
رواية بك احيا الفصل الخامس والعشرون25 والسادس والعشرون26 بقلم ناهد خالد
"مابين الوقعة والنجدة لحظة تكن هي الفاصلة"
ابتلع ريقه بهدوء قبل أن يلتف لها بحاجبان مقطبان وهو يهتف بجدية زائفة:
_ مين مراد؟ كان معاه؟
للتو عاد تنفسها اليها، للتو استطاعت ان تأخذ انفاسها الذاهبة، زفرت نفسها بهدوء قبل أن تجيبه:
_ لا مش حد، انا بس اتلخبطت كان قصدي اناديلك.
ابتسم لها باصطناع قبل ان يحرك رأسه بلا معنى، ويلتف ذاهبًا.
وعلى باب المطعم توقف حين استمع لصوت طارق من خلفه ينادي عليه، فالتف له بملامحه التي عاد الغضب اليها الان ليحتل كل انش بها، ابتلع "طارق" ريقه بتوتر من ملامحه التي لا توحي بالخير ابدًا، واقترب منه حتى اصبح امامه فاردف بهدوء:
_ رايح فين بس يا باشا، مش كفايه اللي حضرتك عملته امبارح، احنا مش عايزين شوشرة اكتر من كده.
ابتسام ابتسامة صفراء وهو يجيب باقتضاب:
_ لا ما هو اللي انا عملته امبارح كان قبل ما اعرف اللي هو عمله بالضبط، ده له حساب وده له حساب ث
تاني،وانت عارف ما بحبش ابيت حساب حد عندي.
حاول طارق كبح انفعاله وهو يردف بضيق خفي:
_ هتعمل له ايه تاني؟ ما انت كسرت رجله وشوهت معالم وشه، في ناقص حاجه ما عملتهاش ولا ناوي تقتله المره دي يا باشا.
جعد "مراد" ملامحه باشمئزاز وهو ينظر ل"طارق" بجانب عينيهِ مردداً باستهزاء:
_ انا بحس ان بعد كل الكلام الي بتقوله في الأول ونبرتك دي، ماينفعش بعد كده ترجع تقول يا باشا.. يعني انت اللي باشا.
تنحنح طارق بحرج مردداً:
_ العفو يا باشا اكيد ما اقصدش، بس انا خايف على سعادتك، مش حابب نعمل شوشره هنا كمان والعين تبقى علينا وخصوصًا انك مش حابب تظهر شخصيتك الحقيقيه.
_ طارق اي كلام هتقوله وفره، عشان مامنوش فايده انا قلت هيتأدب يبقى هيتأدب.
حاول "طارق" الحديث مرة أخرى، لكن نظرة واحده من "مراد" كانت كافية لتجعله يصمت تمامًا، وتركه يذهب فما باليد حيلة وكان الله في عون ذلك الوحش!
___________________
دلفت للمطعم وهي تغمغم بكلمات غير مفهومة فاوقفتها خديجه وهي تسألها باستغراب:
_ مالك يا رنا؟ داخله بتبرطمي ليه؟ وشكلك متضايقه في حاجه حصلت في الطريق؟
اجابتها رنا بغيظ كان كافيًا لحرق ما حولها وهي تقول:
_ لا مش في الطريق ام 44 اللي انا ساكنه قصادها دي مش هترتاح غير لما اخنقها واخلص منها، الوليه دي ما بتتهدش كل يوم نتخانق، وكل يوم اسمعها كلام زي السم في جنابها، انها تتهد وتبعد عني ابداً وكأن جتتها نحست، خلاص بقى كيف عندها انها تتهزق مني كل يوم الصبح بتفور دم بنت ال****.
هزت خديجه رأسها بياس على مشاجره رنا وجارتها التي لا تنفك عن حشر انفها في حياه الاولى لتخبرها بمواساه:
_ معلش يا رنا، هدي نفسك شويه ووسعي خلقك، انتِ كده ممكن بجد في خناقه تعملي فيها حاجه وتجيبي لنفسك مصيبه، يا ستي اعتبري نفسك مش سامعاها وخليها تقول اللي تقوله يمكن لما تلاقيكي متجاهلاها تتهد شويه وتبعد عنك.
اجابتها رنا بضيق:
_ غصب عني انت ما بتسمعيش كلامها يا خديجه، بجد مستفزه بتقعد تخبط بالكلام وتحسسني زي ما اكون فتاة ليل عايشه معاها في العماره، حاطه نقرها من نقري، في الطلعه والنزله أي حد داخل عندي، حد طالع من عندي بتشوفني حتى لو داخله لوحدي من غير اي سبب تلقح بالكلام وانا اعصابي ما بتتحملش يا ستي.
اقتربت منها خديجه وهي تربط على ظهرها برفق:
_ معلش يا رنا معلش حاول تتحملي وتهدي نفسك، ولو عرفتي تنقلي انقلي يبقى احسن واهو تبعدي عنها.
نظرت لها بحزن حقيقي وهي تخبرها بابتسامه متألمه :
_الفكره مش في النقلان يا خديجه، والفكره مش بس في جارتي دي، اي مكان هروحه مجرد ما يعرفوا ان انا مطلقه وعايشه لوحدي هتلاقي واحد واثنين وعشره بيجيبوا في سيرتي، في الطلعه والنازله هتلاقي ده بيبص بصة مش ماتعجبنيش وده بيلقح بكلمه ماحبهاش، لو فضلت اهرب من كل مكان اروحه عشان حاجه قابلتني، يبقي مش هلاقي مكان اقعد فيه.
طالعتها "خديجه" بنظرتها الحزينه هي الاخرى وهي تسألها بتعجب مستنكره:
_ للدرجادي ؟!
تنهدت "رنا" بثقل وهي تجيبها:
_ اه للدرجادي، ما تعرفيش انتِ نظرة المجتمع للست المطلقه، والأحسن ليكِ ماتعرفيهاش، يلا خلينا نبدأ شغلنا، هروح اغير هدومي.
تابعتها خديجه بنظراتها، وهي حقًا حزينه على حال تلك الفتاة التي ظنت عندما راتها للوهله الاولى أن حياتها خاليه من أي مشاكل قد تقابلنا كبشر، لتتبين فيما بعد انها ليست بافضل حال منها!!
________________
وهل ذهابه له بمفرده يعد جرأه ام تهور؟!
في بداية الامر يبدو وكأنه يحمل كلا الاحتمالين، ولكن الحقيقه انه جرأه لمن يدرك مقدار قوته، وتهور لمن يشك بهذا.
ولأن "مراد"يدرك جيدًا ما هو قادر على فعله، فلم يكن ذهابه للوحش كما يُلقب، تهور ليس محسوبًا بل هي جرأه محسوبه، ولتأكيد الأمر فما يحدث الان خير دليل انه لا يندرج تحت بند التهور!
لولا تلك القماشه التي حُشرت عنوه في فمه، لاستمعت الحاره باكملها لصوت صراخه الان ولكن الفضل يعود للقابع فوقه! ليس باكمله ولكن بقدمه التي يضغط بها على ظهر الاول بقوه كادت تمنعه من التنفس، ويفعل بهِ الافاعيل..!!
وبعد عن انتهى من فقره التعذيب التي اعدها للقابع ارضًا، انحنى نصف انحنائه وهو يهمس لذلك الذي يتلوى المًا، بملامح قاسيه تدب الذعر في قلب كل من يراها:
_امبارح انا كسرتلك رجلك وعملت الصح في وشك، ما كنتش اعرف لسه اللي انت عملته معاها، اللي حصل لك بقى دلوقتي حسابك على كل اللي انت عملته امبارح، وصدقني لو بس لمحت ضلها وما ممشيتش من الشارع التاني، المره الجايه هاخد روحك وانا ما بهددش انا بعمل.. ونصيحه أخيرة مني، بلاش تتعامل معايا، انتَ ما تعرفنيش.. ويوم ما هعرفك بيا اعرف انها هتبقى آخر دقيقه في عمرك.
انها حديثه والتف خارجًا من المنزل بكل هدوء، كأنه لم يفعل شيء تاركًا خلفه جثه على قيد الحياه...!!!
_____________
اواخر يناير لعام ٢٠١٩..
اسبوعان آخران مروا....
وإن كنت تريد التعرف على ما حدث فيهما لدى ابطالنا فلنبدأ اولاً ب...
"مراد وخديجه"...
ما زالت العلاقه بينهما كما هي لم يحدث فيها تطورًا، ولكن مع مرور الأيام يزداد الشك بداخل خديجه ولا تعرف لِمَ احيانًا تتساءل عن السبب الحقيقي وراء شكها.. لكنها لا تدري تشعر وكأنه هناك شيء خفي بداخلها يهمس لها بأن الواقف امامها ليس سوى شخصًا من الماضي، شخصًا تعرفه جيدًا وتدعو الله ألا يكون هو...
وعن "مراد" فقد نجح في اخفاء ما فعله في ذلك الوحش، وحين سألته خديجه حين عاد يومها عن أين ذهب؟ اخبرها بكل هدوء وثقه انه كان لديه عمل ما تذكره فذهب ليقضيه، وقتها لم تقتنع باجابته لكنها حين لم تسمع فيما بعد شيئًا يخص ذلك الرجل ولم يتعرض لها شعرت بصدق حديثه، او ربما قررت تجاوز الامر فعل أي حال لم يحدث ما يثير شكوكها.
حدثها "باهر" منذ أيام عن أمر مكوث "فريال" معها بعدما اخبرها بما حدث في شقة الأخيره، ولأن خديجه لم تخبره بحالتها الماديه الحقيقيه التي تعيشها، ولم ترد ان يعرف شيئًا عن سوء وضعها تحيرت في قبول فريال للعيش معها، ولكنها بعد يومين شعرت بسخافة فعلها، فعلى أي حال لا يجب ان ترفض مكوث صديقتها معها، لذا تحدثت شخصيًا مع فريال ودعتها للقدوم والعيش معها، فاخبرتها الاخرى ان تعطيها يومان حتى ترتب اشياءها مره اخرى وتأتي اليها مع باهر، ومن المقرر ان تاتي فريال بعد الغد...
وعن "فريال" فلم تستطع منع نفسها من محادثه ابراهيم مره اخرى، رغم حزنها الشديد من طريقته في الحديث معها آخر مره وعدم اهتمامه بها ولامبالاته التي أوجعت قلبها، وعلى أي حال فهي كانت تعلم جيدًا انها إن لم تهاتفه فهو لن يفعل، لذا فلم تشاء ان تصنع فجوه بينهما، وللمرة التي لا تحسب لها عددًا تنازلت، وقررت هي محادثته، وكالعاده.. رده بارداً، غير مهتما، ومقتضبًا، وكأنه لا يريد تلك المحادثه وهي كالعاده تتجاهل..!!!
وعن "باهر وجاسمين" فقد ظهر الحساب الشخصي لها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أمام "باهر" ذات ليلة، او بمعنى أدق بحث هو عنه حتى وجده، فتصفحه ووجدها قد نشرت صوره لها من ذلك الحفل بذلك الفستان اللعين، وقد اظهر كل مفاتنها بلا استحياء، فلم يستطع منع ذاته من التعليق على تلك الصورة، ولأنه يعلم ان تعليقه لا يجب ان يراه العامه، فبعث لها على الرسائل الخاصه رساله مختصره كان مضمونها " على فكرة الفستان وحش والصورة وحشة" وتلك الرساله جلبت مشاجره كبيره بينهما تلك الليله.. استمرت لنصف ساعة تقريبًا حتى هدأت الأمور بالأخير، وقد اقتنعت جاسمين بحديثه، وأن تلك الصوره لا تبرز جمالها بل هي بالحقيقه تقلل منها وتجعل تفاصيل جسدها الخاصة متاحة للجميع كما أخبرها، وللعجب لم تعترف له بانها اقتنعت بحديثه، ولكن بعد دقائق كانت تمسح ذلك المنشور وازالت صورتها من على الحساب الخاص بها، وهو قد ارضاه ذلك بشكل او باخر فلم يهتم كونها لم تعترف بأحقيته في الحديث، فيكفي انها قد اقتنعت واخذت خطوه تثبت له اقتناعها بحديثه، ومن ذلك اليوم وتوالت الرسائل الشخصيه بينهما بمبرر وبدون مبرر، حتى بدأ يحكي لها عن مسار يومه ومشاكل عمله، وتحكي له عن صديقاتها وروتينها اليومي وما الى ذلك... ونشأت بينهما صداقه ما زالت تحبو حبوها الأول..
________________
_ محتاجه حد يفهمني ليه معظم الوقت وانا واقفه قدام زين او لما بيحصل موقف ما بينا بحس ان شايفه مراد قدامي، انا يمكن ما اعرفش مراد وما شفتوش لما كبر ولا عارفه شخصيته بقت عامله ازاي دلوقتي، بس الغريب ان انا بشوف الطفل اللي عنده 13 سنه... بشوف نظراته.. بحس بيه، رغم ان انا اصلاً في مواقف كثير قوي انا ناسياها، يا دوب اللي فاكراه ما بيني وما بين مراد اربع، خمس مواقف هي كل اللي انا فاكراهم من طفولتي معاه، ليه بشوفه في حد تاني؟ لما ناديت باسمه يومها كان جوايا يقين ان هو ده مراد، نظرته وقتها، طريقة كلامه، قربه مني، لمسته ليا، كل ده خلاني أحس انه لا مستحيل ما يكونش هو، لما وقف قلبي وقف معاه ما كنتش متخيله لو فعلاً هو وقف عشان ناديته باسمه الحقيقي وطلع هو الشخص ده كان رد فعلي هيكون ايه.. ده انا لمجرد اني تخيلت ان ممكن يكون هو حسيت اني مش قادره اخد نفسي! انا حيرانه وتايهه مش عارفه ايه اللي بيحصل حواليا؟ ومش عارفه ليه انا بحس كده!؟ عندك تفسير يا دكتور؟!
قالتها خديجه بحيره حقيقية، وهي تنظر "لكمال" طبيبها النفسي والذي وضع عويناته جانبًا ممسدًا مقدمة انفه باصبعه قبل ان يجيبها على تساؤلاتها قائلاً:
_ اولاً حابب اقول لك إنك مانسيتيش مواقفك مع مراد، انتِ اتناسيتِ يا خديجه، عقلك قصد انه ينسى كل ذكرياتك معاه، ماعدا كام موقف كده هم اللي فضلوا في ذاكرتك ما قدرتيش تنسيهم، منهم يوم موت ساره، لو بطلتِ تحملي مراد ذنب موت اختك هتلاقي نفسك بتفتكري كل ذكرياتك معاه.
_ مش عاوزه افتكر.. مش عاوزه افتكر اي حاجه بتربطني بيه، ولو اقدر انسى الكام موقف اللي لسه فاكراهم هعمل كده.
قالتها بعداء واضح ليهز كمال راسه يائسًا وهو يخبرها بثقه:
_ عرفتِ بقى انك مش ناسيه، انتِ اجبرتِ عقلك انه ينسى عشان انت مش متقبله اي موقف يجمعك بيه، زي ما قلتي.. ده مش موضوعنا دلوقتي ولا موضوعنا المهم هو زين وحكايته الأهم انتِ لسه بتشوفي ساره؟!
اومأت برأسها بضعف وهي تخبره:
_ رغم اني بقيت باخد الادويه.
_ خديجه انا ماقلتلكيش إن الدوا هو اللي هيخليكِ ماتشوفيهاش تاني، مش الدوا لوحده هو اللي هيساعدك، الأهم هو اللي انا طلبته منك قبل كده، انك تقنعي نفسك انك مالكيش ذنب في موت ساره قدرتي تعملي ده؟
هزت راسها نافيه بارهاق واجابته:
_ للاسف لأ، حاولت.. حاولت كتير بس ماقدرتش، في صوت في دماغي دايمًا بيقطع محاولاتي دي، ويقولي ان مهما عملت مش هقدر اكفر عن ذنبي في اللي عملته، مش هقدر اريح ضميري ناحيتها.
اخبرها " كمال" بجديه بحته:
_ خديجه انتِ عمرك ما هتقدري تسامحي نفسك، ولا هتعرفي تقنعي نفسك انك ملكيش ذنب غير لما تعملي حاجه الاول.
نظرت له بلهفه وهي تسأله:
_حاجة ايه؟
اخترقها بنظراته وهو يجيبها بثبات:
_ لازم الأول تقتنعي ان مراد ماكانش يقصد يقتل ساره وتسامحيه، لازم كل الحقد والغضب اللي جواكِ ناحيته يختفي، بل بالعكس وتحني لطفولتك مع اكثر شخص كان قريب منك.. مع صديقك الوحيد!
انتفضت واقفه وهي تلتقط حقيبتها وقالت ببرود، قبل ان تختفي من امامه:
_ اعتقد يا دكتور انك عارف كويس ان الي بتقوله مستحيل.. انا عندي اعيش عمري كله بشبح ساره ولا إني اسامح الشخص اللي دمر حياتي وحياه اختي، هنتظر بره عشان اقفل العياده.
_________________
اغلقت العياده وسارت في طريقها للعوده لمنزلها حتى وصلت اخيرًا مقررة اخذ حمامًا دافئًا ليزيل عنها تيبس عضلات جسدها من البرد اولاً، ومن افكارها التي ستهلكها ثانيًا..
فتحت باب الشقة وهي تعلم جيدًا أن شقيقها ليس موجودًا الان فحتمًا لم يعد بعد من دروسه، كادت ان تغلق الباب خلفها، ولكنها شهقت بفزع حين وجدت الباب يرتد ليفتح على مصرعيهِ وترى ذلك الوحش البشري امامها بمظهر لا يدل ابداً على ان القادم خيراً.
كان مظهره مثيرًا لكثير من التساؤلات، ملامح وجهه مشوهه فعليًا ما بين ندوب، وآثار لكدمات قديمه قليلاً، وما بين جرح غائر يأتي من أسفل أذنه لمنتصف وجنته، ولم يغفل عنها عرجه بسيطة في قدمه حين تقدم مغلقًا الباب خلفه، ومن صدمتها لم تصرخ على الحال بل صرخت بعد ان أغلق الباب وقد سمحت له في خلال تلك الثواني ان يقترب منها مكممًا فمها بكفه، ليمنع صوتها من الخروج، شد وجذب استمر لفتره ليست هينة بينهما لا تدري ما اراده وما نوى على فعله، لكنها تدري انه لم يرد خيرًا، ولم يرد حتى الحديث كالمرة الأخيره، او حتى تهديدها كما فعل، يبدو أن الأمر هذه المره اكبر وأعنف، استمعت لهمسه وهي تحاول التخلص من قبضته وهو يخبرها:
_ورحمة ابويا وامي، لاحسره عليكِ زي ما حسرني على رجلي ووشي، وهطلع على جتتك كل اللي هو عمله فيا، واضح انك غاليه قوي عند البيه لدرجة انه يعمل كل ده عشان بس خبطت راسك في الحيطه، تمام.. خلينا نشوف بقى هيعمل ايه لما....
قطع حديثه وهو يمرر نظراته القذره على جسدها لتتسع عيناها ذعرًا وهي تدرك مقصده، قلبها كاد أن يتوقف، وهو يكمل :
_الحقيقه كنت جاي اشوه وشك، او حتى اكسر عضمك زي ما عمل فيا، بس انا شايف انه في حاجات تانيه ممكن تتعمل وهتبقى احسن بكتير.. ما تقلقيش كده كده بعد اللي هعمله لا هو ولا الجن الازرق هيعرف مكاني، شكل البيه بتاعك ده واصل.. مش حته عيل شغال في مطعم زي ما هو واضح، ومش فارق معايا اعرف هو مين ولا حكايته ايه.. اللي فارق معايا اني اعرفه انا مين.. معلش بقى يا حلوه ان كنت جيتي في الرجلين بس هي الدنيا كده ناس بتخلص ذنب ناس.
لقد ادركت الان نيته وما نوى فعله، ولأن غريزتنا كإناث تكمن في الدفاع عن شرفنا لآخر نفس بنا هذا ما اكسبها قوه مضاعفه لتحاول الفكاك منه، وقد نجحت حين رفعت قدمها بغته تركله في اسفل بطنه ليتأوه بعنف مرتدًا للخلف، ولأنه كان يسد طريق خروجها من الشقه لم تستطع الوصول للباب، ولسوء حظها وقبل ان تاخذ اي خطوه كان يعتدل واقفًا مره اخرى متجهًا ناحيتها، فاجبرها على التراجع والدلوف لِمَ خلفها والذي لم يكن سوى المطبخ!
فركضت سريعًا اليهِ وقد شعرت حينها بانها وقعت في فخٍ احمقٍ صنعته بنفسها!
فان كانت قد ركضت الى أحد الغرف لاستطاعت بسهوله ان تصرخ بعلو صوتها من أحد النوافذ ليأتي الجيران لنجدتها، ولكن الآن فقد فقدت فرصتها في النجده بأحد فإن حدث ما حدث في ذلك المطبخ لن يسمعها احد من الخارج مهما حاولت، لذا وباقل من ثواني كانت تفكر في الحل دون تردد ولو للحظه...
وبالخارج ابتسم بشر حين رآها بحماقه تتجه لذلك المطبخ المغلق، ولقد اعطت له فرصه على طبق من ذهب، فاتجه لباب المطبخ بكل ثقة متاكداً من تحقيق غايته... خطوه والثانيه كان يتخطى بها باب المطبخ.. ليصرخ حين شعر بشيء حاد يخترق صدره ولم يكن هذا الشيء سوى سكينًا تحمله خديجة بيدها طعنته به في صدره بكل غل وحقد ودفاع عن ذاتها...
سقط هو ارضًا غارقًا بدمائه، وارتدت هي للخلف ناظره للسكين الذي بيدها وهو يقطر دمًا ينسال على طول زراعها...
بك احيا
ناهد خالد
الفصل السادس والعشرين..
"أنانيًا"
"لحظة الإدراك هي اللحظة الأخطر على عقلك، حين يبدأ في استيعاب ما غاب عنه للحظات، يكن بين الصدمة والزعر، فيسقط صريعًا بينهما، لولا عناية الله، لفقد الكثير منا عقله في تلك لحظات الإدراك العصيبة التي مرت بهِ"
وأتت لحظة الإدراك لها الآن، وهي تستوعب أنها طعنت بشرًا! طعنته في منتصف صدره دون تردد، مندفعة بتمسكها بشرفها، ارتعشت كفها الحاملة للسكين وهي تقترب منهُ في صدمة تامة مسيطرة عليها، انحنت فوقه وكل ذرة بها ترتعش متفحصة نبضه، وقد لقت ما خشته، لم تشعر بنبضة واحدة حتى، ذهب نبضه وذهب تنفسها معه، اتعشت بشدة واقعة أرضًا بجواره، ولم تستطع فعل أي شيء، لدقائق لم تحسب لها عددًا، وبالأخير اقتحم الصمت دلوفه من باب الشقة، لم تنتبه له حتى وهي تنظر للجثة القابعة أمامها بصمت مخيف.
أخبره رجله الذي كلفه بمراقبة بيتها بدلوف ذلك المخنث للبيت، وفقط مسافة وصوله من المطعم لبيتها، الأمر لم يأخذ دقيقة ربما، فقد قطع المسافة ركضًا وهي قريبة بالأساس، وقف يلتقط انفاسه الهادرة بعنف وهو لا يصدق أن تلك المدة القصيرة أحدثت كارثة كهذه، دقيقة واحدة جعلتها تقتله! إذًا لقد حاول ايذائها فور دلوفه.. ويستحق ما لاقاه على يدها.. يبدو أن فتاته الصغيرة تعلمت كيف تدافع عن ذاتها أخيرًا..!!
اقترب منها بخطوات ثابتة غير مبالية بالراقد غارقًا في دمائه، انحنى عليها يأخذ السكين من بين يدها، لتنتفض مستوعبة وجوده، نظرت له بتيه، ليخبرها بلطف:
_ متخافيش.
وهل هذه كلمة مناسبة لموقف كهذا! يخبرها ألا تخاف وهي للتو قتلت أحدًا ودمائه لم تجف على كفها بعد!
_ أنا... هو..
حاولت قول جملة مفيدة لكنها فشلت، ليقترب منها يفعل ما يشعر بهِ الآن، ألا وهو عناقها... وبمعنى أدق احتوائها، وبالفعل طوقها بين ذراعيهِ، وفي خضم تشتتها تعلقت بشدة في أحضانه وهي تشهق ببكاء اندفع فجأه خارجة عن حالتها الصامتة، شدد من احتضانها وهو يهمس في أذنها بنبرته المألوفة لها:
_ اهدي يا ديجا.
شهقت شهقة قوية شعر فيها بخروج روحه معها لينحني مقبلاً رأسها يدعمها، فاستمع لها تقول بينما تدفن رأسها في صدره، وتخرج منها الكلمات بلا وعي:
_ هو.. هو الي كان هيأذيني.. هو السبب.. انا.. انا كنت بدافع عن حقي.. كنت بدافع عن نفسي يا مراد، انتَ قولتلي مسيبش حقي صح؟
حُبست انفاسه في صدره وهو يستمع لإسمه من بين شفتيها، لأول مرة تهتف باسمه وهي تعنيه، تقصده هو بشخصه، توجه حديثها ل "مراد" وليس ل "زين"، تحتمي ب"مراد"، تذكره بما قاله لها في الماضي حين أخبرها مرارًا ألا تترك أحد يؤذيها، ألا تتنازل عن حقها، كل هذا كان أكبر من أن يستوعبه قلبه دفعة واحدة، ناهيك عن وجودها بهذا القرب، بين أحضانه، رأسها تستند على قلبه تمامًا، حاول تجميع شتات نفسه للتخلص من ذلك الذي يبدو أن روحه قد فارقت جسده، وقال لها بمهاودة:
_صح يا حبيبتي، قومي معايا يلا.
انهى جملته وقد نهض بها عن الأرضية ولكن قدميها لا تحملها حرفيًا، فانحنى هو يضع ذراعه أسفل ركبتيها ورفعها بكل سهولة حاملاً إياها وكأنها فراشة، دلف بها للغرفة التي قابلته ووضعها فوق الفراش وهي مازالت ممسكة بهِ بشدة، لا تريده أن يتركها في خضم ذعرها هذا، وبصعوبة كان يسلت نفسه منها بعدما همس لها:
_ هرجعلك، خليكِ هنا متخافيش محدش يقدر يقربلك طول مانا هنا.
وطواعيةً كانت تتركه مُفلته يدها الممسكة بقميصه، لينسحب للخارج، واغمضت هي عيناها محاولة تخطي الصدمة او على الأحرى الهرب منها...!
وبالخارج وقف أمام الجثة بابتسامة متشفية، على أي حال إن لم تفعلها هي وتقتله لكان فعلها هو، والنتيجة واحدة، بل والآن الوضع بات أفضل وسيسهل له أمورًا كثيرة فيما بعد! اقترب من المثجي أمامه وانحنى هاتفًا بغضب عاد إليه في هذه اللحظة:
_ رحمتك مني بقتلها ليك... رغم إني مش طايقك بس مانكرش إنك هتفيدني كتير.
في ظرف دقائق كان قد طلب رجله الواقف بالأسفل ليأخذ الجثه ويتصرف بها كما يجب، والآخر قام بدوره باتقان حين لفَ الجثة في أحد الأفرشة واستطاع بحنكته واعتياده على مِثل هذه الأمور أن يخرج بها من البيت دون أن يلفت الانظار، وكانت السيارة قد اصطفها أمام الباب تمامًا، وبالأعلى...
بمهارة واتقان كان قد محى أي أثر للجريمة، حتى سكين الجريمة لفه في كيس بلاستيكي محكم الغلق ووضعها في ظهره بين حزام بنطاله وجسده، ودلف لها مرة أخرى..
ابتسم باتساع وقد رأى ما توقعه، لقد هربت للنوم كعادتها، مازالت كما هي تمامًا، لم يغيرها شيء، وهذا ما جعل ابتسامته تتسع وهو يشعر أن تلك العشر سنوات التي مرت في الحقيقة لم تمر، يشعر بهذا مع كل مرة يرى فيها لمحات من طفلته المفقودة، اقترب منها جالسًا أمامها فوق الفراش يتابع ملامحها بشغف، هذا أجمل منظر قد يراه بلا مبالغة، يكفيه أن تطل عيناه عليها، ولكنه الآن يطمع في المزيد، فما المانع من عناقها! أو التمدد بجوارها! ليس هناك مانع بناءً على معتقداته، لذا وبدون تردد كان ينوي فِعل ما أراده، ولكن ما إن تحرك حتى فتحت هي عيناها بذعر منتفضة من نومتها، كأنها رأت كابوسًا، أمسكها من ذراعيها وهو يهدأها:
_ اهدي يا ديجا، مفيش حاجة خلاص.
نظرت له تستنجد بهِ بنظراتها:
_ أنا قتلته.. مراد أنا قتلت واحد صح؟ أنا ازاي عملت كده!؟
وآهٍ من "مراد" التي تنطقها بكل أريحية هكذا، تجعله يذوب حين يسمعها، رغم تأذم الموقف، امسك كفيها بين كفيهِ مرددًا بهدوء تام وكأنها لم تقتل بشرًا للتو:
_ عشان ده الصح، عشان لو مكنتيش قتلتيه كان هيأذيكِ، مش هو كان جاي يقتلك؟
نفت برأسها بقوة وهي تخبره ببكاء بدأت بهِ مرة أخرى، ومن بين شهقاتها كانت تجيبه:
_ لأ، مكانش.. جاي يقتلني..هو..هو..
لم تستطع المواصلة لكنها احتضنت نفسها بذراعيها تلقائيًا فأوشت له بما تعرضت له، طحن أسنانه حتى كاد يكسرها محاولاً كبح لجام غضبه الحارق، زفر انفاسه بتروي كطريقة منه لتهدئة ذاته، قبل أن يقول مبتسمًا:
_ شوفتي يعني كان هيأذيكِ، وأنا قولتلك قبل كده اوعي تسيبي حقك واللي يأذيكِ قيراط أأذيه ٢٤ حتى لو كان ابوكِ نفسه..
اغمضت عيناها لتنهمر دموعها بغزارة تِباعًا، فمد أصابعه يزيلها بلطف بالغ، وقال بحدة طفيفة:
_ بطلي عياط يا ديجا، قولتلك أنتِ عملتي الصح، اهدي بقى ومتندميش إنك قتلتيه.
فتحت عيناها وكادت تتحدث له لكنها توقفت وهي ترى شبحها خلفه، اتسعت عيناها وهي تسمعها تقول بنظرات متشفية وابتسامة مقيتة:
_ قتلتيه يا خديجة! بقيتِ قاتلة زيك زيه!
وهذه المرة وهي بهذه الحالة لم تستطع تجاهلها، لتنطق بوهن مدافعة عن ذاتها:
_ كنت بحمي نفسي، انا مقتلتوش من غير سبب.
ظنها تحادثه فأجاب وهو يهز رأسه بتأكيد:
_ بالضبط يا حبيبتي، ده الي لازم تقنعي عقلك بيه.
_ برافو يا خديجة بقيتِ قاتلة زيه! دلوقتي بقى تقدري تسامحيه، كده كده بقيتوا شبه بعض.
فقدت أعصابها فهاجت وهي تهتف بها بصراخ:
_ قولتِلك كنت بدافع عن نفسي، أنتِ ليه دايمًا بتشيليني الذنب.. ليه بتحمليني ذنب حاجات مليش ذنب فيها!
انتبه الآن انها لا تنظر له! هي تنظر لشيء ما خلفه، التف للخلف ولم يجد أحد، فعاد إليها ليجد انظارها مثبتة على نقطة فارغة، لم يفهم ما بها، لكنه ارجع الأمر انها لربما فقدت اعصابها مما هي فيه، فاقترب منها يحدثها بحنو وهو يجذب وجهها تجاه لتنظر له وبالفعل فعلت:
_ ديجا، انتِ أعصابك تعبانة لازم تنامي تريحي شوية، اوك؟
اومأت برأسها بضعف، لتتسطح فوق الفراش المتهالك مرة أخرى، وجذب هو فوقها الغطاء وما كاد يبتعد حتى أمسكت كفه بذعر وهي تردد برجاء ظهر واضحًا في مقلتيها:
_ متسبنيش يا مراد.
جملتها هذه التي أحيت قلبه بلا مبالغة، وهل له أن يتركها أساسًا!؟ لكن أن تطلبها هي شعور مميز للغاية كان بحاجة إليهِ، وفي الوضع الطبيعي أي شخص آخر لكان اسند حديثها الآن لحالتها الغير طبيعية، فهي لا تشعر بما تقوله او بما تفعله، وخير دليل على هذا أنها تدعوه "مراد" بتلك الاريحية! ولكنه هو الأكثر دراية بهذه الحالة، حالة الذعر والخوف تلك هي الأصدق على الإطلاق، فكل ما تتفوه بهِ الآن لا يمر على عقلها، بل يخرج من خضم مشاعرها وقلبها للسانها مباشرةً، لذا فهي الأصدق! وربما هذا ما يسعده ويؤجج مشاعره بالراحة.
جلس جوارها ممسكًا بكفها بقوة وهو يخبرها بكل ثقة:
_ عمري في حياتي ما هسيبك يا ديجا، حتى لو أنتِ الي طلبتِ ده.
أغمضت عيناها براحة وكأنها التمست آمانها المفقود..
____________________
كان يسير في طرقات المستشفى متابعًا عمله قبل أن يتوقف فجأة وهو يراها تخرج من أحد الجوانب، عقد حاجبيهِ مستغربًا وجودها هنا، وهي لم تنتبه له فكادت تكمل سيرها للخارج إلا أنها توقفت حين استمعت لصوته يناديها، التفت له بملامح جامدة، استغربها، ولكنه ابتسم ابتسامة صغيرة وقد وقف أمامها مرددًا:
_ ايه ده بتعملي ايه هنا؟
اجابته بنفس ملامحه الواجمة:
_ كنت عند مريضة بزورها.
وبغرابة كان يعقب:
_ بس مقولتليش إنك جاية؟ بعدين مريضة قريبتك؟
لم يبدو أن مزاجها جيد، فاجابته بضيق:
_ معتقدش اني ملزمة اقولك!
استغرب هجومها ليخبرها بهدوء حذِر:
_ مقولتش إنك ملزمة! بس كنا بنتكلم الصبح ومقولتيش إنك جاية كنت قابلتك.
مسدت جبينها بكفها بتعب وهي تقول:
_ سوري يا باهر انا بس مش في المود، يلا باي.
انهت جملتها ناوية الذهاب لكنه شعر بأنها ليست على ما يرام فوقف أمامها بحذر كي لا يلامسها وهو يوقفها:
_ استني بس، أنا حاسس إنك مش كويسة.. مالك يا جاسمين؟
اخفضت نظرها للأرضية وقد ادمعت عيناها بشدة ولكنها تصنعت الابتسام وهي تخبره دون ان تنظر له:
_ مفيش حاجة، بقولك ايه لو فاضي تعالى اعزمك على الغدا.
رفعه حاجبه باستنكار وهو يدرك محاولتها للهرب من الحديث، وهو لم يرد الضغط عليها، فسار مع تيار حديثها وهو يخبرها ساخرًا:
_ أنتِ الي تعزميني؟
رفعت عيناها له وقد نجحت في محو دموعها اللامعة من مقلتيها وعادت بسمتها وهي تخبره:
_ جنتل بقى وكده! خلاص يلا اعزمني أنتَ، بس مترجعش تشتكي من الحساب.
ابتسم لها براحة:
_ ياستي اطلبي براحتك، هضيع مرتب الشهر ولا يهمك، هغير بس هدومي واجيلك.. معايا ساعة بريك عشان النهاردة هاخد النبطشية ل ١٠ بليل...
_ مش المفروض بتخلص ٦ المغرب!
_ لا ما الدكتور هيتأخر النهاردة لظروف خاصه فهستمر ل١٠، دقايق وهرجعلك.
اومأت برأسها وذهب هو بعيدًا ليغير ثيابه، بينما وقفت هي وقد طفرت الدموع في عيناها مرة أخرى، الأمر فوق طاقة تحملها لكنها تلتزم الصمود ليس لأجلها بل لأجل عائلتها.. والدها، ووالدتها، حتمًا سيتأذون بشدة إذا علموا مصابها، وهي لن تسمح أن يعيشوا اوقات عصيبة هكذا، يكفي هي ما تعيشه لمدة سنة وستة اشهر للآن!
___________________
فاقت بعد نصف ساعة فقط لتجد نفسها بمفردها، وفجأة ضرب بعقلها ماحدث، لتخرج مهرولة من الغرفة وهي تتوقع رؤية الجثة بالخارج لكنها توقفت محلها بصدمة وهي ترى الشقة كما كانت وكأن شيئًا لم يكن، حتى أنها شكت في كونها قد توهمت ما حدث، وقفت ضائعه ما بين التصديق وعدمه، هل كل ما رأته كابوسًا! أم خيالها المريض تدهور لهذا الحد؟ "زين" هو الفاصل بين الحقيقة والخيال، اتجهت لهاتفها فورًا تلتقطه من حقيبتها وهي تطلب رقمه، مع كل جرس يصدح في أذنها كانت اعصابها تُهلك، حتى اجاب أخيرًا:
_ زين!
قالت اسمه بهمس خائف، ليجيبها هو متفهمًا أن خوفها وترددها مما حدث:
_ متخافيش يا خديجة، أنا اتصرفت في الجثة ومحدش هيعرف حاجه عنها، ده سر هيدفن بيني وبينك متقلقيش...
هوت جالسة ارضًا وسقط الهاتف من يدها، واعصابها في حالة تشنج تام، دموعها هي ما تعبر عن شعورها، وهي تسمح همس "سارة" في أذنها وهي تكرر عليها:
_ بقيتِ قاتلة خديجة... بقيتِ مجرمة خلاص!
ظل الوضع هكذا لدقائق طويلة قبل أن تجهش في بكاء مرير وهي تردد بدون وعي:
_ مكانش قصدي.. مكانش قصدي..
________________
اغلق المكالمة معها وجلس يفكر في حالتها الآن، لابد أنها مذعورة، وفي حالة صدمة مما ارتكبته، ولربما أو بالتأكيد سيعود لها ذكريات الماضي، مسد وجهه بكفه بسأم من الوضع برِمته، وعقله يحدثه أنه استغل الأمر لصالحه، ولربما يُعد هذا تصرفًا أنانيًا، نهض مطفأً لفافة تبغه، ووقف أمام الشرفة بصدره العاري مرددًا بشرود بينما ينظر للخارج:
_ مكانش ينفع الموضوع يخلص غير كده، مكانش ينفع اضيع فرصة جاتلي على طبق من دهب زي دي، لو كنت بلغت الشرطة كانت هتخرج منها بسهولة وهيكون واضح أنها حالة دفاع عن النفس، بس أنا مكنتش هستفيد حاجة، لكن دلوقتي الي حصل هيقربنا من بعض...
تخيلها أمامه ليبتسم لها بيأس وهو يخبرها:
_ مكانش قدامي حل تاني، مسبتليش خيار تاني يا خديجة، أنتِ قافلة كل الطرق بينا.. دلوقتي هكون بالنسبالك بطلك الي انقذك من جريمة قتل واتستر على جريمتك معاكِ، وحتى بعد كده لما تعرفي إني مراد، مش هتقدري تتهميني إني قتلت اختك، لأن زي ماقتلتِ واحد عشان تدافعي عن نفسك وأنتِ مش قاصدة تقتليه، أنا كمان قتلتها عشان ادافع عنك... بس الفرق...
لمعت عيناه بنظرات غامضة، مليئة بالشر، وعيناه الخضراء الممزوجة بالرمادية حال لونها للأخضر الداكن المخيف، وهو يردد بابتسامة عابثة:
_ اني كنت كده كده هقتلها حتى لو موقعتكيش يومها...!!!!!!!