بنحب بعض وكان الشرح والسؤال ده مجرد حجة نشوف بعض بيها، بس في النهاية كان في احترام متبادل بينا. بعدين لو بتحبها زي ما بتقول، روح لوالدها واطلب إيدها رسمي واعتذرله، واقنعه يخليها ترجع لدراستها. ده لو كنت راجل بجد وبتحبها فعلًا."
ابتسم بغيظ منها لأنه كان متخيل إنه هيعرف يكسب تعاطفها مش تقلب الدفة عليه بالشكل ده.
سابته ومشيت لأصحابها، وقفت معاهم.
مؤمن كلم المحامي وبلغه بنيته إنه يتنازل ويوقف قضية الحضانة، وإن نور هتوقف هي كمان القضية، بس فريد رفض تمامًا: "غلط طبعًا اللي حضرتك بتقوله ده، أنا هكمل القضية وهجيب الحضانة الكاملة ليك."
مؤمن بدفاع: "وليه قضايا وليه محاكم؟ هي متنازلة."
فريد قعد قصاده: "يا حبيبي افهم، دي لعبة المحامي بتاعها عاملها. مفيش حاجة اسمها أم متنازلة عن الحضانة، دي بتلعب بيك. هتتنازل النهارده وبعد شهر ولا شهرين هتروح ترفع قضية تانية وتطالب بحضانة إبنها وهتاخدها."
مؤمن بتهكم: "ما تاخدها دلوقتي مش قلت الموضوع في صفها؟ بتتنازل ليه؟"
فريد: "علشان دلوقتي مبقاش في صفها، ومحاميها عارف ده كويس. الأول آه قلتلك مفيش سبب إنها ما تاخدش الحضانة، وقلتلك صعب. لكن دلوقتي بعد اللي حصل لإبنك خلاها غير كفء وبقت نقطة سودا عندها. إبنك تاه يومين، وده هيخلي القاضي يحكم لنا الجلسة الجاية. لكن المحامي عمل كده لأنه عارف إنه هيخسر، فقال يلعب بيك ويعدي موضوع التوهان ده. بعدها تروح ترفع قضية تانية وهتكسبها."
مؤمن بتأكيد: "ماشي، هخليها تمضي على إقرار بالكلام ده."
فريد عمل صوت ببوقه تريقة: "بله واشرب ميته، مفيش الكلام ده. قانونًا مفيش حاجة اسمها أم تتنازل. لو بكرة رجعت في كلامها، هتاخده منك. بس تنيمك لحد ما يتنسي اللي حصل، وبعدها تقولك إبني عايزاه والحضانة بتاعتي وتاخده. فهمت؟"
مؤمن قعد مكانه وبيفكر في كلام فريد. معقول نور وافقت علشان تخدعه؟ بس مش معقول، ليه؟ دي مش طبيعتها. ده إذا كانت فكرت تخطف إياد علشان توجع قلب أمل وكريم، فإزاي مش هتخدعه هو؟
فريد: "أنا هكمل إجراءات الدعوى، والحضانة تبقى ليك. بعدها عايز تسمح لها تشوفه براحتك واعمل كل ما بدالك. بس تبقى في مركز قوة مش ضعف. وفي النهاية براحتك."
مؤمن بص له: "خلاص كمل إجراءاتك."
نادر كان في مكتبه لما الباب اتفتح بعنف، ودخلت نور: "قلتلي اتنازلي وهو موافق، وأديني كلمت المحامي وقلتله اتنازل. ودلوقتي المحامي بيكلمني يقولي ميعاد القضية ومؤمن مكمل؟ وثقت فيك وسمعت كلامك والنتيجة إنه مكمل القضية."
نادر وقف واتحرك من مكانه: "اهدي، مش فاهم منك حاجة."
نور بصوت عالي: "مش فاهم إيه؟ بقولك إنه ما اتنازلش ومكمل القضية!"
نادر بهدوء: "طيب، هكلم مؤمن وأفهم منه. انتظري."
اتصل بمؤمن ورد عليه: "مؤمن، نور لسه بتقولي إن المحامي بتاعك لسه مكمل في إجراءات الحضانة؟"
مؤمن بهدوء: "أنا فعلًا كلمت المحامي يتنازل، بس فهمت بعدها ليه نور مصرة تتنازل دلوقتي."
نادر باستغراب: "ليه؟ علشان تبقى في حياة إبنها؟"
مؤمن بتهكم: "علشان تضحك عليا، يا نادر. اللي عرفته إنه مفيش حاجة اسمها أم تتنازل عن حضانة. ولو اتنازلت وبكرة غيرت رأيها، تقدر تاخده. فالمحامي بتاعها أكيد قالها تضحك عليا وتقول هتنازل، وبعدين ترفع قضية تانية وتاخده. موضوع إن إيان تاه منها يتنسي شوية، وهي نفذت كلام المحامي. نادر، أنا هكمل القضية وهاخد حضانة إبني، لكن كلامي معاك مش هيتغير. بيتي مفتوح لها في أي وقت وهجيب إيان لجده وجدته في أي وقت. وكل كلامنا واتفاقنا زي ما هو، بس رسميًا الحضانة تبقى معايا. مش هفضل مهدد منها. ده يضايقك في إيه؟"
نادر بهدوء: "ما يضايقنيش، تمام يا مؤمن."
قفل معاه وبص لنور: "كلامه صح؟ كنتِ هتتنازلي لحد ما موضوع إيان يعدي ويتنسي وبعدها ترفعي قضية تانية؟"
نور سكتت ومتغاظة. نادر زعق: "ردي عليا! المحامي قالك تعملي كده وتضحكِ عليه؟"
نور بصوت عالي زيه: "أيوه! إبني وعايزاه، وهو لو كمل القضية هيتحكم له بالحضانة. فقلت نتنازل، وقدام شوية أخده منه."
نادر بص لها بذهول: "وليه كل ده؟ ليه يا نور؟ ما تسيبي إبنك مع أبوه وارجعي إنتِ كمان..."
قاطعت كلامه: "اعفيني من محاضراتك طالما مش هتساعدني."
زعق فيها: "أساعدك في إيه؟ إنتِ يوم واحد إبنك تاه منك، ولولا ستر ربنا مكنش رجع. أساعدك في إيه؟ تضيعي إبنك زي ما ضيعتي نفسك وضيعتي جوزك؟ إيان مكانه مع أبوه وده الصح."
نور خرجت من المكتب وهي بتزعق: "يبقى ما تلومنيش على محاولاتي أرجع إبني."
عفاف كانت قاعدة في بيتها مع والدتها، لسه بتستوعب اللي حصل من كام يوم لما لقيت إيان . كانت متوقعة إن الموضوع خلص عند مرواحه لبيته ، وإن محدش هيهتم بيها أكتر من كلمتين شكر على السريع، لكنها كانت غلطانة.
صوت زمامير العربيات الفخمة قطع هدوء الشارع الشعبي اللي عايشة فيه. الجيران طلعوا من البيوت، الأطفال وقفوا يبصوا بانبهار، والكل كان مستغرب موكب العربيات اللي وقف قدام بيت هاجر.
مؤمن نزل من العربية ومعاه كريم وأمل والعيال إيان وإياد، و وراهم كانت ناهد ومعاها والدة مؤمن سناء، وطبعًا حسن وعاصم الدخيلي، كأنهم جايين يقدموا تقدير رسمي. عفاف لمحتهم من الشباك، واتوترت، قلبها بدأ يدق بسرعة وهي مش فاهمة إيه اللي بيحصل.
والدتها بتوتر وهي تبص من الشباك وما شافتش أمل والعيال:
– يا بنتي، دول باينلهم ناس كبار، إيه اللي جايبهم عندنا؟!
عفاف بهمس وهي بتحاول تفهم :
– مش عارفة، بس شكلهم جايين لنا إحنا!
مؤمن وقف عند باب البيت، ورفع إيده يخبط بلطف، عفاف اترددت لحظة، لكن أمها شجعتها تفتح الباب وبتوتر
– اتفضّلوا... خير؟
مؤمن بص لها بنظرة احترام حقيقي، عيونه كانت مليانة امتنان، وبعد لحظة صمت قال بصوت واثق:
– أنا مؤمن والد إيان وجاي اشكرك على رجوع إبني وعلى اللي عملتيه معاه . إحنا جايين نقدّملك شكرنا، بس مش بالكلام، إحنا هنا عشان نثبتلك إن اللي عملتيه مش حاجة عادية بالنسبالنا، وإن المعروف ما يضيعش عندنا أبدًا.
عفاف اتلبكت، ما توقعتش إن الموضوع هياخد الحجم ده. الجيران كانوا متجمّعين حوالين المكان، وعيونهم كلها كانت على المشهد النادر اللي بيحصل قدامهم.
كريم وهو بيبتسم بهدوء:
– إنتِ بنت شجاعة، وعملتي اللي ناس كتير ممكن يتجاهلوه، أو حتى يستكتروا يتعبوا نفسهم عشانه. وإحنا كعيلة مش هنسمح إن كرمك ده يعدي من غير تقدير حقيقي.
سناء بصوت دافئ وهي تقرب من عفاف وتمسك إيديها بحنان :
– ربنا يجازيكِ كل خير يا بنتي، أنقذتي حفيدي، وده دين علينا.
دخلوا كلهم بيتها البسيط وهي ومامتها بيرحبوا بيهم ويضايفوهم .
والدة مؤمن كانت شايلة صندوق صغير ، فتحته قدام عفاف ، وكان جواه طقم دهب جميل، لامع بطريقة تخطف العين. عفاف فتحت عيونها بدهشة، وحست برجليها بتترعش.
عفاف بإحراج وهي تحاول ترفض :
– لا لا، مش للدرجة دي، أنا ما عملتش حاجة غير الصح...
حسن بحزم وهو بيبتسم لها بعرفان بجميلها :
– الصح اللي عملتيه ده كان فرق بين حياة وموت لينا، وإحنا عيلة ما ننساش الجميل ؛ إنتِ رجعتي روح العيلة .
عاصم بصوت هادي لكن فيه حزم :
– متحاوليش ترفضي، لأننا مش جايين نقدّم شكر وخلاص، إحنا جايين نفتحلك باب جديد ، إنتِ رجعتي حفيد الدخيلي .
عفاف رفعت عيونها بتساؤل، مؤمن مدّ إيده بورقة، والورقة دي كانت عقد وظيفة محترمة في الشركة عندهم، وظيفة بمرتب محترم يغيّر حياتها للأحسن.
كريم بابتسامة مشجعة:
– مش بس شكر، إحنا عاوزين نديكِ فرصة تكوني في مكان يليق بيكِ، لأنك تستاهلي.
عفاف بصت للورقة، وبعدين لمؤمن وعيلته، مش مصدقة اللي بيحصل. كانت طول حياتها شايلة هم الدنيا، ودايمًا كانت تحس إن الناس من طبقتها ما لهمش نصيب في الفرص الكبيرة... لكن النهاردة، العيلة دي كسّرت القاعدة.
عيونها دمعت وهي بتاخد الورقة من إيده، قلبها كان بيدق بسرعة وهي حاسة بمزيج من الفرح والرهبة. وبصوت مهتز من التأثر:
– شكرًا... والله مش عارفة أقول إيه...
حسن علق بابتسامة وهو يشاور لها بهدوء :
– قولي إنك تستاهلي الخير، واقبليه من غير تفكير.
الكل هاداها بحاجة بسيطة بالنسبالهم لكن كبيرة بالنسبالها وهي كانت مبهورة مش مصدقة إن فعلًا طاقة القدر اتفتحتلها .
مؤمن سألها عن تفاصيل اللي حصل وإزاي لقت إيان وهل راحت فعلا بيه القسم ولا ايه حصل ، وهي حكتله بالتفصيل الممل كل حاجة حصلت .
قبل ما العيلة تمشي، إيان نفسه كان معاهم، قرب من عفاف وهو ماسك إيد إياد في إيده، وبص لها ببراءة وهو بيقول بابتسامة طفولية :
– ده إياد
ابتسمت عفاف وسلمت على إياد : كان عندي فضول اعرف اياد ، اهلًا اياد
إياد كان معاه وردة أداها لعفاف مبتسم : عفاف حلوة
الكل ضحك و عفاف ابتسمت، وخدت الوردة، وعرفت في اللحظة دي إن الخير فعلًا بيرجع لصاحبه، وإن اللي عملته ما كانش مجرد موقف عابر... بل كان نقطة تحول في حياتها.
الجيران بصوا للمشهد بإعجاب وهم ماشيين من عندها ، والناس بدأت تهمس عن كرم العيلة دي واحترامهم للشهامة. كان يوم لا يُنسى، مش بس لعغاف، لكن لكل اللي شهدوا اللحظة دي.
بعد ما مؤمن وكريم عرفوا رجعوا من عند عفاف قرروا يروحوا يشوفوا ازاي ده حصل ؟ وازاي كان في حد عارف ان إيان حد لقاه لكن سكت وليه سكت .
الليل كان هادي برا، بس جوه القسم الدنيا مشتعلة. مؤمن وكريم دخلوا مع بعض، وشهم متجهم، غضبهم واضح في كل حركة. أول ما وصلوا عند الضابط المسؤول، مؤمن كان أول واحد يتكلم، وصوته كان عالي ومليان غضب وهو بيزعق:
– مين اللي كان ماسك البلاغ بتاع ابني؟! مين اللي قرر يمشي البنت اللي لقيته بدل ما يستجوبها أو حتى يديها فرصة تتكلم؟! وازاي يكون عندكم معلومة زي دي وما تبلغوناش بيها وتسيبونا نتخبط كل ده ؟
الضابط (بيحاول يهدّي الوضع وهو متحفّز)
– استهدى بالله يا باشمهندس ، الموضوع كان سوء فهم، كنا فاكرين إن البنت دي أم الولد، وإنها بتتصرف بشكل مريب، فسيبناها تمشي لكن ما تخيلناش ابدًا ان ده الطفل اللي بتدوروا عليه .
الكلام مكنش مقنع لأي حد وكريم ومؤمن بصوا لبعض بغيظ ، بعدها كريم بعصبية وهو بيرفع إيده بإشارة تهديد:
– سوء فهم؟! سوء فهم إيه اللي يخليكوا ترموا احتمال إنه تايه وتصدقوا إنه ابنها وهي عايزة تخلص منه؟! بعدين احنا جينا هنا وقولنا ان في عيل تايه ازاي ما تبلغوناش باللي حصل ؟
مؤمن كمان زعق وهو بيخبط بكفّه على المكتب بعنف:
– أنت بتقول كلام ما يدخلش العقل! يعني بدل ما تحققوا في الموضوع وتعرفوا الحقيقة، اخترتوا أسهل سيناريو يريح دماغكم، وقررتوا إن البنت دي أمّه وخلاص؟! طيب لما جينا هنا وبلغنا ؟ مفكرتش ليه ان البنت دي بتتكلم صح ؟
الضابط اتنحنح، باين عليه الارتباك، وبدأ يدور على مبررات، لكن كريم كان أسرع و بعينين بتلمع بالغضب وهو يشاور على العسكري اللي كان واقف جنب الضابط :
– انت اللي كنت واقف هنا ساعتها ؟ أنا فاكرك كويس ،انت اللي قررت انها أمه وهي بتخلص منه صح؟ ده اللي قرر يطردها من غير حتى ما يبلغ عن الموضوع؟ ما بلغتناش ليه ؟
العسكري ابتلع ريقه بخوف، وبص للضابط اللي حس إن الدنيا بتفلت من إيده فاتكلم بتلعثم وهو يحاول يبرر :
– أنا.. أنا بس كنت شايف إنها مش طبيعية، وطريقة كلامها كانت مريبة، فقلت نخلّص منها بسرعة بدل ما تعمل دوشة.
مؤمن بصوت ناري وهو يقرب منه بخطوات غاضبة:
– دوشة؟! ابني تايه وإنت بتقول "دوشة"؟! لو مكانتش البنت دي ملاك في صورة بني آدم، كان زمان ابني فين دلوقتي؟ في الشارع؟ مخطوف؟ في خطر؟!
كريم بحدة وهو بيواجه الضابط:
انا عايز افهم ازاي ما بلغتوناش ان في بنت جتلكم بعيل صغير ونفس مواصفات ابننا ؟ ازاي عديتوا ده كده ؟
الاتنين بصوا لبعض بخوف وتوتر و العسكري وطى على ايد مؤمن يبوسها برعب : حقك عليا يا باشا ، انا اخدت رقمها بس الورقة ضاعت مني وخوفت ابلغكم اتجازى ، قولت اكيد هي هترجع تاني بيه
مؤمن شد ايده بسرعة وبصله باشمئزاز : خوفت ؟ ولا طمعت في المكافأة لنفسك ؟ قولت تيجي تاني وانا اخده منها واقبض المكافأة صح كده ؟
مردش والظابط الثاني حاول يبرر : معلش يا باشمهندس الحمدلله انه رجع بالسلامه ، اكيد محدش كان قصده حاجة وحشة تحصل
كريم بغضب :
– لا، استنى، إنت كمان مش بريء! انت المسؤول هنا، ولو كنت بتعمل شغلك صح، ماكنّاش هنوصل للمهزلة دي!
الضابط حسّ إنه محاصر، كريم ومؤمن كانوا زي العاصفة، وصوتهم بدأ يجذب انتباه باقي الضباط في القسم. قبل ما الضابط يرد، الباب اتفتح ودخل رئيس المباحث بعد ما وصله خبر إن في مشكلة كبيرة جوه القسم.
رئيس المباحث بنظرة صارمة وهو بيبص للضابط والعسكري:
– إيه اللي بيحصل هنا؟ حد يشرحلي في ايه؟!
مؤمن بغضب مكتوم ونبرة تهديد واضحة:
– سيادتك، ابني كان تايه، وبنت محترمة لقته وجابته لحد هنا، لكن الفالحين دول قرروا إنها مشكوك فيها، وطردوها بدل ما يسمعوا منها. لو ماكنتش موجودة، كان زمان ابني في عداد المفقودين!
رئيس المباحث يلقي نظرة باردة للضابط والعسكري، وبعدها بصوت قاطع :
– العسكري ده يتحوّل للتحقيق فورًا، والضابط اللي ماسك البلاغ يتحاسب على الإهمال! أنا مش هقبل بالتهاون ده، واللي مش قد شغله يشوفله مكان تاني!
العسكري والضابط وجههم اتغير، وعرفوا إن العقاب جاي لا محالة. مؤمن وكريم تبادلوا نظرات الانتصار، لأول مرة من وقت اختفاء إيان، حسّ مؤمن إنه رجّع حقه، وإن اللي تسببوا في الرعب اللي عاشه هيدفعوا تمن غلطتهم.
قبل ما يخرجوا، مؤمن وقف قدام رئيس المباحث وقال بحدة:
– واللي حصل مع هاجر، ياريت ما يتكررش تاني أبدا ، لازم نسمع لشكوى الناس ما نفترضش الاسوأ ! البنت دي تستحق شكر وتكريم، مش طردها زي ما حصل.
رئيس المباحث أومأ برأسه، وكان واضح إنه فاهم إن الموضوع بقى كبير ومش ممكن يتسكت عليه. مؤمن وكريم خرجوا من القسم، وهما عارفين إنهم مش بس رجّعوا حق إيان، لكن كمان علّموا درس لكل واحد استهتر بأمان طفل بريء.
الأيام بتعدي ببطء وكل واحد منتظر حاجة مهمة في حياته وخطوة يخطوها لقدام.
سيف وسبيدو بيدوروا على زايد، وبعد ما وصلوا له عرفوا منه إن فادي يس في باريس، فحبسوه مع رجالتهم وسافروا الاتنين على باريس.
مؤمن تحددت قضية الحضانة، وبسبب اختفاء إيان قدر يكسب الحضانة لصالحه. بس قبل ما يخرج من المحكمة وقف قدام نور:
زي ما قولت لأخوكِ، مفيش حاجة هتتغير، بيتي مفتوح ليكِ في أي وقت، وإيان هاخده لجده وجدته في أي وقت يحبوا يشوفوه. القضية دي مش هتفرق معايا نهائي يا نور.
نور بتهكم:
إنت بتمنّ عليا يعني؟ أنا هرفع...
مؤمن قاطعها:
أنا قولت اللي عندي، مهاتراتك دي احتفظي بيها لغيري. إبنك عايزة تشوفيه، أهلا بيكِ في أي وقت. براحتك بقى تشوفيه أو لا، دي حاجة ترجعلك. اللي عندي قولته، بعد إذنك وربنا يوفقك يا نور ويرزقك باللي تتمنيه.
سابها ومشي قبل ما ترد، وهي واقفة تراقبه بيبعد عنها. فجأة دمعة نزلت من عينها، سألت نفسها: معقول خسرته خلاص بجد؟ مش هيعافر علشانها تاني؟ مش هيحن؟ مش هيرجع؟ خسرته زي ما خسرت الحضانة؟
مسحت دمعتها بعنف وتعهدت إنها مش هتضعف تاني، وكل اللي اتخلوا عنها مش عايزاهم في حياتها أصلًا.
الكل بيهني مؤمن على حضانة ابنه، بس في نفس الوقت الكل مشغول بنتيجة تحليل الـ DNA لكريم.
المعمل اتصل بكريم وبلغوه إن النتيجة طلعت ولازم يروح يستلمها، راح بسرعة وجاب الظرف مقفول ورجع البيت، كانت أمل في انتظاره ومعاها ناهد وحسن، والكل مترقب.
كلهم وقفوا، كريم مسك الظرف:
ما فتحتوش.
حسن بتوتر:
ليه منتظر ايه؟ افتحه خلينا نقفل الموال ده.
كريم قرب من أبوه ومد إيده بالظرف:
افتحه حضرتك.
حسن، مع إنه متوتر، أخد الظرف وفتحه، الكل مترقب ينتظر ابتسامة على وشه وفرحة، لكن صمته طال وملامحه بدأت تتغير للصدمة.
ناهد مسكت دراعه:
في إيه؟ ما تنطق يا حسن، وقعت قلبي.
حسن بص لابنه مصدوم، ثم بصلها:
نسبة التطابق ٩٩.٩٪.
أمل وكريم الصدمة لجمتهم، أما ناهد فهزت دراع حسن بعنف وهي رافضة تستوعب:
يعني إيه؟ مش فاهمة أنا؟ إيه نسبة تطابق وكلام فاضي؟
حسن زعق:
يعني إبنه، العيل اللي في بطنها حفيدك.
ناهد صرخت برفض:
لا لا ما أصدقش، تلاقيها اشترت الناس اللي في المعمل.
بصت لإبنها وأمل ومسكت كريم:
قولي عملتها إزاي؟ زورت النتيجة، صح؟ كريم، رد عليا. أمل، فهميني إنتِ؟
أمل بتوهان:
كانت بتتكلم بثقة، من الأول خالص وهي بتتكلم بثقة.
كريم ما قدرش ينطق، عقله بيحاول يحلل: إزاي ده حصل؟ هل اشترت الناس اللي في المعمل؟ لكن ده صعب، لأنه هو اللي إختار المعمل. طيب، زورت النتيجة؟ عملتها إزاي؟
وأخيرًا، وصل مؤمن عندهم، فكريم وقف بلهفة:
عملت ايه؟
مؤمن قرب وبصلهم كلهم:
هو في إيه؟ مالكم؟
كريم بنفاد صبر:
عملت إيه الأول؟
مؤمن طلع كذا ظرف:
النتايج أهي، من المعملين اللي سلمناهم العينات. اتفضل.
كريم أخد الظرف من مؤمن وفتح أول واحد بسرعة، اتصدم من النتيجة ورمى الظرف على الترابيزة، بعدها فتح الثاني وهو بيقطع الظرف بعصبية، وبعدها قعد باستسلام وهو مش مصدق.
محدش فيهم احتاج يسأله لأن النتيجة واضحة على وشه، إلا مؤمن:
في إيه؟ النتيجة إيه؟
محدش رد، فمسك مؤمن الورقة اللي في إيد كريم وقرأها واتصدم زيهم:
إزاي يعني تطابق؟ تطابق إيه؟
حسن سأل بقلق:
مين يعرف إنكم عملتوا التحليل في معملين تانيين؟
مؤمن رد:
ولا أي حد، مفيش غيرنا إحنا التلاتة، حتى أمل ما تعرفش. إزاي يعني تطابق؟ أنا مش فاهم.
كريم ردد بتوهان:
تفتكر عملتها إزاي؟ إزاي خلت المعامل تقول إن ...
مؤمن برفض:
تلاقيها زورت العينة نفسها، ولا رشت المعمل، ولا...
حسن قاطعه بنرفزة:
تلاقيها إيه يا مؤمن؟ رشت المعمل إيه؟ إحنا ودينا العينات لكذا معمل ومحدش يعرفهم غيرك إنت! ده أنا قولتلك خدهم وديهم لأي معمل وما تقولش لا ليا ولا لكريم. يبقى إيه بقى؟
الصمت سيطر على الكل، ومحدش عنده أي تفسير منطقي للي حصل. أمل وقفت:
بعد إذنكم، أنا هطلع أوضتي.
كريم حاول ينطق أو يتكلم بس مقدرش، معرفش يقولها إيه.
ناهد وقفتها برجاء:
أمل، استني. إنتِ...
سكتت لأنها معرفتش تقولها إيه. أمل اتنهدت:
محتاجة أرتاح شوية، اعذريني يا نونا، بعد إذنك.
كملت طريقها لفوق، وناهد فضلت متبعاها لحد ما اختفت. قامت مسكت إبنها من دراعه:
عملتها إزاي؟ فهمني! إنت ليك علاقة بيها؟
كريم وقف باستنكار:
عمري! عمر ما كان ليا علاقة بأي حد.
حسن وقف في وشه وزعق:
طيب فهمني!إديني عقلك وفهمني! قولي أي حاجة وهصدقها. قولي هي حامل منك إزاي؟
كريم زعق زيه:
معرفش!
حسن مكمل بعصبية:
يعني إيه ما تعرفش؟ ها؟ يعني إيه؟ حامل والعيل اللي في بطنها إبنك. يبقى إزاي ما تعرفش؟ رد عليا!
كريم زعق بانهيار:
معرفش، أنا معرفش!
حسن:
أمال مين يعرف؟ ها؟
مؤمن دخل ووقف بينهم:
عمي، مش كده الكلام. هو في لعب في الموضوع، محتاجين نهدى علشان نعرف إزاي ده حصل.
حسن بصله بنرفزة:
أديني هديت. قولي حصل إزاي؟ ده حمل، مش لعب عيال! في إبنه في بطنها! قولي ده حصل إزاي؟
مؤمن بحيرة: معرفش، بس أكيد في تفسير منطقي.
حسن بتهكم: هو فيه، بس سيادته مش عايز يعترف بيه.
كريم بصله بصدمة: قصدك إيه؟ هاه؟ أنا عمري في حياتي كلها ما لمست واحدة غير مراتي، فاهم؟ عمري ما عملتها ولا هعملها. أنا بحب مراتي، وبحب بيتي، وبحب حياتي.
حسن بتهكم مماثل: أمال مين اللي من شوية كان بيقول اتسرعت في حياتي ومراته مش عجباه، وبيفكر يسيبها بحجج واهية ملهاش تلاتين لازمة؟ مش إنت؟
كريم الصدمة لجمته للحظة، بعدها باستنكار: إنت بتقول إيه؟ واخد بالك بتقول إيه؟ أنا بحب مراتي.
حسن زعق: مش بالكلام! سيادتك في واحدة حامل منك.
كريم مكنش عارف يرد على اتهام زي ده: طيب أنا مبحبش مراتي، مش بحب أمل، بس إنت شايف إن دي أخلاقي؟ أنا كريم إبنك، دي أخلاقي؟ أنا ممكن أخلي واحدة حامل مني وبعدها أقولها ماليش دعوة ومع السلامة؟ إنت ربتني كده؟
حسن دور وشه بعيد، معندوش رد ومش عارف يقول إيه ولا يتصرف إزاي. عقله متوقف، واحدة بتتهم إبنه إنه خلي بيها وهو كانت ثقته فيه بلا حدود، لكن تحليل الـDNA قال إنه إبنه. إزاي يفكر بعد كده؟
كريم بترجي: قولي، دورت وشك بعيد عني ليه؟ دي أخلاقي؟
حسن بصله من فوق كتفه: أنا مبقتش عارف أي حاجة. اللي عارفه إن في واحدة بتتهمك بهتك عرضها وبوعدك لها بالجواز، ودلوقتي حامل في إبنك. تحليل الـDNA قال إنه إبنك. ده حصل إزاي؟ معنديش تفسير. بعد إذنكم.
حسن سابهم وطالع أوضته. أمل أول ما حست بيه جريت لأوضتها، قفلت الباب وقعدت على سريرها تعيط بصمت.
محدش فيهم قدر ينطق حرف بعد ما حسن طلع. ناهد وقفت بتهالك، حاولت تطلع وراه، بس كريم مسك دراعها:
أمي، أنا أقسم بالله عمري ما لمست واحدة غير مراتي. إنتِ مصدقاني، صح؟
ناهد ربتت على إيده، ومعرفتش تقول أي حاجة. سابته وطلعت، وقفت قدام أوضة أمل، سامعة عياطها. مدت إيدها تخبط على الباب، لكنها وقفت. هتقولها إيه؟ هتدافع عن إبنها؟ طيب، هتقولها إيه؟
ملقتش أي حاجة ممكن تقولها. بعدت عن الباب ودخلت أوضتها.
كريم فضل مكانه، قصاده مؤمن اقترح:
إيه رأيك لو نعيد الاختبار تاني؟ وهاخد العينات أنا بنفسي ووديهم لكذا معمل و...
قاطعه كريم بيأس: وإيه؟ ولو النتيجة فضلت زي ما هي، هعمل إيه؟
مؤمن معرفش يرد وفضل ساكت، كريم فجأة وقف وطلع خطوة ناحية السلم، لكنه وقف تاني وبص له بتوهان: تفتكر أمل هتصدقني؟ هتعرف تلاقيلي عذر في الوقت اللي أنا مش عارف ألاقي فيه عذر أو حاجة منطقية أقولها؟
مؤمن لأول مرة مش لاقي حاجة يقولها، وكريم كمل: تفتكر أمل ممكن تسيبني بجد وتروح بيت أبوها؟ وتاخد إياد وتمشي؟ تفتكر ممكن تحرمني من إبني؟ طيب لو عملتها بجد، هقدر أقف في وشها وأقولها تسيب إياد؟ طيب إيان هيبقى إيه وضعه؟ هتاخده هو كمان؟ هتسيبه؟ هتفرق إياد وإيان عن بعض؟
بص لمؤمن بتوتر: إنت مش بترد عليا ليه؟ أنا أعمل إيه؟
مؤمن رد بحيرة: معرفش يا كريم، معنديش أي إجابة لأي سؤال سألته، فمعرفش أقولك إيه.
كريم قعد بانهيار، مؤمن قرب منه: بس اللي أعرفه إن ربنا عادل وما بيقبلش الظلم، فاللي حصل هيتعرف حصل إزاي، لكن إمتى؟ ده شيء في علم الغيب.
أمل دخلت أوضتها بتحاول تلاقي تفسير منطقي أو تحلل اللي حصل ده حصل إزاي؟
موبايلها رن، كانت ناريمان، فردت عليها. قبل ما تنطق، ناريمان بدأت الكلام: اتصلت بالمعمل، قالوا إنكم استلمتوا النتيجة. فإيه النتيجة؟ صدقتي إنه إبن كريم؟ أنا مكدبتش عليكِ لما قلتلك إننا بنحب بعض، بس هو خايف ياخد خطوة معايا بسببك. ممكن تسيبيني أخد خطوة مع حبيبي؟
أمل ردت بدفاع واهي: زورتي النتيجة إزاي؟ هاه؟
ناريمان ضحكت ضحكة مستفزة: بجد مصدقة إني أزور حاجة زي دي؟ أنا حامل في إبن كريم المرشدي، سيادتك هتفضلي دافنة راسك لحد إمتى؟ أنا علاقتي بكريم مش جديدة. إنتِ متخيلة إن وجودي في نفس رحلة شهر عسلكم كان صدفة؟ وإن قعدتي قدامكم في الطيارة كانت صدفة؟ بجد إنتِ هبلة للدرجة دي؟
أمل عنيها وسعت بصدمة وهي بتسمع ناريمان اللي كملت: أنا كنت على علاقة بكريم من زمان لأنه كان بيتعامل مع بابي من زمان، وفي شهر العسل اشترى العربيتين وبعتهم عن طريقه. معقول كل ده صدفة؟
أمل حاولت ترد بأسلوب واثق: ومسح موبايلك كان إيه؟ لما هو بيحبك؟
ناريمان ردت بنبرة فيها أسف كاذب: قرصة ودن، عقاب، سميه زي ما تحبي. قالي ما أظهرش في الصورة ولا أضايقك، وأنا عاندته وحجزت على نفس الرحلة معاه، فحب يعاقبني بطريقته ويأدبني لأني عصيته. أنا رضيت بعلاقة في السر معاه، وعايزني أفضل في السر. قلت مش مهم، أنا بحبه وهو بيحبني، لكن دلوقتي في بيبي. بكرة هيكبر ويقولي بابي فين؟ معدش ينفع أفضل ساكتة. أمل، إنتِ أم وعارفة إبنك بيحب أبوه إزاي. إبني كمان من أبسط حقوقه إن أبوه يكتبه باسمه. أنا كلمتك كزوجة وحبيبة وأم، والباقي عندك.
قفلت المكالمة بدون ما تستنى تسمع رد من أمل، اللي فضلت جامدة مكانها. بتحاول تعصر دماغها: من يوم ما عرفت كريم للنهاردة، ناريمان كانت فين في حياته؟ هل هي كذابة في كله ولا صادقة في كله؟ طيب، لو كذابة، إزاي حامل في إبن كريم؟
همس مش قادرة تقعد في أوضتها من غير سيف، فبتاخد كتبها وتنزل تذاكر في أوضة المكتب أو التراس أو الجنينة في النهار، المهم ما تقعدش في أوضتها.
كانت بتذاكر في المكتب والباب خبط عليها، فأذنت بالدخول، لقت عز الصياد قدامها. وقفت بحرج، لكنه ابتسم: اقعدي، وقفتي ليه يا همس؟ بتذاكري إيه؟
ردت وهي محرجة: بذاكر سيستم. حضرتك محتاج تقعد في المكتب؟ لحظة هفضيه و...
قاطعها بسرعة: لا يا بنتي، أنا جيت أطمن عليكِ وأشوفك لو محتاجة حاجة. (قرب وقعد قصادها) لو هتفضلي متوترة كده هسيبك براحتك، بس قولت أقعد معاكِ شوية في السيستم، إيه رأيك؟
همس رحبت جدًا وقعدت معاه أكتر من ساعتين، لمت فيهم كل اللي واقف قدامها. بعدها سابها وانسحب تكمل مذاكرتها.
إياد طلع عند أبوه ومعاه إيان بيشدوه، بس هو ساب إيد إبنه: إياد، سيب بابي دلوقتي.
إياد بص لأبوه مش فاهم ماله وليه ساكت بالشكل ده وليه مش مبتسم زي كل مرة بيشوفه. إيان كمان قرب منه مستغرب وبص لأبوه اللي وقف: تعالوا، إنتو الاتنين.
الاتنين مسكوا إيديه، وهو بص لكريم: العيال معايا، اطلع لأمل شوفها واتكلم معاها.
كريم بيأس: أقولها إيه؟ أنا مش عارف أفكر مع نفسي، فهقولها هي إيه؟
مؤمن بتشجيع: كريم، إنت مش محتاج تتكلم معاها، إنت بس محتاج تكون معاها.
كريم وقف وطلع لأوضته، مش عارف يدخل، وخصوصًا لما سمع صوت عياطها. فكر يسيب البيت ويخرج، بس برضه مقدرش يعمل ده. واقف قدام الباب، لا قادر يمشي ولا قادر يفضل.
أمل قاعدة بتمسح دموعها اللي بتنزل غصب عنها. موبيلها نور، بيعلن عن وصول رسالة. فتحتها، كانت من ناريمان. فكرت ما تفتحهاش، بس لاحظت إنها صور. فضولها منعها تتجاهلها، ففتحتها، وياريتها ما فتحتهم. فضلت باصة للصور، مش قادرة ترفع عينيها عنهم. وصلتها رسالة تانية منها:
(مكنتش حابة إني أبعت صورنا الخاصة جدًا دي، بس إنتِ مصرة تهمشي علاقتي بحبيبي. علاقتنا حب وبس، حب ظاهر في الصور، أعتقد. كنت بتمنى كل حاجة تحصل بهدوء، بس إنتو أجبرتوني أخد الخطوة دي. زي ما بتقولي جوزك مش هتتنازلي عنه، فأنا زيك، حبيبي وأبو إبني مش هتنازل عنه أكتر من كده. ده دوري، ودي حياتي وحياة إبني، لازم أحارب علشانه).
سابت الموبيل من إيدها، مش عارفة تعمل إيه؟ تنسحب فعلًا من حياته؟ ناريمان عندها حق؟ ولا دي لعبة تانية كبيرة داخلين فيها ومحتاجة منها تكون أقوى؟ ليه كل حاجة فيها صعبة بالشكل ده؟ ليه العاصفة المرة دي إعصار بيشيل كل حاجة في وشه؟ وهل المرة دي هيدمرهم ولا حبهم أقوى من كل حاجة حواليهم؟
الباب اتفتح، ودخل كريم قعد قصادها. مارفعتش وشها تبصله، فضلت قاعدة مكانها ضامة ركبها بإيديها وبتعيط.
مد إيده يلمسها: أمل، أنا...
بعدت رجلها عنه ومقدرتش ترفع عينيها له. رد فعلها صدمه. معقول هتصدقه؟ طيب لو صدقت، هيدافع عن نفسه إزاي قدامها؟
قرب أكتر منها: أمل!
مردتش وغمضت عينيها تعيط أكتر. قرب أكتر: أمل، بصيلي، أرجوكِ.
ما رفعتش وشها، فكمل برجاء: أوعي يا أمل تخليني أحارب قصادك إنتِ كمان. أوعي.
كلامه كان ترجي وهمس وألم، فهي مسكت موبيلها حطته في إيده: ناريمان كلمتني وبعتتلي الصور دي.
كريم مسك موبيلها يشوف آخر رسالة، فقرأها بسرعة: تولع هي وإبنها، ولو مش هعرف أعمل حاجة، هقتلها بإيدي يا أمل.
أمل رفعت عينيها له: شوف الصور اللي بعتاها قبل ما تتكلم.
كريم زعق: مش هشوف صور، يا أمل. مش عايز أشوف صور، مش عارف هي عملتها إزاي، ولا...
قاطعته أمل بتحذير: شوف الصور، يا كريم.
كريم أخد الموبايل وفتح الصور واتصدم، أكتر من صدمته بنتيجة التحليل. أول صورة كانت هو نايم في حضنها، الاتنين بدون أي شيء، وهو دافن وشه في رقبتها وهي ضماه وهو فوقها.
الصورة التانية كان نايم على ظهره، وهي فوقه، شعرها نازل على وشه، وبرضه مفيش أي هدوم لابسينها.
الصورة التالتة كان نايم على بطنه، وهي نايمة فوقه، وإيديها حواليه، وإيديهم ماسكين بعض.
شاف الصور وهو مصدوم: ده أنا ما اتصورتش صور زي دي حتى مع أمل، إزاي هي عملت الصور دي؟
بص لأمل مش عارف ينطق: الصور متفبركة... أيوه، متفبركة.
أمل ضحكت بتهكم: بجد يا كريم؟ متفبركة؟
كريم بانهيار: أنا ما اتصورتش صور زي دي، ولا يمكن أتخيل ان أتعمل لي صور بالشكل ده، أنا ما عملتش كده حتى معاكِ.
بصتله بتهكم: أيوه، تخيل! ما عملتش كده معايا أنا. ناريمان بتقول إن علاقتكم من قبل ما تتجوزني، وإن وجودها في الطيارة معانا مكنش صدفة. كانت بتهددك إنها هتكشف علاقتكم لأنها اتوجعت لما اتجوزتني.
كريم بذهول: وأنا أمسحلها الموبايل وكل حساباتها؟ حبيبتي وهعمل فيها كده؟
أمل وقفت قصاده: أيوه، كنت بتعاقبها على تهورها. قرصة ودن ليها.
كريم بتهكم: أمحيها تمامًا ده عقاب يا أمل؟
أمل بتأكيد: طول عمرك قاسي في رد فعلك يا كريم، أيوه.
كريم بتعجب: أنا قاسي؟
أمل صرخت بتأكيد: أيوه، قاسي جدًا كمان، وردود أفعالك غبية. فلما تقولي إنك عملت ده عقاب ليها، ما أستغربش أبدًا لأنك فعلًا تعملها.
كريم باستسلام: طيب، أنا ردود أفعالي غبية وعصبي. بس أنا خاين يا أمل؟ أنا أهتك عرض واحدة، وأتسبب في حملها، وأخلى بيها؟ أنا كده يا أمل؟
هي دورت وشها بعيد، فوقف قصادها، مسك وشها وعينيه بتلمع بالدموع وبترجي: أنا كده يا أمل؟ دي أخلاقي؟
بعدت إيده عن وشها وهربت من عينيه: كريم، أنا مش عارفة ولا قادرة أفكر. أرجوك إديني شوية وقت أستوعب اللي بيحصل حواليا وأفهم الدنيا جرى فيها إيه. أرجوك، سيبني لوحدي شوية.
كريم بترجي: بس أنا مش عايز أكون لوحدي دلوقتي، عايزك معايا. تقفي جنبي. أنا واقف بيكِ يا أمل، فأوعي تتخلي عني وتسيبيني لوحدي.
أمل سابت دموعها تنزل: عايزة أفضل جنبك، ومش عايزة أبعد عنك، وعايزة أحافظ على بيتي، بس مش عارفة إزاي؟ مش عارفة أعمل إيه؟ مش عارفة أفكر ولا قادرة أفكر. علشان كده بقولك سيبني لوحدي شوية أعرف أرتب أفكاري ومشاعري جوايا.
سابها وخرج. نزل تحت فقابله مؤمن اللي أول ما شافه قرب منه: رايح فين؟
كريم بيحاول يتماسك: مش عارف، بس محتاج أخرج من هنا. ناريمان بتقول لأمل إنها على علاقة بيا من قبل ما أتجوزها، مش دلوقتي بس. أنا محتاج لهوا، لأني هتخنق هنا.
سابه وخرج. مؤمن فضل مع العيال مش عارف إيه اللي بيحصل حواليهم، ومين عايز يدمرهم بالشكل ده؟
همس كملت مذاكرتها لحد آخر الليل وطلعت أوضتها تحاول تنام، لكنها كانت مفتقدة جوزها جنبها.
مسكت موبيلها وكتبت رسالة: (صاحي؟ أنا نسيت إزاي كنت بنام قبل ما اتجوزك؟ محتاجة حضنك أنام فيه).
بعتت الرسالة ومكنتش منتظرة رد، لأنه أكيد نايم دلوقتي. فكرت إنه ممكن يرد الصبح أول ما يشوفها.
حطت الموبايل على الكومود جنبها، وبعد شوية جالها إشعار رسالة. استغربت، لكن دقات قلبها أكدت إنه هو اللي رد.
مسكت الموبايل بسرعة وفتحت الرسالة: (نسيت النوم وأحلامه، نسيت لياليه وأيامه، بعيد عنك حياتي عذاب، ما تبعدنيش بعيد عنك.)
ابتسمت وكتبت: (إيه اللي مصحيك لحد دلوقتي؟)
سيف كان في أوضته في الفندق اللي نازل فيه هو وسبيدو، وقاعد مش عارف ينام. كل ما يمسك الموبايل يكلم همس يتراجع، لأنه الوقت متأخر ومش عايز يقلقها. أول ما وصلته الرسالة منها فرح بيها جدًا.
قرأ آخر رسالة منها وكتب بسرعة: (حبيبتي، بعيد عن حضني وعن عيني ومشتاق لها، هيجي النوم إزاي لواحد باله وقلبه مشغول على حبيبته؟ طمنيني عنك، حد بيضايقك؟ بتذاكري؟ كويسة؟)
هي اتنهدت باشتياق وكتبت: (حبيبي، بجد أنا كويسة، مشتاقة لك وبس. غير كده الحمد لله كله تمام.)
سألها: (أمي بتضايقك ولا الدنيا إيه بينكم؟)
خوفه وحبه حسسوها بالاهتمام، فكتبت: (لا الحمد لله مفيش أي حاجة حصلت من ساعة ما سافرت، يا روحي. سيف، هتيجي إمتى؟ إنت قولت يومين تلاتة، وقربت تكمل أسبوع، مش كفاية؟)
سيف تعب من الكتابة واستغرب أصلاً ليه بيكتبوا؟ ما هو أول رسالة وعرفوا إنهم الاتنين صاحيين. اتصل بيها مكالمة فيديو، وهي اتفاجئت باتصاله وردت بسرعة وهي متوترة، لأنها أول مرة يتكلموا فيديو بعد جوازهم، وما اتكلموش فيديو غير مرة واحدة قبل كده.
ابتسم أول ما شافها: حبيبتي وحشتيني بجد، عاملة إيه يا روحي؟
ابتسمت زيه وافتكرت أول مرة اتكلموا فيها: الحمد لله كويسة. المسألة الثامنة، إنت حليتها إزاي؟
ابتسم لأنه افتكر إن ده كان نفس سؤالها أول مرة كلمته: هقولك نفس اللي قولته قبل كده، أنا مش حافظ المسائل بأرقامها. يا تقرأي المسألة، يا تكلميني مكالمة فيديو وأشوفها.
ضحكت: بجد فاكر؟
اتنهد: طبعًا فاكر يا روحي. ويومها كان إحساسي نفس إحساسي دلوقتي بالظبط.
همست: اللي هو إيه؟
ضغط على الموبايل في إيده: إحساس بالحرمان، بالتمني. كان نفسي ساعتها تبقي مراتي وأقدر أقرب منك وألمسك، أبعد شعرك بإيدي عن وشك، وأشيلك من على الكتب والورق وأخدك لسريري وفي حضني. اتمنيت ده يومها، بس أهو بقيتي مراتي ولسه عندي نفس الأمنية.
همست بحب: وحشتني بجد.
رد بهمس زيها: وإنتِ كمان وحشتيني.
مكالمتهم استمرت أكتر من ساعة، حاول فيها يحسسها بحبه وشوقه ولهفته عليها.
لاحظ أن الوقت اتأخر، فأنهى المكالمة معاها علشان تقدر تروح الصبح كليتها.
أمل فضلت في أوضتها، كل شوية تشوف الصور وتحاول تقنع نفسها إنها متفبركة. أخيرًا، قامت جابت اللاب بتاعها وحاولت تثبت إنها متفبركة، لكنها اكتشفت إن الصور مفيهاش أي لعب أو تعديل، الصور طبيعية وهو فعلًا متصور معاها، لكن السؤال: إزاي؟ كريم خانها بجد؟
أخيرًا قررت تعيد التحليل. اتصلت بناريمان اللي ردت عليها بسرعة وطلبت منها تعيد التحليل. ناريمان ضحكت قبل ما توافق وقالت إنها هتقابلها في المستشفى بعد ساعتين، زي ما أمل طلبت.
نزلت من أوضتها، الكل وقف يستقبلها، بصتلهم وصبحت عليهم وسألت عن كريم.
مؤمن رد: "هو نزل من بالليل وما رجعش، كلمني قال حابب يكون لوحده."
أمل هزت دماغها بتفهم، بعدها طلعت موبيلها واتصلت بيه، فرد عليها بسرعة: "أيوه يا أمل."
أمل باقتضاب: "هنتقابل بعد ساعتين في المستشفى عند الدكتورة، هنعيد التحليل تاني."
كلهم بصوا لها باستغراب، وكريم سأل: "وهي وافقت تعيده؟"
أمل: "أيوه وافقت. تعال البيت، افطر وغير هدومك، وننزل مع بعض. في انتظارك."
قفلت قبل ما تسمع رده، بعدها بصت لهم: "إيه، مش هتفطروا ولا فطرتوا من غيري؟"
ناهد ابتسمت لمحاولتها: "لا يا قلبي، عمرنا ما نفطر من غيرك."
نادت أم فتحي وطلبت منها تجهز الفطار بسرعة.
قعدوا الأربعة مع بعض، محدش قادر يقطع الصمت لحد ما مؤمن سأل أمل: "إنتِ مصدقة إن كريم على علاقة بيها؟"
أمل بصت له بحيرة، بعدها اتنهدت بتعب: "لا يا مؤمن، مش مصدقة، بس هي كلمتني وقالت إن علاقتهم قديمة."
ناهد بغيظ: "قديمة إزاي يعني؟"
أمل وضحت لهم المكالمة اللي دارت بينها وبين ناريمان، وناهد وحسن كانوا بيسمعوها مصدومين.
حسن علق: "كريم لا يمكن يكون على علاقة بيها من زمان ومخبي عننا. دي مش أخلاقه."
أمل أكدت: "عارفة يا عمي إنها مش أخلاقه."
وصل كريم، وكلهم سكتوا بدخوله. قبل ما يتكلم، خرجت أم فتحي اللي مش فاهمة إيه اللي بيحصل، لكنها حاسة إن في مصيبة في البيت: "الفطار جاهز، يلا."
أمل وقفت أول واحدة، بصت لناهد وحسن: "يلا نفطر، خلونا نعرف نفكر هنعمل إيه."
عدت من قدام كريم: "تعال افطر."
مسك إيدها: "استني أنا..."
قاطعته بنظرتها لعينيه: "هنفطر، وبعدها نتكلم. يلا علشان باباك ومامتك."
قعدوا يفطروا أو مثلوا إنهم بيفطروا. بعدها، كريم استأذن يطلع أوضته يغير هدومه قبل ما يروحوا معادهم.
شاف اللاب بتاع أمل مفتوح، قرب يشوف الصور بنفسه. الصور كانت طبيعية، إزاي حد يصوره في أوضاع زي دي بدون ما يعرف؟ هو نفسه هيتجنن.
أمل دخلت، لقته قدام الصور واقف وتايه. قلبها بيقولها تروح لجوزها وتاخده في حضنها، لكنه مش عارف يفسر اللي بيحصل.
أخيرًا نطقت: "ميعادنا قرب. يدوب تاخد شاور وتغير هدومك."
قرب منها، فهربت من عينيه. مسك وشها وبص لعينيها: "معنديش تفسير لكل اللي بيحصل، بس أنا محبتش ولا هحب غيرك. ولا عمري لمست واحدة غيرك. إنتِ وبس يا أمل، مراتي وحبيبتي وأم إبني. اللي بيحصل ده إزاي؟ معنديش إجابة."
ما انتظرش منها رد ودخل يستعد. خرج أخدها وراحوا المستشفى. قبل ما ينزلوا، بص لها: "لو النتيجة..."
قاطعته: "مش عارفة يا كريم. ما تسألنيش أسئلة مش هعرف إجابتها. يلا بينا."
نزلوا، وكانت ناريمان في انتظارهم. أول ما أمل لمحتها، مسكت إيد كريم اللي قلبه دق بمسكة إيدها، فضغط على إيدها وكأنه بيقول: "إنتِ وبس ومفيش غيرك."
بصتله، ولاحظت نظرته لها. كان نفسها تصرخ وتقوله إنها بتحبه، وإنها مستحيل تبطل تحبه مهما حصل.
ناريمان شافتهم، واتضايقت أول ما شافت نظراتهم لبعض وإيديهم اللي ماسكينها. اتنهدت بضيق: "إيه اللي ممكن يفرق اتنين زي دول أكتر من الخيانة وبيبي في النص بينهم؟"
وقفوا قصادها، فهي ابتسمت: "مستعدين لجولة تانية؟"
محدش رد، فهي بصت لكريم: "اللي في بطني إبنك أو بنتك، ولو عملت ألف تحليل في ألف مكان، برضه إبنك. خلينا ناخد الخطوة اللي بعدها."
كريم رد باقتضاب: "ولو ألف تحليل وألف معمل قالوا إنه إبني، برضه مش إبني ومش تبعي."
أمل كملت: "ولو كل غرضك تفرقينا عن بعض، فده مش هيحصل. هاتي إنتِ خطوتك الجاية."
ناريمان ضحكت: "ما تفترقوش عادي، بس إبني هتعترف بيه وهيشيل اسم المرشدي." (لهجتها اتحولت لتهديد): "بمزاجك أو غصب عنك، هيتكتب باسمك."
كريم وقفها: "لو هترسي على إني أقتلك إنتِ واللي في بطنك، فهعملها باريحية تامة. بس اللي في دماغك ده مش هيحصل. لو السما انطبقت على الأرض، مش هيحصل."
ناريمان سابتهم: "هنشوف. يلا علشان الدكتورة منتظرة."
دخلوا الثلاثة عند الدكتورة، واللي مش عاجبها اللي بيحصل: "لعلمك، العينة اللي بناخدها من الرحم دي ممكن تسببلك إجهاض. أنا حذرتك."
كريم بنرفزة: "لا هي ولا اللي في بطنها يفرقوا معانا. خدي العينة علشان ننتهي من الحوار البايخ ده."
ناريمان حطت إيدها على بطنها: "إبني ربنا هيحفظه وهيتكتب باسم أبوه. بمزاجه أو غصب عنه وبأمر من المحكمة."
أمل تدخلت: "دكتورة، لو سمحتي، خدي العينة علشان بس ورانا أشغالنا. مش فاضين لها وللرغي اللي مالوش لازمة ده."
الدكتورة وافقت، لكنها مضت ناريمان على إقرار إنها مش مسؤولة عن أي مضاعفات بعد كده.
خرجوا من عندها وراحوا للمعمل، بس ناريمان انسحبت وسابتهم. مؤمن قابلهم، وأخذ منهم كذا عينة علشان يوديها لكذا معمل تاني محدش يعرفهم غيره.
مؤمن نزل ودخل الأسانسير، وكان في أربع رجالة في انتظاره تبع يزيد اخدوا العينات ،مؤمن وزعها عليهم ، وكل واحد مشي من طريق بحيث لو حد بيراقبهم، ما يعرفش باللي حصل، وإن مؤمن مش معاه أي عينة أصلاً. ولا حد يعرف باتصاله بيزيد، حتى كريم نفسه.
سيف انتظر مكالمة همس طول اليوم، لكنها ما بعتتش أي رسالة ولا كلمته، فقرر يتصل بيها. أول ما ردت، وبعد السلام: "انتظرتك تكلميني طول اليوم، أو حتى تبعتي مسدج؟"
همس بتردد: "مكالمتنا امبارح واللي حصل بيننا..."
سيف قاطعها: "اللي حصل بينا ده طبيعي على فكرة، إنتِ مراتي مش واحدة غريبة، ولا هو عيب ولا حرام حتى."
همس اتنهدت: "مكنتش هقول عيب أو حرام، بس شال الصبر مني يا سيف. كنت متحملة غيابك ومنتظراك، بس امبارح... مش فاهمة اللي حصل، بس اللي فاهماه إن النهارده كان أصعب يوم عدى عليا من يوم ما عرفتك. اليوم بطيء، وكل ما بغمض عيني بتخيلك معايا، فمبقتش قادرة أتحمل بعدك. إديني مساحة أعرف أتحرك فيها وإنت مش موجود."
سيف فكر في ردود كتير ممكن يقولها، لكنه تراجع وقال بهدوء: "تمام، براحتك. وقت ما تحتاجي تتكلمي معايا، رنيلي أو ابعتيلي رسالة. وأنا هديكي المساحة اللي إنتِ محتاجاها."
همس علقت: "سيف، مش قصدي ما تكلمنيش، أنا أقصد بس..."
سيف قاطعها بحب: "حبيبتي، أنا فاهم كويس إنتِ قصدك إيه، فما تقلقيش."
قفل المكالمة، وكان سبيدو وصل ومعاه إيليجا اللي علق: "لقد توصلنا لمكان فادي."
سيف بص لهم، وخصوصًا لسبيدو: "بجد؟ وصلتوله؟"
إيليجا ما فهمش، لكن سبيدو ابتسم: "ومش بس كده، ده بقى تحت رحمتنا كمان. رجالة إيليجا جابوه."
وصلوا لعنده، والرجالة وقفوا يتفرجوا لأنهم مش بيتكلموا عربي. فادي في البداية أنكر معرفته بأي حاجة وأي حد، وعمل نفسه مش فاهم هم بيتكلموا عن إيه.
سيف تراجع وبص لإيليجا: "دع رجالك ينعشوا ذاكرته قليلاً."
فادي صرخ قبل ما حد يقربله، وفضل يحلف إنه ما يعرفش حاجة. لكن رجالة إيليجا قربوا منه، وتفننوا في الضغط عليه لحد ما خلّوه ينطق بكل اللي عنده، رغم إنه كان بيغمى عليه ويفوقوه.
إيليجا دخل عليهم وسأل رجاله: "مستعد يتكلم؟"
ردوا: "لأ."
بص لفادي بأسف: "إذن فأنت عديم الفائدة." (بص لرجاله) "تخلصوا منه، فهو عديم الفائدة."
واحد من الرجالة طلع مسدس، وهنا فادي صرخ: "سأتكلم، سأتكلم، سأخبركم بكل ما أعرفه."
سيف وسبيدو قربوا وسيف بهدوء: "مين وراك؟ ده أهم حاجة عايز أعرفها. عايز رأس الأفعى."
فادي بياخد نفسه بالعافية: "الورداني."
سيف بتفكير: "مين الورداني؟ معرفش حد بالاسم ده أصلًا. مفيش رجل أعمال في مصر معروف بالاسم ده. إنت هتستعبط ولا إيه؟"
سيف شاور لواحد من الرجالة اللي ضرب فادي بالبونية في وشه، فصرخ: "لقد ترك مصر منذ زمن طويل."
سيف استغرب وبص لسبيدو اللي شاور بدماغه إنه ما يعرفوش. بعدها سيف بص لإيليجا: "هل تعرف أحدًا باسم الورداني؟"
إيليجا برضه نفى إنه يعرفه. فسيف رجع يسأل فادي: "اسمه إيه بالظبط؟"
فادي وضح: "خليل، خليل محمود الورداني. ده اسمه كامل."
سيف برضه مش عارفه: "أوصله إزاي؟"
فادي اتردد: "لا أعلم له عنوان لو هذا مقصدك، ولكني أعلم أين يقضي سهراته."
سيف طلب منه: "عايز صورة له."
فادي نفى بسرعة: "لا، لا أملك أي صور له. ولو بحثت عنه، لن تجد له أي صورة. هو شبح."
اتفق الثلاثة إنهم يراقبوا المكان اللي بيسهر فيه لحد ما يظهر ويقبضوا عليه.
هالة كل يوم بتحس إن مروان بيبعد عنها أكتر وأكتر، وهي مش فاهمة في إيه ولا ماله؟
أخيرًا طلبت منه يجيلها يتكلموا، فراحلها الجامعة. سلم على همس: "إزيك يا همس، أخبارك إيه؟"
همس ابتسمت: "كويسة يا مروان الحمدلله، عامل إيه؟ معلش أكيد مطحون في الشركة مع سفر سيف؟"
ابتسم بحزن: "دي حقيقة للأسف، ربنا يجيبه بالسلامة. تحبي نوصلك في طريقنا؟"
همس شكرته وبلغته إن نصر على وصول، بعدها بصت لهالة: "ابقي كلميني بعد ما تروحي وطمنيني عليكِ يا قلبي."
سابتهم وانسحبت، ومروان أخد هالة يتغدوا بره، بس طول الوقت كان سرحان ومش مركز معاها، لحد ما اتغدوا، واتكلمت معاه بجدية: "وبعدين، هتفضل كده لحد إمتى؟"
بصلها بهدوء: "كده اللي هو إزاي؟"
هالة بنرفزة: "إنت فاهم قصدي يا مروان، فلو سمحت، ممكن تقولي في إيه غيرك؟ من ساعة ما أختك رجعت وإنت بقيت مش طبيعي، في إيه؟ مالك؟"
مروان باصص للأرض، بعدها رفع وشه، وبكل هدوء قلع الدبلة اللي في إيده تحت أنظارها وصدمتها: "أنا آسف يا هالة، بس مش هقدر أكمل، فشوفي إيه يرضيكِ وأنا هعمله."
هالة اتصدمت، وفضلت كام دقيقة مش عارفة تنطق ولا تتكلم، ولا مصدقة إنه بينهي خطوبتهم بالسهولة دي. هي آه حاسة إنه متغير، بس مش لدرجة الانفصال.
حاولت تنطق، وأخيرًا نطقت: "ليه؟"
مروان بيهرب من عنيها ومن مواجهتها: "من غير ليه."
زعقت فيه: "من حقي أعرف ليه؟ ليه خطبتني؟ ليه خلتني أحبك؟ ليه يا مروان؟ جاوبني!"
فضل برضه محتفظ بهدوءه: "أنا آسف، الموضوع وما فيه إني اتسرعت، تقريبًا غيرت من سيف لما حب همس وخطبها، فقولت أقلده، بس لقيتني مش مرتاح ومش عارف أكمل، فقولت بلاش أظلمك معايا."
علقت بتهكم: "يا سلام؟ بلاش تظلمني؟ تقوم تسيبني بدون أي مقدمات؟"
بصلها وملامحه جامدة: "تحبي نعتبر النهاردة مقدمات، وبعد يومين أقولك نسيب بعض؟"
هالة مصدومة، دموعها حتى مش راضية تنزل: "إنت بتهرج صح؟ بتتسلى؟ ولا بتلعب بيا؟"
مروان ببرود: "ولا بتسلى ولا بلعب، أنا بفسخ الخطوبة دي. أي هدايا جبتها حلال عليكِ بما إني أنا اللي فسخت. احتفظي بكل حاجة ويلا علشان أوصلك."
هالة وقفت، قلعت الدبلة، ورمتها قدامه على التربيزة: "إنت مش هتمن عليا بحاجتك. حاجتك كلها هرميهالك. أنا في غنى عنها، بعد إذنك."
وقف، مسك دراعها: "هوصلك، انتظـ..."
قاطعته وهي بتشد دراعها بعنف منه: "مش عايزة من وشك حاجة، بعد إذنك."
خرجت بره المطعم اللي كانوا فيه، وقفت أول تاكسي في وشها، وطلعت على المدينة، وطول الطريق وهي بتعيط.
دخلت أوضتها، رمت نفسها على سريرها، وفضلت تعيط وبس.
همس اتصلت بهالة المغرب تطمّن عليها، وماردتش عليها. مرة واتنين والثالثة أخيرًا ردت بصوت مفحوم من العياط، وأول ما قالت "ألو" همس اتعدلت: "فيكِ إيه؟"
هالة بعياط: "مروان سابني يا همس، مروان سابني."
همس مصدومة ومش مصدقة: "طيب إنتِ فين؟ هجيلك؟"
هالة بتعيط، وهمس كررت: "إنتِ في المدينة؟ ردي عليا؟"
هالة قالت لها إنها بالمدينة، وهمس قامت لبست بسرعة ونازلة تجري، فسلوى وقفتها: "إنتِ رايحة فين كده؟"
همس وقفت باستعجال: "هروح لهالة أجيبها، منهارة من العياط مش فاهمة مالها."
سلوى باهتمام: "طيب نصر لسه موصلني وبره، خديه يفضل معاكِ لحد ما يجيبك تاني."
خرجت همس، ونصر وصلها المدينة، وهمس دخلت، بس الأمن رفضوا يطلعوها لفوق.
اتصلت بهالة وبلغتها إنها تحت وطلبت منها تنزلها وتعمل إذن بالمبيت خارج المدينة وتيجي معاها.
واحدة من المشرفات شافت همس، نادت عليها، فدخلت سلمت عليها وعلى كل المشرفات.
واحدة منهم بصت للمديرة: "دي همس الصياد اللي متجوزة من سيف الصياد."
المديرة بتذكر: "إنتِ اللي جوزك جه قلب الدنيا عليكِ هنا؟ أيوه أيوه."
نزلت هالة قاطعتهم، ورمت نفسها في حضن همس اللي ضمتها بحب، بعدها ساعدتها تعمل تصريح المبيت وأخدتها لبيتها. وبعد ما بقوا في أوضتها، همس سألتها: "في إيه بقى؟"
هالة بصت لها بعياط: "معرفش، مش بقولك هو بقاله فترة متغير؟ معرفش ماله؟ النهاردة صدمني بقلعه الدبلة وقال إيه مش قادر يكمل."
همس باستغراب: "يعني إيه مش قادر؟ مروان بيحبك يا هالة."
هالة برفض: "قال إنه بس كان غيران من سيف لما اتجوز وحب يعمل زيه بس مش قادر يكمل."
همس برفض زيها: "لا ما أصدقش، هكلمه وأفهم..."
قاطعتها هالة وهي بتمسك إيديها: "مش هتكلميه يا همس، ولا هتقوليله أي حاجة. إياكِ تكلميه."
همس مسكت إيدها: "طيب يا هالة بس نفهم ليه؟"
هالة برجاء: "لأ علشان خاطري لأ. بيقول لي حلال عليكِ أي هدية جبتها، فاكرني ههتم بالهدايا؟ إيه التخلف بتاعه ده؟"
همس: "هو متخلف ده شيء منتهي، بس نفهم سر التخلف إيه؟"
هالة أخدت نفس طويل تحاول تتماسك: "اهدي دلوقتي، وبكرة سيف يرجع بالسلامة وهنعرف إيه اللي وراه، أو هيقولك وإنتِ قوليلي."
هالة بلغت عيلتها باللي حصل، وأبوها جالها، فمروان قابله وقاله نفس الكلام إنه مش هيقدر يكمل مع بنته مع احترامه الشديد.
شاهين زعل جامد منه، بس انسحب بهدوء وبدون أي مشاكل، أخد بنته بيته لحد ما تهدى والأمور تهدى.
سيف أخيرًا عرف يوصل لخليل بمساعدة سبيدو وإيليجا، واتصدم بكل كلمة وحرف سمعهم منه.
أخيرًا نزل مصر علشان يفهم الدنيا حصل فيها إيه.
كريم نتيجة التحليل ظهرت، ومؤمن طلب من الرجالة يجيبوا النتيجة ووصلوها لإيد مؤمن اللي الكل منتظره يعرف النتيجة منه. دخلوا وكلهم وقفوا في انتظاره ينطق.