رواية أنين القلوب الفصل الاول1 بقلم داليا السيد


 رواية انين القلوب الفصل الاول1 بقلم داليا السيد 

رواية: أنين القلوب

ليست المرة الأولى التي أريد أن أكتب ولا أجد ما أكتب ومع ذلك أريد أن أكتب، لقد كتبت هذه الكلمات بالأمس واليوم استجاب عقلي لقلبي وأوحى إليه بالكلمات فأضحى اليوم يكتب بسعادة 


الفصل الأول 

تضحية 

تحرك عم صبري مسرعا ليفتح باب السيارة إلى سيده كاظم بيه وتقدم كاظم رجل الأعمال الذي بلغ من العمر أرذله إلى السيارة في خطوات بطيئة وخلفه الحارس الشخصي له فأعداؤه كثيرين لنجاحه في مجال رجال الأعمال لما يقدمه من تسهيلات إلى تجار القطاعي وتخفيض الأسعار ومساعدة الشباب الطموحة ورغم أنه تقريبا اعتزل العمل وسلم كل شيء لابنه إلا أنه كان من وقت للآخر يأتي ويتابع من بعيد 

كل ذلك بنى حوله منافسين وأعداء ومن كثرة محاولات الاعتداء عليه أصر ابنه الأكبر جاسر أن يتبعه حارس شخصي وها هو يتبعه ولكن في تلك اللحظة عم صبري هو الذي لمح ذلك المسدس المصوب إلى ولي نعمته وتحرك عم صبري دون أي تفكير ليقف أمام كاظم ليتلقى الرصاصة بصدره ويسقط دون أن يتحرك مضرجا في الدماء وتحرك الحارس الشخصي تجاه من صوب وأطلق عليه الرصاص ولكنه لم يصيبه ولم ينتبه إلى تلك الطلقة التي أتت من الاتجاه الآخر لتصيب كاظم في ظهره فيسقط هو الآخر ويتحول الحارس إليه ولكن كلا الرجلان الملثمين كانا قد أسرعا بالهرب ولم يلحق بهما الحارس فعاد إلى الرجلين المصابين وسط صراخ الناس المحيطة وأسرع يتصل بالإسعاف ثم جاسر.. 

عادت چولي من الكلية بعد أن حصلت على وثيقة شهادتها فلقد تخرجت في كلية التمريض ولم يسمح لها والدها بأن تعمل رغم أنها كانت متفوقة ولكنه لم يقبل أن يرى ابنته تعمل ثم أن عمله كان يكفيهم ليعيشوا دون دخل آخر فكاظم بيه كان يبذخ عليه بالعطاء وكان أيضا يحب جولي جدا لتربيتها الجميلة وأخلاقها الحميدة، حيث عكف صبري على تربية ابنته التي يحبها لدرجة كبيرة، ابنته الوحيدة مما جعله يدللها كثيرا ولكن رباها أفضل تربية على الدين وأخلاق الإسلام وعلمها كل شيء ولكنه لم يتركها لتخوض الحياة بنفسها فكانت وحيدة ليس لها أصدقاء ولا أقارب فقد كانت تكتفي بوالدها هو فقط كل حياتها وكذلك كاظم وابنته لي لي التي كانت صديقة حميمة لها.. 

أسرعت تعد الغداء لوالدها فهي تعلم أنه لا يتناوله إلا معها منذ ماتت والدتها وعاش لها رباها وكبرها تحبه حبا لا مثيل له وليس لها أحد سواه لا تعرف أحد ولا تختلط بأحد حتى الجيران تعرفهم ويعرفوها ولكن من بعيد ما عدا الحاجة هدى هي التي كانت تراعيها في غياب والدها وما أن ماتت المرأة حتى عرفت طعم الوحدة في غياب والدها.. 

سمعت صوت الموبايل يرن في غرفتها، تركت ما كانت تفعل بالمطبخ وأسرعت لغرفتها ورأت رقم غريب، أجابت "الو" 

جاءها صوت رجل هادئ "آنسة چولي؟" 

ردت "نعم من حضرتك؟" 

أجاب الرجل "أنا جاسر المنياوي ابن كاظم المنياوي" 

قالت دون تفكير "آسفة بابا ليس هنا مع السلامة" 

ولكنه استوقفها بضيق "هل تنتظري قليلا؟ أنا لا أسأل عنه بل هو هنا بالمشفى فقد تعب قليلا و.." 

انقبض قلبها فقاطعته بخوف "مشفى؟ أي مشفى؟ ولماذا؟ ما الذي أصابه؟ أرجوك تحدث" 

قال بضيق واضح "هل تصمتين قليلا حتى أتحدث؟ نحن بمشفى.. تعالي الآن" 

وأغلق الهاتف فنظرت له ثم لم تتردد وارتدت ملابسها وانطلقت بكل قوتها إلى المشفى.. 

وصل جاسر إلى المشفى بأسرع ما أمكنه وهناك قابل الشرطة التي تولى أمرها علي مدير أعمال كاظم، اتجه جاسر إلى الطبيب الذي التفت إليه وقال باحترام فجاسر هو صاحب أكبر شركات لتصنيع وتوريد الأدوية وكذلك الأجهزة الطبية وهذا المشفى أحد الأماكن التي تتعامل مع شركاته 

قال جاسر "أين أبي؟ ماذا أصابه؟" 

قال الطبيب وهو يتأمل ذلك الشاب الذي كان في وسط الثلاثينات وربما أوائلها بشعره الأسود كالليل وعيونه السوداء التي تحدق بالطبيب في قلق وقوامه الفارع المعروف عنه لأنه من ممارسي الرياضة وبشرته البيضاء التي ظهر الاهتمام بها وملابسه الأنيقة  وأخيرا قال الطبيب 

"الرصاصة أصابت العمود الفقري وأخشى أن يكون أثرها أكبر مما نتوقع" 

ضاقت عيون جاسر، لم يعتاد أن يعبر عن مشاعره سواء بالحب أو الكره لأحد هكذا اعتاد وهكذا سيظل، قال "لا أفهم" 

تراجع الطبيب وكأنه يستعد لإلقاء مفاجأة ثم قال "أقصد.. أعني.. الإصابة ستؤدي إلى، إلى الشلل" 

لحظه قصيرة قبل أن يقبض جاسر على ملابس الطبيب فجأة ويدفعه إلى الخلف حيث اصطدم جسد الطبيب بالحائط وعيناه تنبض بالشرر وقال بصوت تخلله الغضب مختلط بالتهديد 

"أنت أكيد مجنون، كاظم بيه لا يمكن أن يكون مشلولا أبدا هل تفهم؟ لا يمكن" 

ملاء الخوف عيون الطبيب الذي أسرع يمسك يدي جاسر ليبعدها عنه ويقول برجاء "يا فندم ليس بيدي، الرصاصة أصابت أجزاء حساسة و" 

قاطعه جاسر بنفس الغضب "أين مديرك؟ أنا لن أتحدث معك" 

بالطبع كان الكثيرين قد التفوا من حوله وفي لحظة كان مدير المشفى يقف أمام جاسر وينطق بنفس الكلمات بعد أن حضر دكتور آخر وصدق على نفس الكلام.. 

نظر جاسر لمدير المشفى ومرر يده بشعره ثم التفت وضرب يده بالحائط وقال "اللعنة"

حاول أن يهدأ وهو يعود للمدير ويقول "وماذا إذا سافرت به للخارج؟" 

انفض الجميع من حولهم وقال المدير ومعه الطبيب "ربما ولكن ليس الآن، ليس قبل اسبوع وبعد أن نرسل التقارير إلى المشفى التي ستحددها حضرتك وننتظر ردهم ولكن أنا أعلم أنه ليس هناك ما يمكن أن يفعلوه أكثر مما نفعل فالأمر واحد والأمل ضعيف وربما مستحيل" 

هز رأسه دون أن ينظر إليه وقد أدرك أن الأمر أصبح واقع مؤلم ولكن لابد من تقبله ثم تذكر عم صبري فقال "وعم صبري السائق؟" 

تردد المدير فالتفت جاسر إليه وقال "ماذا!؟ ماذا أصابه؟" 

قال الرجل "لقد وصل فاقد للحياة فلم نملك أي شيء تجاهه أنا آسف" 

أغمض عيونه فهو يعلم أن والده كان يحبه جدا ولم يستبدله منذ أن كان هو طفلا صحيح، لم يعرفه كثيرا فلقد أمضى بالخارج أكثر مما عاش هنا فهكذا أراد له والده أن يتعلم هناك ويُنشأ عمل له أيضا هناك بلندن صحيح أنه كان يأتي لمصر ولكن كلها زيارات لا تزيد عن شهور قليلة ولكن مؤخرا عاد لمصر برغبة من والده هو شخصيا ورغم معارضته إلا أنه رضخ له ولكن دون رغبة منه وسلمه والده كل شيء ولكن رغم ذلك لم يترك شركاته بالخارج فهي التي صنعت منه جاسر المنياوي و.. 

عاد للواقع من صوت المدير الذي قال "آسف يا فندم ولكن هو قدره  هل نبلغ أهله أو.." 

نظر إليه  جاسر فتوقف الرجل فأجاب جاسر "لا أعلم سأرى ثم أبلغك" 

هز رأسه وقال "حسنا اسمح لي" 

ولكن جاسر استوقفه وقال "أريد أن أرى بابا" 

هز الطبيب رأسه نفيا وقال "ليس الآن عندما تسمح حالته سنبلغ حضرتك" ثم استأذنه وانصرف 

سمع صوت علي يقول "أنا أكره هذه التحقيقات وهذا الضابط حسام فهو لا يمل" 

نظر جاسر إليه وقال "عم صبري له أي أقارب؟" 

هز علي رأسه وقال "نعم ابنته چولي لماذا؟" 

رد جاسر بتعب غريب "أريد رقم هاتفها، عم صبري ضحى بحياته من أجل بابا" 

تراجع علي وقال "هل تعني أنه مات؟ عم صبري مات!؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، الرجل الطيب الصالح وابنته، يا الله! ليس لها سواه" 

قال بضيق "علي الرقم، لن أنتظر اليوم كله" أعطاه علي رقم هاتفها فاتصل بها 

####

عندما دخلت المشفى بكل ما أوتيت من قوة وخوف قابلت موظف الاستقبال وقالت بلهفة "من فضلك، الحاج صبري عبد الله، لقد عرفت أنه أصيب وهو هنا" 

جاءها صوت من خلفها "من أنتِ؟ ولماذا تسألين عن عم صبري؟" 

التفتت ورأت رجلا في الثلاثينات بعيون بنية وشعر ناعم بنفس اللون، قالت بلهفة "أنا ابنته، ولكن من أنت؟" 

قال الرجل وهو يمسكها من ذراعها ويقودها إلى أحد المقاعد "دعينا نجلس أولا" 

ولكنها نفضت ذراعها وقالت "من فضلك اتركني، من أنت؟ وأين والدي" 

نظر إلى عيونها العسلية الواسعة ورموشها الطويلة، فمها المرسوم بدقه بشفاها الرقيقة والجميلة، بشرتها البيضاء الناعمة، وجهها المستدير ويحيطه طرحة بنية تعكس لون عيونها الجميلة وقال 

"أنا الرائد حسام المسؤول عن حادث والدك وأنا الذي أتولى التحقيق" 

قالت بدون تراجع "أين بابا؟ أريد أن أراه، أريد أن أعرف ما الذي أصابه؟" 

لم يكمل حيث سمعت صوت علي مدير أعمال كاظم وهو يتجه إليها ويقول "چولي حبيبتي هل أنتِ بخير؟ البقاء لله أنا لا أعرف ماذا أقول؟ والدك كان رجل شجاع ومؤمن رحمه الله" 

انطلقت الكلمات كالخنجر إلى قلبها فتراجعت من الصدمة وصرخت "بابا!؟ بابا مات؟ لا، لا بابا لم يمت، بابا لم يتركني" 

اندفعت تجاه علي وقبضت على ذراعيه والدموع تنهار من عيونها وهي تصرخ "أنت تكذب علب أليس كذلك؟ باب وعدني ألا يتركني، هو يعلم أن لا أحد لي سواه، كيف؟ بابا لا.." 

وفجأة دارت الدنيا بها ولم تشعر بنفسها وهي تسقط دون أي مقدمات 

تابعها جاسر من قرب وقد جذبته عيونها العسلية ولهجتها العفوية ورآها وهي تنهار وكما لو أنه توقع سقوطها فقد كان أسرعهم في التقاطها، حملها وتحرك به وقد أسرعت الممرضات إليه يقودونه إلى غرفة الطوارئ.. 

وضعها على الفراش وما أن التف حتى كان الطبيب خلفه وحسام وعلي ولكن الطبيب طلب منهم جميعا الخروج فخرجوا وهم يشعرون بالأسى عليها

يتبع 

                  الفصل الثاني من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>