رواية بك احيا الفصل التاسع9 والعاشر10 بقلم ناهد خالد


 رواية بك احيا الفصل التاسع9 والعاشر10 بقلم ناهد خالد

"تائهة"

استعاد نفسه رغم انه مازال يشعر بألم قلبه لكنه تجاهله مؤقتًا كي يستطيع الظهور طبيعيًا أمام والدته التي سريعًا ما يتآكلها القلق عليه، ففرد ظهره وهو يزفر انفاسه بقوة قبل أن يغمض عيناه لبرهة مستعيدًا ثباته، وما إن شعر أنه أصبح بخير قليلاً، حتى تحرك للداخل بخطواته التي بدت مختلفة رغمًا عنه، بدت أقل ثقة، وأقل ثباتًا، فخطوات الإنسان تتأثر بشدة بما يجول في عقله، كلما كان عقلك صافيًا ونفسك هادئًة بدت اكثر ثقة وحماس، وكلما كنت شارد العقل في أمر ما كانت خطواتك مترددة وهِنة، ابتسم ثغره ابتسامة بالكاد تُرى ما إن وجد نظر والدته مسلط على مكان دخوله، بادلته الابتسامة بحنان وقد انخدعت بابتسامته الظاهرية لتهتف بحب:

_ حمد الله على السلامة يا نور عيني، اتأخرت ليه النهاردة؟

اقترب منها مقبلاً جبهتها بحنانه المعهود معها قبل أن  يجيبها بهدوء:

_ كان عندي شغل كتير يا حبيبتي. 

تنهدت بعدم راحة لماهية عمله ولكن لقد فعلت كل ما يمكن فعله لتتأكد من طبيعة عمله، سألته عدة مرات وكانت ترى الصدق في اجابته، حاولت أن تلاحظ أي شيء يثير شكها ولكن لم تجد، يذهب لعمله في التاسعة صباحًا ويعود في التاسعة مساءً، مواعيد عمل مثالية! ماذا سيثير شكها اذًا! 

_ ربنا معاك يا حبيبي.

جلس بجوارها على المقعد وهو يلقي بتحية باردة لوالده:

- مساء الخير يا بابا.

وبنفس البرود كان يجيبه:

_ مساء النور يا مراد.

وحل الصمت بينهما لا يتخلله سوى أصوات اصطدام المعالق بالطعام من فنية لأخرى، ولطالما كان دومًا تجمعهم هكذا ليس على الطعام فحسب فأي تجمع لهم لا يخلو من الصمت الطويل، وكأنهم فقدوا لغة الحوار فيما بينهم وهم بالفعل كذلك. 

ابتلع ما في فمه بصعوبة، لا يشعر انه بخير بتاتًا، من كثرة ألم صدره يشعر بصعوبة بالغة في مضغ الطعام أو بلعه، رفع كفه في الخفاء يمسد جانب صدره الأيسر باختناق آثار حنقه، لا يعلم ما يجب عليهِ فعله كي يزول هذا الاختناق الغاشم عنه، التواء طفيف في عضلة فكه الأيسر أنبئت بتألمه وقد غص في طعامه من كثرة اختناقه، سعل بخفة عدة مرات متتالية قبل أن يلتقط كوب الماء يتناوله بنهم، وكف "ليلى" يمسد على ظهره بقلق بعدما انتبهت لحالته وهي تقول:

_ بسم الله الرحمن الرحيم، براحة يا حبيبي، اشرب براحة وخد نفسك. 

انتهى من تناول الكوب ليضعه رافعًا كفه يمسح بهِ على وجهه ليزيل عرقه الذي غزاه من الاختناق، وزفر أنفاسه بقوة، قبل أن يبعد كفه ينظر لوالدته بابتسامة باهتة يحاول طمأنتها:

_ انا كويس متقلقيش. 

استمع إلي صوت "حسن" الساخر وهو يقول بينما ينظر لملامح "ليلى" القلقة:

_ ده شِرق ماخدش رصاصة! ليه كل القلق ده كأنه طفل! 

امتعضت ملامحها وهي تجيبه:

_ محدش طلب رأيك.. ابني اقلق عليه من الهوا الطاير، ولا فاكرني عديمة الاحساس زيك. 

رفع "مراد" حاجبيهِ ساخرًا من وصلة القذف بالكلمات التي ستبدأ للتو بينهما، لينهيها قبل أن تبدأ وهو يقول بسأم:

_ خلاص ياماما. 

التزما الصمت حين لاحظا ملامحه الممتعضة بضجر، ليستكملا طعامهما بصمت بينما نهض هو وهو يقول:

_ عن اذنكم هطلع انا ارتاح محتاج انام. 

نظرت" ليلى" له بقلق تسأله:

_ هتنام دلوقتي؟ الساعه لسه مجاتش ١٠! 

مال عليها بقامته يهمس في أذنها:

_ عشان ساعتين وهصحى. 

ضيقت حاجبيها بعدم فهم لجملته فهمست له:

_ ليه؟! 

وبمغزى كان يجيبها بنبرة توارى خلفها الكثير من الألم:

_ النهاردة ٢/٩ يا ماما. 

تصلبت معالهما لوهلة قبل أن تترقرق في عينيها الدموع وهي تعاتبه:

_ برضو يا مراد؟ لسه مصمم تعذب نفسك يابني!؟ 

بابتسامة تبدو لكل عين تراها لا مبالاية ولكن لعين والدته رأت كم الآلآم التي تتوارى خلفها كان يهتف منهيًا الحديث:

_ تصبحي على خير يا ماما. 

تابعته بنظرها بحزنٍ كامنٍ في قلبها حسرةً على ولدها وحالته التي لم تتغير بمرور الزمن ولا بنضجه، ولدها الصلب، الذي كبرَ قبل أوانه، وأصبح رجُلاً يُعتمد عليه رغم صِغر سنه، مازال محبوسًا في قفص الماضي، عنده يكن طفلاً صغيرًا بحاجة لرفيقة طفولته، تعترف أنها فشلت في جعله ينساها، تعترف أنها لم تفلح في أن تأخذ مكان طفلة كانت بالثامنة!. 

التفت للجالس فوق كرسيه ببرود يتناول طعامه، غير مهتمًا بهمسهما، سألته بأعين دامعة رغم علمها الاجابة :

_ أنتَ بجد معرفتش طريق خديجة وأهلها؟ 

زفر باختناق قبل أن يضع ملعقته بحدة وهو يغمغم بنزق:

_ يووه بقى، هو مبقاش ورانا سيرة غيرهم! انا عندي سؤال هنفضل لحد امتى بنجري ورا شوية خدم؟ هيفضل المحروس ابنك لامتى بيدور عليها وبيدفع فلوس قد كده عشان اي معلومة عنها! دي بقالها سبع سنين غايرة من هنا، سبع سنين مش كفاية عشان ينساها!؟ 

هزت رأسها بيأس وقد تساقطت دموعها بعجز:

_ للأسف ولا سبع سنين كمان كفاية، كنت فاكرة زيك كده، كنت فاكرة ابنك هينسى بعد كام شهر ومش هيفتكر اسمها حتى، بس صدمني.. ابنك روحه متعلقه بيها مش قلبه بس، كل حاجه فيه متعلقه بيها، عمره ما هينساها ولو جه عُمر فوق عُمره. 

نهض بعدما القى المحرمة القماشية بضيق:

_ هو حر بقى، خليه معذب نفسه وبيجري ورا سراب. 

انهى حديثه منسحبًا من أمامها لتنظر لأثره بشك وهي تهمس بقلق:

_ ياخوفي تكون عارف مكانها وبتضلله، لو مراد اكتشف ده هتقوم حرب هتولع في البيت باللي فيه. 

________________

عيناها.. عيناها بركة دماء، ملامحها باهتة، وجهها شاحب، ونظرها مسلط في اتجاه واحد كأنها فقدت الوعي!
اقتربت "فريال" وهي ترمقها بعيناها السوداء كعين المها، ورغم ارهاقها هي الأخرى إلا أن وجهها لم يفقد جماله ببشرتها القمحية الرائعة التي تنم عن فتاة عربية أصيلة، وشعرها الغجري الطويل لمنتصف ظهرها، جميلة هي للحد الذي يجذبك بجمالها الخاص، اقتربت بحزن على رفيقتها حتى جلست جوارها وهي تضع كفها على كتف الأخرى وقالت مغمغمة:

_ وحدي الله يا خديجة، وحدي الله ياخيتي، كفياكِ بكا عينك هتروح.

لم تتحرك "خديجة" أنشًا واحدًا وكأن "فريال" لم تجاورها أساسًا، تنهدت "فريال" بصبر وهي ترمقها بقلق من حالتها تلك، وحاولت جذب الحديث معها اكثر وهي تقول:

_ طب جومي، جومي صلي ركعتين لله واستغفري وادعيه يصبر جلبك، ويرحمها.

وهنا التفت بنظرها لها، تحركت حدقتيها تجاه "فريال" وهي ترميها بنظرة موجعة، قبل أن تقول بصوت مبحوح من كثرة صراخها منذُ ساعتان مضت:

_ يرحمها! جصدك يرحمني.

ربطت "فريال" على كتفها وهي تقول بحزن:

_ يرحم الكل يا جلبي، جومي يمكن نارك تهدى.

هزت "خديجة" رأسها بانهيار وهي تقول بصوتٍ باكٍ ارتفعت نبرته المختنقة:

_ نار! انا حاسه اني تايهة، مش فاهمة اي الي حُصل، ازاي! دي... دي كانت لسه بتتحدت (بتتكلم) ويانا وزينة، ايه الي حُصل عشان توجع مننا فجأة اكده!

صمتت لثواني وعيناها جاحظتان وكأنها تعيد الحديث برأسها، لتهز رأسها نافية بقوة وهي تقول بإنكار:

_ لا لا، محصلش حاچه، ده كابوس... ايوه كابوس وهفوج منه، مستحيل، هي زينة والله محصلش حاجة.

صرخت بالأخيرة وهي تنظر ل "فريال" بانفعال بالغ، لتهدئها الأخرى وهي تربط على كتفها بمواساة:

_ طب اهدي.. اهدي يا خديجة بالله عليكِ اكده هيجرالك حاجة.

لم تهتم "خديجة" لحديثها، ولكنها لفت رأسها ناظرة لباب غرفتها المفتوح حين استمعت خطوات تقترب منه، ثواني ووجدت "باهر" أمامها بقامته الطويلة وجسدة المتناسق كحال معظم شباب البلدة من كثرة أعمالهم الشاقة بالحقول حتى وإن كانوا ذو شهادات عُليا فالحقل بالنسبة لهم كالمنزل تمامًا لا غنى عنه، وما يفعلونه حبًا في أرضهم واعتزازًا بها أكثر من كونهم يستفيدون منها، "باهر" الملتحق بكلية الطب البشري الفرقة الخامسة، "باهر" رفيقها الذي كان عونًا لها منذُ استقرارها في البلدة، "باهر" الذي بات أقرب لها من "فريال" حتى، هو الوحيد الذي سيفهمها ويصدقها! لذا لم تتمهل في النهوض سريعًا مهرولة تجاهه حتى أصبحت أمامه وهي تقول بملامحها الباكية وتميل رأسها للجانب قليلاً كطفلة تحاول اقناع من أمامها:

_ باهر، جولها إن أمي كويسة، جولها إن محصلهاش حاجة وهتبجي زينة.. هي كانت بتتحدت (بتتكلم) ويانا ومفيهاش حاجة عِفشة، جولها يا باهر عشان ممصدجنيش.

"خديجة" سبع سنوات لم تكن هينة لتجعل لسانها يعتاد لهجتها الأم رغمًا عنها، ورغم هذا لم تنسى لهجتها القاهرية التي تشعر بأنها الشيء الوحيد الذي يربطها بذكرياتها وماضيها.

طالعها بأسف على حالها قبل أن يقترب خطوة واحدة مُمسكًا كفيها لأول مرة بحياته فلم يفعلها سابقًا لانه يعلم أنه لا يحق له فعلها، يعلم أن لا دينه ولا خُلقه يسمح له بلمسها حتى وإن كانت طفلة، ولكن ما هي فيهِ الآن لم يحتمله، لم يستطع أن يقف مكتوفي الأيدي هكذا.

نظر لعينيها بثبات واهٍ وهو يقول برفق:

_ خديجة، ممكن تهدي، استغفري ربنا وارضي بقضاءه، ادعي انه يربط على جلبك ويصبرك احسن من حالتك دي.

طالعته بعتاب وكأنه خذلها للتو وقالت بلوم:

_ حتى أنتَ مش مصدجني!

أصرَ على حديثه رغم أن نظرته آلمتها لكن المواجهة أفضل بكثير من حالة الانكار هذه:

_ خديجة، مرت عمي ربنا توفاها واسترد أمانته فيها، الدكتور جال أنها غيبوبة سكر شديدة وانتوا ع ما اتحركتوا ملحجهاش، أنتِ خابره انها عندها السكر من ياما، وكانت زينة وعايشة بيه، بس ده جدرها ومعادها، وحدي الله وادعيلها. 

أمسك كفيها بقوة حين وجد جسدها ينسحب للأسفل لتسقط جالسة بوهن فوق الأرضية، واقتربت "فريال" سريعًا منها، تدعمها وهي تلتقف جسدها بين أحضانها، لتبدأ "خديجة" في النحيب بصوتٍ عالٍ ومظهرها أوجع قلوبهم، ظلت هكذا لدقائق حتى ارتفع صوت صرخاتها الهيستريا مرة أخرى وهي تغمغم من بينهم:

_لييييه... هملتيني ليييه ياما؟ .. هملتيني لمييييين؟ .. مش كفاية سارة.. أنتِ كمان! أنتِ كمان هملتيني لحالي.. آآآآآه.. يارب... يااارب أنا لسه صغيرة على الشيلة دي.. لسه صغيرة على الوجع ده كله، جلبي ممتحملش وجع تاني.. 

أخذت تضرب على صدرها بقوة في جملتها الأخيرة، لتحاول "فريال" الامساك بها باحكام وابعاد قبضتها عن صدرها إلا أنها كانت الاقوي مشحونة بطاقة حزنها وغضبها، ونهض "باهر" سريعًا راكضًا للخارج مقررًا جلب حقنة مهدأ لها، فإن ظلت هكذا حتمًا ستؤذي ذاتها.. 

_ كلهم هملوني يا فرياال.. كلهم.. محدش بجي معايا، محدش هعرف اشكيله همي ولا اميل عليه لما حملي يتجل.. حاسة بنار في صدري.. حاسة روحي بتتسحب مني يا فريال. 

حاولت "فريال" الحديث لها بصعوبه من بين صرخات الأولى فرفعت صوتها وهي تقول بينما تمسك بجسدها بين ذراعيها:

_ اهدي يا خديجة، وحياة أغلى حاجة عندك اهدي، أنتِ تعبانة مش حِمل الي بتعمليه ده يا بت خالي، اهدي بجي لتجعي مننا أنتِ التانية. 

عقبت "خديجة" على حديثها بنحيب:

_ياريت، مش انا تعبانة زي ما بتجولي، مش بتجولي الزعل غلط عليَّ هيعمل ايه؟ هيموتني! يارب.. يارب عشان ارتاح بجي من الغلب ده، بس متخافيش مش هموت، عارفة ليه.. عشان ربنا رايدني اتعذب، سايبني على الدنيا عشان اتعذب واكفر عن ذنبي ودي البداية بس. 

بدت بعض الجمل غير مفهومة المعنى ل "فريال" لكنها اسندت الأمر أنه مجرد هرتله بالحديث غير مقصودة من سوء حالتها النفسية فلم تعقب وهي تردف:

_ حرام عليكِ، ايه الي بتجوليه ده يا خديجة، استغفري ربنا، ده الرسول صلى الله عليه وسلم جال "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم ‏أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي" وجال برضو "لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون"، بلاش تدعي على نفسك حرام عليكِ. 

ولكن "خديجة" لم يكن عقلها واعيًا لأيـًا من هذا الحديث الآن. 

ظلت على حالتها حتى دلفت عمتها" سُمية" بوجهها الجامد وملامحها القاسية، الباردة، وهي تقول بضيق:

_ وه! ما كفياكِ نواح يابت محمود، هنجضي الليل كله صريخ ونواح اياك! جومي فزي خدي خيك في حضنك الواد مفزوع من الي بيحصل. 

لم ترمي "خديجة" لحديثها بالاً ومن الواضح انها لم تسمعها حتى فأصبحت تتمتم بعدة كلمات غير مفهومة وعيناها شاردة في الفراغ، لتنوب "فريال" بالحديث عنها وهي تردف بضيق بالغ من قسوة والدتها:

_ حرام عليكِ ياما، أنتِ مش شايفة حالتها كيف، خيها ايه بس الي تاخده في حضنها دي محتاجة الي يواسيها! 

نهرتها "سُمية" بشدة وهي تبرق لها عيناها:

_ حُرمت عليكِ عيشتك يا غراب البين أنتِ، هتناطحيني اياك! جومي فزي جامت جيامتك، بلا دلع ماسخ جاعده تواسيها يا عين امك. 

_ دلع! دلع ايه ياعمة أنتِ مشيفاش حالتها! الي ماتت تبجي امها بردك راعي شعورها مش اكده! 

قالها "باهر" بعدما عاد من الخارج وهو يتجاوزها ليرفع "خديجة" من فوق الأرضية بمساعدة "فريال"، لوت "سُمية" فمها بضيق وهمست بنزق:

_ ادي الي بيجلنا من البنات وخلفتها. 

وتركت الغرفة عائدة للخارج. 

انتهى من اعطائها المهدأ حتى أغلقت عيناها، فتنهد براحة وهو ينظر لحالتها المثيرة للشفقة بحزن جم، لم يراها هكذا من قبل، ورؤيتها تنهار توجع قلبه بشكل موحش، لكن ليس بيده ما يفعله، خبر وفاة والدتها كان فاجعة للكل وانقلبت حياتهم رأسًا على عقب، نظر ل"فريال" ليجدها تبكي في صمت، فزفر بضيق وهو يقول:

_ جرا ايه يا فريال! هنسكت واحده تطلع التانية! 

رفعت عيناها الباكية له وهي تسأله باختناق:

_ سمعت الي عمتك جالته؟ شايف جسوة جلبها! 

رفع جانب شفته العليا ساخرًا:

_ كأنك هتتجددي عليها! 

نفت برأسها بحنق:

_ لأ، بس متخيلتش ان توصل بيها الجسوة للدرجادي.. عارف أما مش كارهه خديجة بالذات، هي كارهة البنات كلها بسببي. 

يعلم صدق حديثها، ويحزنه حالها هي الأخرى ومعاناتها الدائمة مع والدتها، وشعورها الذي هي موقنة منه وهو أن والدتها لا تحبها، وما أقسى هذا الشعور، لكنه حاول ابعادها عن تفكيرها هذا وهو يقول:

_ متجوليش اكده، مفيش أم بتكره بتها. 

ضحكت ضحكة موجعة وهي تردد ساخرةً:

_ تحب اجولك كام مرة دعت عليَّ، ولا اجولك كام مرة تجولي كان يوم اسود يوم ما جيتِ الدنيا، ولا اجولك أنها عمرها ما جالتلي كلمة حلوة.. اسكت يا باهر.. اسكت مادام مهتعرفش تكدب. 

اخفض انظاره بحرج من كشفها له، فبالفعل لن يستطيع المراوغة في هذا الأمر او الكذب، لن يستطيع مواساتها حتى ولو بالحيلة، هز رأسه بإيجاب وهو يقول:

_ المهم، لما خديجة تفوج خليكِ جارها، متفارجيهاش واصل يا فريال، احنا رايحين ندفن ولو فاجت وملجتش امها في البيت حالتها ممكن تبجى اصعب. 

اومأت "فريال" برأسها رغم قلقها وخوفها من لحظة افاقتها وتخشى ألا تستطيع السيطرة عليها، لكنها رددت باعتراض:

_ هو لازم تدفنوها دلوجتي؟ الدنيا ليل، ماتصبروا للصبح. 

هز رأسه مستنكرًا:

_ هتفرج ايه ليل من نهار! بلاش جهل يا فريال، يلا هروح انا واول ما الدفنة تخلص هاجي طوالي عشانها.

اومأت برأسها موافقة، ليذهب هو خارجًا كي يلحق بصلاة جنازتها، وبقت "فريال" تجاورها ببكاء أحيانُا على حالة رفيقتها وأحيانًا على حالها هي وما تعانيه من أم عُجنت القسوة بدمائها.

__________________

منذُ صعد من أسفل وأول شيء فعله أن تخلص من قميصه وحذائه وأي شيء شعر أنه يزيد اختناقه، حتى انتهى بهِ الحال بنصف علوي عارٍ والنصف السفلي يستره ثوبه الداخلي فقط، ورغم هذا لم يقل الاختناق ولا الثقل الهائل الذي يشعر بهِ يجثم فوق صدره تزحزح أنشًا، ساعتان مروا وهو يجلس فوق فراشه برأس منحنية تطالع الفراغ في الأرضية، وكتفان متهدلان بيأس، عقله يتسائل متى سيُكتب لقلبه الراحة؟ متى ستُرد له روحه؟ متى ستُكلل محاولاته في البحث عنها بالنجاح؟ لقد صبرَ وطال صبره حتى ضاق بهِ الخناق، يشهد الله أنه لم ييأس يومًا من لقياها ولكن الأمر يرهقه ويؤلم قلبه حد الجحيم.

دقة مميزة برنين خافت أُصدر من ساعة يده، ليرفع رأسه مبتسمًا بحب، وكأنه تبدل وأصبح شخصًا آخر، عيناه اللامعة بتلك اللمعة المميزة، وملامحه التي سكنت فجأة، كل هذا جعله يبدو شخصًا آخر.. نهض متحركًا تجاه خزانته والتقط كنزة صيفية بنصف اكمام سوداء ضيقة قليلاً ابرزته عضلاته لحد ما، وارتدى سروال قطني رمادي اللون، واتجه للحمام وغسل وجهه بالماء جيدًا يزيل أثر الارهاق، ومن ثم خرج واقفًا أمام المرآة معدلاً خصلاته كأنه على موعد لمقابلة شخصًا هامًا، بعدة تحركات وترتيبات في الغرفة فعلها حتى أصبح الشكل كالتالي كما أراد.. كرسي أنيق وضعه أمام النافذة من الداخل، لتكن النافذة خلفيته وبالتالي ما يطل عليها ك "غرفتها" القديمة مثلاً!، وأمام الكرسي ثبتَ كاميرا على حامل لها، وغاب لثواني حتى أتى بحقيبة متوسطة الحجم، أدار الكاميرا واتجه للجلوس فوق الكرسي والحقيبة وضعها على فخذيهِ، تنهيدة عميقة.. فابتسامة هادئة.. فنظرة خاصة كأنه يرى من يحدثه أمامه، ثم بدأ في الحديث:

_ كل سنة وأنتِ طيبة يا ديجا، النهاردة عيد ميلادك ال ١٥، وعيد ميلادك الخامس الي اسجلك فيه فيديو، كانت امنيتي السنة الي فاتت في اخر الفيديو إن السنة الجاية اكون بعايدك وأنتِ قدامي ومحتاجش للكاميرا تاني، بس للأسف المرة دي كمان أمنيتي متحققتش..

أخفض نظره لوهلة يستعيد فيها نفسه، لا يريد أن يظهر حزنه لها حين تشاهد هذه الفيديوهات مستقبلاً، رفع رأسه وهو يكمل بيقين داخلي:

_ بس مش مهم.. صبرت وهصبر، وعارف إن هييجي يوم احتفل بعيد ميلادك معاكِ وافرجك كل الفيديوهات دي، ومستني اليوم ده بفارغ الصبر، وحشتيني..

تنهيدة عميقة صدرت منه وغامت عيناه بالمشاعر وهو يكمل:

- وحشتيني اكتر من اي حاجة في دنيتي، وحشتيني لدرجة إني مش متخيل لما اشوفك هشبع اشتياقي ده ازاي، بحاول اتخيل شكلك وبتخيله بس بحس انه هيبقى بعيد عن الحقيقة، مش عارف... بابا وماما مستغربين إني لسه فاكرك وبدور عليكِ، ميعرفوش إني قطعت وعد لنفسي إني هفضل ادور عليكِ لآخر نفس فيَّ، ويا الاقيكِ الأول يا روحي تطلع الأول.. كان نفسي تكوني معايا كل السنين الي فاتت دي ونكبر سوا ومتغبيش عن عيني لحظة، عارف إنك محتجاني زي مانا محتاجك بالضبط، عارف إنك اكيد مفتقداني، ثقتي في البنوتة الي ربتها مخلياني عارف إنك مش هتنسيني حتى لو كان سنك صغير وقتها.... 

التقط انفاسه وعاد يقول بألم ظهر بحدقتيهِ:

_ المشكلة.. المشكلة إني مش جنبك يا خديجة، المشكلة إني حاسس بوجع في قلبي بيقولي إنك مش كويسة وعاجز.. عاجز لأني معرفش مكانك، مش عارفه اعمل ايه، احساس العجز مموتني خصوصًا والموضوع يخصك أنتِ، نفسي اطمن عليكِ واطمن قلبي بس مش عارف، الوجع الي حسيت بيه النهاردة انا عارفه كويس مبحسش بيه غير لما يكون فيكِ حاجة، وللاسف دي تالت مرة أحس بيه وأنتِ بعيدة عني.. اتمنى إنك تكوني بخير يا ضيّ. 

ابتسم بفاكهة طفيفة وهو يكمل:

_ مش هقولك سر اسم ضيّ الي بقولهولك من اول فيديو ده، مش هقولك السر غير لما تكوني قدامي.

فتح الحقيبة وأخرج ما بها ليقول بابتسامة متحمسة:

_ الحقيقة هديتك السنة دي حيرتني اوي، عشان عارف إنك بقيتِ أنسة ويمكن اهتماماتك اتغيرت عن السنين الي فاتت.. مش عارف، بس جبتلك الشنطة دي، والفستان ده اول ما شوفته حسيت إني شايفك فيه رغم إني معرفش مقاسك ولاشكل جسمك بس واثق أنه هيجنن عليكِ... 

أخرج الفستان يعرضه أمام الكاميرا، وقد كان ذو لون وردي هادئ بتصميم بسيط يصل لبعد الركبة بقليل و بأكمام، صدره يضيق لينزل باتساع قليلاً، وله حزام في المنتصف رُصع بالماس الذي زين نهاية الأكمام أيضًا، وقماش الفستان بهِ بعض التطريزات اليدوية وقد أُدخل فيهِ النقوش الهادئة والتي كانت تشير لرسومات فراشية الشكل، أما الحقيبة كانت بيضاء من الجلد الطبيعي ورغم حجمها الصغير إلا أنها بدت رائعة خاصًة وقد زًينت في منتصفها باسمها (Deja) مُرصعًا  باللولي المضيئ فأعطاها مظهر أنيق. 

أعادهم للحقيبة وهو يقول بابتسامة بدت باهتة كعادته في نهاية كل فيديو:

_ اتمنى يعجبوكي.. واتمنى السنة الجاية اكون بعرض الهدايا قدامك وبحتفل بعيد ميلادك ال١٦ معاكِ وعيني تشبع منك، رغم إن عمرها ما هتشبع.. وحشتيني يا ضيّ.. وفراقك كاسرني. 

قال الأخيرة وقد اختنقت نبرته ولمعت حدقتيهِ بدموع تجاهد لعدم الظهور، فنهض مغلقًا الكاميرا ووضع الحقيبة بجوار الخمس حقائب الأخريات في خزانته، وأغلق عليهما متجهًا لفراشه راميًا بثقله عليهِ وعيناه ناظرة للسقف بشرود مؤلم. 

-------------

حركت رأسها بانزعاج، تشعر بذاتها مكبلة ولا تعلم لِمَ او ماذا يحدث معها، افترقت شفتيها لتنطق اسمًا لم تنطقه منذُ سنوات ولكنها شعرت بروحه تطوف حولها! ومن بين يقظتها وغفلتها كانت تردد بوهن:

_ مـــــــراد!!! 

بك احيا 
ناهد خالد 
الفصل العاشر
"لا وقت للحزن! " 
"أحيانًا نفقد أحقيتنا حتى في التعبير عن مشاعرنا" 

الساعة الثانية صباحًا..

خرج من غرفته بخطى حذِره وهو يعدل من ياقة معطفه الشتوي الأسود كحال جميع ما يرتديه فالبرودة في الخارج بمثل هذا الوقت في اوائل فبراير لا تُحتمل، ترجل درجات السلم الداخلي بملامح بدت هادئة رغم ما يعتمر دواخله، فآلآمه التي يشعر بها لم تخمد لكن وراءه عمل عليهِ انجازه، وقد اعتاد كيف يدفن مشاعره جيدًا وقت العمل.

حين وصلَ لآخر درجات السلم لمحَ "سلوى" الخادمة الوحيدة بالمنزل وهي تخرج من باب المطبخ فوقفت متفاجئة من رؤيته، طالعها قليلاً بصمت آثار ريبها، حتى نطقت هي بتوتر فلطالما خشته دون أن تعرف السبب، لم يبدر منه شيء سيء تجاهها من قبل ولكن رؤيته تثير ارتباكها وخوفها أكثر من والده حتى الذي لا ينفك يغضب عليها:

_ حضرتك محتاج حاجة؟ 

نزل الدرجة الأخيرة فظنته سيكمل للخارج لكنها تفاجئت بهِ يعدل خطواته ناحيتها، فارتدت للخلف خطوة بتوتر شديد رغم بُعده عنها، مع الاضاءة الخافتة التي تزين البهو في مثل هذا الوقت، وصوت الرياح الخفيف الذي يأتي من الخارج، وطوله المهيب لها والآن هدوءه الذي آثار ذعرها كل هذا جعلها تتمنى لو تركض من أمامه! رفعت عيناها المتذبذبة له حين سمعت صوته يقول:

_ أنتِ شوفتيني؟ 

طالعته بحيرة، ولم تفهم سؤاله في بداية الأمر، حتى تذكرت ذات مرة حين أخبرها بتحذير أن من يسكن هذا البيت لابد له ألا يرى وألا يسمع وألا يتحدث، ففهمت مغزى سؤاله، هو لا يسألها إن كانت رأته حقًا أم لا،  فالاجابة بين طيات السؤال، اذردت ريقها بصعوبة وهي تقول:

_ اا.. لأ.. لأ مشوفتش حضرتك. 

التواء بسيط ظهر في جانب فمه، لا يمكن أن يُقال عنه ابتسامة، بل هو مجرد تعبير منه عن رضاه بإجابتها، هذا فقط قبل أن يبتعد مكملاً سيره للخارج. 

استندت على الحائط بجوارها تلتقط أنفاسها بقوة، وما إن هدأت قليلاً حتى غمغمت بنبرة مهتزة:

_ يعني هو كده اجابتي كانت صح ولا لأ! يخربيتك سيبت ركبي.. نظرته ترعب، بقى ده عيل لسه ٢٠ سنة يولاه! اومال لما يكبر ده هيبقى عامل ازاي! لالا، إن شاء الله اكون سيبت الشغل هنا قبلها انا ناقصه ده المرة الجاية هيجبلي سكتة قلبية. 

غمغمت بجملتها الأخيرة بنزق وهي تتتجه ناحية باب الحديقة الاخر كي تذهب لغرفتها.. وبالطبع لم تكن تلك الغرفة التي تقبع في الحديقة والتي سكنتها خديجة وعائلتها، ف"مراد" لم يسمح لأيًا من كان أن يسكنها بعدها، فبنى "حسن" غرفة آخرى مرغمًا بعدما فشل في إمالة رأس "مراد" وجعله يقبل بالأمر، ولأنه في ذلك التوقيت كان يريد أن يأخذه تحت إبطيه فلم يعارضه كثيرًا. 

وبالخارج... 

فتح باب سيارته مستقلاً إياها بهدوء خارجًا من الفيلا بأكملها بهدوءه الذي اعتاد عليهِ حين يخرج في مثل هذه الأوقات فلن يسمح أن تعرف والدته  بخروجه في وقت كهذا، فحتمًا حينها ستشك بهِ بلا جدال، لذا هو يؤمن نفسه! أمامها بمواعيده المثالية ومن وراءها بمواعيد أخرى تمامًا بعيدة كل البعد عن المثالية. 

ضغط زر الايجاب حين على رنين هاتفه المحمول، ووضع سماعة البلوتوث في أذنه، وأجاب بهدوء:

_ها؟ 

استمع للطرف الآخر وهو يقول:

_ الدكتور يوسف لسه مصمم على رأيه، واخر مرة هدد الراجل بتاعنا لو حاول يتواصل معاه تاني او مع اي حد من المستشفى هيبلغ عنه البوليس. 

نظر للنافذه بجواره وعيناه تحمل نظرة ساخرة:

_ امم.. لا تمام، يبقى هو الي اختار، بكره ابنه يبقى عندنا.

استمع لتأكيد الطرف الآخر قبل أن يفصل المكالمة وهو ينظر أمامه بتفكير، فذلك الطبيب الذي رفع راية الضمير ربما سيتسبب بخسارة ولده الوحيد والذي لن يستطيع أن ينجب غيره مادام متمسكًا بزوجته التي أزالت رحمها منذ أشهر، بالطبع تلك التفاصيل لم تغيب عن "مراد" وتفاصيل أخرى أكثر بكثير، فإن قلت أنه علمَ عنه كل تفصيلة لن اكون مبالغة في التعبير، فحتى ما حدث بينه وبين زوجته هو يعلمه، "مراد" و "جواسيسه" لا يمزحون حين يتعلق الأمر بعملهم. 

ساعة كاملة حتى وصلَ لجهته، أوقف السيارة بتهور كعادته واطفئ محركها قبل أن يفتح صندوقها الأمامي والتقط سلاحه الخاص بعدما شدَ أجزاءه وقام بوضعه في حزام بنطاله من الخلف ثم أسدل سترته عليهِ ليحرص على عدم ظهوره، التقط هاتفه أيضًا ووضعه في جيب سترته الداخلي الأيسر، ثم ترجل من سيارته بتروي وهو يمشط المكان حوله بعينيهِ بحذر، حتى أبصر المنشودين يقفون على بعد العديد من السنتيمترات والسيارات تجاورهم، سار نحوهم بشموخه المعتاد حتى أصبح قريبًا منهم فانتبهوا له فوقفوا بانتظاره عدا أحدهم الذي ركض ناحيته وهو يعلمه آخر الأخبار:

_ باشا، كله تمام والعربيات اتحملت. 

هز رأسه دون تعقيب على حديثه وهو يمرر نظره على السيارات والرجال المصطفون أمامها، نظر لأحد الرجال القريبون منه على يمينه وهو يسأله:

_ عملت ايه مع ضابط الكامين. 

هز رأسه وهو يقول:

_ كله تمام ياباشا، اتراضى وهيعدي العربيات من غير ما تتفتش. 

اتجه بخطواته ناحية أقرب السيارات وهو يقف أمام صندوقها الخلفي فأسرع الرجلان الواقفان أمامها بفتح بابها، وبعدها جذب أحدهم أحد الصناديق وفتحه، لتلتمع أعين "مراد" بحماس وهو يرى ما بالصندوق من أسلحه لدومًا كانت افتنانه الأول، حمل أحدهم وهو يتحسسه بيده ويتأكد من معاييره الظاهره التي يختبرونها، التوى جانب فمه بابتسام طفيف وهو يغمغم:

_ مشهد كفيل يسعدني. 

اقترب الرجل الأول منهُ وحديثه معه قد بدى أنه الأقرب مكانةً من الباقيين وهو يسأله:

_ نفسي افهم سر افتنانك بالسلاح يا باشا، يعني احنا بنعمل حاجات كتير مشوفتكش عندك شغف لحاجه فيهم زي شغفك لتجارة السلاح. 

وضع السلاح محله، والتف للواقف خلفه يضع كفه على كتف الأخر قبل أن يقول بنبرة واثقة:

_ اسمها بنعمل كل حاجة، ثم إن ايه تاني بنعمله عاوز يكون عندي شغف له! الاعضاء! ولا المخدرات؟ ولا يكونش قصدك الشغل الطري.. 

هتف بالاخيرة وهو يغمز غمزة ايحائيه، وعاد يكمل:

_ معتقدش حاجه في دول ممكن تثير الشغف.. لكن السلاح.. السلاح ده شيء يتقدس، كفاية إنه بيخلصك من أي حد مش طايقة في ثانية، بعدين مش أي حد بيشيل سلاح ويضرب بيه يبقى معلم، المعلم بجد هو الي يتعامل مع حتة السلاح زي المُزة الطرية.. وأي مُزة محتاجة ايه يا طارق؟ 

عقد "طارق" حاجبيهِ بتفكير لثواني، قبل أن يقول بحيرة:

_ مش عارف ياباشا. 

ضحك "مراد" بخفة وهو يسأله مستنكرًا:

_ جرا ايه يا طارق ملكش في المُزز ولا ايه؟ متقلقنيش عليك!

ضحك "طارق" باتساع بينما يجيبه بوقاحة معتادون عليها:

_ مش دي القصة يا باشا، انا باخد الي عاوزه من المُزه وطريقها أخضر أنا هقعد احللها بقى واشوف محتاجه ايه ومش محتاجه ايه!

ابتعد عن السيارة وهو يعقب ساخرًا:

_ عشان كده مفيش واحده بتعمر معاك. 

اتبعه "طارق" بعدما أشار بيده للرجال ليتحركوا وهو يقول:

_ ياباشا مان شاالله ماعنها عمرت، هو انا هحتاجها تعمر برضو! ده انا حتى ملول. 

هز رأسه باستنكار لاجابته ولكنه لم يعقب عليها وهو يقف أمام سيارته ووقف "طارق" أمامه:

_ السلاح أو الحتة الطرية الاثنين معاملتهم واحدة، يحبوا اللين، والغشومية معاهم هتزعلك وتعورك أنتَ مش هما، وزي ما الست مش مفهومة وخباياها كتير، السلاح برضو خباياه كتير والحدِق بس هو الي يعرف كل مداخله وسككه، زي المُزه العاصية بالضبط تفضل تصدك ومدوخاك وراها لحد ما تعرف أنتَ مداخلها الصح وتدخلها منها وقتها كل شيء يبقى تمام.. مجال السلاح ده كل ما اتمعقت فيه تكتشف حاجات تشدك اكتر واكتر. 

صمت ينظر لملامح "طارق" التي لا يتبين عليها فهم آيًا مما قاله، فزفر بلامبالة وهو يقول مغيرًا حديثه:

- بعدين مش ناوي تخلي واحده ترتع معاك، ده انت داخل على ال٣٠ يعني استقرار بقى والهجس ده. 

تغاضى "طارق" عن كل حديثه وهو يردف:

_ الصراحة انا في سؤال أهم نفسي اسألهولك من سنين بس خايف تقفش. 

عقب على حديثه بنبرة جافة:

_ اقفش! انتَ بتكلم خطيبتك ياروح امك! انجز ياله. 

رفع أصبعه مشيرًا إليهِ كأنه قبض عليهِ متلبسًا:

_ شوفت قفشت اهو..

ادار واجهه ساخظًا وهو يقول بنزق:

_ برضو هيقولي قفشت ابن ال***. 

اطلق لفظًا بذيئًا لم يتعجب منه "طارق" فهو معتاد على ألفاظه تلك وتعبيراته الوقحة، الجريئة الخالية من أي أدب، ورغم أن "طارق" في طبيعته لا يتخير عنه ولكن ما يثير استغرابه هو ما قاله الآن:

_ اهو هو ده السؤال الي نفسي اسألهولك، يعني متأخذنيش حضرتك ياباشا ابن ذوات ومتربي في فيلل ومدارس ايه وتعليم ايه، يعني كفاية حتى انك في كلية الهندسة الاجنبية دي، ومع كل ده بتقول الفاظ يعني... 

صمت وخشى أن يتمادا في الحديث أكثر فيثير غضب الأخر، وببرود كان "مراد" يكمل:

_ الفاظ سوقية قصدك! او خيلنا نقول زي الفاظ واحد جاي من حارة ولا قاعد في غُرزة. 

ذم شفتيهِ بتفكير زائف وهو يخفض نظره للاسفل بهمهمة خفيضه اثارت قلق الواقف أمامه، قبل أن يرفع رأسه بابتسامة باردة رسمت الراحة على ملامح "طارق" وهو يقول:

_ وهو يعني يا طروق احنا بنتعامل مع مين؟ ليه محسسني إننا بنتعامل مع شيوخ! فوق يا طروق ده احنا مافيا يابا.. يا جدع ده انا كل يوم انا وانتَ مونسين سوا في الكبارية! الحقيقة سؤالك غبي زيك، فكرت ان السؤال الي محيرك من سنين مهم مش تافه كده، بطل تكون خنزير شوية. 

انهى حديثه واتجه لسيارته يفتح باب السائق ليتحرك مبتعدًا بينما هز "طارق" رأسه بيأس وهو يقول بنزق:

_ ده انت لسانك عاوز قطعه. 

والتف عائدًا لسيارته هو الآخر كي يسبق السيارات على المخازن المقرر تخزين البضاعة بها. 

___________________

دموعها لم تجف وعيناها لو تستطيع النطق لاشتكت من ألمها، منذُ أمس بعد ان استفاقت وهي تجلس في غرفتها ترثي حالتها وتنعي وفاة والدتها الصادم لهم، منذُ أمس وبكاءها لم يتوقف حتى شعرت بعيناها قد تورمت بشكل مفزع، وتشعر بارهاق رهيب بجسدها، تشكر "باهر" الذي أصر على وضع محلول مغذي لها صباح اليوم فلولا هذا لسقطت مغشي عليها في اي وقت، شعرت بباب الغرفة يُفتح لتبصر والدها يطل عليها بملامحه المرهقة ووجه المسود من الحزن، ضمت شفتيها بقوة تمنع شهقاتها من الصدوح بعدما رأت هزلان والدها الواضح، اقترب منها بضعف حتى جلس أمامها فرفع رأسه لها بأعينه الدامعة وهو يقول معاتبًا:

_ بجى اكده يا خديجة؟ من وجت الي حُصل وأنتِ مفارجتيش اوضتك، مفكرتيش تطمني على بوكي حتى! ولا حتى خيك! 

انفلتت شهقتها حين حررت شفتيها للحديث، لكنها لم تقدر، لم تستطيع قول كلمة واحدة من بكائها، والدتها كانت قاسية عليها تعترف، وخصوصًا بعد رحيل "سارة" باتت تقسو أكثر كأنها تخشى عليها من الرحيل هي الأخرى، فضيقت الخناق عليها حتى كادت تخنقها، وماعدا ذلك كانت مهملها بشكل كبير لم تسألها يومًا عن حياتها، لم تأخذها في حضنها وتبث لها من عطفها وحنانها، لم تقم بدورها معها كأم، لكن رغم هذا رحيلها قاسيًا بشكل لا تحتمله. 

_ هشش، بس، بكفياكِ يا بتي عينك مبجتيش شايفه بيها. 

رددها "محمود" وهو يقترب منها محتضنًا إياها يمسد على ظهرها بحنو لم يبخل بهِ عليها يومًا، واستمعت لصوته يقول بحزن:

_ عارف إني هبجي جاسي عليكِ في الي هجوله، بس غصب عني لازم افوجك، امك راحت يا خديجة، مبجاتش هنا وكل الي كانت بتعمله بجي مسؤوليتك يا بتي. 

ابتعدت عنه ببكاء لكنها استشعرت أن حديثه القادم أهم من حزنها، فانصتت له باهتمام وعيناها لم تتوقف عن ذرف دموعها، اخفض نظره بقلة حيلة وهو يقول بمرارة:

_ خابر أنك صغيرة، وخابر أنها مسؤولية واعرة جوي بس.. بس دي حكمت ربنا، حكمته إنك تشيلي كل ده وانتِ لسه صبية عودك أخضر. 

رفع نظره لها وهو يكمل بجدية:

_ بس انا معاوزكيش عودك اخضر يا خديجة، عاوز عودك يبجى انشف من الحجر، لو مبجتيش اكده يابتي هياكلوكِ. 

شهقت ببكاء وهي تسأله:

_ تجصد مين؟ 

هز رأسه بيأس:

_ اولهم عمتك، وتانيهم ابن عمك ابراهيم، وياعالم مين تاني هيتغير لو جرالي حاجة وبجيتِ بطولك. 

هزت رأسها ببكاء صارخة بهِ:

_ حرام عليك بجى.. ده كلام تجوله دلوجتي! انا ناجصه يابوي! 

امسكها من كتفيها بقوة ليجعلها تنظر له وقال بحدة:

_ اسمعي وركزي في الي هجوله زين، انا اكده او اكده هفارج طال العمر بيا ولا جِصر هفارج يابتي وهتلاجي نفسك بطولك انتِ واخوكِ وياعالم وجتها هيكون كِبر ويجدر يدافع عنك ولا هيكون لسه صغير وانتِ الي هتدافعي عنه وعن نفسك.. عمتك امبارح كانت رايده تاخد مصطفى معاها بحجة ان محدش هياخد باله منه اهنه، بس انا خابرها زين وخابر الي بتخططله، عمتك بتحرجم من زمان انها تاخد مصطفى تربيه هي، رايداه يكبر ويكون كيف ماهي رايده ويكون تحت تحكمها وتكون زي امه الي ميتنيلهاش كلمة، امك الي يرحمها كانت واجفلها زين عشان اكده معرفتش تحجج الي هي عيزاه. 

توققت عن البكاء وهي تسأله باستغراب قاطبة حاجبيها:

_ وهي عمتي هتستفيد ايه؟ 

_ عمتك طول عمرها هتموت انها مجابتش واد، عشان اكده هتستفاد انها تحجج الي معرفتش تحججه معاه، وغير اكده ورث ابوي الي هيبجى مِلك مصطفى بعد موتي. 

اتسعت عيناها المتورمة بدهشة وهي تردد بخفوت:

_ معجول! عمتي بتفكر اكده؟ 

ردد بقهر:

_ عمتك محدش خابرها جدي انا وعمك، المهم انتِ شايفة جسوة عمتك، شوفي بجى لما تربي مصطفى وتطبعه بطباعها هيبجى عامل ازاي، تعرفي ان ابراهيم وِلد عمك هي الي خلته بالشكل ده، هي الي خلته جاسي ومبيراعيش حد، ومبيطجش جنس الحريم، وماشي عامل كيف الطير الي نافش ريشه، اختلاطه بيها معظم الوجت هو السبب في الي هو فيه، حابه خيك يكون نسخة تانية من ابراهيم؟ 

نفت برأسها بقوة، ليكمل:

_ يبجى تحاوطي عليه وتكوني مكان امك، تجفي في وش اي حد يحاول ياخد خيك مِنك، حتى لو كانت عمتك انا الي بجولك، اوعاكِ تطاطي يا بت محمود لو تاطيتي مرة هيكسروا رجبتك.. وانا ولا كأني موجود.. عاوزك انتِ الي تتعاملي عشان ابجى مطمن انك هتبجي بخير لو جرالي حاجه. 

احتضنته بقوة وهي تقول بلوعة:

_ بعد الشر عليك يا بوي ربنا يطول في عمرك، مجدراش على كسرة ضهر تانية. 

ربط على ظهرها قبل أن يبعدها برفق وهو يقول:

_ مفيش حاجه تكسر ضهرك ولا حتى موتي، لازم تبجي جوية يا بتي عشان تجدري تكملي حياتك. 

اومأت برأسها وهي تهتف لذاتها بقهر " لا وقت للحزن، لا وقت للانعزال والبكاء على الأطلال، هناك مسؤوليات عليها تحملها، هناك حرب عليها خوضها!" 

ولم تأخذ "خديجة" وقتها بالحزن، كما لم تأخذ يومًا وقتها في الفرح، كل شيء فُرض عليها انهاءه حتى وإن كانت ليست مستعدة بعد، حتى وقت وفاة شقيقتها تخطيطها للهرب بعيدًا عنه جعلها لم تأخذ وقتها في الحزن عليها.. 

__________________________

بعد يومان.... 

استمعت لصوت باب المنزل يُفتح لتركض للخارج وهي تحمل كيس بهِ بعض السندوتشات وهتفت ما إن أبصرته يخرج من الباب:

_ مصطفى، استنى خد فطارك.

التفت لها ذلك الشاب صاحب الحادية عشر عامًا، ذو الشعر الأسود القصير، والبشرة القمحية، وعيناه السوداء، يشبه في شكله والده لدرجة كبيرة، نظر لها بامتعاض وهو يقول:

_ مباخدش وكل معايا وانتِ خابرة، أما كانت بتفطرني جبل ما امشي.

هزت رأسها بتفهم وقالت:

_ معلش يا مصطفى النهاردة بس خد وكلك، من بكرة هصحى بدري عن اكده وهفطرك الأول، معلش انا بس كان عندي مذاكره كتير امبارح عشان رايحه المدرسه النهارده أول يوم بعد ما ايام العزا خلصت، وعليَّ مذاكره كتير جوي وحاجات متأخرة.

بامتعاض التقط منها كيسة الطعام، والتفت ذاهبًا لمدرسته الصباحية. 

اغلقت الباب خلفه وتابعت اعمالها من تنظيف وطبخ لطعام الغداء قبل أن تذهب لمدرستها المسائية وفي حين كانت تنفص الأرائك من الغبار بعد ان فتحت باب الشقة لتسمح للهواء بالدخول للمنزل وقد فتحت أيضًا كتاب العلوم على أحد الطاولات وأخذت تراجع ما ذاكرته أمس وهي تغمغم:

_ تتحول لون نترات الصوديوم الي اللون... 

توقفت عن تنفيض الغبار وهي تحدث ذاتها بضيق:

_ ايه ده بجى! انا مذكراها امبارح زين! كان لون ايه يا خديجة افتكري.. 

_ ابيض مصفر جايز! 

التفت حين استمعت لصوت "باهر" الذي تعلمه جيدًا ابتسمت تلقائيًا وهي تقترب منهُ مرحبة بهِ:

_ باهر! كيفك؟ اتفضل.

ضيق حاجبيهِ بتساؤل وهو مازال واقفًا خارج عتبة الباب:

_ هو عمي اهنة؟ 

نفت برأسها، لتحتد ملامحه وهو يقول:

_ وشوفت مصطفى رايح مدرسته، اومال ايه اتفضل ده يابت عمي! هتخيبي ولا ايه؟ 

انتبهت لحديثها، فاخفضت بصرها ارضًا بحرج وادمعت عيناها بحزن:

_ اصل كانت دايمًا أما جوه، فكنت متعودة اخليك تدخل، لسه متعودتش على فراجها. 

زفر بضيق من ذاته لانه احتد عليها في الحديث، وقال لها بهدوء ولين:

_ متزعليش مني، حجك عليا انا غشيم اوجات، المهم انتِ زينة؟ 

مسحت عيناها بكفها تزيل دموعها ورفعت نظرها له مجيبة:

_ زينة، نحمد الله، جولي هترجع كليتك ميتى "امتى"؟ 

ابتسم لها وهو يجيبها:

_ كمان ساعتين راجع القاهرة.. بجولك ايه اوعي شغل البيت يلهيكِ عن دراستك، عاوزك تجيبي مجموع زين وتدخلي الثانوي عشان تبجي دكتورة كيف مانتي رايدة. 

ابتسمت بحزن وهي تقول بيأس:

_ ياعالم يا باهر ايه الي مكتوبلي، بس متجلجش هذاكر زين وهدخل الثانوي ان شاء الله. 

اومئ برأسه بتحفيز:

_ ان شاء الله وهتحججي حِلمك.. يلا اشوف وشك بخير جولت افوت عليكِ جبل ما اسافر، عشان اطمن عليكِ. 

ادمعت عيناها بحزن وهي تقول:

_ حتى انتَ هتمشي، مكنش ينفع تأجل سفرك هبابة، محتاجك جنبي الايام دي جوي يا باهر. 

ابتسم لها بلطف وهو يجيبها:

_ ياريت كان ينفع، على عيني اسيبك واسافر والله بس غصب عني عندي امتحان عملي ولازم احضره. 

_ خلاص سافر بجى.

قالتها وهي تذم شفتيها بغضب طفولي، ليضحك على تعابيرها وهو يقول:

_ بلاش تضمي شفايفك أكده عشان جلبي بيضعف، وممكن اسيب الامتحان عادي واسجط وتبجي أنتِ السبب. 

استطاع فك تعابيرها الواجمة كالعادة فابتسمت وهي تقول:

_ وانا مهيرضنيش يلا روح شوف مستجبلك وكليتك ربنا يوفجك. 

كاد يجيبها لكنه استمع لصوت يقول:

_ وه! باهر بيه اهنه ده انتَ بتطلع كيف الجمر. 

التفت لها "باهر" يصدم رأسها بيده بخفة فهو معتاد على المزاح معها ولكن مزاحه لا يتعدى حركه كهذة:

_ اومال تمشي تتكعبلي فيا، لازم يكونلي جيمة انا دكتور باهر هو انا اي حد! 

رفعت جانب شفتيها بنزق:

_ انزل من على البساط يا بن عمي لاحسن تجع ورجبتك....

جحظ لها عينيهِ وهو يسألها بتحذير:

_ ايه؟ 

جعدت أنفها تكمل بصوت خفيض:

_ يحصلها حاجة بعد الشر. 

ضحكت "خديجة" بخفة وهي تعقب موجهه حديثها لأبنة عمتها:

_ مش جد الجول متجوليش. 

اشاحت بوجهها بضيق، ليبتسم "باهر" وهو ينهي اللقاء:

_ يلا اشوفكم على خير. 

نظرت له "فريال" متفاجئة:

_ وه، انت مسافر؟ 

_ ايوه النهارده. 

رددت "خديجة" بحزن وقد اختفت بسمتها:

_ تيجي بالسلامة يا باهر.. 

لاحظ حزنها، ليلاطفها وهو يقول بمزح:

_ بلاش البوز ده دول كلهم ٤ شهور هيعدوا هوا. 

لم ينجح في مزاحه بل ازاد غضبها لتقول بضيق:

_ يجطع الكلية وسنينها الي مبعدة بلادك.. يعني كان لازمن تدخل جامعة القاهرة؟ 

رفع حاجبه ساخرًا:

_ كان بكيفي اياك؟ مش امي الي فضلت تزن تزن لحد ما ابوي وافج وجدملي فيها، بعدين منكرش ان جامعة القاهرة ليها اسمها برضو اكتر من باجي الجامعات. 

هتفت "فريال" بضيق:

_ ما خلاص بجى هو يعني اول مرة يسافر، بجاله 5 سنين في الكلية دي متعودتيش! 

نظرت لها "خديجة" بملامح يكسوها الحزن:

_ حاسه ان في الوجت ده رايده الجريبين مني جاري. 

اقتربت منها محتضنة إياها بتأثر وهي تقول:

_ انا جارك اهو مش هسيبك واصل. 

تهاوت دموعها بصمت لينظر لها "باهر" بملامح واجمة حزنًا عليها، وقلبه يعتصر ألمًا وهو يراها بهذه الحالة وعاجزًا عن مساعدتها. 

___________________

استيقظ على رنين هاتفه فمد ذراعه بضيق يلتقط الهاتف متوعدًا للمتصل، ودون النظر لهويته حتى انه لم يفتح عيناه كان يهتف بعصبية:

- اقفل يا **** يابن ****حد بيتصل عليَّ دلوقتي يابهيم! 

واغلق الهاتف دون ان يسمع رد الطرف الآخر حتى! لكنه يعلم أن الوقت مازال باكرًا فالشمس التي يشعر بها في غرفته لم تسطع بعض. 

رفع الوسادة يضعها على رأسه وهو يغمغم بضيق:

_ عالم بنت**** بيفوروا دم الواحد. 

وعاد لنومه وكأن شيئًا لم يحدث، وهو على يقين أن أيًا من كان المتصل لن يستجري الاتصال مرة أخرى. 

بعد ثلاث ساعات..... 

استيقظ من نومه وتناول إفطاره وشرب قهوته أولاً، ثم اتجه لهاتفه ليهاتف من سبهُ أثناء نومه دون معرفة هويته، ليجده ذلك الرجل المكلف بالبحث عن أي معلومات تخص "خديجة" أو عائلتها، انتفض واقفًا كمن لدغه عقرب وهو يسب من بين أسنانه:

_ يلعن******، مكنتش قادر اشوف مين الي بيتصل! 

أردف بها وهو يعاود مهاتفته وقدمه تهتز بعصبية، وهو لا يحتمل تلك الثواني التي يأخذها رنين هاتفه كي يستمع للإجابة، غمغم نازقًا:

_ رد بقى يابن***** أنتَ كمان هي نقصاك! 

توقفت حركت قدمه واستقام في وقفته حين اتاه فتح الخط ورد الأخر، فهتف متسائلاً بلهفة ودقات قلبه قد تعالت بصخب:

_ ها عرفت عنهم حاجة؟ آخر مرة قولتلك متكلمنيش إلا لو عندك معلومة! 

اتاه الرد على الجهة الأخرى وهو يقول...  

تعليقات