رواية العمدة وبنت العم
الفصل السادس6
بقلم خديجة السيد
كانت زينب تقف في منتصف السرايا تنتظر بفارغ الصبر عودة سراج الذي ذهب ليُوصل الحج مؤمن ويعود. لم تعكس ردود أفعاله الغامضة أي شيء، هل سيسمع حديثها أخيرًا ويعاملها كزوجته، أم سيظل يتجاهلها تمامًا ولا يرى سوا غالية؟ كانت تعلم جيدًا أنها تهورت في تصرفها هذا وربما ينعكس ذلك عليها، لكنها لم تجد حلاً آخر خاصة عندما تحسنت الأمور بينه وبين زوجته الأولى وأصبحت هي على الهامش تمامًا.
بدأت نيران الغيرة تشتعل داخلها، فهي في النهاية زوجه ترى زوجها يعشق امرأة أخرى ولا يجد مثلها حوله أبدًا، فأرادت أن تجرب وتحظى بهذا الحب ولو قليلاً، لكن ذلك كان صعبًا، فالعمدة يحب ابنة عمه حبًا لا مثيل له ولم ترَ مثله من قبل.
جاءت من خلفها فردوس و ربتت علي كتفها قائلة بفخر
= چدعة يا بنت انك دخلتي الشيخ مؤمن في الموضوع، أكده غصب عنه وعن الهانم التانيه هيقرب منك عشان تجيبلنا الواد أن شاء اللة.. ولو ناصحه بچد اكسبني في صفك وانا هخليهلك مكانها وهو اصلا بينفذ كل طلباتي
ضغطت على شفتيها للحظةٍ ثم أخبرتها بعد زفرة سريعة بتكهم
= بعدي عني يا حچه انتٍ كومان انتٍ لو كان ليكي كلمه في الدار ديه كنتي من زمان خليتي ياخد بتار عيالك، احنا هنضحك على بعض انتٍ ولا بتقدري على الصغير ولا الكبير ولا بيمشيلك أهنأ كلمه من اساسه عشان اكده انا بتصرف من دماغي وانا اللي هعرف اجيب حقي صوح
بدت علامات الضيق جلية على قسمات فردوس ثم لوت ثغرها معبرًا عن انزعاجها وهي تضغط على ذراعها بقوة
= اما أنك بنت قليله الادب صحيح وناقصه ربايه اتحددي معايا كويس وما تنسيش نفسك
وانا اللي قلت انك احسن من غاليه جاتك ستين خيبه.. انا استاهل أني بنصح واحده حماره زيك
التفتت زينب نحوها بسرعه وهي تحاول أبعادها بحده وما زالت تردد بطريقه ساخره
= كنتي نصحتي نفسك يا أختي، واتلمي وما تشتمنيش و اوعي يدي اكده هو انا ناقصاكي هو كل واحد في الدار ديه هيعمل عليا
رباطيه ويشوف نفسه عليا.. جاتكم الهم عيله كلكم بتاكلوا في بعض ولا حد طايق التاني .
هذا الحديث زاد من غضب فردوس، فضغطت على يدها بقوة أكبر كما كانت تفعل مع غالية عندما تغضبها في شيء ما، لكن زينب لم تتحمل هذا الوضع فدفعتهما للخلف بقوة شديدة حتى كادت أن تسقط لولا أن شفيق لحق بها ونظر إليها بعينين غاضبتين وصاح بحدة
= انتٍ اتجنيتي بتزقي خالتي اكده ليه؟
جاء من الخلف بسرعه فؤاد الذي رأى الوضع أيضاً، وتحدث قائلاً بنبرة غاضبة
= تعالي يا سراچ شوف اللي انتٍ بلاتنا بيها بتمد ايدها على امك وكانت هتوقعها على وشها .
كان بالفعل وصل سراج واقترب بسرعه حتى يطمئن على والدته ثم تطلع فيها بأعين مليئه بالقسوة، بهتت تعابيرها خوفًا من غضبته الظاهرة فردت بصوتٍ شبه مرتعش
= دول كدابين ما تصدقهمش ده هي اللي كانت چايه تقل ادبها عليا، وقعده تقولي لو عاوزه سراچ يقربلك افضلي زني عليه ياخذ بتار اخواته ونفذي كل طلباتي وانا هقولك كيف يكون زي الخاتم في صباعك.
افترت شفتاها فردوس عن دهشة مستنكرة وهي تردد بصوت عالية
= يحرق مطنك ده انتٍ طلعتي ميه من تحت تبن ولله يا ابني ما قلتلها اكده دي بتزود كلام من عندها.. وانا اللي فاكراكي طيبه وعلى نياتك .
اقترب منها بسرعه وجذبها من ذراعيها بكل عنف ونظر لها شزرًا وصاح بوجومٍ
= انتٍ النهارده اتعديتي كل الخطوط الحمراء معايا وجبتي اخرك، كل مره اكبر دماغي واقول معلش كفايه اللي هي فيه واعذرك لكن تيجي لحد امي واسرار الدار اللي طلعتيها بره
وكومان بتوقعي بيني وبينها وبتزودي كلام من عندك لحد اهنا وكفايه.
حذرته زينب بقدرٍ من التهكم رغم خوفها
= هتعمل ايه يعني انت نسيت كلام الشيخ مؤمن؟ لو طلقتني التار هيرچع بين العيلتين من تاني
استاء من طريقتها حقا فطالعها بنظراتٍ ناقمة قبل أن يعلق عليها بأمر بازدراءٍ
= هو انتٍ هتلوي دراعي وتهدديني كومان اطلعي لمي خلقاتك ويلا على بره من اهنا، والشيخ مؤمن لي حديد معايا تاني! غلطه عمري اللي انا اتجوزت واحده زيك تحت اي ظرف.. وقبل ما تفكري تنكري وتكدبي تاني السرايا مليانه كاميرات أصلا.
شعرت بالخوف ووجدت نفسها في مأزق، فحاولت التراجع عما فعلته لكن فات الأوان!
عندما هز رأسه برفض قبل أن يتكلم في شيءٍ من القوة الحاسمة
= اتحركي من قدامي يلا، واياكي المحك اهنا تاني.. أهي غلطتي من البدايه واديني بصلحها.
انتٍ طالق يا زينب.
تجمدت زينت في مكانها مصدومة مما حدث فقد تم طلاقها بشكلٍ فج تسبب في إحراجها أمام الحاضرين، فلم تتوقع ذلك أبدا منه بسبب أمر الثأر لذلك كانت طول الوقت تضغط على الوتر الحساس لدي، لكنها هذه المره لم تواصل جرأتها وتحركت لترحل بالفعل دون مزيد من اهانه خاصة وقد بدأت الهمهمات تصدر من حولها.
حضرت غالية وأعتقدت أنها ستشعر بالشماتة تجاهها، فقد تحقق ما كانت تريده أخيرًا و ستغادر من هنا، وسيبقى زوجها معها كما كان وبقي.
لكن كانت غالية في حيره وخوفا فتعلم جيد
طلاق ضرتها قرار سعيد لها لكن تعيس أيضا بنفس الوقت للقادم بعد فتح أمر الثأر من جديد، أمرها زوجها بخشونة صارمه
= غالية على فوق انتٍ كومان وما تخرجيش من اوضتك، يلا معيز حد يهودني في الكلام نفذوا وبس .
هزت رأسها بالايجاب وتحركت بكل طاعه الى الأعلى، بينما أبتسم فؤاد وقال
= اكده أحسن يا سراچ احنا من الاول كان لازم ناخد التار منهم مش نناسبهم، مش أكده ياما.
مالت أمه ناحيه سراج قليلًا لتضيق عينيها معقبة في عبثيةٍ غير مريحة
= اسكت انت اخوك الكبير هو اللي هيجيب تار اخواته و اهو طردتها من اهنا بنفسه، وهو عارف كويس اللي هيحصل بعد ما طلقها
ضغط فؤاد علي شفتيه بغضب من الاستخفاف به وتحقير مطلبه لكن لم يعطيه احد فرصه للحديث أصلا، بينما علت ملامح وجه سراج وظهر الضيق فعبر لهم عن مخاوفه بصوتٍ شبه مهموم
= لع ياما ما فيش تار هيتجاب ولا حد هيموت كذا مره اقعد اقولك الكلمتين دول مش عاوزه تحفظيهم، انا ما عنديش استعداد حد منكم يتاذي.. حتى انا خايف على نفسي عشانكم لكن انا في داهيه مش مهم.. لكن مصيرك هيكون ايه بعد ما اموت ده اللي مخوفني وما اعرفوش.. و ده السبب اللي منعني اخذ حق اخواتي بالطريقه دي، افهموني بقى مره واحده.
على الفور فكرت فردوس بأن تستخدم فؤاد ضده، فحدجته بنظرة قاسية محتجة على تصرفه الغليظ و زفرت الهواء بعمقٍ قبل أن تجيب بصوت مراوغ مستفسرة
= يعني ده آخر حديد عندك يا سراچ مش هتاخد بتار اخواتك وتقتل حد من عيله البدري وتحرق قلوبهم كيف ما حروقه قلبي على عيالي؟ بقي خيك الصغير يتحرك عنك وانت الـ... فؤاد فين؟؟.
توقفت فردوس مرة واحدة بعد جملتها الموحية، فرد شفيق بعدم معرفة
= معرفش كان اهنا من شويه، تلاقيه راح بره يعمل حاچه ولا طلع اوضه
ظلت بسرعه تبحث عنه في السرايا بعيناها وصوتها يعلي بلمحة استنكار
= لع كان واقف معانا من شويه وقبل ما سراچ ينزل كان على آخره وقالي لو اخويا ما خدش بتار اخواتي انا اللي هروح اخده بنفسي ليكون راحلهم؟
انتفضت مذعورة بخوف شديد و راحت تصيح بقلق بالغ
= يا مصيبتي السوده الحق اخوك يا سراچ الثالث هيروح مننا.
وقبل أن يتساءل أحد عن أين ذهب؟ جاءت غالية تركض إليهما وتعلقت عينها عليه مرددة بنحيبٍ وكأنه الأمل الأخير المتبقي لها
= سراچ الحقني بسمله بنتنا مش بره والغفير قالي أنها كانت بتلعب قدام الدار بس فجاه اختفت وما يعرفش راحت فين .
عقد حاجيبة باستغراب وهو يقول بصوت غاضب
= يعني ايه اختفت؟ واللي خليها تطلع بره اصلا لوحدها .
هتفت فردوس في حرقةٍ بعينين تغرقان في الدموع الساخنة برعب
= انت لسه هتاخد وتدي معاها اجري بسرعه شوف اخوك فؤاد لو راحلهم لوحده المره دي تاني هيموتوه، يا حزنك يا فردوس على عيالك .
❈-❈-❈
لم يحبذ فؤاد أن يظل ذلك الإبن الصغير على هذا القدر من السذاجة والحُمق والذي لم يثق في أحد حتى أمه كانت تستخدميه وسيله ليس أكثر لتستفز ابنها الكبير فقط، وذلك جعله يغضب اكثر لذلك انسحب من بينهما بالسلاح وهو في طريقه الى عائلة البدري مجدداً ليثبت اليهم ان ذلك الطفل الذي في عمر السادس عشر سيأخذ ثأر اشقائه، وفي طريقه الغاضب لم يلاحظ تسلل تلك الصغيره خلفه وهي تركض وراءه تحاول اللحاق به معتقده بانه ذاهب للتنزه مثل ما تعودت منه لذلك عندما رأيته يخرج من السرايا تبعته على الفور وهي تردد
= فؤاد يا فؤاد استنى انت بتجري ليه أكده بسرعه خدني معاك لو رايح تشتري حاچه حلوه انا بقيلي كتير مش بخرج من الدار .. يوووه يا فؤاد رد عليا
وقفت فجاه بسملة عندما لمحت ذلك الغفير يركض نحوه فؤاد لياخذ منه السلاح ويمنعه من تلك الكارثه التي ذاهب لفعلها
= فؤاد استنى أهنأ كان قلبي حاسس انك رايح تعمل حاچه عفشه عشان اكده لحقتك.. ارچع يا ابن الناس كفايه الدار هناك شايطه مش ناقصين مصايب لازم تسمع كلمه العمدة في الاول والاخر هو أخوك الكبير وشوفوا هيقول ايه ويحكم بيه
وقبل ان يتكلم فوائد لمح بسمله في الخلف تقف تراقبهم بقلق فصاح بحده
= انت اللي جيبك يا بنت انتٍ ورايا ارچعي بسرعه على الدار..
ألتفت رجب الغفير أيضا ليراها ليقول بسرعه بقلق عليها
= بسمله انتٍ اللي جايبك يا بنتي ورانا ارچعي بسرعه الدار زمانهم بيدوروا عليكي هناك يلا .
ليزيح فؤاد الغفير بعصبية عنه وقال معترض
= وانت اتفضل معاها محدش ليه صالح بيا اعمل اللي هعمله طالما الكل مستقل بيا حتى أمي اللي كانت بتشحن فيا عشان اخويا يتحرك وياخد هو بتار اخواتي وانا بالنسبه لها عيل صغير انا هوريها بقى العيل الصغير ده هيعمل ايه
اتسعت عينا رجب بخوف وهتف بنبرة جاده
= انت اتخبلت في عقلك هات السلاح ده مش هسيبك غير وانت معايا، يا ابني بكفاياك عاد الناس اللي عماله تتقتل دي ما تفتحش علينا فتوحه تاني..
هز رأسه برفض تام ليشد اجزاء السلاح كنوع من الاستعراض الجسمين لقوته التي يستهان بها الجميع، و ذلك جعل الأخير يشعر بالخوف اكثر لذلك اقترب رغم عنه لياخذ منه السلاح
لكن فؤاد توعد بشراسة جمة
= قلتلك بعد عني مش راچع الا لما اقتل حد من عيله البدري قصاد اخواتي اللي راحوا، بعد عني يا غفير الغبره انت.. اوعي و... آآ
صمت الاثنان فجأة عندما خرجت رصاصة من السلاح واستقرت في جسد تلك الصغيرة التي كانت تراقبهما بخوف شديد، ثم سقطت على الأرض تنزف الدماء. تجمد قلب فؤاد في مكانه من عدم الاستيعاب، وسرعان ما هتف الغفير برعب
= يا سنه سوخه.. بسمله!.
❈-❈-❈
عندما بلغ الجميع بذلك الخبر المأساوي من الغفير والذي علم عنه كل معارف البلدة، جاء سراج وزوجته على وجه السرعة الى المستشفى الذي تم نقلها بها، تقدم سراج إلى الطبيب بقدمين مرتعشتين، وقلب وجل ومذعور متسائلاً بحذر
= طمني يا دكتور بنتي عامله ايه؟ احب على يدك ما تخبيش عننا حاچه البنت حالتها ايه
بدأ الطبيب جادًا رغم صوته الهادئ وهو ينظر إلى أهل المريضة بشيءٍ من التعاطف عندما حادث الأب
= احنا الحمد لله طلعنا الرصاصه بس ذي ما انت شايف ده عيله صغيره وما تستحملش عمليه كبيره زي كده خصوصا ان الرصاصه جت في مركز حساس في الظهر وممكن...
برزت عينا سراج في ذهول، فأكمل عنه بما شتت تفكيره وأصابه بالتخبط
= ما تقطمناش بالحديد يا دكتور هات من الاخر البنت مالها، هتعيش صوح.
هز الطبيب رأسه مرددًا بقله حيله
= دي حاچه بايد ربنا وهي الحاله مستقره بس احتمال كبير الرصاصه دي تاثر على العمود الفقري وما تعرفش تمشي تاني!.
تعذر عليه إكمال جملته، فقال بصوتٍ شبه خافت
=الا طبعا بالعلاج الطبيعي بعد كده ان شاء الله والاشعه هي اللي هتبين هي محتاجه ايه الفترة الجايه.. شدوا حيلكم .
صدحت غالية من أعماقها صرخة مدوية رن صداها المفزع في الأرجاء، قبل أن ترتمي بجسدها على الأرضية وهي تصيح من الألم الرهيب الذي حل داخلها تولول فجيعة خوف فقدان ابنتها الوحيدة
= آآآه يا بنتي يا حرقه قلبي عليكي يا حبه عيني.. صغيره على كل ديه هتروح مني اكده وهي لسه بتشق الدنيا، آآه يا بسمله يا بنتي .
أغمض سراج عينه بألم بعد سماعه لتلك الأخبار السيئه وصوت صراخ زوجته الهيستري والمفطور يهدر من ورائه لكنه لم يكن كافيًا ليخمد النيران المشتعلة في قلبها ولا قلبه، فهو خسر كل شيء دفعة واحدة بعد أن فاز بملذات الدنيا ومباهجها، وفي تلك اللحظه جاءت فردوس تركض بقلق شديد وهي تتسائل بتوجس
= طمني يا ولدي فؤاد فين ما ارجعش الدار ليه لحد دلوج؟ ومرتك هتبكي ليه هو مين اللي مات و ايه اللي حصل.. اوعى تقولي اخوك حصوله حاچه والله ما هستحمل التالت يروح مني
لم يرد عليها احد انما أبدى سراج استعداده الكامل لفعل كل ما يمليه عليه الطبيب طالما أنه يخدم في النهاية صالح أبنته، لذلك طلب منه ان يفعل كل ما بواسعه ولم يهتم بالمصاريف الأهم صحه ابنته، فأومأ برأسه بهذه البسمة الخفيفة، لعل وعسى تحدث المعجزة ويتم التسهل في علاجها وتعود تسير من جديد .
ليجيب عليها الغفير رجب أخيراً الذي تكلف بالأمر هاتفا بحزن على تلك الصغيره البريئه
= اطمني يا حاچه فردوس فؤاد في امان بس احنا تويناه لحد ما نشوف هنعمل ايه معاه، أصل لما حاولت ارجعه عن اللي هيعمله غصب عنه طلعت رصاصه وجت في حفيدتك بسمله، ولا حول ولا قوه الا بالله والدكتور قال احتمال ما تعرفش تمشي على رجليها تاني بس ان شاء الله خير .
توقع أن تحزن على ما أصاب حفيدتها لكنها فاجأتهم عندما هتفت بعدم مبالاة بجحود
= الحمد لله ان ولدي بخير طمنتني أنها جت بسيطه على اكده، و ما راحش لعيله البدري
رفعت غالية كلتا يديها أعلى رأسها وذلك الصداع ينخر في عقلها، كيف أصبحت بتلك الدرجة تعيش مع ناس بلا قلب وبتلك القسوه ومن السوء بلا رحمة، حركت جسدها يمينًا ويسارًا وهي تعنفها
= بيقولك حفيدتك اتصابت برصاصه وممكن ما تعرفش تمشي تاني وانتٍ تقولي بسيطه و كويس انها جت على اكده ومش فارق معاكي العيله الصغيره اللي ابنك كان هيموتها وضيع مستقبلها وهي لسه بتشق طريقها؟ هو انتم قلوبكم ايه حجر! مستحيل تكونوا بني ادمين بنتي بسببكم التار طلها حتى العيله الصغيره ما ترحمتش من شركم وانتٍ مش فارقه معاكي غير عيالك اللي عماله تموتي فيهم واحد ورا الثاني
نظرت فردوس إليها بقسوةٍ لترد في وقاحةٍ
= انا مش هرد على طوله لسانك دي عشان مقدره اللي انتٍ فيه لكن ايوه جت سليمه انها ما جتش في الرچاله وهم بخير.. يمكن لو اول خلفتك ولد كنت زعلت عليها زيك واكتر
خرجت منها شهقة بدت أقرب للصرخة وهي تردد بحسرة وقهرا
= انتٍ مستحيل تكوني انسانه زينا ما كفاياكي شر يا شيخه اللي جوه دي بنتي وكانت هتروح مني بسبب التار اللي ما وراكيش غيره وقرفانه بيه مع انك السبب في موت عيالك أصلا! والثالث برده كان هيروح بسببك.. وانتٍ كل ده مش فارق معاكي! دي حته مني يا ناس استنيتها بعد صبر كبير تروح مني اكده عادي
حسبي الله ونعم الوكيل فيكي ربنا ينتقم منك
نهرتها حماتها بنظرة صارمة من عينيها قبل نبرتها القاسية
= انتٍ بتحاسبيني عليا يا بنـ**
ببطءٍ و وهن أدار سراج رأسه لينظر إلي أمه فعاتبها بجديةٍ
= بـــس! خلاص كفايه هو انتٍ شايفانا في ايه ولا في ايه، وقت دلوج ولد ولا بنت ولا على مين هنحزن.. هو انتٍ حتى وجع قلوبنا وحزننا هتتحكمي فيه
التفتت فردوس برأسها لتنظر إليه معقبة في شيءٍ من الحقد فزاد من استفزازه بقولها
= طبعا كالعاده هتتحامق ليها حتى على حساب امك اللي عماله تزعق وتقل ادبها عليها لكن كل دي مش مهم.. مش هي مرتك حبيبتك اللي على الحجر طبيعي هتكون في صفها مش أكده!
ضم شفتيه وردد بعد لحظة من الصمت الموجع
= انا في صف الحق ياما طول عمري و المره الوحيده اللي حاولت اغير واجرب ارضيكي حتى على حساب الغلط دفعت انا الثمن في النهاية، وفوق كل ده لسه بتحاسبيني هملينا ياما الله يرضى عنك وروحي شوفي حالك ما تخلينيش افتح في القديم.
رجاها لتصمت، ليستريح من عناء المجهود الذي يبذله في الكلام معها دون فائدة لكنها أبت الإنصات إليه، لذلك حشرجة أخيرة انفلتت من جوفها بعصبية منفعله
= لا ما تكتمش حاچه في قلبك واتفتح عاوز تقول ايه يا سراچ عملتلك ايه دلوج أنا؟ ولا ذنبي ايه ولا داخلي فاللي حصل لبنتك هتعوم على عوم مرتك ولا ايه؟
حرك رأسه بخزي رافضًا ما قالته له وانسابت دمعه من عينيه ندمًا، ثم هدر بها عاليًا حتى ظن أن من حوله سمعوا
= انتٍ بتتحددي بجد؟ ما عارفاش ذنبك ايه دلوج ولا ايه دخلك! مش انتٍ اللي فضلتي
تزني ليل ونهار على حكايه التار وتشحني ابنك فؤاد العيل الصغير اللي ما سلمش منك عشان تحركيني وتخليه كيف الكوبري وسيط بينا عشان أتأثر بالحديد واحس اني مش راچل واعملك اللي انتٍ عاوزاه؟ اوعي تفكريني مش فاهم من اول يوم الاعيبك، لكن كنت برچع واقول معلش اعذرها قلبها محروق على ولادها الاتنين.
ابتلع مرارة الوجع قسرًا وقال مدافع عن نفسه بألمٍ محسوسٍ في نبرته
= وحتى لما اتنازلت وما رضيتش اكمل حكايه تقديم الكفن عشان خفت على اسم العيله و فؤاد ما يتهورش ويعمل حاچه وقلت احاول ادور على حل تاني.. بس يا ريتني كنت قدمته ولا سمعت حديدك من الأول بس خلاص فات الأوان وربنا عاقبني في بنتي عشان بدل ما أفكر في ارواح الناس البريئه اللي هتروح فكرت في هبتي والعيله.
نظرت إليه باستخفاف فخاطبته بتهكمٍ ساخرٍ للغاية
= انت لسه بتفكر في حكايه الكفن دي والعار اللي كنت عايز تشيلهلنا طول العمر.
ثم تابعت قائلة بمكرِ الثعالب قاصدة تهز رجلته ليندفع كالاهوج مثل اخيه الصغير ويذهب للبحث عن ثأر اشقائه
= بقى اخوك الصغير يطلع ارچل منك ويروح ياخد حقه لوحده قصادهم مرتين وانت لع!.
هز رأسه بيأس منها متمتمًا بصوتٍ خافت للغاية وبه نبرة مليئة بالاتهام
= انتٍ اللي لساتك بتفكري عايزه تموتي مين فينا تاني! ابنك الاولاني راح بسبب دلعك في الصغير التاني محمد اللي كنت دايما اقولك شدي عليه وبلاش مروحه وجاي بالبندقيه وانتٍ تقوليلي ملكش دعوه واحكم علي مرتك وبس، واهو راح هو كومان بسبب انك حرتي شفيق على عيل صغير ملوش ذنب من عيله البدري، تسكتي بقى على اكده لع!
غمره شعور المعذب العاجز الفاقد للحيلة والوسيلة، فإضاف محني الرأس يتخبط الأفكار السوداوية
= ولما لقيتي ما فيش رجا دخلتي على الصغير اللي ما رحمتهوش وبقي عاوز يعمل اي حاچه في عيله البدري عشان يحس أنه راچل وفي الآخر بنتي اللي راحت ضحيه كل ده ومش عاجبك كومان عاوزاني اعتبرها كلبه وراحت وكل ده عشان هي بنت مش ولد! وانتٍ عارفه كويس انا تعبت قد ايه عشان اكون اب وبنتي تيجي على الدنيا... وكل ده عشان التار إللي خد وراه اكثر من اربع انفار كفاياكي شر فعلا وابعدي عننا وسيبينا في حالنا .
❈-❈-❈
انزوت غالية في زاوية ودموعها تتساقط تتذكر كل ما حدث لها منذ اليوم الأول لدخولها تلك العائلة وكم تجاهلت من الأخطاء الشائعة من أجل زوجها فقط! لكن الأمور وصلت إلى حد لم تستطع فيه التجاهل، خاصة عندما طالت هذه المشكلات ابنتها الصغيرة، فلذة كبدها.
لم تغفل غالية منذ اليوم الأول لولادة تلك الصغيرة عن نظرات فردوس التي كانت تمنحها إياها كلما نظرت نحوها، إذ كانت تشعر بعدم الرضا من حماتها وكأنها أنجبت عبئًا وليس هبةً من الله، يدعوها الناس لينالوا منها! حتى أن ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة لها، فقد رزقها الله بها بعد صبر طويل، وهذا كرم عظيم لهما.
وفي ذلك الأثناء تقدم سراج إلى غرفة ابنته ليطمئن عليها، ليجد زوجته واقفة أمام الغرفة. تنحنح بصوته الخشن ليجذب انتباهها، لكنها لم تتحرك وكأنها لم تسمعه، مما دفعه للتقدم والتحدث بنبرة صارمة
= طمنيني عليها فاقت ولا لسه، وبعدين مالك واقفه اكده ليه ما توسعي عاوز اشوف بنتي!.
أطلقت غالية زفرة بطيئة وقالت في صوتٍ مفعم بالأسى
= والله! دلوج بس افتكرت أن ليك بنت تخاف عليها كيف غيرك ولما يحصلها حاچه قلبك يتحرق عليها وتعرف معنى الضنى بجد!
نظر إليها بقلقٍ حقيقي فقال بنفاذ صبر
= غاليه ابوس يديك انا مش طايق نفسي وعلى اخري فبلاش تزوديها عليا، فابعدي وخليني أشوف بنتي واطمن عليها .
لم تتنازل الأخرى عما تريده لتقوم غالية بإبعاده عنها وهي تنهره بغلظةٍ وإصبعها موجه إليه بحزم وقوه لأول مره يشاهدها بها
= لا يا سراچ مش هتدخل ولا هتعدي الاوضه دي، واعمل اللي تعمله فيا ان شاء الله حتى تضربني ولا تطلقني! بس كل الا بنتي طالما دخلتوها في حكايه التار والقتل ده وما ارحمتوش كبير ولا صغير يبقى انا وبنتي لازم نبعد عنكم ومن شركم
أحس سراج وكأن مطرقة قاسية قد هوت على رأسه فجعلته في حالة من الخوار والهوان، بدأ لحظتها وكأن محيط غام وساد فيه التشوش والضباب، فهو كان بحاجه الى تهونها لا أكثر لكن لم يكن يعلم بأنه السبب في جرحها للمره الثانيه على التوالي، ليرد بصوت شبه لاهث مصدوم
= تطلقي هي وصلت لكده! طب انا مش هاخد على حديدك دلوقيتٍ عشان عارف اللي انتٍ فيه لكن الحساب بينا بعدين عشان انتٍ اكتر واحده عارفه ان انا ما ليش ذنب في رقده بنتك دي.. وحتي أمي يعتبر طردتها من المستشفى
بلعت ريقها وخنقت هذه الغصة التي برزت في حلقها بقولها وهي تنظر إليه بحزنٍ
= امك في كل الحالات كانت ماشيه طالما عرفت ان اللي مش راقد جوه ابنها انما دي حفيدتها اللي حيا الله بنت فداهيه كلبه و راحت ولا هتترحم عليها حتى لو كان جريلها حاچه، وبعدين ما تعملش فيها قلبك على بنتك عشان انت برده يعتبر السبب في رقدتها دي.. لو كنت قدمت الكفن وخلصت من حكايه التار دي كنا زمانه خلصنا، لكن كيف هيبتك وسط الخلق ورضا امك اهم من بنتك اللي كنا نتمنى بس دوفر منها ومش لاقيين
أغمض عينه وفتحها يتنفس باجهاد وقال برجاء
= بكفاياكي عاد يا غاليه قلتلك انا مش ناقص اي كلمه، وبعدين دي اخرتها شايفين انا السبب في ايه اللي حصل لبنتك وانا اللي قتلتها
أطلقت غالية زفرة بطيئة، وقالت في صوتٍ مفعم بالأسى
= ايوه انت السبب يا سراچ وانا قلت لك مش هسكت غير لما تمشي من اهنا ومش هتدخل تشوف بنتك.. ومش بس اكده اول ما تفوق هاخدها على دار أبويا و آآ ورقه طلاقي كومان يا ريت تبعتها لي وكل واحد يشوف حاله بعيد عن التاني يا ابن الناس وخلصت لحد اهنا.
فرك طرف ذقنه وهو يواصل الكلام في طيات رأسه ليستوعبه، ثم رد بما بدا أشبه بالوعيد
= ده انتٍ بقى لما طلبتي الطلاق اولاني كنتي قصداها مش كلمه خرجت منك اكده بدون قصد! ده انتٍ ما طلبتهاش لما عرفتي ان انا مش بخلف چايه تطلبيها دلوج
عندها عقبت غالية بعبارة قوية المعنى، وكأن فيها لومًا مستترًا على ما تعرضت له ابنته في غيابه ورفضه الغير الطبيعي لحل الأمر وكانت هي من دفعت الثمن بالنهايه
= طب كويس انك عارف ان انا استحملت و صبرت كتير معاك وآخر المعروف بنتي تروح، بس كان لازم من البدايه أعرف طالما عيلتك بالشر ده شرك برده هيطلنا، بس كنت ارجع اقول انت غيرهم! لكن خيبت ظني يا سراچ وما طلعتش غيرهم.. عشان اكده انا بطلب الطلاق كل إلا بنتي يا سراچ.. كله إلا بسملة..
وبشيءٍ من عزة النفس والكرامة خاطبته تضيف وهي تنظر إليها بعينين دامعتين
= انا غيرك مستعده عشانها اعمل اي حاچه حتى لو هتنازل عنك لكن انت اخترت خلاص، يبقي هملنا لحالنا الله يرضى عنك وسيبنا و روح لحالك بقى عاوز تكمل تار ما تكملش بس بعيد عننا.. و ما يطولناش.. ولا أنا ولا بنتي هندفع التمن .
❈-❈-❈
لم يصدر عن سراج أي صوت وهو يري اخيه يفتح باب مكتبة بحرصٍ شديد ليلج إلى الداخل كان البهو شبه معتم خافت الإضاءة
لا ضوضاء جالس فقط بهدوء تام، متعباً الملامح رمقه فقط بنظرة غير مريحة بصمت لذلك أضطر الآخر الى التقدم إليه، نظر فؤاد له بتوترٍ قلق وهمس بصوت مرتعش بعذاب، كأنما يستجديه لينقذه من ضميرة الذي استيقظ قبل فوات الأوان
= سراچ ممكن تسمعني من ساعه ما رجعتني الدار وانت مش راضي تبص بخلقتي وانا عذرك يا اخويا، بس اقسملك بايه ما كنت قاصد اعمل في بنتك اكده.. أنت عارف كويس أنا بحبها قد ايه وبعتبرها بنتي انا مش بنتك أنت.
خاطب سراج أخيه بلهجته الهادئة وهو ينهض من مكانه
= خلصت بعد من قدامي!.
انقبض قلبه بقوةٍ من رده فعله الجامدة تلك، فصرخ في حرقة ودموعه تنسال بغزارة
= يا سراچ ما تسيبنيش لضميري ورد عليا باي حاچه طفي ناري، طب سيبني حتى اروح لغاليه استسمحها تسامحني، حقكم عليا كلكم والله ما كنت قاصد أن كل ده يحصل
رفض سراج الاستماع الى تلك الأمور الذي ليس لها قيمه لدي، وصاح في عصبيةٍ جمة
= لازم تبقى عارف كويس حاچه واحده انا اللي مصبرني عليك حتى لو مش قاصد اللي عملته ان غاليه ما اتهمتكش وقالتلي خليه يروح لحاله، لكن لو كانت نطقتها وقالتلي عاوزه حق بنتي من اخوك ما كنتش هتردد لحظه واحده وارميك في السجن..
تحشرجت أنفاسه ونظرت إليه بندم فقال بصوتٍ متقطع بيأس
= طب يا ريتك كنت عملتها احسن من اللي انا فيه، يا ريتنا سمعنا كلنا حديد غاليه وقدمنا الكفن فعلا من زمان بدل القرف اللي عايشين فيه ده كله دلوج.. احنا ايه اللي وصلنا لكده يا اخوي؟!.
دفعه بخشونة تجاه باب غرفة المكتب بتعبيرٍ واجم للغاية وهتف بقسوةٍ
= أسأل أمك اللي حردتك عليا كيف ما حردتك على عيله البدري!. لحد ما بقى كلنا همامنا التار وما بنفكرش في حاچه غيره.. حتى اوجعنا نسيناها لحد ما القسوة اتملكت فينا وما بقاش في رحمه في قلوبنا.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوعين، رمشت بعينيها عده مرات ببطء وألم وتداركت نفسها فوق فراش المستشفى لتتطلع إلي حولها باستغرابٍ، فدنت الدكتوره منها مُلقية عليها التحية
= صباح الخير، حاسه بايه دلوج.
وضعت غالية يدها فوق رأسها بألم شديد وهي تتسائل بتوجس
= آه.. هو في ايه، ايه اللي حصل؟
أجابته بابتسامةٍ رقيقة وهي تساعدها في الجلوس
= بالراحه على مهلك ما تقلقيش لقيناك فجاه وقعتي من طولك وانتٍ قاعده بتخلي بالك من بنتك.. وندوني عشان اكشف عليكي .
تنهدت بعمق ثم قالت بعدم مبالاة وهي تهم بالنهوض
= تلاقيني من قله الوكل والمجهود متشكره يا دكتوره انا بقيت زينه هروح اشوف بنتي.. لحسن تكون فاقت وما فيش حد جنبها .
منعتها الأخري من القيام مشيرة بنظراتها وبيدها باهتمام
= انتٍ فعلا اللي حصولك بسبب قله الوكل والمجهود الكتير بس لازم تخلي بالك من نفسك خصوصا انك ما بقيتيش لوحدك دلوج وبقى جواك روح، مبروك انتٍ حامل!.
كل ما استطاعت فعله غالية بتلك اللحظة هو حبس أنفاسها المصدومه والإطباق على جفنيها تستوعب هذه اللحظات القاسية التي تمر عليها، هل من المفترض ان تفرح وهي على علم جيد بان المولود هذه المره اذا كان صبي ستكون نارين اخرى تتفتح عليها ووجع على فراق طفل اخر، لذلك بين جنبات نفسها ظلت تردد بلا صوت بحسرة
= يمرك يا غاليه لو جي ولد فردوس مش هتسيبه في حاله وهيكون مصيره كيف مصير اخوات جوزك، يا وجع قلبي علي إللي لسه ما جاش هلاقيها منين ولا منين يا ربي.
❈-❈-❈
تجمعت هموم الدنيا وشقائها في ملامح سراج التعيسة وكيف له ألا يحزن وقد فقد الكثير
في غمضة عين، حاول قدر استطاعته توفير الحماية اللازمة لعائلته بكل ما في من عزيمه لكن تراجع باللحظه الاخيره ليتفاجا بابواب الجحيم تفتح له وتطعنه في اعز ما يملك، ولم يقف هنأ الأمر فقط بل أيضا زوجته ابتعدت عنه هي وابنته خوفاً من هذه النيران التي طالتها مؤخرا، ولأنها لم تجد بعد الحمايه معه!.
تقدمت في تلك اللحظه تهاني الخادمة نظرت إليه بشيءٍ من التعاطف، بينما هتفت تتساءل في ذهول مصدوم
= سراچ بيه ست غاليه بره وطلبت مني ادخل الم حاجتها هي وبنتها عشان هتقعد في دار ابوها! هي خلاص هتسيب الدار فعلا ؟.
عقد حاجيبة بحده ثم قال باستفسار منها مع نظرة عميقة
= هي فين يا تهاني بره لوحدها ولا معاها حد!
ردت عليه وهي تشير بيدها للخلف
= ما رضيتش تدخل الدار هتلاقيها بره، بس لو تقصد بسمله بنتك فانا سالت على صحتها قالتلي انها فاقت وبقت زينه ونقلتها دار ابوها الله يرحمه، و دلوج محتاچه حاجتهم
نظر لها مطولاً ثم بعدما أمر الخادمه بان تجهز ما تريده فأومأت برأسها بخفةٍ، وهو تحرك بخطواتِ للخارج ليجدها تقف تخفض رأسها بطريقة شابه الخزي فيبدو أن أتعس لحظات حياتهم ما زالت في الانتظار، حمحم قائلاً بثبات
= خير يا غاليه ما دخلتيش ليه دارك محتاچه عزومه عاد ولا إيه؟
ارتجفت كليًا عندما سمعت صوته وتلقائيا ضغطت على بطنها بحمايه وبدت غير قادرة على التماسك لمجرد تخيل ان يمسه ضرراً، ابتلعت ريقها وقالت بصوتٍ واهن للغاية
= دي ما بقتش داري يا عمده أنا فعلا بقيت كيف الغريبه عليها وسطيكو! و من زمان حاسه بكده لكن كنت بقاوح عشان خاطرك..
و بعدين هو انت نسيت ان احنا اتفقنا على الطلاق ولا ايه؟ خلي الامور تمشي بهدوء عشان خاطر بنتنا يا سراچ وكفايه اللي راح .
جز علي أسنانه من عنادها وعنفها في غيظٍ
=انتٍ اللي اتفقتي مع نفسك مش انا، حتى بنتي بعداني عنها اشوفها.. عملت لك ايه عشان تعاقبيني كل العقاب القاسي ده!.
انسكبت الدموع من مقلتيها وهي ترد عليه بأسئلة لا تجد أي إجابة مقنعة لها
=ما عملتش حاچه يا سيدي انا اللي ظالمه ووحشه كومان ولو عاوز تشوف بنتك مش همنعك! لكن قبل ما تيجي دار ابويا لازم تديني خبر
برق حدقتاه بغضبٍ، وصاح في استنكار غاضب للغاية
= واه هنتعامل كيف الغرب كومان، ده انتٍ مصممه صوح على الطلاق مش موضوع غضبانه ولا زعل وهيروح لحاله... كل ده عشان رفضت الصلح يا غاليه بعد ما وعدتك انتٍ عارفه كويس ان انا ما ليش ذنب في اللي حصل لبنتنا، و غصب عني اتاثرت بحديد امي لكن وحياه بنتنا كنت هفكر في حل تاني الا ان اقتل واوجع واحد على إبنه، وانا اكتر واحد اتحرمت من النعمه دي ولما ربنا اديها لي عرفت قيمتها اكتر
تقطع صوتها لهنيهة قبل أن تحاول إتمام عبارتها في حزنٍ متزايد
= انا مش بعاقبك يا سراچ وعارفه ان ده في الاول وفي الاخر نصيب وكان هيحصل لبنتي اكده، بس ما اقدرش ارجع كيف زمان عادي اكده وانسى اللي فات! اذا كان علي قسوه امك عليا ولا الامان اللي مابقتش حاسه بيه چارك .
سدد لها نظرة نارية قاتلة مبطنه بالألم فصعب عليه يستمع جمله مثل تلك منها، فاقترب بسرعه وجذبها من ذراعيها سأله في لوعةٍ مشوبة بالإلحاح
= معناته ايه الحديد ده؟ انتٍ هتسيبيني بجد وتبعدي عني.. حتى بعد ما طلقت زينب و ما بقاش في غيرك كيف ما كان نفسك وعاوزه.
أبقت نظراتها المقهورة بعيدًا عن وجهه وأجابت بإيجازٍ حتى لا تضعف
= سراچ عشان خاطر ربنا هملني، وبعدين هو انت مفكر أن زينب هي اللي كانت المشكله بينا وبس، احنا اكده اصلا من زمان!.
اشتدت قبضته عليها واخشن صوته قليلًا حين حذرها
= هي وصلت لكده يا غاليه ما بقتيش حاسه بامان معايا، ماشي يا بنت العم روحي اقعدي في دار ابوكي كام يوم ويحلها ربنا بعدها.. بس خدي معاكي تهاني عشان لو احتجتي حاچه، ومش عاوز اعتراض وانا كومان يومين هاجي اشوف بنتي واديني اهو بعرفك قبليها.
❈-❈-❈
بعض الأشخاص الملامين بالشر لا يمكن السيطرة عليهم بسهولة خاصة حينما تتعلق الأمور معهم بتقدير الذات والتقليل من شأن هذه النزعة الغرورية التي يمتلكها كلا من كانت تتأثر بسوء اختيارات من حولهم ومهما يحاولون التغاضي عن تصرفاتهم الغير مقبولة تعود مشاعر الضيق والنفور لتستبد بهم.
بتعابيرٍ تبدو منزعجة ونظرات حانقة هتفت فردوس معترضة
= يعني فات شهرين والحال كيف ما هو! ولا أخذت بتار أخواتك ولا رجعت مراتك اللي عملت فيها زعلانه وراحت تتصرمح في دار ابوها لوحدها.. والبنت كومان خرجت من المستشفى واخوك ما كانش يقصد
لم تخف حدة الضيق من على تقاسيمها وهي لا تزال تُحادث أبنها بتبرمٍ ناقم
= انا ما عارفاش طالعه فيها على إيه؟ ما بنتها كيف القرده وما فيهاش حاچه اما صدقت تتلكك عشان تغضب، ما انت لو تسمع حديده وتسيبك منها وتتجوز غيرها الله بسماه هي اللي هتجيلك ركعه غصب عنها و نادمه.. بس بلاش زينب شوف غيرها طلعت اعفش منها.
أوغر ما سمعه صدره وملأوه بالغضب فلم يتحمل كلماتها المسيئة على ابنته الوحيده ولا ظنونها الباطلة على زوجته، فنهض مندفع موجهة كلامه إليها بانفعالٍ
= هو انتٍ عاوزه توصلي لايه بالظبط من كل اللي بتعمليه ده؟ بنتي اتشلت وممكن تفضل اكده طول حياتها عايشه على كرسي بسبب التار اللي في فضلتي تحردي ابنك الصغير عليه؟ عشان انا اتحرك واقولك خلاص انا اللي هقتل ناس ملهاش ذنب عشان ترتاحي ونارك تبرد .
هتفت فردوس بلا تفكيرٍ بتأففٍ أكبر
= يا ريتك كنت عملت اكده! مش ماشي ورا مرتك وكنت عاوز تقدم الكفن كومان... انا ما عرفاش ايه اللي جريلك فين نخوتك كراجل صعيدي سايب حق اخواتك اكده
برقت عيناه ذهولًا وهو لا يزال يستوعب قسوتها ضده الصغيرة
=وبنتي اللي راحت رجليها وهي ما لها ذنب مش فارقه معاكي ما جبتيش سيرتها يعني ولا قلتي خذ بتارها؟
فصاحت باستنكارٍ ضاعف من شعور الذنب لديه لانه استمع اليها بلحظه ما
= تاخد بتارها من مين انت اتجننت هتقتل اخوك ولا ايه عشان حته بنت؟ تلاقيه حديد مرتك مش اكده دلوج عرفت وجع الضنه و بتحرضك تقتل اخوك... عارف لو قربت منه أنا الـ...
نظر لها بنفس الحال البائس، بل يمكن القول أنه أصبح أكثر بؤسًا وشقاءً بعدما أحبطته بقسوتها الصريحة لتقديم يد العون له، ليقول بصوت ساخراً بألم
= هتعملي ايه ياما هتقفي وتقتليني! تعمليها ما انتٍ خلاص الشر اتملك منك و ما بقتيش تفكري غير كيف تخلصي علينا واحد ورا الثاني، وكل اللي عاوزاه التار ومش مهم بقى يجي كيف ولا مين يروح فيها؟
نظرت إليه مليًا فأكملت تعنيفها له بجحود
= كل ده عشان خاطر بسمله بنتك! ما كانش يقصد وانت عارف اكده كويس، ومع ذلك اسفين يا سيدي حقك علينا انت و الهانم مرتك حلو كده!
نظر لها شزرًا قبل أن يرد بانفعال ظاهر
= بسهوله اكده طب وانتٍ ليه زعلانه لما قلتلك هنقدم كفن طالما الموضوع ممكن يتحل باسفين وحقك علينا وما كناش نقصد.؟
انتفضت مع صيحته الهادرة فأتى تبريره وقحًا ومهينًا في نفس الآن منها
= انت هتقارن اخواتك الرچاله الاثنين بحته البنت! هتفيدك بايه ولا هتعملك ايه هتكون كيف الرچاله هتبقى سندك ولا في ظهرك يوم ما تحتاجها، اخرها هتقعد في الدار وتقعد تشعلل فيك كيف امها ما هي تربيتها .
بهتت ملامحه وأصبحت شبه شاحبة بعدما فرت الدماء من وجهه، ليرد بجمودٍ
= طول عمري نفسي اعرف بتكرهي ليه بسمله للدرجه دي؟ من ساعه ما جيت على الدنيا ولا شفتك حنينه عليها مره واحده حتى! عملتلك ايه العيله الصغيره دي إللي ما تعرفش لسه حاچه في الدنيا كل ذنبها عشان اتولدت بنت حاچه مش بايديها ولا بايدينا... ما تستاهلش منك كل الكره ده حتى وهي بين الحياه والموت ما شفتكيش زعلانه عليها ولا اتعاطفتي معاها، بالعكس عماله تقوليلي ايه يعني كويس انها جت فيها وما جتش في حد من الرچاله.. دي لو فروجه (فرخه) هتزعلي عليها اكتر من أكده يا شيخه .
همَّت بالكلام؛ لكنه استمر مسترسل بغضبٍ اكبر نابع من نفاذ صبره
= خلاص بكفيكي عماله تحطي النار على البنزين لحد ما جبتي اخري! ما بتفكريش غير في نفسك ومش فارق معاكي البنت اللي ملهاش ذنب دي... بس لا ياما بسمله زيها كيف اي حد اهنا وكيف ما انتٍ زعلتي على ولادك انا كومان حقي ازعل عليها .
زمت شفتيها وقد تعالي صوتها المنفر
= ازعل هو انا كنت مسكتك طول عمرك ما تعملش غير اللي في رأسك، انا خلاص غلبت معاك براحتك مشاكلك وحلها بنفسك!
ضحك ساخرًا منها بيأس ليردد بعدها بما أوقد نيران الحنق في صدره
= دلوج حلها بنفسك ومش فارق معاكي اللي كانت هتروح! ده انا على اكده لو كنت سمعت حديدك وقتلت حد من عيله البدري وبنتي برده حصلها حاچه كنتي هتقوليلي وانا مالي مشاكلك وحلها بنفسك برده مش اكده؟
تنفس بعمق وأكمل كلامه بنبرة جريحة
=انا عمري في حياتي ما هنسى قسوتك دي ياما، بس يمكن ربنا عمل اكده عشان يعرفني قيمه وجع الضانه.. والدم اللي انا استهونت بيه وما كنتش عاوز اقفله بين العيلتين، و اهي اتردتلي في اعز ما أملك .
❈-❈-❈
شعر بلفحه برودة غير عادية عندما أبتعد عن حضن أبنته الصغيره التي كان يحارب أمامها عدم انهيار دموعه وهو يراها بتلك الحاله غير قادره على السير والركض مثل قبل، لم يكن يتخيل ان لقاءه بها وهو يراها بتلك الحاله سيكون صعب لهذه الدرجه، وشعور الذنب داخله تضاعف .
تململ في جلسته جانبها ليجعلها تعود في احضانه والتفت ناظر إليها في اهتمامٍ، وسألها باسمًا
= محتاچه حاچه يا حبيبتي لو في اي حاچه عاوزاها اطلبي وانا عيوني ليكي.
أجابته الصغيرة بإيماءة خفيفة بعبوس
= هو انا مش همشي تاني وهفضل قاعده على الكرسي ده طول الوقت! انا زهقت وعاوزه اقوم.
نظر سراج لها مطولاً في أسف، وطلب منها في نبرة راجية مؤلمة
= اصبري يا حبيبتي والله لا هعمل المستحيل وكل اللي يطلع بايدي عشان اخليكي تمشي من تاني... سامحيني يا بنتي لو انا السبب فعلا في اللي حصولك، يا ريتني كنت قبلت بتقديم الكفن لو هو ده اللي كان هيمنع اللي حصل.
حاول أن يواسيها بالكلماته اللطيفة فودَّ لو أن يمتلك مفاتيح السعادة، وقتها لما بخل عليها بها.
❈-❈-❈
بـعـد مـرور أسبوعين.
تنهيدة عميقة خرجت من رئتيها لتمنحها بعدها
قبله عميقة فوق رأس طفلتها بعد أن نامت أخيراً، تطلعت نحوها مطولاً بنظرات آسف على ما هي بقت فيه! لا تعلم من السبب الحقيقي وراء ذلك لكن بالنهايه تعلم بأنة النصيب و زوجها ليس له ذنب! لكن من جهه أخرى اصبحت تشعر بالخوف وعدم الأمان بالعيش مع تلك العائله في وسط تلك الدماء كلها والثأر الذي طال حتى ابنتها الصغيره.. فبالتاكيد سيطول ذلك أبنها الآخر أيضا الذي لم يعلم والده وجوده حتى الآن!.
وتعلم جيد اذا علم سيجبرها على العوده وحماتها ستامل بأن يكون المولود صبي و ستبدأ باقوالها السخيفه كعادتها ليكون هو السند للعائله بعد سراج وخصوصاً وان الرجال في العائله قلت! لذلك هي على يقين تام بان ابنها سيكون هو المتولي بكل الشؤون! لذلك هي فضلت البعد والانفصال لكن مؤقتا! فبالتاكيد الجميع سيعرف خبر حملها ولم تقدر على حمايه ابنها مثلما حدث مع بسملة بالضبط.
الإنفصال عن حبيبها كان عسيرً وغير يسيرٍ عليها فشعرت غالية وكأن روحها تتمزق، و قلبها يتفتت و بالكاد حاولت الاعتياد على مُفارقته لتباشر حياتها لكن تبدلت أحوالها كثيرًا، وصارت أكثر تعب وخوف ودائما يتردد شيء واحد في عقلها: يجب ان تتخلص من ذلك الطفل بنفسها قبل أن يأتي على الدنيا ويقبل بتلك العادات والتقاليد القاسيه مجبر مثل والده!.
اقتربت منها تهاني بتلك اللحظة وربتت على كتفها في إشفاقٍ مهونة عليها حزنها قليلًا هاتفه
= والله سراچ بيه بيحبك يا ست غاليه،
استهدي بالله وارجعي بيتك زمان ست فردوس مش ساكته وعماله تزن فوق دماغه
وما ينفعش نسيبه لوحده بردك.
نظرت إليها مطولاً فاستأنفت حديثها المرير
= مش مستنياكٍ تدافعي عنه يا تهاني انا الوحيده اللي عارفه كويس، وعارفه أن غصب عنه ضعف لتقاليدنا لكن انا مين يطمن قلبي على اللي جوه ولا على اللي جي!.
عقدت حاجيبها باستغراب وعلقت عليها بحذرٍ
= ست غاليه هو انتٍ تقصدي ايه هو انتٍ حامل!؟ فرحيني وقوليلي ايوه ده سراچ بيه هيموت من الفرحه لو عرف خبر كيف ده في وسط الغم اللي احنا شايفينه.
انفجرت غالية باكية بحرقةٍ، وراحت تشتكي وتنوح في تعاسةٍ جلية
= مفيش حد هيعرف يا تهاني.. انا محدش حاسس بالنار اللي قايده في قلبي من ساعه ما عرفت ان انا حامل ومش عارفه افرح بابني زي الخلق، ده لو جه ولد فردوس مش هتسيبه في حاله وهتفضل تمليه شر وقسوة!. عشان اكده لازم اخلص منه قبل ما يجي.
شهقت تهاني بصدمة كبيرة، وبدأت الأخري
تبكي على كتفها فظلت تربت على ظهرها بعدم تصديق وحزن، لكنها تجمدت مكانها حين أمرتها بصوت جاد
= عاوزاكي تتفقيلي مع خالتك "عقيلة" الدايه عشان تسقطني وحسك عينك حد يعرف حاچه بالموضوع ده!!