رواية احببتك حتي انطفائي الفصل التاسع9والاخيربقلم ماسه الحريري


رواية احببتك حتي انطفائي
 الفصل التاسع9والاخير
بقلم ماسه الحريري
مرت أشهر بعد رحيل آدم…
لكن الزمن لم يُمرّر حزنه من روح لمى، بل سكنها.
كانت تمضي الأيام بشحوب، تذهب إلى مرسمها القديم، تجلس هناك ساعات دون أن ترسم، فقط تحدّق في فراغٍ يشبهها. 

كل شيء فقد نكهته… قهوتها التي كان يحبها، أغنيتها المفضلة التي كان يدندنها، حتى ريشة الرسم صارت ثقيلة على يدها، كأنها تطعن ذاكرتها كلما أمسكتها. 

كانت تعيش… لكنها لا تحيا. 

أقامت لمى بعد وفاته معرضًا فنيًا بعنوان:
"هو… فقط هو."
امتلأت الجدران بصورٍ له، ورسومات تعكس لحظاتهم، ألمها، وندمها.
وفي وسط المعرض، تركت لوحة واحدة، فارغة، لم تلمسها ريشة… وتحتها كتبت: 

"ما بعده… لا يُرسم." 

الناس تأثروا، بكوا، تحدثوا عن قصتهما في الصحف، وصارت لمى رمزًا للحب الذي لا يموت… لكنها كانت تتآكل من الداخل. 

وفي إحدى الليالي الباردة، خرجت ولم تعد. 

هاتفها ظل يرن دون إجابة.
غرفتها كانت مرتبة، سريرها غير نائم عليه، لوحة جديدة موضوعة على الطاولة…
كان فيها رسمٌ غريب: 

امرأة ترتدي فستانًا أبيض، تقف على حافة جبل، وخلفها غروب أحمر بلون الدم.
وأسفل اللوحة، مكتوب بخط يدها: 

"أحيانًا، لا يكفينا الحب لننجو… ولا الفن ليُسعفنا… أنا آسفة يا آدم، وحشتني أوي." 

تضاربت الروايات بعد اختفائها… 

منهم من قال إنها سافرت في صمت، تبحث عن حياة جديدة، لا يعرفها فيها أحد.
ومنهم من أقسم أنه رأى سيارتها قرب النهر، وأنها ألقت بنفسها ذات فجر، ولم يعثروا على جثتها قط. 

لكن الحقيقة…
أن لمى رحلت مع آدم، إن لم يكن بجسدها، فبروحها التي نزفت منذ لحظة وداعه. 

وبقيت قصتهما تُروى، كلوحة لم تكتمل…
كنغمة توقفت في منتصف عزف…
كحبٍ عاش، ثم اختنق… ثم تبخر.

مرّت أسابيع… ثم شهور. 

لكن لم يظهر أثرٌ للمى.
المدينة بدأت تنسى ملامحها، لكنها لم تنسَ حكايتها. صارت قصتها تُحكى همسًا في أروقة الجامعات، في مقاهي الفن، وحتى في معارض الحبّ المكسور. 

الجميع كان يتساءل:
أحقًا ماتت؟ أم أنها اختارت الرحيل كي لا تموت مرتين؟ 

الوحيدة التي تمسّكت بالأمل كانت ريتا.
كانت تضع وردة بيضاء على باب مرسم لمى كل صباح، وتقول في قلبها:
"لو كنتِ عايشة، هتشوفيها… ولو كنتِ مشيتي، الوردة دي هتبقى شاهدة على حبك." 

وفي يومٍ ما، بعد سنة كاملة على اختفائها…
وصل طرد صغير إلى باب المرسم، دون اسم مرسل.
داخله، لوحة موقّعة باسم: "م." 

كانت اللوحة تظهر سماءً بلون البنفسج، وتحتها ظلّان متقابلان يمسكان أيدي بعض…
رجل وامرأة، لا وجوه لهما، فقط ظلال…
وتحتها كتب:
"أنا لست ميتة… لكني اخترت أن أعيش معه… بطريقتي." 

انهالت التفسيرات…
هل هي حقًا على قيد الحياة؟
هل كانت تلك رسالة وداع؟
أم أن أحدهم رسمها نيابة عنها، ليخلّد ذكراها؟ 

لكن لا أحد عرف الحقيقة. 

كل ما بقي من لمى هو دفتر صغير وجدته ريتا مخبأ في درج مغلق داخل المرسم.
دفتر مذكّراتها الأخير.
صفحة واحدة فقط كانت مكتوبة بخط يدها: 

"آدم، وعدتك تفضل جوّا قلبي… بس معرفتش أوفي، لإنك بقيت قلبي كله.
أنا اختفيت من الدنيا، بس روحي جنبك…
وإنت هناك، مستنيني، في الضيّ اللي ما بيخلصش." 

ومنذ ذلك الحين، صار كل من يزور المرسم، يرى صورتين على الجدار: 

• صورة آدم، بابتسامته الطفولية. 

• وصورة ظلّين تحت سماء بنفسجية. 

وملاحظة صغيرة بجانبهما: 

"كانا يومًا هنا… أحبّا، ثم اختفيا… وبقي أثرهما إلى الأبد." 
                            تمت

تعليقات



<>