رواية راما
الفصل الثامن عشر18
بقلم اسماعيل موسي
فحص الطبيب راما، مبروك يا مدام انتى حامل فى الشهر التانى
بجد يا دكتور؟
ايوه بجد ولازم تستريحى ومتبذليش مجهود لحد ما الحمل يستقر ثلاثة أشهر على الأقل
احتضنت جين راما، كان حضن حقيقى ودمعت عيونها
اتصلت بادم وطلبت منه يجى على العياده
فيه ايه يا جين؟
راما تبعت وأخدتها على الدكتور
ادم بقلق هى كويسه؟
جين ايوه كويسه، مبروك يا ادم، هتبقى اب
صرخ ادم من الفرحه بجد يا جين؟
ايوه بجد يا ادم، راما حامل
طيب اقفلى وانا هاجى على العياده بسرعه
وصل ادم العياده غير مصدق احتضن راما وجين وهمس انتى كويسه يا راما؟
ايوه كويسه يا ادم
بين جين وادم وصلت راما العربيه وساق ادم على الشقه بوجه منشرح وكل شويه يبص على راما كأنه خايف انها تتبخر
لما وصلت راما سريرها قال ادم انتى تقعدى فى سريرك ومتعمليش اى حاجه، حتى اكلك انا هجيبو ليكى فى السرير
طيب وشغل البيت؟
ملكيش دعوه بشغل البيت، انا هجيب خدامه
مش هنجيب خدامه يا ادم انا هتكفل بشغل البيت خلى راما مستريحه
بخجل قال ادم، مش عايز اتعبك يا جين؟
تتعبنى ازاى يا ادم ابنك هو ابنى، مرت لحظات مشحونه بالعاطفه، جين وادم بيبكو من الفرحه،
انا فرحنالك اووى يا ادم، اخيرا حلمك هيتحقق
همس ادم دا حلمك انتى كمان يا جين، الطفل دا هيكون ابنك زى ما هو ابنى
جين، انا هجيب خدامه، مش هرغمك تخدمى راما؟
متقلش كده يا ادم، انا علاقتى براما بقيت كويسه ومعدش فارق معايا اى حاجه
بعد ما راما عرفت إنها حامل، كانت الأيام بتمشي ببطء، كأن الزمن نفسه بيحاول يستوعب اللي حصل،جين كانت بتراعيها كويس، بتجهّز لها الأكل، بتأكد إنها بتاخد الفيتامينات، حتى بتراقب نومها،آدم كان فرحان، بس كان فيه حاجة في عينيه، حاجة أعمق من مجرد الفرح، كأنه مش قادر يصدّق، أو يمكن خايف.
في الليالي الأولى، كان كل شيء هادي،راما بتنام بدري، وجين بتوضّب المطبخ، وآدم بيقعد جنبها على الكنبة، عينه على الأرض،مفيش كلام، بس فيه حاجة تقيلة في الجو، حاجة مش بتتقال.
وفي ليلة، جين وهي بتنضف الترابيزة، سمعت صوت نفس آدم العميق، رفعت عينيها، لقته بيبص لها، نظرته غريبة.
— "إنتِ كويسة؟"
— "كويسة."
— "متأكدة؟"
وقفت للحظة، سابت الفوطة اللي في إيدها، وقعدت جنبه
— "إنت اللي مش كويس، مش كده؟"
آدم خد نفس، طوّل وهو بيطلّع الهوى، كأنه كان شايله من زمان
— "حاسس بحاجة غريبة، جين... مش عارف أوصفها
سكت لحظة، بص للسقف، وكمل:
— "راما حامل، وكل حاجة المفروض تبقى كويسة، بس حاسس كأن... كأن فيه حاجة مش طبيعية."
جين مسحت إيديها في بنطلونها، حسّت بنفسها مشدودة،
— "حاجة زي إيه؟"
— "مش عارف. خايف. خايف إن الحلم دا يتكسر، خايف إنها تتأذي. خايف إني..."
بلع ريقه، صوته واطي:
— "إني أخسرها زي ما خسرتك."
الكلمة وقعت في المكان زي حجر تقيل،جين ماحركتش ساكن ، ولا حتى غمضت عينيها، كانت فاهمة هو بيقول إيه، كانت فاهمة أكتر مما كان متخيل
ربما تصالحت جين مع راما لكنها لم تسامح ادم ابدا كان قلبها مجروح منه حتى انها لم تسمح له النوم فى غرفتها لو حتى احتضانها
— "إنت ماخسرتنيش، آدم."
آدم ضحك ضحكة قصيرة، مش ضحكة حقيقية، كأنها مجرد رد فعل، وبعدين هز رأسه
— "وأنا المفروض أصدق كده؟ بعد كل اللي حصل؟ بعد السنين اللي بينا؟"
جين سكتت، عرفت إن اللحظة دي كانت جاية، بس ماكنتش متخيلة إنها هتحصل كده، فجأة، في نص الليل، في بيت مليان سكون
— "مش لازم نفتح الكلام ده تاني."
آدم هز راسه، قام وقف هو انتى ممكن تسامحينى؟
جين ماعرفتش ترد، كانت حاسة إن أي كلمة هتقولها هتبوّظ كل حاجة أكتر، قامت، دخلت أوضتها، وقفلت الباب.
بس آدم ما اتحركش. فضل واقف في الصالة، عارف إن الليلة دي مش هتنتهي بسهولة، وإن فيه حاجات كتير جوّاهم، حاجات مش بيتقال عنها حاجة، بس موجودة، عايشة بينهم
شعور عميق برغبته احتضان جين ولمسها
دخل ادم غرفة راما، وقعد جنبها، قبل جبينها وحاول يحضنها
راما انت بتعمل ايه؟
ادم مش بعمل حاجه، عادى
راما، لا يا استاذ الدكتور قال ممنوع تلمسنى للا بعد تلت شهور
بدلال همس ادم طيب وانا اعمل طول المده دى كلها؟
راما بمزاح روح لجين
غطس ادم دماغه فى حضن راما انتى عارفه ان دا مينفعش
جين متقدرش تاخد مكانك فى الحاله دى
جين آخرها تطبخ تمسح تكنس تنضف الشقه وأطلق ضحكه كبيره
مكنش يعرف ان جين بالصدفه كان واقفه ورا الباب وسمعت كل حاجه
الفصل التاسع عشر
#راما
٢٩
صمتت جين لحظه، كان على لسانها كلام كتير لكن المفاجأه اخرصتها، شعرت انه ليس وقت للعتاب، ولا ان تسأل ادم
لما لم يرد على اتصالتها السابقه
حتى همس ادم والسعاده باديه فى صوته، معلهش جين مقدرتش ارد عليكى الفتره إلى فاتت كنت مضغوط جدا وراما على طول تعبانه لدرجة انها مكنتش بتروح الحمام غير بمساعدتى.
وكادت جين ان تنطق، طيب وانا؟ مليش حق عليكى
ازاى تسبنى بالطريقه ومتفكرش تسأل عنى؟
انا كنت بموت لكن جين اعتادت ان تكون وحيده، تعودت ان تتحمل الألم بمفردها
اخيرا قالت جين.... مبارك لك ادم
هتيجى امتى؟ صرخ ادم انا فرحان اووى يا جين عنوان المستشفى............
انهت جين الاتصال ورمت التليفون جنبها، مفيش فايده همست وهى بتنهض تاخد شور
ادم مبقاش لى
كيف ينتهى حب سنين دفعه واحده؟ وكيف يستطيع انسان ان يكذب عندما يقول احبك وسأظل طوال عمرى احبك؟
على المرء الا يبرم اتفاق بالحب ابدا حتى فى الجحيم طالما انه لن يفى بوعده
تذكرت جين الماضى الذى راح يعصف بعقلها عندما كان ادم معها
أطل الماضى بوجهه القبيح، همسات، ابتسامات، قبلات وعود زائفة
خرجت جين من تحت الماء الساخن، قطراته تتساقط على أرضية الحمام، لكنها لم تشعر بالدفء. كان البرد قادمًا من الداخل، حيث تتجمد المشاعر وتتشابك الذكريات كعاصفة لا تهدأ.
جلست على طرف السرير، أناملها ما زالت ترتجف، ليس من البرد، ولكن من إدراكها القاسي: لم يعد هناك "نحن". لم يعد هناك "أنا وأنت".
آدم ذهب.
ذهب حتى دون أن يلتفت وراءه، دون أن يتساءل كيف مرت الأيام عليها، كيف كانت تسند جسدها الهزيل على الجدران لتصل إلى المطبخ، كيف كانت تغمض عينيها وتقاوم الدموع التي لم يعد هناك من يجففها.
والآن؟
عاد فقط ليشاركها سعادته، سعادته هو، وكأنها لم تكن يومًا جزءًا من حياته، وكأن الألم الذي تركه خلفه لم يكن يستحق حتى لحظة اهتمام.
نظرت إلى المرآة، حدقت في عينيها، كأنها تحاول التعرف على تلك المرأة التي تحدق بها.
هذه ليست جين التي عرفتها.
هذه ليست المرأة التي حلمت أن تكونها.
هذه امرأة خدعها الحب، مزقها الغياب، ثم علمها الألم كيف تقف وحدها.
ببطء، مدت يدها إلى بطنها، حيث كان السر مدفونًا. السر الذي لم يعرفه آدم، السر الذي قد يغير كل شيء... أو ربما لا يغير شيئًا على الإطلاق.
هل تخبره؟
هل يهم إن عرف؟
هل يستحق أن يعرف؟
ابتلعت غصة في حلقها ونهضت، ارتدت ملابسها بعناية، كأنها تغلف نفسها بدرع يحميها من الانكسار مجددًا.
آدم اختار طريقه.
وهي، لأول مرة منذ فترة طويلة ربما عليها ان تختار طريقها.
جلست جين في زاوية الغرفة، يديها متشابكتان فوق ركبتيها، تنظر إلى الفراغ بعينين خاليتين من الحياة.
كانت مستعدة أن تمنحه كل شيء.
حتى حياتها.
حتى أنفاسها الأخيرة.
لو طلب منها أن تحمل طفله، لوافقت، رغم أنها تعرف أن قلبها قد لا يتحمل، رغم أن الأطباء لم يمنحوها أي ضمانات.
لكن آدم لم يسأل.
لم يكلف نفسه عناء البحث عنها عندما اختفت، لم يهتم إن كانت بخير أو تحتضر وحيدة في غرفة باردة.
والآن؟ الآن يعود ليخبرها عن سعادته، عن راما التي تحتاج مساعدته، عن حياته التي استمرت بدونها كأنها لم تكن موجودة قط.
كأنها لم تكن يومًا حبيبته.
كأنها لم تكن مستعدة للموت من أجله.
أحست بأن شيئًا بداخلها تحطم بصمت، شيئًا لم يكن صاخبًا لكنه كان نهائيًا.
لم تعد تفكر في أن تهبه طفلًا.
لم تعد تفكر حتى في أن تخبره بالحقيقة.
لم تعد تريده أن يعرف.
لأنه لو عرف، ربما لن يفرح، ربما لن يهتم، ربما لن يلتفت إليها كما لم يلتفت عندما كانت على حافة الموت.
والآن، لم يعد هناك شيء ليُقتل بداخلها.
للحظه كانت تعرف عن ذلك القلب الضعيف الذى ينبض داخلها بوهن مستعد ان يمنح السعاده إلى غيره حتى على حساب نفسه
لكن ادم قبلها بمرضها، قبلها وهو يعرف انها لا تنجب وقلبها لا يسمح لها بالحمل، لقد كان شخص جيد عندما تعرفت عليه وعندما عاشت معه سنينها الأولى
ولا يمكنها ان تلقى على تهمة اهمالها فقد كانت هى التى زرعت نبتتة عذابها بيدها
كاد الصداع ان يفتك برأس جين، صراع بين الحب والكرامه
لكنه يستحق التهنائه، على كل حال
غيرت جين ملابسها وقصدت المشفى، دلفت داخل غرفة الولاده، احتضنها ادم فجأه
كانت السعاده باديه على وجهه
انظرى جين هذا طفلى
ثم صمت لحظه وطفلك أيضآ يا جين، الان يمكنك أن تعيشى المشاعر التى كنتى تحلمى بها
صوبت راما نظره مقيته على جين وهمست محدش هيربى ابنى غيرى
وعندما اقترب ادم ليسمح لجين ان تحمل الطفل اعترضت
راما تحججت ان الطفل يحتاج الرضاعه
مبروك ادم، همست جين، انا سعيده من أجلك
تحقق حلمك اخيرا
ثم جلست على المقعد تابعت ادم وهو يداعب طفله وزوجته
لقد نسيها تمامآ وكأنها غير موجوده
على بعض البشر ان يبقون على الهامش يتأملون سعادة الأخرين
لقد كنت كذلك ردح من الزمن حتى أدركت ان لدى سعادتى الخاصه
واننى لست بحاجه للنظر لما فى يد الغير لأنه لا يناسبنى لأنه لن يكون لى
تابعت جين الطفل الصغير، وجه الجميل عيونه
لطالما تمنت ان تحمل طفل، تابعت أيضآ نظرات راما الساخره
طفل جميل همست جين بشرود، يشبهك يا ادم، أدارت راما وجه الطفل للناحيه بعيد عن جين
ثم بدأت تتألم بدلال، الجرح يا ادم يؤلمنى، اه هناك وجع هنا
وهنا