رواية العمدة وبنت العم الفصل الخامس5بقلم خديجة السيد
فاقت كامل توقعاته حين اعتقد أنها مجرد امرأة عادية ليس لها طلبات كثيره وسوف توافق على ذلك الاتفاق دون اعتراض، فعندما اخبرها بنواياه ورغبته في عدم لمسها وان توافق على هذا الأمر أيضاً حتى لا يشعر بالذنب تجاهها، وجدها بدأت تصيح في بعصبية
= يعني ايه الحديد ديه يا عمده؟ يعني ايه هفضل أهنأ كيف الاخوات بالظبط وما ليش حقوق عليك! بس ده ما كانش اتفاقك مع الشيخ مؤمن لما جيت اتجوزتي.. انت اكده بتغير كلامك.
كان الآخر في أوج ضيقه، كز على شفتيه محاولة كبت ما ينتابه من خانقة الانزعاج و بالكاد سيطر على نفسه ورد بهدوء زائف
= انا ما قلتش من البدايه حاچه عشان اغيرها يا زينب وحسبي على حديدك معايا وافهمي قصدي، اي حاچه هتحتاجيها انتٍ وعيالك في ظرف ساعه هتكون عندك.. وانتٍ أكيد شايفه الوضع اللي احنا فيه وأننا اتجوزنا مضطرين عشان نوقف الدم اللي بين العيلتين ومحدش يروح فيها تاني.
زفرت الهواء سريعًا لترد بعدها على مضضٍ
= عارفه كل ديه بس اللي فهماه دلوج اكتر ان انا مرتك وليا حقوق عليك كيف الهانم اللي خدتك مني امبارح.. ولا هي دي بقى اوامرها؟!.
انعكس الحنق على تعبيراته وتجهمت نظراته وهو يقول بصوت جاد
= غاليه ملهاش دعوه بحديدي معاكي، زينب هو انتٍ لو كان چوزك الله يرحمه جايلك و قالك عاوز اتجوز عليكي رده فعلك كانت هتكون ايه؟ ما تردي مش هتزعلي زيها وتضايقي وهتهدي الدنيا .
راقبته في غيظٍ شبه مكبوت وهي تخاطبه في عدم رضا
= عاوز تقول إيه يا عمده ما في النهايه انا مرتك وليا حقوق عليك وما يصحش اللي انت بتطلبه مني ده، وانت طول عمرك الكل بيحلف بعدلك وحكمتك چاي لحد عندي وتظلمني ليه
مسح علي وجهه بضيق شديد وقال بملامحٍ جادة للغاية وبصراحه
=استغفر الله العظيم، عشان انا بحب غاليه لا بعشقها كومان من ونحنا عيال صغيرين ومش عايزه اعذبها معايا ولا اوجعها واكيد حاچه كيف اكده هتكون صعبه عليها وانتٍ ست وعارفه.. وفي نفس الوقت مش عاوز اشيل ذنبك وهي ما تستاهلش مني اكده يا زينب هي عملت معايا حاچات كثير عمري ما حد يتخيلها.. وجميل عمري ما هنساه لك لو فعلا عافيتي عن حقك ده وقلتي مسامحه ومتنازله
عنه.
ارتفع حاجبها للاعلي قليلاً بحنق قبل أن ترد قائلة بتحدي وهي تقوس فمها في شيءٍ من التبرم
= بقي أكده؟ طب انا مش مسامحه ولا متنازله عن حقي يا عمده.. ومحدش ضربك على ايدك تيجي تتجوزني صوح ولا انا بتحدد غلط وانت أكيد عارف ان طالما اتجوزنا يبقى ده لازم هيحصل بينا وهي كومان عارفه أكده يبقي ما تمنعكش تقرب مني.
حدجها بنظرة نارية وهو يهمهم في صوتٍ مقلقة
= وبعدها لك يا زينب بتصعبيه عليا وعليكي ليه؟ افهميني غاليه ملهاش دعوه انا نفسي اللي مش هقدر على اكده وعشان خاطري اعفيني عن الموضوع ده، وكيف ما قلتلك اي حاچه تاني تطلبيها مني هعملها لك حتى ولادك هعتبرهم كيف بنتي بالظبط ومش هقصر معاهم في حاچه.
لوت ثغرها باستهزاء ثم تعهدت بعزيمةٍ وهي تنتصب بكتفيها في كبرياءٍ ورفعة نظراتها تصبو إليه بتحدي
= لا مقصر يا عمده ومقصر في حقي كتير كومان! لان انا مش هتنازل ولا هعفيك عند الأمر ده وهفضل اطالب بحقي فيك.
❈-❈-❈
تنهد يغمض عيناه بارهاق فقد تعب حقا من التحدث حول ذلك الوضع دون فائدة، وكل
ما أصبح يريدة هي ليشعر بالراحه معها لكنها ليس بوضع يسمح لها لاحتوائه، وهو لم يضع في الحسبان أنه بذلك يحزن زوجته، ود لو عاد به الزمن للوراء ولم يفعل ذلك لربما آنئذ نال رضائها وكلمة حنونة منها بذلك الوقت! ليقول بصوت مرهق
= هحاول معاها تاني اكيد هتوافق، ومش هترضى بحاچه كيف اكده على كرامتها.
تحول نظرها عنه وراحت تلومه بشدة لأنه انساق وراء ذلك الحل وتزوج بغيرها دون التفكير فيها، فنفخت في سأمٍ وهي تقول بنبرة مقهورة
= ما بكفيك بقى يا سراچ هو انت كل مره هتقعد تاكلني بالكلمتين دول! انا مش متفاجئه على فكره من رده فعلها وقلتلك هي مش هتتنازل عنك واهي جابتها لك على بلاطه عاوز ايه اكتر من اكده.
أطلق زفرة طويلة من رئتيه محملة بكل الرجاوات والآمال ليردد بعدها بارهاق
= غاليه انا مش ناقص ما انا بايدي ايه اعمله اكتر من اكده وما عملتوش! قلتلك خليكي متاكده ان مهما يحصل مش هقرب لها.
سحبت نفسًا عميقًا لتثبط به نوبة البكاء الوشيكة التي تهدد بمهاجمتها، وردت بصوتٍ مختنق
=وانت حتى لو ما قربتلهاش اكده خلاص ما جرحتنيش ما خلاص اللي حصل حصل، و بقيت علي ذمتك والنار ادت جوايا وبقيت بين نارين ولا قادره احيمي على نار غيرتي و وجعي منك ولا من احساسي بالذنب وانا حاسه نفسي واحده ما عندهاش احساس وهي بتقف تمنع شرع ربنا.. فكرك حتى وانا محروقه منها مش خايفه من ربنا .
سكت ولم يقل شيئًا، فاستأنفت وهي تضع ابتسامة حزينة على محياها
= ليه يا سراچ عملت فينا اكدة، ليه حطيتنا في الوضع كيف ديه بقينا ولا عارفين نحل ولا عارفين نربط.
تقدم منها يحتويها بين ذراعه، و لامس بشفتيه جلد عنقها فلفحتها حرارة أنفاسه وتضاعفت رجفتها حين همس لها بشوقٍ آخذٍ في التعاظم
= خلاص يا غالي حقك عليا، انا اللي ورطتنا وانا إللي هحلها برده سيبيني أفكر فيها واكيد هنلاقيلها حل.. و انتٍ ما تتعبيش نفسك ولا تحملي نفسك ذنب.. عشان خاطري كفايه بكي
شعر بالحزن لأجلها، ليمد يده يسحبها من خصرها يضمها له ونظر لها بإبتسامة متكلفة
تأمل جمالها بوله و رفع كفه يمررها على عنقها مستلذ بإقشعرارها فأراد خوض وقت ممتع معها حتى ينسى كل الامه وأحزانه كعادته بين ذراعيها لكن لا يعلم بأنها لم تعد كما هي! حبيبته التي كانت بانتظاره دوماً مهما كان الوقت ومهما فعل تسامحه وتغفر له فهذه المره غير حقا، وبدأت بالفعل تردد باعتراض
= لع أبعد، مش وقته.. وما عايزاش .
ساد التجهم على تعابير وجهه بصدمة مؤلمه من رده فعلها، ليتحدث بنبرة قاسية
= بتبعديني عنك يا غاليه، للدرچه دي مش طايقاني ولا طايقه لمستي ليكي! بعد ما كنتي بتدوبي بين ايديا وبتبقى ملهوفة عليا دلوج بتبعدي وقرفانه مني لما بقربلك !!
دفعته في صدره وهي تصرخ بجنون وفقدت سيطرتها علي اعصابها
= انت شايفنا في ايه ولا في ايه وبعدين انت بتزعقلي ليه ما انت السبب فاللي انا ابقى اكده، بتلومني وبتجيب الحق عليا دلوج وأنت رحت تتجوز عليا، لحد ما بقيت مش طايقاك ولا طايقاه نفسي حتي ولا تلمسني.
اظلمت عينيه ولمعت ببريق مخيف بعدما طعنته في رجولته وكبريائه ليقول بصوت مؤلمة
= يااه خلاص كرهتيني وكرهتي قربي منك،
وبقيت وحش جوي أكده في نظرك! ماشي يا غالية بس خليكي فاكره انك لو فضلتي اكده يبقى بتبعدينا عنك و هتخسريني كومان .
ردت بعتاب وهي تقاوم زحف الدموع إلى مقلتيها
= وانت لما رحت اتجوزت عليا اكده ما خسرتنيش... ما تقلبش الترابيزه يا سراچ وانت السبب فاللي احنا فيه .
تنهد بضيق رجل عاشق ثم صرخ هادراً بجنون
= هو انا رحت اتجوزت واحده بحبها ولا برضايه حتي ما انتٍ عارفه اللي فيها، ومع ذلك برده اللي في دماغك في دماغك! وانا عمال اقول لنفسي استحمل ماهي معاها حق ما تبقاش عليها انت كومان وعامل ادادي واكبر دماغي لحد ما اديكي بتقوليها لي في وشي، يبقى مين دلوقيتٍ اللي بيخسر التاني.
جفائها القاسي أزعجه للغاية، فأبتسم بسخرية مريرة وخرج من جوفه صيحة مليئة بالشوق
= انا كل اللي كنت محتاچه منك كيف كل مره تكوني جنبي وتفهميني وتطبطبي على وجعي مش تكوني انتٍ اول اللي يقف قصادي و تعانديني وتتعبيني زيهم! هو انتٍ معقوله مش حساه بالتعب والوجع اللي انا بقيت فيه طول الوقت وانا مش عارف الاقيها منين ولا منين، والكل عمال يضغط عليا وبقيت انتٍ أولهم.
انحشر صوتها وهي ترد بنبرة مهتزة
= معلش يا أبن عمي مش عارفه أمثل عليك واخدك في حضني وانا شايله منك، كيف ما كنت زمان بطبطت واكبر دماغي واجي على نفسي واستحمل وفي الآخر إيه اللي خته منك غير الغدر .
رفع حاجيبة للاعلي باستنكار وقال بصوتٍ مال للانكسار
= تقصدي موضوع الخلفه هو اللي استحملتي مش أكده، بتعايريني تاني يا غاليه! انا مش هفضل اعدي غلطاتك اللي ما ينفعش تعمليها كثير مهما عملت معاك.. وصدقيني لو فضلتي اكده هتندمي.
وقفت تلهت بتوتر وصدرها يعلو ويهبط بعنف وهي تدمع بندم علي ما تفوهت به بعدما لمحت نظرة الألم والانكسار داخل مقلتيه، وفي التو أبدت ندمها قائلة دون تفكيرٍ
= انا ما قلتش اكده.. وما اقصدش حاچه واحده في حد ذاتها
أبعد يديها قائلًا بجفاءٍ مريب قبل أن يستقيم واقفًا
= مش محتاچه تعرفيني عاوزه تقولي ايه خلاص وصلت يا بنت العم.
سقطت أرضا تبكي بنحيب وحسرة بعد رحيله وهي لا تعرف كيف تسيطر على غيرتها وحزنها منه، وبنفس الوقت لا تجرحة فيسيظل عشقها الأول والأخير مهما فعل !!.
❈-❈-❈
بابتسامةٍ صغيرة وملامح وديعة تحركت زينب
لتقف على عتبة باب المرحاض تنتظر انتهائه من غسل يديه لتعطيه المنشفة القطنية النظيفة ليجففهما بها بعدما تناول الطعام ورأت كيف انشغلت غالية في حمل باقي الطعام للمطبخ واطعام طفلتها الصغيرة.
فهي تفعل تعليمات والدتها عندما اخبرتها بأنه لم يقترب منها حتى الآن والسبب في ذلك غالية مثلما ما تعتقد وتظن! اقتربت بدلال وهي تردد بصوت رقيق مصطنع
= اتفضل يا سي سراچ الفوطه.
ألتفت للخلف ليتفاجا بها فتنهد بضيق مكتوم فكلما ذهب هنا وهناك يجدها أمامه، كانها تقول له انا الذنب الذي لم تستطيع الغفران منه إلا إذا لبيت النداء، سحب سراج من يدها المنشفه بخشونةٍ ونشف كفيه ليعيدها إليها
ورد في عبوسٍ
= شكرا يا زينب تعبتي نفسك ليه بس.
رغم جفاءه الواضح معها لكنها لم ترحل او تفقد الأمل وظلت مكانها وهي تهتف بعتاب وشكوى
= تعبك راحه يا سراچ، على فكره انا كنت عاوزه اعمل انا الوكل النهارده بس الزفت إللي اسمها غالية ما رضيتش وقال ايه أنت بتقرف تاكل من ايد حد غيرها، بس انا فاهمه كويس انها مش عايزه تخليني اقرب لاي حاچه في الدار اهنا، عشان تقولي ان انا ما ليش مكان.. أنت لازم توقفها عن حدها يا عمدة
استدار سراج كليًا تجاهها، وهتف في صرامة
= زينب اتحددي كويس عنها هي ما غلطتش فيكي عشان تغلطي فيها.. وما يصحش أصلا تجيبي سيره حد ما غلطش فيكي بالوحش او بالحلوه وهو مش موجود.
هتفت محتجة بارتباكٍ عظيم وقد استندت بكفيها على صدره
= انا ما قصدتش يا عمده بس بشتكيلك منها هي اللي حطاني في دماغها مش انا، وبعدين ده بدل ما تقولها انا مرتك برده وليا حق زيها زيي أهنأ.
أبعد يديها على الفور واعترض عليها بصوتٍ وملامح هادئة
= وهي كومان أكيد ما تقصدش يا زينب هي بس مش عاوزه تتعبك، لان انا فعلا ما باكلش من ايد حد غيرها وبقيلي سنين طويله على اكده.
أخبرته بجرأةٍ صادمة له كعادتها وبما جعل قلبه يقصف كذلك فهي تلعب على الوتر الحساس ونقط الضعف لدي
= طب يا عمده طالما انت حقاني جوي اكده ومش عاوزني اغلط فيها وبتفهمني الغلط و الصح، مش عارف برده اللي انا ليا حق عليك ومن ساعه ما جيت اهنا و انت مش شايف غير غاليه وبس.. وانت اكده بتظلمني .
تحرج من تجرؤها وقال وهو يخفض رأسه بقله حيله
= لا حول ولا قوه الا بالله ما انا فهمتك اللي فيها يا بنت الناس، يا زينب ريحي نفسك و ريحيني أنا مش هقدر على اللي انتٍ طالباه
ديه ومن مصلحتك بلاش لاني مش هعرف اعدل ما بينكم وانا بقولها لك اهو وصريح معاكي فبلاش تعلقي نفسك بيا.. بس جربي تطلبي اي حاچه انتٍ ولا عيالك انا هتكلف بيها كلها و كل طلباتك مجابه عندي.
انقلبت تعبيراتها للضيق من إصراره على عدم الاقتراب منها او الاعتراف حتى بانها لها حق عليه، لتردف بجدية
= انت عارف زين انا عاوزه ايه يا عمده وهو الجوز بالنسبه لكم اكل وشرب وطلبات وبس... ما كانش حد غلب.. ما كنتش اعرف انك مش حقاني أكده يا سراچ على اهل بيتك.
في تلك اللحظه لم يكن يعلمون بأن غالية قد جاءت وتراقب ما يحدث بأعين مقهورة بغيظ،
وتعالي صوتها الغاضب وهي تقترب منها
= سراچ أكده حاف لا ده انتٍ خلاص فتحتي على الاخر.. بتعملي ايه أهنأ لما صدقتي انشغلت بره عشان تخشي تتسحبي لي مش أكده.
منحتها زينب هذه الابتسامة الماكرة وهي تخاطبها باستفزاز تام
= اتسحب! ليه اعوذ بالله داخله لواحد ما اعرفوش ده چوزي ويحق ليا ادخل واروح واجي قدامه براحتي واقوله كومان مشتاقه ليك ايه عندك مانع.
شعرت غالية بغيرة شديدة تجاه زوجها، حيث لم يكن يكفيها مجرد كلمات الحب أو العشق التي تشعر بها نحوه لذا، كان من الصعب عليها تحمل وجود امرأة أخرى أمامها تشاركها فيه حتى في أبسط الأمور بالإضافة إلى ذلك، كانت تلك المرأة تتحداها باستمرار وتثبت ملكيتها له، مما جعل غالية تشعر بالضيق والهم ولم تشعر بنفسها إلا وهي تشد قبضتها على ذراعها وكادت أن تضربها، بينما كان صوتها يحمل نبرة متهورة
= ده انتٍ مرا مستفزه طب تعالي بقى والله ما انا سايبك النهارده.
نظرت الأخري لها باستهزاء قبل أن تصيح بتهديد صارم
= اجي يا اختي وما جيش ليه مفكراني هخاف منك ده انا اللي على اخري منك ونفسي امسكك اديكي علقه.
تدخل سراج على الفور الذي انصدم برده فعل غالية ليقف في النصف وسطهم حتى يمنع ذلك الاشتباك، وهتف بعصبية منفعله
= بس انتوا الاتنين هتتخانقوا قصادي كومان كل واحده على فوق يلا.. انتم هتبصوا لبعض يلا .
نظرت غالية الي سراج بدموع وهو لاذ بالصمت وتجنب النظر إلى عينيها نهائيًا حتى لا يضعف وترحل من امامه وذلك لأجلها ولاجله، وبالفعل رحلوا الاثنين.
كانت اقتربت في تلك اللحظه والدته فردوس ونظرت إلى ازواج ابنها الراحلين بتأففٍ ساخراً قبل أن توجه كلامها لابنها صائحة بتذمرٍ
= مالك يا چوز الاثنين يعني حتى ولا قارد تحكم الأولى ولا الثانيه كومان، لو مش عارف تشد عليهم من البدايه سيبهم ليا وانا اربيهملك وبعدين ما هي معاها حق بصراحه هفضل كام مره اقولك اطلع بات معاها عشان تحمل وتجيبلي الواد.
حاد سراج ببصره عن أمه بسخطٍ ليردد بتجهم
= بالله عليكي انتٍ بالذات ياما ما فايقلك
اقولك على حاچه انا هسيبلكم السرايا كلاتها وهغور في داهيه.
❈-❈-❈
لحقها سراج إلي الاعلي وفتح باب الغرفة بحده جعلها تنتفض فوق الفراش بخضه و
اعتدلت في جلستها متسائلة بتوجسٍ قلق وهي تناظره من موضعها
= في ايه مالك داخل اكده ليه؟!.
سحبها من ذراعيها بحده و هتف بصوته بلمحة استنكار
= عجبك اللي عملتيه تحت من ميتي وانتٍ متهوره اكده يا غاليه وبتغلطي؟ و ما بتعمليش احترام وانا واقف .
بلعت غصة مريرة في حلقها، فقالت بوجومٍ
=هو كل حاچه هتقلبها عليا وتغلطني، ماشي اعتبرني بقيت اتعلم منك التهور ديه كيف ما انت اتهورت واتجوزتها وخليتنا في الوضع ده.
حدجها بنظرة نارية وتعالي صوته العالية بتحذير قوي
= غالية! ما تفتكريش عشان مرتي هسمحلك تغلطي واسكت وانتٍ بنفسك عارفه كويس وقلتيها ان انا مش بسمح بالغلط فلو عديت قبل سابق ليكي مش هفضل اكده على طول..
وكيف ما انا عاتبتها لما غلطت فيكي من غير ما تعمليلها حاچه انا كومان بعاتبك
افترت شفتاها مستنكرة و أصرت غالية على إيجاد المبررات لجفائها المتواصل، فقالت بضيق شديد
= وانا كنت عملت ايه للهانم هي من اولها اكده بتدافع عنها وتيجي عليا عشانها، يا ترى بكره هيحصل ايه تاني.
تطلع نحوها بنظرة قاسية محتج على تصرفها فزفر الهواء بعمقٍ قبل أن يجيب عليها بجدية شديدة
= بتصرفك الغبي ده ضيعتي حقك لكن لو كنتي سكتي كان الغلط كله هيركبها هي و اعرف اخذلك حقك لكن لاول مره ما اعرفش ادافع عنك وفضلت ساكت، من ميتى وانتٍ بتردي اكده وانا موجود مش دايما بتسيبيني اخدلك حقك حتى لو من امي! ولا خلاص فعلا عشان ما بقتيش تحسي بالامان معايا قلتي اخد حقي بنفسي
بهتت تعابيرها فحاولت التبرير له، فأفهمته بتلعثمٍ
= وانا عملت حاچه ما انا كل شويه الاقيها في وشي بتقرب منك و...
قاطعها سراج رافعًا يده أمام وجهها بلهجه شديده لاول مره عليها
=بصي يا بنت الناس أنا جبت اخري من وجع الدماغ ديه... و عاوز اللي تريحني، مش ناقص هم وقرف، فمن اهنا ورايح تاخدي بالك من تصرفاتك سامعة؟ وإلا هتلاقي رد مايعجبكيش!!
أذعنت أمام تحذيره القوي وردت في طاعة تامة وهي تدمع عينها بقهر
= ماشي حديدك يا سراچ اي اوامر تانيه .
تركها و زفر بيأس وعتاب منها قبل أن يرد قائلاً بصرامة حاده
= انا مش بديكي أوامر وبلاش اللهجه دي بينا! أنا بحذرك بس عشان ما تخربيش علينا، و نفسي تحكمي عقلك وتثقي فيا وترچعي غاليه بتاعه زمان بدل ما نخسر بعض بجد بس هيكون بسببك.
❈-❈-❈
بعد مرور أيام، ربتت تهاني علي كتفها بشكل حنونه وهي تواسيها متحدثة بعقلانية
= بصراحه يا ست غاليه ومن غير زعل انتٍ بتتصرفي غلط مع الموضوع المفروض تحامي علي چوزك، وانتٍ شايفه واحده طول الوقت عماله تلف ونفسها بس تنول بصه منه لكن هو قلبه وعقله معاكي وكلنا عارفين اكده.
شعرت بالمرار وهي تشتكي وتقول بحسرة
= غصب عني يا تهاني انتٍ لو حاسه بالنار اللي جوايا مش هتقولي اكده، انا كومان بحبه
وماليش غيره بس ولا قادره اصدق اللي عمله ولا قادره اتعامل مع الموضوع عادي.. سراچ كسرني جوي بعاملته دي حتى لو غصب عنه
تنهدت بعطف واشفاق عليها وقالت بجدية
= اللي حصل حصل خلاص يا ست غاليه، فـا اصبري لحد ما تشوفي سراچ بيه هيحلها كيف وعقبال ما ديه يحصل ما تديش فرصه للتانيه تاخده منك وتستغل الوضع اللي ما بينكم! هو انا برده اللي هقولك، ايه اللي چريلكم بس ده انتم كل الناس كانت بتحكي وتتحاكى علي قصه عشقكم لبعض ده اكيد شيطان ودخل ما بينكم.. استهدي بالله و روحي قربي منه قبل ما الفاس تقع في الراس ويحصل اللي خايفين منه.
حدجتها بنظرة مليئة بالخوف والقلق تفكر في حديثها لتدرك أن زينب تستغل أي فرصة لتقترب من زوجها عندما تكون بعيدة عنه، لكنها في كل مرة تعود وتواجه الوضع لكن ماذا سيحدث إذا لم تلاحظ ذلك من الأساس في مرة ما؟ نهضت وهي تهمهم في نفسها بغضب
= هي فين دلوج انا لما بتختفي من قدامي بقلق.. دي مش سهله.
❈-❈-❈
في مكان آخر، كان سراج نائمًا في غرفة المكتب ليأخذ قسطًا من الراحة من كل هذه الضغوط خاصة وأن الوضع لم يتغير. شعر بالانزعاج عندما أحس بشيء يتحرك على صدره وفكر للحظة أنها ربما غالية عادت إليه أخيرًا، ففتح عينيه بسرعة ليرى ما يحدث قائلاً بلهفة وأمل
= غالية!.
جزت زينب على أسنانها وخاطبته بميوعةٍ وهي تحتضن وجهه بيديها
= لا زينب يا عمده و مرتك برده، وموجوده جارك وتحت امرك بس انت شاور بس وانت عمرك ما هتلاقي راحتك الا معاها.
تنهد بيأس وتعب وأبعدها عنه ليقف يهندم ثيابه التي تبعثرت بفعلتها عندما استغلت نومه العميق، لكن فجأة شعر بها تضمه من الخلف، كمحاولة غير مؤثرة منها لزرع وتيرة اللهفة مرغت وجهها في ظهره متسائلة في صوت ناعم
= انا واخده بالي أنها بقيلها كام يوم ولا طايقاك ولا انت طايقها، وانا عارفه زين انك في النهايه راچل واكيد محتاچ اللي تهتم بيك وترعاك وده حقك! وطالما عندك بدل الواحده اتنين فليه تمنع نفسك.. صدقني من بعدها هترجعلك ندمانه وتبكي بدل الدموع دم!.
ابتلع ريقه بضيق و تأثر لكلامها عن غاليه، لكنه أبعد يديها بصعوبة مدمدمًا بلهاثٍ متلاحق
= زينب آآ بعدي.. عني.
أطلقت ضحكة مائعه وتقلبت أمامه بخفه ودلال لتبدو أكثر إغواءً وهي تخبره بعد لحظةٍ من الصمت
= من قلبك الكلام ده يا عمده بذمتك انتٍ مش محتاجني؟ طب جرب تقرب وهيكون سر بينا احنا الاتنين ومش هقولها طالما يعني مش قادر عليها..
كانت تلعب على الوتر الحساس حقا، ليرد بانفعال
= زينب وبعدها لك قلتلك بدل المره الف رفضي ليكي من عقلي انا، أنا ما حدش طلب مني حاچه.. ولا بيمشي كلمته عليا.. وانا لو عاوزك فعلا هعمل أكده ومحدش هيمنعني.
اعتلى وجهها هذه الابتسامة الخطيرة الواثقة،
لتقف أمامه مباشرة وعادت تمسح بيديها على صدره باغواء مرددة بدلال خبيث
= عارفه يا عمده طول عمرك راچل وسيدي الرچاله بس للاسف هي مش عارفه قيمتك الدليل انها سايباك بالشكل ده وهي عارفه قد ايه انك محتاج انا عارفه مين اللي قالك انها بتحبك وهي سايباك اكده حالتك تصعب على الكافر، بس انا موچوده بدل منها ايه رأيك.
شعر بتوتر وغضب تجاه غالية وحزن بسبب ابتعادها عنه بهذه الطريقة، مما جعله يشعر بأن كل مبرراته قد انتهت، بدأت هواجسه تتسلل إليه هل حقًا أحبته؟ إذن لماذا تتركه بهذه الطريقة دون أن تعاتبه أو تقترب منه لتداوي جروحه؟ هل يستحق منها ذلك حتى لو أخطأ؟ هل يجب أن يرد الخطأ بخطأ أكبر ويقترب من زينب لتتعلم كيف لا تتركه مجددًا في أصعب الظروف؟ أم يجب أن يبتعد عنها ويعود لنفس الدوامة دون حل؟
❈-❈-❈
ابتسمت زينب ابتسامة انتصار عندما لاحظت تأثير حديثها عليه وأخيرًا بدأ يفكر في كلامها واستسلم لفكرة أنها زوجته ولها الحق في ذلك لكن قبل أن تقترب منه وتبادر هي بالأول كما تفعل في كل مرة، استنكرت بشدة تحوله المفاجئ عندما سحب يديها لبعيد بقوة وتحدث بنبرة صارمة للغاية
= قلتلك كثير بلاش تتعبي نفسك معايا عشان ما هيفيدش اللي بتعمليه ديه، غالية ما حدش يقدر ياخد مكانها چوايا ولا عمري هلاقي بديل ليها حتى لو هي اللي مزعلاني وبعيده عني برده مش هقدر، اطلعي فوق يا غاليه والله يرضي عنك همليني لحالي .
ابتعدت خطوات للخلف ونظرت إليه بحقد واضح، فقد استنفدت كل طاقتها للتودد له، وفي النهاية انتهت بالفشل كعادتها. لم تعرف ماذا تفعل أكثر من ذلك حتى ينسى غالية قليلاً ويفكر بها حقاً، تعبت من جفائه وإهانته المستمرة لها ومع ذلك تمسكت بصمودها وصاحت بانفعال ملحوظ
= انا اسمي زينب يا عمده مش غاليه اللي رمياك ومش بتبص في وشك، على العموم كفايه قله قيمه لحد اكده لكن انا برده مش هسكت، وانت خليك قاعد أكده مستنيها تعبرك
بس لما تلاقيه مفيش منها رجي هتيجي تدور عليا وانا ساعتها اللي هرفضك وهتشرط طالما بتحب اللي يطلع عينك اكده وسايب اللي رايدك.
هبط بصمت فوق الأريكة متعباً، بينما خرجت الأخرى من غرفة المكتب غاضبة، ولم ينتبه أحد لوجود غالية التي كانت تقف بجانب تتابع كل ما يحدث، في البداية كادت أن تدخل و تتعارك معها كعادتها بتهور، لكن في اللحظة الأخيرة فكرت أن تتأنى لترى رد فعل زوجها تجاهها وهو في أمس الحاجة إليها لكنها تفاجأت حقاً بأنه لا يزال يحبها حتى في أضعف حالاته، وكم كانت تشعر بالحقد تجاه تلك الخبيثة التي كانت تستغل كل لحظة ضدهم لصالحها.
ندمت على جفائها معه في الليالي الماضية، لأنها بذلك كانت تترك لها المجال للتقرب من زوجها وإفساد علاقتها به أدركت أنها كانت تتعامل مع الوضع بطريقة خاطئة، وأنه لا ينبغي عليها تركه وهو بحاجة إليها وأن تترك غضبها وغيرتها لا تتحكم فيها أكثر من حبها له.
اقتربت منه بتردد وهي تشعر بالتباهي والفخر بعدما رأت زوجها كيف حتى في غيابها يحافظ علي حبهم وثقتها به، حمحمت وقالت بغضب زائف
= كانت بتعمل البنت دي ايه في الاوضه؟ ما طردتهاش على طول ليه؟
نهض قائمًا ودنا منها مرددًا في عتابٍ رقيق
= كانت عاوزه تديني اللي حرماني منه؟ چايه تفتحلي إيدها وتقولي انا بين ايديك اهو اعمل ما بدالك وسيبك من اللي بتحبها وهي شايفك أكده ولا معبراك وهينت عليها.. لكن انا مش هاممني حاچه غير راحتك.
حفظًا لماء الوجه، حاولت أن تقول بعزة نفس
= كذابه هي مش عارفه راحتك فين ولا بالك مع مين عشان تريحك، وبعدين انت عمرك ما هنت عليا حتى بعد ما انا هنت عليك بس كنت مجروحه منك.. و ما تفتكرش سهل عليا اشوف ان احنا بنبعد عن بعض اكده واسكت .
تقدم منها فتراجعت بشكلٍ تلقائي للخلف بتوتر و أتبعها ذلك قوله المريب
= لع كانت سهل عليكي يا غالية طالما عملتيها، ده انا بعد كل اللي عملتيه عمال ادورلك على اعذار ومش قادر ابعد عنك ولا اقرب من غيرك.. عشان بحبك وما ليش غيرك.
رمشت بعينيها وهي تنظر إليه مباشرة وهي تخبره بصوتٍ أقرب للهمس
= طب ما انا كومان دورتلك على اعذار رغم كل اللي عملته فيا وبحبك وما ليش غيرك.
انتصبت شعيرات جسدها وراحت الوخزات الموترة تضرب كل كيانها وتضاعفت رجفتها حين همس لها بتنهيدة ثقيلة مغلفة برغبة متأججة
= طب لما هي الحكايه اكده ليه بنبعد؟ ليه نبعد طالما عارفين أن مهما يحصل من التاني ملناش الا حضن بعض ومحدش يقدر يستغنى عن التاني.
هزت رأسها بالايجاب مستسلمة و رسمت ابتسامتها الرقيقة وهي تردد بشوقٍ لاهث
= صوح انا ما ليش غيرك يا سراچ ولا اقدر استغنى حتى بعد ما عملت اكتر حاچه توجعني... لسه برده عاشقاك يا ابن عمي.
تبادلوا النظارات الى بعضهم البعض عده دقائق وبلمحة اندفع إليها وهو يقبض عليها من منبت ذراعها بيده، بعدما صفق الباب بقدمه قادها للأمام في لهفةٍ متزايدة لتحاول مجاراته وهو ينهال عليها بقبلاتٍ نهمة ومتعطشة للمزيد ثم طرحها على الأريكة بعدما استل حجابها القصير عنها لينسدل شعرها الحريرة أمامه عينه، بينما هي استقبلت ثورة مشاعره الحسية وفورانها بهذه الطريقة الغريبة بكل صدر رحب وحب، لكنه شعر بها تقاومه فرفع نظره إليها ليجدها تحتج في تذمرٍ متدلل
= آآه ما ينفعش أهنأ ممكن حد يدخل علينا.
لتتوهج عينيه بوميضٍ مستثار وهو يهددها من بين نار شوقه ولهفته لها، وبصوت عاجز عن كبح جموحه
= يمين بالله العظيم لو اتحركتي من اهنا يا غاليه لا هيكون فيها حديد تاني وفعل ما هيعجبكيش، وعليا الطلاق ما حد متحرك مننا، اللي في الدار كلاتهم ناموا وما حدش هيدخل.
اتسعت عينا غالية بذهول فهذه أول مره يقسم بالطلاق لكنها لم تعترض بالتأكيد، ليمسك بعدها بمعصميها قيده بيده ليمنعها من الحركه قبل أن ينحني مجددًا على شفتيها ناهلًا منهما قدر ما يستطيع من حلوها باشتياق كبير واحتياج أكبر.....!!!.
❈-❈-❈
استغرق سراج في نومٍ عميق ممتد وكأنه لم ينم هكذا سابقًا، مسحت غالية برفق على كتفه بهدوءٍ لأكثر من مرة، فلم تجد منه استجابة لذا
قربت وجهها وبدأت تقبله بخفة مثلما كانت تفعل من قبل، وهتفت بدلال
= اصحي يا سراچ خلينا نطلع قبل ما حد يشوفنا.
بذل مجهودًا ليفتح عينيه ونظر إليها بنصف عين لينظر لمن تخاطبه لحظة مرت عليه قبل أن يستفيق كليًا ويرى بوضوح ملامحها اللطيفة، أبتسم علي الفور وهتف
= والله انتٍ مخبوله يا غالية هو انا شقتك يا حبيبتي ما انتٍ مرتي ما يشوفوني عادي.
أعادت غالية تكرار كلامها بأسلوبها الودود بخجل
= برده ما يصحش، و مكانش ينفع اللي عملناه ديه اهنا اصلا، هيقولوا علينا إيه دلوج لو حد خد باله؟
سلط أنظاره عليها ثم هز رأسه غير مهتمًا بالأمر وكان هادئًا للغاية بل مستمتعًا باللحظات التي نشبت بينهما للتو، ليغمز لها بطرف عينه قائلًا بشيءٍ من المرح
= عادي هيقولوا راچل ومرته، وبعدين حد كيف مين هيشوفك يعني اذا كان على امي هتفرح و مش بعيد يبقى عندها امل ان احنا نجيب الواد اللي قرفاني ليل ونهار بيه، ولا قصدك بقى زينب؟ لا دي ممكن تزعل فعلا لو عرفت اللي حصل .
دنت منه في الحال ولكزته في كتفه كنوعٍ من التوبيخ وهي تردد بغيظ
=ما تجيبليش سيرتها ما تزعل ولا تتفلق اصلا
كفايه حريقه الدم اللي أنا فيها ليل ونهار بسببها ولا كله كوم وسي سراچ دي اللي بتقولها كوم تاني خالص.. ولا كيف كانت بتقرب منك وعاوزه آآ.
صمتت وتلونت بشرتها بحمرةٍ خجلة، ليبتسم بغلاسه وهو يتسائل بلا فهم زائف
= عاوزه ايه ما تكملي؟؟.
ضغطت على شفتيها بخجل وعاتبته في صوت خافت مرتبك
= بس بقي، ويلا قوم.
تلقائيًا مد يده نحو هاتفه لينظر إلى الساعة، اندهش أكثر لمرور الكثير من الوقت ثم عاود التحديق في وجه زوجته متسائلاً باندهاشٍ
= معقول نمت كل ديه وما صحتنيش ليه بدري عن اكده.
ربتت غالية على ذراعه بحنيةٍ وقالت
= حسيتك كيف اللي بقيله زمن ما انامش عشان اكده سبتك براحتك حصل خير ولا يهمك...
أغمض عينه ثواني وفتحتها مرددًا بخمول
= انتٍ بتقولي فيها، انا فعلا الفتره اللي فاتت ما كنتش بنام خالص ولا من التفكير في اللي حصل ولا من بعدك..
هسهست غالية في صوت خفيض ما زال خجلًا نادم
= سراچ انا والله ما كنت اقصد اضايقك ولا اشوفك محتاج ليا وابعد عنك كعقاب انت عارفني كويس انا مش اكده بس الموضوع أني...
وضع أصابعه علي شفتيها لتصمت ثم ردد بجدية وعقل
= هششش غاليه انا مش مستنيكي ولا تتاسفي ولا تقولي مبررات انا اكثر واحد فاهمك اكثر من نفسك كومان، يا بنت ده انا اللي مربيك اصلا انتٍ نسيت احنا متجوزين و احنا عندنا كام سنه ولا نعرف بعض من ميتى.. معقول تعدي كل المده دي كلاتها وما بقاش فاهمك.. بس انا لو هعاتبك على حاچه واحده بس انك حتى وانتٍ زعلانه المفروض تيجي وتشتكيني كيف ما انا عودتك مش اكده.
لمحة من الضيق ظهرت على محياها حينما تكلمت عن ما بداخلها بقلق
= صوح ماشي، هعمل اكده ودلوج كومان! و انا أهو بشتكيك يا عمده من سراچ چوزي ما بقتش اعرف احط رأسي جانبه علي المخده وانام مطمنه كيف زمان طول ما انا حاسه بالذنب وطول ما انا خايفه لا تحصل حاچه تفرقنا عن بعض.
أمسك سراج بكفها وركز بصره عليها بنظرات عشق وهو يردد في بحبورٍ
= وانا من قبل ما أسأل چوزك بقولك هو باسم بالعشره انه هينهي الموضوع وهيلاقي حل عشان يرچع يطمنك من تاني وتنامي وانتٍ مرتاحه.. وهو عمره ما هيخذلك ابدأ.. مش انتٍ بتثقي فيه برده .
ردت غالية مبتسمة ابتسامة عريضة
= طبعاً بحبه وبثق فيه .
شملها بنظراته العطوف متحدثًا إليها في عبثيةٍ
= وهو بيموت فيكي وما يقدرش يستغنى عنك، ووجعه من وجعك يا غاليتي.
ابتسمت بسعادة غامرة ثم عاد يحتويها من جديد وغمرها موجات من الشوق والشغف، والرغبة في المزيد من هذا الوصال الدافئ الذي لا ينتهي بينهما.
❈-❈-❈
مر شهر و غالية لا تزال تعاني من نفس الوضع، حيث لم تتلقَ أي رفض من جانب زينب حتى تتمكن من التخلص من شعورها بالذنب والقلق بسبب إصرارها على طلبها كزوجة وهذا الأمر جعل غالية فريسة سهلة للشكوك والهواجس التي تنهشها بعمق، مما يزيد من شعورها بالخوف والقلق مرة أخرى، خشية أن يتكرر الأمر معها وأن تجد نفسها مضطرة لقبول هذا الوضع أيضا وتحمل زوجها مع غيرها، حتى لا تُعتبر ظالمة أو ترفض شرع الله. لكنها لا تستطيع تقبل الأمر حقا، حيث تشعر بصعوبة كونها زوجته على الورق فقط، وتتساءل ماذا لو حدث الأمر فعلاً.
تعلم جيداً أن زوجها لا يسمح بتجاوز الحق مهما كانت التكاليف، لذا بدأت تشعر بالتوجس والقلق حتى في أحلامها، فتستيقظ على كوابيس مروعة في منتصف الليل بقلب متوتر، ويهاجمها هذا الأمر بشكل متكرر، حتى أنها أحياناً تستيقظ صارخة، مما يوقظ زوجها بفزع وهو لا يفهم ما الذي أصابها في البداية، لكنه بدأ بعد ذلك يفهم ويحزن على حالها.
وفي إحدى الليالي كعادتها مؤخراً، استيقظت على كابوس آخر حيث حلمت أن سراج استسلم لأمرها واقترب منها وأصبحت زوجته فعلياً! سار سراج ببطء نحو السرير، وهزها برفق ليوقظها وهو يهمس بالقرب من أذنها بحنان.
= هششش أهدي يا غاليه ده كابوساً يا حبيبتي مش حقيقي.. أنا أهو جارك ما رحتلهاش ولا هعمل اكده عمري .
فتحت عينيها بفزع لكنها اعتدلت فوق الفراش تتنفس بعمق ويأس، فاقترب منها يحاوطها بين ذراعه لكنها أبعدته وهي تبكي بحرقة
= ما عملتهاش دلوج بس هتعملها قريب! ما اديك شايف كل يوم تفاتحك في الموضوع ومش ساكته ولا هتهمد غير لما يحصل اللي هي عاوزاه، انا عمري ما هسامحك على عملته دي ابدأ وعلى وجع القلب ده.
حاوط سراج زوجته من كتفيها بذراعه مجدداً رغم اعتراضها ودفعها لتسند راسها فوق صدره تستريح، قائلًا بعشق بائنة على تعابيره وظاهر في عينيه المحبتين
= تقول اللي تقوله انا لسه على رأيي ومش هقرب جنبها، وهفضل اكده مصمم على رايي أهدي بقي وبطلي بكي عاد.
كانت لا تزال بها لمحات باقية من العصبية والضيق، فظهرت في صوتها الذي ارتفع إلى حدٍ ما عندما هتفت بألم شديد
= كان ليه وجع القلب ده كله؟ ما كنا عايشين مرتاحين يا اخي لكن انت لازم تسيب كل الحلول وتدور على الحل اللي يعمل فيا اكده ويوجع قلبي وفي الاخر تيجي تقولي بحبك وعشقك يا بنت العم، لا ما هو واضح باماره اللي اتجوزتها عليا.
لامس بشفتيه وجنتيها دون أن تتبدل وتيرة نبرته الرزينة
= انا لسه بحبك وهفضل احبك انتٍ وعمري ما هحب غيرك.. حقك عليا يا بنت العم.
حديثه الهادي كان مغيظًا لها بدرجة كبيرة، ناهيك عن كونه موترًا لها، لهذا رفعت إصبعها أمام وجهه تحذره وقد اكتسبت بشرتها حمرة منفعلة
= بعد عني انت بتحرق دمي اكتر يعني خلاص ما بقاش ياكل معايا الحديد ده، يكون في علمك عارفه ان شرع ربنا وكل حاچه لكن انا بقى انانيه و وحشه وفيا كل العبر ومش هسمحلك تعملها يا سراچ وتقرب منها.. سامع مش هتاخدك مني حتى لو مسموحلها تقرب وانا خدتك منها.. وربنا بقى يسامحني على الذنب اللي انت شيلته لي بسببك
احتضن وجهها براحتيه قبل أن يميل على وجنتيها ليمنحها قبلة صغيرة وهو يخاطبها
بحنان
= لع انتٍ مش وحشه ولا انانيه انتٍ بتطلبي بحقك بيا وده حقك كيف ما انا كومان ما سمحتش العكس يحصل، ويعتبر هي اللي عاوزه تاخدني منك مش العكس عشان انا ليكي طول عمري وما هقربش لغيرك.. وبعدين انا اللي شايل الذنب مش انتٍ يا غاليه ريحي حالك وبطلي تفكري في اكده.
لم يكن مزاجها جيد لتواجهه أكثر، فأشارت له بيدها وهي تكلمه في صوتٍ مرتجف بعنادٍ
= ماشي.. بس برده مش هتقربلها حتى لو كلام عادي بينكم لازم اكون موجوده، هي مش سهله اصلا على فكره وحركاتها باينه أوي هي عاوزه توصل لايه لكن ديه في أحلامها .
ضحك ملء عليها وعقب عليها باسمًا وعيناه تعاهدان إياها بما يسر النفس ويبهجها
= حاضر أوامر ما عليكي كلها اعتبريها اتنفذت. تعالي في حضني جاري.. يلا قربي ولا اقرب أنا.
وهل يحق لها الإعتراض في تلك الحاله فهي بحاجه الى احضانه ليبث لها الطمأنينة والأمان،
وبالفعل قد فعل وعلم جيد كيف يحتويها هي واحزنها وخوفها من المستقبل لكن سيظل ذلك مؤقتاً.
❈-❈-❈
كان هو الملجأ لها لتفريغ مخاوفها والمتنفس الآمن عندما تقع في أي أزمة ولا تحسن التصرف أو التفكير في شيء ما، لأن حديثه واحتواءه يحملان ما ينفع ولا يضر، زوى ما بين حاجبيه للحظات معدودات، معتصرًا ذهنه بضع ثوانٍ من التفكير وهو يراها أصبحت الأيام الأخيرة تلتصق به كثيراً ولا تريد الإبتعاد عنه خوفاً من ضرتها المصونه، تكلم سراج بحيرة محسوسة في صوته
=وبعدها لك يا غاليه هتفضلي قفشه فيا اكده كتير مش هنشوف مصالحنا عاد، مالك برده لسه خايفه من الموضوع اياه .
أبتعدت عن أحضانه بضيق وهي تردد بعبوس
= وهي مصالحك اهم مني يا سراچ ما تاخد اجازه بقى مره من نفسك وتقعد جنبي.
هز رأسه بيأس بعدما لكزها لكزه خفيفة من كتفه لكتفها ثم مال سراج على زوجته مرددا بصوت جاد
= ومين اللي هياخد باله من البلد واللي ورايا لما اقعد جارك، وما ليش مصالح محتاچه مراقبه مني ولا إيه؟ همليني يا بنت الناس ولما اخلص اللي ورايا هرجعلك واقعد جارك كيف ما انتٍ عاوزه .
ضاقت تعبيرها بغيظ وهتفت بحساسيه
= ماشي يا سراچ معنى اكده مصالحك اهم مني اتفضل روحلهم وانا في داهيه اتفلق.
نفخ بصوتٍ شبه مسموعٍ بعدم رضا وقال باسمًا
= شوف الحديد العفش اللي هتقوله بطلي عقلك التخين ده اللي سياقك علي نفسك على طول، هو انا برده عندي أهم منك! ماشي يا غاليه ادي قعده ومش رايح في حته وهاخد النهارده اجازه ومش هقوم من جنبك كومان حلو اكده.
رددت في غير تصديق وقد أشرقت ملامحها وبرقت نظراتها سرورًا
= بتتحدد صوح؟ دي احلى حاچه عملتها خليك في دارك نتونس بيك وبالمره تريح نفسك شويه هو لازم يعني كل يوم شغل .
سدد لها نظرة مستخفة قبل أن يسألها ساخرًا
= آه فعلا انا اللي غاوي مرمطه واشتغل كل شويه، وتولع مصالحنا وشغلنا لأجل عيونك
تساءلت غالية باهتمامٍ لتغطي على الخجل المستبد بها
= هو انت لو وراك حاچه مهمه خلاص انا ما قصديش بس أنت كنت واحشني وعاوزك تبقى جنبي غلطت انا عاد في اكده.
رفع يدها إلى فمه ليطبع قبلة صغيرة عليها، ثم نظر إليها وهو محني قليلًا ليردد مرة ثانية وهو يرسم هذه الابتسامة الصغيرة الساحرة
= لا ما غلطتيش وخلاص قلتلك مش هروح في حته وهتصل بيهم واقولهم اني تعبان شويه وعاوز اريح وهم مش هيقولوا حاچه وبكره يبقى نشوف اللي ورانا، المهم انك تتبسطي ما تشيليش هم حاچه وأصل
اتسعت ابتسامتها الرقيقة ثم قبلته بخفة وقالت في صدرٍ شبه ناهج
= حبيبي هو انا بحبك من شويه، ايه رأيك انزل أعمل غدا ونتغدى سوا.. بس تفضل مكانك ما تتحركش انت وعدتني.. هاه؟ .
رفع حاجيبة للاعلي قليلاً يضرب رأسها برفق بيده بمزاحه، ثم علق عليها بتبرمٍ طفيف
= علي أساس اني خلفت وعدي معاكي عاد قبل سابق! ما تتلمي عاد يا بنت فاطمه
هزت غالية رأسها برفض وقالت بتلبكٍ حرج
= لع يا اخويا ما اقصدش والله، انا قصدي يعني انك تفضل مكانك ما تتحركش أهنأ ولا أهنأ في الدار وانا هروح بسرعه اجيب الوكل ومش هتاخر.
تنهد بعمق وقد فهم سبب كل ذلك واحترم مخاوفها، فلامس بيده وجنتها وهتف على نفس النهج العابث
= خلاص روحي يا غالية وانا مش هتحرك من مكاني خالص كيف ما عايزه بس ما تتاخريش..
نظرت إليه بحب وأجابت وهي تبتسم ابتسامة عريضة
= عيوني يا قلب غالية، هو انا ليا غيرك .
حافظ على بسمته المتسلية فزاد من ملاطفته اللفظية الخافتة وهو يخبرها بصوت ماكر
= ما تسيبك من الوكل دلوج وتاجي جاري هبابه طالما راضيه عني جوي اكده النهارده...
تبسمت على استحياءٍ، وهي تردد بخفوت
= ناكل الأول وبعد اكده انا كلي ملكك يا سيدي الناس وقدامنا الليل بطوله، هروح بسرعه ومش هتاخر.
❈-❈-❈
= نورتني يا شيخ مؤمن اتفضل أقعد، الشاي يا غاليه .
قال سراج بهذه العبارة المندهشة وهو يستقبل في منزله ضيفه المشتعل بالغضب بعدما لعبت زينب برأسه وجعلته يصل إلى ذروة الانزعاج والسخط منه، لذلك هتف في صوتٍ محموم
= لع استني يا غاليه معايز حاچه أنا ولا جاي أقعد ولا اضايف، انا جي في كلمتين وكلتني بيهم مرتك زينب وهمشي على طول .
تعجب العمدة من ثورتة ضده وقال بخشونة
= زينب.. قالتلك ايه؟!.
نظر له بعتاب وضيق وهو يقول بصرامة حاده
= ايه يا عمده كومان مش عاوزها تشتكيلي ولا انت مفكر نفسك الكبير الوحيد أهنأ بس اللي الناس بتوكلك تجيبلهم حقهم واحنا لما بنجوز بناتنا ما بنسالش عليهم! لع يا عمدة غلطان احنا بنفضل نسال على بناتنا حتى بعد ما يتجوزوا.. وبعدين دلوج لو حد عاوز يشتكيك انت ذات نفسك يروح يشتكيك لمين؟!.
نظر له باندهاشٍ وهو يتساءل بوجهٍ يضم علامات الحيرة
= يشتكيني انا.. انا مش فاهم حاچه انت عاوز تقول ايه يا شيخ مؤمن، وزينب وكلتك لايه بالظبط .
أجابه الآخر بصيغة تساؤلية مليئة بالاتهام
= مش عيب عليك يا عمده تبقي ظالم وما تعرفش تمشي شرع ربنا بين نسوانك الاتنين انا اول ما عرفت اللي فيها من زينب ما صدقتش انها تيجي منك انت بالذات، يا كبير بلدنا يا اللي ما بتسمحش بالغلط.. وكل ديه عشان خاطر مرتك الأولى طب خاف من ربنا هي هتنفعك في الاخره بردك.
برقت غالية عيناها ارتياعًا، وراح الذنب و الحرج يتولاها من كل جانب كأن هناك هجومًا ضاريًا على أعصابها دفعة واحدة، عندما صاح في عتابٍ حانق
= ما تردي يا غاليه، لو انتٍ مكان زينب وچوزك رفض يعاملك معامله الازواج وفضل عليكي مرته الاولى، وقالك هنعيشي اهنا كيف الأخوات ومرتي الاولى الكل في الكل واياكي تدوسلها على طرف وده اخرك عندي هتعملي ايه؟!. مش سامعلك صوت يعني.
ابتسمت زينب بانتصار وهي ترى ملامح غالية العاجزة عن التحدث أو الدفاع عن نفسها، لتعلق بصوت ساخراً
= هتقولك ايه يا شيخ مؤمن يعني اكيد مش هترضي بحاچه كيف اكده انما يظلموني انا عادي.. انا قلت كومان لامي وابويا وهم كانوا هيجوا بس قالوا لي هنبعت شيخ مؤمن الاول وبعد اكده لينا حديد ثاني.
انصدم سراج من قولها المباغت، واحتج متسائلاً في استهجانٍ
= انتٍ ايه اللي خليكي تطلعي اسرارنا بره وهو برده ده يصح يا شيخ مؤمن اامن مرتي على سر الاقيها ما سايباش حد غير وهي قايله له
وبعدين ما حدش يوجه كلامه لغاليه هي ما لهاش دخل ده قراري وانا اللي مسؤول عليه هي ملهاش ذنب فيه.
انتفض بدنها من صراخه رغم خفوت نبرته، فقالت زينب بتوجس
= امال يعني كنت عاوزني اسكت وافضل اكده طول عمري كان لازم اوكل حد كبير يعرف مقامه معاك، وبعدين برده لسه بيتدافع على الهانم بتاعتك وانا ايه مش مرتك برده صدقني يا شيخ مؤمن هي اللي محرضه عليا ما يقربش مني واصل.
تحدث مؤمن بنفس الصوت الملام وشبه المنفعل رغم خفوته
= بس يا زينب انا اللي بتكلم أهنأ طالما وكلتيني ما اسمعلكيش صوت، اسمعني زين يا عمده لو ما عملتش مرتك بما يرضي الله وما فرقتش بينها كيف ما بتعامل مع مرتك الاولى بالظبط ترجعها الدار عندنا، بس تعمل حسابك بكده هيرچع يتفتح التار بينا والدم هيرچع من تاني .
انقبض قلب غالية توجسًا، وأحست بطعم المرارة يملأ حلقها بينما الامر لم يختلف كثيراً عن سراج الذي لم يستطيع الاعتراض أو الرفض هذه المره، فتابع الشيخ على نفس النهج القاسي
= أسبوع واحد هستنى زينب تبلغني انه حصل، والامر بقى في ايدك دلوج يا عمده .
الفصل السادس من هنا