رواية من العجز الي الانتقام الفصل الاول1بقلم هدير محمد
" كنتي فين ؟ اتصلت عليكي كتير و تليفونك مقفول... انتي كويسة ؟
قالها طارق بقلق و هي ينظر اليها بتفحص... ضغط على زر كُرسيه و اقترب منها لكنها رجعت للوراء و قالت
' طارق... انا لازم اصارحك بحاجة...
لم يفهم طارق لماذا هي رجعت للوراء و ابتعدت عنه... و
" مالك يا ليلى ؟
' احنا لازم نطلق...
وقعت عليه تلك الجملة ڪالصاقعة على قلبه و عقله... نظر لها بتساؤل و قال بتلعثم
" نطل... نطلق ؟!
' اه... انا عايزة اطلق منك يا طارق...
" ليه ؟!
صمتت قليلا فقال
" قولي يا ليلى... متفضليش ساكتة... ليه عايزة تطلقي مني ؟ مالك ؟ حصلك ايه يا ليلى خلاكي تفكري في كده ؟ انا ضايقتك في حاجة ؟
' وجودك معايا مضايقني...
شعر كأن السكـ,ـين اختر*قت قلبه بقوة و بدون أدنى رحمة... لكنه لم يستوعب بعد ان ذلك الكلام يخرج من فم حبيبته...
" ليلى !
قالها كأنه ينادي على حبيبته و زوجته ليلى التي يعرفها... ليست تلك التي تقف أمامه بجمود... بدون اي مشاعر...
" ليلى قوليلي... انا ضايقتك في ايه ؟ و نحل المشكلة سوا... لكن متقوليش طلاق !
' بس انا زهقت و عايزة اطلق...
" ليه ؟!!!
' عايزة اخد حريتي... عايزة اعيش حياتي... انا لسه شابة و من حقي اعيش حياتي زي اي وحدة... مش لازم افضل مسجـ,ـونة معاك لحد ما ابقا عجوزة...
" الحياة معايا بقت سجـ,ـن ؟
' اه...
صدمه ردها البارد... حاول تمالك اعصابه... لانه يعرفها جيدا... تلك ليلى حبيبته... التي وقفت معه في اصعب اوقاته... بالتأكيد حدث لها شيء جعلها تقول هذا...
" ليلى... في حاجة انتي مخبياها عني ؟ دي أكيد مش انتي ليه بتقولي كده و دلوقتي ؟ ايه اللي حصل ؟
' اللي حصل ان انا ادركت كل حاجة... طارق بُص لنفسك... بقالك أربع سنين على الكرسي ده... بتتقدم ببطئ اوي في علاجك... انا مش مجبرة اعيش عمري كله مع واحد عاجز زيك... مش مجبرة اعمل كل حاجة بنفسي و اتعود على العجز اللي انت فيه !
احمرت عيناه و نظر للأرض... صدره يعلو و يهبط بغضب و قال
" دلوقتي لاحظتي اني عاجز عن فعل اي حاجة ؟ طالما انا عاجز للدرجة... اتجوزتيني ليه ؟ حبتيني ليه ؟
' انا محبتكش... عمري ما حبيتك اصلا...
اتسعت عيناه بصدمة و قال
" ازاي محبتنيش ؟ طب كلامك ليا و افعالك و....
قاطعته قائلة
' كنت بمثل...
احس ان قلبه تمـ,ـزق اما هي تابعت قائلة
' اه كنت بمثل اني بحبك...
" يعني كل ده كان كذب ؟!
' اه... مثلت عليك اني بحبك عشان اتجوزك...
" ليه عملتي كده ؟
' انت مهما كنت عاجز بس برضو اسمك طارق الفيّاض... اسمك لوحده خلاني اعمل كده... شهرتك و املاكك و فلوسك... و انا كنت بنت بسيطة معنديش ربع اللي عندك انت... قولت اشمعنا انت غارق في النعم دي و انا ببذل مجهود جبار عشان اعيش ؟ انا من حقي اعيش زي اي وحدة في سني... رسمت عليك اني بحبك... و بسبب الضعف و العجز اللي انت فيه صدقتني... و اتجوزتك عشان اوصل لهدفي مش لاني بحبك... انت فيك ايه يتحب اصلا ؟
كان ينظر لها بذهول بكل كلمة قا*سية تخرج من فمها تفتِك به بكل قسـ,ـوة و بدون أدنى شفقة على قلبه البرئ الذي أحبها و صدقها...
' متبصليش كده يا طارق... دي الحقيقة اللي انا كنت مخبياها عنك... بس انا زهقت و قر*فت... بُص لنفسك كده... انت حتى كوباية الماية مش بتقدر تجيبها لنفسك... انا هدفن شبابي معاك لو كملت... و انا مش مجبرة اعمل كده... من حقي افكر في نفسي و في حياتي... و اتجوز واحد بكامل صحته و اعيش معاه عيشة طبيعية يحميني و يبقى في ضهري وقت ما احتاجه و اخلف منه... انت مش هتقدر تعمل ربع ده... انت داخل على 33 سنة... بقالك فوق الـ 4 سنين على الكرسي ده... مش بتتحسن... و لو اتحسنت بترجع ألف خطوة لوراء... انا مش هستحمل ده كله معاك... انت محسوب عليا زوج قدام الناس و انت اصلا مجرد واحد عاجز مسجـ,ـون في كرسي متحرك و علاج و أدوية... انا مش هعيش معاك ثانية تاني !!
استوووب يا ابني...
" طبعا انتوا مش فاهمين حاجة... هفهمكم والله 😂... يلا نرجع بفلاش باك طويل شوية لورا و نفهم كل حاجة بالتفصيل يا أعزائي و عزيزاتي 🥰 "
************
من سنتين....
*عايزك تشتغلي ممرضة لإبني...
' مفيش مشكلة... بس الاول اعرف... ابنك حضرتك طفل ولا مراهق ؟
* عنده 31 سنة...
' افندم ؟
* زي ما سمعتي...
' ده اكبر مني... هيكون محتاج ممرضة ليه ؟
* لانه عاجز و مبيمشيش !
صمتت ليلى أما أمجد اكمل بحزن
* ابني طارق... عمل حادث عربية من 3 سنين... الحادث كان صعب و كان هيروح فيها... بس الحمد لله ربنا ستر و عاش... بس جاله شلل رباعي... مبقاش يمشي... ولا يحرك ايديه... و عايش على كرسي متحرك...
' محاولتش حضرتك تعمله عملية زراعة الخلايا الجذعية ؟
* طبعا حاولت... بس كل الدكاترة قالولي نسبة نجاحها لا تتعدى 15%... و ممكن لو فشلت يمو*ت او يفقد النطق للأبد... مش عايزة اشوفه في حالة اسوأ من اللي بشوفها كل يوم دي... ابني بقاله 3 سنين عايش على كرسي متحرك... مبيخرجش من اوضته ولا بيتكلم مع حد... نفسيته اتد*مرت بعد ما كان اكتر واحد روحه حلوة... جبتله دكاترة نفسيين كتير و مفيش تحسن... كلهم قالوا ان الوضع اللي فيه مأثر على نفسيته... و نفسيته مش هتتحسن غير لما يرجع على طبيعته... يمشي و يحرك ايديه... حتى العلاج الطبيعي مش نافع... لان روحه ما*تت من ساعة الحادث... ف مش بيستجيب لأي علاج... عشان كده عايز ممرضة تاخد بالها منه... في ادويته و جلساته...
' بس...
* هديكي المبلغ اللي تطلبيه... اي رقم تقوليه هوافق عليه... إقامتك و لقمتك عندي... اي حاجة هتطلبيها هتكون عندك...
' مش حوار فلوس... انا بس مستغربة يعني...
* مستغربة من ايه ؟
' يعني... المستشفى دي مليانة ممرضين... اشمعنا انا جيت حضرتك طلبت مني الطلب ده ؟
* انا جبت ممرضين كتير لابني... نصهم طلع بتاع فلوس... و النص التاني مش فاهم يعني ايه اهتمام بمريض عاجز عن الحركة... انتي سُمعتك حلوة في المستشفى... و شوفت بعيني اد ايه انتي بتشتغلي بضمير و بتهتمي بكل المرضى... عشان كده جيت اطلب منك الطلب ده... و متقلقيش هديكي حقك بزيادة... فكري براحتك...( ترك كارت على الطاولة ) ده رقمي... هنتظر اتصالك... و لما تتصلي... هنتقابل عشان هكلمك بالتفصيل اكتر و نتفق اكتر... معلش اخدت من وقتك... عن اذنك...
' ولا يهمك... اتفضل...
ذهب أمجد و ليلى نظرت للكارت بشرود... دخلت صديقتها نهلة و قالت بإندفاع و حماس
* أمجد محمد الفيّاض كان بيعمل ايه هنا ؟
كانت ليلى شاردة و تفكر ولا تسمع صديقتها
* بت يا ليلى... انتي مش سمعاني ولا ايه ؟ يا ولية ردي !
' ايه في ايه ؟؟
* فينك يا عم بكلمك من الصبح و انتي ولا هنا...
' معلش سرحت شوية... كنتي بتقولي ايه ؟
* أمجد محمد الفيّاض... كان بيعمل ايه هنا ؟
' اه استاذ أمجد... ده جه بيطلب مني اشتغل ممرضة لابنه
* ما قولتلك يا لولو فكك من العيال الصغيرة دول عايزين دادة مش ممرضة...
' مش لابنه الصغير...
* اومال ايه ؟
' عايزيني اشتغل ممرضة لابنه الكبير... اسمه طارق تقريبا...
* لحظة بس... انتي قولتي ابنه الكبير... طارق !
' اها...
* انتي عارفة مين طارق ده ؟
' ابن استاذ أمجد...
* و ايه تاني ؟ شوفتيه ؟
' لا...
* يا هبلة ازاي مش عارفة طارق الفيّاض ؟
' يعني انا من النبطشية دي للنبطشية دي... أكيد مش فاضية ابحث عنه و عن غيره...
* طارق الفيّاض ده ابن ناس اغنية أبًا عن جد و صحاب شركات و مشاريع بالهبل ملهاش آخر و شغالة زي النار... حتى عيلة مامته أغنية و ليهم شركاتهم... مرة شوفت صورته على الانستا... الواد قمر... طول بعرض و ملامح جميلة و كاريزما... حتى بُصي...
فتحت هاتفها على صورة له و مررت الهاتف إليها... رأت ليلى شاب في مقتبل الثلاثينات ذو بشرة قمحاوية و ملامح رجولية مصرية جميلة و بشعر أسود كثيف و صاحب جسد رياضي و مُمسك بيده كأس ذهبي كبير و مُبتسم بطريقة جميلة و بجابنه الحصان الخاص به
* دي صورته في تصفيات سباق الخيول 2021 في كندا... فاز بالمركز الاول... اعرف انه بيعشق الخيول من و هو طفل... و اتأهل للكأس النهائي من 3 سنين... بس سمعت انه اعتذر و مكملش المسابقة... ده حتى بقاله كتير غايب عن السوشيال ميديا... سمعت انه عمل حادث على الطريق الصحراوي لما كان راجع من الغردقة... بس خرج منها و بقا كويس... بس معرفش ليه بقاله سنتين و اكتر منزلش حاجة على الانستا...
' عشان بسبب الحادث ده اتصاب بشلل رباعي...
* يلهوي !! و انا اقول ليه اختفى بالشكل ده... عشان كده باباه عايزك تشتغلي ممرضة له ؟
' اها بالضبط...
* اكيد وافقتي !
' لسه بفكر...
* و دي محتاجة تفكير !!
' اه محتاجة...
* يا بت يا هبلة ده طارق أمجد محمد الفيّاض... من عيلة الفيّاض... معاه فلوس لو اكلها كل يوم مش هتخلص... متبقيش هبلة و وافقي... ده ابوه هيعشيك في عز مشفتهوش ولا هشوفتيه...
' مش حوار فلوس... المستشفى دي بشتغل فيها بقالي سنين... بقت بيتي التاني... صعب اسيبها
* يا شيخة اتوكسي... محسساني ان المرتب اللي بتاخديه من المستشفى معدي المليون... هم 6 آلاف جنيه معفـ,ـنيين حتى ياريتهم بيكفوا الشهر... خليكي ناصحة و فكري بعقلك و اركني قلبك ده على جمب... متضعيش منك الفرصة دي...
' ماشي يا نهلة... خلصتي النبطشية ؟
* اه...
' طب يلا غيري هدومك و يلا نمشي...
* ماشي...
***********
في إحدى القصور الفخمة... في إحدى غرف ذلك القصر... غرفة مظلمة ولا يوجد بها غير ضوء القمر الذي ينعكس من النافذة التي بجانبها طارق الجالس على كرسيه المتحرك... ذو الشعر الكثيف الهايش و الذقن الطويلة و الهالات السوداء تحت عينيه... ينظر ليده و يضغط على اعصابه لدرجة ان عروق جبهته برزت على أمل ان تتحرك... لكن لا جدوى... فهو فقد التحكم تمامًا في جسده... لا يستطيع تحريك اي طرف من جسده سوى رقبته و لسانه و عيناه... أما الباقي لا يعمل... اصبح عاجزا كُليًا... كل هذا في غمضة عين بسبب ذلك الحادث المشؤوم الذي اصابه و تسبب له بذلك و غَيَر كل حياته في لحظة... لم يعُد يستطيع القيام بأي شيء بنفسه مثل السابق...
طُرق باب غرفته ف قال غاضبًا
" قولت مش هفتح ولا عايز حد معايا !!
فُتح الباب و دخل والده... تقدم منه و جلس على الكرسي الذي في مقابله... لاحظ العرق الذي على وجه ابنه... انه يحاول مجددا... يحاول بمفرده ڪالعادة ولا يريد مساعدة احد... اخذ منديل من العبلة التي على الطاولة... مسح العرق من وجه ابنه... و طارق نظر للجهة المقابلة و قال
" و انا صغير قولتلك اني هساعدك و اشيلك لما تكبر...( ضحك بألم ) بس القدر له وجهة نظر تانية... شوف مين بيساعد مين دلوقتي... بطل شفقة عليا دي مش عايزها !
وضع أمجد المنديل جانبًا... و امسك ذقن طارق و أدار وجهه إليه و قال و هو يتآكل من دخله
* معنديش مانع اساعدك لآخر نفس فيا... طارق انت ابني... حتة مني و روحي... ايًا كان الظروف اللي انت فيها... انا لسه موجود... هساعدك و اقف جمبك... مش بشفق عليك... انت ابني و ده واجب عليا ڪأب ليك...
فلتت الدموع من عينا طارق و ذهبت ملامحه الغاضبة و تحولت لملامح حزينة
" انا تعبت... عايز ارجع زي ما كنت... عايز اتحرك زي ما انا عايز... ده الحمام مش بعرف اروحه لوحدي... ليه يحصلي كده ؟ انا عملت ايه ؟ ايه الذنب اللي عملته عشان ربنا يعاقبني بالشكل ده ؟ ده انا لو كنت مو*ت في الحادثة دي كان ارحم ليا من اني اشوف نفسي ضعيف و عاجز بالشكل ده !
* ده مش ذنب... ده ابتلاء... و هيزول... قول الحمد لله
" هيزول امتى ؟ هاا قولي الابتلاء ده هيزول امتى ؟
* لما ترضى بالامر الواقع و تتعالج و تسمع كلام الدكاترة...
" انا زهقت و تعبت... افهم يا بابا انا تعبت... زهقت من الادوية و الجلسات و الحقن...
* عارف والله انك تعبت... بس فترة و هتعدي...
" هتعدي امتى ؟ انا بقالي 3 سنين على ام الكرسي ده... مفيش تحسن ولا بعرف حتى احرك صوابعي... حياتي وقفت... شكلي كده هبقى عاجز لحد ما امو*ت...
لم يستطع أمجد كتم دموعه اكثر من ذلك و عانق ابنه بقوة و عيناه تبكي... قلبه يحتـ,ـرق كثيرا على ابنه... حاول طارق ان يبادل والده العناق لكن لم يستطع... زادت دموعه و قال
" كنت بتقولي ان عندي فرط حركة بسبب اني كنت شقي... شايف ابنك الشقي اللي عنده فرط حركة وصل لفين... ابنك الشقي مش عارف يحضنك حتى !
* أرجوك كفاية... اهدى يا طارق و ارحم نفسك و ارحمني... مهما حصلك انا مش هبعد عنك... هفضل في ضهرك لطول العمر... صدقني ده ابتلاء و هيزول... ارضى بيه و احمِد ربنا... هتبقى كويس... هترجع زي ما كنت... صدقني هترجع طارق ابني اللي مش بيطل حركة... هترجع تروح النادي و الجيم و تشترك في مسابقات و تكسبها... هترجع شركتك و تقعد في مكتبك... كل ده هيرجع بس اصبر !
" معنديش طاقة استحمل 3 سنين تاني... والله طاقتي خلصت يا بابا !
مسح دموعه بيداه و وضع وجهه بين كفوفه و قال
* ده بيتهيألك... اوعى تفكر انك ضعيف... طارف انت مفيش اقوى منك... افتكر كل الانجازات اللي عملتها... افتكر كام مرة دخلت مسابقة و كسبتها بمركز اول كمان... افتكر ان من و انت عندك 18 سنة مسكت الشركة و ظهرت فيها... افتكر انك غالي عليا و انا بستقوى بيك... اوعى تنسى ده كله... انت قوي... قوي جدا كمان... إياك شيطانك يهيألك انك ضعيف و تصدقه... دي كلها اختبارات... و انت هتنجح فيها... انا واثق فيك !
ابتسم طارق وسط دموعه و كذلك أمجد... فتح أمجد الكيس الذي بجانبه و اخرج منه علبة عصير
* جبتلك عصير جوافة بالمكسرات اللي بتحبه...
ابتسم طارق... و أمجد وضع الشاليمو في علبة العصير و مرره لأبنه و اشربه بيده و بعد ما انهاه مسح بقايا العصير التي حول فمه بالمنديل...
" شكرا يا بابا... شكرا على كل حاجة بتعملها عشاني لحد اللحظة دي...
* مفيش شكر بين أب و ابنه... صح جبتلك ممرضة جديدة...
" برضو ؟ ما قولتلك يا بابا كلهم اغبـ,ـياء و نصهم بتوع فلوس و النص التاني مش فاهم شغله...
* بس دي غير... متقلقش على ضمانتي...
" هطفشها زي اللي قبلها...
* معتقدش...
" ليه بتقول كده ؟
* يعتبر عارفها من فترة... براقبها... و سُمعتها في المستشفى نضيفة... أكيد مش هجبلك أي حد و خلاص...
" ماشي لما نشوف...
* تعالى نتعشى...
" مش عايز اخرج...
* يا ابني بس...
" مبسش يا بابا... مش عايز... هاكل هنا...
* اللي يريحك يا ابني... عن اذنك...
نهض والده و خرج
*********
في اليوم التالي.........
وقف تاكسي أمام قصر أمجد الفيّاض... اعطته ليلى المال و نزلت منه... نظرت للقصر... كم هو كبير للغاية... و مليئ برجال الآمن... تحركت قدماها للأمام لكن اوقفها إحدى رجال الأمن و قال
* استني هنا... رايحة فين ؟
' مش ده قصر أمجد الفيّاض ؟
* اه هو ده قصر عيلة الفيّاض... عايزة مين ؟
' أستاذ أمجد اداني الكارت ده و قالي اجيله هنا...
اعطته الكارت و قرأه... نظر لها و قال
* ماشي... بس الاول وريني شنطتك...
' شنطتي ؟ ليه ؟
* إجراءات أمنية يجب تنفيذها....
' اه اتفضل ( اعطته الحقيبة ) خليني نشوف آخرة اليوم الاسود ده ايه...
* بتقولي حاجة ؟
' بقولك انجز يلا... الراجل متفق معايا نتقابل الساعة 4 و دلوقتي 4 و ربع...
فتش و عاين الحقيبة و لم يجد بها شيء خطير... أعاد لها الحقيبة و قالت ليلى
' هااا ادخل ؟؟
* استني...
رجل الأمن مشى الجهاز الأمنى عليها من على بُعد... لم يكشف الجهاز اي شيء خطير بحوزتها... اعطاها الحقيبة و قال
* تمام خدي شنطتك...
رمقته ليلى بضيق... من يظنون انفسهم هؤلاء الناس و ما تلك الإجراءات الأمنية ؟ رجل الأمن لمس الشاشة التي على الحائط و وضع فيها بصمته و فُتحت البوابة... مشَت ليلى... شعرت انها تائهة من مساحة القصر الكبيرة... كبير و جميل و فخم التصميم و مليئ بالاشجار و الورد و العُشب الأخضر الناضر... و به حمام سباحة كبير... رأت أربع أبواب أمامها... لا تعرف اي باب منهم ستدخل منه... على الجهة الآخرى عند حمام السباحة... كان حمزة ابن عم طارق يسبح داخل المسبح... و على أريكة الراحة يوجد خالد ابن عم طارق أيضا يلعب بهاتفه... أخرج حمزة رأسه من الماء... أزاح شعره للخلف و نظر لخالد و قال
- انت واحد غبي... في حد يسيب ماية البيسين المتلجة و يقعد يلعب على تليفونه في الحر ده...
• اسكت يا حمزة... دخلت في جيم جبارة و صعبة مع واحد برازيلي... بس هكسب...
- بكلم ابن اختي... يالا فكك من اللي في ايدك ده و كلمني عِدل زي ما بكلمك...
وضع خالد الهاتف جانبًا و قال
• هااا يا عم حمزة... عايز ايه ؟
- بقولك.... سُها سألت عليا ؟
• ااااه سُها... طب ما تقول من الاول انك عامل النمرة دي عليا عشان تسأل على حبيبة القلب مش على التليفون...
- بقولك ايه... رد على اد السؤال و اخلص !
• اه سألت عليك... و بترن عليك من امبارح و بتبعتلك واتس و انت مبتردش...
- احسن خليها تتربى...
• صح انتوا متخانقين ليه ؟
- رفضت تخليني اقربلها... بتعمل شريفة عليا بنت مِهَني...
• طب ما تتجوزوا و تخلصوا بدل الهري ده كله !
- مش انا اتجوز وحدة ترفضني... هخليها تجيلي زاحفة عندي بإرداتها...
• و بعد كده ؟ ( غَمز له ) هتنام معاها ؟
- انا اللي اقرر كده... خليك في حالك...
• ماشي يا صا*يع...
خالد لَمَح ليلى تقف في الحديقة مُمسكة بهاتفها و تُحدث شخص... و نادى على حمزة
• ولاااا يا حمزة... بُص اللي هناك دي ؟
إلتفت حمزة و رأى فتاة بسيطة جميلة ترتدي بلوزة بيضاء و جاكت جينز ثلجي على جيبة سوداء... ضحك بسخرية و قال
- مش قولت مليون مرة متدخلوش عامة الشعب هنا...
• شكلها تايهة اصلا...
- هروح ارحب بيها على طريقتي...
• يا بني بقا... انت مش عاتق طبقة غنية ولا عاتق عامة الشعب !!
- ملكش فيه...
• حاسب لعمي أمجد يمسكك... انا هكمل الجيم...
نهض حمزة من حمام السباحة و امسك المنشفة لفها على خصره و المنشفة الآخرى يجفف بها شعره و ذهب لـ ليلى...
' مش وقت متردش عليا يا استاذ أمجد... دي تالت مرة اتصل و هو مش شايف تليفونه !!
- بتدوري على حد ؟
فزعت ليلى من صوته و هاتفها سقط على العُشب... ابتسم حمزة و اخذ الهاتف مرره لها... و ليلى لا تريد النظر إليه لانه لا يغطيه سوى منشفة...
- اتفضلي...
أخذت الهاتف منه بأطراف أصابعها و هو لاحظ انها تتجنب النظر إليه و مُلامسة يده...
' شكرا...
- العفو... بتدوري على حد ؟
' انا على معاد مع أستاذ أمجد الفيّاض... تعرفه ؟
- اعرفه كويس... ده عمي...
' اااه يعني انا جيت عنوان غلط كمان...
- هو عايش هنا... ده القصر العيلة...
' امم فهمت...
- رنيتي عليه ؟
' اه رنيت... لكن مبيردش...
- تلاقيه مشغول... هو كده عمي نشيط و دايما مشغول...
' خلاص انا هرجع بيتي عشان متأخرش... ابقا بلغه اني جيت...
إلتفت ليلى لتذهب لكنه امسك يدها و شدها إليه و اصدمت بجسده... نظرت له ليلى بصدمة أما هو نظر لعيناها الجميلتان و قال
- مالك في ايه ؟ بتكلميني بطرف لسانك و عيونك بعيدة عني... ايه مش عاجبك ؟
' ايه اللي بتقوله ده... لو سمحت ابعد و سيب ايدي !
- مش انتي اللي تديني أوامر... هنا انا اللي ءأمر و بس !
' شكلك شارب حاجة... لو مبعدتش عني هصرخ !
- ايوة اصرخي... من زمان نفسي سمع صرخة وحدة من عامة الشعب...
' ده انت شكلك مجنون... بقولك ابعد !!
- مش قادر... عيونك ساحرة و بتخدر !
' و كمان ايدي طويلة !!
و بقوة ضر*بته في بطنه بقبضة يدها و فلتت من يده... تأ*لم حمزة حقا... ضر*بته كأنها لاعبة محترفة في فنون القتا*ل !
غضب حمزة و قبل ان يقترب منها قال أمجد بصوت عالٍ
* حمزة !!
وقف حمزة مكانه على الفور... جاء أمجد إليهم و قال
* في ايه هنا ؟
- مفيش يا عمي...
قالت ليلى
' لا فيه... فيه إن ابن اخو حضرتك يا أستاذ أمجد حاول يتحر*ش بيا !!
نظر أمجد بغضب لحمزة و قال
* صحيح الكلام ده يا حمزة ؟
- هي فهمتني غلط... انا بسألها انتي مين و جاية ليه مش راضية ترد ف اتعصبت و مسكت ايدها ف فهمت اني بتحر*ش بيها... بعدين مين دي و ازاي دخلت القصر ؟
' لا براڤو.... عجبتني التأليفة بتاعتك دي يا متحر*ش... انت صح... أستاذ أمجد اعتبر اللي اتفقنا عليه طار مفيش إتفاقات... عن اذنك...
* استني يا رغد انا لسه مخلصتش كلامي عشان تمشي !
' حضرتك هتقول ايه يعني ؟ ده واحد بيتبلى عليا عيني عينك كده و بيتكلم بثقة... و عشان هو ابن اخوك أكيد هتصدقه هو و......
* لا مصدقك انتي...
اخرستها الجملة و لم تستوعب ما سمعته آذناها الآن... انه يصدقها هي ؟ نظر أمجد لحمزة بملامح غاضبة
* دي تبعي يا حمزة... بتضايقها ليه ؟ مش قولت تبطل طيش ؟
- بس انا....
* اعتذرلها...
- ايه ؟؟
* مش سامع ؟ بقولك اعتذرلها...
- انت عايزني انا حمزة الفيّاض اعتذر لوحدة زي دي ؟
* اتلم و اتكلم عِدل يا حمزة... اللي قدامك دي تبقى الممرضة ليلى إبراهيم... و قولتلك تبعي... ف اعتذرلها عشان مزعلش منك... و انت عارف اني زعلي وحش !
- تمام يا عمي... ( نظر حمزة لـ ليلى و ابتسم ابتسامة إصطناعية ) أنا آسف... كنت بهزر معاكي و انا هزاري تقيل شوية... مقصدش حاجة... اتمنى تتقبلي اعتذاري...
' مقبول... لكن طول ما انا هنا عينك متجيش في عيني !
قالتها و هي تشير له بإصبعها بتحذير... ابتسم أمجد ابتسامة خفيفة... فهو لم يتوقع انها شجاعة هكذا و بتلك الجرأة...
* يلا يا ليلى تعالي ورايا...
' حاضر...
ذهبت وراء أمجد و رمقها حمزة بنظرات غاضبة و قال بغضب
- بقا كل الجرأة دي تطلع منك يا ممرضة ؟ ماااشي... شكلي هتسلى كتير معاكي... هوريكي مين هو حمزة الفيّاض !
من الاعلى كان طارق بجانب النافذة و رأى ما حدث...
" ممرضة دي ولا مُعلمة كراتيه ؟ يا بابا قولتلك مش عايز ز*فت ممرضين... برضو عملت اللي في دماغك !
دخلت ليلى القصر مع أمجد... و ذهبت معه الى مكتبه... جلس أمجد على كرسيه و أشار لها بالجلوس في الكرسي الذي مقابله... جلست و قال
- قبل ما نبدأ كلامنا... تحبي تشربي ايه ؟
' عايزة كوباية ماية... ياريت تكون متلجة...
- و ايه تاني ؟
' بس كده... تسلم يا استاذ أمجد...
- هجبلك عصير مانجا...
' ملهوش لزوم...
- انتي جاية من مسافة بعيدة... اكيد ريقك نشف...
' تمام اللي تشوفه...
نادى أمجد على أحد الخدم و قام بإحضار العصير و الماء المثلج... شربت ليلى و قال أمجد
- هنيئًا... نبدأ ؟
' ماشي نبدأ...
أمسك أمجد التابلت الخاص به... فتحه على صورة طارق و مررة لها... رأت رغد الصورة... كان طارق واقفًا بجانب البحر...
- دي صورة ابني طارق... آخر صورة اتصورها و هو واقف...
لاحظت ليلى ان أمجد قال ذلك ثم نظر إلى صورة ابنه بشرود و حزن...
' بإذن الله يخف... و يرجع يمشي و يتحرك و يخرج...
- يارب...
وضع التابلت جانبًا و نهض... نظر من النافذة و قال
- طارق كان في الغردقة بيصيف مع صحابه... قعد حوالي اسبوعين هناك... كنت محتاجة في الشركة... ف اتصلت عليه عشان يجي... طارق كان دايما مريحني... كل ما احتاجه الاقيه جمبي على طول... لغى بقية إجازته و اخذ عربيته عشان يرجع.... يوم 25/8/2021... اليوم المشؤوم... يارتني ما قولته تعالي... كأني ناديته عشان يواجه قدره... قدره الاسود اللي وصله لهنا !!
F
يوم 25/8/2021 الساعة الثالثة ظهرا... كان طارق يقود سيارته و يُحدث والده في الهاتف
- وصلت ولا لسه ؟
" لسه في الطريق... قدامي ساعة و اكون عندك... هو فيه حاجة يا بابا ؟
- في مشكلة في التصدير... البضاعة ناقصة...
" ناقصة ازاي ؟ انا قبل ما اجي للغردقة راجعت كل حاجة بنفسي... كل حاجة كانت مظبوطة...
- مصدقك... بس صاحب السفينة مش راضي يتحرك غير لما تكون البضاعة كاملة... الشحنة كده اتأخرت عن المعاد المتفق عليه...
" و احنا طبعا اللي هنلبس في البضاعة الناقصة و كمان نزود تعويض على التأخير...
- بالضبط... عشان كده بقولك تعالى عشان نشوف مين دخلنا في المشكلة دي...
" تمام يا بابا... قربت اوصل... خلي العمال يطلعوا البضاعة و يفرزوها كويس و يحسبوا النقص بالضبط لحد ما اوصل و....
وقبل ان يكمل جملته... جاء لوري كبير اصطدم بسيارة طارق و حطمها !!
B
نظرت ليلى للفيديو الذي في التابلت... فيديو الحادث الذي إلتقطه كاميرات المراقبة على الطريق... تفاجئت ليلى مما رأته... عندما اصطدم اللوري بسيارة طارق... انقلبت السيارة به و اللوري رجع للوراء صدمه مجددا ثم هرب و كادت السيارة ان تنفـ,ـجر لولا جاء الناس و اخرجوه منها !
نظرت ليلى لأمجد بتعجب و قالت
' اللوري كان قاصد يخبطه... و الاشارة كانت حمرة... كان مفروض طارق يعدي الاول و الاشارة تفتح عشان هو يعدي... لكن ده جاي بأقصى سرعته و خبط في عربيته... دي محاولة قتـ,ـل... مش حادث عادي !
- عارف انها محاولة قتـ,ـل...
' مين عمل كده ؟
- معرفش... انا رفعت قضية بس زي ما انتي شايفة اللوري من غير نِمر... و الشخص اللي سايق اللوري مغطي وشه... وقت الحادث كان بالنهار فمكنش فيه ناس كتير على الطريق... و كل اللي كان موجود قال ميعرفش حاجة و ظهور اللوري كان مفاجئ و هرب في ثواني بعد ما نفذ جر*يمته... مع ذلك ميأستش و طلبت الكل للتحقيق... صحابه و كل معارفه... حتى كل واحد عايش هنا خليت البوليس يحقق معاه... بس موصلتش لحاجة... و اتقيدت القضية ضد مجهول... بس لسه لحد النهاردة بدور على ابن الكلـ,ـب اللى وصل ابني للحالة دي... الاقيه بس و مش هرحمه...
' ان شاء الله تلاقيه و يتحاكم...
- انا قولتلك الحوار من البداية عشان زي ما قولتلك اني هحطك محل ثقة... اتمنى متخيبيش ظني...
' لا متقلقش يا استاذ أمجد... تقدر تثق فيا و انت مرتاح... و كل اللي هنتكلم فيه هنا هيفضل هنا....
- جدعة... المهم... قبل ما تبدأي في شغلك هنا لازم تعرفي كام حاجة مهمين...
' اتفضل...
- أول حاجة... سيرة الحادث متجيش على لسانك سواء بقصد او بدون قصد قدام طارق...
' ليه ؟
- مبيحبش يفتكر اليوم ده... لأنه مأثر على نفسيته جامد...
' تمام... تاني حاجة ؟
- تاني حاجة... تنتبهيله في علاجه كويس... اوعى عينك تغفل عن معاد اي دواء من أدويته... و تخليه يستمر على العلاج الطبيعي...
' في دي متقلقش...
- تالت حاجة... ابني موسوس شوية في النضافة... الخدم بينضفوا اوضته كل يوم... اكله و الطباق اللي بياكل فيها و الكوبايات اللي بيشرب فيها خاصة به هو بس... عينك على الخدم و هم بيحضروا اكله... و هعرفك كل علاجه بالتفصيل و مواعيد جلساته....
' تمام...
- دول أهم الحاجات... لو فيه حاجة مهمة هبلغك بيها...
ذهب أمجد بإتجاه خزنته... فتحها و اخرج منها حقيبة كبيرة... وضع الحقيبة على المكتب أمام ليلى... كانت حقيبة مليئة بالأموال...
- دول 2 مليون...
' لمين ؟
- ليكي... حلوين ولا ازود ؟
' تزود ايه حضرتك... دول كتير اوي...
- بس قصادهم مهتمك صعبة...
' آسفة على اللي هقوله بس مش شايف حضرتك بتبالغ شوية ؟
- انا أدرى بكل حاجة... عشان كده بقولك حلوين ولا ازود ؟
' طب افرض اخدتهم و هربت مثلا...
- هجيبك حتى لو كنتي تحت الارض... اصلا مش هتاخديهم دلوقتي...
اغلق الحقيبة و وضتها في الخزنة و اغلق الخزنة... اخرج من جيبه فيزا كارت و وضعها امامها
- دي فيزا بإسمك...
' بس انا معايا فيزا...
- مش مهم... الفيزا دي بتاعتك من النهاردة...
' ماشي... هروح احول الـ 6 آلاف جنيه عليها...
- مش لازم...
' ليه مش لازم ؟ دول فلوسي و اكيد هحتاجهم...
- الفيزا دي جواها 300 ألف...
' و دول بتوع ايه ؟
إلتفت و اعطاها ظهره و ينظر عبر النافذة و قال
- روحي اشتري حاجات لنفسك... و سددي الايجار المتأخر عليكي قبل ما صاحب العمارة يطردك... و لو عايزة الفلوس دول و متشتغليش... ماشي مش مهم... مش هيفرق معايا...
' بس انا يفرق معايا... مقدرش اخد فلوس مش من حقي ولا تعبت فيها... حضرتك انا لسه مشتغلتش في اللي اتفقنا عليه عشان اخد فلوس كده من اولها... و الـ 6000 بتوعي هعرف ادبر بيهم ظروفي زي كل شهر...
ابتسم أمجد من إجابتها... إلتفت لها و قال
- خدي الفيزا يا ممرضة...
' اخدها على اساس ايه ؟
- انا بقولك خديها...
' لا آسفة مش هاخد حاجة...
نهضت من كرسيها و قالت
' اظن ان اجتماعنا لحد هنا انتهى... تؤمر بحاجة تاني ؟
- لا... اسبوع و هرن عليكي عشان تيجي... و تكوني سيبتي المستشفى...
' ماشي... عن اذنك...
اخذت حقيبتها و فتحت الباب و خرجت... جلس أمجد على كرسي و ابتسم و قال
- عرفت تختار يا أمجد... ان شاء الله كل اللي مخططله يكمل للآخر !!
كانت ليلى تمشي في أرجاء القصر ولا تعرف كيف تخرج
' انا شكلي توهت... هو انا كان لازم اتعصب و امشي كده من غير ما اقوله يجيب حد يخرجني من مغارة عَلي بابا دي... بس عصبني و هو بيعطف عليا بالفلوس اللي في الفيزا دي...( اكملت و هي تقلده ) خدي سددي الايجار المتأخر عليكي قبل ما صاحب العمارة يطردك... اوووف... هو ماله بالايجار... بيتدخل في الحاجات دي ليه ؟ هو انا اشتكلته !! ما انا لو بتسول عليه زي ما هو مفكر كنت اتسولت و طلبت منه فلوس اول ما عرفت انه أمجد محمد الفيّاض... لكن انا مطلبتش حاجة... و 2 مليون قال... هو انا هشتغل سبايدر مان ولا ممرضة !!
اصدمت رجلها بشيء صلب و كانت ستقع لكن تماسكت و اتعدلت... نظرت تحتها وجدت روبوت صغير بجحم الطفل... فتحت فمها مترين و جست على ركبتاها نظرت اليه عن قرب... انه روبوت فعلا... لونه فضي و كان يرتدي تيشيرت لفريق اللاعب المشهور ميسي... لمست رأسه الحديدية و يداه و قالت بتعجب
' ده انت روبوت بجد !
* المعذرة يا سيدتي لانني اصطدمت بك... كنت امشي و رأيتك تتحدثين مع نفسك... و أشارت لك بيدي لكي تبتعدي لكنك لم تريني...
' كمان بتتكلم !! طب قولي يا شقي... طالما انتي شوفتني بتكلم مع نفسي و مش شيفاك... مبعدتش ليه عن طريقي ؟
* كنت احدث بياناتي... و اثناء فعل ذلك اتشوش لو تحركت حركة مفاجئة...
' يا روحي... قولي بقا اسمك ايه ؟
* انا اُدعى روبن...
' عندك كام سنة ؟
* في اليوم الذي تم صنعي فيه كان 11/12/2018... يعني سأتم 6 سنوات في شهر ديسمبر المقبل...
' واضح انك شطور يا روبن... بتتكلم كام لغة ؟
* اتحدث العربية لانها لغتي الأم... و اتحدث الانجليزية و الالمانية و الروسية و الفرنسية و التركية بطلاقة... و أبي كان يعلمني الصينية لكنه لم يستطع اكمال ذلك...
' مين ابوك ؟
* أبي يُدعى طارق...
' طارق !
* نعم هو... هل تعرفينه ؟
' تقريبا...
* انا كنت في غرفته قبل قليل... لكنه كان منزعج بعض الشيء و طلب مني الخروج...
' اممم... ممكن اطلب منك طلب يا روبن ؟
* بالتأكيد... تفضلي...
' بُص انا شبه تايهة هنا... ممكن تقولي فين الباب اللي يخرجني على البوابة الرئيسية ؟
* سأدلك على المخرج... تعالي خلفي...
ذهب الروبوت و ليلى ابتسمت بمرح و اتبعته...
* هذا هو باب الخروج...
' والله انت روبوت ابن حلال... شكرا يا روبن...
* العفو... استطيع ان ادلك لمنزلك ايضا...
' و هتعرف مكان بيتي ازاي و انت اصلا متعرفش اسمي حتى ؟
* استطيع معرفك ذلك...
تحركت عيناه لتحت و فوق و قال
* اسمك ليلى إبراهيم مصطفى... السن 24 عزباء... الوظيفة ممرضة بالمستشفى العام بشبرا... تعيشين في عمارة سكنية بالقرب من المشفى في شقة مستأجرة بالطابق الثالث...
' يا ابن اللعيبة يا روبن !! عرفت ده كله ازاي ؟
* استطيع فعل هذا و الاكثر من هذا...
' يا ذكي انت... طب يلا انا همشي عشان متأخرش... سلام...
* الوداع...
قالها و هو يلوح لها بيده... ضحكت ليلى و قالت
' ايه القصر العجيب ده... و انا جوه حسيت نفسي في سنة 2060 مش في 2024... بس الروبوت روبن ده عسل بشكل فظيع... عايزة واحد زيه... هخليه يعلمني اتكلم تركي...
***********
* ازاي متاخديش الفيزا منه ؟
' اخد ايه يا نهلة ؟
* كنتي اخدتي الفيزا منه و ظبطتي بيها أمورك...
' اخدها على اساس ايه ؟ اشتغلت ؟ لا لسه... يبقى الفيزا مش من حقي...
* يا بت انتي هبلة ؟ في حد يضيع فرصة زي دي ؟
' اه انا... لما اعمل مجهود ابقا استحق الفلوس دي...
* يلهواااي... انتي عمرك ما هتتغيري ؟ يا بت دي فرصة و جاتلك من السما يا ليلى... بدل ما تضيعيها بشعاراتك الغيبة دي... استفيدي منها...
' شعاراتي الغيبة دي... ده الاساس اللي اتربيت عليه و ده هو الصح... مهما اتعرض عليا مش همشي عكس اللي اتربيت عليه...
* ماشي ده صح... بس الدنيا بتغلى كل يوم... و اللي زينا جاب آخرة في الشغل... في حين ان اللي قاعد تحت التكييف مش بيشتغل معاه فلوس اكتر مننا... عشان كده بقولك فتحي دماغك...
' بإذن الله ظروفنا تتحل... بس انا قلقانة من حاجة...
* قلقانة من ايه ؟
' و انا رايحة اقابل استاذ أمجد... ابن اخوه... اسمه حمزة... حاول يضايقني...
* ضايقك ازاي ؟
' بيعاكس و كده... مش مظبوط يعني...
* ااااه فهمت ( غمزت لها ) شكلها مقدرش يقاوم جمالك... خليكي ذكية و فتحي معاه... يا عالم ممكن هو يكون طاقة القدر اللي هتنور حياتك...
' يا عم انتي مبتفكريش غير بالشكل ده ؟ بعدين الراجل بإحترامه و أخلاقه... لكن ده لا احترام ولا اخلاق...
* بس هو وقع في جمال عيونك... بإيدك تغيريه...
' ليه هو انا مامته ؟ بعدين ده شحط اصلا و كبير يعني عارف الصح من الغلط... و اصلا مش التايب بتاعي... ياربي ايه اللي بقوله ده !! انا خلصت شغلي... همشي...
نهضت و فتحت شنطتها لتُعيد اشيائها بداخلها...
* هتقولي ان نهلة قالت... القصر ده هيبقى بداية جديدة في حياتك... نقلة تانية خااالص... هتواجهي احداث كتيرة الفترة الجاية...
' طيب يا ختي...
اغلقت حقيبتها و ارتدها
' سلام...
* سلام يا لولو...
خرجت ليلى... اخذت نهلة رشفة من النسكافيه و قالت
* صحيح عندك 24 سنة... بس دماغك متعديش وحدة عندها 15... ياريت كانت الفرصة جاتلي انا... كنت هستغلها صح... مش هبقى عبيـ,ـطة زيك كده...
**************
وصلت ليلى العمارة السكنية التي تسكن بها و اخرجت المفتاح لتفتح الشقة... خرجت جارتها من الشقة التي بجانبها و قالت
* الممرضة ليلى جات... حمد لله على السلامة...
' الله يسلمك يا ام جمال...
* صحيح اللي سمعته ده ؟
' سمعتي ايه يا ام جمال ؟
* انك هتسيبي المستشفى و هتروحي تشتغلي في قصر أمجد موسى الهواري ؟
' قولي يا مسهل يا ام جمال...
* و انتي عارفة مين هو أمجد محمد الفيّاض ؟
' يادي ام السؤال ده... اه عرفت يا ام جمال...
* والله كبرتي و القرش هيلعب في ايدك...
' قولي ما شاء الله يا ام جمال...
* ما شاء الله يا ممرضة... ابقي متنسناش... احنا برضو جيران و عِشرة عُمر...
' دلوقتي افتكرتي اننا جيران يا ام جمال؟ الله يرحم ايام ما كنت احتاج منك 300 جنيه تقوليلي والله دفعت بيهم باقة النت لعيالي...
* ما العيال بيذاكروا عليه... و انتي عارفة يا ليلى ان الزمن اتغير و بقا كله على النت...
' اه فعلا اتغير... بس الناس متغيرتش !! تصبحي على خير يا ام جمال...
فتحت شقتها و دخلت و اغلقت الباب خلفها...
* شوف البت ! دكتورة في نفسها و هي حتة ممرضة...
*************
كان طارق في غرفته... و روبن الروبوت بجانبه مُمسك بالتابلت الخاص بطارق و يعرض عليه صور طارق القديمة... عندما كان يقف على رجليه و بكامل صحته !
كان طارق ينظر بحزن لصوره السابقة واحدة تلو الآخرى و يتعجب... كيف تحول من شاب مُفعم بالنشاط و الحركة... الى شاب عاجز حتى ان يجلب كوب لنفسه و سجين في كُرسيَّ متحرك !
جاءت صورته عندما كان مُمسك بالكأس الفضي على شكل لاعب يمتطي حصانه و بجانبه حصانه الذي كان يحبه كثيرا... كان مبتسمًا و سعيدا للغاية في تلك اللحظة... لانه تأهب للكأس النهائي في الفروسية... لكن بسبب ذلك الحادث الذي قلب حياته... لم يحضر مباراة و شخص آخر أخذ منه لقب " أعظم فارس " ! هو كان يريد ذلك اللقب كثيرا... لكن لا... يبدو ان الحياة لها رأي آخر...
" خلاص اقفله يا روبن... مش عايز اشوف صور تاني...
* كما تريد يا أبي...
اغلق روبن التابلت و طارق تنهد بعمق بداخله حزن كبير... انه يشتاق لحياته السابقة كثيرًا... هو لم يختار ذلك الكرسيّ... بل اُجبرَ عليه ! لكن لمتى سيأخذ حريته ؟ هذا غير معلوم بعد !
قلّب الدكتور صفحات الملف الطبي بهدوء... ثم تنهد ببطء و قال بنبرة جادة
* بص يا أستاذ أمجد... أنا مش هلف ولا أدور... حالة طارق النفسية... للأسف بتسوء يوم عن يوم... مفيش اي تقدم عمله من ساعة الحادث
رفع أمجد عينيه سريعًا و قال و القلق يعلو ملامحه
* يعني ايه ؟... وضّحلي يا دكتور...
أغلق الطبيب الملف ووضعه جانبًا ثم شبك يديه أمامه قائلًا
* بصراحة... هو داخل في مرحلة اكتئاب حاد... و ده طبيعي في حالات زي حالته... لكن اللي مقلقني بجد... إن الاكتئاب عنده بقى مخلوط بإحباط مزمن و غضب داخلي... و غضب تجاه نفسه... و تجاه كل الناس حواليه
هز أمجد رأسه بعدم فهم و قال
* بس هو بيروح جلسات العلاج الطبيعي... مش بيخليه يفوت جلسة لكن مفيش تحسن... ده ليه ؟
تنهد الدكتور سامر و أمال جسده للأمام قليلًا و كأنه يريد أن يجعل الأب يفهم جيدًا ما سيقوله
* للأسف طارق بيمر بنوع اكتئاب بنسميه في الطب النفسي بـ الاكتئاب الجسيم (Major Depressive Disorder) جسمه موجود في الجلسات... بس عقله و روحه لا...
بيروح بالعافية... و بيرجع أسوأ... رافض يتجاوب... و كل مرة يدخل الجلسة... بيعتبرها عذاب مش علاج...
قال أمجد بإستدراك
* هو بيتعصب على أقل حاجة... بقا يصرخ فجأة... حتى لما حد بيحاول يساعده... بيزعق... حتى أنا... و كل الممرضين اللي جبتهم يهتموا بحالته... طفشهم كلهم...
* كل ده طبيعي... الإنسان لما يفقد قدرته على الحركة... بيحس إنه فقد جزء من كرامته... بيكره الناس اللي بتحاول تساعده... لأنه شايف مساعدتهم تذكير دائم إنه عاجز...
و ده بيزود غضبه... و بيكره نفسه... و بيكره الناس... و بيبطل يحلم بأي تحسن...
* يعني ايه ؟ مفيش أمل ؟
* لا طبعًا... طول ما هو عايش... و لسه بيتنفس... في أمل... بس لازم نلحقه قبل ما الحالة تتفاقم أكتر من كده...
* يعني اعمل إيه يا دكتور ؟ قولي أعمل ايه ؟
رد الطبيب بحزم واضح
* هو محتاج يدخل برنامج علاج نفسي مكثف... لازم جلسات فردية... و جلسات دعم جماعي مع مرضى مرّوا بتجربة شبه تجربته... و لازم كمان نبدأ معاه علاج سلوكي معرفي...
لازم يفرّغ الغضب اللي جواه... و يبدأ يتعلم يتقبل وضعه…
و الأهم... إنك انت وكل اللي حواليه… تبطلوا تتعاملوا معاه كضحية... لأنه طول ما هو شايف إن الكل بيشفق عليه... هيقتنع بعجزه و عمره ما هيتحرك خطوة لقدام... كمان ان قولت انك جبتله ممرضة جديدة تتابع حالته... صح ؟
* ايوة...
* طب حلو اوي... خليها تسجل و تبلغني كل تصرفات طارق... بيتعصب ليه و امتى... ايه اللي بيهدي غضبه... ايه اللي بيساعده على الاسترخاء و كده... بيزعل من ايه... و بيضايق من ايه...
* أنا هعمل اللي تقول عليه... حتى لو آخر نفس ف عمري... مش قادر أشوف ابني بيضيع كده...
ربت الطبيب على كتفه بهدوء... ثم قال بابتسامة هادئة :
* هو كمان... محتاج يعرف إنه مش لوحده... و إن في ناس لسه مستعدة تحارب عشانه... و انتوا ڪ عيلته لازم تعملوا كده عشان يعدي من محنته...
خلع أمجد نظارته و نظر للفراغ و هو يستوعب كلام الطبيب...
************
في مكان مجهورٌ ما... كان عامل التوصيل يقف مع شخصٌ ما مُلثم وجهه بشال أسود على وجهه ليخفي نفسه... بيديه كيس الأدوية الذي يأتي لطارق... اخرج من الكيس بعض زجاجات الأدوية السائلة و أشرطة الحبوب و الحقن... وضعهم جانبًا ثم فتح حقيبته و اخرج منها زجاجات الأدوية و بعض الأشرطة و الحقن بنفس اسم و غلاف الأدوية الذي اخرجهم من الكيس لكن ما بداخلهم مختلف !
قال عامل التوصيل بخوف
* اللي بنعمله ده غلط و أكبر غلط... أستاذ أمجد لو عرف اني ليا يد في الحوار ده... هيفصل رأسي عن جسمي !
* اخرس !! انت ليك تاخد الفلوس اللي اتفقنا عليها و خلاص !!
* صدقني اللي بنعمله ده مش هيعدي بالساهل ! عيلة الفيّاض ناس واصلة اوي و احنا غلابة...
* متقلقش... الكبير وعدني اننا تحت حمايته...
* طب كفاية لحد هنا و نوقف اللي بيحصل ده !
* نوقف ايه انت اتجننـ,ـت في دماغك ؟!
* الصراحة طارق الفيّاض مأ*ذنيش في حاجة عشان أذ*يه بالشكل ده...
* اه انت ضميرك صحي دلوقتي ؟ طب خلي ضميرك ينام عشان نشوف شغلنا...
* اوووف... خلصت تبديل ولا لسه ؟
* خلصت اهو... يلا خُد مكنتك و اطلع على الطريق الرئيسي لحد قصر الفيّاض... و إياك تثير الشك و بطل جُبن ! ولا تحب اخلي الكبير هو اللي يفصل رأسك عن جسمك ؟؟
* تمام خلصنا... هات كده...
اخذ منه الكيس و وضعه في الصندوق و ركب دراجته النارية و ذهب... خلع الشخص الشال الذي على وجهه و نظر للطريق المظلم ثم فتح هاتفه و اتصل بشخصٍ ما و رد عليه
- هااا عملت ايه ؟
* تم يا كبير... نفذت كل اللي قولتلي عليه زي كل مرة !!
« كل رشفة ماء ابتلعتها بعد كل قرصٍ ظننتُه شفاءً... كل إبرةٍ اخترقت جلدي و سرى سائلها في جسدي كضيفٍ ثقيل لساعات... لم يكن علاجًا... كان سُمًّا ينساب فيّ ببطء... يرتدي قناع الرحمة... عامان... و مائة و خمسة و سبعون يومًا... و اثنتا عشرة ساعة... كنت خلالها أُطعَم الخيانة... قطرة وراء قطرة... دون أن اشعر حتى صار جسدي مقبرةً لأوهامي... أتنفس خيانةً لا أراها... و أبتلعها... بأملٍ غبي... و صمتٍ أحمق... كأنني كنت شريكًا في موتي... دون أن أدري...» " طارق الفيّاض "
