رواية نسمة متمردة الثاني والثلاثون32بقلم امل مصطفي


رواية نسمة متمردة الثاني والثلاثون32بقلم امل مصطفي




هناك... في فرنسا، أرض الأحلام والأوهام،
كانت نسمة تنام في حضن مروان براحة وهدوء، تستنشق الأمان من دفء صدره.

– المكان هنا جميل جدًا يا مروان...
قالتها بنبرة حالمة وهي تتأمل الطبيعة من حولها.

ابتسم، ثم طبع قبلة على رأسها قائلاً:

– أنا كنت باجي دايمًا مع العيلة كل صيف،
بس عمري ما شفت جماله غير في وجودك.
ليه طعم تاني وإنتي في حضني...
وحشتيني، وحشتيني أوي يا قلبي.

ضحكت بخفة:

– لسه واحشاك؟!
إحنا بقالنا شهر هنا... في حضن بعض وبعيد عن الكل!

– ولو فضلتي العمر كله في حضني، برضه بتوحشيني.

سكتت لحظة، ثم تحدثت بندم:

– أنا آسفة يا حبيبي... عذبتك كتير،
بس والله مافيش حد يحبك قد حبي ليك.

رد بحنان ممزوج بعِتاب:

– عارف... بس تمردك عليا بيجنني، وبيتعبني جدًا.

اعتدلت وهي تستند إلى صدره، ثم همست بوعد:

– أوعدك... ماعادش هيحصل تاني،
ولو زعلت منك، برده هفضل في حضنك، وأشتكيك ليك...
إنت حضنك ده بيتي وأماني.
بس قولي يا مروان... هنرجع إمتى؟

– لسه بدري.

هتفت برجاء:

– إحنا عطّلنا فرح أحمد شهرين... كفاية كده عليه.
تعالى نرجع، وبعد الفرح نرجع هنا تاني... إيه رأيك؟

ابتسم مروان وهو يقبّلها بحب:

– نتكلم بعدين...
أصل الوقت عندي ليه كلام تاني لازم أقوله.

---

لكن... كل شيء تبدّل.
عاد مروان، وهدفه الوحيد الآن الانتقام.

---

فتحت عينيها بتعب، ألقت نظرة حولها،
سمعت صوت أقدام تقترب بثقل...

دخل مروان بقوّته وجبروته، تتزين ملامحه بابتسامة شريرة لم ترها منه من قبل.

– حمدالله على السلامة، شاهي هانم... والله زمان!

نظرت له برعب، غير قادرة على النطق، بسبب اللاصق على فمها.

اقترب منها ببطء، وصوته يقطر سخرية:

– إيه؟ كنتِ فاكرة إنك لما تستخبي وتعملي جواز مزوّر باسم تاني مش هعرف أوصلك؟
ليه؟ مش عارفة مين هو مروان؟
بس معلش... كله بوقته.

تنفس بعمق، ثم أردف بغل:

– اللي أخرني عنك... نسمة.
نسمة اللي عرّيتيها... وكنتِ عايزة تفضحيها.

نزع اللاصق عن فمها بعنف، جعلها تصرخ من الألم.

رمقها بسخرية وقال:

– وفّري صوتك العظيم...
إنتي لسه ما شفتيش حاجة.

شهقت باكية، وقالت بصوت متهدج:

– أنا آسفة يا مروان... حقك عليّا، بس أرجوك... بلاش تأذيني.

ضحك بقوة، ضحكة ملأها الغيظ:

– أذيّك؟!
دي حاجة بسيطة على الرسمة اللي ليكي.
شوفي يا ستي...

أنا عملتلك فيديو جميل... مع عشاقك في السرير!
عارفة الأماكن اللي كنتِ بتروحي لهم فيها يا فا*** عشان الفلوس؟
ها؟
هأشيره...
خلي الجعان يشبع، وتكسبي فيهم ثواب!

نظرت إليه بصدمة وعدم تصديق:

– لا يا مروان!
أنت مش ممكن تعمل كده... دي مش أخلاقك.
أنا زبالة... آه، بس بلاش كده... أرجوك...
أنا هتفضح...
انحنى مروان عليها، ونظراته تحترق بالقسوة، وصوته يقطر غضبًا:

– ده عقاب اللي ييجي على حد يخصني...
ومش أي حد، دي حبيبتي ومراتي، يعني شرفي...
اللي كنتِ عايزة تلوثيه!

تابع، وهو يحدق في عينيها المرتجفتين:

– وده طبعًا هيكون فيه بلاغ...
ونسخة من الفيديو لبوليس الآداب.

ثم أكمل بمرارة، وخطى نحوها ببطء حتى أصبح وجهه مقابل وجهها. أمسك فكها بقوة جعلت دموعها تسيل من الألم.

– فاكرة أختي؟
أختي اللي شاركتي الحيوان التاني علشان تخلصوا منها؟
هي وجوزها قتلوا أخوه علشان يورثه،
ومات بعدها بشهر... برده في حادثة عربية!
وبنت أخوه هي اللي ورثته... شُفتي حكمة ربنا؟!

ثم أكمل بصوت اختنق بألم قلبه:

– قتلتوها في عز شبابها...

حاولت أن تستجديه بكلمات مرتعشة، لعل قلبه يرقّ، لكنها زادت النار اشتعالًا داخله.

– أنا عملت كده لأني بحبك! كنت عايزاك ليا لوحدي...

صرخ بصوت انفجر كالرعد:

– اخرسي! اخرسي خالص!

ثم سحب سلاحه، ووجهه نحوها بنيّة القتل.

– خلاص... النهاية.

لكن يدًا قوية أمسكت بذراعه في اللحظة الحاسمة.

– اهدى يا مروان...
ما توسخش إيدك بدم واحدة زي دي.
إنت وعدت نسمة.

كان سيف هو من أوقفه، ونبرته حاسمة.
تنفس مروان بعنف، يحاول السيطرة على غضبه، ثم قال بحسرة:

– أنا كنت بستغرب ليه حنين بتتسرّع لما بتشوفك...
سبحان الله، رغم إنها طفلة، ومتعرفش حتى شكل مامتها...
بس حست إنك عدوّتها.

نظر بعيدًا، بعينين زائغتين:

– وأنا المغفل...
المش عارف سبب الخوف اللي بشوفه في عيونها!

ثم أردف بحزم:

– بس ملحوقة... كله هيخلص.
أنا فتحت القضية تاني، وصفاء شهدت عليكي بكل حاجة تعرفها.

اقترب منها وهو يبتسم بسخرية منتصرة:

– والمفاجأة الحلوة بقى؟
بطريقتي، وبقدرة قادر...
اسمك اتحطّ في صفقة مخدرات، وصفقة أعضاء بشرية.
وملفك كله... جاهز.
الإعدام.

صمت قليلًا، ثم أنهى كلماته بنبرة قاسية:

– بس هتشرفيني هنا شوية...
وبعدين نسلمك للعدالة.
سلام يا قطة!

ارتجفت ملامحها، لم تتوقع أن ترى هذا الكم من القسوة في من كان يومًا يحنو عليها.
صرخت بجنون، والدموع تختنق في صوتها:

– لا يا مروان! والله آسفة!
آسفة على كل حاجة!
مروان! استنى! استنى يا مروان!
مروان!!
********

خرج مروان تاركًا خلفه شاهي تغرق في رعبها، وقلبها ترتجف من المصير الذي ينتظرها. لم يلتفت، لم يتراجع، فقط مضى بخطى مثقلة نحو وجهته التالية... 

 دخل المقبرة بصمتٍ ثقيل، يتقدم خطواته كأنها تمشي فوق صدره، وتوقف أمام قبر ندى، شقيقته الراحلة، التي خُطفت من حياته في لحظة غدر وظلم.

انحنى على القبر، وهمس بألمٍ وخزي:

– آسف يا عمري... خدت حقك متأخر، بس وغلاوتك عندي، ما كنتش أعرف إنها كانت حادثة مدبّرة.
سامحيني... سامحيني يا ندى، لأني كنت عايش جنب شيطانة... بعدتني عنك من غير ما أحس.
أرجوكي، اغفري لأخوكي خطأه اللي عمره ما كان مقصود.

سقط على ركبتيه، وانحنى أكثر، حتى لامس جبينه شاهد القبر، يقبّله بوداعٍ ثقيل، وكأن روحه تُنتزع منه قطعة قطعة.

– أنا بموت... بموت من الألم يا ندى.

ثم ساد الصمت... صمت لا يقطعه سوى همسات الريح، تحمل حزن رجلٍ أدرك الحقيقة متأخرًا، لكنه لم يتأخر في الندم.

**********
أخيرًا جاء موعد فرح أحمد.

صوت نسمة ارتفع من الطابق العلوي، بينما كان الجميع في الأسفل بانتظارها:

– إيه يا نسمة؟ كل ده ولسه ما نزلتيش؟!

أجابت من خلف الباب، بصوت مشاكس:

– خلاص يا حبيبي، نازلين... إنت مستعجل ليه؟

هتفت حنين بسعادة، وهي تدور بفستانها:

– مامي، أنا كده بقيت عروسة زي شهد!

احتضنتها نسمة بحب، ورفعتها بين ذراعيها:

– أجمل عروسة يا قلب مامي.

ثم وجهت حديثها نحو شهد، التي كانت تجهز أمام المرآة:

– يلا، أحمد هيتجنن تحت.

أجابت شهد بخجل، وهي تتفقد نفسها للمرة الأخيرة:

– ما أنا جاهزة... أنتي سبب التأخير.

شهقت نسمة بدهشة مصطنعة وهي تنزل السلم، تعلّق بمزاح:

– بقى كده؟ ماشي...

نزلت أمامها شهد، التي خطفت الأنظار بجمالها وأناقتها.

كان أحمد في استقبالها بلهفة شديدة، اقترب منها على الفور، وطبع قبلة على جبينها:

– مبروك يا عمري...

ابتسمت شهد بخجل وردّت:

– الله يبارك فيك يا حبيبي.

أطلت حياة من خلفهم وقالت بحماس:

– يلا يا ولاد.

ثم نظرت إلى أحمد باستغراب:

– بتعمل إيه يا أحمد؟

ردّ وهو يضم شهد بين ذراعيه:

– هشيل حبيبتي، ما ينفعش أسيبها تمشي.

– لا يا أحمد، نزلني... أنا مكسوفة!

ضحك أحمد وهو يواصل حملها:

– والله أبدًا.

ضحكت حياة من قلبها، وهي تمازح ابنتها:

– حد طايل توصيلة ببلاش؟

كان مروان يراقب المشهد بعينين ملؤهما الغيرة المحبّة، ثم اقترب من نسمة وهمس:

– تعالي يا نسمة... أما أشتاقلك إنتِ كمان.

ضحكت نسمة وقالت بمرح:

– طب هما عرسان، وما فيش حد هيعلّق لأنه شايل عروسته... لكن إنت، الناس هتقول إيه؟

ردّ مروان بابتسامة وهو يرفعها بين ذراعيه بثقة:

– بردو شايل عروستي.

وفي الجهة الأخرى، كانت حنين تقف بفستانها الطفولي، تنظر بعيون متلهفة، ثم هتفت:

– أيهم، شيلني!

انحنى إليها وسألها:

– مالك يا حبيبتي؟

قالت بإصرار:

– مش أنا عروسة؟ ولبسة فستان أهو!

ابتسم لها بحنان:

– آه... وأجمل عروسة.

قالت بفرح:

– طيب شيلني زيهم!

وقبل أن يتحرّك، جاء صوت يوسف من الخلف، وهو يركض نحوهم:

– هو إنتَ اللي هتشيلها؟ كل واحد شايل عروسته، وحنين عروستي أنا... وأنا اللي هاشيلها.

رفع أيهم حاجبه بدهشة، وسأله بمزاح:

– عروستك؟!

ردّ يوسف بثقة:

– طبعًا يا أونكل... حنين هتكون مراتي إن شاء الله!

ضحكت حنين بسعادة، وقالت:

– بجد يا يوسف؟

– بجد يا روح يوسف.

ثم حملها يوسف وسط دهشة الجميع، وذهول أيهم.

نظر أيهم من حوله، ثم ضرب كفًّا بكف وهو يضحك بسخرية من حاله:

– إيه ده؟! كل واحد بقى له حبيب... حتى العيال! وأنا الوحيد الـ"سنجل"... يا وقعتك يا أيهم!

********

داخل القاعة، كانت تمشي بخجل واضح، غافلة عن ذلك الدرج أمامها. إنزلقت قدمها وكادت أن تسقط، لولا يدٌ قوية امتدت سريعًا لتمنعها من الوقوع، تزامن معها صوت رجولي جذاب:

– خلي بالك.

رفعت وجهها، تنظر لذلك الواقف أمامها، وتحدثت بخجل:

– شكرًا.

نظر إليها أيهم بعدم تصديق، ثم رفع عينيه نحو السقف قائلاً بدهشة:

– هو إنتي وقعتي منين؟

قالت ببراءة:

– مش فاهمة.

هتف مبهورًا، وهو يسبح في ملامحها الملائكية:

– أكيد إنتي مش بشر زينا... الملائكة ما بيعيشوش على الأرض، يبقى أكيد وقعتي من السماء.

تورد وجهها من خجل مغزى كلماته المعسولة، وهمست:

– لا والله... أنا بشر.
لو سمحت، سيبني، أنا بقيت كويسة.

رد وهو تائه في عينيها:

– هو أنا كنت بسندك... ولا أنا اللي وقعت وما حدش سمّى عليّا؟

توترت من نظراته، وقالت بانزعاج:

– لو سمحت... سيبني، ما ينفعش كده.

تركها على مضض، فتحركت بسرعة مبتعدة عنه.

ظل أيهم واقفًا في مكانه، يتابعها بعينيه، كأن عينيه لا تريدان الفكاك منها، يتمتم لنفسه:

– معقول؟ فيه بشر بهيئة ملاك؟
الله يخربيتك يا أيهم... اتحرك، شوف راحت فين، ولا هتفضل مجنون الملاك، والناس تحدفك بالطوب!
******
جلست فريدة على طاولة أهلها، ووجهها يكسوه احمرار واضح. لاحظت خديجة ذلك، فسألتها بقلق:

– مالك يا فريدة؟ وشّك أحمر كده ليه؟ حد ضايقك؟

أجابت فريدة، وهي تحاول التماسك:

– أبدًا، بس خبطت في واحد وأنا جاية.

تدخل متولي بنبرة فيها شيء من العتاب:

– مش قلتلك خدي نسمه معاكي؟

ردّت بتبرير خجول:

– لاقيتها مشغولة مع أحمد... ومافيش حد من إخواتي ظاهر.

– هتلاقيهم مع يوسف، – أجاب متولي بهدوء، وهو يرفع نظره يبحث عنهم.

********
عاد أيهم وهو يلهث من فرط التوتر، ينادي بصوتٍ يملؤه الحماس:

– نَسمة! نَسمة! تعالي، عايزك ضروري.

تدخل مروان بغضب وهو يراقب اندفاعه:

– ما تِخف يا عم البارد، ولا عايز تتروق قدام الناس كلها!

تجاهله أيهم، وأصرّ بإلحاح:

– والنبي يا نَسمة، تعالي، عايز أوريكي حاجة. أخوكي وقع وماحدش سمّى عليه!

اقتربت نَسمة منه بتعجب:

– مالك يا أيهم؟ مش على بعضك!

قال فجأة، كمن يفجّر قنبلة:

– أنا عايز أتجوز.

قالها مروان بدهشة:

– تتجوز... مرة واحدة كده؟!

أجاب بحماسة:

– آه، أخيرًا لاقيت نصيبي... و خايف حد يخطفها! 

سالته بتعجب ::
أفرض تكون مخطوبة أو متجوزة!

خيم الصمت لوهلة، قبل أن يخرج صوته باردًا مثل الصقيع:

– لا... أنا أخرّب الدنيا، لو مش ليا، مش هتكون لحد تاني.

نظرت إليه نَسمة ومروان بدهشة. أيهم كان دائمًا شابًا مرحًا، محبًا للحياة، بعيدًا كل البعد عن العنف أو الغيرة القاتلة.

تحدث أيهم برجاء ::
يلا يا نَسمة، قلبي هيوقف

قال مروان، ساخرًا:

 ممكن تروحي معاه؟ يمكن ربنا يهديه ويستقر ونخلص منه بقى.

سارت نَسمة بجواره، تتلفت بتوتر:

– فين دي يا أيهم؟

أشار بقلبه قبل يده   إلى اتجاهها :

– اللي هناك دي...

نظرت إليه بذهول، وتوقفت عن السير:

– دي؟! مش ممكن يا أيهم...

نبرتها أزعجته، وجعلت قلبه يرتعد. سأل بصوت متوتر:

– أوعي تقولي إنها متجوزة؟!

هتفت سريعًا لتنفي:

– لا، بس... سِبت بنات حوّاء كلهم واخترت دي؟!

عاد القلق يتسلل إلى وجهه:

– مالها دي؟! هي الوحيدة اللي عايزها. إنتي تعرفي عنها حاجة؟!

نظرت إليه نَسمة بتمعّن، ثم قالت بثبات:

– قول حاجات؟! أنا عارفة حياتها كلها.

صرخ بتوسل:

– نَسمة، أرجوكي، بلاش تلعبي بأعصابي!

استدارت نحوه بهدوء قاتل:

– إلا دي يا أيهم... إلا فريدة.

تردد اسمها على لسانه كأنما يتذوقه:

– فريدة... وهي فعلًا فريدة...

نَسمة نظرت إليه بجدية، وتحذير واضح يرتسم في نبرتها:

– فريدة خام جدًا... ورومانسية جدًا جدًا. بتحلم بالفارس اللي يخطفها على حصان أبيض، وعيونه ما تشوفش غيرها. 

بتحلم تعيش معاه قصة حب أفلاطونية. قلبها مش حمل صدمة ولا خيانة... ممكن تموت فيها. وتموت مش مجرد كلمة، لا... دي حقيقة.

تنهدت بحزن وأكملت:

– دي أختي الوحيدة... أختي بجد،  بنت خالتي و صاحبتي واختي في الرضاعة.

تحدث أيهم برجاء صادق، وعيناه تلمعان بالأمل:

– نَسمة، أنا اتغيّرت… حتى اسألي مروان.
أنا معاكم من سبع شهور، ما كلّمتش بنت، قطعت كل علاقاتي، ورفضت أرجع مع أهلي، وقررت أستقر… من قبل ما أشوفها حتى.
أوعدك، مش ممكن أجرحها، ولا أزعلها في يوم. بس… ساعديني.

نظرت إليه نَسمة بتركيز، ثم قالت له بهدوء:

– بص… ابن عمتها طلبها أكتر من مرة، وباباها رفض بحجة التعليم.
فـ عيش مع نفسك، وأنا متابعاك… لو احتجتني.

قال بحسرة:

– كده بتبعيني يا نَسمة؟! دي آخرتها؟!

ابتسمت وهي تغمزه بمكر:

– اللي عايز حاجة… لازم يحارب عشانها.

ثم أشارت له بيدها، مستمتعة بنظرة التحدي في عينيه:

– حـــارب!

---

توجه أيهم بقلبٍ ثابت ونية واضحة نحو متولي، وابتسم بأدب:

– مساء الخير يا حج متولي.

رد متولي بتلقائية:

– مساء النور.

تقدم خطوة بثبات، ثم قال بصوت واثق:

– أنا أيهم كمال البنا… ابن خالة مروان، وصاحب أحمد.
جاي أطلب إيد الآنسة فريدة.

---

على الجانب الآخر، كانت فريدة تجلس بخجل وقد خفضت وجهها حينما رأته يتجه نحو طاولتهم. خجلها سرعان ما تحوّل إلى فرحة عارمة…

لقد أحبّته في صمت، من حديث نَسمة المتكرر عنه خلال الشهر الذي قضته معهم.
وعندما رأت صورته على أحد مواقع التواصل، تعلّقت به أكثر.
كان دعاؤها المستمر في صلاتها، أن يكون من نصيبها… وأن يهديه الله إلى الصراط المستقيم.

تحدث متولي باعتراض واضح، وقد بدت ملامح الدهشة على وجهه:

– إنت شايف إن ده وقت مناسب للكلام ده؟!

رد أيهم بحماسة وثقة:

– طبعًا! ده فرح… وأنا طلبي كله فرح.

حاول متولي أن يثنيه عما يريد، قائلاً بحزم:

– طيب، بعد الفرح… هسأل عليك، وأرد عليك كمان أسبوع، لما أطمن.

هتف أيهم برفض قاطع:

– بعد فرح إيه؟! لا طبعًا! ثواني وجاي لحضرتك.

**

توجه أيهم مباشرة إلى والده:

– بابا، معلش… ممكن حضرتك، وعمي، ومروان، تيجوا معايا ثواني؟

نظر له والده بتساؤل:

– خير؟

– ثواني يا بابا…

ثم توجه إلى والد نَسمة، قائلاً:

– أونكل خالد، ممكن ثواني بس؟

وقف خالد دون تردد:

– حاضر.

وبسرعة تحرك أيهم نحو أحمد، وقال بعد إذن:

– بعد إذنك يا شهد، هستلف منك أحمد ثواني… وأرجعهولك!

نظر له أحمد بدهشة:

– نعم؟! تستلف مين يا ابني؟! إنت شارب حاجة؟ ده فرحي!

رد أيهم متوسلاً:

– معلش، أنا عايز أخطب، ومحتاج وجودك.

أحمد – وقد بدت البلاهة على ملامحه – تمتم:

– تخطب؟ فين وأمتى؟!

جذبه أيهم وهو يرد بثقة:

– تعال بس… كلها ربع ساعة وأرجعلك.

هزّ أحمد رأسه بيأس وهو يتمتم:

– الله يخرب بيتك إنت وفريد…

واحد يبوزلي خطوبتي، والتاني فرحي!

أنا… حد باصصلي في أم الجوازة دي؟!

ولا عُقدكم جايّة تتحل على حظي؟!

********
توجه أيهم نحو متولي، يتبعه الجميع في حيرة ودهشة، لا يعرفون ما الذي يحدث. وقف أمامه بثبات وقال:

– عمي متولي… أنا جاي أنا وأهلي أطلب إيد الآنسة فريدة.
ده بابا، وده عمي، ومروان حضرتك عارفه… وده أونكل خالد، وأحمد العريس كمان.
فـ إيه رأيك؟

نظر له متولي بعدم رضا، ثم تحدث بلهجة هادئة تحمل العتاب:

– يا بني، هو مش لازم نمشي تبع الأصول؟ لينا بيت، تيجي تتقدّم فيه.

لكن ما يقوله هذا الرجل؟! لقد تورّط مع أيهم، وهذا الأخير لن يبارح مكانه حتى يصل إلى مبتغاه. رفع أيهم رأسه وتحدث بإصرار لا يقبل النقاش:

– العائلتين موجودين حاليًا… فـ إيه رأيك؟ نقرأ الفاتحة ونكتب الكتاب!

الآن… جاء دور الآخرين في الصدمة.

نظر إليه الجميع بذهول، لكن أيهم لم يتوقف، بل أكمل بعزيمة وثقة:

– ووعد مني ليك… بكرة أجي لحد عندك، أطلب إيدها، وأنت ترفض مرة و اتنين وعشرة… وبعد كده أخطبها رسمي!

انفجر الجميع في ضحك خفيف على تسرّعه، و مازحه البعض بنظراتهم، بينما هم غير مصدقين.

تحرك متولي ليتحدث، لكنه فوجئ بأيهم يسبقه قائلاً بإصرار:

– حضرتك تنسى خالص إني أتحرك من هنا قبل ما تكون ليا!

ضحك خالد بقوة، ثم التفت إلى متولي قائلاً بابتسامة خبيثة:

– الموقف ده… مش بيفكّرك بواحد صاحبنا؟

ابتسم متولي لتلك الذكرى التي تسللت إلى ذهنه فجأة:

– عندك حق…

ثم ارتفعت ضحكاتهم معًا، تتقاطع مع نظرات فريدة الخجولة التي ما زالت تنظر إلى الأرض، وقلبها ينبض بسعادة لا تُوصف.
*******
على طاولة أخرى…

انحنى حمادة قليلًا نحو ابنه وسأله بخفوت وهو يُشير نحو متولي والجمع الملتف حوله:

– مين الرجالة اللي عند خالك دول يا ياسين؟

أجابه ياسين بحيرة حقيقية:

– مش عارف يا بابا.

زمّ حمادة شفتيه وقال:

– طيب تعال نشوف... ليكون عريس لفريدة!

تدخلت لبنى بتبرم:

– وإحنا مالنا؟

انتفض حمادة بحدة:

– اخرسي إنتي، وخليكي مكانك.

---

كان ياسين أول من نطق بعدما اقترب من التجمع، وصوته يحمل احتجاجًا واضحًا:

– فريدة مين يا خال؟ أنا طلبتها من حضرتك أكتر من مرة، وقلت لما تخلص تعليم. لو هتتخطب... أنا أولى بيها. فريدة بتاعتي!

لكن رد فعل أيهم لم يكن متوقعًا. انقضّ عليه بغضب، وأمسك بعنقه، يزأر بنبرة تمزج بين الغيرة والتهديد:

– مين دي اللي "بتاعتك"؟ اتلم! فريدة ليا، أحسن ما أصورلكم قتيل هنا النهاردة... وأخليك تودّع شبابك!

تدخل حمادة، يحاول حماية ابنه، وتحدث بقوة:

– ليه؟ مالوش أهل يحمُوه؟!

لكن أيهم، بنبرة جديدة عليه تمامًا، قال بثبات:

– ولو ليه جيش بحاله… ولا يهمني.

اتجهت أنظار الجميع نحو متولي، بينما صمتٌ ثقيل خيّم على اللحظة، قطعته كلمات حمادة المليئة بالتهديد:

– لو رفضت ابني... أختك هتكون طالق!

شهقت الحاضرات، وتبادل الجميع نظرات صدمة من وقع التهديد، أما فريدة، فقد أمسكت بيد نسمة بخوفٍ واضح.

أيهم كان على وشك الاختناق من التوتر. يعرف أن متولي لن يبني سعادته على خراب بيت أخته، مهما كان.

لكن ما لم يتوقعه أحد… أن تدخلت الأخت نفسها، كانت قد وصلت للتو، وتبادل معها متولي نظرة سريعة… كانت كفيلة بأن تقول كل شيء.

فاجأهم متولي بإجابة حاسمة:

– طيب خير… روح يا أيهم هات المأذون.

ثم نظر إلى حمادة وقال بجفاف:

– المأذون اللي يجوز فريدة… هو اللي يطلّق أختي.

أيهم – بدهشة غير مصدق – تمتم:

– بجد يا عمي؟!

ضحك متولي بمرح وقال:

– يلا يا بني، قبل ما أغير رأيي!

وفي هذه اللحظة، تدخل مروان، يقف بثقة إلى جوار أخيه وابن خالته، وقال بكبرياء:

– أنا اتصلت خلاص… وهو في الطريق.

---

بعد وقت قصير، حضر المأذون، وتم عقد القران وسط دهشة الجميع وسعادة فريدة، التي لم تصدق أن حلمها يتحقق بهذه السرعة.

وبينما المأذون يستعد للمغادرة، أوقفه متولي قائلاً بمرح:

– استنى يا شيخنا… عندنا حالة طلاق كمان!

نظر حمادة إليه بغيظ، وقال بنبرة تهديد:

– لو طلقتها… مش هتدخل بيتي تاني!

ضحك متولي بسخرية:

– وده عز الطلب!

وهكذا، تم الطلاق تحت نظرات متولي المبتهج، وأخته التي شعرت لأول مرة بالراحة… فقد كانت تكره حمادة بشدة، لكنها لم تكن تستطيع طلب الطلاق بسبب تقاليد عائلتهم التي تفرض موافقة الرجل.

وفي تلك الليلة، كُتب فصلٌ جديد في حياة فريدة، وبدأ آخر في حياة أيهم.

********
احتضن أيهم فريدة التي كانت تشتعل خجلاً، وهمس لها بصوت دافئ:

— مبروك يا ملاكي.

دار بها بين الحضور وسط سعادة الجميع، في حين كان غضب حمادة وابنه واضحًا، لكنه لم يلتفت لأمه أو حتى يواسيها.

قال أيهم مبتسمًا وهو ينزلها برفق:

— بعد إذنك يا عمي، هنخرج شوية ونرجع.

سمع أحمد يصرخ بغضب:

— آه يا واطي! خلصت مصلحتك بعد ما بوظت فرحي!

اقترب أيهم وقبّل أحمد وقال بثقة:

— فرحك ما بظش ولا حاجة، ده بقي فرحين، بعد إذنك يا أبوا نسب.

عاد الفرح لهدوئه، وكانت عيون نسمه تنظر للجميع بسعادة، فقد تمنت كثيرًا أن تعيش الحب والرومانسية قبل الزواج، لكنها صبرت لأن إخوانها قد عاشوا ذلك من قبل.
********
لم يكن يتوقع أن يكون الحلال بتلك الروعة، أن يشعر بتلك الذبذبة  اللذيذ و الممتعه لمجرد وجودها جواره. كان مثل شاب لم يتعامل مع النساء من قبل.

تلك الصامتة التي تمشي بخجل إلى جانبه جعلته يتصرف بجنون وتهور لأول مرة في حياته. 

كان دائمًا مرحًا يحب التنقل بين الجمال والتمتع به، لكن هذه المرة كان شعوره جديدًا و غريبًا، ومع ذلك كان يشعر بأنه ألفها.

خرج أيهم وهو لا يصدق أنها ملكه، وكأن الله أعطاه فرصة أخرى للحياة، يحمده عليها.

ركب سيارته وهي جواره، وكانت تخفض نظرها ولا تتحدث.

قال لها بسعادة:
— لو قلتلك بحبك، هتصدقيني ولا هاتقولي عليا مجنون؟

تحدثت وهي تفرك يدها من الخجل:
— أنت لسه شايفني من ساعة بس.

ضحك أيهم:
— يعني قصدك أني مجنون؟

التفتت له فريدة بسرعة ولهفة:
— لا والله ما قصدتش.
نفخ أيهم بتعب، لم يستطع مقاومة نظرة عيونها. فتوقف على الطريق، والتف اتجاهها بكامل جسده، يشبع روحه من عذب ملامحها و حياؤها  وتحدث بهيام:
— ولو تقصدي، أنا مسامح مهما قولتلك مش هقدر اعبر ولا اوصفلك احساسي بوجودك معايا الوقت .

توترت فريدة أكثر من نظرته، ثم همس أيهم:
— عمري الجميل، تحب تروح فين؟

ردت فريدة:
— زي ما تحب.

جذب يدها وانحنى يقبلها بنعومة، انتفض جسدها كله كعصفور مبلول في ليلة ممطرة. شعر بها أيهم وأحس أنه ملك الدنيا من براءتها التي لم يصادفها في حياته إلا مع نسمه.

قال أيهم:
— خلاص، المرة دي نروح مكان على ذوقي، بس بعد كده حبيبتي التشاور وأنا أنفذ.

توجه أيهم إلى مكان راقٍ، نزل وأخذ يدها ودلف إلى الداخل تحت نظرات الإعجاب من الرجال. كانت في غاية الجمال بدون مكياج، وما زادها جمالًا في عيونهم لباسها الواسع الذي يستر جسدها كله.

اختار أيهم مكانًا منعزلًا لكي تكون على راحتها.

تعليقات



<>