رواية دموع مؤجلة واحتضان اخير الفصل التاسع والثلاثون39والاخيربقلم شمس حسين



رواية دموع مؤجلة واحتضان اخير الفصل التاسع والثلاثون39والاخيربقلم شمس حسين




--------
يوم الفرح
-------------------
«احمد نجم» & «شمس نجم»

أحمد:
أخيراً اللحظة اللي مستنيها بقالي كتير جت.... لحظة ما تبقى مراتي رسمي، كنت عايز الفرح يتم في أسبوع بعد ما رجعنا من الفيوم، بس طبعًا، أمي وحماتي وقفوا لي، وقالوا: "لسه في تجهيزات كتير ناقصة"، وأنا بصراحة كنت مستعد أخدها وأجري، بس استنيت شهر، وها هو اليوم أخيرًا......كنت واقف في الجناح الخاص بيا في الفندق الكبير اللي هيشهد علي الليلة دي، وقدامي بدلة الفرح متعلقة، وحواليا الشباب قاعدين و فاكرين أنهم بيدوني نصايح لليوم،  صالح كان قاعد على الكرسي اللي جانبي وبيقول وهو بيضحك: "احمد ابوس إيدك خلي بالك...إنت مش رايح إجتماع مجلس إدارة، عايزك تسترخي شوية!"، بصيت له بضيق تحت نظرات ضحك باقي ولاد عمي، أشرف قام وقف جنبي و قال لهم: "والله انا ما خايف من أحمد... انا خايف من شمس"، ضحكت وقتها وافتكرت آخر لحظة بينا في الفيوم وقلت:" متقلقش... هي خلاص مش هتعرف تهرب تاني"، دخل مراد أخو أشرف، وهو ماسك بدلته، وقال: "العروسة طبعاً مش هتخلص دلوقتي، وماما نرمين قالت لي لسه بدري... نقعد احنا بقي و نروق علي نفسنا علي ما يخلصوا".

شمس:
أنا مش عارفة هو ليه كان مستعجل كده! كنت محتاجة وقت عشان أستوعب إني هبقى مراته خلاص، بس هو مسابليش أي وقت، بس خلاص النهارده هو اليوم المنتظر، كنت قاعدة في الجناح الخاص بيا في الفندق و معايا رنا و سما وسارة وسمر اللي كانت صاحبتي في فرع الشركة اللي كنت شغالة فيه الاول لو فاكرينها، و نورين اخت احمد و بنات عم أحمد كلهم، بعد وقت بسيط وصلت الميكب ارتسيت، قعدت قدام المرايا و بدأت اتجهز ليومي، اخدت وقت كتير اووي، و بقي حواليا دوشة، ناس داخلة وناس طالعة، فساتين، و ورود، وكل حاجة بتقول إن النهارده مش يوم عادي، كل شوية كنت ببص علي الفستان الأبيض اللي كان متعلق في نص الجناح لما أحس إني مش مصدقة اللي بيحصل، كان جوه قلبي فرحة كبيرة اووي عمري ما كنت اتخيلها، بس كانت فرحتي ناقصة حاجة واحدة بس..."نور"، برغم اللي حصل بينا و برغم إني عارفة أننا مش هنرجع زي الاول تاني، بس انا كنت عايزة و جودها جنبي في اليوم ده، مكنتش قادرة اتخيل أنها مش هتكون معايا، كل شوية كنت ببص علي الباب علي أمل إني الاقيها داخلة عليا، بس للاسف ده محصلش، بعد ما خلصت ميكب و لبست الفستان، كانوا البنات كلهم برا مستنين الفرست لوك ليا مع ماما و مامت أحمد، فجأة فتحوا الباب و دخلوا و شافوني بالفستان، كان ناعم بس بفخامة، كان كل تفصيلة فيه شبهي بالظبط، الطرحة كانت نازلة على كتفي، واللمعة في عيوني مش بسبب الميكاب، لا... بسبب الإحساس اللي جوايا، ماما كانت واقفة جنبي، دموعها بتلمع بفرحتها بيا، هي و طنط نرمين، ورنا و باقي البنات كانوا متأثرين باللحظة، و نورين قربت و وقفت جنبي وهي بتعدل الطرحة و قالت: "يا بخت أحمد بيكي، بجد زي القمر!"، ضحكت، فجأة و إحنا واقفين سمعنا صوت الباب بيخبط ودخلت... نور... مكنتش مصدقة نفسي و جريت عليها عيوني و عيونها كانوا بيدمعوا، وقفت قدامي و مسكت أيدي و قالت: مكانش ينفع محضرش فرحك"، بعدها حضنتني وقالت بنبرة حزينة:" سامحيني"، مدت أيدها و مسحت دمعة كانت هتهرب من عيني وقالت: "لا كفاية دموع... انهاردة فرح وبس"، بعد شوية و إحنا واقفين فجأة الباب خبط قلبي بدأ يدق بسرعة علشان كنت عارفه أنه اكيد هو.... أحمد 

أحمد:
كنت واقف قدام باب الجناح بتاعها ببدلتي السودا، بعد ما صالح قالي أن شمس خلاص جهزت، قلبي كان بيدق أسرع من أي مرة قبل كده، الباب اتفتح، وطلّت حماتي بابتسامة دافية، وقالت: "ادخل يا عريس، العروسة مستنياك" دخلت، البنات كلهم كانوا علي الجانبين و هي كانت واقفة بضهرها في نصهم، بتحاول تعدل الطرحة، مشيت بخطوات ثابتة لحد أما وصلت عندها و لفت هي، عيونها جات في عيوني، في اللحظة دي الدنيا كلها اختفت، الناس، المكان، كل حاجة... مكنتش مصدق نفسي.. كانت زي الملاك... مديت لها الورد، وبدون تفكير، مدت إيدي ليها، لمستها كانت دافية، خدت نفسها بعمق، وبعدها خرجنا تحت تصفيق الكل وصوت الزغاريد.

شمس:
بعد ما خلصنا تصوير جيه وقت دخول القاعة، كانت الإضاءة خافتة، الأنوار المركّزة على ممر الزفة، والموسيقى الكلاسيكية شغالة بصوت هادي، وفجأة الأنوار كلها تسلطت على باب القاعة...، أحمد كان واقف هناك، مستنيني، وأنا كنت مسكة بوكيه الورد، و خالو أمجد ماسكني من جهة و عمو أيمن ماسكني من الجهه التانية، و ببصلهم بإبتسامة كلها امتنان، وبمشي ببطء معاهم تجاه احمد، والناس كلها واقفة تتفرج، بس أنا مكنتش شايفة غيره، لما وصلت، مدّ إيده، مسكتها، وساعتها حسيت إن كل حاجة في حياتي كانت بتقود للحظة دي، بصيت له وهمسلي: "جاهزة نكتب مع بعض حكاوي جديدة؟"، ضحكت وقلت بثقة: "جاهزة بس بشرط تكون سعيدة"، وانطلقت الزفة، والدنيا كلها احتفلت بينا... و بدأت اغنية "first dance"، و رقصنا علي صوت أصالة و هي بتوصف كل كلمة أنا حاسة بيها في اللحظة دي:" 
       شايفة فيك
كـل حـاجــة حـلــوة أنـا اتـحــرمـت مـنـها
كـل ضحكـة شفايفي كانـوا مـستـنـيـيـنـها
كـل إحسـاس بـالأمان كان نـفسي أعـيشـه
وســط دنـيا غـريـبة وما حـدش ضـامـنـها
          شــايفة فـيك
بــيت وأهـل وصـحـبة جـنــبي مـونـسـيني
لـــــمـة الـــعــيــلـة اللــي بــتـطـمــنـي إنـي
لـــمـا أغــيـب أنا بـلقى نـاس تـقـلـق عـلـيـا
وأمــا بــرجــع بـلــقى نــاس مـستـنـيـيـني
          لـلــــنـهـايـة
هـتلاقـينـي مـاسكـة في إيـديك لـلـنـهـايـة
أصـلـي مــن قـبـلـك أنـا مـجــرد حـــكـايــة
فـيها خوف وتـعـب وفـيها جـراح كـتـيـرة
بــس بـقـى مــسك الـخـتـام إنـك مــعـايــا
          نـاسـيـة بـيك
ذكــريـات مـش حـلـوة كـانـت بـتـهـاجـمـني
دنــيـا عــلى أحــلامـي كـانـت بـتـسـاومــني
طـول ما أنـا مـسنـودة على كـتـفـك حـبـيبي
واقفة أنا في وش الحياة دي ومش هاممنى.

الليلة كانت جميلة، فرحنا و انبسطنا كلنا وسط العيلة و أصحابنا، اليوم كان و لا في الخيال، علفكرا بابا و اخواتي كانوا موجودين كمان في الفرح، حتي كمان كان في ناس من قريب بابا اللي كان ليا علاقة بيهم من بعيد، طبعا كان في نظرات فرحة في عنيهم بجد و في منهم كانت نظرات غيرة و حقد و كأنهم كانوا مستكتريين عليا اللحظة دي، بس عادي كل ده مشغلنيش، كمان دكتور مصطفى جيه الفرح، عرف من الأخبار و جيه و فاجئني بوجوده هو و شاهيناز، و عرفت وقتها أنهم اتجوزا من فترة بسيطة، كنت فرحانة ليهم اووي و فرحانة بوجودهم، بس أحمد كان شايط من وجوده، بس حاولت اعدي الموقف بالضحك و الهزار، و بعد وقت طويل و صلنا لآخر الفرح و اتصورنا كلنا أنا و عيلتي و عيلة أحمد صورة جماعية تفكرنا بسحر الليلة.

بعد 9شهور
-------
«احمد نجم»
كنت فاكر إن يوم فرحنا هو أسعد يوم في حياتي، بس اكتشفت إن في لحظة تانية أقوى بكتير… لحظة وصول ولادنا للحياة، شمس كانت حامل في توأم، وكانت الدنيا وردي معانا في الأول، بس مع مرور الشهور والتعب اللي بدأ يزيد، خوفي زاد معاها، خصوصًا لما الدكتور قال إن الحمل مجهد ليها بسبب إن جسمها مش قوي كفاية، اليوم ده كان أول يوم عيد الاضحى بعد الضهر… كنت نايم جنبها، وهي حاطة رأسها على كتفي، كنت حاسس براحة غير طبيعية، لحد ما فجأة حسيّت بجسمها بيشد جامد، صوت أنين خفيف طلع منها، فتحت عيني بسرعة لقيتها قابضة على بطنها ووشها متغير تمامًا، قلت بسرعة: "شمس! مالك؟"، قالت بألم: "بطني… أحمد… الوجع فظيع…"، قلبي وقع في رجلي، قمت جري جبت لها مياة، بس قبل ما أوصل، سمعت صوت نفسها بيتقطع، كانت بتحاول تقعد بس مش قادرة، عرقها مغرق وشها، وأنا واقف مش عارف أعمل حاجة، أخدتها جري على العربية، ركبتها بصعوبة لوحدي، مكانش في حد موجود، العيلة كلها كانت مسافرة، قفلت باب العربية ودوست بنزين بأقصى سرعة، الشوارع كانت فاضية بسبب العيد، بس أنا كنت سامع دقات قلبي أسرع من صوت الموتور، واحنا في العربية شمس قالت بتعب: "اتصل بماما يا أحمد… خليها تيجي علشان خاطري…"، قلت بسرعة: "هتكون هنا، متقلقيش، أنا هتصل بيها بس دلوقتي أهم حاجة نوصل المستشفى"، كنت عارف انها بحاجة لمامتها، بس كان صعب توصل انهاردة لأن حماتي كانت عايشة في دبي و ده بعد ما اتجوزت من عمي ايمن من 3 شهور، كنت بكلمها وأنا سايق، وشمس كان صوتها مرعوب، وأنا كنت بحاول أطمنها، رغم إن جوايا كان في إعصار، وصلت المستشفى وطلعت بيها جري، الممرضين جابوا نقالة وحطوها عليها، وهي كل شوية تمسك إيدي وتشدني كأنها بتطلب مني ما أسيبهاش، الدكتور اللي بيتابع حالتها كان في إجازة، وده زود خوفي، بس طلع لنا دكتور تاني، شاب شكله كويس بس مكنتش واثق فيه، قلت له: "يا دكتور، مراتي حامل في توأم، وهي دلوقتي عندها طلق قوي"، قالي: "متقلقش، بس طمني، في أي حاجة في التاريخ الطبي بتاعها لازم أعرفها؟"، قلت بسرعة: "آه… شمس اتعرضت لحادثة قبل كده… ودخلت في غيبوبة ست شهور، كانت حالتها حرجة جدًا، وجسمها متأثر ومش قوي زي الأول، الحمل أصلاً كان مرهق لها"، الدكتور سمعني باهتمام وقال لي: "هنعمل كل اللي نقدر عليه، بس أهم حاجة تفضل هادي علشان تبقى جنبها"، أخدوا شمس على أوضة العمليات، وأنا كنت داخل معاها، داخل أوضة العمليات، شمس كانت نايمة على السرير، ماسكة إيدي بكل قوتها، وبتتنفس بصعوبة: "أحمد… أنا خايفة…"، قلت: "متخافيش، أنا جنبك، أنا هنا"، كانت بتاخد بنج نصفي، يعني واعية بس حاسة بكل حاجة، وده كان كابوس بالنسبالي… كل ثانية كنت شايفها بتتوتر أكتر، عيونها بتلمع من الدموع، وإيديها بتشد على إيدي كأنها ماسكة فيا علشان متقعش في خوفها، قالت بصوت مخنوق من البكي: "لو جرالي حاجة… خد بالك منهم…"، قلت لها بنفس النبرة: "شمس، علشان خاطري...بلاش الكلام ده، أنتي هتكوني كويسة وهتخرجي من هنا انتي وولادنا....إنتي و عدتيني إننا هنعمل حكاوي سعيدة... علشان خاطري كوني قد الوعد و متسبينيش"، دموعي نزلت، لأول مرة قدامها بالشكل ده… كنت ماسك إيديها، وضهري مقوس للأمام، كأني بحاول أخد أي ألم منها، لو أقدر كنت بدلّت الأماكن وخلّيت كل التعب ده فيا بدلها، اخدت نفس بألم وقالت: "أحمد، اوعدني…"، قلت: "بوعدك، بس بلاش كلام الفراق ده، إحنا لسه هنعيش كتير، هنربيهم سوا، وهنحكيلهم قد إيه أمهم كانت قوية وجميلة"، شديت على إيديها أكتر، وفي اللحظة اللي صوتها بدأ يختفي من التعب، سمعت الصوت اللي مستنيه… بكاء أول طفل… ثم الثاني… كانوا هنا، وصلوا، شمس سمعت صوتهم وابتسمت، رغم الدموع اللي كانت على خدها، همست بصوت ضعيف: "أحمد… إحنا بقينا أب وأم…"، وأنا في اللحظة دي… حسيت إن قلبي بيدق بطريقة عمري ما حسيتها قبل كده…ضحكت رغم دموعي، قربت منها، ومسحت على وشها، كنت مستعد أقول لها أي حاجة تخليها تحس بالأمان… بس فجأة… شفت عيونها بتقفل ببطئ...أنفاسها بقت أهدى من الطبيعي… قلت: "شمس…؟ شمس!"، مردتش… حاولت أهزها، ضغطت على إيديها، بس إيدها ارتخت في إيدي… قلت بسرعة: "حد يساعدني! شمس فقدت الوعي!!"، الدكاترة جريوا عليا، وأنا كنت واقف مش مستوعب … الدكتور قال: "للأسف دخلت في غيبوبة، جسمها فعلا مقدرش يستحمل.. احنا عملنا كل اللي علينا... ربنا يهديها علي خير"، قال كلمته الأخيرة و مشي و سابني واقف و شايفهم و هما بيخرجوها... مكنتش قادر استوعب اللي بيحصل، خرجت من اوضة العمليات، كان اشرف واقف برا مستنيني، اول ما شوفته، اترميت في حضنه و فضلت أبكي، يمكن دي كانت اكتر لحظة خوفت فيها بالشكل ده في حياتي، عدي أول يوم و أنا بدعي ربنا أنها تفوق، مامت شمس و عمي أيمن وصلوا بليل، و ماما و باقي العيلة و صلوا تاني يوم، الحزن كان مخيم علي الجميع، الكل كان خايف، ومحدش كان عارف يطمن التاني، كنت كل شوية أخد الولاد و ادخل عندها علشان تحس بيهم و تسمع صوتهم و تقوم، بس مع الأسف مكانش فيه أي إستجابة.

«شمس»
صوت بكاءهم كان أول حاجة سمعتها بعد ما خرجوا للدنيا، كإنه جرس صحاني من غيبوبة مش بس بتاعة الولادة، لا... غيبوبة عمرها سنين، كنت دايمًا خايفة، تايهة، مش عارفة الدنيا رايحة بيا على فين، لكن أول ما سمعت صوتهم... حسيت إني وصلت، إيدي كانت متعلقة في إيد أحمد، كنت ماسكاها كأني بتمسّك بالحياة نفسها، كانت دافيه رغم رعشته اللي كانت مبينة لي قد إيه هو خايف، بصيت له... عيونه كانت غرقانة بدموع أول مرة أشوفها بالشكل دا، كان بيمسح عرقي، صوته بيترعش، وشفايفه بتتمتم بحاجات مش سامعاها، لكني حسيت بيه... خايف عليا أكتر من أي حاجة في الدنيا، كنت حاسة أنفاسي بتتسحب، خوفي كان بيزيد، خوفي عليهم، على أحمد، على الحياة اللي أخيرًا حبيتها، اللي أخيرًا حسيت إنها تستاهل أعيشها، كنت عايزة أفضل موجودة، أشوفهم، ألمسهم، أعيش كل لحظة معاهم، لكن عيني اتقفلت لوحدها... وجتني العتمة

تلات أيام، تلات أيام عدّوا وأنا غايبة، مكنتش حاسة بحاجة، كأنني عايمة في بحر مالوش قرار، مفيش صوت، مفيش نور، بس في إحساس... إحساس إني مش لوحدي، إحساس أن في ناس حواليا مستنياني، مش عايزاني أسيبهم، ولما فوقت...أول وش شفته كان وش أحمد، كان تعبان، عيونه حمرا ودايرتين سودا محاوطينها، دقنه كانت طالعة وكأن الأيام دي كانت شهور، أول ما فتحت عيني، جاب إيدي بين كفيه وباسها، مسح على شعري وهو بيقول بصوت مبحوح: "حمد لله على سلامتك... ياريتني كنت أنا"، دموعي نزلت، مش عارفة ليه، من الفرح؟ من الوجع؟ من الصدمة؟ من كل حاجة مع بعض؟، وبعدين دخلت أمي، كانت شبه المكسورة، حضنتني وهي بتعيط، بتعيط بطريقة أول مرة أشوفها فيها ضعيفة كدا، وكانت بتقول: "كدا يا شمس... كدا تعملي فينا كدا"، عمو أيمن كان معاها، كان بيحاول يهديها وهو بيطبطب على كتفها، وأنا كنت ببص ليهم، لحظة غريبة، كأن الزمن أخيرًا رتب نفسه، كأن ربنا عوضني بالدفا اللي كنت مفتقداه، وبعدين دخلوا كلهم، كل اللي بحبهم، عيلتي، أهلي اللي اخترتهم، أما اللحظة اللي قلبي كان مستنيها... هي لحظة ما شُفت ولادي، رنا و نور حطوهم بين إيديا، أنا و أحمد، بسم الله ما شاء الله، كانوا شبه بعض، كأنهم مرايات لبعض، واحد نايم في سلام، والتاني بيحرك إيده كأنه بيقاوم الدنيا، مسحت على وشوشهم وقلبي دقته كانت مش منتظمة، كأني بتعلم أحب من جديد، بصيت لأحمد وقلتله بصوت ضعيف: "حلوين اوووي"، ابتسم رغم التعب اللي مالي ملامحه وقال: "كلهم إنتي"، وأنا ببص ليهم، عرفت... إن الرحلة لسه مخلصتش، وإن الحياة لسه عندها حاجات كتير تديهالي، وإن بعد كل الحكاوي المُرة، في حكاوي ممكن تكون حلوة... تستاهل تتحكي.

«احمد»
عدّى حوالي ست شهور على ولادة أسر وأنس، والحياة بقت شبه مستقرة، بس طبعًا مع وجود توأم في البيت، الاستقرار ده كان نسبي جدًا! كل يوم في مفاجآت جديدة، بين ضحكهم وصراخهم، وبين محاولتنا نفهم لغتهم الخاصة اللي عبارة عن همهمات وضحكات عشوائية، بس النهاردة كان يوم مميز... علشان أخيراً انهاردة فرح نور وأشرف، المفاجأة الأكبر أن أشرف اتصالح مع عمي، و رجع العيلة تاني، وكان السبب في كده بنته الصغيرة لينة، اللي قدرت تكسر أي حاجز بينه وبين والده، وقت أما عمي رامي شافها يوم فرحي، وبعدها، عمي هو اللي راح و طلب نور لاشرف بنفسه، وجهزلهم البيت علشان يقعدوا معاه لانه حرفياً مبقاش يقدر يستغني عن لينة.

بعد ما أخيراً جهزنا الولاد أنا وشمس، و أنا كمان جهزت، كنت قاعد على الكنبة، براقب شمس وهي بتحاول تجهز بسرعة، أسر وأنس كانوا على السرير، أنس بيعض في اللعبة اللي في إيده، وأثر ماسك شال شمس وبيشد فيه، شمس كانت بتحاول تكون هادية بس نظرة التعب في عينيها ما فاتتنيش، قربت منها، خطفت أسر من على السرير ورفعته لفوق، فوشه اتغير من المفاجأة وبدأ يضحك بصوت عالي، وقلت لها: "أنا هنزلهم تحت لدادة سميحة، علشان تجهزي براحتك"، بصّت لي بحب مع ابتسامة صغيرة، ورجعت تكمّل تجهيزها، وأنا خدت الولاد وطلعت بيهم بره الأوضة علشان تقدر تجهز، بعد شوية، رجعت تاني علشان أربط الببيونه، كانت شمس خلصت لبس، و واقفة قدام المرايا، بتمسك الحلقات الصغيرة وتظبط الطرحة، وأنا واقف مش عارف أركّز في اللي بعمله بسبب جمالها وهي سرحانة في المرايا، قلت بسرعة: "يا حبيبي عايزين نخلص بسرعة، أشرف كل شوية بيرن هيقتلنا لما نوصل!"، بصت لي في المرايا، وهي ماسكة فرشاة المكياج، ورفعت حاجبها بحدة: "أنا مش عارفه احط لون روج أي علي الفستان ده؟"، حطيت إيدي على وسطها، قربت منها، وهمست جنب ودنها: "حطي اي لون... كدا كدا هشيلهولك"، خلصت كلامي و غمزت لها، لمعت عيونها في المرايا، وضحكت، بعدها خيرتني بين لونين، قلت لها:" انتي عارفة اي أحلي من الأتنين"، بصتلي وسألتني: "إيه هو؟"، ابتسمت وأنا بحط صباعي تحت دقنها، رفعتها شوية ناحيتي، وقلت: "لون خدودك لما بتتكسفي كده"، ضحكت، وضربتني على كتفي بخفة، وأنا ضحكت معاها و كملت ربطة البيبيونة، وقالت هي:" أنت اللي بتعطلني أهو... وفي الآخر تقول متأخرين"، رجعت ناحيتها و قفت وراها و سندت علي كتفها وهي واقفة قدام المرايا وقلت: "أنا مش عايزك تحطي اي حاجة... علشان أنا بشوف مراتي أجمل واحدة في الدنيا"، حطيت إيدي على بطنها، وبصيت في عنيها ببطء، وقلت بصوت دافي: "وأم أحلى توأم في العالم"، لمست خدي بحنية، وابتسمت ابتسامة صغيرة، وقالت: "يلا قبل ما نتاخر اكتر و نلاقي نور واقفة مستنيه تقتلنا!".

«شمس»
وأخيرًا وصلنا الفرح! أول ما دخلت، نور كانت واقفة قدام المرايا في أوضة التجهيزات، وأنا دخلت عليها بسرعة، وهي أول ما شافتني قالت: "لسه بدري يا هانم... ده احنا كنا لسه هنجيلكم البيت!"، ضحكت وأنا بقرب منها، مسكت إيديها وقلت: "كان نفسي أكون معاكي من الصبح، بس عارفة أنس وأسر مابيخلونيش أتنفس"، نور ضحكت وقالت: "هما فين؟"، قلت:" تحت مع صالح ورنا"، بعد وقت وصل أشرف و أخد نور و نزلوا القاعة، وبعد كتب الكتاب....المزيكا ارتفعت، والكل بدأ يرقص، نور وأشرف كانوا في وسط الدائرة، و الكل حواليهم مبسوط و سعيد بيهم، أما إحنا، فكنت واقفه مع احمد، وهو بيحاول يهدي أسر اللي كان متعلق فيه، وانا شايلة أنس اللي كان نايم من بداية الفرح، فجأة قلت لأحمد: "تعالي نديهم لماما و نروح نرقص"، بصلي لي بذهول وقال: "شمس! تفضلي واقفة مكانك ولا حركة!"، نفخت بضيق: "اوووف... اومال جينا الفرح ليه؟... بقالنا 20 ساعة بنجهز... وفي الآخر واقفين علي جنب... علشان حضرتك غيران"، أما أحمد شاف العبوس علي وشي، راح و أدي الولاد لماما و سحبني من أيدي بعيد برا القاعة في مكان هادي مفيهوش حد، رفع أيدي و حطاها علي كتفه و مسكني جامد، و رقصنا سلو بدون مزيكا واحنا عيونا في عيون بعض، وأنا في حضنه، حسيت بحاجة غريبة، إحساس بالأمان، بالسعادة، بالحياة اللي كنت فاكرة إنها مش مكتوبة ليا، وفي اللحظة دي، وأنا ببص في عيون أحمد، كنت متأكدة من حاجة واحدة... "الحب مش كلمة، الحب أفعال، وأحمد فعل واحد بس غيّر حياتي كلها".

بعد الفرح بكام يوم، عمو رامي، كلمني وقال لي إنه محتاجني أروح جمعية خيرية الشركة بتتعامل معاها، وده ضمن تجهيزات الحفل السنوي، كان مكلفني بالمهمة دي علشان أنا مكنتش بروح الشركة كتير، لأن من بعد الجواز، و خصوصاً بعد الولادة، بقيت بروح الشغل على فترات قليلة جدًا، لما يكون في حاجة ضرورية، علشان بقت مركزة أكتر على بيتي وأولادي.. وكنت حاسة إن ده كفاية جدًا، زمان كنت فاكرة إن الشغل هو كل حياتي، إنه الأمان الوحيد اللي ممكن أتمسك بيه، وإن أي حاجة تانية ملهاش معنى قدام النجاح اللي كنت بحققه فيه، بس دلوقتي وأنا قاعدة في بيتنا، وسط ضحكة أحمد ولعب أسر وأنس، حسيت إن كل النجاح اللي كنت بحلم بيه اتحقق من غير ما أسعى له بنفس الطريقة، والشغل اللي كان رقم واحد في حياتي، بقى مجرد حاجة جانبية، حاجة بروح لها على فترات بعيدة بس لما يكون في حاجة مهمة.

بعد مكالمة عمي رامي كنت حاسة إني متحمسة، مش عارفة ليه، بس كان عندي إحساس إن المشوار ده هيكون مختلف، روحت الجمعية، كانت كبيرة جدًا، منظمة، فيها كل الأقسام اللي ممكن تتخيليها، قعدت مع المديرة، ست في منتصف الأربعينات، ابتسامتها مريحة وكلامها هادي، وبدأت تشرح لي طبيعة المكان، الجمعية فيها جزء مخصص لكبار السن اللي ملهمش حد، وجزء تاني للمعاقين اللي محتاجين رعاية خاصة، وجزء تالت للناس المحتاجة اللي بيدعموهم بكل الطرق الممكنة، بس أكتر جزء شدني كان القسم الخاص بالأطفال اليتامى، وأنا ماشية وسط الأطفال، كنت بحاول أبص في عيونهم، أدور على حاجة، على أثر للألم اللي ممكن يكونوا حاسين بيه، على انعكاس للخوف اللي كنت بشوفه في المرايا وأنا صغيرة، ايوا ما اهو أصل الطفل اللي متربي وسط انفصال أهله بيبقي حاسس بنفس شعور الطفل اليتيم، و انا ببص في عيونهم حسيت إنهم شبه شمس الصغيرة، اللي كانت بتحاول تفهم ليه الحياة أخدت منها حاجات كانت من حقها، ومن هنا، جت الفكرة، وبلغت مديرة الجمعية أنه ليه ميكونش في مكان خاص للأطفال اللي بيعانوا من انفصال أهاليهم؟ الأطفال اللي بيتكسروا نفسياً من صغرهم وبيشيلوا جروح بتفضل معاهم العمر كله، ليه منلحقهمش قبل ما الجروح تتحول لندبات مستديمة؟ مكان يكون فيه استشاريين نفسيين بيساعدوهم على تجاوز الصدمة، يعلموهم يتقبلوا حياتهم الجديدة من غير ألم، يعلموهم إن العيلة مش لازم تكون كاملة علشان تكون مصدر أمان، بعد ما عرضت الفكرة عليها اعجبت بيها جدا، و قالت لي هنشوف خطة للتنفيذ.

تاني يوم، بعد الزيارة، جالي اتصال من عمي رامي، طلب مني أعدي على الشركة، لما رُحت، لقيته مستنيني بابتسامة عارفها كويس، ابتسامة شخص عنده خبر حلو، قالي إن المديرة كلمته وقالت له عن فكرتي، وإنهم قرروا ينفذوها، مش بس كده، لأ.. هيكون مشروع خاص بالشركة، وهيكون تحت إدارتي أنا وبمساعدة بنات العيلة، في اللحظة دي، حسيت إن حياتي اكتملت، النجاح اللي كنت بتمناه زمان، كان مجرد خطوة للوصول للحظة دي، لحظة تكون فيها تجربتي سبب في إنقاذ غيري، لحظة أحس فيها إن كل الألم اللي مريت بيه مراحش هدر، وإنه كان لازم يحصل علشان أقدر أفهم، علشان أقدر أساعد، بصيت لرامي وابتسمت، لأول مرة من زمان كنت حاسة إن الفراغ اللي كان جوايا اتملأ.. وإنه أخيرًا، شمس الصغيرة جبرت.. وبقت شمس اللي بتقدر تخلق النور لغيرها... و تبدل الحكاوي المُره في حياة اي طفل.... لحكاوي سعيدة كلها أمل و تفاؤل و حياة......
تمت بحمد لله............

إهداء🤍🕊️

إلى كل شخص سار في درب شمس، تحمل الألم، وواجه قسوة لم يكن يستحقها، لكنه نهض من جديد أقوى مما توقع.

إلى كل شمس عاشت في الظل، تقاتل وحدها، تبحث عن نفسها وسط ندوب الماضي، وتتعلم أن الحب ليس ضعفًا، بل حياة تُعاد كتابتها من جديد.

إلى كل أم كأم شمس، حملت على عاتقها دورًا مزدوجًا، كانت الحضن والأمان والسند، ولم تستسلم يومًا رغم كل العواصف.

وإلى كل أب قاسٍ، ظالم، لم يدرك أن الأبوة ليست لقبًا يُحمل، بل حبًا يُمنح، لعل هذه الكلمات تكون مرآة يرى فيها أثر أفعاله، قبل أن يفوت الأوان.

هذه الرواية لكم... وبكم كانت حكاويها أكثر صدقًا.

«طلب صغير»
في كاتب اسمه تامر عبده أمين، من الكتاب اللي بحب أقرأ لهم اووي.. كان قايل في مره أن نجاح العمل بيتم تقييمه من 3 زوايا..
ـ الزاوية الأولى إن الفكرة تشدك من البداية للنهاية من أول لآخر صفحة..
ـ الزاوية التانية إن الموضوع نفسه يكون مش متناول بكثرة.. 
ـ الزاوية الثالثة والأخيرة إن العمل يسيب أثر فيك يخليك حتى بعد ما تخلصها تفضل تفاصيلها بإنفعالاتك كلهم لسه في ذاكرتك.. 
انا عايزة اعرف منكم مين شاف الزوايا التلاتة في الرواية ياريت تقولوا حتي لو حد شاف زاوية واحدة يعرفني اي هي... عايزة اعرف منكم رأيكم بالكامل في 


                           تمت
تعليقات