رواية الحقيقة المرة الفصل الرابع4 الاخير بقلم سالي سيلا

رواية الحقيقة المرة الفصل الرابع4 الاخير بقلم سالي سيلا

في تلك اللحظة، شعرت بدهشة كبيرة عندما رأيت أحد لم أتوقع أن تأتي الطعنة منه.  نجوى، نجوى الصديقة التي كنت أعتبرها أقرب من الأخوة

كيف؟ كيف يمكنك يا نجوى أن تفعلي هذا بي

حينها، أحاط بي ستار الظلام فجأة، وبدأ مازن يحاول تبرير ما لا يمكن تبريره. بكلمات لن تخفف من وطأة الصدمة. وبلا وعي مني،   قمت بصفع مازن على وجهه وعدت أدراجي مسرعة والدموع تنهمر بغزارة على خدي. بينما كنت أركض نحو سيارة الأجرة التي كانت تنتظرني، سمعت صراخ مازن من خلفي يطلب مني التريث، لكن فجأة شعرت بتدفق سائل من أسفل جسمي.   لحظتها لم اعد اقوى على الحراك حتى ان اخطوا بخطوة واحدة.لأسقط بعدها مغشيا علي .




بعد مرور يومين، استيقظت وأنا لا أزال غير مستوعبة لما يحدث معي. أين أنا؟ أين كنت وأين عدت؟ أتحسس بطني الذي أشعر أنه أصبح فارغًا. بعد قليل، علمت من الممرضة أنني كدت أفقد حياتي، والحمد لله أنني تجاوزت الخطر الآن. حينها سألتها عن ابنتي، هل هي أيضًا بخير. فطأطأت رأسها وصمتت، حينها دخل مازن ليهنئني على السلامة.




"أين ابنتي يا مازن؟ أين ابنتنا شيماء؟ لا تصمت يا مازن، أخبرني أنها بخير وهي فقط في الغرفة المجاورة المخصصة للرضع... هيا، أنا بخير، سنذهب سويًا لنراها..."




"لا تفعلي ذلك يا أرين. استريحي ولا تجهدي نفسك. أنت لا تزالين تحت تأثير المخدر بسبب قيامك بعملية قيصرية طارئة..."




"أين شيماء يا مازن.. لا تخبرني..."




"هي كذلك يا أرين، لقد فقدناها. كان وضعك جد حرج وتم إنقاذك، أما الجنين فلم يستطيعوا للأسف إنقاذه."




"لا، لا تقل لي ذلك. أنت السبب، أنت سبب في قتل ابنتك... بل ابنتي بمفردي. أكرهك يا مازن من قلبي. اخرج من هنا ومن حياتي كلها... أكرهك يا ماااازن. لا أريد رؤيتك مرة أخرى. طلقني، طلقني... آه... آاااه..."




"أرجوك أيتها الممرضة، استدعي الدكتور ليقوم بحقنها حقنة مهدئة، لقد فقدت السيطرة على أعصابها بعد علمها بوفاة ابنتها."




مر أسبوع وأنا على هذا الحال. كلما استيقظت، تنتابني هستيرية البكاء والصراخ في وجه كل من أراد مواساتي. عندما خرجت من المستشفى بعد أيام معدودات فقط، وصلتني ورقة طلاقي، وآخر مرة رأيت فيها مازن كانت يوم أبلغني بوفاة شيماء ابنتي. علمت بعدها أنه سافر هو ونجوى إلى أوروبا ليعيشا بسلام هناك بعيدًا عن كل ما يسبب في مضايقتهما أو محاسبتهما من طرف عائلتي.




مررت بظروف لا يعلمها إلا خالقي. كانت فترة علاج طويلة إثر الصدمات المتتالية، من طرف خيانة صديقتي مع زوجي، وزواجهما سرًا، وآخر شيء هو فقدان ابنتي التي كنت أنتظرها بشغف ورسمت لي ولها عالمًا كان ينتظر كلانا أن نعيشه بسعادة. ولكن قدر الله وما شاء فعل، والحمد لله على كل شيء.




ومن ذلك الوقت لم أرَ مازن، لا هو ولا نجوى، حتى هذا اليوم بعد أربع سنوات، ها أنا ألتقي مجددًا بنجوى صدفة وجهًا لوجه لتكمل لي القصة التي بدأت:




"آسفة يا أرين على ما سببته لك من أذى. كنت فعلاً صديقتي التي أحبها، ولكن أعترف أنني كنت أنا الشريرة في كل القصة. أنت لم تكوني سوى الفتاة البريئة التي تحب الخير للجميع، أما أنا فكنت الفتاة الناقصة عقلًا، تغار من كل من منحه الله الأمان والاستقرار مثلك أنت يا أرين. أنت كنت تعيشين وسط عائلة تحبك وتحتويك، تمنحك كل شيء، عكسي أنا. بعد انفصال والدي، بت أعيش كأنني في الشارع. زواجهما سبب لي الكثير من الحقد على كل العالم. لم أجد يا أرين من ينقذني من الاحتياج العاطفي والمادي، وأنا في سن جد حرجة..."




"ولكن أنا لم أبخل عليك بشيء يا نجوى. كانت كل أغراضي هي أغراضك. كنت أطلب منك أن تفتحين الدولاب وتختارين ما تريدينه من ثياب وأحذية كأنها ملكك وانا التي استعيرها منك.."




"أعلم ذلك وأشهد أنني لم أجد الحنان سوى داخل منزلك وأسرتك. حتى والديك كانا يعاملانني بطيبة، ولم يتأففا قط من وجودي الدائم معك. عكس والدي عندما أزورهما إلى منزلهما. أصبحت أشعر كأنني الغريبة التي ستسبب لهما المشاكل بوجودي. لذا أصبحت أنتقل من منزل جدتي المسنة التي لا تعلم من مجيئي من عدمه، وبين مبيتي معك في غالب الأحيان. كنت أحسدك لأنك تمتلكين كل هذا الاستقرار، خاصة بعد معرفتك بمازن. مازن الذي كان حلم كل الفتيات. لذا تمنيت أن أكون في مكانك. فأصبح الشيطان يوسوس لي أن كل ما تملكينه هو حقي. حتى بعد حملك، كنت أعتقد أن ما في بطنك هو ملكي."




"أشفق عليك يا نجوى. أنت مريضة ومعقدة حقًا. بل كنت كالشيطان الأخرس طيلة معرفتي السابقة بك."




"ومع هذا لم أكن أنوي أذيتك بهذا الشكل. بل بداخلي كنت أحبك، إن شئتِ صدقتني أو لا. هذا ما كنت أشعر به نحوك فعلاً يا ارين. حتى أنني كنت أشتاق إليك كثيرًا وأنا في الغربة. في بعض المرات تمنيت أنه لم يحدث كل هذا وبقينا أصدقاء."




"ههههه أنت تهذين الآن يا نجوى... لو سمعك أحد الأطباء النفسيين لما احتار في أمرك. وبعدها ماذا؟ أخذت مني كل شيء فلماذا لم تكوني سعيدة يا نجوى. فمنظرك يظهر عكس ما كنت تتمنينه وتسعين إليه!"




"قصدك زواجي من مازن وسفرنا إلى الخارج. كانت أسوأ كوابيس حياتي يوم قبلت الرحيل معه. فمن له طبع بالخيانة في المرة الأولى، ستكون له الثانية والعاشرة بكل بساطة. مازن يا أرين كان زير نساء. كل مرة أجده مع فتاة، ذو شكل ولون. حتى في بعض الأحيان وأنا في الدوام، يستغل ذلك ويخونني على سريرنا. أتستوعبين ما قذارة التي كنت أعيشه يا أرين. ربما الله أنقذك منه كي لا تعيشي مثلي تقريبًا أربع سنوات وأنا في نفس العذاب. كنت كل مرة أعطيه فرصة، ولكن دون جدوى. وبصراحة لم أستطع الانفصال منه، لأنني ليس لدي مكان أعود إليه، وأنا لا أحب أن أعود للصفر."




"ما الذي أودى بحياة مازن؟"




" كان ذلك حادثًا مروعًا حقًا، ونجوت منه بمعجزة. في ذلك اليوم، كنت مع مازن في السيارة، ودار بيننا عراك كالعادة، لكن هذه المرة كان أشد من سابقاته. أثار ذلك غضب وسخط شديد من قبل مازن، فبدأ يصرخ ويضرب دواسة السيارة بكلتا يديه. لم ندرك كيف استدارت العجلة فجأة؛ ربما بسبب انزلاق العجلات تحت سيول الأمطار. ارتطمنا بالسيارة الجانبية التي قُذفت بدورها نحو سيارتنا لنتصادم بشاحنة عملاقة كانت تسير في الاتجاه المعاكس.


تم انتشال مازن فورًا بعد أن فقد الحياة، وكان جسمه مقسمًا إلى أطراف. أما أنا، فقد قذفت من الباب بعيدًا بفعل الضربة القوية قبل أن نصطدم بالشاحنة. كانت حالتي أسوأ مما ترينه الآن، ولكن بفضل العلاج، بدأت عضلات أطرافي تتحرك قليلاً، رغم أن قدمي اليمنى ما زالت مشلولة بالكامل ولا أشعر بوجودها.




"وماذا عن طفلكما؟"


"الحمد لله أن ريان لم يكن معنا في ذلك اليوم. كنا بصدد إخراجه من الروضة. ولكن قبل أي شيء، أود أن أقول إنه ليس طفلي بل طفلك أنتِ يا أرين. هل تظنين أنني أمزح بشأن هذا الموضوع الحساس الآن؟"


"أنت مصرة إذًا يا نجوى."


"إن أردت أن أذكرك، فقد كنتُ حاملًا بطفلة، وكنا نسعى لاختيار اسم لها، وفضلتِ اسم شيماء."


"بل كنت حاملًا بتوأم يا أرين."


"ههه، تمزحين! ماذا تقولين يا نجوى؟ أنت جننتِ فعلًا."


"أقسم لك يا أرين أنك كنتِ حاملًا بتوأم. ولا أحد كان يعلم بذلك، حتى الأطباء الذين قاموا بولادتك قيصريًا انصدموا. فكل الفحوصات كانت تظهر جنينًا واحدًا. ولكن الثاني كان مختبئًا خلفه بسبب الوزن الزائد للجنين الأول. عندما أخرجوهما معًا، كانت شيماء زرقاء بسبب اختناقها بالحبل السري، أما ريان فقد أنقذوه بعد أن ظن الأطباء أنه مات مثل شقيقته. ولكن ببعض الضربات القلبية والتنفس الاصطناعي استعاد أنفاسه. ولادتك كانت شبه معجزة، أرين."


"لكن لماذا أخفيتم عني ذلك؟ لقد سرقتم مني ابني في الوقت الذي كنت فيه ضائعة. لماذا لم تضعوه بين أحضاني؟ كنت سأهدأ وأخفف من صدمتي حينها."


"كنت في ذلك الوقت لا تُحسدين على حالك، يا أرين، صحياً ونفسياً. كنتِ كالمجنونة، تصرخين وتحطّمين كل ما كان أمامك. كنتِ تشكلين خطرًا على ابنك. لذلك، قرر الجميع أن يأخذ مازن الطفل بعيدًا عنك حتى تلتئم جراحك."


"ماذا تقصدين بقرار الجميع؟!"


"المقصود بذلك هم عائلتك..."


"هل عائلتي تعلم بوجود ريان؟"


"نعم، هم يعلمون. كان سرًا بينهم وبين مازن. لكنهم فعلوا ذلك من أجلك ومن أجل سلامة الطفل حتى تُشفَي. ثم يعيدونه لحضنك. لكن مازن أخلف وعده وأخذ الطفل ولم يعيده."


"يا إلهي، وكأنه حلم أو كابوس. لا أستطيع تصديق ما أسمعه وما يحدث معي الآن. يا رب، ألهمني القوة والصمود."


"ريان كان في أيدٍ أمينة، يا أرين. مهما كان ما بدر مني أو من والده، كنا نحبّه حبًا شديدًا. هو يُعتبر قطعة من روحي، وكنتُ أقضي معظم وقتي معه.   هو ليس له ذنب. ولا يُدرك حجم ما حدث، ولكنها الحقيقة. لذلك عدت للوطن حتى أعيده إلى أحضان والدته الحقيقية."


"أربع سنوات، يا نجوى، ليست قليلة حتى يتقبل طفل أمًا بديلة عما يعتقد."


"لا أنكر ذلك. بفقد والده ازداد تعلّق ريان بي. وحتى اليوم لا يزال يسأل عن أبيه. لم يفهم بعد مفهوم الموت.


ها أنا قد قصصت لك كامل الحقيقة. والآن، يا أرين، ينبغي عليك من أجل ابنك أن تطوي صفحات الماضي بكل ما فيها، وتبدئين صفحة جديدة تغمرك بالتسامح والمغفرة، لكي تسعدي مع من سيكون سندك في المستقبل بعد الله. الله قد عوضك يا أرين بأكثر مما تتصورين، وهو ابنك الفتى الرائع ريان.




رغم أن كل ما روته نجوى لي يبدو وكأنه شيء لا يصدق ولا يحدث إلا في الأفلام السينمائية، إلا أن هناك في قلب تلك القصة المأساوية أمر مبهج يسعد القلب؛ وهو أن ريان هو ابني الحقيقي. في البداية، كان من الصعب الاقتراب منه، خاصة أنه غريب عن الوطن ولهجته مختلفة، إلا أنني اتفقت مع نجوى، وكان ذلك أمرًا ضروريًا يصب في صالح وراحة وسلامة نفسيته كطفل. كنت أذهب كل يوم إلى منزل نجوى، حتى يعتاد ريان على وجودي، أقدم له الرعاية ونفبرك له أنشطة مثل التسوق أو أخذ نزهة قصيرة، بينما تتجنب نجوى التفاعل المباشر معه تدريجيًا.


بالفعل كان الأمر شاقًا عليها، وهذا ما رأيته بنفس العينين، إذ كثيرا ما وجدتها تنتحب في زاوية من زوايا البيت. لكن لم يكن لدينا خيار آخر يتيح لنا الراحة، خاصة وأن نجوى كانت بحاجة للعودة إلى أوروبا لاستكمال علاجها

مر شهر أو ربما أكثر، حتى تمكنت من أخذ ابني معي أخيراً إلى منزلي، وكانت بالفعل فرحة العمر. سعد الأهل بوجوده، ونسيت في ظله كل الحقد الذي كنت قد دفنته لسنوات عديدة. حتى نجوى، رغم كل ما فعلته بي، أشفقت عليها، وتمنيت لها أن تستعيد صحتها كما كانت، وأظن أن ما مرت به سيكون درسًا قاسيًا تظل تتعض منه طيلة حياتها

                      تمت بحمد الله 

لقراءة باقي الفصول من هنا 

تعليقات