رواية مهمة زواج الفصل السادس والخمسون56بقلم دعاء فؤاد

 رواية مهمة زواج الفصل السادس والخمسون56بقلم دعاء فؤاد
في أحد الأماكن الهادئة البعيدة عن ضوضاء المدينة، كان الحفل قد بدأ، الأجواء مليئة بالحركة والأصوات الخافتة، الجميع كان يترقب هذه اللحظة الفارقة.
كانت ريم في غرفة خاصة، تستعد لهذا اليوم العظيم. كانت ترتدي فستانًا بسيطًا ولكنه أنيق، ذو تفاصيل ناعمة من الدانتيل والحرير الأبيض، يحمل طابعًا عصريًا ولكنه محتشم في نفس الوقت.
حجابها كان يحيط برأسها بشكل مترف، عصري وأنيق، يجعل وجهها يضيء بهدوء. كانت ترتدي مجوهرات بسيطة لكن ذات طابع مميز، عيناها تلمعان بالحب، وعندما نظرت إلى مرآتها، شعرت بنوع من الطمأنينة وهي على وشك بدء فصل جديد في حياتها.
في الخارج، كان معتصم ينتظر على أبواب القاعة. كان يرتدي بدلة أنيقة، يُحاكي فيها الذوق العصري بلمسة من الكلاسيكية.
شعره مُصفف بدقة، وعيناه كانتا تعكسان قلقًا طفيفًا، مختلطًا بالشوق لملاقاة ريم. كان يعلم أن هذا اليوم سيكون نقطة تحول في حياته، ولكن رغم كل شيء، كان قلبه ينبض بالعاطفة الشديدة تجاه هذه الفتاة التي أصبحت جزءًا من حياته بشكل غير قابل للانعكاس.
حينما نزلت ريم على الدرج، شعر معتصم بقلبه يخفق بشدة. كانت هي تلك الفتاة التي كانت بالنسبة له حلمًا بعيدًا، والآن هي أمامه، تقترب بخطواتها الواثقة، وقد أضاء وجهها بابتسامة خافتة، لكن عيونها كانت تحمل كل معاني الحب والتفاؤل.
معتصم:
"انتي جميلة بشكل لا يوصف يا ريم."
ريم (بابتسامة خجولة):
"وأنت يا معتصم...أنا مش مصدقة إننا وصلنا للمرحلة دي."
بدأت الموسيقى تعزف في الخلفية، وكانت الأضواء تضيء القاعة من كل جانب، في وقتٍ بدت فيه اللحظات كلها وكأنها ستظل محفورة في الذاكرة.
كل شخص في المكان كان يشاهد، في صمتٍ عميق، المشهد الذي يجسد بداية قصة جديدة بين شخصين كانا ينتظران هذه اللحظة لأطول فترة. وكانت الطاولة المعدة أمامهما في المنتصف، حيث سيكون عقد القران.
المأذون بدأ بتلاوة الكلمات التي تجمع بين ريم و معتصم في عقدٍ لا يُمحى، بينما كان الجمع كله ينظر إليهما بترقب، يتبادلان نظرات مليئة بالمشاعر.
ـــ بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما في خير
وفي تلك اللحظة، كانت كلمات المأذون تُسمع بوضوح، وعقد القران يتم على مرأى الجميع. كانت الأجواء مفعمة بالفرح، والأيدي تلتقي في لحظةٍ مفعمة بالأمل والوعود.
بعد الانتهاء من مراسم العقد، تحرك الجميع نحو جانب القاعة حيث الطعام والمشروبات، ولكن المشهد الأول كان يشع بالحب بين ريم و معتصم. كان في عين كل منهما حديث غير منطوق، حديث مليء بالوعد بالحب والدعم، وبداية جديدة للحياة.
وفي اللحظة التي تبادلا فيها العهود، شعر معتصم وكأن الزمن قد توقف للحظة، وكل شيء حوله قد ضاع في ضوء عيني ريم.
وكانت ريم تتأمل اللحظة وكأنها حلم تحقق، تحققت أمانيها في هذا الرجل الذي كان بالنسبة لها أكثر من مجرد زوج، بل كان السند والمستقبل الذي تطمح إليه.
كان معتصم ينظر إلى ريم بكل حب وكأن الدنيا توقفت حولهما، لم يستطع تصديق ما حدث. كانت لحظة عقد القران قد مرت، ولكن تلك اللحظة التي كان ينتظرها طويلاً ما زالت عالقة في قلبه وعقله، وكأنها بداية حياة جديدة، بداية تعويض عن كل السنوات الماضية التي فقد فيها نفسه و كان تائهًا في بحر الحزن.
بسرعة، دون أن يُدرك، اجتاحت معتصم مشاعر كبيرة لا يستطيع أن يُخفيها. انتزع نفسه من تلك اللحظة الواقعية، واحتضن ريم بقوة، كما لو كان يحاول أن يعوض كل الزمن الضائع.
كان قلبه ينبض بسرعة، وكأنما يريد أن يشعر بها أكثر، يريد أن يُشعرها بما في قلبه، بكل هذا الحب الذي كان يكمن في داخله طوال الوقت.
معتصم (وهو يحتضنها):
"مش مصدق... أخيرًا، بعد كل ده، أنتي معايا."
كان صوته مشوشًا، مملوءًا بمشاعر متناقضة، وفي عينيه كان يبرق شيء من العاطفة الغامرة، وأيضًا شيء من الخوف، الخوف من أن يفقدها ثانيةً. شعر بجسدها في يديه، لكنه كان يعقل نفسه، كان يحاول أن لا يفرط في فرحته. حاول أن يمنع دموعه، ولكن الوجع الذي كان في قلبه لأعوام طويلة كان يتراكم، وعينيه لم يستطيعا إخفاء مشاعره.
ريم (بصوتٍ خافت، دموعها تنهمر بهدوء):
"أنا آسفة... أنا آسفة يا معتصم. لما فرطت فيك، كنت فاكرة إني كنت بحاول أعيش حياتي... لكن دلوقتي... عرفت إنك كنت كل حاجه ليا.. إزاي كنت بضيعك؟"
في لحظة الحزن والفرح، تذكرت ريم سنوات بعيدة، ذكريات من حياتها المليئة بالألم والخطأ. كانت دموعها تتساقط، ولا تعرف هل هي دموع الفرح بعد أن وصلت أخيرًا إلى معتصم، أم هي دموع الندم على ما فات، على قرار زواجها من خالد، الذي اعتقدت في وقتٍ ما أنه سيعوضها عن غيابه.
أغمضت عينيها، وأحسّت أن كل شيء كان يحمل دروسًا. وكل لحظة مع معتصم الآن كانت تعني لها أكثر بكثير مما كانت تتخيل.
ريم:
"مفيش يوم مر من غير ما أندم على قرار اتسرعت فيه... وكنت فاكرة إني هقدر أكمل من غيرك، لكن أنا مش قادرة... معتصم، إنت كنت دايمًا في قلبي."
أحتفظ معتصم بنفسه للحظة أطول، محاولًا أن يخفف من دقات قلبه، بينما مشاعر الانتصار والندم تتداخل معًا داخل قلبه.
لم يكن يريد أن يؤلمها، ولكنه كان يشعر أيضًا بشعور عميق من الراحة. كانت ريم أخيرًا هنا، في أحضانه، ولم يعد هناك شيء يمكن أن يفرق بينهما الآن.
معتصم (بهمس):
"أنا كنت دايمًا مستني اليوم ده... مهما حصل... مهما بعدنا عن بعض، كنت عارف إننا هنوصل لبعض في النهاية. مش مهم إيه حصل، المهم إننا مع بعض دلوقتي."
كانت اللحظة مليئة بالصدق والعاطفة المتأججة، لكن كان هناك أيضًا شيء من الحذر، لا أحد يريد أن يخطو خطوة غير محسوبة بعد كل ما مر بهما.
ومع مرور الوقت، شعر معتصم و ريم بأنهما عادا إلى نقطة البداية، ولكن هذه المرة بحكمة جديدة، بحب ناضج أكثر. كانت تلك اللحظة بمثابة نقطة تحول حاسمة، لحظة يتوقف فيها الزمن، ليمنح كلًا منهما فرصة جديدة للمضي قدمًا معًا، وتجاوز كل ما مضى.
ما زلنا في القاعة الواسعة المزيّنة بالورود البيضاء والأضواء الخافتة، امتزجت الموسيقى الهادئة مع أصوات التهاني، بينما كان الجميع يتنقلون بين الطاولات والمقاعد المزيّنة ليشاركوا الفرح مع العروسين.
في ركن جانبي من القاعة:
كان حمد وصافية يقفان بجوار نافذة تطل على حديقة مضاءة. صافية، بفستانها الوردي الرقيق وحجابها الذي يزين رأسها بتطريز ناعم، كانت تشعر بأنها في حلم لا تريد أن تستيقظ منه.
حمد (يمد يده ليلمس كفّها بخفة):
"عارفة يا صافية؟ أنا كل مرة أشوفك بحمد ربنا جعلك شريكة حياتي. أنتي مش بس مراتي.. أنتي حلم بعيد اتحقق من غير ما احس"
صافية (تبتسم بخجل وهي تنظر إلى الحديقة):
"حمد، ما كنتش أتصور إن الحياة ممكن تكون حلوة بالشكل ده... وجودك رجّعلي كل حاجة حلوة."
حمد (يقترب منها بخطوة ويهمس لها):
"ووجودك خلاني أؤمن إن كل تعب وصبر كان يستاهل. الليلة دي مش بس فرحة لمعتصم وريم... دي فرحة لينا إحنا كمان."
صافية تشعر بحرارة كلماته وهي تبتسم بخجل، تحاول أن تخفي تأثرها لكنها لا تستطيع.
---
في وسط القاعة:
كانت ريم واقفة بجوار معتصم، يحيط بها الضيوف الذين يتمنون لهما السعادة. معتصم، ببدلته الكلاسيكية الأنيقة، كان ينظر إلى ريم وكأنه يراها لأول مرة.
معتصم (بنبرة دافئة وهو يقترب منها):
"عارفة يا ريم، عمري ما تخيلت إن اليوم ده هيجي و انتي واقفة جنبي... كل لحظة معاكي بتأكد لي إنك أحسن اختيار عملته في حياتي."
ريم (تبتسم وهي تلمس طرف وشاحها الأبيض):
"وأنا كمان يا معتصم... مش مصدقة إننا هنا مع بعض، وإن الحلم ده بقى حقيقة."
بينما كانا يتبادلان الحديث، اقتربت منهما روان، أخت ريم، برفقة زوجها محمود. روان كانت ترتدي فستانًا أزرق فاتحًا يعكس شخصيتها المرحة، بينما كان محمود يرتدي بدلة سوداء أنيقة.
روان (وهي تضحك):
"طيب بقى يا عرسان، سيبوا الكلام الرومانسي ده شوية! الناس عاوزين صورة جماعية."
معتصم (مازحًا):
"وأنا كنت فاكر إنكِ هتديني نصايح أخت العروسة بدل الهزار ده."
روان (بابتسامة عريضة):
"النصايح خليتها لبعدين... دلوقتي أهم حاجة الصورة!"
ضحك الجميع، بينما انضم محمود إلى الحوار.
محمود:
"لكن بجد يا معتصم، مبروك... ريم تستاهل كل الخير، وأنا واثق إنك هتكون قد المسؤولية."
معتصم (بثقة):
"وأنا هعمل كل اللي أقدر عليه عشان أسعدها."
---
على الطاولة الرئيسية:
كانت تيسير، والدة ريم، جالسة بجوار ندى وأدهم، تتأمل المكان بنظرات تحمل خليطًا من الفخر والراحة. الدموع تلمع في عينيها وهي ترى ابنتها أخيرًا تحصل على السعادة التي لطالما تمنتها لها.
ندى (وهي تمسك بيد تيسير):
"مبروك يا ماما... النهارده مش بس فرحة لريم، ده يوم احنا كلنا كنا مستنيينه."
تيسير (بابتسامة متأثرة):
"الحمد لله يا بنتي... طول عمري بدعي أشوف اللحظة دي... ريم تعبت كتير، لكن ربنا عوضها."
أدهم (ينظر إلى تيسير باحترام):
"وهي تستاهل كل خير يا ماما.. ريم بنتي الطيبة و ربنا دايمًا مع الطيبين."
بينما كان الحديث مستمرًا، اقتربت عائشة، أخت معتصم، برفقة زوجها هشام، وانضمّا إلى المجموعة.
عائشة (بابتسامة دافئة):
"طنط تيسير، النهارده يوم تاريخي! أخيرًا شفنا ريم عروسة لمعتصم "
هشام (مازحًا):
"بس بقولكوا، واضح إن معتصم هيكون أطيب وأهدى بوجود ريم."
ضحك الجميع، بينما شعرت تيسير بامتنان كبير لهذه العائلة التي أصبحت جزءًا من حياتهم.
---
في زاوية أخرى من القاعة:
كانت ندى واقفة بجانب أدهم، تتابع الأجواء بسعادة، لكن في أعماقها كانت تسترجع ذكريات بعيدة.
أدهم (بابتسامة محبة):
"مبسوط إني شايف الفرحة دي في عيونك النهارده."
ندى (تنظر إليه بشغف):
"وأنا كمان مبسوطة إننا هنا مع بعض. وجودك جنبي دايمًا بيخليني أحس بالأمان."
أدهم (يمسك بيدها بلطف):
"ده وعد يا ندى. دايمًا هكون معاكي عشانك."
مع انتهاء المراسم وانتشار الأحاديث والضحكات بين الحضور، كان الحب والسعادة يملآن القاعة، وكل فرد فيها يعيش لحظته الخاصة من الفرح والامتنان.
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
في غرفة مظلمة في أحد المنازل الفخمة. يجلس قائد المافيا، على كرسي كبير، يضع سيجارًا بين أصابعه. يقف أمامه اثنان من رجاله، تتجلى علامات التوتر على ملامحهما. يتحدث أحدهم بنبرة مضطربة.
الرجل الأول:
ــ "يا باشا، البنت رجعت... ندى، البنت اللي كنا فاكرينها خلاص انتهت."
يضيّق عينيه بغضب ويضغط على السيجار، لتتوهج نهايته.
خالد (بصوت متوتر لكنه محكوم):
ــ "رجعت؟ إزاي؟ كنا متأكدين إنها ماتت بعد الحــادثة."
الرجل الثاني:
ــ "واضح إنها كانت عايشة... والأكتر من كده، إنها رجعت مع أدهم و كانت فاقدة الذاكرة... احنا خايفين تفتكر كل حاجة"
يرمي القائد السيجار في المنفضة، يقف بسرعة ويبدأ في السير بخطوات ثقيلة داخل الغرفة.
القائد (بصوت منخفض لكنه يحمل تهديدًا):
ــ "لو عرفت أدهم الحقيقة، إحنا هنكون في خطر كبير. خطـفناها وهددناها عشان نجيب الفـلاشة... ده كفاية عشان ينهي كل واحد فينا."
يصمت الجميع، الجو يزداد توترًا. يقطع القائد الصمت بنبرة صارمة:
ــ "لازم نتحرك بسرعة. البنت دي لازم... تختفي قبل ما تسترجع كل حاجة."
الرجل الأول (بتوتر):
ــ "بس يا باشا، أدهم معاها طول الوقت... الموضوع مش سهل."
يقف قائده أمامه، ينظر في عينيه بنظرة ثاقبة:
ــ "مفيش حاجة سهلة... خلينا نتفق... هتراقبوها الأول... أول ما نلاقي فرصة... ننفذ اللي لازم يتعمل."
الرجل الثاني (بتردد):
ــ "بس لو فشلنا...؟"
يضرب القائد الطاولة بقوة، مما يجعل الرجلين يقفزان من مكانهما قائلا (بنبرة تهديد):
ــ "مش عايز أسمع كلمة 'فشل'. نفذوا الخطة زي ما أقول، ولو حصل أي غلطة... هيكون الحساب عسير."
يتبادل الرجلان النظرات المرتبكة، ثم ينكسان برؤوسهما ويخرجان من الغرفة بسرعة. القائد يجلس مجددًا، ينظر إلى السيجار المشتعل، ثم يتمتم لنفسه بصوت منخفض:
ــ "ندى... لو فاكرة إنك هربتي من الماضي، تبقي مش عارفة مين أنا"
تُغلق الستارة على وجهه المليء بالغضب والتخطيط، بينما يتصاعد التوتر حول الخطر الذي يقترب من ندى.
---
في يوم جديد..
داخل المكتب الهادئ للطبيب النفسي، جلست ندى على المقعد المريح، وعيناها تتجولان ببطء في المكان. كان وجهها يعكس ترددًا واضحًا، وكأنها تخشى ما يمكن أن تحمله ذاكرتها من أسرار. الطبيب كان يراقبها بصبر، يدرك أن أي إشارة، مهما بدت صغيرة، يمكن أن تقود إلى تقدم كبير.
الطبيب (بصوت هادئ ومشجع):
ــ "إزاي كان يومك النهاردة؟ حصل أي حاجة استثنائية؟ أي ذكريات بدأت ترجع؟"
ندى (تتردد للحظات قبل أن تتحدث، ثم تنظر إلى الأرض):
ــ "كان فيه حاجة... لما دخل أدهم النهاردة... البرفان بتاعه كان ليه تأثير غريب عليا."
الطبيب (يقترب قليلاً بتركيز):
ــ "البرفان؟ ممكن تشرحي أكتر؟"
ندى (تُغمض عينيها للحظات وكأنها تحاول استرجاع اللحظة):
ــ "أيوه... البرفان ده...حاسة  او بيتهيألي انها نفس الريحة اللي كنت بشمها في أول شهور جوازنا... جايز أيام ما كنا منفصلين في قوضتين.... هو كان دايمًا بيحط البرفان ده لما يخرج، وأنا كنت بحب أشمه من غير ما يعرف... كنت دايمًا أحس بالوحدة لما أشمه."
الطبيب (بنبرة متفهمة):
ــ "يعني الريحة دي مرتبطة بذكريات معينة من حياتك مع أدهم؟"
ندى (بصوت خافت):
ــ "أيوه... مش عارفه دا حصل ولا لأ بس كأني كنت بحبه وقتها، وهو... هو ما كانش بيحبني.. كنت بحس إني مش موجودة بالنسباله، وكأننا في عالمين مختلفين."
الطبيب (محاولًا الربط بين المشاعر والذكريات):
ــ "البرفان ده يمكن يكون مفتاح مهم لاستعادة ذكرياتك. أحيانًا الروائح بتبقى محفز قوي جدًا للذاكرة، خصوصًا لو كانت مرتبطة بمشاعر قوية."
في هذه اللحظة، يُفتح الباب بهدوء، ويدخل أدهم إلى الغرفة. كان يبدو عليه القلق والاهتمام، لكنه حاول أن يحافظ على هدوئه. نظر إلى الطبيب، ثم إلى ندى.
أدهم (يتحدث بنبرة هادئة، لكنه مليء بالقلق):
ــ "آسف على التدخل، بس حسيت إن وجودي ممكن يساعد."
الطبيب (يبتسم بأدب):
ــ "أهلا يا أستاذ أدهم. في الحقيقة وجودك ممكن يكون مفيد جدًا، خاصة لو ندى عندها ذكريات مرتبطة بيك."
أدهم (يجلس بجانب ندى، وينظر إليها بلطف):
ــ "ندى، لو البرفيوم رجّعلك ذكريات، ممكن نحاول نربط بينه وبين حاجات تانية؟ مش لازم تستعجلي... إحنا هنا معاكي خطوة بخطوة."
ندى (تنظر إليه بعينين مليئتين بالحيرة):
ــ "أدهم... أنا مش عارفة ليه الريحة دي رجّعتني لليوم اللي كنت واقفة فيه في قوضتك رشيت منه في الجو و شميته باستمتاع..مش عارفة دا حلم ولا حصل بجد.. كنت ساعتها بتمنى إنك تبقى عارف اني بحبك."
أدهم (بصوت منخفض يحمل ندمًا):
ــ "أنا فاكر الأيام دي... كنت مش شايف حاجة غير شغلي، وكنت فاكر إن الجواز ده مجرد مهمة شغل. ما كنتش عارف إنك كنتي شايلة كل الحب ده جواكي."
الطبيب (يتدخل لتوجيه الحديث):
ــ "ندى، اللحظة دي مهمة جدًا. شعورك وقتها كان إيه؟ كنتي خايفة؟ حزينة؟ ولا مجرد مستنية؟"
ندى (تأخذ نفسًا عميقًا):
ــ "كنت بحس بالخوف... خوف من إني أفضل كده طول عمري.. برضو مش عارفه اللي بحس بيه دا بجد ولا حلم بس زي ما اكون كنت عارفة إن أدهم مش شايفني، وإنه يمكن ما يشوفنيش أبدًا."
أدهم (يضع يده على يدها بلطف):
ــ "وأنا كنت غبي... ما كنتش شايفك ولا فاهم مشاعرك. لكن دلوقتي... دلوقتي شايفك أكتر من أي وقت فات."
الطبيب (موجّهًا الحديث لكليهما):
ــ "الذكريات دي، حتى لو مؤلمة، مهمة جدًا. ندى، ممكن البرفيوم ده يبقى مدخل لذكريات أعمق... وأدهم، وجودك هنا بيساعدها تحس بالأمان وهي بتسترجع الماضي."
ندى (تنظر إلى أدهم، عيناها مليئتان بالدموع):
ــ "أنا عايزة أفتكر كل حاجة، حتى لو كانت صعبة. مش عايزة أحس إن في حاجة ناقصة بينا."
أدهم (يمسح دموعها بلطف):
ــ "وإحنا هنعدي كل ده مع بعض. أنا معاكي، مش هسيبك."
الطبيب (يبتسم مطمئنًا):
ــ "دي خطوة كبيرة جدًا يا ندى. وده معناه إننا ماشيين في الطريق الصح... الذكريات هترجع تدريجيًا، وإحنا هنواجهها مع بعض."
الجلسة تنتهي على هذه النغمة العاطفية، حيث يظل أدهم ممسكًا بيد ندى، بينما تشعر هي بمزيج من الخوف والأمل، مستعدة لاستكمال رحلتها نحو استعادة نفسها.
---
تجلس ريم في غرفة الجلوس، ترتدي فستان قطني أنيق مع وشاح خفيف ينسدل على كتفيها.
يرن هاتفها برقم معتصم فتبتسم بحب ثم تجيب:
ـــ الو.. ازيك يا عصومي
ابتسم معتصم (بصوت هادئ لكنه مليء بالعاطفة):
ــ "بخير يا قلب عصومي..احم.. ريم عندي طلب مهم. عايز نسافر للصعيد، نزور قبر أمي... عايز أقولها إن ابنها خلاص اتجوز البنت اللي اختارها قلبه."
تفكر للحظات قبل أن تتحدث ثم قالت بتردد ممزوج بالاحترام:
ــ "فكرة جميلة يا معتصم، بس... مش لازم نستأذن أدهم الأول؟ خصوصًا إننا لسه في بيت العيلة، وكل حاجة مشتركة بيننا."
يبدو معتصم متفاجئًا من ردها. تمر لحظة صمت، ثم يزفر ببطء، محاولًا التحكم في مشاعره.
معتصم (بصوت منخفض لكنه حازم):
ــ "ريم، أنتي دلوقتي مراتي... يعني قراراتنا تخصنا إحنا الاثنين. أدهم أكيد له احترامه، لكن ملوش رأي في حياتنا بعد كده."
ريم (بصوت هادئ ومتفهم):
ــ "أنا عارفة إنك شايف الأمور كده، ومقدرة إنك بتحطني فوق أي اعتبار... بس أدهم مش مجرد أخ، هو اللي وقف جنبي طول عمري. الموضوع بالنسبة لي مبدأ احترام، مش استئذان. لو كنت مكانك، أكيد كنت هتحب يكون كل شيء واضح بيننا وبينه."
[ينظر معتصم في عينيها، ويدرك عمق كلامها. يظل صامتًا للحظة، ثم يتنهد ويهز رأسه بابتسامة خفيفة.]
معتصم (بصوت أهدأ):
ــ "معاكي حق يا ريم قوليله زي ما تحبي، لكن متتأخريش عليا... نفسي نسافر بكرة، عشان نوصل بدري ونقضي وقت كويس هناك."
ابتسمت ريم بعدما شعرت بالارتياح لتفهمه:
ــ "متقلقش، هكلمه. وأنا كمان متحمسة أزور قبر أمك وأشاركك اللحظة دي."
ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ
في صباح مشرق، تصل سيارة ريم ومعتصم إلى البلدة الصعيدية. يملأ الهواء عبق الأزهار البرية، وأصوات الطيور تتداخل مع همسات الرياح القادمة من الحقول. الطريق الترابي يمتد أمامهما بين بيوت الطوب الطيني التي تتزين بأعلام ملونة وزخارف بدائية رسمها الأطفال فرحًا بالزائرين.
ريم تنظر من النافذة بدهشة، تشعر بشيء مألوف يلامس قلبها. فجأة، تسمع أصوات الطبل والمزمار تقترب.
ريم (باندهاش):
ــ "معتصم... إيه الصوت ده؟!"
يبتسم معتصم، ناظرًا إليها بنظرة تحمل فخرًا وحبًا.
معتصم (بهدوء):
ــ "استني وشوفي."
مع اقتراب السيارة من الساحة الرئيسية، تتكشف أمامهما صورة مذهلة. عشرات الرجال يرتدون الجلباب الأبيض يعزفون بالمزمار والطبل، والخيول المزينة بالأقمشة المطرزة تتحرك في دوائر، يقودها فرسان بمهارة فائقة. النساء يطلقن الزغاريد من الشرفات، والأطفال يركضون حاملين الورود. الساحة كلها تتوهج بالفرح.
ريم تضع يدها على فمها، تحاول استيعاب المشهد.
ريم (بفرحة غير مصدقة):
ــ "ده كله عشاننا؟!"
ينزل معتصم من السيارة أولاً، ثم يفتح الباب لها بنفسه، يمد يده لتساعده على النزول.
معتصم (بصوت حنون):
ــ "أيوة يا ريم... الناس هنا بيحبوا يفرحوا بأفراحنا بالطريقة دي... ودي أقل حاجة أعملها ليكي."
تأخذ يده وتنزل، تشعر بثقل التقاليد ودفئها. ينضم إليهما رجل نحيل، وجهه محفور بالتجاعيد لكنه مشرق بابتسامة صافية. إنه "سمعان الخفير"، الرجل الذي كان يحرس الدوار و ذراع معتصم الايمن في البلدة
سمعان الخفير (بصوته المميز):
ــ "حمد لله على السلامة يا مِعتصم بيه! الف مبروك يا ست الضاكتورة..البلد كلتها نورت."
[ينحني ليباركهما، ثم ينظر إلى معتصم بحب يشوبه الاحترام.]
سمعان الخفير:
ــ "مبروك يا ولد الحاج حمدان البدري... أمك الله يرحمها لو كانت موچودة كانت فرحت بيكم جوي."
ينظر معتصم إلى الأرض لحظة، ثم يرفع عينيه بابتسامة ممتنة.
معتصم (بصوت مليء بالعاطفة):
ــ "إن شاء الله هي حاسة بينا، ودي أول حاچة هعملها بعد الفرحة الزينة دي... نزور جبرها وأبشرها إن حلمها اتحجج."
تنظر ريم إلى معتصم، عيناها تلمعان بالدموع، لكنها تبتسم بإحساس بالانتماء.
ريم (بهدوء):
ــ "إن شاء الله روحها هتكون فرحانة، وده أحلى تكريم ليها."
يتقدم معتصم بخطوات واسعة نحو الساحة، ويمسك يد ريم. تبدأ الزغاريد ترتفع من النساء الواقفات على الجانبين، ويقترب الأطفال منها ليقدموا لها باقات ورد صغيرة.
في منتصف الساحة، تقترب مارتينا، صديقة ريم القديمة، وسط الحشد. تفتح ريم عينيها بدهشة وسعادة.
ريم (بصوت مفعم بالمفاجأة):
ــ "مارتينا! مش معقول إنتي هنا؟!"
تركض نحوها وتحتضنها بحب كبير، بينما تضحك مارتينا بسعادة.
مارتينا:
ــ "لما عرفت إنكم جايين، ما قدرتش أضيع الفرصة. معتصم بيه كان متفق معايا من زمان!"
تلتفت ريم إلى معتصم الذي يقف مبتسمًا، وتهز رأسها بدهشة.
ريم (بابتسامة مليئة بالحب):
ــ "أنت فعلًا بتفكر في كل حاجة بحبها!"
يقترب معتصم، ناظرًا إليها بعمق:
ــ "فرحتك هي هدفي يا ريم... ودي مجرد بداية."
في هذه اللحظة، يبدأ المزمار يعزف نغمة تراثية مألوفة، والرجال يبدأون رقصة "العصا". معتصم يأخذ يد ريم ليجعلها تشارك في الرقص الرمزي مع النساء وسط فرحة الجميع.
بينما يستمر الاحتفال، ريم تنظر إلى معتصم، وفي داخلها شعور بالامتنان والحب الكبير لهذا الرجل الذي أتى بها إلى قلب الحياة التي طالما أحبتها.
ينتهي بابتسامة على وجهها، بينما المزمار والطبول يملآن الأجواء بالبهجة.
---
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، والبيت يغط في هدوء ثقيل. وقف أدهم في الصالة يحتسي كوبًا من القهوة، يحاول أن ينفض عن ذهنه ثقل الأفكار. فجأة، اخترق الصمت صوت صراخ مكتوم قادم من غرفة ندى.
تسارعت خطواته نحو غرفتها، يداه ترتجفان من الخوف، فتح الباب على عجل ليجدها تتحرك باضطراب على سريرها، ووجهها مبلل بالعرق. كانت تهذي بكلمات غير مفهومة، ويدها تمتد كأنها تدفع شيئًا غير مرئي.
أدهم (بصوت قلق):
"ندى! ندى، فوقي!"
اقترب منها بخطوات حذرة، وضع يده بلطف على كتفها محاولًا إيقاظها. فتحت عينيها فجأة، وقد امتلأت بالدموع، لتقفز من السرير وتلتف حوله بذراعيها، تحتضنه بقوة وكأنها تهرب من كابوس مرعب.
ندى (بصوت متقطع، وكأنها لا تزال عالقة في الحلم):
"ما تسيبنيش... أنا خايفة... خايفة منهم!"
أدهم (يحاول تهدئتها، بينما يربت على ظهرها):
"هدي نفسك، أنا هنا معاكي. مين اللي خايفة منهم؟ إيه اللي حصل؟"
لكن ندى لم تجب. بدت مرتبكة، وكأنها تحاول استيعاب الواقع. تركت حضنه ببطء وجلست على السرير، تمسح العرق عن جبينها.
أدهم (يجلس بجانبها، ينظر إليها بقلق):
"ندى، كنتِ بتحلمي بكابوس؟ إيه اللي شفتيه؟"
ندى (بصوت متقطع، تحاول التذكر):
"أنا... أنا مش فاكرة... كان فيه ناس... حد كان بيهددني... بس... الصورة ضبابية."
أدهم (بإصرار):
"ندى، ده مش أول مرة... أنتِ محتاجة مساعدة. لازم نروح للدكتور احمد بكرة."
ندى (تهز رأسها بتردد، وعيناها تفيض بالخوف):
"مش عايزة أروح... احنا لسة كنا هناك من يومين.. مش عايزة أتكلم عن الكوابيس المزعجة دي"
أدهم (يمسك بيدها، بصوت مطمئن):
"لو فضلتي ساكتة، الكوابيس دي مش هتختفي. أنا معاكي، مش هسيبك لوحدك. إحنا لازم نفهم إيه اللي حصل علشان نقدر نواجهه."
لحظات من الصمت مرت بينهما، قبل أن تنظر إليه ندى بعينين تملؤهما الحيرة والارتباك. أخيرًا، أومأت برأسها، وكأنها تستسلم لإصراره.
ندى (بهمس):
"ماشي... نروح للدكتور."
أدهم (يبتسم لها مطمئنًا):
"ده القرار الصح. أنا معاكي في كل خطوة."
---
صباح اليوم التالي
دخلت ندى إلى العيادة وهي تبدو متوترة، كانت المرة الرابعة التي تدخل فيها برفقة أدهم. كانت عيناه مليئة بالقلق وهو يراقبها دون أن يجرؤ على السؤال. جلسا معًا، والأجواء كانت مشحونة بشيء من التوتر غير المعتاد.
الدكتور (بهدوء):
"إزاي حالك النهاردة يا ندى؟"
ندى (تنهدت، ثم أجابت بصوت منخفض):
"ممكن... ممكن أتكلم النهاردة عن حاجات غريبة... حاجات بتخطر على بالي."
الدكتور (يلاحظ التردد في صوتها):
"طبعًا، إنتِ دلوقتي في مكان آمن، لو حابة تحكي عن أي حاجة."
أخذت ندى نفسًا عميقًا، بينما نظر أدهم إليها بقلق، محاولًا فهم ما الذي قد تقوله. كانت عيناها مشوشة، وكأنها تتذكر شيئًا ثم تحاول التراجع عن ذلك.
ندى (ببطء، بصوت منخفض):
"في حاجات، في لحظات... ساعات بحس كأنها مش كاملة، كأنها لقطات... مش مشاهد واضحة. زي... زي شخصين في مكان ضلمة... حد بيهددني، بيسألني عن حاجة، بس مش فاكرة هي إيه."
الدكتور (بهدوء، مستشعرًا التوتر):
"ممكن توضحي أكتر؟ أي تفاصيل ممكن تكون مفيدة."
ندى (تبتسم بحزن، تحاول التذكر):
"مش عارفة، بس فيه واحد... بصراحة مش فاكرة شكله، بس كان بيكلم بصوت غريب... وكان بيهددني بحاجة."
أدهم نظر إليها بصدمة، وكانت عيناه تتسعان من الدهشة.
أدهم (بحذر، وهو يراقبها):
"تهديد؟ مين؟ وأنتِ ليه ما قُلتِليش عن ده قبل كده؟"
ندى (حاولت أن تتهرب من نظراته، تبتسم بحرج):
"ما كنتش فاكرة... كنت حاسة إن ده كله خيال، بس دلوقتي... مش قادرة أهرب من الصورة دي."
الدكتور (محاولًا التوجيه):
"ممكن تشرحي أكتر عن اللحظة دي؟ إيه اللي كان بيهددك بيه؟"
ندى (صوتها يصبح أكثر تشتتًا):
"كان... كان بيتكلم عن حاجة... حاجة مهمة... حاجة عن ناس... مش فاكرة، بس كان بيقول إن لو ما سلمتش الحاجة دي، هيوصلوا لناس تانية."
أدهم (بتوتر، يحاول أن يسيطر على انفعاله):
"ناس تانية؟ يعني إنتي كنتي في خطر؟ بس انتي... انتي معايا هنا دلوقتي! ليه ما قُلتِليش؟"
ندى (بصوت منخفض، تحاول تهدئة الموقف):
"كنت خايفة... خايفة منك، خايفة عليك، مش عارفة إذا كان ده حلم ولا حقيقة، بس الحاجات دي مش بتروح. مش قادرة أتجاهلها."
الدكتور (بملاحظة، يعزز حديثه):
"الذكريات دي بتأثر عليكي صح؟ لو إنتي مش قادرة تفهمي اللي بيحصل، لازم نساعدك على استرجاع التفاصيل بطريقة هادية ومرتبة."
ندى (بنبرة متعبة):
"كنت في مكان ضلمة.. وسمعت صوت رجل بيقول لي حاجات... أعتقد كان بيهددني بحاجة... مش فاكرة إذا كان الكلام ده حقيقى ولا أنا اللي تخيلته. بس لو كان حقيقة... يبقى كان فيه ناس كبيرة متورطة."
أدهم (مصدومًا، موجهًا نظره إليها بحيرة):
"ناس كبيرة؟ و ازاي متقوليش ليا"
ندى (تتجنب عينه، وتخفض رأسها):
"مش قادرة أتكلم، مش قادرة أفهم ليه دلوقتي بقت الصورة دي واضحة في دماغي."
الدكتور (يهدئ الجو):
"كل شيء هيظهر في وقته. مش مهم دلوقتي كل التفاصيل، المهم إنك حاسة بيها ومش لوحدك."
أدهم (بصوت مرتعش، يحاول فهم الموقف):
"إنتي كانت عندك مشكلة كبيرة... وكنتي لوحدك؟.. ليه ما قُلتِليش عن ده قبل كده؟"
ندى (نظرت إليه بحزن عميق):
"كنت خايفة عليك، ما كنتش عايزاك تدخل وسط الناس دي، كنت عايزة احميك... مش قادرة أتحمل أني أخسرك."
---
في المنزل بعد الجلسة
عاد أدهم مع ندى إلى المنزل بعد الجلسة العلاجية، وكانت الأجواء متوترة بينهما. ظل صمت طويل يملأ المكان قبل أن يكسر أدهم هذا الصمت، عينيه مليئتين بالقلق والتوتر.
أدهم (بصوت منخفض، لكنه قاسي):
"ندى، لازم تقوليلي الحقيقة.. إيه اللي حصل معاكي قبل الحادثه؟ أنا مش قادر أفهم، وكل مابشوفك مش قادرة تفتكري أو تشرحي، الشكوك بتزيد عندي."
ندى (بحيرة، تلتفت بعيدًا، غير قادرة على النظر في عينيه):
"أدهم... مش قادرة أفتكر كل حاجة، وفي حاجات مش عايزة أفتكرها."
أدهم (يقترب منها خطوة بخطوة، صوته يزداد حدة):
"إنتِ مش قادرة تفتكري؟.. ولا مش عايزة تقولي؟!.. كل مرة تحكيلي عن حاجات ضبابية، وأنا مش قادر أستوعب...في حاجة مش مظبوطة، أنا حاسس إن فيه حاجة انتي مخبياها."
ندى (تنظر له بقلق، صوتها يرتجف):
"مفيش حاجة، أنا مش فاكرة كويس... كنت في مكان مضلم... وكان فيه ناس بيهددوني."
أدهم (يصر على المعلومة، صارمًا):
"ناس؟ ليه ما قُلتِليش من الأول؟ إيه اللي خلى الناس دول يهددوكي؟ مش معقول، ندى! لازم تقوليلي كل حاجة دلوقتي."
ندى (صوتها يرتفع قليلاً بسبب الضغط عليه):
"أدهم... مش قادرة، أنت مش فاهم... الكلام ده مش سهل، وكل ما بحاول أفتكر بيزيد الضغط عليّا."
أدهم (يبدأ في رفع صوته، يشعر بالإحباط):
"يبقى فيه حاجة غلط، ولا إيه؟ إذا كانت حياتك في خطر، ليه ما قُلتِليش من الأول؟!"
وفي لحظة من الضعف، شعرت ندى بكأن عقلها يدخل في صراع شديد داخل رأسها. زادت الضغوط على قلبها، حتى بدأت الرؤية تتشوش، فتعثرت خطواتها وسقطت فجأة على الأرض.
أدهم (يصدمه ما حدث، يركض نحوها فورًا):
"ندى! ندى! فوقي!.. ندى فتحي عنيكي؟!"
أدهم كان في حالة ذعر تام، يتنقل بجانبها بسرعة وهو يحاول أن يستعيد وعيها. أصابته نوبة من الندم العميق على ضغطه الزائد عليها.
أدهم (يضع يديه على وجهه في قلق شديد):
"يا ربي... ليه عملت كده؟ كنت لازم أكون هادي شوية، إزاي خليتها توصل للدرجة دي؟"
أدهم جثا بجانبها، وحاول بجهد أن يفيقها، لكنه كان عاجزًا في البداية. قلبه كان ينبض بسرعة، وكان يشعر بأن كل شيء قد ينتهي في لحظة.
ثم بعد لحظات من الهلع، فتحت ندى عينيها ببطء. كانت لا تزال في حالة من التشتت، فركت عينيها في محاولة لتدرك ما حدث.
ندى (بصوت ضعيف، متعبة):
"أدهم... إيه اللي حصل؟"
أدهم (وهو يضغط على نفسه لمحاولة كبح مشاعره):
"ندى... أنا آسف، آسف من كل قلبي... ما كانش المفروض أضغط عليكي كده... ما كانش المفروض أسألك أسئلة أكتر من طاقتك."
أدهم كان يشعر بندم شديد، كأن ضميره يعذبه، ومع أول لحظة استفاقت فيها ندى، قام بإمساك يديها بحنان، محاولًا أن يخفف عنها.
أدهم (بصوت محمّل بالندم):
"أنا غلطت معاكي، والله، ما كنتش أقصد أضغط عليكي. بدأت أشك في كل حاجة، لكن ده مش معناه إني أتعامل معاكي بالطريقة دي... كنت لازم أصبر."
ندى (بحزن عميق، وهي تنظر في عينيه):
"أدهم، مش ده وقت الأسف... كلنا عايشين في خوف... مش عارفة حتى إزاي أواجهه."
أدهم (بتأكيد وحزم، يعيد تركيزه على ندى):
"هنواجهه سوا، مش لوحدك. وصدقيني، مش هضغط عليكي تاني."
وفي تلك اللحظة، شعر أدهم بأن كل ما كان يحاول الوصول إليه أصبح أكثر تعقيدًا، لكن كان لديه يقين واحد، أنه لن يترك ندى تواجه هذه المحنة بمفردها، وأنه مهما حدث، سيكون إلى جانبها.

تعليقات



<>