رواية نسمة متمردة الفصل الرابع والعشرون24بقلم امل مصطفي


رواية نسمة متمردة الفصل الرابع والعشرون24بقلم امل مصطفي


انحنت نسمه على شهد، تسألها بسخرية: «مين دي؟»

ردت شهد بغيظ: «بيقولوا مامتي.»

زاد سخريّة نسمه، لأنّ بين ابنتها وبين تلك المرأة شتان، 

أنت  متأكدة من الكلام ده .

ضحكت شهد بمرح: «أنا في الأول ما صدقتش الموضوع ده، بس للأسف لاقيت اسمها جنب اسمي في شهادة الميلاد.»

تبادلتا النظرات وضحكتا بقوة، وصوت ضحكاتهما العالي جعل الكل ينظر إليهما باستفهام، فكل ما يحدث يحرق الدم.

خجلت نسمه وشهد ونظرتا إلى الأسفل.

أكملت حياة حديثها: «يعني أنت عايز تبعد بنتي عني؟»

هتف أحمد نافياً: «لا طبعا، بنتك تزورك كل فترة، وحضرتك تشرفينا في أي وقت، ودي سنة الحياة.»

قال حمزة: «ها، خلصت كل طلباتك يا حياة؟»

ردت بغضب: «أه.»

وجه حمزة كلماته لأحمد: «بصي يا بني، زي ما قلتلك قبل كده، أنا شاريك، وأهم حاجة عندي سعادة بنتي. وأنا متأكد إنها هتكون معاك أسعد إنسانة. 
وأي حاجة تانية مجرد شكليات، وأنا موافق حتى لو هتلبسها دبلة عند الجوهرجي.»

اعترضت حياة: «إيه اللي بتقوله ده؟»

رمقها حمزة بنظرة أخافتها وجعلتها تصمت، فهو يترك لها حرية الحياة لكنها تخاف غضبه.

لقد وجد حمزة  في أحمد القوة والرجولة، وهي أصبحت عملة نادرة في تلك الأيام، وهو رجل أعمال ناجح لا يترك الفرصة المربحة، وأحمد بالنسبة له تلك الفرصة.

ويرى الحب في عيونه، وليس المال أو الطمع في اسم العائلة.

قال أحمد: «يلا يا جماعة نقرأ الفاتحة.»

أضاف: «حضرتك، أنا لسه قدامي أسبوعين، ونسلم المشروع بعد الافتتاح، هلبس الشبكة وأكتب الكتاب، وبعدها بشهرين الفرح.»

قال حمزة: «على خيرت الله، أنا معاك.»

*********
بعد رجوع الجميع إلى فيلا مروان، في غرفة خالد، هتف أحمد بإحراج:
— أنا آسف يا ماما، ولحضرتك يا بابا، على الموقف البايخ اللي حصل.

ردت والده بحنان:
— أنت مالكش ذنب، وبعدين أنا مخلف راجل، وعارف إنك كنت هتوقفها عند حدها.

الغريبة أن بنتها مختلفة تمامًا، وده الأهم.

هيام وباين عليها هي أن نسمه مرتبطين  ببعض  جدًا.
قال أحمد:
— هي نسمه و بيحبوا  بعض ومتفاهمين، يا أمي.

رغم أن طريقة حياة لم تعجب خالد، إلا أنه لم يرد إحزان ابنه، فاحتضنه وهو يهنئه:
— ألف مبروك، وما تقلقش، إحنا معاك وسندك، زي ما أنت سندنا بعد ربنا.

رد أحمد بتأثر:
— ربنا ما يحرمنيش منكم أبدا.

واحتضن والدته وقبلها.
********
قال حمزة بهدوء وهو ينظر إلى زوجته:
— خفّي شوية عن أحمد يا حياة.

ردت حياة بعدم رضا:
— وأنا عملت إيه؟

أجابه بنبرة حازمة:
— طلباتك ملهاش مبرر، وطريقة كلامك معاه قدام أهله كانت بايخة جدًا.

تنهدت حياة بامتعاض:
— كان نفسي بنتي تتجوز من عيلة كبيرة زي عيلتنا.

ابتسم حمزة وقال بثقة:
— ده نسيب مروان، يعني بقى من العيلة، والكل بيعمله حساب لأنه تبع مروان، يعني مش قليل.

وغير كده، أنا ما صدقت لاقيت لبنتي راجل بجد، ابن أصول، ويحافظ عليها.
بنتك بتحبه، وهو بيعشقها.

أيد فريد كلامه قائلاً:
— وعنده مبادئ وأخلاق عالية.
يوم الحادثة، بنتك رمت نفسها في حضنه، ورغم حبه ليها، عنفها وقال لها "كده غلط".

قاطعتهم حياة بسخرية:
— يعني إنسان معقد!

هتف فريد نافياً:
— لا، إنسان محترم يا ماما.

علّقت حياة بتهكم:
— يعني أنا دلوقتي الأم الشريرة؟ بس علشان عايزة لبنتي إنسان من نفس مستواها؟

رد حمزة بجديّة:
— أنا راجل في السوق، و كتير مر عليا ناس خسرت كل ثروتها وبقوا في الشارع.

وكل اللي طلبوا ايدها كانوا طمعانين في اسم العيلة و ثروتها.

أنتِ نفسك متأكدة إن صديقاتك اللي معاكي، كلهم طمعانين فيكي.

وقت ما ثروتك تضيع، مش هتلاقي حد منهم.
فاكرة جيجي ومديحة الأغا؟

ثم نظر إليها بتحذير:
— الولد عنده عزة نفس وكبرياء... أوعي تكوني سبب في خسارته.

*********

هتف أيهم بفرحة وصدق:
— مبروك يا عريس! عقبالي.

رد أحمد وهو يبتسم:
— الله يبارك فيك، و عقبالك. كفاية عزوبية لحد كده!

ضحك أيهم وقال ممازحًا:
— يسمع منك ربنا! أنا و الواد فريد لسه... سيف خطب، وأنت هتخطب.

اقترب أحمد من نسمه و احتضنها قائلاً:
— هتوحشيني.

ردت وهي تبتسم بحنان:
— وأنت أكتر. خلي بالك من نفسك.

ثم التفت إلى حنين و احتضنها أيضًا، وقال ممازحًا:
— وأنتِ كمان يا حبيبتي... أكتر من نسمه!

نظرت إليه حنين بدهشة وسألته:
— بجد؟

أجابها أحمد بثقة وابتسامة صادقة:
— بجد.
*******
اتصل أحمد بنادر وقال ممازحًا:
— وصلت لفين يا عريس؟

رد نادر بسعادة:
— قدامي نص ساعة وأكون في بيت أهلي.

قال أحمد:
— لا، روح على شقتي، ارتاح، وبعدين روح لهم.

هتف نادر بفرحة:
— هو أنت مش في الشقة؟

ضحك أحمد وقال:
— لا، سبْت لك المفتاح تحت المشاية اللي قدام الباب، ولما ترتاح هاجي لك. و اعمِل حسابك، هنسافر بكرة.

رد نادر مازحًا:
— طب ما ينفعش تسيب أخوك أسبوع كمان؟ الجواز حلو أوي أوي.

أجابه أحمد بمكر:
— لا يا خفيف، بعد أسبوعين خد أجازة. سلام!

وصل نادر تحت البيت، نزل هو ولمار، وحمل الشنطة.

قال وهو يبتسم:
— أحمد ساب الشقة النهارده.

ثم جذب لمار من خصرها وهمس:
— أنا كنت زعلان عشان مش هعرف أنام في حضنك النهارده، ومافيش مكان عند أبويا.

بس أحمد طلع عنده ذوق وحس بيا. 

ولما نرجع من السفر، هسلّبط عليه و آخد المفتاح تاني!

هتفت لمار بخجل:
— طيب، ابعد شوية، إحنا على السلم... حد يشوفنا!

رد مازحًا وهو يغمز:
— ماشي يا جميل، لما نطلع و يتقفل علينا الباب... نشوف الكسوف ده!

عند الباب، وقف نادر متفاجئً:
— إيه ده؟ هو أحمد غيّر لون الباب؟

رفع المشاية، أخذ المفتاح، وفتح الباب، لكنه تراجع خطوة، وألقى نظرة على رقم الشقة.

سألته لمار باستغراب:
— مالك يا نادر؟ عمال تدخل وتخرج كده؟ هو أحمد موجود؟

تأمل المكان بدهشة وقال:
— لا، بس الشقة...

 لمار بدهشة من حالته:
— مالها؟

اتصل نادر بأحمد فورًا:
— هي الشقة حد أجرها؟

رد أحمد:
— لا، ليه؟

قال نادر مذهولًا:
— أصل دي شقة عروسة! الموبيليا، والسجاد، والدهان... كله جديد! كأن ما فيش حد دخلها قبل كده!

ضحك أحمد وقال:
— ألف مبروك! ادخل بس، ريّح، ولما تصحى نتكلم.

سأله نادر بعدم فهم:
— يعني أدخل بقلب جامد؟

وصله صوت أحمد مشجعًا:
— آه، طبعًا!

دخل نادر الشقة وهو يحمل الشنطة، ثم خرج وحمل لمار التي صرخت من المفاجأة، ونظرت

 للشقة بإعجاب:
— إيه ده؟ الشقة بقت حاجة تانية غير المرة اللي جيت فيها معاك!

تأمل نادر كل ركن بدهشة:
— فعلاً! مش عارف أحمد قدر يعمل ده في أسبوع إزاي! حتى المطبخ... مش معقول!

قالت لمار:
— طيب، مش هنروح لماما؟

رد نادر بابتسامة واسعة:
— نروح فين بقى؟ دي جتلي على طبق من دهب! نجرب الشقة الجديدة، وبعدين نرتاح ونتصل بيهم، لأن أحمد جاي يبارك لنا.

دخل غرفة النوم، ووجدها غرفة جديدة وكاملة.
قال بشقاوة:
— هموت وأجرب  ده!

ردت بخجل:
— وبعدين معاك!

جذبها إلى أحضانه وهمس:
— تعالي بس... لما أقولك.

**********
دلف مروان إلى المنزل، ووجد والده ووالدته جالسين يشاهدون التلفاز. ألقى التحية قائلًا:
— مساء الخير.

رد والداه دون أن يشيحا بأعينهما عن الفيلم القديم الذي كانا منسجمين معه.

سأل مروان باستغراب:
— هي نَسمة وحنين ناموا بدري كده؟

ردت والدته:
— لا يا حبيبي، في المطبخ هي وحنين وأيهم، عاملين مسابقة حلويات.

تغيّر وجه مروان، وتحدث بغضب وغيرة:
— إزاي يعني؟ وإيه يخليها توقف معاه في المطبخ لوحدهم؟!

تعجبت سهير من موقفه وردت:
— مالك يا مروان؟ أيهم أخوك!

لم تعجبه كلماتها، فهتف بغضب:
— ماما، لو سمحتي...

ثم توجه إلى الداخل بخطوات سريعة.

******

في المطبخ، كانت نَسمة تتحدث بغرور وهي تُجهّز طبق الحلوى:
— لا يا حبيبي، ما تحاولش. أنت في منطقتي، والحلويات دي لعبتي!

كان أيهم ينهي تزيين طبق الحلوى بيده، فرد بثقة:
— لا يا قلبي، أنا أيهم، ومافيش حاجة تستعصي عليّا. والحكم موجود، ورأيه هو الفاصل!

ضحكت نَسمة، ثم غمزت لحنين وقالت:
— الحكم في صفي، حتى لو عملت أيه. اسألها!

اقترب أيهم من حنين بخفة، محاولًا جذب

 انتباهها:
— حَنون، حبيبة يويو... أنتي معايا ولا مع مامي؟

أجابت حنين ببراءة:
— مع مامي طبعًا!

ابتسمت نَسمه وهي تحتضنها و تغمز لأيهم:
— قلب مامي أنتي!

رد أيهم وهو يضحك:
— كده يا حَنون؟ طيب شوفي مين هيرسملك أو يفسّحك!

قالت حنين بصوت هادئ:
— معلش يا يويو، بس حاجة ماما بتكون أجمل... بس ممكن المرة دي أقف في صفك.

شهقت نَسمة بتظاهر:
— كده يا حَنون؟ بتبعيني؟

ردت حنين بضيق:
— يوه بقى، تعبتوني أنتم الاتنين!

تبادل أيهم و نَسمة نظرات ضاحكة، وما هي إلا لحظات حتى التفتت نَسمة، لتجد مروان واقفًا عند باب المطبخ، يسند كتفه عليه، وعلى وجهه ملامح ضيق واضحة.

تحدثت بتوتر:
— حبيبي، حمد الله على السلامة!

رفع أيهم عينيه، التي اصطدمت بنظرة مروان الغيورة، فحاول تغيير الموضوع سريعًا...

دخل مروان إلى المطبخ، فهتف أيهم مازحًا:
— تعال يا سيدي، شوف مراتك دوختني معاها!

ركضت حنين بسرعة إلى والدها، قائلة ببراءة:
— بابي ، تعال شوف، أيهم عايز يغلب مامي!

احتضنها مروان و قبّلها، ثم وضعها على الكرسي برفق. 

توجه بنظراته إلى نَسمة وقال بجدية:
— نَسمة، عايزك فوق.

ثم التفت وغادر المكان دون أن ينطق بكلمة أخرى.

نظرت نَسمة إلى أيهم بتوتر وسألته:
— هو مالُه؟

رد أيهم بهدوء:
— راجل غيران، وليه حق... أنا لو مكانه، مش هسمح لأي راجل يلمّحك.

قالت نَسمة بضيق:
— وبعدين معاك؟ خلي بالك من حنين!

**********

صعدت نسمة إلى جناحها، وجدت مروان وقد خلع جاكيت بدلته، واقفًا في منتصف الغرفة، يظهر عليه الغضب الشديد.

قالت بتوتر:
— خير يا حبيبي؟

هتف بغضب وقد اعمته الغيرة:
— ممكن أعرف إيه اللي بيحصل؟! و إزاي تقفي معاه في المطبخ لوحدكم؟! هو معدش فيه احترام ليا ولا إيه؟

حاولت نسمة تهدئته وهي تقترب منه:
— حبيبي، أنا بعامله زي أحمد، أخويا... ولو كنت شايفة منه حاجة وحشة، كنت عملت حدود.

(طبعا شرعا مافيش حاجه اسمها زي أخويا 
ووقفها معاه من غير محرم حرام )

لكن مروان رفع يده يمنع اقترابها، وصوته لا يزال يحمل الغضب:
— ما فيش حاجة حصلت؟!

ثم دفعها برفق إلى الحائط خلفها، وضع إحدى يديه لتثبيتها، والأخرى كانت تتحرك على شفتيها بعنف، وكأنه يمحو آثار كلمة خرجت منها دون قصد.

قال من بين أسنانه:
— لا، فيه! لما شفايفك تقول لواحد غيري "حبيبي"، وتوقفي معاه بالساعات... رغميبقى فيه!
أما لما تكوني عارفة إن رب، بغير، وبرغم كده ما تعمليش حساب لمشاعري... يبقى فيه!

حاولت نسمة الحديث، لكن حركته العنيفة على شفتيها أربكتها، فلم تستطع أن تنطق بكلمة.

كان أيهم قد صعد خلفهم، قلقًا من تصرفات مروان، ووقف بجوار الباب، مترددًا في الدخول.

اقترب مروان أكثر، وسحق جسدها الصغير بجسده الضخم نحو الحائط خلفها، ثم همس بانفعال:

— يا غبية... أنا بغير! بغير عليكي من أي عيون تبصّلك بإعجاب، أو تتأمل ملامحك.

أنا لو بإيدي، مش هخليكي تتعاملي مع أي راجل، حتى لو كان أحمد أخوكي!

فاهمة؟ أنا خايف عليكي من نفسي... من غيرتي. وخايف أخسر أيهم، لأني مش دايمًا هقدر أتحكم في إحساسي ده.

نظرت له نسمة بعيون تنطق عشقًا له وحده، و همست:
— أنا بعشقك يا مارو...

لانت ملامح مروان، واقترب منها أكثر، وقال بصوت منخفض:
— وأنا عديت العشق بمراحل، يا قلب مارو...

ثم ضمها بحب، وهمس جوار أذنها:
— أوعي تفتكري إن غيرتي دي شك... ده هوس وجنون بحبك.

قالت وهي تقرب جسدها منه أكثر:
— عارفة... وحاسة.

قبّلها بعشق، وهي بادَلته القبلة بسعادة وحب.

أما أيهم، الذي كان واقفًا عند الباب، فغادر بصمت واتجه إلى غرفته.


تعليقات



<>