ليلا
في فيلا صفوت البحيري والد ايهم و عم ليليان.
تجلس ليليان على سريرها و هي تنظر إلى العلبة الورقية التي احضرتها لها إحدى الخادمات منذ قرابة الساعة لتخبرها ان السيد ايهم هو من بعثها لها و أمرها بارتداء ما بداخله و انها يجب أن تكون جاهزة تمام الثامنة.
نظرت الى هاتفها لتجدها السابعة و بضع دقائق، زفرت بحنق ثم فتحت العلبة لاكتشاف ما بداخلها...
شهقت بذعر و هي لا تصدق ما ترى فستان من الشيفون الأسود اقل ما يقال عنه فاضح قصير يصل إلى ما قبل الركبتين و عاري الظهر و ذو فتحة عنق منخفضة... رمت الفستان على الأرض بعنف و هي تتمتم بغضب:"لا دا اتجنن خالص هو فاكرني ايه؟ زبالة زيه علشان البس داه، انا مش عارفة حخلص منه ازاي الشيطان داه انا مش عارفة لحد امتى حستحمل الذل و الاهانه منه و اسكت مقدرش اتكلم علشان الناس اللي ربتني دي و اعتبروني زي بنتهم و لو لاهم الله اعلم كان حصلي ايه؟ يا رب نجيني منه انا خايفة يعملي حاجة حاسة ان مصيبة حتحصل ".
وقفت من مكانها متجهة الى خزانة ملابسها التي تحتوي على عدد قليل من فساتين السهرة فهي بطبعها لا تخرج كثيرا و لا تذهب الا الى حفلات الأقارب...اختارت فستان ازرق غامق طويل و بأكمام طويلة و صففت شعرها على شكل كعكة مهملة و تركت بعض الخصلات تنزل على جانبي وجهها بعشوائية، وضعت بعض مساحيق التجميل الخفيفة التي أظهرت جمال وجهها الفاتن و ملامحها الجذابة..
نزلت الدرج بخطوات مترددة حتى وصلت إلى الباب الخارجي وجدت ايهم أمامها ينظر بنفاذ صبر الي ساعته و على وجهه علامات التجهم...
رفع رأسه ليجدها أمامه سلط نظراته الحادة عليها مما أثار رعبها، لا ينكر انها بدت رائعة و ساحرة كعادتها لا يتذكر انه رأى امرأة تمتلك هذا القدر من الجمال مثلها هي
بشرة وجهها المستدير الأبيض تذكره ببشرة الأطفال حديثي الولادة و عيناها البنيتان الواسعتان كعيون الغزال تضللهما رموش كثيفة سوداء اما شفتيها الورديتين الناعمتين اللتين لا طالما اشبعهما تقبيلا رغما عنها
يتذكر جيدا ذلك اليوم الذي احضرها فيه والده الى منزلهم و طلب من الجميع الاعتناء بها و معاملتها كأخت لهم... الا انه لم يكن ليفعل ذلك،
آفاق من شروده على صوتها :"لو غيرت رأيك قلي بدل الوقفة اللي ملهاش لازمة دي"
ليجيبها بغضب و قد تذكر للتو انها لم ترتدي الفستان الذي احضره لها :"انت ايه اللي لابساه داه و فين الفستان اللي انا جبتهولك".
نظرت له بسخرية قبل أن تجيبه بتهكم :"قصدك الفستان اللي لونه اسود و شبه قميص نوم، اسفة انت عارف اني مبلبسش الحاجات دي ".
امسكها من ذراعها بعنف هادرا :"انت مش بتسمعي الكلام ليه هو عند و خلاص انا خطيبك و من حقي تلبسي اللي لنا عاوزه ".
تأوهت بألم و هي تشعر بأصابعه تنغرس شيئا فشيئا حتى كادت تخترق لحمها... لتهتف بصعوبة:" مقدرش البس الحاجات دي انت ايه مشفت... ش الفس.. تان قبل ما تشتريه دا عريان و قصير..."
قاطعها :" بردو تتنيلي تلبسيه...انت تسمعي كلامي و بس و ملكيش حق تعترضي عريان و الا مهبب ملكيش دعوة".
رفعت ليليان بصرها بضعف نحوه تستجديه ان يرحمها و يتركها فالالم الذي تشعر به لا يحتمل...حتى انها لاتصدق ان الفستان لم يتمزق حتى الآن
الا انه كان في عالم آخر لا يرى سوى رفضها و عنادها معه لم يكن يشعر بآلامها و خوفها منه، لم يكن يرى سوى نظراتها المشمئزة منه و التي كانت تطالعه بها كلما التقت عيناهما و كأنه مرض معد او حشرة مقرفة لا تريدها ان تقترب منها....
ترك ذراعها لتشهق ليليان بارتياح و ترمي حقيبتها أرضا لتمسد مكان قبضته تجزم انها ستترك أثرا بشعا لعدة ايام...
لم يمهلها ايهم وقتا طويلا حتى تسترد أنفاسها ليقبض على يدها ثم ينحني ليلتقط حقيبتها و يجبرها ورائه باتجاه سيارته....
فتح باب السيارة ثم دفعها الى الداخل بعنف و رمى الحقيبة بوجهها ثم استدار ليستقل مقعده...و ينطلق بالسيارة الى وجهته المحددة...
انكمشت ليليان مكانها و هي ترى ملامحه الغاضبة،
تجزم انه سيفتك بها في اي لحظة قاطع أفكارها صوته الغاضب الذي صدح عاليا و هو يضرب المقود بكل قوته :"دايما كده و مش حتتغيري...بتنفذي كل اللي في دماغك و مش عملالي اي اعتبار...في حياتي كلها مشفتش اغبى منك".
استدارت له ليليان لتقول بشراسة متناسية خوفها منه :"كل داه علشان مقبلتش اني البس فستان عريان... انت ايه يا اخي معندكش شرف و لا اخلاق دا انا حتى بنت عمك و معتبرني خطيبتك ازاي ترضى اني البس كده قدام صحابك و الا ليكون دفعولك مبلغ كويس علشان تعرضني قدامهم و يا عالم واعدهم بايه ثاني ما انتم شلة زبالة كلكم..."
توقفت عن الكلام عندما علمت بتوقف السيارة على احد جوانب الطريق مدت يدها محاولة فتح الباب علها تستطيع الخروج من هذا الجحيم...
صاحت بقوة و هي تشعر بأن شعرها يكاد يقتلع من مكانه جراء قبضة ايهم الذي جذبها اليه دون مبالاة بالمها هامسا بصوت مخيف :" اخرسي... تعرفي تخرسي مش عاوز اسمع صوتك لحد ما نوصل...
تلوت ليليان بين أحضانه محاولة التخلص منه دون جدوى فكانت كمن يدفع جبلا لا يتحرك و لا يتزحزح لتصرخ بنفاذ صبر :" انا بقول الحقيقة انت بتنكر ليه؟ مش دي أخلاقك العظيمة اللي عاوز تفرضها عليا... عاوز تخليني ابقى زي الأشكال اللي انت متعود عليهم...
زمجر ايهم بغضب و هو يهزها بعنف محاولا اخراسها لكن كيف ليليان صاحبة اللسان الطويل ان تسكت على حقها لتضيف :" عارف الراجل اللي يسمح لرجالة ثانية تشوف عرضه يسموه ايه...
:" ليليان.... اخرسي... اخرسي و لا كلمة"..
صرخ ايهم بجنون و هو يدفعها بقوة ليصطدم رأسها ببلور السيارة لتتأوه بألم و هي تتحسسه جبينها و رأسها سامحة لدموعها بالنزول...
ضرب ايهم مقود السيارة عدة مرات و هو يشتم بألفاظ نابية و كلمات غريبة غير مفهومة...
التفت الى جانبه ليجد ليليان تكفكف دموعها المنهمرة و تحاول إصلاح شعرها و ثيابها التي لم تسلم من قبضته...
رمقها باستهزاء قبل يقول آمرا و كأنها موضفة لديه :" آخر مرة اسمحلك تكلميني بالطريقة دي، انت تنفذي اللي اقلك عليه و بس و دماغك القديمة دي تغيريها... انت خطيبة ايهم البحيري يعني لازم تكوني لايقة عليا و خاصة قدام اصحابي... اقسم بالله لو صدر منك اقل تصرف معجبنيش لكون موريكي اللي عمرك مشفتيش...
و متنسيش ان المريض اللي انت قبلتي تخرجي معايا على شانه لسه حياته تحت ايدي يعني بتلفون واحد مني حخلي امن المستشفى يطرده برا.... ".
اومأت ليليان برأسها بايجاب و هي تحاول السيطرة على ارتعاش جسدها من الخوف تعلم أن ايهم لن يمر ما حصل مرور الكرام و ان ابتسامته الخبيثة ليست الا بداية انتقام...
لعنت لسانها السليط الذي لا تستطيع التحكم به و الذي دايما ما يوقعها في المشاكل..
بعد دقائق قليلة عبرت السيارة داخل حديقة كبيرة
تتوسطها فيلا بيضاء ذات تصميم خلاب...
انبهرت بها ليليان للحظات قبل أن تتذكر انها ليست سوى وكر للشياطين، توقفت السيارة ليترجل ايهم و يستدير بخفة ليفتح لها الباب و يجذبها من ذراعها بقوة حتى أصبحت واقفة أمامه...
ليبتسم لها بزيف و هو يضع يدها على ذراعه استعدادا للدخول...
خطت ليليان بتردد داخل الفيلا و هي تنظر يمينا و يسارا.. وصلا الي صالون كبير يتوسط الفيلا يجلس عليه عدة أشخاص لم تتعرف إليهم...
احست برهبة غريبة و هي تلاحظ ان كل العيون مسلطة عليها، ضغطت باصابعها على ذراع ايهم الذي التفت إليها قليلا ثم عاد ببصره الي الحاضرين ليقدما لهم بفخر :" اعرفكم... دي ليليان خطيبتي...".
سمعت ليليان عدة همسات لترفع عيناها لتجد ايهم يشير الى رجل وسيم ذو جسد رياضي ضخم، بشرته قمحية و تزين وجهه لحية خفيفة قائلا :" تعالي علشان اعرفك على الشلة... داه عمر الشناوي ابن خالة شاهين و شريكه في نفس الوقت....
همست ليليان بصوت خافت و هي تلاحظ علامات الضيق التي كست ملامح هذا الرجل و كأنه لم يعجبه وجودها :" تشرفنا يا استاذ عمر..."
أشار لها عمر برأسه دون أن يتكلم ليشير ايهم الي رجل آخر يضع يده على كتف فتاة ترتدي ملابس مكشوفة لا تخفي سوى مفاتنها.. :"و داه فريد ابو حجر ابن رجل الأعمال اسماعيل ابو حجر و دي ميرهان خطيبته...
جفلت ليليان و هي تلاحظ نظرات المدعو فريد الوقحة و الذي كاد يلتهمها بنظراته ليقف من مكانه فجأة و يمد يده حتى يسلم عليها...
مدت ليليان يدها بتردد و هي تنظر إلى ايهم الذي كان يشجعها بنظراته...
رمقته بنظرات كارهة قبل أن تشعر بملمس شفاه على ظاهر يديها،
شهقت بفزع و هي تجذب يدها بذعر و تتراجع بخطواتها الى الوراء....
تجاهل ايهم فعلتها و هو يكز على أسنانه من شدة الغيظ قبل أن ينتقل بنظراته الى رجل ضخم بشكل مخيف جسده يشبه أجساد المصارعين عضلاته بارزة بوضوح تحت قميصه الأبيض الخفيف الذي فتحت ازراره الأولى... عريض الكتفين وسيم الى حد ما بملامح وجهه السمراء الحادة و لحيته الخفيفة السوداء و عينيه الحادتين كعيني الصقر....
كان يجلس باسترخاء على الاريكة الأخرى و بجانبه فتاة تبدو في أواخر الثلاثين في عمرها سمراء ببشرة جذابة تضع بعض مساحيق التجميل على وجهها البرونزي و ترتدي فستانا قصيرا احمر اللون أظهر جمال و طول ساقيها المغريتين و قد اسدلت شعرها البني على جانبيها..
أشار إليها ايهم و قد رسم ابتسامة عريضة على وجهه قائلا :"اما الجميلة دي صوفيا....
ابتسمت لها صوفيا برقة و هي تشير لهما بالجلوس :" اهلا و سهلا يا ايهم بيه...و أخيرا قدرنا نشوف خطيبتك... بس الصراحة هي حلوة اوي زي ما حكيتلنا عليها بالضبط... ".
أحاط ايهم كتفي ليليان و هو يقودها برفق ليجلسا على احد الارائك ثم يهمس لها ببعض الكلام في أذنها.
قبل أن يقول بصوت عال :"ميرسي يا صوفيا...
ليليان يا حبيبتي داه شاهين الألفي صاحب الفيلا دي هو طبعا غني عن التعريف...
نظرت ليليان بتوجس أمامها لتصطدم بعينين ثاقبيتين اثارتا رعبها حتى انها عجزت عن تحيته...
جسده الضخم الشبيه بأجساد المصارعين و
عضلات صدرة المتكتلة الظاهرة بوضوح تحت قميصه الأبيض الخفيف و الذي فتحت ازراره الأولى،
وسيم الى حد ما رغم ملامح وجهه الحادة والمخيفة...و عيناه الشبيهتين بعيني الصقر...
تحيط به هالة من الثقة و الجاذبية تجعل الجميع
يهابه
ابتسمت ابتسامة مرغمة و هي تنظر لصوفيا تلك الفتاة التي بدت لها لطيفة رغم ان ايهم أخبرها بأنها عشيقة ذلك الوحش الذي يجلس بجوارها...ضحكت ليليان في سرها و هي تلاحظ الفرق الواضح بينها و بين ذالك الضخم فهي تبدو كابنته رغم طولها الفارع...
قاطع صمتهم فريد الذي هتف متسائلا :"تشربي ايه يا آنسة ليليان؟؟ متقلقيش هنا كل الأنواع موجودة".
نظرت ليليان بتوجس لأيهم الذي أشار له بلا مبالاة قائلا :"ليليان ملهاش في الحاجات دي... حقول لسامنثا تجيبلها عصير".
ضحك فريد بسماجة قبل أن يهتف بسخرية :"نسيت ان الآنسة دكتورة... اكيد بتخاف على صحتها ".
مالت ميرهان بجسدها للأمام لتسكب كأسا آخر مردفة بتسائل :"هي خطيبتك مالها يا ايهم بيه من ساعة ما جات و هي ساكتة مش بتتكلم ليه؟ ".
راقبتها ليليان بجمود و هي تعطي الكأس لفريد الذي همس لها بكلمات جعلتها تبتسم قبل أن ترمق شاهين بنظرات خفية ذات معنى لم يلاحظها أحد سوي ليليان و طبعا ذلك الشيطان الذي لا يخفى عليه شيئ..... شاهين.".
تناول ايهم كأس العصير الذي أحضرته تلك الخادمة الأجنبية التي كانت تقف مع بعض زميلاتها في إحدى زوايا الصالون المخفية حتى تجيب طلباتهم.. ثم أعطاه لليليان التي أخذته منه مع حرصها على عدم تناول اي شيئ في هذا المكان المخيف....
رسمت ابتسامة مزيفة قبل أن تقول بصوت خافت :"انا بس مش متعودة عليكم علشان كده مش لاقية كلام اقولة يا آنسة ميرهان".
رمقتها ميرهان بنظرات كارهة و هي تلاحظ جمالها الاخاذ رغم ملابسها المحتشمة و نظراتها البريئة.
وضعت ليليان الكوب فوق الطاولة بعد أن تظاهرت بأنها ارتشفت بعضا منه...و هي تتجنب النظر أمامها رغم شعورها بنظرات حادة تكاد تخترقها...
استجمعت كل قواها لترفع بصرها أمامها لتجد صوفيا تهمس في أذن شاهين بدلال و هي تمسح بكفيها على صدره باغراء...
رمشت عدة مرات و هي تلاحظ نظراته التي تسلطت عليها متجاهلا صوفيا التي كانت تسعى بكل مجهودها لاغرائه....
أشار لها شاهين برأسه لتقف صوفيا من مكانها و تحمل حقيبتها قائلة بابتسامة واسعة :"للأسف يا جماعة انا مضطرة اسيبكم بدري الليلة دي، اصلي بكرة مسافرة باريس عندي شوية حاجات لازم اعملها...نظرت ليليان و هي تكمل :" تشرفنا يا آنسة ليليان و اعذريني علشان مقدرناش نتعرف على بعض كويس بس اكيد حنتقابل كثير الايام الجاية... يلا اسبيكم انا ".
انحنت لتطبع قبلة طويلة على شفتي شاهين الذي استقبلها دون خجل قبل أن تغادر....
نظرت ليليان أرضا و قد احمر وجهها خجلا.. تظاهرت بفتح حقيبتها و البحث عن هاتفها و هي تشير بيدها لصوفيا دون أن ترفع وجهها...
مرت الساعات ببطئ حتى شعرت ليليان بالملل...
نظرت الى ساعة يدها لتجد ان الوقت يشير الى الحادية عشر و بضع دقائق، زفرت بضيق و هي تتذكر
يوم غد و الذي سيكون حافلا بالعمل...
ترددت قليلا قبل أن تقترب من ايهم الذي كان منشغلا في الحديث مع عمر و شاهين و تهمس في أذنه قائلة :"الوقت تأخر يا ايهم مش يلا بينا نروح.."
رمقها ايهم باستغراب قبل أن يجيب بصوت عادي :"الساعة لسه احداشر... احنا لسه في بداية السهرة".
ارتبكت ليليان باحراج عندما وجدت ان الجميع ينظر لها بتعجب لتقول بتفسير :"انا اقصد ان بكرة عندنا شغل..".
ليجيبها ايهم :" كل الموجودين دول كمان عندهم شغل... احنا حنفضل شوية كمان و حنمشي".
ايده فريد بابتسامة سمجة غير مريحة و هو يغمز ايهم بوقاحة :" ايوا ايهم بيه عنده حق دي لسه السهرة في اولها...و الا انتم مش ناويين ترتاحوا فوق شوية".
قهقه ايهم بصوت عال قبل أن يقول بوقاحة مماثلة و هو يحيط خصر ليليان :" لا احنا مبنرتاحش غير في بيتنا... مش كده يا لولو".
هزت ليليان رأسها ببلاهة دون أن تفهم لتتفاجئ بضحكات الجميع..
باستثناء عمر الذي قال موجها حديثه لايهم :" و الله خطيبتك دي باين عليها بريئة مش بتاعة سهرات زي دي... انصحك يا آنسة متجيش هنا ثاني علشان داه مش مكانك ".
ابتسمت له ليليان بارتياح و هي تقول في نفسها :"على الاقل في واحد باين عليه محترم في القعدة دي".
أشار له ايهم بعدم اهتمام و هو يتابع باهتمام فريد الذي جذب خطيبته من يدها و يصعدا الدرج الى احد الغرف...
اتسعت عينا ليليان بخوف و قد أدركت الان معاني ذلك الحوار الغامض الذي دار بينهم منذ قليل...
انتفضت عندما شعرت بيد ايهم تتحسس ظهرها و خصرها بطريقة غير مريحة لتتململ في جلستها و هي ترمقه بنظرات ذات معنى...
تجاهلها ايهم و هو يبتلع محتوى كأسه بجوفه دفعة واحدة قبل أن يوجه كلامه لعمر :"هو أنت مش ناوي ترحم نفسك من الوحدة الي انت عايشها يا عمر لحد امتى حتفضل سنغل كده"
رفع شاهين كأسه مؤيدا كلام ايهم قبل ام يضيف :"عمر و بنت ... حاجة مستحيلة و الا ليكونش ملكش في الستات لو كده قول و احنا حنساعدك متتكسفش".
ضحك عمر و هو يأخذ هاتفه من فوق الطاولة استعدادا للرحيل و هو يقول :" سيبك مني انت و هو خرجوني من دماغكم انا مرتاح كده.. يلا انا ماشي
تصبحوا على خير".
ايهم بصوت عال :" بكرة تندم يا شناوي..
أشار عمر بيده بلامبالاة بحديث اصدقائه الذين يحثونه دائما علي ضرورة وجود فتاة ما في حياته
لكنه لا يبالي و لا يهتم فكل اهتمامه موجه لعمله
و انه لحد الان لم يجد فتاة أحلامه المناسبة التي رسمها في خياله...
انتهت السهرة منتصف الليل و غادر الجميع... تنفست ليليان العداء و هي هي تجلس مكانها في السيارة... اتكأت برأسها على النافذة و هي تراقب شاهين و ايهم الذين كانا يقفان أمام مدخل الفيلا و يتبادلان أطراف الحديث...
همست بخفوت لنفسها :"يا ترى بيتكلموا في ايه دول...لا و الغريبة انهم واقفين عادي و كأنهم مش لسه شاربين خمس ازايز شمبانيا جوا... هي كانت شامبانيا و الا نوع ثاني... انا مش عارفة المهم خمرة.. اوووف هو انا بفكر في ايه دلوقتي... أعوذ بالله المكان هنا غريب و مخيف مليان حراسة داه و لا رئيس الوزراء... "
:" سلامتك يا لولو بقيتي بتتكلمي لوحدك ".
افاقت من شرودها على صوت ايهم الساهر الذي فاجأها بجلوسه بجانبها وراء المقود دون أن يشعر بها
سعلت بخفة قبل أن تجيبه متجاهلة سخريته:" هو انت حتسوق و انت سكران..
نظر لها ايهم قليلا قبل أن يدير السيارة و هو يقول :" خايفة على حياتك يا دكتورة على العموم متخافيش مش حيجرالك حاجة و حرجعك البيت سليمة ".
ارتحت ليليان بجسدها على الكرسي و هي تنظر بشرود الى الاضواء بالخارج دون أن تجيبه فهي تشعر بالتعب و النعاس و لا ينقصها سوى خوض جدال عقيم معه....
التفت لها ايهم بخبث قبل أن يهتف :" ايه رأيك شقتي قريبة من هنا نروح هناك علشان ترتاحي.. الفيلا لسه بعيدة شوية و انت باين عليك تعبانة و متخافيش بكرة الصبح حوصلك".
انتفضت ليليان باضطراب قبل أن تقول بتلعثم :"لا انا مش تعبانة و لا حاجة... انا كويسة ووديني الفيلا...
ايهم :" انا يهمني راحتك و بس.. المهم قوليلي عجبتك السهرة.. مش زي اللي في دماغك صح".
ليليان :"بنات و خمرة...يعني مفيش حاجة ناقصة".
ايهم بسخرية :"خمرة؟؟ ايه جو الأبيض و الأسود داه... و بعدين البنات دول بنات ناس ميرهان دي بنت وزير سابق و اللي معاها فريد خطيبها..
ليليان :"ايوا ما انا خذت بالي من لبسها العريان اللي شبه بنات الكباريه...
ايهم :"لبسها عادي.... كل البنات بتلبس كده على فكرة...
ليليان باشمئزاز :"يعني عاوزني البس لبس عريان زيها و اخلي الرجالة تبص عليا عادي...
ايهم :" على فكرة محدش يتجرأ يبصلك و انت معايا و بعدين دول صحابي...
ليليان مقاطعة :" و اصحابك دول ايه مش رجالة و بعدين انت ملاحظتش اللي اسمه فريد كان بيبص عليا ازاي داه كان حياكلني بعينيه باين فيه بتاع ستات و خطيبته مش مالية عينيه و هي كمان طول القعدة و هي قاعدة بتبص للي اسمه شاهين داه و مهتمة بيه...
ضحك ايهم بخفة و هو يخفى ضيقه قبل أن يقول :"كل داه اكتشفتيه من قعدة واحدة...علي كده بقيتي المفتش كرومبو...
ليليان بضيق :" على فكرة انا بتكلم جد و مش عارفة انت ازاي ملاحظتوش داه او انكم عارفين و مش مهتمين المهم داه ميخصنيش في حاجة علشان انا مش ناوية اروح هناك ثاني انا المرة دي جيت معاك علشان رامي و بس..".
قاطعها ايهم و هو يخطف قبلة سريعة من شفتيها و هو يقول بغموض :"حنشوف المهم بكرة تقدري تاخذي اجازة...و لو انك حتوحشيني ".
ابعدت ليليان رأسها و هي تخفي اشمئزازها منه نظرت أمامها لتجد ان السيارة قد توقفت أمام مدخل الفيلا حيته باقتضاب قبل أن تفتح الباب و تسارع بدخول الفيلا....
دخلت غرفتها بسرعة ثم فتحت حقيبتها لتجد هاتفها يضيئ بعدة مكالمات من صديقتها أمنية لم تلبث طويلا حتى أعادت الاتصال بها ليأتيها صوت صديقتها المتلهف:"انت كويسة يا لولو...حد عملك حاجة...
ابتسمت ليليان بخفة و هي تجيبها :" اطمني يا ميمي انا كويسة محدش عملي حاجة..
أمنية :"طيب و الدكتور ايهم اذاكي؟ عملك حاجة مش كويسة؟
ليليان :"مفيش حاجة يا ميمي اهدي بقى على فكرة انا في اوضتي دلوقتي.. "
أمنية :" طب احكيلي ايه اللي حصل.. و شفتي مين هناك"
ليليان بضيق: صحاب ايهم انا اول مرة اشوفهم بس كان في معاهم بنات بيقول انهم خطيباتهم بس البنات كانوا لابسين لبس اوفر زي بنات الكباريهات اللي بنشوفهم في الأفلام... و الغريبة ان ايهم عاجيبنه و بيقولي موضة و كمان عاوزني البس زيهم".
شهقت أمنية بصوت عال قبل أن تقول بغضب :" عديم الرجولة و الشرف ازاي يقبل على نفسه حاجة زي دي بقلك ايه يا لولو انت لازم تتصرفي اوعي تتجوزيه يا حبيبتي داه مش راجل انت لازم تحكي لعمك و مرات عمك كل حاجة و هما حيتصرفوا".
ليليان بنبرة يائسة:" يعني هما حيعملوا ايه داه قدامهم بيتلون و يبقى زي الملاك و هما مستحيل يرفضوله طلب و بعدين انا مش عاوزة أثقل عليهم كفاية انهم ربوني و حموني من الدنيا و مسابونيش للشارع زي ماعمل ابويا..
أمنية :"بس انت كده تبقى بتضحي بنفسك و جوازك من ايهم اكبر غلطة ممكن تعمليها في حياتك... داه بتاع ستات كل يوم مع واحدة بالرغم من انه يعتبر خطيبك يعني المفروض يحترمك و يقدر مشاعرك دا غير انه سمج و ثقيل و مغرور و فاكر كل الناس عبيد عنده و كمان عاوز يدخلك العالم الزبالة بتاعه....انت مش كده يا ليليان حاولي تتخلصي منه احسن ".
ليليان بتفكير :" انا عارفة كل داه.. انت مشفتيش أصحابه كانوا بيبصولي ازاي و هو مكانش مهتم...
أمنية :"يا لولو داه شي عادي عند الاغنياء دول...دول بيعملوا كل حاجة تخطر على بالك علشان يرضوا مزاجهم... اوعي ترجعي هناك ثاني".
ليليان و قد لمعت عيناها بحماس :" ميمي انا قررت البس الحجاب.. انت عارفة ان انا كنت عاوزة اعمل كده من فترة بس كنت مستنية الوقت المناسب.
صرخت أمنية بحماس مماثل :"و الله دي احسن فكرة انت بكده حترتاحي من زنه... و مش حيقلك البسي لا قصير و لا عريان بس داه ممكن تجيه جلطة لو شافك بالحجاب...يا ريت يبقى يريح الخلق منه... بس امتى حتنفذي".
ليليان و هي تتمدد على السرير بتعب :"بكرة انشاء الله...بالرغم من اني خايفة من ردة فعله بس كده احسن دا احسن حل...
امنية بضحك:"ما انت على طول كده بتستفزيه بالرغم من انك بتترعب منه بس دماغك ناشفة و مش بتعملي غير اللي في دماغك.. المهم اسيبك انا بقى ترتاحي... تصبحي على خير و اشوفك بكرة ".
ليليان بتثاءب :"و انت من اهله".
..............................
في مكان آخر شبيه بصحراء خال من المباني و البشر
ارتفع ازيز سيارات سوداء رباعية الدفع...ليشق سكون الليل و ظلمته...
جلس شاهين على كرسي خشبي بين سيارتين متقابلتين...ثم رفع يده ليقوم السائقين باطفاء محركات السيارات...
نظر أمامه الي الرجل المرمي أرضا أمامه و الذي لا يظهر عليه أي ملامح للحياة سوى انينه المتألم بسبب عظامه التي تكسرت على يد أولئك الوحوش التابعين له...
مسح جانب شفتيه بغضب قبل أن يشير الى احد الرجال الواقفين قريبا منه ليحضر دلوا كبيرا من المياه و يسكبه عليه لينتفض المسكين بفزع و هو يصرخ بصوت عال من شده الألم....
نظر شاهين بملل الى ساعة يده ليجدها قد تجاوزت الثانية صباحا زفر بضيق من طول هذا اليوم الذي يأبى ان ينتهي...
وقف من مكانه فجأة ثم ركل الكرسي بقوة حتى اصطدم بمقدمة السيارة ثم تقدم ليصبح واقفا بجانب الرجل...
تأمله باشمئزاز قبل أن يقول بصوت هادئ مخيف:"المدير بتاعك فين ...؟".
ارتعش الرجل بخوف قبل أن يصرخ :"ارجوك يا بيه اناااا ااااه".
تعالت أصوات صراخه المتألمة بعد أن دهس شاهين بحذائه على ذراعه المصابة و هو يقول بغضب :"انا دماغي مصدعة و مش عاوز كثر كلام هو سؤال واحد..ماركوس فين؟؟؟؟ ... انا حديلك آخر فرصة بعد كده حخلي العربية دي تعدي فوقك ثلاث مرات و انت و حظك يا تعيش يا تموت... قلت ايه"
الرجل ببكاء :"يا باشا هو سافر بس مش عارف فين اخر مرة كلمني...
هز شاهين رأسه يمينا و يسارا قبل أن يبتعد و هو يشير بيده...
استقل سيارته ببرود غير مبال بصراخ ذالك البائس الذي اوقعه حظه في طريقه...
قبض شاهين على يده بقوة قبل أن يضرب بلور السيارة عدة مرات و هو يهمس بوعيد و قد
› الشيطان شاهين › الفصل السادس
الفصل السادس
الساعة السادسة صباحا تململت كاميليا في فراشها الصغير وهي تتثاءب بكسل...فالبارحة لم تأخذ كفايتها من النوم لتظل مستيقظة حتى ساعات الفجر الأولى و هي تفكر ...
التفتت الي يمينها لتجد اختها نور تغط في نوم عميق تنهدت ثم قامت متجهة الى الحمام للقيام بروتينها اليومي...
وضعت القليل من الكريم الذي أعطته لها هبة مسبقا على وجهها و يديها ثم ارتدت تنورة سوداء فضفاضة و معها قميص وردي و حجاب باللونين الأخضر و الأزرق حتى يبدو شكلها غير متناسق و منفر
ثم تسللت على أطراف اصابعها خارج المنزل قبل أن تراها والدتها و تبدأ في الأسئلة .
وصلت إلى الشارع الرئيسي حيث كانت تقف هبة بملل تنتظرها...
تعثرت كاميليا في مشيتها مما جعل هبة تنفجر ضاحكة و هي تقول :"حاسبي لتوقعي و انت بنظارتك دي".
فركت كاميليا جانب انفها و هي تنظر لصديقتها شزرا قبل تجيبها :"صباح الخير و يلا بسرعة عشان مش عاوزة اتأخر من اول يوم كفاية التوتر اللي انا فيه"
هبة بضحك و هي تلحقها :"صباح النور...يا بنتي امشي على مهلك دي لسه الساعة سبعة ".
التفتت لها كاميليا ثم جذبتها من ذراعه تحثها على الإسراع قائلة بسخرية :" طبعا ماهي المرسيدس الكحلي الراكنة على جنب الشارع دي هي اللي حتوصلنا... يا بنتي ثريا هانم متأكده عليا اني ثمانية و نص لازم اكون جوا الفيلا يعني ساعة و نص شحططة في المواصلات و يدوب نوصل هناك في الوقت".
هبة :"عندك حق المكان بعيد بس انت لو كملتي شغل شهر كامل هناك حيبقوا يبعثولك عربية مخصوص تجيبك زي خالتي ".
كاميليا باستغراب و هي تشير الى التاكسي :" انت بتتكلمي بجد.. دا ايه الدلع داه كله...اوووف مفيش تاكسي راضية توقف في المكان داه".
هبة :" هو انت حتفضلي كل يوم تركبي تاكس على الحال حتفلسي و مرتبك كله حيروح مواصلات ".
كاميليا بارتياح عندما توقفت احد عربات الأجرى بجانبها :" الحمد لله... يلا تعالي نركب بلاش رغي انت حتوصليني الفيلا و بعدين تروحي الجامعة تحضري المحاضرات كلها عشان انقلها منك بعدين.. ".
هبة و هي تركب بجانبها :" ماشي بس اعملي حسابك دي آخر مرة اروح فيها معاكي...مش عاوزة اطب في احد الكائنات الغريبة اللي هناك... ".
كاميليا بتوتر :"حرام عليكي انا مش ناقصة خوف و مش عارفة ايه اللي مستنيني هناك مش كفاية وافقتك على الفكرة المجنونة دي... ".
ظلت الفتاتان تتحدثان طوال الطريق... فتارة تتراجع كاميليا و تقرر عدم الذهاب و تارة أخرى ترضخ لتشجيعات هبة...الى ان وصلتا أمام الفيلا..
ترجلت كاميليا من التاكسي متشبثة في هبة رافضة تركها لتصيح هبة بضجر:" مش قلتيلي من شوية اوصلك و اروح الجامعة.. في ايه مالك يا كاميليا.
كاميليا بخوف :" انت لسه بتسالي مالي... انا كل اما بدخل الكومباوند دا و جسمي بيبقى يترعش لوحده... انت مش شايفة كمية البادي قادرز اللي هنا و الاسلحة اللي عندهم يا نهار اسود...انا مش قادرة ادخل الفيلا لوحدي يا بيبة وصليني عند خالتك و بعدها روحي".
هبة بضجر و هي تقترب من احد الحرس المرابطين أمام الفيلا :" طول عمرك جبانة... يلا ورايا بس اعملي حسابك دي آخر مرة... ".
دفعتها كاميليا أمامها ثم تبعتها بخطوات متعثرة لتعرف هبة على نفسها قبل أن يسمح لهما الحارس بالدخول دون التفطن الى ان هناك زوج من الأعين تراقبهما بصمت...
خديجة بابتسامة كبيرة عندما رأت الفتاتين :"اتفضلوا يا بنات جوا ... انا حقول لفتحية توصل كاميليا عند الهانم و انت تعالي معايا يا هبة...
اومأت كاميليا بايجاب و هي تتبع الخادمة التي اخذتها الى الصالون حيث تنتظرها السيدة ثريا..
اما هبة فقد بقيت تتحدث قليلا في المطبخ مع خالتها.
هبة :" ايه رأيك في اللوك الجديد يا خالتو.. متغيرة صح".؟
خديجة :"ايوا مية و ثمانين درجة دا انا نفسي مكنتش حعرفها لو منكتيش انت معاها.. بس لو كنتي خليتيها تلبس لانسز اسود بدل عينيها الزرقاء دي".
هبة:"المرة الجاية بقى و بعدين هي عينيها مش باينة اوي تحت النظارة ".
خديجة :" المهم ربنا يستر و شاهين بيه ميعرفش حاجة المهم يلا انت دلوقتي روحي على جامعتك و انا لو عزتك حبقى اكلمك... اه و متنسيش تسلميلي على نجوي و قوليلها حبقي ازوركم قريب".
قبلتها هبة بحرارة و هي تقول :" حاضر يا خالتو حقلها.. يلا حمشي انا دلوقتي و مش حوصيكي خلي بالك من كاميليا..
طمئنتها خديجة بأنها سوف تعتني بصديقتها ثم اوصلتها الى باب الفيلا..و عادت لاتمام عملها...
سارت هبة ببطئ في حديقة الفيلا و هي تمتع انظارها بجمال المشاهد الطبيعية الممتدة امامها للنباتات و الورود النادرة و التي تراها لأول مرة في حياتها.. اخذت نفسا عميقا وهي تستنشق الهواء النقي المحمل بعبير و شذى الزهور...
انتفضت فجأة و هي تسمع صوت أحدهم يأمرها بالتوقف :"انت مين و بتعملي إيه هنا؟؟".
ارتعشت هبة بخوف ثم استدارت بجسدها ببطئ و هي تطمئن نفسها بأنه قد يكون احد الحرس...لتقول بتلعثم دوم ان تنظر له :"انا هبة... قريبة الست خديجة اللي بتشتغل هنا...".
:"طيب و بتعملي إيه هنا في الجنينة مش المفروض تروحي تشوفي شغلك".
هبة بتوتر:"لا انا مش بشتغل هنا... انا كنت بزورها و مروحة عن اذنك".
سارت هبة بخطوات راكضة باتجاه البوابة... لتتفاجئ بأحدهم يجذبها بقوة من ذراعها...و قبل أن تشرع في الصراخ كمم المجهول فمها بعد أن أحاط جسدها من الخلف ليزيد من رعبها و تشنج جسدها بين ذراعيه القويتين ظلت تتلوي و تدفعه دون جدوى حتى ظنت هبة للحظات انها تصارع حائطا او جبلا...
اتسعت عيناها بقوة و هي تسمع ضحكاته المتسلية بجانب اذنهاو يديه تستشعر دقات قلبها المتسارعة كأرنب مذعور وقع بين براثن أسد جائع....
انهمرت دموعها بصوت و عقلها الصغير يصور لها عدة سيناريوهات مرعبة...
قد يكون المدعو شاهين صاحب الفيلا او احد أصدقائه الشياطين الذين لا طالما سمعت خالتها خديجة تتحدث عنهم... او احد الحرس.. لا تعلم من بالضبط كل ماتعرفه انها على وشك الوقوع مغمى عليها بين يدي رجل مجهول و قد ينتهي بها الأمر مرمية في احد المستشفيات او الخرابات بعد الانتهاء منها....
تحفزت جميع حواسه و هي تستمع لصوته الهامس الذي تشوبه نبرة متلاعبة :"لسه مجنونة زي ما انت يا بيبة... متغيرتيش"...
في الداخل وجدت كاميليا نفسها في غرفة كبيرة يغلب عليها طابع طفولي باللونين الأزرق و الأخضر و قد زينت صور شخصيات كرتونية الجدران و الأرضية التي امتلأت بعدة انواع مختلف من الألعاب...
تحتوي على خزانة كبيرة و سرير صغير علي شكل سيارة زرقاء.. ابتسمت بانبهار عندما اصطدمت بعينين رماديتين تنظران إليها بتعجب...
شهقت كاميليا باعجاب من جمال هذا الطفل الواقف أمامها...متمتمة بهمس:"مشاء الله...يجنن زي اللعبة".
ظل فادي ينظر إلى كاميليا بتعجب و كأنها من كوكب آخر بملابسها الغريبة و نظاراتها الكبيرة التي تغطي اغلب وجهها... اقترب منها و امسك طرف تنورتها الطويلة ليجذبها بلطف و كأنه ينبهها الى وجوده...
لتنحني كاميليا و تجلس على الأرض على ركبتيها حتى اصبحت طوله، مدت يدها اليسرى لتصافحه و هي ترسم ابتسامة عريضة على شفتيها قائلة بمرح:"انا إسمي كاميليا بس تقدر تقلي كامي و انا المربية الجديدة بتاعتك".
مد فادي كفه الصغير ليصافحها بلطافة و هو يقول بصوته الطفولي :"تيتة قالتلي اناديلك miss kamilia".
ابتسمت كاميليا و هي تمسك نفسها على القفز عليه و اكله من شدة جماله و لطافته...لتجيبه :"ماشي احنا نسمع كلام تيتة و ننفذ كل اللي بتقوله... يلا بقى يا استاذ فادي قلي انت في العادة بتعمل إيه كل يوم الصبح".
جلس فادي على سريره الصغير ثم جذب جهاز الايباد الخاص به ليرفعه أمامه قائلا ببراءة:" بلعب..."
رمشت كاميليا بتعجب قبل أن تأنب نفسها قائلة بهمس :" امال فاكراه كريم اخوكي حينزل يلعب استغماية و كرة في الشارع.. يا ابن المحظوظة عمرك اربع سنين و عندك ايباد ثمنه يسددلي مصاريف جامعتي سنة بحالها امال لما تكبر ابوك حيشتريلك ايه... طيارة"
افاقت على صوت الصغير و هو مندمج في شرح احد لعب الرسم الموجودة على جهازه باللغة الإنجليزية.. لتقف كاميليا من مكانها و تجلس بجانبه محاولة استيعاب مايتكلم عنه...
في الخارج
رفعت هبة رأسها رويدا بعد تحررها من قبضة هذا المجنون المحتل....
لتجد رجلا طويلا ضخم ينظر لها و قد ارتسمت على وجهه ابتسامة غامضة...انشغلت بترتيب ملابسها و شعرها و هي تفكر من يكون هذا المجنون و كيف عرف اسمها...
تعالت ضحكات الرجل و هو يشاهد ارتباكهها الظاهر و حركة يديها العشوائية لتكز هبة على أسنانها بغضب و هي تقاوم رغبتها في الانقضاض عليه و اشباعه ضربا على مافعله بها...
همست من بين أنفاسها المتلاحقة و هي توجه له نظرات كارهة :"انت تعرفني منين...".
تقدم بخطواته تجاهها لتتراجع هي بذعر قبل أن يقفز بخفة أمامها و يمسكها برفق من ذراعها و هي يهتف باسف :"مبدئيا انا آسف علشان خوفتك مني...اهدي يا هبة انا مش حأذيكي انا اعرفك كويس و انت كمان بتعرفيني بس الظاهر انك نسيتيني...".
عقدت جبينها بتساؤل و دهشة من كلامه و صوته المألوف لها قبل أن تجيبه محاولة التماسك أمامه :"لا مش عارفاك و مش عاوزة اعرفك سيب ذراعي...".
لم تصدق لوهلة نظراته المتلهفة عليها و هو يقطع كلامها :" انا عمر الشناوى يا هبة ابن الدكتور خيري اللي كان فاتح عيادة زمان في حارتكم... افتكرتيني".
كتمت هبة شهقتها بيدها الاخرى بينما عيناها كانتا تحدقان فيه ببلاهة و هي تعيد اسمه بهمس غير مصدقة :" مش معقول عمر.... ايوا صح عمر ابن الدكتور انا ازاي معرفتش....".
ابتسم عمر قائلا بمرح :" اتغيرت صح.. ".
هبة و هي تجذب يدها :" ايوا اتغيرت جدا...دول سبع سنين اكيد حيغيروك...".
عمر و هو يرمقها بنظرات فاحصة:"بس انت متغيرتيش لسه زي ما انت انا اول ماشفتك عرفتك على طول...حتى شعرك لسه قصير زي ماهو ".
هبة بتوتر و هي تمرر يديها على شعرها القصير :" ايوا...لسه قصير زي زمان...مقلتليش انت بتعمل إيه في قصر الأشباح داه ..
قهقه عمر بقوة و هو يهز رأسه بعدم تصديق قائلا :" دا انت مصيبة يا بنتي انا بقالي سنين بدور على الكلمة المناسبة اللي تليق على المكان داه و مش لاقي فهلا هو شبه قصر الاشباح... المهم انا ياستي
ابن خالة صاحب الفيلا دي و شريكه كمان و انا جيت هنا علشان محتاج شوية ملفات سرية للشغل و انت بتعملي إيه هنا؟؟
هبة :"ما انا قلتلك خالتي بتشتغل هنا فجيت ازورها..".
عمر بتفكير :"بس انا مشفتكيش هنا قبل كده و كمان الست خديجة بقالها سنين شغالة هنا.. طيب ليه مجيتيش قبل كده هنا؟".
هبة بتوتر :"ابدا.. اصلي مشغولة في الدراسة...
عمر :" بتدرسي؟؟ انا كنت فاكر انك سيبني المدرسة من زمان علشان مكنتيش بتحبي الدراسة و كنتي بتسقطي زمان في ثانوي".
شهقت هبة بضيق من وقاحته لتهتف بحنق :"انا سقطت سنة واحدة عشان كانت عندي ظروف و بعلمك بقى انا بقيت في رابعة هندسة و كل سنة بنجح بتقدير كمان".
عمر بابتسامة و هو يلاحظ انزعاجها :" طب كويس... لو رايحة الجامعة تعالي اوصلك قبل ما اروح الشركة ".
هبة برفض و هي تستدير باتجاه البوابة :"لا طبعا انا خاخذ تاكسي يلا عن إذنك و فرصة سعيدة "
جذبها عمر من يدها مشددا قبضته حتى يمنع افلاتها و جرها وراءه باتجاه سيارته قائلا بمرح:" طب اعتبريني تاكسي و خليني اوصلك و بالمرة نتكلم شوية على السبع سنين اللي عدوا بسرعة دول ".
هبة باصرار:"انت بتعمل ايه انا مستحيل اركب معاك... ايه داه ؟؟؟
فتح عمر باب السيارة و دفع هبة برفق الى الداخل ثم أغلق الباب بمفتاحه الإلكتروني حتى يمنع خروجها ثم استار الى الجهة الاخرى و استقل مقعد السائق الى جانبها... نظر الى هبة التي كانت تحاول فتح باب السيارة بكل قوتها و هي تضغط على عده ازرار بعشوائية ليتفجر عمر من الضحك عليها قائلا :"يا بنتي اهدي مالك حتبوزي العربية....
هبة بضيق:" يا سلام ما تنفجر حتى... بقلك ايه نزلني هنا لو سمحت "
عمر بضحك :" طب بذمتك معقولة انزل بنت زي القمر زيك كده في وسط الشارع... دي حتى عيبة في حقي".
هبة بتوتر:" لو سمحت.. يا استاذ عمر انا مش هبة بتاعة زمان لما كنا صغيرين ميصحش الكلام داه"
عمر بخبث :"يعني لسه فاكره كنت بقولك ايه زمان... طب الحمد لله وفرتي عليا يا بيبة".
تمسكت هبة بحقيبتها كدلالة على توترها و هي تقول بخفوت :" على فكرة اللي كنت بتعمله زمان داه كان اسمه.... تحرش و انا وقتها كنت صغيرة و قاصر كان عمري ستاشر سنة و انت وقتها كنت كبير و دلوقتي انت خليتني اركب العربية غصب عني انت عاوز مني ايه انا ماصدقت كابوس زمان انتهى و فرحت جدا لما والدك قفل العيادة علشان انت بطلت تيجي هناك....
عمر بنرفزة:"تحرش ايه يا مجنونة.. انا كنت بحبك على فكرة بس انت الغبية كل ما بتشوفيني بتبقي بتترعشي و كانك شفتي عفريت..
هبة بغضب :" حب و كلام فارغ ايه؟؟ انت فاكرني هبلة حصدق حدوثة الأمير اللي وقع في حب بنت فقيرة و تجوزها...
عمر :"ايوا كان لازم تصدقي...صح انت كنتي وقتها صغيرة و انا كنت طايش معرفتش اخليكي تقتنعي اني حبي ليكي كان صادق و لا كنت بضحك عليكي و بتسلى زي ما كنتي فاكرة...على فكرة انا كنت مسافر لندن كملت دكتوراه في إدارة الأعمال و مسكت فرع شركتنا هناك بس رجعت من شهور قليلة و كنت حرجع ادور عليكي بس مكنتش اتوقع الاقيكي قدامي بالسهولة دي ".
هبة بخوف مخفي:" و تدور عليا ليه.. انت عاوز مني ايه مش معقول حترجع تتنططلي في كل حتة زي زمان؟؟
عمر بمكر:"مش كده و بس دا انا حخليكي تشوفيني في كل حتة انت بتروحيها في الجامعة، في الحارة في الشارع... حنرجع ايام زمان يا بيبة..
هبة بعصبية :" بقلك ايه بلاش كلام فارغ و نزلني هنا انت باين عليك فاضي و انا مش فايقالك...
؟
عمر برفض و هو يواصل قيادة السيارة :"مش حنزلك الا لما نوصل قدام الجامعة...و كفاية عناد بقى انت كبرتي دلوقتي على حركات العيال دي ".
هبة :" انا عيلة... طب لما انا كده بتتعامل معايا ليه اساسا يا سي الكبير...
عمر و هو يرمقها بنظرات غامضة :" بكرة تعرفي...و دلوقتي هاتي رقم تليفونك بقى علشان اكلمك و قبل ما ترفضي فكري كويس لأحسن تلاقيني المساء قدام بيتكم في الحارة....
..........................
بعد ساعة وصل عمر الى الشركة و على وجهه ابتسامة عريضة لم تفارقه منذ أن ودع هبة أمام جامعتها...تلك المشاغبة الصغيرة منذ أن وجدها صباحا أمامه في الحديقة و هو يشعر بسعادة غريبة تغزو قلبه...
دخل الى مكتب شاهين ليعطيه الملفات التي جلبها له من مكتب الفيلا ليجد الاخر يعمل بتركيز على حاسوبه
جلس عمر مقابلا له ثم وضع الأوراق أمامه قائلا :"دول الملفات اللي انت طلبتهم...انا سبت نسخة منهم في الخزنة اللي هناك".
شاهين :"طيب و ايه أخبار الفيلا.. ازاي فادي و ماما ثريا...
عمر :" كويسين و المربية الجديدة جات النهاردة و بدأت شغل ".
استند شاهين بجسده على كرسيه الجلدي نافثا دخان سيجاره الكوبي الفاخر امامه و هو يقول ببطئ :"مربية جديدة.... حلوة؟".
زفر عمر بضيق من طباع صديقه الذي لا تتغير قبل أن يجيبه :"معتقدش انها حتعجبك دي محجبة و لابسة نظارة تقريبا وشها مش باين ".
شاهين بوقاحة:"محجبة... انا مجربتش النوع داه قبل كده الظاهر انه جا الوقت المناسب ".
عمر بلامبالاة:"اعمل اللي انت عاوزه بس دي محجبة يعني مش حتقبل.....
شاهين باستهزاء :" قدام الفلوس مفيش حد بيقول لا...عموما اكيد ليها سكة دا لو عجبتني طبعا..
عمر بضيق :"طيب في سهرة الليلة و الا نلغي..
ضحك شاهين استمتاع قبل أن يردف بوقاحة :"لا نبغى ايه داه حتى المزاج عالي بس بقلك ايه عاوز واحدة نظيفة و عارفة شغلها كويس مش زي بتاعة المرة اللي فاتت مكملتش خمس دقايق..
نظر له باشمئزاز قبل أن يجيبه :"داه ايه القرف داه... اي أوامر ثانية..
شاهين بنفي:"تؤ... كلملي ايهم عاوزه يجيني ظروري دلوقتي
..................................
مر اليوم بسلام و تأقلمت كاميليا بسهولة في عملها حيث وجدت ان فادي طفل هادئ و مطيع بدرجة كبيرة كما أن استأنست بوجود خديجة التي اهتمت بها جيدا و علمتها كيف تتعامل مع الجميع في الفيلا...
انا هبة فقد امضت بقية اليوم و هي شاردة و كأنها في عالم آخر فصورة عمر لم تفارقها خيالها.. حتى انها اضطرت لمغادرة الجامعة باكرا قبل إنهاء جميع محاضرتها...
ليلا.....
يجلس ايهم في صالون شقته و هيئته المبعثرة تدل على أنه قد خرج للتو من معركة حامية بقميصه المفتوح و خصلات شعره المبعثرة بعشوائية.....
نظر بغضب الى أثاث الشقة التي تحول في دقائق إلى ركام من الخردة جراء نوبة الجنون الذي تمكنت منه منذ رجوعه من مكتب شاهين...
مسح على وجهه عدة مرات بحركة عصبية و هو يتذكر وقوفه امام شاهين منذ ساعات و هو يأنبه كطفل لك يقم بواجبه المدرسي ....
شاهين:"انت عارف اني انا مليش أصحاب و لا ناس اثق فيهم غيرة انت و عمر علشان كده مش عاوزك تزعل مني لما انصحك او انبهك لحاجة انت قاعد بتغلط فيها....انت ازاي تجيب خطيبتك لسهرة امبارح مش قالك الف مرة متجيبهاش انت ايه عاوز تغلط نفسي غلطتي................................
....................... و على فكرة هي اذكي منك بمراحل علشان من قعدة واحدة اكتشفت حقيقة كل واحد من الموجودين انت ازاي منتبهتش على نظرات فريد اللي كان حياكلها بعينيه.....انت عاوز خطيبتك تبقى زي ميرهان و البنات اللي بنجيبهم للفيلا عندنا.. انت عارف احنا جايبينهم ليه... علشان نتسلى بيهم..... عاوزنا نتسلى ببنت عمك و اللي حتبقى مراتك.... طيب على الأقل سيبها الأول متبقاش انت في النص....بقيت زي الرجالة اللي بتعرض نسوانها على رجالة ثانية مقابل صفقة او شغل......
انا عارف انك مستهتر و زي ما بيقولوا open-minded بس مكنتش فاكرك للدرجة دي
.......
صرخ ايهم بشراسة و هو يحرك رأسه يمينا و يسارا يحاول انتزاع كلمات شاهين من رأسه...هل كان غبيا و أعمى لهذه الدرجة، هل كان يظن ان بقية الرجال مثله لن ينظروا الى امرأة صديقهم كما يفعل هو... هل كان يظن انه قادر على حماية خطيبته من نظراتهم الخبيثة عندما تكون معه و منعهم من النظر إليها.... لقد كانت ترتدي ملابس محتشمة فماذا لو ارتدت ذلك الفستان الذي احضره لها....
ذلك الحقير فريد يقسم انه سيلقنه درسا لن ينساه بعد أن تجرأ على النظر الى شيئ يخصه...
الى ليليانه.
