رواية جمر الجليد الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24 بقلم شروق مصطفي

رواية جمر الجليد الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24 بقلم شروق مصطفي

فتحت باب الغرفة بتثاقل، لكنها تفاجأت بوجود أخر شخص يقف داخلها...! حين وقع بصرها عليه، اندهشت تمامًا من حضوره غير المتوقع، لتُطلق بغير وعي: "أنت!".

رفعت كتفيها في حركة متثاقلة كمن أرهقها الجدل المستمر، وهتفت بتعب ممزوج بالاستسلام:
"ارحمني بقى! عايز مني إيه تاني؟"

جلست على طرف الفراش، تغلف ملامحها سحابة من الإرهاق، وقالت بنبرة مُتعبة:
"أظن إن الأفضل أبعد عنكم كلكم... وأبعد أنت كمان، وسيبني فحالي. إيه تاني حصل؟ جاي دلوقتي تقولي إني السبب، فيه؟"

تقدم نحوها بخطوات ثقيلة، وجلس بجانبها، يظهر على ملامحه أسف عميق يُخفيه بضعف كلماته:
"سيلا... أنا آسف على كل حاجة عملتها من يوم ما عرفتك."

رفعت رأسها ببطء، تتطلع إليه بعينين تحملان مزيجًا من السخرية والمرارة، لتبتسم ابتسامة تهكمية مشوبة بالألم:
"آسف؟ معقول؟! عاصم باشا نفسه جاي يتأسف لي؟ لا... أنا أكيد بحلم!"

سكتت لحظات تتجرع خلالها صدمة وجوده، ثم تابعت بنبرة واثقة لكنها مشوبة بالتعب:
"أو يمكن جاي علشان أقول لك إني مسامحاك قبل ما أموت، مع إني متأكدة إنك مفيش شعور ولا أحساس. عادي يعني... لو مسامحتكش، ما هتفرقش معاك!"

حاول التماسك، لكن لهفته خانته، فهتف:
"بعد الشر عليكِ يا سيلا! انتي هتخفّي وتعدّي بالسلامة... أنا مش عاوز أي حاجة غير نبدأ صفحة جديدة. ننسى كل اللي فات... كل الخلافات والمشاكل. إيه رأيك؟"

رغم الألم الذي كان ينهش جسدها، حاولت ألا تُظهر ضعفها أمامه، لكنها لم تستطع كبح اندهاشها من كلماته. تناست آلامها لوهلة، لتضحك ضحكة قصيرة، خرجت منها رغماً عنها، وقالت بنبرة ممزوجة بالسخرية والقهر:
"صفحة جديدة؟ مع مين؟ معاك إنت؟ هاه هاه... بجد، ضحكتني وأنا مش في مزاج للضحك أصلاً!"

ساد الصمت للحظات، بينما بدأت ملامح وجهها تتلوّى من الألم. حاولت جاهدة أن تقاوم، لكن الألم كان أقوى منها. شعرت برغبة عارمة في الصراخ، فيما هو ينظر إليها بقلب مثقل بالندم. أراد لو يقترب منها، لو يحتضنها، لو يُعيد الزمن للوراء ليعوّضها عمّا فات، لكنه بقي متجمداً في مكانه، لا يجد ما يقوله.

قطعت صمتهما بصوتٍ بالكاد يخرج من حنجرتها:
"طلبك مرفوض، يا عاصم. ابعد عني. مش عايزة أشوفك تاني في حياتي كلها. وأسفك... مرفوض. أنا مش مسامحاك!"

قبضت يدها على ملاءة الفراش، والوجع يكاد يفتك بجسدها. فجأة، لم تعد تقوى على الاحتمال أكثر، لتصرخ بكل ما أوتيت من قوة:
"آآآآآآآه! مش قادرة... اطلع براااااا! مش عايزة أشوفك تاني! براااااا!"

صرختها الأخيرة اخترقت أذنه كطعنة، لكنها لم تكن مجرد صوت؛ كانت وجعًا ناطقًا، كأنها تلفظه خارج حياتها للأبد.

ارتعب من حالتها: اهدي اهدي خلاص همشي همشي طيب.

هرول عاصم بخطواتٍ سريعة نحو الطبيب يناديه بفزعٍ لم يستطع إخفاءه، وما إن وصل الطبيب حتى انطلق يسأله بلهفة:
"مالها؟ مالها؟ فيها إيه؟"

أجابه الطبيب بنبرة هادئة وعملية:
"اهدأ، مفيش حاجة خطيرة. عطيتها مسكنًا، وبعد شوية تقدر تمشي عادي."

تنفس عاصم قليلًا وكأن الهواء قد عاد إلى رئتيه، لكنه لم يستطع منع نفسه من السؤال مجددًا:
"طيب... إمتى ميعاد الجلسة الثانية؟"

رد الطبيب:
"بعد خمس أيام. لكن لازم تركزوا على علاج الأنيميا، لأن وضعها كده هيأثر على العلاج بصورة سلبية. بعد إذنك."

تركه الطبيب ورحل، بينما وقف عاصم يحاول تهدئة نفسه. لكن قلبه كان مثقلًا بالحزن عليها. شعر بعجز كبير؛ هو الذي طالما اعتاد السيطرة على كل شيء، يقف الآن ضعيفًا أمام ألمها. قرر ألا يتركها وحدها، وظل منتظرًا خارج الغرفة حتى خرجت.

ما إن فتحت الباب وظهرت أمامه حتى تقدم نحوها سريعًا، وقال بحزمٍ لا يقبل الجدال:
"هوصلك. مش هينفع تمشي وإنتِ في الحالة دي. ومن غير نقاش... قدامي."

وقفت تنظر إليه بدهشة من هذا التحول المفاجئ في شخصيته، ثم أردفت بتهكم:
"لسه ما مشيتش؟"

تخطته متجهة نحو الخارج، بينما تبعها دون أن يقول شيئًا. وما إن وقفت على الرصيف لتبحث عن سيارة أجرة، استدارت إليه فجأة، ونظرت إليه بغضبٍ مكتوم:
"أنا همشي لوحدي زي ما جيت. ما تتعبش حالك."

لم تمنحه فرصة للرد. أشارت لأول سيارة أجرة مرت أمامها، صعدت بداخلها، وأغلقت الباب خلفها دون حتى أن تنظر إليه.

وقف عاصم يراقبها وهي تبتعد، ثم شدّ شعره بضيق وهو يتمتم:
"عنيدة! ...، ماشي يا سيلا. نشوف آخرتها معاك."

لم يتردد طويلًا. صعد إلى سيارته، وأدار المحرك، وبدأ يتتبع سيارة الأجرة من بعيد. ظل يراقب الطريق بصمت، يزداد فضوله كلما اقتربت المسافة.

أوقفت سيارة الأجرة أمام مركز صغير. نزلت سيلا واتجهت نحو الداخل، بينما أوقف عاصم سيارته على الجانب وتبعها بهدوء. دخل خلفها، وكانت المفاجأة بانتظاره.

رآها تقترب من مجموعة تجمّعوا في إحدى الزوايا. كانت أختها ومي هناك، ومعها وليد، ومعتز أيضًا. وما إن رأوه قادمًا خلفها حتى ظهرت الدهشة على وجوههم جميعًا.

قطع وليد الصمت، متحدثًا بنبرة ساخرة، محاولًا كتمان ضحكته:
"آه يا سلام! الحبايب كلهم جايين عشاني. ياااه... معرفش إنّي غالي عليكم كده. عاصم باشا بنفسه جاي برضه؟! مش ناقص غير عامر... كده أكلمه ينزل من الغردقة هو ومراته وعياله!"

ضحك الحاضرون، لكن سيلا كانت تقف بعيدًا، متجاهلة عاصم تمامًا، وعينيها تُخفيان خليطًا من الألم والغضب. بينما عاصم، الذي لم يعر سخرية وليد أي انتباه، كان مشغولًا بشيء واحد فقط: الاقتراب من سيلا بأي وسيلة.
رفع عاصم حاجبه بنظرة تجمع بين الجدية والسخرية، وقال موجهاً حديثه إلى وليد:

"خفّة حد قالك قبل كده إنك خفيف؟"

أجابه وليد بمرح وهو يبتسم ابتسامته المعتادة التي لا تخلو من مشاكسة:

"كتير ولا أية يا زيزي... مش عارفين نعدهم أصلاً."

تدخّل معتز، يرمق وليد بنظرة نارية ورافعاً حاجبه باستفزاز:

"يا مين؟ تعالى هنا! مين؟ تعالى، تعالى بتهرب ليه؟ أنا هقولك!"

لم ينتظر وليد مزيداً من التوبيخ، أطلق ضحكة صغيرة وهو يلوّح بيده قائلاً قبل أن يهرب مبتعداً:

"أنا هاخد اللي ليّا وأطير!"

ثم أمسك بيد همسة وابتعد عن الأجواء المشحونة، تاركاً معتز وعاصم خلفه، والابتسامة لا تفارق وجهه.

من بعيد، كانت سيلا تراقب الموقف، تشعر بثقل لا علاقة له بما يجري حولها. التفتت إلى صديقتها مي، وبنظرة معبّرة، همست لها:

"تعالي ننسحب، نقعد في أي كافيه بعيد عنهم. أنا خلاص، على آخري من وجع دماغهم ده."

قهقهت مي على فكرة صديقتها، وردّت مازحة:

"يلا بينا، أنا معاكِ في الهروب الكبير!"

وبالفعل، تسللت الفتاتان بهدوء حتى ابتعدتا عن الشباب، واتجهتا إلى أحد المقاهي. جلستا هناك، حيث الأجواء كانت أهدأ بكثير من الفوضى السابقة.

نظرت مي إلى سيلا، تلاحظ علامات الإرهاق على وجهها، وقالت بتعاطف:

"شكلك تعبتي... ياريتني كنت جيت معاكي الجلسة. النهارده جيت على الفاضي!"

تنهدت سيلا بصوت خافت وردّت:

"الحمد لله، بقيت أحسن شوية. بس بجد، أنا مخنوقة أوي النهارده."

أومأت مي بتفهم وقالت:

"خلاص يا سيلا، كم جلسة وهتكوني بخير وترجعي لنا زي الأول."

لكن سيلا لم تجد في كلمات صديقتها عزاءً كافياً. رفعت عينيها نحوها وقالت بمرارة:

"مش بتكلم عن الجلسات، خلاص تأقلمت عليها وعلى وجعها. اللي خنقني بجد اللي حصل النهارده... أنا تعبت أوي، مقدرتش أتحمل. انهرت قدامه. شافني في أضعف حالاتي. شفت نظرة الشفقة في عينيه. أنا مش قادرة أستحمل ده، مش عاوزاه يقرب مني تاني."

اتسعت عينا مي في دهشة، وسألتها بحذر:

"مين اللي شافك؟  تقصدي عاصم، صح؟"

هزت سيلا رأسها بالإيجاب، مؤكدة ما خافت مي أن تسمعه.

تابعت مي، بنبرة امتعاض:

"وإيه اللي عرفه ميعاد الجلسة أصلاً؟"

أجابت سيلا وهي تهز كتفيها باستسلام:

"معرفش، بس أكيد حاجة زي دي مش هتستخبى عليه. جاي يقول إنه عايز يفتح صفحة جديدة، وإننا ننسى اللي فات. فاكرني هرمي نفسي في حضنه وأوافق؟ ده أكيد مجنون!"

ضحكت مي بخفة، تحاول تخفيف الجو المشحون:

"سيبيك منه، حتى أخوه معتز شكله بيحلو عليّا!"

قهقهت سيلا، لأول مرة منذ بداية اليوم، وعلّقت ساخرة:

"هههههه... كمان؟"

ردت مي مازحة:

"آه والله، دول بحالات! كل ما نبعد يقربوا، وكل ما نقرب يبعدوا. إحنا مش فاهمين لهم حاجة."

ابتسمت سيلا بتعب وقالت:

"سيبيك منهم يا مي. أنا مش قادرة أكمل. يلا بينا، كلمي همسة وقولي لها إحنا مش عارفين نوصل. هنمشي وخلاص."

نهضت الفتاتان، تاركتين خلفهما الأحاديث المشوشة والمشاعر المتناقضة، عازمتين على البحث عن راحتهما في مكان آخر بعيد عن كل ما يثقل كاهلهما.

داخل غرفة البنات بمنزل همسة، أجواء مليئة بالمرح والدفء.

همسة، بنبرة عتاب خفيفة وزعل:

"مشيتوا ليه؟ كان في عربيات كتير، كنتم هتركبوا. دول فضلوا يدوروا عليكم يا حرام، كانوا هيجننوا!"

مي، تكتم ضحكتها وهي تحاول الحفاظ على جديتها:

"شكلهم كان مسخرة، باين عليهم من الكلام."

سيلا غمزت لها بخفة حتى لا تقع بالكلام وتُغضب همسة:

"أحم... يا بنتي إحنا دورنا عليكوا، بس كانت الزحمة فظيعة، وأول ما لقينا تاكسي ركبناه على طول."

ابتسمت همسة بنصف رضا، ثم غيّرت الموضوع قائلة بحماس:

"بالمناسبة، الحاجات اللي اخترناها طلعت تحفة! كان نفسي تشوفوها قبل ما تتنقل للبيت."

ردت مي وسيلا في نفس اللحظة بابتسامة حنونة:

"تتهني بيها يا حبيبتي!"

أضافت سيلا:

"إن شاء الله نشوفها في بيتك الجديد."

همسة بابتسامة مليئة بالامتنان:

"تسلمولي يا رب."

رن هاتف المنزل فجأة، فقطع حديثهن، فتسارعن جميعاً للرد.

همسة، ترد بحماس وفرحة وهي تسمع صوت والدها:

"بابا! حبيبي، وحشتني أوي أوي! كلنا كويسين الحمد لله... ماما فين؟ هاتها أسمع صوتها."

وبعد لحظات، صرخت بسعادة:

"ماما! وحشتيني أوي، وحشني حضنك أنا وسيلا كويسين ومي بتبات معانا ومش بتسيبنا أبدًا. هتيجوا إمتى بقى؟"

استمعت إلى الرد، ثم هتفت:

"بجد؟ طيب حلو أوي... تيجوا بالسلامة."

ناولتها الهاتف لسيلا، قائلة:

"خدي، ماما عايزة تكلمك."

سيلا، تأخذ الهاتف بشوق:

"ماما! عاملة إيه؟ وحشتيني أوي أوي. عمرة مقبولة يا حبيبتي."

استمعت لوالدتها بفرحة، ثم أضافت:

"إحنا كويسين الحمد لله، بس البيت من غيركم وحش أوي. ما تقلقيش علينا."

ثم ناولت الهاتف لهمسة مرة أخرى، وهي تهمس بابتسامة:

"بابا على الخط كمان."
أ
ردت همسة سريعًا:

"ألو، يا بابا!"

بعد حديث قصير، أغلقت الخط وهي تهمس بالدعاء لهم.

مي، كعادتها، لا تفوّت فرصة للمرح:

"جايين إمتى؟ عشان أخلص اعتكافي عندكم. أكيد قالوا عليّ: إيه البنت اللزقة دي؟"

سيلا، بابتسامة ماكرة:

"بس انتي مش لازقة بس وغرا كمان."

مي، ترد ممازحة:

"آه والله؟ طيب! والله ما أنا سيباك!"

سيلا، تضحك بخفة:

"لا لا لا، انتي زي العسل، وقمر كمان. خدي بوسة أهي!"

همسة، بين ضحكاتها:

"ناس تخاف من العين الحمرا فعلاً!"

سيلا، توجه كلامها لهمسة بجدية:

"صحيح، نسيت أسألك. جايين إمتى؟ قالوا لك إيه؟"

ردت همسة:

"خلصوا العمرة خلاص، قدامهم حوالي أربع أيام ويوصلوا."

مي بابتسامة:

"يوصلوا بالسلامة إن شاء الله."

سيلا:

"إن شاء الله."

مرّت الأيام بسرعة، وما زالت محاولات عاصم ومعتز للتقرب من الفتيات تبوء بالفشل المعتاد.

في هذه الأثناء، كان وليد وهمسة يضعان اللمسات الأخيرة على تجهيزات زفافهما. انتهيا من إعداد الفيلا، وترتيب الأثاث، ونقل الأجهزة، واختارت سيلا ومي وهمسة فستان الزفاف الذي زادها إشراقًا.

كان الموعد محددًا بعد عودة الأهل مباشرة، ولم يتبقَ سوى أسبوع على الحفل.

ولكن في الساعة الرابعة فجرًا، رن الهاتف بشكل مفاجئ وغير متوقع.

صوت الرنين اخترق سكون الليل، لتنهض الفتيات في حالة من الحيرة والتساؤل:

"مين هيتصل في الوقت دا؟!"

ساد الصمت للحظة، ثم عاد الهاتف يرن مجددًا، كأن الإلحاح يحمل معه نذير سوء. استيقظ الجميع فزعين، يتساءلون من يمكن أن يتصل في مثل هذا الوقت المتأخر.

همسة، التي لم يهدأ قلبها منذ بدء الرنين، أسرعت لتجيب، لكن يدها ارتعشت وهي ترفع الهاتف. ردت على الاتصال، غير أنها لم تنطق بكلمة، واكتفت بالإنصات للطرف الآخر. عيناها امتلأتا بالدموع في لحظة واحدة، وصوت مي المذعور يناديها:
"مين؟! مين بيتصل؟!"

لم تجب همسة. حتى على سيلا، التي تجمدت في مكانها وهي تحتضن قلبها، أخذت تهز رأسها في محاولة يائسة لإنكار ما يخبرها به حدسها. فجأة، ألقت همسة الهاتف بإهمال وكأنها ترفض تصديق ما سمعت، وبدأت تهز رأسها بعنف وهي تردد بلا وعي:
"لا... مش ممكن... مستحيل!"

تقدمت سيلا، غير قادرة على كبح فضولها أو مخاوفها، التقطت الهاتف المرتجف من الأرض.
"ألو؟ ألو؟ مين معايا؟"

وجاءها نفس الصوت الحزين من الطرف الآخر. الكلمات القليلة التي سمعتها أكدت ما كانت تخشاه. ضرورة حضورهم للتعرف عليهم؟.

أغلقت سيلا الهاتف ببطء، لكن دموعها انهمرت كشلالات لا تعرف التوقف. صرخت وهي تهلوس بكلمات غير مترابطة:
"ماتوا؟ غرقوا؟ يعني خلاص؟ مش هشوفهم تاني؟ سابونا؟! لا! لا! أنا جاية... أنا جاية لكم!"

همسة التي كانت في حالة صدمة عميقة، بدأت تفقد وعيها تدريجيًا، إلى أن سقطت على أقرب كرسي بلا حراك. مي، التي كانت ترتجف بينهن، هرعت نحوها محاولة إفاقتها، وهي تهتف:
"سيلا! سيلا! إلحقيني... همسة أغمي عليها!"

لكن سيلا لم تكن أفضل حالًا، فقد تجمدت في مكانها كأن الكلمات سرقت روحها. مي، المرتبكة والخائفة، لم تعرف من تلحق ومن تساعد. ركضت نحو المطبخ، بحثت عن أي شيء يمكن أن يفيقهن، لكنها كانت تدور كالعمياء بين الأشياء.

في لحظة يأس، التقطت هاتف همسة واتصلت بوليد، الذي أجاب بصوت ناعس:
"ألو؟"

مي صاحت وهي تبكي:
"وليد! تعال بسرعة على بيت همسة! جالنا خبر أن مامتها وباباها حصل لهم حاجة وحشة في ميناء إسكندرية! أنا لوحدي... وهما مش بينطقوا! أنا خايفة عليهم قوي!"

ثم انفجرت في بكاء هستيري:
"الحقنا، أرجوك! مش عارفة أعمل إيه!"

ما أن سمع وليد الخبر حتى قفز من سريره كمن لسعته نار، هرول مسرعًا إلى الخارج وهو ممسك بهاتفه، يخاطب مي التي لم تتوقف عن البكاء:
"حاضر... حاضر، أنا جاي حالًا. حاولي انتي تفوقيهم بأي طريقة، متسبهمش لوحدهم!"

مرت دقائق بدت كأنها ساعات. مي، التي لم تفقد الأمل، استعانت بعطر قوي خاص بسيلا. بعد محاولات مضنية، بدأت سيلا تستفيق شيئًا فشيئًا، وما هي إلا لحظات حتى استيقظت همسة بدورها، لكن صدمتها كانت أكبر من أن تحتمل.

بصوت متقطع خرج من أعماقها:
"قولولي إن ده كان حلم... صح؟!"

توجهت بنظراتها المرتعشة نحو مي ثم نحو سيلا، باحثة عن تأكيد يطمئن قلبها:
"صح يا سيلا؟ حلم... كابوس! أكيد كابوس، صح؟"

لكن سيلا لم تنبس ببنت شفة. نهضت فجأة واتجهت نحو غرفتها بخطوات متعثرة، ارتدت أي ملابس وجدتها أمامها على عجل، وخرجت مسرعة نحو الباب.

مي، التي شعرت بالخطر، وقفت في طريقها محاولة إيقافها:
"رايحة فين يا سيلا؟! استني! مش هينفع تروحي لوحدك!"

لكن سيلا كانت غارقة في دوامة من الغضب والحزن. قطعت حديث مي بصوت حاد ونظرات زائغة:
"سيبيني، يا مي! مش هقدر أتكلم غير لما أشوفهم بنفسي. مش هرتاح إلا لما أتأكد! ابعدي عني دلوقتي!"

حاولت مي التماسك، وتحدثت بسرعة:
"استني، أنا جايه معاكي! أغير هدومي وأجيلك حالًا."

لم تكن سيلا وحدها من استعدت للذهاب؛ حتى همسة غيرت ملابسها على عجل. وبينما هي تهم بالخروج، فوجئت بوجود وليد عند الباب. نظرت إليه بذهول، وكأنها لم تفهم سبب وجوده. عندها بادرت مي بالتوضيح، متحدثة بارتباك:
"أنا... أنا اللي كلمته من تليفونك يا همسة! لما شفتكوا واقعين وخفت عليكم. مكنش قدامي غيره. أخويا مسافر وماما في البلد."

لم يرد أحد. سيلا، مي، همسة، كلهم كانوا غارقين في عوالمهم، يحملون حزنًا أكبر من الكلمات. أما وليد، فحسم الموقف بقوله:
"طيب... يلا! أنا جاي معاكم. مش هسيبكم لوحدكم."

بعد ساعات من الطريق المحموم، وصلوا إلى الميناء. المشهد كان مرعبًا. أصوات الصراخ والعويل ملأت الأرجاء، والأعداد الغفيرة من الأهالي الباحثين عن أحبائهم زادت الموقف قسوة.

جلسوا داخل السيارة للحظات، كأنهم غير قادرين على مواجهة ما ينتظرهم بالخارج. الصمت كان سيد الموقف، لكن قلوبهم كانت في حالة انهيار تام.

في الخارج، جاءت الأخبار كالصاعقة: "لقد غرقت إحدى العبارات القادمة من السعودية بالقرب من السواحل المصرية."

وليد، الذي كان يحاول التماسك من أجلهم، قال بصوت هادئ:
"اهدوا... إن شاء الله يكونوا من الناجين. متفقدوش الأمل!"

لكن همسة، التي سمعت كلماته، لم تستطع أن تتحمل أكثر. خرجت من صمتها بأنفاس متقطعة ومتسارعة، وكأن الهواء لم يعد يكفيها.

صرخت مي بذعر:
"وليد! وقف العربية! هي مش قادرة تاخد نفسها!"

أوقف وليد السيارة على الفور، ونزل منها مسرعًا نحو همسة. حاول إسعافها بارتباك، أمسك بزجاجة مياه ونثر على وجهها بضع قطرات، يردد آيات من القرآن بصوت ثابت لتهدئتها:
استغفري ربنا، واهدي... هتعدي، إن شاء الله هتعدي."

بدأت أنفاسها تهدأ قليلًا، لكن عيناها لم تستطع أن تفتح، وكأنها فقدت آخر ذرة من قوتها. أغمضت عينيها وسقطت بلا وعي بين ذراعيه.

"خلي بالك عليها."

قالتها سيلا بصوت مختنق بالدموع، وكأنها توصية أخيرة، ثم اندفعت خارج السيارة بخطوات مسرعة، لم تنتظر أحدًا، ولم تعر نداءات وليد أي انتباه. لحقت بها مي، التي لم تستطع أن تتركها تواجه هذا المشهد وحدها، متشبثة بها كما لو أن قربها سيخفف من وطأة الألم الذي يزداد ثقله مع كل خطوة.

"استنوا! ماينفعش كده! خليكوا هنا لحد ما تفيق همسة!"
ناداهما وليد بصوت مرتفع، لكنهما لم تتوقفا. سيلا كانت رافضة حالة التشتت التي تنهش روحها، تريد فقط أن تعرف، أن تتأكد أن والديها بخير.

تقدمتا بخطوات متعثرة بين الحشود، أيديهما متشابكة بقوة، وكأن هذا التشابك هو الحبل الأخير الذي يبقيهما متماسكين وسط هذا الطوفان من البشر. ومع كل خطوة نحو الداخل، اشتدت الصدمة.

شهقتا في وقت واحد من هول المنظر الذي امتد أمام أعينهما. صفوف طويلة من الجثث، بعضها مغطى بأكفان بيضاء، وبعضها مكشوف، وصراخ الأهالي يمزق الآذان. المشهد كان أقرب إلى كابوس حي.

تراجعت سيلا خطوة إلى الخلف وهي تغلق عينيها بقوة، وكأنها ترفض أن ترى المزيد. مي، التي حاولت أن تتحلى ببعض القوة، فتحت عينيها ببطء، ونظرت حولها وهي تهمس:
"سيلا... افتحي عينيك. لازم نتأكد... يمكن هما مش هنا."

لكن سيلا لم تستطع. تشبثت بيد مي أكثر، وكأنها تبحث عن ملاذ وسط هذا الجحيم. كلما وقع بصرها على جثة جديدة، ازداد الرعب الذي يأكل قلبها. شعرت وكأنها على وشك الانهيار.

تقدمتا خطوة بخطوة، تتعثران بين الحشود، حتى توقفتا أمام جثتين موضوعتين بجانب بعضهما، مغطاتين بغطاء أبيض. توقفت سيلا فجأة، جسدها تجمد في مكانه.

بصوت مرتجف، قالت مي:
"سيلا... مالك؟"

لكن سيلا لم ترد. كانت عيناها معلقتين بتلك الجثتين. حين رفع أحد المسؤولين الغطاء عن وجهيهما، تجمدت الدماء في عروقها.

بدأت تهذي بكلمات غير مفهومة، دموعها تنهمر بغزارة:
"كنت مشتاقة لحضنكم أوي دلوقتي مش هشوفكم غير في أحلامي"

تقدمت نحو الجثتين ببطء، وكأنها غير قادرة على تصديق ما تراه. مدّت يدها المرتعشة، وكأنها تريد أن تلمس ملامحهما، أن تتحقق أن هذا مجرد وهم.

ثم فجأة، انهارت على ركبتيها بجانبهما، واندفعت في بكاء حار، تصرخ بصوت مكلوم كنت بستناكم.... كنت مستنية أشوفكم تاني!"

أما مي، فوقفت خلفها، عاجزة عن الكلام أو الحركة، تكتفي بمسح دموعها وهي تنظر إلى السماء كأنها تطلب الصبر لما يحدث.
….
أنهى مراسم دفن والديها في المدافن الخاصة بعائلتها بمدينة الإسكندرية بعد صلاة الظهر. الأجواء كانت ثقيلة، ممتلئة بالأسى والصمت القاتل. بعد انتهاء كل شيء، ركب عاصم السيارة برفقة شقيقه معتز، استعدادًا للعودة إلى القاهرة.

قاد معتز السيارة، محاولًا كسر حاجز الصمت المطبق بينهما. حاول مرارًا جذب الحديث مع عاصم:
"عاصم... عاوز تتكلم؟ يمكن ترتاح شوية؟"

لكن عاصم لم يكن حاضرًا. كان غارقًا في عالم آخر، عيناه تحدقان في الأفق، وصدره يعلو ويهبط كمن يحمل همًّا أثقل من أن يتحمله. حين أدرك معتز أن الحديث لن يجدي، ركز انتباهه على الطريق الطويل الممتد أمامه، تاركًا شقيقه في شروده.

أسند عاصم رأسه إلى مسند المقعد، وأخذ نفسًا عميقًا، محاولًا تهدئة ضربات قلبه المتسارعة. حاول إغماض عينيه، لكن كلما فعل ذلك، عادت صورها إلى ذهنه، حالتها المنهارة، الكلمات التي تفوهت بها، والخوف الذي زرعته في قلبه.

كان عقله مشوشًا، يدور حول الأحداث التي وقعت منذ ساعات قليلة. تذكر المكالمة المفاجئة التي تلقاها من ابن عمه:
"عاصم، لازم تيجي حالًا على ميناء الإسكندرية! الوضع صعب جدًا، وفيه أخبار سيئة عن أسرة همسة."

لم يكن هناك مجال للتفكير. ارتدى ملابسه على عجل، وركض نحو غرفة شقيقه معتز يطرق الباب بقوة:
"معتز، اصحى بسرعة! لازم تيجي معايا، في مصيبة حصلت."

ركبا السيارة، وقاد عاصم بسرعة جنونية، وكأن الطريق نفسه قد اختفى. لم يحسب الوقت، لم يهتم بالمسافة، كان كل ما يريده هو الوصول.

حين وصل إلى الميناء، خرج من السيارة مسرعًا، عيناه تبحث عنها بين الحشود. لكن ما رآه أوقفه في مكانه، وكأن الزمن تجمد حوله.

كان المشهد أشبه بالكابوس: الأهالي جالسون على الأرصفة، بعضهم يبكي بصوت عالٍ، والبعض الآخر جالس بصمت مميت، سيارات نقل الموتى مصطفة، والأجواء أشبه بمقبرة مفتوحة. الجو كان باردًا، ليس بفعل الطقس، بل بسبب الحزن الذي خيم على المكان.

تقدم بخطوات بطيئة، يجر قدميه كمن يسير في حلم ثقيل، حتى وصل إلى المكان الذي تخرج منه الأكفان. ما رآه هناك كان أقسى من كل ما تخيله.

رآها وهي منهارة على الأرض، جسدها يرتعش من شدة البكاء، ورفيقتها تحاول السيطرة عليها لكنها عاجزة. عيناه اتسعتا، لم يستطع التحرك. كان واقفًا كالصنم، عاجزًا عن التفكير أو التصرف.
بقلم شروق مصطفى
نظر حوله، رأى وجوهًا غارقة في الحزن، العيون مشبعة بالقهر، الهموم مرسومة على ملامح كل شخص. كل شخص هناك فقد عزيزًا، كل شخص يحمل جزءًا من هذا الألم الثقيل الذي ملأ المكان.

لكن عينه لم تفارقها. كانت هي مركز كل ما يشعر به. كلماتها الأخيرة قبل أن يغادر المكان ترن في أذنه كإنذار:
"مش عايزة أعيش من غيرهم... مش هقدر."

ظل ينظر إليها، خائفًا عليها أكثر مما كان خائفًا على نفسه.

وقفت سيلا بين الجثتين، كأن العالم من حولها قد توقف. كل ما فكرت به في تلك اللحظة كان احتضانهما ولو لمرة أخيرة قبل أن يفصلهما عنها التراب للأبد.

جثت على ركبتيها، حتى بات وجهها بمستوى وجهيهما، وعيناها تلتمعان بالدموع المتحجرة التي تأبى أن تنزل، وكأنها تخشى أن تتحرر وتغرقها أكثر في هذا الألم. لم تكن ترى أو تسمع شيئًا من حولها. انقطعت حواسها تمامًا عما يدور في المكان، وصمتت أذناها عن أصوات العويل والنحيب الذي يملأ الأجواء.

بدأت تهمس، بصوت أقرب للبكاء المكتوم، وكأنها تحاول إقناع نفسها أن ما تراه ليس حقيقيًا:
"أنا بحلم... صح؟ حد يصحّيني. الحلم طول أوي. أكيد ده حلم... أنتم ليه نايمين كده؟ افتحوا عينيكم! اصحوا! قولوا إنه مش حقيقي!"

مدت يدها المرتعشة لتلامس مقدمة رأس أبيها، ثم انزلقت يدها على وجنتيه، وكأنها تحاول إيقاظه. صمتت للحظات، ثم تابعت بصوت مكسور:
"مش بترد عليَّ ليه؟ ها؟ يا حبيبي... أنا سيلا، بنتك. رد عليَّ."

انتظرت لحظة، وكأنها تأمل أن تسمع صوته يجيبها، لكن الصمت كان سيد المكان. تمالكت نفسها قليلًا، ثم تحدثت بصوت يفيض وجعًا:
"انت لسه زعلان مني، صح؟ عشان شغلي... خلاص، والله مش هشتغل تاني! والله، بس انت اصحى... اصحى بقى! انت مش بترد ليه؟ ارجوك، رد..."

ابتلعت غصة ثقيلة عالقة في حلقها، ثم أكملت بصوت مرتعش:
"طيب... مين هيسندني دلوقتي لما أقع؟ مش كنت دايمًا تقول لي: أنا قوتك يا سيلا، وظهرك؟ صح؟ طيب، أنا محتجاك دلوقتي تقويني... أنا فعلا بقع. كنت مستنياكم، مستنياكم عشان أنتم اللي تقووني منه."

توقفت قليلًا، وكأنها تجمع بقايا قوتها، ثم تابعت ببحة اختلطت بالألم الذي بدا واضحًا على ملامحها:
"آه... منه..."

رفعت عينيها نحوه، كأنها تتحدث إليه مباشرة، ثم تابعت بصوت متقطع:
"أنا... مريضة كانسر. آه، شوفت؟ شوفت وقعت إزاي؟ مين يقويني دلوقتي؟ مين يدعمني؟ انت علمتني القوة زمان، فاكر؟ لكن... لكن..."

توقفت، ثم أكملت بصوت يختنق بين الدموع:
"دلوقتي أنا ضعيفة... ضعيفة جدًا، ولوحدي. سبتوني ليه؟ قوم عشان ما تكسّرش قلبي من بعدك. قوم... عشان خاطري. طيب، كلمني... احضني بس... بس مرة واحدة! أنا... أنا بردانة..."

وهنا، انفجرت دموعها أخيرًا، كأنها شلال جارف. لم تتوقف عن البكاء، وكأن الدموع كانت تجرف كل شيء معها، كل قوة أو تماسك قد حاولت التشبث به.

أخذت تتحدث بصوت مليء بالألم والوجع:
"طيب، بلاش أنا... طيب همسة؟ مين هيسلمها لعريسها؟ مين هيقول له: خلِّي بالك منها، ما تزعلهاش؟ مين يا بابا؟"

"حتى كلمة بابا... اتحرمت منها! سبتونا لمين؟ أااااااه!"
بقلم شروق مصطفى
صوتها كان كافياً ليهز أركان المكان، ليجعل الحاضرين يتوقفون عما يفعلونه وينظرون إليها. تلك الصرخة كانت أكثر من مجرد كلمات، كانت انكسارًا، كانت وجعًا لا تسعه الكلمات.

بدا وكأن صدى صوتها ينعكس على الجميع، كل من حولها شعر وكأن قلبه ينزف معها. دموعها انهمرت كالسيل، وكأنها تحاول غسل ألمها، لكن الألم كان أعمق من أن يُمحى.

تركت سيلا والدها، وجثت بجانب والدتها المفترشة بجواره، نظرت إلى وجهها الجامد وكأنها تترقب أن ينبض بالحياة مجددًا، لكن عبثًا. صمتت لحظات، ثم انطلقت كلماتها وكأنها زفرات من نار تحرق قلبها، وعيناها تفيض بالدموع:

"وانتي كمان؟ رحتي معاه وسبتينا لوحدينا؟ لا عم، ولا خال، ولا قريب! مين هيسأل علينا بعدكم؟ مين هيطيب بخاطرنا ويمسح دموعنا؟ ها؟ مين؟!"

أخذت نفسًا مرتعشًا وكأنها تحاول التقاط أنفاسها بين كلماتها التي أثقلت الهواء من حولها، ثم تابعت بوجع لا يُحتمل:
"عمي؟ عمي اللي أكل حق بابا! عمره ما سأل علينا وانتو عايشين، وسبنا له كل حاجة يشبع بيها وجينا هنا!"

رفعت عينيها وكأنها تبحث عن إجابة من وجه والدتها الجامد، ثم أردفت بصوت مشحون بالغضب والألم:
"ولا خالتي؟ خالتي اللي سابت البلد كلها وهاجرت من سنين وما بتسأل على حد؟ لا فيكم ولا فينا! طيب... مين؟ مين ينصحنا؟ مين يحبنا من قلبه زيكم؟"

توقفت للحظة، وكأن الكلمات تعجز عن الخروج من فمها، ثم تابعت بصوت خافت لكنه يقطر تعبًا وحسرة:
"مين ينصح همسة لحياتها الجديدة؟ مين يلبسها طرحة فستانها الأبيض؟ مين ياخدني أنا في حضنه...؟ أنام وأنا مطمنة زي زمان... مين يا ماما؟"

صوتها تهدج أكثر، وانخفض حتى صار أقرب إلى الهمس وهي تقترب من وجه والدتها، تمسح على وجنتيها الباردتين وكأنها تحاول أن تبعث فيهما الحياة:
"ردي... ردي عليّ، عشان خاطري... قولي لي إنها كذبة، قولي لي إنك لسه هنا... قولي لي إنك مش هتسيبيني...'

وحين وصلت إلى هذه الكلمات، بدا أن عقلها قد بدأ يفقد اتزانه تمامًا. صوتها تحول إلى صراخ مكبوت، وأصبحت تهذي بكلمات غير مفهومة. جسدها بدأ يهتز، وكأنها على وشك الانهيار الكامل.

أمسكت بها مي ، محاولًا تهدئتها، لكنها كانت تتلوى بين ذراعيه، تصرخ وتبكي، وكأنها تحاول اللحاق بهما بأي طريقة

تعليقات



<>