
رواية ذاكرة مستاجرة الفصل الرابع4 بقلم فهد محمود
الهواء في الغرفة أصبح ثقيلًا، وكأن الأكسجين تلاشى مع كلمات فارس الأخيرة. كانت أنفاس ريم تتلاحق، وعقلها يدور بسرعة جنونية.
الحقيقة؟
هل كان يعلم شيئًا؟ أم أنه فقط يختبرها؟
ضغطت أصابعها على الهاتف بقوة وهي تحاول السيطرة على ارتعاش صوتها.
ريم (بحزم رغم اضطرابها): "فارس، لا توجد أي حقيقة مخفية. أنت تعرف كل شيء."
فارس (ببرود قاتل): "لا، أعرف ما أردتِ لي أن أعرفه فقط… لكنني لم أعد ذلك الرجل الذي يصدق كل ما يُقال له، ريم. أخبريني… لماذا رحلتِ في تلك الليلة؟"
بلعت ريقها بصعوبة، لكنها تماسكت سريعًا. لن تمنحه الفرصة لسحبها إلى لعبته.
ريم (بحدة): "أنا لا أدين لكَ بأي تفسير، انتهى الأمر منذ سنوات!"
ضحكة خافتة خرجت منه، لكنها كانت تحمل شيئًا مريبًا، كأنها نذير خطر يقترب.
فارس: "هل تعلمين ما هو الشيء الأكثر إزعاجًا في هذا كله؟ أنكِ تظنين أنني أتحدث معكِ فقط لأسترجع حبًا قديمًا."
عبست ريم، لكنها لم تجب. تابع صوته بنبرة أكثر هدوءًا، لكنها كانت أشبه بفخّ قاتل:
فارس: "ريم… هذا ليس مجرد ماضٍ شخصي، هذه قضية. وأنا سأصل إلى الحقيقة، سواء كنتِ معي… أو ضدي."
قطبت حاجبيها فورًا. قضية؟ عن ماذا يتحدث؟
ريم (بارتياب): "ماذا تقصد؟ أي قضية؟"
صمت للحظة، ثم جاء صوته أخفض… وأكثر خطورة.
فارس: "أنتِ ذكية، ريم. فكري جيدًا… تلك الليلة، المطر، الاختفاء المفاجئ، الرسالة الغامضة التي تركتها لي… هل تعتقدين أنني لم أبحث؟ لم أحاول أن أفهم؟"
ارتجفت يدها لا إراديًا، لكن ملامحها ظلت جامدة. لم تتوقع أنه… لا يزال يبحث.
ريم (بجفاف): "لا معنى لما تقوله. أنا رحلت لأنني أردت ذلك."
فارس (بسخرية): "هل حقًا؟ أم أنكِ كنتِ تهربين من شيء أكبر؟ شيء خطير… شيء جعلكِ تختفين بتلك الطريقة المفاجئة؟"
صمتت ريم، لكن عقلها كان يصرخ. هل من الممكن أنه… اقترب من الحقيقة؟
سمعت صوته يزداد حدة، كأنه يختبرها للمرة الأخيرة.
فارس: "قولي لي، ريم… أين اختفيتِ في تلك الليلة؟ ولماذا لم تتركي أي أثر خلفكِ؟"
لم تستطع الإجابة فورًا. كان قلبها ينبض بجنون، لكن قبل أن تجد كذبة مناسبة، سمعته يقول شيئًا جعل الدم يتجمد في عروقها.
فارس: "لقد وجدت الشخص الذي كان معكِ تلك الليلة."
شهقت ريم لا إراديًا، وعيناها توسعتا في صدمة.
ريم (بهمس مرتجف): "هذا… غير ممكن."
لكن فارس لم يترك لها أي فرصة لاستيعاب الصدمة، بل أكمل بصوت صارم:
فارس: "غدًا، سأقابله… وسأعرف كل شيء. لذا أمامكِ خياران، إما أن تخبريني بالحقيقة الآن، أو أن أكتشفها بنفسي."
انقطعت أنفاسها للحظة، وشعرت وكأن الجدران تضيق حولها.
لقد انتهى وقت الهروب… الماضي عاد ليحاصرها من جديد.
ضربات قلب ريم كانت تهدر في صدرها كطبول حرب، وكأن فارس أيقظ شبحًا دفنته منذ سنوات. كيف… كيف وجد الشخص الذي كان معها تلك الليلة؟ هذا مستحيل!
حاولت أن تستعيد سيطرتها على نفسها، لكن عقلها كان يعيد تكرار كلماته كصفعة لا تنتهي.
ريم (بصوت مختنق): "أنت تكذب… لا يمكنك أن تجده."
ضحكة باردة صدرت منه، لكنها لم تكن تحمل أي سخرية… بل شيئًا أكثر خطورة.
فارس: "هل أنا كذلك؟ إذن، أخبريني يا ريم… لماذا شحبتِ عندما سمعتِ كلماتي؟"
قبضت على هاتفها بقوة حتى شعرت أن عظامها ستتكسر.
ريم (بحزم): "لأنك تحاول التلاعب بي، فارس. انتهى الأمر، ماضيك وماضيَّ أصبحا في مقبرتين مختلفتين."
فارس (بهدوء مخيف): "لو كان كذلك، لما كنتِ متوترة الآن."
كانت على وشك الرد، لكن صوت طرق مفاجئ على باب شقتها جعلها تنتفض في مكانها. نظرت إلى الباب بعينين متسعتين، ثم إلى الهاتف في يدها.
فارس (بهدوء قاسٍ): "افتحي الباب، ريم."
حبست أنفاسها. هل يعقل أن…؟!
ريم (بصوت منخفض مرتجف): "أنت لست… لا يمكن أن تكون هنا."
فارس (بثقة): "افتحي الباب، وستعرفين."
ظلت مكانها للحظة، عقلها يصرخ بالرفض، لكن فضولها الممزوج بالخوف جعل قدميها تتحركان رغمًا عنها. تقدمت ببطء، وضعت يدها على مقبض الباب، وتوقفت للحظة قبل أن تفتحه.
وبمجرد أن فعلت، تجمدت.
فارس الجارحي كان يقف أمامها، شخصيًا.
لم يكن مجرد صوت عبر الهاتف، لم يكن مجرد ظل من الماضي… كان واقفًا هناك، بنظراته الحادة التي تتسلل إلى أعماقها كما اعتاد دائمًا. كان يرتدي معطفًا داكنًا، ونظرة العزم في عينيه جعلتها تشعر وكأنها أصبحت فريسته التي حاصرها أخيرًا.
فارس (بهدوء قاتل): "هل ستدعينني أدخل… أم أنكِ خائفة مما سأقوله حينما نجلس وجهًا لوجه؟"
ارتبكت، لكنها سرعان ما استعادت أعصابها. رفعت ذقنها بتحدٍ رغم اضطرابها.
ريم (بجفاف): "لمَ قد أخاف منك؟"
فارس (بنظرة غامضة): "لأنني أعلم أنكِ كذبتِ عليّ طوال هذه السنوات."
لم تمنحه أي رد، فقط وقفت مكانها، تحدق فيه وكأنها تحاول أن تحل لغزه قبل أن يحلّ لغزها.
لكن فارس لم يكن هنا ليعطيها وقتًا. تقدم خطوة واحدة، ثم همس بصوت منخفض، جعل أنفاسها تتوقف للحظة.
فارس: "أتعلمين ما الأكثر إزعاجًا في هذه القصة، ريم؟ أنني لم آتِ وحدي."
وقبل أن تفهم معنى كلماته، سمعت صوت خطوات أخرى خلفه، لتظهر شخصية لم تكن تتخيل رؤيتها مجددًا…
الشخص الذي حاولت دفنه مع ماضيها