رواية سر غائب الجزء الثاني2 الفصل الاول1والثاني2 بقلم سماح نجيب

رواية سر غائب الجزء الثاني الفصل الاول


رواية سر غائب الجزء الثاني 

الفصل الاول والثاني 

بقلم سماح نجيب 


فرأى طيف تلك الراحلة التى تركته يعانى وما كان له سلوى غير صورتها التى كانت دائما بحوزته وكانت الشاهدة على ما يعانيه فهتف بصوت منخفض وابتسامة ألم وأنين:

-أمى سامحينى معرفتش اخد حقك ولا حقى من اللى ظلمنا 


لم تفهم ثراء ما يهمهم به لنفسه الا أنها صرخت صرخة مدوية عندما وجدته ساكناً لايأتى أى حركة:

–أاااااايسر


فغامت عينيها هى الأخرى تريد أن يبتلعها الظلام الذى عبره الآن من صرخت باسمه ومن سمعت منه أيضا تلك الكلمة التى كانت تهفو الى سماعها ولكن تفوه هو بها فى وقت ليس بالتوقيت المناسب فهل يريد أن تكون تلك الكلمة ذكرى تعذب قلبها إذا حدث له مكروه،أقترب جمال من أبنته التى سقطت مغشياً عليها بجوار جسد أيسر المضرج بدماءه فهذا اليوم سيظل ذكرى لن ينساها احد من هؤلاء الحاضرين الذين شهدوا على دفاع محب عن محبوبته وأيضاً نحيب قلب عاشقة لم تقوى على رؤية من سلبها قلبها بعشقه وهو ينازع الحياة متمسكاً بخيط دقيق فاصل بين حياته وموته

_______

تسابقت قدميه وعكازه ينقر الأرض يوسع الخطى هو وزوجته فى الوصول الى موظف الاستقبال بالمشفى نظر اليه رضوان بعينان زائغتان كأنه يخشى ان يتفوه بتلك الكلمات ولكنه لن يفلح فى عدم قولها فاذدرد لعابه قائلا:

–لو سمحت فى شاب جه فى حادثة واتصلوا علينا انا جده هو اسمه حسام عاطف رضوان


رفع موظف الاستقبال رأسه ينظر لمن يحدثه فرد عليه بنبرة هادئة فهو يومياً يرى لهفة العديد من الأشخاص للاطمئنان على ذويهم:

–هو دلوقتى فى أوضة العمليات فى الدور الثانى


كان حديثه كفتيل أشعل النار بقلب سميرة التى نزلت دموعها وهى تدب بيدها على صدرها تنتحب قائلة:

–يا حبيبى يا حسام ايه اللى جرالك يا نور عيني وصلك لكده 


سحبها زوجها من يدها ليجعلها تكف عن الندب والنحيب فنظر اليها غاضبا ربما للمرة الأولى منذه اقترانه بها فصاح بها قائلا:

–سميرة وبعدين معاكى ايه اللى بتعمليه ده مش وقته انتى بتفولى على الواد اسكتى بقى


صرخ بكلمته الأخيرة حتى انتبه عليه الأشخاص الجالسين فعاود النظر الى زوجته يسحبها معه للوصول الى حيث دلهم موظف الاستقبال وصلوا أمام غرفة العمليات جلس رضوان وزوجته على احد المقاعد ظل يردد الدعاء لله بأن ينجى حفيده من ذلك الحادث فإن حدث له مكروه فهو وزوجته لن يستطيعوا تحمل ذلك بعد عدة ساعات خرج الطبيب يسحب قناعه الطبى من على وجهه أقترب منه رضوان ينظر اليه برجاء وأمل أن يخبره أن كل شئ على ما يرام وأن حفيده بخير

–حفيدى عامل ايه دلوقتى يا دكتور طمنى الله يخليك


ربت الطبيب على ذراع رضوان يطمأنه فهو يدرك حالة الفزع التى تبدو أثارها جليه على تجاعيد وجهه:

–أطمن ان شاء الله هيكون كويس الحمد لله ان ربنا انقذه من حادث زى ده والا كانت حياته هتبقى التمن بس هو حصله كسور فى جسمه بس ان شاء الله هيبقى كويس ألف سلامة عليه عن اذنكم


ذهب الطبيب فعاد رضوان للجلوس بجانب زوجته التى لم تفه بكلمة لم تفعل شئ سوى ذرف الدموع بصمت بعد عدة دقائق خرج حسام متسطحاً على سرير المشفى يدفعه أحد الممرضين رأت سميرة رأسه الملفوف بالضماد وذراعه الأيسر وقدمه أيضاً موضوعان بجبيرة من الجبس فأقتربت منه قائلة:

–يا حبيب قلبى بعد الشر عليك ان شاء الله كنت أنا وأنت لاء يا حسام


سارت هى وزوجها خلف الممرض حتى وصلوا الى أحد غرف المشفى التى سيقيم بها حسام خلال تواجده بها

جلس رضوان وزوجته بجانب الفراش إلا ان حسام لم يكن استعاد وعيه بعد فكم يهفو هم الآن لأن يفتح عينيه ويخبرهم أنه بخير وان ما حدث لم يكن سوى حلم وأنه لم يحدث له مكروه..!!

________

تجمعت حبات العرق على جبينه بكثرة نبع ذلك من خوفه فقدانه ذلك الشاب الذى وضع إنقاذ حياته بين يديه الآن ظل جمال ينظر الى ذلك الجهاز الذى يوضح له معدل نبضات القلب اذدرد ريقه للمرة التى لا يعلمها فتلك الرصاصة أستقرت بمكان دقيق قريب من القلب فحياة أيسر على المحك ولا يعرف كيف سيواجه أبنته اذا حدث له مكروه فاليوم فقط علم كم تحب أبنته أيسر وهو أيضاً طوال الطريق المؤدى إلى المشفى كان يهذى بحبه لثراء 


فى إحدى غرف المشفى..صدرت صيحة عالية من تلك التى تستلقى على الفراش غير واعية لما يجرى :

–لاااااااااااااااء


كلمة رافضة ترافقت مع صراخ مدوى أطلقته ثراء بعد ان استعادت وعيها بالمشفى التى تم نقلها اليها هى وأيسر فهى رأت بحلمها كل ماحدث ولكن ما جعلها تصرخ بالنهاية هو رؤيتها أيسر يتركها ويرحل فقدته فى زحام شديد من الناس الذين حاولوا إبعادها عنه فصرخت بتلك الكلمة الرافضة لمنعهم من ذلك ولكن أدركت أن ذلك لم يكن سوى حلم أو إذا صح القول كابوس جثم على قلبها فطفقت تردد قائلة:

أيسر لاء أيسر راح فين أيسر أيسر


تركت فراشها تبحث عنه كالمجذوبة أو من أصابها مس من الجن ولا تدرى ماذا تفعل ولجت فيروز الغرفة بعد سماع صوت ابنتها فأقتربت منها بعينان دامعتان قائلة

–ثراء حبيبتى انتى فوقتى ألف سلامة عليكى يا قلب ماما


أحتضنت فيروز ابنتها تربت عليها بحنان فنظرت اليها ثراء قائلة:

–ماما فين أيسر أيسر كان هنا راح فين اخدوه فين يا ماما انا عايزة أيسر هو فين رااااااح فين 


حاولت فيروز تهدئة ابنتها فحقنة المهدأ التى حقنها بها الطبيب ربما إنتهى مفعولها الآن لذلك عادت لصراخها وهذيانها ثانية فدمعت عينا فيروز قائلة:

–اهدى يا حبيبتى اهدى يا قلب ماما هو هيبقى إن شاء الله كويس وبابا معاه دلوقتى وهيبقى كويس يا ثراء بس بلاش عصبية وأهدى يا قلبى ليجرالك حاجة


تأوهت ثراء بصوت متألم تدفن وجهها بصدر والداتها قائلة بنحيب:

–ماما أيسر لو جراله حاجة انا هموت انا بحبه ومقدرش أعيش من غيره يا ماما وهو كمان بيحبنى هو قالى كده


تصلب جسد فيروز بعد سماع حديث إبنتها وليس هذا فحسب فهى رأت والد ووالدة أمير يقفون على الباب وربما استمعوا لما تفوهت به ثراء الآن فتلك النظرات التى تبادلتها سوزان مع زوجها خير دليل على أنهم استمعوا لما قيل فحاولت فيروز رفع ذلك الحرج الذى وقع على عاتقها قبل ان يقع على عاتق ابنتها فهتفت قائلة بحرج:

–أصل أصل أيسر انقذها كذا مرة فهى حاسة بامتنان ناحيته ومتعلقة بيه


رفعت ثراء رأسها تبتعد قليلا عن والداتها فنظرت إليهم قائلة بتأكيد:

–لاء اللى حساه ناحية أيسر مش امتنان ده حب وعشق كمان ايوة انا بحبه بحبه وعمرى ما حبيت حد غيره ولا حتى ابنكم 


وصل أمير أثناء حديثها فاستمع لما قالته فتظاهر بعدم الاكتراث لما تفوهت به ثراء فهتف بوالديه قائلاً:

–لو سمحتوا يا بابا انت وماما انتوا اكيد تعبتوا اتفضلوا انتوا علشان ترتاحوا ثراء اعصابها تعبانة من اللى شافته وصدمتها لما شافت الحارس بتاعها مضروب بالرصاص


احتدمت ملامح ثراء بغضب عارم فاشارت اليه قائلة:

–أمير اللى انت سمعته صح انا مش اعصابى تعبانة او بخرف هى دى الحقيقة اللى الكل لازم يسمعها لازم كلكم تعرفوا ده ان علاقتى بأيسر مش علاقة واحد بيشتغل عندى لاء انا فعلا بحبه ومش شايفة راجل غيره فهمتوا كلكم وعرفتوا بحبه بحبه افهموا بقى


أصبح الوضع أكثر تعقيدا وخاصة بعد دلوف عزام وزوجته وابناءه وصديقتها ضحى الى الغرفة أيضا فنظر اليها عزام بغضب فابنة شقيقه وضعته بمأزق مع صديقه فجز على أنيابه قائلا بسخط شديد:

–ثراء اسكتى ايه اللى بتقوليه ده ها انتى مش فى وعيك يا ثراء انتى ازاى تقولى كده او عقلك يصورلك ان حاجة زى دى ممكن اعديها بس علشان انتى تعبانة انا هعديهالك بس مسمعش منك الكلام ده تانى مرة يا ثراء مفهوم


انتفضت ثراء فى أحضان والدتها بعد صراخ عمها بوجهها  فانكمشت فى احضانها تبكى حتى رأت والداها يلج الغرفة بعد خروجه من غرفة العمليات فركضت ثراء اليه تسأله بلهفة

–بابا قولى أيسر عامل ايه هو هيبقى كويس مش كده ها يا بابا رد عليا


قبل ان يجيبها والدها سحبها عزام من ذراعها يهز جسدها الواهن يحذرها من مغبة الاستمرار فى هذا التلهف الذى ملأ صوتها:

–ثراء بطلى اللى بتعمليه ده ها وان كان على أيسر احنا هنتكفل بعلاجه وبعد ما يخف هصرفله مكافأة على اللى عمله وهخليه يسيب البيت مستحيل يشتغل عندنا تانى او يكون ليه بنا أى صلة هو مش من مستوانا ولا يحق ليه انه يفكر بس مجرد تفكير ان يكون له صلة بينا


أصاب جمال الاستياء من تصرف شقيقه فسحب ابنته إلى أحضانه مطمئنا لها ينظر اليها بحنان:

–حبيبتى اهدى أيسر الحمد لله بقى كويس وخرجتله الرصاصة وهيخف وهيبقى ان شاء الله زى الفل وانا اللى هحضر لفرحكم بنفسى هو كمان طلع بيحبك أوى وانا مش هقف فى طريق سعادتك ولا إن انا أتعسك يا حبيبتى

بس ليه مقولتليش أو قولتى لماما


غمغمت ثراء بصوت منخفض وهى تريح رأسها على صدر والدها قائلة:

–خوفت يا بابا وكمان مكنتش أعرف أن أيسر بيحبنى معرفتش الا بعد ما المجرم اللى خطفنى ضربه بالرصاصة


ظل الحاضرين ينظرون إليهم فهم كأنهم تناسوا وجود خطيبها وعائلته وليس هذا فحسب فالنظرات باتت تحمل استياءا عارماً رفع جمال رأسه فوقع بصره على فهمى والد أمير فحمحم معتذرا:

–فهمى بيه أنا متأسف بنتى مش هتقدر تكمل مع ابنك واقبل اعتذارى


سحب فهمى يد زوجته سوزان يريد المغادرة الا انه استوقفه عزام وهو يحول بينه وبين وصول الى الباب:

–فهمى أرجوك الليلة دى كانت صعبة على الكل فكلنا اعصابنا تعبانة فلازم تقعد ونتكلم بعدين


أقترب أمير منهم يربت على ذراع عزام قائلا:

–عزام باشا اظن مفيش كلام تانى يتقال دكتور جمال وثراء قالوا كل حاجة عن أذنك


خرج أمير يتبعه والديه فنظر عزام لشقيقه شزراً قائلا بنبرة غاضبة وبصوت ربما سمعه العاملين بالمشفى:

–حلو كده يا جمال عملت اللى فى دماغك انت وبنتك وطلعتنا عيال قدام الناس وده كله علشان بنتك ودلعك الفارغ ليها


أبعد جمال ثراء عنه قليلا قائلا بنبرة هادئة:

–لو سمحتوا كلكم اخرجوا برا وسيبونى انا وعزام لوحدنا شوية عايز اتكلم مع اخويا كلمتين على إنفراد


خرج جميع من كان بالغرفة وظل جمال وجها لوجه مع شقيقه ذو الوجه المتجهم والقسمات الغاضبة والمحيا العابس جلس جمال على احد المقاعد قائلا:

–أقعد يا عزام خلينا نتكلم ونتفاهم لأن مينفعش ان نتكلم واحنا متعصبين ولا ان نغلط فى بعض انت برضه اخويا الكبير


أقترب منه عزام عاقدا حاجبيه قائلا بنبرة مستنكرة :

–اخوك الكبير انت خليت فيها انت وبنتك كبير يا جمال بتكسروا كلمتى وبتمشوا اللى فى دماغكم لاء وكمان بتشجع بنتك على الغلط بس هقول ايه ما انت زمان غلطت نفس الغلطة لما سبت ثريا بنت عمنا وروحت اتجوز فيروز التاريخ بيعيد نفسه يا جمال


نبرة السخرية التى طغت على صوت عزام جعلته يهب واقفاً مكانه يزفر بضيق فهتف بنبرة حادة بعض الشئ:

–والله يا عزام لو بنتى هتغلط نفس غلطتى وتعيش مبسوطة أحسن ما تغلط غلطتك انت وتتجوز واحد مبتحبوش وتعيش تعيسة انت حصل معاك كده تنكر انك مش مبسوط فى جوازك وكل شوية تعرف واحدة على مراتك وساعات تتجوز عرفى كمان اه صحيح ايه اخبار سيرين نصار ولا أقول مرات اخويا


لايصدق عزام ما سمعه للتو من شقيقه فكيف علم بشأن تلك الزيجة فهو يحيط تلك العلاقات بالسرية التامة عندما حاول خرج كلامه متلعثما:

–هههو ايه اللى بتقوله ده يا جمال مفيش حاجة من اللى بتقولها دى


عاد جمال يجلس على مقعده ينظر اليه بنظرات شابها الحزن قائلا:

–متكدبش عليا يا عزام انا عرفت وشوفتك كمان وانت خارج من أوضتها لما نزلت فى نفس الفندق اللى كنا نازلين فيه بس ليه يا عزام تربط نفسك بواحدة زى دى لو مراتك ولا ولادك عرفوا هيبقى شكلك ايه قدامهم ودلوقتى بتلوم عليا ان عايز اجوز بنتى لأيسر على الاقل ده شاب كويس ومحترم وفداها بنفسه وكان بيحميها وأنا اسيب بنتى معاه وأنا مطمن انه هيحميها وده قرارى النهائى يا عزام ومش هرجع فيه واللى انت حابب تعمله اعمله يا كبيرنا


فكيف عساه أن ينطق بكلمة وكل شئ أصبح ضده حتى شقيقه فهو على دراية بما يفعله وهو من كان يظن أن لا احد يستطيع كشف علاقاته السرية ولكن تذكر الآن فهناك من يعلم أيضاً بشأن زواجه بسيرين وأرسل له مقاطع الفيديو خاصتهم


وقفت ثراء أمام تلك الغرفة التى يمكث بها أيسر تنظر اليه عبر الفاصل الزجاجى ودموعها تبلل وجنتيها بغزارة وهى تراه ممدداً على السرير متصل بجسده العديد من الاجهزة الطبية وأيضاً رأت ذلك الضماد الملفوف على كتفه مكان إصابته

فظلت تبتهل إلى الله بالدعاء قائلة:

–يارب اشفيه وعافيه شفاء لا يغادر سقما يارب يارب


وجدت من يربت على كتفها فنظرت خلفها فوجدت ميرا أصاب ثراء التعجب وهى ترى ميرا تمد يدها لها بمحرمة ورقية قائلة:

–خدى يا ثراء امسحى دموعك وإن شاء الله أيسر هيبقى كويس هيبقى كويس علشانك يا ثراء وأيسر فعلا يستاهل حبك


عقدت ثراء حاجبيها بغرابة من هدوء ميرا فى حديثها معها فهى تعلم كيف كانت ميرا تحاول جذب انتباه أيسر حتى ثراء كانت موقنة ان ميرا ربما وقعت فى غرام أيسر هى الأخرى ولكن ذلك الهدوء الذى تتحدث به خالف كل توقعاتها 

–غريبة يا ميرا انك بتقولى كده وانا كنت حاسة انك ...


لم تكمل ثراء جملتها فهزت ميرا رأسها فهى علمت ماذا كانت تريد أن تقول فابتسمت بخفوت قائلة:

–قصدك تقولى انك كنتى حاسة ان بحب أيسر انا كمان مش كده بس مش هتصدقينى لو قولتلك اللى حبيته فى أيسر غير اللى حبتيه أنتى يا ثراء انا حبيت سلطة الأخ اللى كنت بحسها منه لما يرفض ليا طلب انا عوزاه وهيضرنى حبيت انه قايم بالدور اللى المفروض اللى كان يقوم بيه بابا أو شهاب فهمتينى يا ثراء انا حبيته حب الإخوة واحدة عايزة تحس أنها مهمة عند حد وخايف عليها مش مجرد ينفذولها طلبات وبس أنا عارفة ان ضايقتك كتير بس ده كله كان من غيرتى يا ثراء أنتى عايشة وسط باباكى ومامتك ومهتمين بيكى وحواليكى لكن انا بالرغم من الرفاهية اللى عيشاها عايشة لوحدى زى ما أكون يتيمة مع أن اهلى لسه على قيد الحياة


خانتها دموعها فبكت ميرا بكت كأنها لم تبكى من قبل حتى وجدت من تسحبها لأحضانها ولم تكن سوى فيروز فظلت تربت عليها قائلة:

–اهدى يا ميرا أنا وعمك برضه موجودين وثراء بس أنتى اللى كنتى بتبعدى يا ميرا ماشية ورا أمك دى اللى عايشة فى روتانا كلاسيك


لم تفلح ميرا فى كبت تلك الضحكة من مزاح فيروز فهى تحاول التخفيف عنها فمدت يدها تسحب ثراء لاحضانها هى الاخرى فظلت محتضنة الفتاتان تربت عليهم وربما تلك المرة الأولى التى تشعر بها ميرا بالسكينة والراحة ..!!!

________

عادت روحية الى المنزل فقابلت زوجها على الباب فنظر إليها وإلى ملامح وجهها المرهقة فسألها قائلا:

–مالك يا روحية فى ايه وكنتى فين بقالك كام يوم بتخرجى وترجعى بالشكل ده انتى بتروحى فين


تجاوزته لتجلس على الاريكة الخشبية تلتقط أنفاسها التى انهكها صعودها درجات السلم قائلة:

–هكون بروح فين بس يا عزت 


اقترب عزت يجلس على المقعد المجاور لها ناظرا اليها بتفحص فحاولت الهرب من عينيه المتسائلتين فاذدردت لعابها بتوتر قائلة:

–فى ايه يا عزت مالك بتبصلى كده ليه 


–شوفى بقى لو منطقتيش وقولتى كنتى فين مش هيحصل طيب يا روحية فقولى أحسن ليكى انا مفيش دماغ ليكى وكمان عايز انزل اروح المستشفى اشوف الباشمهندس حسام علشان عرفت من عفيفى انه عمل حادثة وعايز اروح ازوره


دبت روحية على صدرها وشهقت قائلة:

–يا مصيبتى عمل حادثة ازاى ان شاء الله العدوين طب يلا بينا نروح نشوفه يلا يا عزت انا لابسة أهو وفين مايسة اقولها تاخد بالها من اخواتها على ما نرجع


عندما حاولت روحية ترك مكانها وجدت يد زوجها تشد على ذراعها تجلسها فى مكانها مرة أخرى فجز على أنيابه قائلا:

–قوليلى الأول كنتى فين يا روحية وبتخرجى من ورايا تروحى فين أحسن وربنا ما يطلع عليكى يوم تانى فى البيت ده انطقى احسن ليكى


لم تجد روحية مفر من البوح بمكان ذهابها فنظرت اليه قبل ان تلقى تلك الكلمات التى تعلم انها ستصبب زوجها بالغضب:

–ككنت بروح ازور عنايات اختى فى المستشفى


تبدلت ملامح وجه عزت بعد سماع اسم شقيقة زوجته فهم على خلاف دائم ويرجع ذلك الى رفض عنايات زواجه من شقيقتها إلا أن روحية اصرت على موافقتها وتزوجته رغما عن رفض شقيقتها فظلت العلاقات بينهم بين مد وجذر ولا تخلو لقاءات عزت بعنايات من بعض الشجارات حتى بعد كل تلك السنون فعقد حاجبيه قائلا:

–بس اختك بقالها فترة محدش بيشوفها ولا يعرفلها طريق وايه حكاية المستشفى دى كمان


هزت روحية كتفيها بجهل فهى حتى الآن لا تعلم سبب مكوث شقيقتها بالمشفى ولا تعلم أيضاً ما سبب اختفاءها الفترة الماضية فهتفت بقلة حيلة:

–والله ما اعرف يا عزت ولا فاهمة حاجة ولا فاهمة منها اى حاجة بس دى برضه اختى وملهاش غيرى وهى ولا جوز ولا عيل ولا ليها حد 


نفخ عزت بضيق إلا انه هز رأسه بتفهم فأردف وهو يترك مكانه:

–ماشى يا روحية وانا مش همنعك عن اختك يلا بينا نروح المستشفى


ذهبت روحية مع زوجها الى المشفى التى يمكث بها حسام وصلا الى الغرفة التى يقيم بها ولكن قبل دلوفهم شاهدوا عفيفى يقف أمام الغرفة يمد محرمة ورقية يمسح بها عينيه التى لم تكف عن ذرف الدموع منذ علمه بشأن ذلك الحادث الذى ألم بحسام فأقترب منه عزت يشعر بقلق فربت على كتفه:

–عفيفى فى ايه الباشمهندس حسام حصله حاجة بعد الشر


كفكف عفيقى دموعه ينظر اليهم بابتسامة واهنة قائلا:

–لاء هو الحمد لله بقى أحسن دلوقتى بس مقدرتش اشوفه وهو كده دا الاسطى حسام افضاله عليا كتير 


أقتربت منه روحية تواسيه قليلا تشيد بأخلاق زوج ابنتها المستقبلى قائلة:

–أصيل يا عفيفى ربنا يطمنك عليه يارب


دلف ثلاثتهم الى الغرفة فحسام كان يضطجع وذراعه معلقة على حامل معدنى ورأسه ملفوف بضماد وساقه أيضاً فأقترب منه عزت يربت على كتفة السليمة قائلا:

–حمد الله على السلامة يا باشمهندس حسام ألف سلامة عليك الف سلامة عليه يا عم رضوان


رمش حسام بعينيه قائلا بصوت واهن بالكاد يسمعه من حوله:

–تسلم يا عم عزت 


اقتربت روحية من سميرة التى حاولت أن تتماسك فى ذلك الموقف العصيب فهى منذ سماعها بشأن هذا الحادث وهى كأنها بمعزل عما يحدث حولها رفعت رأسها عندما سمعت روحية قائلة:

–الف سلامة عليه وربنا يطمنك عليه يارب ومتشفيش فيه حاجة وحشة


ربتت سميرة على يد روحية قائلا:

–تسلمى يا روحية وتسلم مجيتكم لحد هنا 


ظل حسام يجيل ببصره فى الجالسين ليعاود النظر إلى جسده المصاب فالقدر كان رحيماً به وانجاه الله من حادث كان ولا شك سيقضى على حياته ولكن الله أراد له أن يحيا بهذه الدنيا ولكن تلك الفرصة الممنوحة له سيحاول أن يصلح ما اخطأ به ولكن سيعمل جاهدا أيضاً على اخذ حقه ممن أوصله الى تلك الحالة التى أصبح عليها فمجدى لابد وان يدفع ثمن ما حدث له فهمهم بصوت بهامس:

– أنا وأنت والزمن طويل يا مجدى الكلب وحياة الراقدة اللى انا فيها دى لأوريك بس أصبر عليا أخف من اللى انا فيه هتاخد نصيبك انت والحلوة بنت الرافعى كمان


لايعلم لماذا تذكرها فهو كأنه يحمل بصدره غضباً وحقداً على ذوات الطبقة المخملية فهو لم يرى منهم غير كل سوء ألم به وبمعيشته كأنها يريد الانتقام من كل ما أساء اليه سواء بقول او بفعل..!!!

_________

بعد مرور ثلاثة أيام ..رمش أيسر بخضراوتيه عدة مرات كأن ذلك الضوء المنبعث من المصباح الكهربائى وميض عالى يؤذى عينيه ففتح عينيه ببطئ عندما شعر بملمس يد ناعمة تحتضن كف يده ولكنه ايقن أن ذلك الكف الناعم الملمس من المحال أن يكون لثراء فهو يعلم أنها لن تستطيع لمسه بتلك الحميمية التى يشعر بها فتبين من تكون صاحبة تلك اليد فهتف بصوت منخفض:

–جيسكا هو أنتى


اتسعت ابتسامة جيسكا وهى تسمعه يهتف باسمها بعد أن استعاد وعيه فأقتربت بوجهها قليلا منه قائلة:

–حمد الله على السلامة يا حبيبى خوفتنى عليك يا أيسر انت كويس انادى للدكتور


حرك أيسر رأسه بضعف فحاول ان يعتدل فى جلسته فأقتربت منه جيسكا تضع وسادة خلفه ليستطيع الجلوس براحة فأقتربت منه حتى كاد عطرها يتسلل إلى رئتيه فنظر اليها بتوتر بالغ فاتسعت ابتسامتها لعلمها بما يشعر هو به الآن فهمست بنبرة ناعمة:

–كده كويس مرتاح كده ولا اعدلهالك تانى


هز رأسه نفياً وحول بصره ناحية باب الغرفة فوجد ثراء تقف على الباب تتابع ما يحدث ولكن ملامح وجهها المرهقة تحمل إتهاماً صريحاً فهو يعلم تلك النظرة التى دائما ما يراها منها عندما تكون غاضبة منه أو أصابها الاستياء من فعل هو مرتكبه بدون قصد منه الا إنه قال بهدوء:

–أنسة ثراء اتفضلى 


لم تنظر ثراء اليه فنظرها منصب على وجه جيسكا ذو النظرات المتحدية فجيسكا لم تنسى ما فعلته بها ثراء عندما حاولت الاقتراب من أيسر لتحول هى بينها وبينه معللة بذلك أنه يحبها وهى ليس لها حق بلمسه فخرجت ثراء عن صمتها قائلة:

–أنتى بتعملى إيه هنا انا مش قولتلك متقربيش منه يا جيسكا 


جلست جيسكا على حافة الفراش فكانت ملاصقة له تهتف بعدم أكتراث:

–شاكلك ناسية يا ثراء أن أنا أبقى خطيبته وليا الحق أشوفه واطمئن عليه مش كده يا حبيبى


لم يفه أيسر بكلمة ولكنه متعجباً من أسلوب ثراء فى الحديث إلا انه حاول ان يتذكر ما تفوه به بعد تلقيه تلك الرصاصة فأتسعت حدقتيه عندما تذكر أنه أخبرها بشأن حبه لها فكيف عساه أن يخرج من ذلك المأزق الآن الذى وضع به فحاول أن يجد ما يبرر به قوله الا انه نظر الى جيسكا قائلا:

–جيسكا ممكن تسبينى اتكلم مع الآنسة ثراء شوية


نهضت جيسكا من مكانها فانحنت قليلاً تقبله على وجنته تحت انظاره وانظار ثراء المصدومة قائلة بنبرة مثيرة:

–اوك يا حبيبى انا هرجع الفندق أرتاح شوية وهجيلك تانى 


أخذت جيسكا حقيبتها وخرجت من الغرفة وهى ترمق ثراء بنظرات مبهمة فعاودت ثراء النظر لأيسر الذى حمحم يحاول استعادة رزانته ولكن قبل أن يبدأ هو الحديث سبقته ثراء القول بنبرة حادة:

–هو إيه ده بقى انت ازاى بتسمحلها تقرب منك كده لاء وكمان بتبوسك قدامى إيه قلة الأدب دى وأنت شكلك مبسوط باللى بيحصل صحيح هتلاقى واحدة فين تبوس وتحضن كده من غير حياء غيرها مكنتش أعرف انك كده 


لايعرف علام يبتسم على غيرتها الواضحة للعيان أم على ملامحها الغاضبة التى انكمشت بطرافة تشبه ملامح طفلة صغيرة أخذت منها فتاة أخرى دميتها المفضلة 

–هو أنتى جاية تطمنى عليا ولا جاية علشان تعاتبينى وتحاسبينى على تصرفات جيسكا 


أدركت فداحة فعلتها فهى بالأساس لم تأتى إلى الغرفة سوى للاطمئنان عليه ولكن بسبب رؤيتها ما فعلته جيسكا تناست ذلك وملأت الغيرة قلبها فلم تعرف ماذا تقول؟ ولكن قبل أن تجيبه لمحت دلوف والدها الغرفة برفقة ثلاث رجال لا تعرفهم وتتبعهم والداتها وصديقتها ضحى فأقترب جمال من أيسر يفحصه جيداً فنظر اليه مبتسما:

–تمام الحمد لله أنت دلوقتى كويس يا أيسر حمد الله على السلامة


بادله أيسر الابتسام قائلا بنبرة ممتنة:

–شكرا يا دكتور جمال بس مين دول اللى مع حضرتك


ابتعد جمال من جوار فراش أيسر يقترب من ابنته يحاوط كتفيها بحنان قائلاً:

–ده المأذون والشهود علشان تكتب كتابك على ثراء بنتى


دقيقتان كاملتان حتى استطاع أيسر وثراء استيعاب ما قاله جمال فوجده يشير للمأذون بأن يبدأ باتخاذ الإجراءات اللازمة لعقد قران أبنته الوحيدة من أيسر فطلب منهم المأذون هويتهم الشخصية قائلا بابتسامة:

–بطاقتك يا عروسة وانت كمان يا عريس وبطاقتك يا أبو العروسة وكمان الشهود

تحركت عضلة قرب فم أيسر بتوتر بالغ فكيف يخرج من ذلك المأزق الآن إلا أنه رأى محفظته موضوعة على الكومود بجوار الفراش فاخذها و نظر بداخلها وصراع يشتد بداخله فأى من تلك الهويتين سيعقد بها قرانه على ثراء ظل مترددا عدة دقائق حتى وجد المأذون يهتف به ثانية:

–ايه يا عريس فين بطاقتك هى ضايعة منك ولا ايه

حسم أمره واخرج تلك الهوية المتوارية خلف بعض النقود  تلك الهوية التى لا يعلم أى منهم بشأنها اخذها منه المأذون ليبدأ فى ملأ قسيمة الزواج بالبيانات اللازمة ظل أيسر يبتهل بداخله على الا تنكشف حقيقته فكل شئ على المحك الآن طلب المأذون بأن يضع جمال يده بيد أيسر فبدأ بعقد القران ظل أيسر يدعو الله الا ينتبه احد لأسمه الذى خطه المأذون على قسيمة الزواج ولكنه علم أيضاً أن المأذون وبلا شك سيهتف باسمه اثناء عقد القران وعندما بدأ المأذون بنطق أسم أيسر كاملا ظل أيسر يسعل بشدة حتى يجذب اليه انتباه الحاضرين فلم يسمع احد سوى صوت السعال فنظر اليه المأذون بقلق فأشار اليه أيسر بأن يتابع وبعد ان تجاوز قول إسمه كف أيسر عما يفعل وزفر بخفوت يشعر بالراحة من الخروج من هذا المأزق ولو مؤقتاً

مازالت ثراء واقفة مكانها لم تتحرك قيد أنملة لم تفيق مما هى به الا على يد ضحى تهز كتفها قائلة:

–ايه يا ثراء مالك متنحة ليه كده ألف مبروك يا حبيبتى


فهى تخشى ان يكون هذا حلم ويأتى الآن من يوقظها من نومها ولكن هذا ليس حلما فهى بعد دقائق ستصبح زوجة أيسر لم تخرج من صدمتها إلا عندما أعلن المأذون عن انتهاء عقد القران قائلاً:

–بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير امضتك يا عريس وانتى يا عروسة وفين الشهود كمان


–ممكن أكون انا الشاهد التانى على قسيمة الجواز

انبعثت تلك الكلمات من ذلك الذى يقف على الباب جاعلا كل من بالغرفة ينظرون اليه نظرة لا تخلو من الصدمة التى امتزجت بالدهشة أيضاً..!!!





سر غائب

البارت الثاني 

انبعثت تلك الكلمات من ذلك الذى يقف على الباب جاعلا كل من بالغرفة ينظرون اليه نظرة لا تخلو من الصدمة التى امتزجت بالدهشة أيضاً ،فابتسم أمير ابتسامة خفيفة وتقدم حتى وقف بمنتصف الغرفة قائلا:

–مالكم يا جماعة مش مصدقين ان عايز ابقى شاهد على عقد الجواز 


خيم الصمت على الحاضرين إلا أن المأذون مد يده له بالقلم قائلاً:

–تمام يا أستاذ هات بطاقتك اتفضل أمضى يا بخت من وفق رأسين فى الحلال


أخذ أمير منه القلم يخط اسمه فى خانة الشهود ليكون بذلك الشاهد الثانى على عقد الزواج رفع رأسه يبتسم بخفة على محيا ثراء المصدوم قائلا:

–مبروك يا ثراء مبروك يا أيسر


فهى لم تظن أن يفعل أمير ذلك فهى كانت تعلم مدى تعلقه بها ولكن أن يأتى الآن ويرحب بزواجها من أخر فهذا لم يخطر بذهنها على الإطلاق إلا انها استطاعت القول:

–الله يبارك فيك يا أمير 


أقتربت فيروز من ابنتها تحتضنها بابتسامة  قائلة:

–ألف مبروك يا حبيبة ماما ربنا يتمم بخير يارب

فرت من عينيها أيضًا دموع الفرح فهى بعد أن تحدثت مع زوجها وعلمت بشأن حب أبنتها وأيسر لم تشأ ان تعترض فهى بالسابق قد أصابها ذلك العشق الذى أصاب قلب ابنتها

فتقدمت منها ضحى أيضا تحتضنها هامسة فى أذنها بنبرة ممازحة:

–مبروك يا ثراء جيتى علشان خطوبتك من أمير راجعة متجوزة أيسر مفيش واحد ابن حلال يتجوزنى انا كمان علشان مدخلش على بابا بايدى فاضية


صدرت ضحكة من فم ثراء على مزاح صديقتها فهمست لها قائلة:

–خلاص نشوفلك والمأذون اهو وكل حاجة تمام

ظلت ثراء تمزح مع صديقتها بصوت منخفض ولم تسيطر بعد على ذهولها أو سعادتها فما كان تريده وتتمناه قد أصبح حقيقة فهى الآن زوجة من أصاب قلبها بسهم العشق


أقترب أمير من أيسر فأنحنى بجذعه قليلا يقترب من وجهه قائلا بنبرة منخفضة لم يسمعها سواه هو وأيسر:

–أنت عارف يا أيسر انا بكرهك قد ايه لو قولتلك مش هتتخيل بس علشان خاطرها هى وعلشان تبقى مبسوطة أنا مستعد ادوس على قلبى بس صدقنى لو خاب ظنها فيك مش هتفلت من ايدى ومش هتعرف انا ممكن اعمل فيك إيه


رسم أيسر ابتسامة ساخرة على جانب ثغره قائلاً بنبرة متحدية لا تخلو من غضبه من غطرسة أمير:

–والله أن كان على الكره فمن القلب للقلب رسول وبلاش تهديداتك دى ماشى انت لسه متعرفش انا مين او ممكن أعمل ايه ومتتغرش بالمظاهر يا ابن الصواف وان كان عليها فهى بقت مراتى ومش هسمحلك انك تقرب منها او تفكر فيها تفكير ميعحبنيش ماشى


مد أيسر طرف أصابعه يعدل من ياقة قميص أمير بعد أن انتهى من حديثه لينفض أمير يده عنه يناظره بنظرات أشبه بنظرات جحيمية فهل تجرأ الآن على تهديده والسخرية منه أيضًا


اعتدل أمير فى وقفته بعد ان ربت جمال على كتفه قائلا بابتسامة:

–أنت طلعت شهم جدا يا أمير وجنتل مان كمان وابن أصول


ابتسم أمير له ليعاود النظر لأيسر وهو يقول :

–انا علشان خاطر ثراء وسعادتها أنا مستعد أعمل أى حاجة حتى لو هكون الشاهد على جوازها وإن شاء الله أحضر الفرح بس بعد العريس ما يخف ان شاء الله


نظرت ثراء لأمير من منظور أخر اليوم فهى دائما كانت ما تكره عجرفته وغروره الزائد الا ان اليوم اكتشفت خصاله الحميدة فنظرت إليه قائلة بابتسامة:

–شكرا يا أمير على كل حاجة وأنا سعيدة ان اتعرفت عليك 


بادلها أمير الابتسام متغافلا عن ذلك الذى يتابع نظراتهم ويود لو أن يقوم من مكانه ليدق عنقه فأراد اثاره سخطه أكثر 

–متقوليش كده يا ثراء انا الأسعد محظوظ جدا أيسر أن فى جوهرة زيك بقت من نصيبه جوهرة ميقدرش قيمتها أى حد


اذدردت ثراء ريقها من إطراء أمير لها فتحول نظرها سريعاً الى زوجها الذى بادلها بنظرة غاضبة من عيناه الخضراوتين التى اصبحت لونها أشد قتامة وهو يرى ذلك الأرعن مازال يخبرها بإطراءه الذى يعلمه هو عن ظهر قلب

________

ضرب الضابط تلك المنضدة الصغيرة الموضوعة بجوار فراش عباس بالمشفى الذى يرقد به لتلقيه العلاج بعد إصابته بطلق ناري فى قدمه بغضب عارم فهو يحاول أن يستخلص منه أى معلومة تدله على من يكون العقل المدبر لخطف ثراء فهتف بغضب عارم قائلاً:

–يعنى انت مش عايز تنطق وتقول مين اللى قالك تعمل كده رد يا عباس احسن ليك


إلا أن عباس يتهرب منه متذرعاً بذلك بالألم الذى يشعر به يحاول ان يكسب مزيداً من الوقت حتى يتسنى له الهرب من المشفى فمتولى حر طليق ولاشك انه سيحاول إخراجه من هنا فرد قائلا:

–يا باشا مفيش حد حرضنى اعمل كده غير الشيطان يا باشا ابوس ايدك انا تعبان ورجلى بتوجعنى ارحمنى يرحمك ربنا


اقترب منه الضابط يضع يده بجيب بنطاله قائلاً :

–الشيطان! وماله يا عباس احنا هنجيب الشيطان ونأدبه ونتوبه ونتوبك انت كمان ولو كنت فاكر انك هتحاول تهرب متفكرش فى اتنين عساكر واقفين قدام الباب وانتى فى الدور التالت الا اذا كنت عايز تنتحر بقى يا عباس وتنط من الشباك


حك عباس رأسه بتفكير فالضابط قد سد كل منفذ يستطيع هو أن يستغله للهروب من المشفى فهو لا يملك فعل شئ قبل ان تتماثل قدمه للشفاء لم ينقذه شئ من غضب ذلك الضابط سوى دلوف الممرضة قائلة:

–لو سمحت حضرتك ممكن أديله الحقنة والدوا بتاعه


أشار اليها الظابط ان تنتهى سريعاً مما تفعله اقتربت من فراش عباس لحقنه استغل عباس انشغالها بتحضير إبرة المحقن فسحب هاتفها من جيبها بدون أن تشعر او يلاحظ الضابط ذلك فأخفاه حتى لا يراه احد بعد ان انتهت الممرضة وخرجت من الغرفة عاود الضابط سؤاله ثانية:

–ها مش ناوى تتكلم برضه ياعباس


تظاهر عباس بالتثاؤب فى محاولة منه لصرف الضابط فهتف بصوت يغلب عليه النعاس:

–يا باشا شكلهم ادونى حقنة فيها منوم وهنام انا مش شايف قدامى 


اغمض عباس عينيه فلم يجد الضابط جدوى من حديثه معه الآن فخرج من الغرفة يلقى أوامره لمن يقفون على باب الغرفة من أجل حراسة عباس قائلا:

–فتحوا عينيكم كويس وخلوا بالكم انتوا فاهمين


رفع الرجلين يديهم بالتحية العسكرية قائلين بصوت واحد ورسمية:

–تمام يا افندم


انصرف الضابط زفر عباس براحة بعد مغادرته فاخرج الهاتف الذى سلبه من تلك الممرضة يبتسم بخبث:

–يا حلاوتك يا واد يا عباس لسه برضه دماغك شغالة


نظر للهاتف بانتصار فهذا سيكون السبيل لهروبه من هنا والهروب أيضاً من الزج به بالسجن فهو ليس على استعداد ان يتخلى عن حريته من أجل أحد فإن لم يكن بالمستطاع نيل حريته سيحرص على جر قدم كل من كان متواطأ معه فى هذا الأمر..!!!

________

خرج منير من غرفته على صوت الضجيج المنبعث من الصالة فرأى أشرف مضطجع على الأريكة يرتدى سروال قصير تاركاً جزعه الاعلى عارياً فاصطبغ وجه منير بالغضب الشديد فصرخ به بصوت حاد:

–ايه ده معلى التليفزيون لما صوته جايب آخر الدنيا وكمان قاعد مش لابس هدومك ايه القرف ده ما تلم نفسك شوية بقى يا أخى


اعتدل أشرف الا انه مازال مرتكزا بجسده على ذراعه يضع من الحلوى الموضوعة أمامه فى فمه قائلا بعدم اكتراث:

–والله انا قاعد فى ملك اختى واعمل اللى اعمله ان شاء الله اقعد من غير هدوم خالص انت مالك أنت


اقترب منه منير يوكزه بكتفه بغيظ قائلا:

–هو ايه اللى مالى ده انت ناسى انك عايش مع ناس غيرك فى البيت وانت ماشى زى الطور اللى قاعد فى زريبة كده 


هب أشرف واقفاً بعد سماع توبيخ طليق شقيقته له فأقترب منه يقبض على مقدمة ملابسه قائلا:

–هو مين ده اللى طور انا بس ساكتلك علشان راجل كبير لكن غير كده متعرفش انا ممكن اعمل فيك ايه


–سيبه يا أشرف احسن يموت فى ايدك ويحسبوه علينا راجل

هتفت فايزة بتلك الكلمات وهى تخرج من المطبخ تحمل بيدها أحد الأطباق المملوءة بمختلف أنواع الفاكهة وبيدها الاخرى تحمل ثمرة من ثمرات الخوخ تقضمها بعدم أكتراث لملامح منير الغاضبة وتلك الحمرة التى كست وجهه من فرط غضبه وضعت الطبق على الطاولة وجلست هى على الأريكة التى كان مضطجع عليها أخيها منذ دقائق فاستطردت قائلة:

–أقعد يا أشرف يا حبيبى يلا جبتلك الفاكهة اللى انت بتحبها وخلينا نكمل الفيلم بلاش ازعاج وقرف


ترك أشرف منير وجلس بجوار شقيقته مد قدميه يضعها على المنضدة أمامه يقضم من الفاكهة بتلذذ يعلو صوت ضحكاته هو وشقيقته على ما يرونه من افلام كوميدية على شاشة التلفاز


تركهم منير عائدا الى غرفته أغلق الباب خلفه فأغمض عينيه بتعب لتتسل دمعة من عينيه فماذا يفعل هو الآن وكيف سيكون الحال عند عودة ابنته فهو يجب ان يجد حلاً بسرعة فهو لن يأمن على أن تعيش ابنته وسط هؤلاء البشر الذين تجردوا من كل معانى الأدب والخجل فارتدى ملابسه وخرج من المنزل فهو يجب ان يجد مكان يأويه هو وابنته فلو وصل به الأمر أن يقيم بالشارع فهذا افضل من ان يقيم برفقة فايزة وشقيقها ..!!!

______

كلما سمع أيسر صوت أمير وتلك الثرثرة التى لم يكف عنها منذ أن وطأت قدمه الغرفة تزداد قسمات وجهه تشنجاً فهو قد وصل إلى حافة صبره الآن فهو لم يعد بامكانه سماع كلمة أخرى منه ،نظر اليه أمير بإنتشاء وهو يرى ملامح وجهه العابسة 


فنظر إليه قائلا بسماجة:

–أيه يا أيسر مالك أنت تعبان نجيبلك دكتور وشك مصفر ليه كده


ابتسم أيسر ابتسامة صفراء وهو يعض على نواجزه من الغيظ قائلا:

–لاء انا تمام بس الجو البارد اللى فى الأوضة خلانى بس مضايق


هتفت ثراء وهى تتقدم من الفراش تسحب الريموت الخاص بجهاز التكييف قائلة:

–هظبطلك درجة حرارة التكييف 


نظر أيسر اليها ليعاود النظر لأمير الجالس برفقة جمال وزوجته قائلا:

–حتى لو عملتى ايه الجو برضه بارد بااااارد


علمت ثراء ما يلمح به وانزعاجه من وجود أمير فهى رأت الغيرة مرسومة بعينيه ولكن اتسعت حدقتيها عندما وجدته يمد يده يتناول المزهرية الصغيرة الموضوعة على الكومود كأنه يريد قذفها بوجه أمير فهتفت بصوت منخفض:

–أيسر أنت هتعمل ايه


نظر اليها أيسر وعلم ما تفكر به فهتف بغيظ قائلا:

–ايه كانت هتقع بعدلها 

ثم استطرد هامسا لنفسه:

–نفسى اقوم اكسرها على دماغ ابن الصواف


بعد خروج كل من كان بالغرفة ظلت هى بمفردها مع من أصبح يسمى الآن زوجها ظلت واقفة مكانها كأنها تخشى ان تتقدم خطوة اخرى وتجد ان ما حدث لم يكن سوى سراب لاتعلم ماذا تفعل هى الآن؟ وهو أيضاً لايجد ما يقوله عندما حاول مد يده لاخذ كوب الماء من على الكومود بجوار الفراش سبقته يدها تناوله إياه فنظر اليها قائلا:

–شكراً


شكراً..ما تلك الكلمة التى تفوه بها هو الآن فهى ليست بانتظار شكره او امتنانه فهى راغبة فى سماع كلمة أخرى تلك الكلمة التى مازال صداها يتردى فى قلبها وأذنيها لاتعرف لماذا رغبت الآن بالانصراف فعندما وصلت للباب سمعت صوته يناديها:

–ثراء استنى


أدارت رأسها اليه بصمت منتظرة ماذا يريد منها؟او ماذا يريد أن يقول؟ فأشار اليها بالاقتراب قائلاً:

–تعالى


ذهبت إليه كالمنومة مغناطسياً فأشار اليها بالجلوس بجواره على الفراش فجلست مقابل له مد يده اليها فأراحت يدها بكف يده الدافئ لم تمنعه عندما رفع يدها الى فمه يقبل باطنه قبلة ذهبت بالبقية الباقية من قلبها فسمعت تلك الغمغمة التى امتزجت بتنهيدة شوق وهو يستطرد قائلا:

–بحبك يا ثراء وعمرى ما حبيت حد زى ما بحبك او هحب حد غيرك


فهى ولا شك فى عالم الأحلام الآن فهل هذا هو أيسر الذى تراه يبوح لها بكلمات العشق والشوق الذى ربض بين ثنايا قلبه هل هو نفسه ذلك الرجل الذى لم ترى منه سوى الجمود والبرود فهو كجبل جليد أشرقت عليه الشمس فاذابته بحرارتها بعد ان انتهى من تقبيل باطن يدها وضعها على تلك الندبة الذى اعتلت قلبه تاركة أثارها بجسده قائلاً:

–انتى دوا جروحى يا ثراء اللى علمت فى قلبى من زمان جروحى اللى كانت مكتوبة عليا قبل ما أتولد فى الدنيا دى 


لم تفهم ثراء الشق الأخير من حديثه فأين ذهب عقلها الآن ؟ فحلقها أصابه جفاف شديد غير قادرة على الحديث وعينيها على اتساعها ،فرفع أيسر حاجبه متعجباً من تصنم ملامحها بعد حديثه فمد يده يربت على وجنتها الوردية قائلاً:

–ثراء ثراء انتى سمعانى 


رفعت يدها تمسك كف يده الذى يربت به على وجهها قائلة بابتسامة خفيفة:

–براحة يا أيسر ايدك تقيلة 


أغلق أصابعه على أطراف أصابعها يأسرها بين كفه قائلاً بابتسامة:

–شكلك مصدومة زى ما تكونى فقدتى الوعى بس عينيكى مش مغمضة


قبل ان ترد عليه سمعت ثراء طرق على باب الغرفة وقدوم إحدى الممرضات بالطعام له نهضت ثراء تاخذ منها المنضدة المتحركة قائلة:

–شكرا ليكى خلاص سبيها هنا


غادرت الممرضة قأقتربت ثراء من الفراش ووضعت الطعام أمامه قائلة بحب:

–يلا علشان تأكل وتاخد دواك علشان تخف بسرعة 


عادت للجلوس على طرف الفراش تتأمله ولكنه لم يمد يده لتناول الطعام فنظرت إليه بتساؤل:

–مش بتاكل ليه الأكل مش عاجبك اخليهم يجبولك حاجة تانية تاكلها


أزاح المنضدة المتحركة المحمولة بالطعام جانباً فحاجته الآن لها هى وليس لتلك الأشياء فما يريده منها أن تسد رمق قلبه الذى كثرت به الندوب والجروح فمد يده سحبها من معصم يدها الذى مازال يحمل ذلك السوار الذى أهداها إياه بحفل يوم ميلادها وجدت نفسها تصطدم بصدره فربما سبب له ذلك ألماً شديداً ولكنه لايعطى بالا لذلك فهو يريد أن يشعر بقربها منه فبات يرى أدق تفاصيل وجهها ورأى أيضاً بؤبؤ عينيها العسليتين يزداد أتساعاً فهمس بصوت مثير:

–انا مش جعان قد ما انا مشتاق لقربك اللى قعدت احلم بيه من أول عينى ما وقعت عليكى وقلبى دق ليكى عشت اتعذب وانا شايف أمير ده بيقرب منك وبيقولك كلامه الحلو اللى كان زى السكاكين بتقطع فى قلبى وأنه كان خلاص هياخدك منى كان هياخد الحاجة الوحيدة الحلوة اللى فى حياتى انتى احلى ما فى عمرى كله يا ثراء


تأمل ملامحها المتسمرة وعينيها التى علقت بوجهه لاتعرف كيف زحفت يدها حتى اراحتها على صدره راغبة فى ان يسمع إياها المزيد مما يقوله فكلماته كرزاز المطر الذى يروى روحها التى كانت كأرض جدباء أصابها الجفاف من انتظار بوحه لها بما يكنه لها تعلقت أصابعها بكتفه ومازالت تجيل ببصرها بملامحه التى نضحت بعشقه لها وجدت نفسها تهتف بصوت هامس:

–أنا بحبك يا أيسر


كم رغبت فى اسماعه تلك الكلمة وها قد حان وقتها فما عساها أن تفعل وقد أتاح لها القدر تلك الفرصة فهى الآن زوجته شرعاً وقانوناً ولكن يجب عليها عدم الإنجراف خلف تلك المشاعر التى توقدت بقلبيهما فلابد من إتمام حفل الزفاف أولا حتى يعلم الجميع أنها أصبحت ملكه فرغبت فى الابتعاد فوجدت ذراعه الملتفة حولها تأبى ذلك فهتفت بضعف مزج بخجلها ولا تنكر خوفها أيضاً قائلة:

–أيسر خلاص بقى سيبنى حد يدخل دلوقتى يقول إيه


زاد توترها مخافة أن يدخل أحد الآن ويراها على ذلك الوضع وهو محتضن إياها بساعدين ربما شعرت أنهم على وشك أسرها بقيود بعثت الدفء بقلبها من تملكه الظاهر لها فكم تمنت ذلك الحصار ولكن ليس بمكان يستطيع احد التطفل عليهم

–لاء مش هسيبك يا نور عيون أيسر وروح أيسر وقلب أيسر ونبضه وشمسى اللى نورت الضلمة اللى كانت ساكنة قلبى قبل ما اشوفك واعشقك ثم أنتى ناسية انك بقيتى مراتى


قالها أيسر وعيناه مسحت كل أنش بوجهها المشرق الذى ربما زاد اشراقه أكثر بسماعها حديثه الذى كان كالدواء الناجع لندوب قلبها التى خلفتها برودته وعدم اكتراثه بها سابقاً فدفعته بيدها على صدره فى محاولة منها أن تبعده عنها فضغطت بدون قصد من على جرحه فلم يحتمل هو ذلك فصدر عنه أنين منخفض متألم فشهقت ثراء بقلق تستطرد قائلة:

–أيسر فى ايه مالك بتتوجع ليه انت تعبان فى حاجة بتوجعك قولى اناديلك بابا الجرح بيوجعك رد عليا


أبتسم أيسر على تلهفها الواضح فى معرفة ما أصابه فحاول طمئنتها قائلا:

–متقلقيش يا حبيبتى أنا كويس بس انتى دوستى بايدك على الجرح فوجعنى بس انا كويس


التقطت أنفاسها براحة بعد سماع حديثه فخفضت وجهها خجلاً فما الذى يحدث لها ؟ رأى ابتسامتها الخجولة عاوده الشعور بتأنيب ضميره فهى لا تستحق الخداع ولكنه لا يملك شئ سواه حتى يستطيع الوصول الى مبتغاه فهمس بداخله وعيناه تتأمل وجهها الصافى:

–سامحينى يا ثراء سامحينى يا حبيبتى أنا مش قادر أقول على اللى جوايا قبل ما أوصل للى انا عايزه بس اوعدك ان هييجى وقت واقولك كل حاجة بس دلوقتى مش عايز افكر فى حاجة غير انك ليا وبقيتى ليا أنا وبس يا ثراء


حاول أيسر إخماد ذلك الصوت الصارخ باعماقه بأنه يجب مصارحتها بحقيقته ولكنه لن يفعل الآن فربما سيأتى الوقت لفعل ذلك ولكنه متيقن ان ذلك الوقت ليس الآن..!!!

______

ظل شريف " البوص" يذرع الأرض ذهاباً وإياباً وبيده سيجاره الذى كان على وشك حرق أطراف أصابعه بدون أن ينتبه تأففت تلك الجالسة من حركته الزائدة التى أصابتها هى الأخرى بالتوتر فهتفت بضيق قائلة:

–شريف اقعد بقى حرام عليك خيلتنى معاك ووترتنى يا أخى أكتر ما أنا متوترة


توقف شريف عن الحركة ينظر اليها بضيق مماثل هاتفا بنزق:

–هو ده اللى هامك يا سيرين مش همك المصيبة اللى حلت على دماغى ولسه هتتطربق أكتر لو عباس اعترف عليا ولا مسكوا متولى وقر بكل حاجة هو كمان


نهضت سيرين من مقعدها تقترب منه تمسك كتفيه تحاول تهدئته قائلة:

–شريف اهدى محدش من الرجالة دى يعرف شكلك الحقيقى ولا حتى اسمك يعنى اطمن قلقك ده ملوش داعى أنت عارف ايه اللى انا خايفة منه بجد ومرعوبة كمان


عقد شريف حاجبيه بتفكير قائلا:

–خايفة من ايه يا سيرين فى حاجة جديدة حصلت


تركت سيرين كتفيه توجهت الى تلك النافذة التى تطل على الخارج تأملت لبرهة أمواج البحر الهائجة قبل ان تقول:

–خايفة عزام يعرف ان انا اختك وان احنا اللى كنا بنبعتله تسجيلات الفيديو ونهدده علشان ناخد منه فلوس صدقنى لو عرف مش هيرحمنا جايز دكتور جمال كان رحيم بيك لما سلمك للبوليس زمان ومعملش فيك حاجة لكن عزام مش زى اخوه عزام جبار يعنى ممكن يخلص علينا من غير بس ما عينه ترف يعنى ده اللى ينطبق عليه المثل يحطك فى بوقه ويحلف انه ما شافك


سحق شريف سيجاره بيده غير آبه بما أصابه من لسع نيران السيجار لاصابعه قائلا بحقد:

–عارف ان عزام مش سهل انا العيلة دى لازم انتقم منها على السنين اللى قضتها فى السجن لازم ناخد منهم فلوس قد اللى كنت هكسبها من شغلى القديم بس دلوقتى حاسس ان كل حاجة بتخرج عن السيطرة وكل ده بسبب الحارس بتاع بنته لازم اللعبة ترجع لقواعدها تانى


فالنيران بداخله تشتد اندلاعاً فهو أقسم على الانتقام من تلك العائلة فهو من أراد لشقيقته أن تتقرب من عزام الرافعى وتتزوجه ليضع مخطط لابتزازه والحصول منه على أموال تعوضه تلك السنوات التى قضاها بالسجن ترافقت خطته تلك مع ذلك المخطط الذى وضعه لخطف ثراء والانتقام من جمال هو الآخر ولكن كان دائما جمال سعيد الحظ بوجود ذلك الحارس الذى كان يحول بينه وبين تنفيذ مخططه


أدارت سيرين رأسها له قائلة:

–واللى انت متعرفعوش بقى ان الحارس ده مبقاش حارس لبنت الدكتور جمال وبس لاء دا بقى جوزها كمان يا شريف ابوها جوزهم وكتب كتابهم النهاردة


اتسعت حدقتيه بعد سماع حديث شقيقته قائلاً:

–اتجوزها وأنتى عرفتى ازاى يا سيرين


ابتسمت سيرين بسخرية قائلة:

–انت ناسى أن أنا أبقى مرات عزام عرفت منه كل اللى حصل وان الدكتور جمال فسخ خطوبة بنته من أمير الصواف وجوزها لأيسر الحارس بتاعها الراجل دى غريب جداً بقى يسيب واحد غنى زى أمير الصواف ويجوزها لواحد بيشتغل عندهم


ظل شريف " البوص" يضرب الجدار بيده بغضب مكبوت فهو ليس له دراية بذلك الأمر فكيف حدث ذلك فالأمور بدأت بالتداخل والتعقد فهو لم يأمن جانب ذلك الحارس وهو يعمل لديه فما باله وهو أصبح الآن صهر جمال وزوج ثراء أرتمى شريف على مقعد خلفه يضع رأسه بين يديه بتفكير فلابد من إيجاد مخرج من هذا المأزق فانتقامه لابد ان يصل الى نهايته..!!!

_______

ظلت ثريا هادئة المحيا وهى تجلس برفقة فيروز ولكن قلبها مازال يحترق بلهيب الحقد وهى تستمع لما قالته فيروز فهى قصت عليها كل ماحدث فى المشفى بداية من إصابة أيسر حتى عقد قرانه من ابنتها فارتسم بمخيلة ثريا ماحدث ماضياً فكأن الزمن يعيد ماحدث معها هى وجمال عندما فضل عليها تلك الجالسة برفقتها وتركها من أجلها


فابتسمت ثريا ابتسامة لم تصل إلى عينيها قائلة:

–يعنى جمال هو اللى جوزهم كمان جوزك ده مش هيتغير أبدا دايما كده عنده العاطفة غالبة على تصرفاته


أتسعت ابتسامة فيروز عند ذكر زوجها فقالت بعشق تجلى بنبرة صوتها المتهدجة:

–جمال طول عمره مفيش فى حنيته أو أنه يعمل الحاجة اللى تخلى اللى حواليه مبسوطين وثراء عنده بالدنيا ومافيها علشان كده لما عرف أنها بتحب أيسر محبش يكسر قلبها وقلبه وأنا كمان مقدرتش أقول حاجة لأن شوفت فى عيون ثراء الحب اللى حبيته لأبوها 


طحنت ثريا أسنانها خلف شفتيها الأنيقتين المطبقتين بارستقراطية التى اعتاد الجميع أن يراها بها فهتفت بداخلها بكره:

–وأنتى كنتى السبب زمان يا فيروز لما اخدتى منى الراجل الوحيد اللى حبيته وفضلك عليا واتجوزك وسابنى أنا بس أنا برضه عرفت انتقم لنفسى إزاى وحرمتكم من ابنكم لازم تتدوقوا حرقة قلبى انا كمان


لم تخرج من حديثها مع نفسها إلا على دلوف ثراء التى هتفت بابتسامة:

–السلام عليكم ازيك يا طنط ثريا أنتى وصلتى أمتى


اقتربت منها ثراء تقبلها على وجنتيها فردت عليها ثريا قائلة:

–لسه جاية النهاردة وكنت جاية اعتذر ان معرفتش احضر خطوبتك فمامتك حكتلى اللى حصل وان الخطوبة متمتش واتجوزتى الحارس بتاعك ليه كده يا ثراء هو ده مقام بنت عيلة الرافعى تتجوزى واحد شغال عندك جوزك كان لازم يبقى من الأكابر علشان يشرفك ويشرف عيلتك


عقدت فيروز حاجبيها من حديث ثريا المفعم بتلك النفحة من الكبرياء والغرور التى تراهم هى منها فهى تعلم أنها معتدة باصول عائلتها ولكنها أول مرة ترى جانبها المتكبر شأنها شأن عزام ولبنى


إلا ان ثراء سبقتها القول بثقة نابعة من عشقها :

–وأيسر يشرف أى حد يا طنط ثريا كفاية انه ضحى بنفسه علشان يحمينى وكان على طول جمبى هو عندى أحسن من أى ابن أكابر الانسان بأخلاقه مش بفلوسه وعن اذنكم علشان عايزة ارتاح شوية قبل ما أرجع لجوزى فى المستشفى


تركتهم ثراء تتجه صوب غرفتها فقابلتها ضحى أمام الباب فقالت ممازحة:

–اهلا بعروستنا القمر انتى رجعتى من المستشفى أمتى وقدرتى على بعد حبيب القلب كده بسهولة


وكزت ثراء ضحى بكتفها قائلة :

–بس يا بت أنتى بقى هو اللى اصر عليا ان أجى ارتاح غير كده مكنتش سيبته وكمان عايزة اخد شاور وانام شوية وارجعله تانى 


هزت ضحى رأسها بحالمية قائلة:

–يا سلام على الحب اللى ولع فى الدرة يا سعدية


ولجت ثراء الى الغرفة تسحب ضحى من يدها قائلة بنفاذ صبر:

–مش وقت خفة دمك وربنا ادخلى بقى خلينى أشوف هعمل إيه


اتجهت ثراء الى خزانة ملابسها سحبت ثياب نظيفة لها وولجت إلى الحمام جلست بالمغطس تنعم بالهدوء حتى كانت على وشك ان يغلبها النعاس فرأت ان تنتهى من حمامها الآن وبعد ان انتهت خرجت وجدت ضحى تتسطح على الفراش مغمضة العينين فربما هى الاخرى بحاجة إلى النوم فهتفت بمزاح:

–اه يا جبانة نمتى قبل ما ترغى معايا قبل ما أنام بس ماشى 


قامت بتمشيط شعرها أمام المرآة وهى تتذكر أيسر عندما كان يتملكها بين ذراعيه حتى كادت أن تشعر بذوبان قلبها ،انتهت وارتمت على الفراش ولكن عيناها تأبى أن تنام فظلت مسهدة:

–وبعدين انا مش عارفة انام ليه كده مع ان كنت هموت وانام


  ظلت تحدث نفسها حتى حزمت أمرها وقامت بارتداء ملابسها لتذهب إلى المشفى لم تفكر كثيرا فوجدت نفسها تصل الى المشفى الذى يرقد به أيسر


فى ذلك الوقت كان أيسر ينظر لصورة والدته التى يحتفظ بها دوما بحوزته قائلا :

–خلاص يا أمى هانت واخد حقك من اللى ظلمك وظلمنى لازم عزام الرافعى يشرب من نفس الكاس اللى شربك وشربنى منه لازم يدوق العذاب والذل اللى دوقناه ويدفع حساب اللى عمله بالفوايد كمان بس اللى مضايقنى أن خبيت الحقيقة على دكتور جمال وبنته هم فعلا ميستهلوش أن اخدعهم بس مش قدامى حل تانى غير كده انا برضه مرضيتش اتجوز ثراء باسمى المزيف واتجوزتها باسمى الحقيقى علشان ميبقاش جوازنا باطل لأن انا بحبها ويمكن حبها هو اللى برد النار اللى فى قلبى بس كل عينى ما تشوف عزام والعز والجاه اللى هو عايش فيه وبسببه أنا وأنتى عيشنا فى فقر وذل النار بتولع فى قلبى تانى النار اللى عارف انها هتحرقنى وتحرق ثراء قبل منى بس خلاص مبقاش ينفع ارجع عن كلامى أنا بشر مش ملاك علشان أسامح 


سمع أيسر صوت طرقات على الباب فأخفى سريعا الصورة بجيبه فحمحم قليلا قبل ان يأذن للطارق بالدخول فسمعت ثراء صوته ادارت المقبض تدلف الغرفة باستحياء قائلة:

–انت عامل ايه دلوقتى


تعجب أيسر من عودتها إليه بهذه السرعة فهو أصر عليها بأنها يجب ان تنال قسط من الراحة فالقلق والتوتر قد ترك أثاره على وجهها ولكنها عادت فهتف قائلا:

–انتى رجعتى بسرعة ليه كده انتى لحقتى نمتى 


اغلقت ثراء الباب فأقتربت من الفراش قائلة:

–الصراحة حاولت انام بس معرفتش المهم أنت كويس دلوقتى


اعتدل أيسر بجلسته قائلاً:

–انا الحمد لله كويس بس انتى اللى باين عليكى الإرهاق يا ثراء كان لازم تنامى وترتاحى وكنتى تيجى براحتك


أطرقت ثراء رأسها أرضاً قائلة بخجل:

–طول ما أنت كويس انا هبقى كويسة يا أيسر


كيف يخبرها هو الآن أن كلما سمع صوتها او رأى ملامح وجهها التى ارتسم عليها العشق يزيد من شعوره بآلام شديدة تمزق فؤاده مد يده يجلسها بجواره يريح رأسها على كتفه السليمة قائلاً بهمس:

–حبيبتى


شد على كتفيها بقوة وهو يرى الآن ذلك المستقبل الذى ربما سيصبح كابوساً عندما تنجلى الحقيقة او عندما تعلم بما ينوى هو فعله من أجل خوض تلك المعركة التى اندلعت نيرانها ربما منذ قبل ميلادها هى ،شعر بسكونها فنظر إلى وجهها وجدها مغمضة العينين هل نامت هى الآن؟


فنادى باسمها بصوت منخفض حتى لا يفزعها:

– ثراء حبيبتى أنتى نمتى


وجدها تمرغ وجهها بكتفه كأنه وسادة وجدتها أخيراً وستنال راحتها فذلك الدفء الذى تشعر به كفيل بجعلها تغرق فى سبات عميق فهمهمت بنعاس:

–لاء انا صاحية أهو منمتش 


لم يشأ إزعاجها فلينعم بقربها قبل أن تأتى سنينه الخاوية من وجودها جواره قبل رأسها واغمض عينيه هو الآخر الا انه سمع صوت لم يضعه بحسبانه الآن

–الله ايه الحلاوة دى يا أيسر والمشهد الغرامى الجميل ده دا أنت مطلعتش سهل بقى 

فتح أيسر عيناه الخضراوتين بعد سماعه ذلك الصوت الذى علم هو أن اليوم لن يمر مرور الكرام بدون حدوث مشادات كلامية وربما أيضاً عراك..!!!!

                  الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول الجزء الثاني من هنا

لقراءة الجزء الاول جميع الفصول كاملة من هنا

تعليقات



<>