رواية فرح فهيمه الفصل الاول1 بقلم ايه شاكر

رواية فرح فهيمه الفصل الاول1 بقلم ايه شاكر 

 داخل بيت كبير في منتصف القرية حيث تجتمع الفخامة مع الطابع الريفي الأصيل، ارتفعت الجدران العالية المزينة بالنقوش العربية، بينما تتدلى من السقف ثريا كريستالية عملاقة تعكس ضوءها على الأرضية الرخامية اللامعة.

وفي منتصف المجلس، تصطف الأرائك الفاخرة المكسوة بالمخمل الداكن، تتخللها طاولات خشبية منحوتة بإتقان، تعلوها أوانٍ نحاسية مزخرفة تعكس إرث العائلة العريق. 


وسط هذا الجو الذي يجمع بين العراقة والترف، كان رجال العائلتين يجلسون في دائرة، تحيط بهم هالة من الترقب والتوتر، بينما تُعقد صفقة العائلة التي ستغير مصير الجميع...


 اجتمع رجال العائلتين وسط جو متوتر يحمل في طياته صراعًا خفيًا بين القبول والرفض.


وقف ماجد عمران، بهيبته التي لا تُنازع، ناظرًا نحو الجالسين حوله، ثم قال بصوت قاطع لا يقبل الجدال:


- خلاص، تبقى فهيمة بنتنا هتتجوز راجل من حداكم طالما الجواز هو الحل عشان نرجع حبايب.


لم يكد ابنه زيد يتمالك نفسه حتى اندفع معترضًا:


- بس يابا...


لكن يد ماجد ارتفعت في الهواء، قاطعةً كلماته بحزم كالصاعقة:


- الكلام انتهى، يا زيد!


ساد الصمت للحظات، لم يُسمع خلالها سوى أنفاس متوترة، قبل أن يتقدم سليمان النجار، كبير العائلة الأخرى، متمتمًا بصوته العميق:


-يبقى كتب الكتاب خلال يومين، والفرح والدخلة نحددهم بعدين...


نظر الرجال بعضهم إلى بعض، وتجلت الدهشة في عيونهم، لكن أحدًا لم يجرؤ على الاعتراض. لقد قُضي الأمر، وارتسم القدر أمامهم بلا رجعة.


تبادلوا نظرات سريعة، قبل أن ينهض كل منهم بصمت، كأنما يحملون على أكتافهم ثقل القرار، وانفض المجلس... تاركًا خلفه أسئلة لم تُطرح، ومخاوف لم تُقال.


«عائلة عمران»


***************


-يابا إنت بتقول هتچوز فهيمه ازاي إنت مش عارف إنها عايشه في مصر وكمان بتدرس في الچامعه!




قالها الإبن فتنفس والده «ماجد» بعمق وقال بانفعال:


-عارف يا زيد بس هي لازم تنفذ أوامري وإلا هكون مقاطع أبوها طول عمري.




وأردف بحسرة:


-أخوك إيهاب الله يرحمه غلط زمان وكلنا لازم نتحمل نتيجة غلطُه.




تنهد «زيد» بحسره وقال:


-لو فهيمه موافقتش على الچواز هنخسر كل شغلنا...


أردفت بقلة حيلة:


-ومفيش حل إلا إننا نتصالح مع عيلة النچار بأي شكل!




قال ماجد:


-ربنا يستر من الي چاي.




___________


على جانب أخر اجتمعت «عائلة النجار»




خاطب الأخ الأصغر أخيه الأكبر معاتبًا:


-هتچوز يوسف بت من الريف ازاي يا سليمان وإنت عارف إنه اتعين داكتور في الچامعه وعايش في مصر وسقف طموحاته عالي!




عقب سليمان بتعجب:


-يعني هيخالف أوامر عمه! حتى لو هو عصي هچبره..




عقد جبهته مفكرًا لبرهة ثم أردف بتحدي:


-أنا عارف هخليه يوافق إزاي.... 




نظر لأخيه الأصغر وقال:


-كلمه وقوله عمك عايز يشوفك بكره...




عقب الأخ الأصغر بقلة حيله:


-ماشي يا سليمان لما نشوف أخرة دماغك هتودينا فين!




عقب سليمان بثقة:


-متقلقش أنا مرتب لكل حاچه.




أردف بفخر وثقة قائلًا:


-أنا إلي ضيقتها عليهم وعرفت أچيبهم راكعين.




طالعه الأخ الأصغر بملامح يغطيها الاستفهام والتعجب، وقال:


-رچعت برده تفكر في الإنتقام!




رفع رأسه لأعلى قائلًا بخبث:


-أنا منستش الإنتقام أصلًا وطول السنين دي كنت بطاردهم في الخفى...




ابتسم سليمان بسخرية مردفًا:


-وأخيرًا وقعوا تحت ايدي وچاين يطلبوا الصلح عشان ينقذوا شغلهم




عقب الأخ الأصغر بعدم فهم:


-طيب وليه وافقت على الصلح؟! ليه مرفضتش وسيبتهم يخسروا شغلهم 




هز سليمان رأسه باعتراض قائلًا:


-لأن خسارة الفلوس مش هتوچع!


أضاف بمكر:


-أنا ناوي على حاچه تانيه. 




هز أخيه الأصغر رأسه باستنكار ورمقه بنظرات حائرة قائلًا:


-ربنا يستر من إلي چاي...




________________________________


وفي اليوم التالي 




أثناء طريق العائلة من القاهرة لكفر الشيخ وبالتحديد في السياره مالت «فرح» على أخيها الأكبر «نوح» وهمست بخبث:


-طبعًا إنت في غاية السعاده عشان هتشوف الجو بتاعك! 




لكزها نوح في ذراعيها بقـ ـوه وقال بتذمر:


-اسكتي يا فضيحه أنا غلطان أصلًا إني حكيتلك...




ابتسمت قائله بثقه ودهاء: 


-من غير ما تحكي أنا أصلًا كنت عارفه 




غمزت بعينيها بمكر وهمست:


-بس البت شكلها واقعه فيك يا معلم؟




اعتدل في جلسته ونظر لها بترقب وهو يسألها مبتسمًا:


-هي قالتلك حاجه؟!




-هي مقالتش بس أنا من خلال خبرتي في الحياه متأكده إنها واقعه فيك 


قال:


-خبرتك في الحياه! اكتسبتيها إمته الخبره دي؟




مسكها من ياقة ملابسها مردفًا بحده مصطنعه:


-يا بت دا إنتِ مقضيه حياتك يا نايمه يا بتاكلي!




أزاحت يده عنها ورفعت سبابتها أمام عينه قائله بنفس نبرته: 


-لو سمحت أنا مقبلش إنك تقلل من مسيرتي في الحياه... دا أنا فرح يعني حياتي كلها مرح.




ابتسم بسخرية وهو يهز رأسه باستنكار قائلًا:


-مرح! إنتِ تافهه يا بت؟




ضـ.ربته على كتفه فضـ.ربها واشتد النزاع بينهما فتدخل الأب قائلًا:


-ايه بدأنا لعبة القط والفار المفروض كبرتوا على كده؟!


 


استدارت الأم وخاطبت فرح:


-عيب يا فرح أخوكِ الكبير.




ونظرت لنوح قائله:


- عيب يا نوح أختك الصغيره.




ابتعدت فرح عنه مسافه وقالت بغضب:


-أنا مش هكلمه أصلًا تاني دكتور الحيوانات ده!




نظر لها باستهزاء قائلًا:


-احمدي ربنا هتلاقي دكتور يعالجك لما تتعبي! 




نظرت له باشمئزاز  زائف قائله:


-أنا مش هرد عليك...




صرف بصره عنها ناظرًا لإتجاه الأخر وهو يقول:


-أحسن برده.




وبعد فتره وصلوا للبيت مع أذان العصر وارتجلوا من السياره، تعلقت فرح بذراع أخيها وكأنهما لم يتشاجرا قبل قليل، طالعت بيت جدها الذي يقع بمدخل القرية ويضم ثلاث طوابق وبكل طابق شقتين ويتدرج من شرفة الطابق الثاني سلم طويل بأرضيةٍ من الرخام، والدور الأرضي يحتوى على شرفة واسعة تسمى "ڤرنده" أسوارها حديدية تزينها مصابيح صغيرة، وأمام البيت حديقة تحتوي جوانبها على الورد وتنتشر بها أشجار النخيل والعنب والمانجا والجوافه والتوت وغيرها وينتهي البيت ببوابة حديدية، وأمام البيت بحر مكتنزة...




نظرت فرح لجمال الحديقه وقالت بحب:


-أنا بحب الريف جدًا وبحب البلد وأجوائها أوي خصوصًا في الصيف.


-هي بصراحه تتحب بس الي مبتحبش بقا الناموس. 




تركت فرح ذراعه وربتت على كتفه بيدها كأنها تشد أزره قائله:


-مرطبك في جيبك جهاز الناموس في إيدك أي ناموسه تجيلك علقها أوعى تهشها. 




ضحك نوح قائلًا:


- على رأي جدي دا مش ناموس دا جاموس.




تعلقت فرح بذراعه مجددًا قائلة:


-يلا نبدأ المعركه




رمقهما الأب متعجبًا ثم نظر للأم قائلًا:


-دول إلي كانوا بيتخانقوا من شويه! 




عقبت الأم مبتسمه:


-متركزش معاهم دول كل ساعه في حال




"نوح أخيها الأكبر والوحيد يكبرها بأربعة أعوام بالرابع والعشرين من عمره تخرج من كلية الطب البيطري ويعمل مؤقتًا مندوبًا للمبيعات بإحدى الشركات لحين فتح مشروعه الخاص" 




وبعد أن دخلوا وتبادلوا السلام والترحاب استغل الجد تجمعهم ونظر لإبنه هشام"والد فرح" قائلًا بتردد:


-هشام يبني فهيمه چالها عريس


فغرت فرح فاها بصدمه وردت بعفويه:


-لأ يا جدي أنا مش ناويه أتجوز أصلًا




شرح الجد الغرض من الزواج والحوار الذي دار بينهم وبين عائلة النجار فرد هشام"والد فرح" بحده:


-لأ يابا أنا مش هروح أرمي بنتي في النار عشان شغلك يمشي




حاول الجد «ماجد» التبرير قائلًا:


- إنت عارف غلاوة فهيمه عندي وأنا لا يمكن أرميها في النار!




زفر ماجد بقوه وأردف بتوضيح: 


-هيكون كتب كتاب يعني هيبقا على ورق وأنا هأچل الفرح خالص دلوقتي على ما شغلي يتظبط ونطلقها منه وكأن مفيش حاچه حصلت... 




هز هشام رأسه بعنف واعترض: 


-لأ يابا أنا مش موافق.




تجعدت ملامح ماجد ورد بحزم وبنبرة حادة:


-والله يا هشام لو ما وافقت لأكون مقاطعك عمري كله وأحلف عليك ما تحضر چنازتي.




ابتسمت فرح ببلاهه ووقفت بحماس قائله بسذاجتها المعتاده وهي ترفع ذراعيها كمن يحمل الأثقال:


-وأنا موافقه يا جدي أخوض المعركه دي.




نظر الجميع لفرح بدهشه وسحبها نوح من ذراعها بعنف لتجلس فعقبت متأوهه:


-براحه يا نوح دراعي.




رد عليها نوح بنبرة حادة:


-لما الكبار يتكلموا تسكتي خالص.




أشار الجد نحوها قائلًا:


-وأهي صاحبة الشأن موافقه.




أكدت فرح قائله:


-أيوه موافقه يا جدي طلما حضرتك بتقول هيكون على ورق وهتحل مشكلتك يبقا على بركة الله.




قالت جملتها الأخيره مبتسمه بنفس البلاهه فهي لا تدرك عواقب ما قالته قبل قليل هي فقط تريد إضافة بعض الأكشن والمغامره لحياتها الروتينيه فيالها من حمقاء! وبلهاء! وساذجه!




وبعد مناقشة الموضوع لساعة كامله وافقوا جميعًا وبدؤا يجهزون لكتب الكتاب الذي سينعقد في الغد، وستتعقد معه حياتها! 


اقترب منها نوح وهمس لها قائلًا:


-أتمنى تكوني مدركه عملتي في نفسك إيه؟!




أجابت بثقة:


-طبعًا مدركه ملكش دعوه إنت.




هز رأسه بقلة حيله قائلًا:


-والله شكلك ما فاهمه أي حاجه.




رمقته بسخريه ولم تعقب على كلامه وخرجت من البيت لتتمشى بالحديقه فخرج ورائها جدها وناداها قائلًا:


-متخرجيش لوحدك يا فهيمه كل مره بتوهي وسط الأراضي وتحيرينا.




ضحكت قائله بثقه:


-متقلقش يا جدي أنا خلاص اتعودت.




عقب الجد باستفهام:


-اتعودتِ على المكان! 




ابتسمت فرح قائله:


-لأ إتعودت إني أتوه وتدوروا عليا وكدا...




عقب الجد بحزم وهو يضغط على كل كلمه بجملته:


-متخرچيش لوحدك يا فهيمه.




ردت بعدم اقتناع: 


-حاضر يا جدو.




دخل جدها للبيت ونظرت هي يمينًا ويسارًا ثم تسللت دون أن يراها أحد لتخرج وتتمشى بين الأراضي كمان تهوى فهي تحب المغامره وتلقي بنفسها دائمًا في المها..لك بدون أدنى تفكير....




على جانب أخر في بيت «عائلة النجار»، في مكتب سليمان، يقف يوسف حائرًا بعد أن عرض عليه عمه سليمان فكرة الزواج واعترض عليها، لكن عمه حاول إقناعه بالرضا فرد عليه يوسف بهدوء:


-يا عمي لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وأنا لا يمكن أتجوز بالطريقه دي.




رد سليمان بنبرة هادئه: 


-هي فين المعصيه دي! هو أنا بقولك مشي معاها في الحرام! أنا بقولك اتچوزها على سنة الله ورسوله.




حين سمع يوسف جملة عمه زفر بقوه وحاول الحفاظ على هدوئه قائلًا بنبرة لينه:


-يا عمي ربنا بيقول" ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا ومن يفعل ذالك فقد ظلم نفسه".




تنهد يوسف بنفاذ صبر وأردف:


-وأنا لا يمكن أظلم نفسي وأظلم بنت بريئه ملهاش ذنب في أي حاجه!




اتجه سليمان نحوه ونظر لعيني يوسف برجاء كأنه يتوسل إليه ومسك ذراعيه ليحاوطه قائلًا:


-يا يوسف لازم تبرد ناري وتتجوز بت من حداهم عشان نكسر عنيهم زي ما كسروا قلوبنا زمان!




زفر يوسف بضيق لكنه حاول تمالك حاله، تظاهر بالهدوء ليستطيع إقناع عمه وعقب بتوضيح وببعض الإنفعال:


-يا عمي والبنت ذنبها إيه لما عمها طلق عمتي وعمتي ماتت وأصلًا عمها كمان مات...




قطب يوسف حاجبيه مردفًا باستفهام:


- ليه ننبش في الماضي وهو أصلًا اتردم عليه!؟




حدج سليمان الفراغ بنظرات غاضبه حين تذكر ما حدث قبل أعوام وعقب قائلًا:


-عمتك ماتت بحسرتها لما طلقها ابن ماچد وراح اتچوز عليها.




هز يوسف رأسه باستنكار ولم يعقب سند ظهره للحائط وحدق بالأرض واضعًا ظهر أصابعه على فمه يفكر في حل لتلك الورطه فمن الواضح أنه لا فائدة من محاولاته لإقناع عمه، نظر له سليمان وأردف بنبرة هادئة:


-اتجوز بنتهم سنه سنتين تلاته إلي يريحك وبعدين طلقها واتجوز إلي تختارها.




أردف سليمان برجاء:


-برد ناري يا يوسف وخدلنا طارنا منهم.




زم يوسف شفتيه بحزن وعقب بحزم:


-لا يا عمي أنا آسف لا يمكن أوافق على الجوازه دي.




ضـ ـرب سليمان يده على المكتب بغضب فاصدرت دويًا مزعجًا، ورمقه بنظرات حارقة قائلًا بنبرة أحد من السيف:


-تبقا إنت إلي حكمت على نفسك وعلى أمك وأختك.




أقبل سليمان نحو المكتب بخطوات واسعه وأخرج الأوراق من درج مكتبه ليضعها أمامه ثم أشار عليها قائلًا:


-وكدا هضطر أستخدم معاك القوه يابن أخويا.




نظر يوسف للأوراق على سطح المكتب وسأل متعجبًا: 


-إيه الورق ده؟!




عقب سليمان قائلًا:


-دي الأوراق إلي مضيت عليها أول ما چيت شيك ب ٥مليون يا تسددهم يا تتحبس يا داكتور يوسف.....




قال يوسف بحسرة:


-ليه كدا يا عمي!؟




جلس سليمان على كرسي مكتبه رافعًا ذقنه لأعلى وقال:


-فكر يا يوسف وخد قرار، وياريت تفكر في أمك وأختك قبل منك.




تذكر أخته الصغيره وقرانها الذي سيُعقد بعد شهر، فهو معيل أسرته الوحيد، لم يترك له عمه أي خيار سوى الموافقه!




حين طال صمته أردف عمه قائلًا :


-إنت المفروض تشكرني عشان چايبلك بت تتسلى معاها وبالحلال يابن أخويا.




رد يوسف بحسرة:


-وإنت بتسمي دا حلال يا عمي.... اتجوز واحده عشان أنتقم منها ومن أهلها.... دا حلال في شرع مين؟!




عقب سليمان بتحدي قائلًا:


-معندكش خيار إلا إنك توافق.




رمقه يوسف بنظرات عتاب وهم أن يغادر الغرفة وقبل أن يفتح الباب أوقفه صوت سليمان الذي نهض عن مقعده قائلًا بنظرات محذره:


-ياريت متتأخرش في الرد عليا لأن كتب الكتاب هيكون بكره!




زفر يوسف بحنق وخرج من الغرفه بل من البيت بأكمله...


_________________________________


-الله على الجو الجميل والخضره الأجمل.




قالتها فرح وهي تنظر حولها مبتسمة وتتنفس بارتياح إنه الريف وجماله، كانت تسير في طريق خالٍ من المساكن وعلى جانبيها أراضي زراعيه على يمينها أرض فارغة من الزرع تتجهز لموسم زراعة جديد، وعلى يسارها زرع الرز الذي أوشك على الحصاد...




 كانت في مكان خالي من الناس يعمه الهدوء الذي يختلط مع أصوات العصافير في وقت الغروب وها قد غادر الجميع لبيوتهم مع حيواناتهم التي يستنفعون من حليبها أو لحومها، زفرت بارتياح قائلة:


-هي دي العيشه ولا بلاش يا سلام لو بابا يشوفلنا بيت هنا في البلد بعيد عن زحمة القاهره! 




مصمصت بشفايها مردفةً:


-يا سلام.... يا سلام. 




لمس الهواء العليل صفحة وجهها فأردفت قائله:


- يا محلاها عيشة الفلاح. 




نظرت حولها فوجدت أرضًا بها شجرة جوافة ناضجة فاقبلت نحوها وأخذت واحده وهي تلتفت حولها كاللص وبدأت تتذوقها بمتعة، اغلقت عينيها وهي تمضغها مستمتعة بطعمها اللذيذ، ليقاطعها صوت نباح كلب وهي تخاف من أي حيوان خلقه الله ماعدا الخيل والقطط، جحظت عينيها بصدمه صارخةً ثم ألقت الجوافه من يدها بهلع وركضت من أمامه وأخذ الآخر يركض وهي تركض أمامه حتى وجدت أمامها ترعة مياه فقفزت بها...




-لو كلـ.ب ابن كلـ.ب بقا بجد انزلي هنا نتواجه.


قالت جملتها بثقه فهي تحتمي بداخل بالمياه رد عليها الكلب بالنباح فصاحت بنبرة حادة:


-امشي بقا امشي!




ملأت كفها بالماء وقذفته به بغضب وهي تقول:


-امشـــــــــي...




لم تتخيل أنه قد يجلس على حافة الترعه لينتظرها لكنه فعل، سبحت يمينًا لتبتعد عنه وتخرج فقام الكلب وتبعها كأنه ينتظر ظهورها من المياه فتوقفت عن السباحه وقالت بحشرجة:


-إنت مبتمشيش ليه يخربيتك!




اجهشت بالبكاء وهي تقول:


-يارتني سمعت كلام جدي ومخرجتش لوحدي.


______________________________


من ناحية أخرى خرج يوسف من بيت عمه غاضبًا لم يسمح لأحد بمخاطبه وأخذ يتمشى وسط الأراضي الزراعيه يحاول تهدئة حدة غضبه حتى إرتفع أذن المغرب فلفت نظره تلك الفتاه التي تتحدث مع الكلب وكأنه يفهمها فتوارى خلف الشجرة ليستطيع رؤيتها وسماعها لكنها لم تكن تراه...




أما هي فما زالت عالقة بالمياه وذالك الكلب يقف على حافة الترعه، لوت شفتيها لأسفل وقالت بجديه وكأنه يفهمها:


-المغرب أذن امشي بقا زمان أمك بتدور عليك.




أردفت بملامح مجعده بحزن:


-زي ما أمي أكيد بتدور عليا.




لوحت له بيدها وهي تقول:


-امشي.... امشي.




رد عليها بالنباح فاستجمعت قوتها وسألته باستفهام:


-معندكش أولاد! طيب عندك أخوات... أصحاب أو أي حاجه!




لوت فمها لأسفل بحزن وأردفت ببكاء مصطنع:


-صدقني زمانهم قلقانين عليك امشي بقا!




قابل الكلب كلامها بالنباح كأنه ينادي أصحابه وما هي إلا دقائق وكان أمامها خمسة كلاب أخرين غيره تقوس فمها لأسفل وهتفت بخوف:


-إيه ده إنت ناديت عيلتك؟!




بدأ الكلاب جميعًا بالنباح فصاحت بغضب وبصوت مرتفع:


-إنت كبرت الموضوع لــــيــــــه!!! ما كنا هنحله بينا... منك لله منك لله... يـــــا كــــلـــب.




وعلى جانب أخر كان يوسف يستمتع بحديثها حتى أنه تناسى حديث عمه وبدأ يراقب رد فعلها حتى ودعت الشمس السماء وأشك الجو أن يعتم فنظرت للسماء ثم إليهم وقالت ببكاء: 


-إنتوا ناوين تتعشوا بيا ولا إيه!




رأت مجموعة أخرى من الكلاب قد أقبلت إليهم فصرخت:


-لا لا لا إنت ناديت الكلاب إلي في البلد كلها ولا إيه؟!




صاحت ببكاء:


-يا مـــــــامــــــا.... يا بـــــابــــا.... يا جـــــدو حد يلحقني يا نــــــــاس.




أوشكت الشمس أن تودع السماء وفقدت الأمل أن يسمعها أحد فسبحت بإتجاه اليمين لتحاول الإبتعاد عنهم وتخرج، لكن تتبعها الكلب مجددًا فصرخت:


-حد يلحقني.




قرر يوسف أن يساعدها فقد أوشك الليل على إسدال عتمته أقبل نحوها وهو يقول:


-إنتِ بتعملي إيه عندك؟! 




تهللت أساريرها حين رأته وهتفت برجاء:


-الحقني وساعدني.




أردفت بتوضيح يعتريه القلق:


- أنا بقالي كتير في المايه والكلاب دي مستنياني أخرج!




تبسم ضاحكًا وهو ينحنى للأرض ليأخذ مجموعة من الحجارة ويقذفهم بها حتى انصرفوا جميعًا حاول كبح ضحكاته ونظر لها قائلًا:


-طيب اخرجي خلاص مشيوا....




نظرت له هو الأخر بريب أيعقل أن يكون عفريت من الجن كما قرأت في رواية سابقة، أم أنه تلك النداهه التي تقتـ ـل الناس، فقررت ألا تخرج، وحين طال صمتها أردف قائلًا:


-مخرجتيش لـــيـــه؟!




سألته بخوف:


-إنت مين؟!




ابتسم على حالتها يحاول كبح ضحكاته قائلًا:


-طيب اخرجي الأول وبعدين نبقا نتعرف!




مسحت دموعها وعقبت بإصرار:


-قول الأول بسم الله الرحمن الرحيم...




انفجـ ـر بالضحك فقد فهم أنه تظنه جني، تمالك نفسه عن الضحك وعقب:


-اخرجي بس الأول.




عقبت بهلع:


-لأ والله ما خارجه إلا لما تقول بسم الله الرحمن الرحيم.




ردد بنفاذ صبر قائلًا:


-بسم الله الرحمن الرحيم.




تنهدت بارتياح وخرجت من المياه رمقها بنظرة سطحية قائلًا بمكر:


-طبعًا كدا اتأكدتِ إني مش شيطان لكن أنا يا ستي عفريت مسلم.




صرخت واتجهت نحو المياه مجددًا وكانت ستقفز بدون تفكير، لكن أوقفها صوته:


-استني بهزر والله أنا انسان وإسمي يوسف!




التفتت إليه بشيء من الذعر فهتف بنبرة ساخرة وهو يحرك هاتفه:


-هو فيه عفريت هيشيل موبايل!




ازدردت ريقها بخوف ورمقته بهلع قائله بتلعثم:


-يعني إنت إنسان عادي زينا!

اومأ رأسه مؤيدًا فوضعت يدها على قلبها تهدئه من هلعه، تنفست بعمق وزفرت بارتياح ثم تحولت ملامحها للغضب وهتفت ببعض الحد...ه:

-بالله عليك دا كان وقت هزار يا كابتن إنت!! 

قطب حاجبيه وعقب متعجبًا: 

-كابتن

رمقته بنظره سريعه وقالت بعفويه:

-أيوه كابتن بشكلك إلي شبه أبطال الروايات ده!

ضحك يوسف على عفويتها وحك مقدمة رأسه بارتباك ثم قال:

-على العموم متأسف جدًا... ممكن أعرف إيه إلي جابك هنا في الوقت ده؟ 

أجابت بعفويه:

- بتتدخل في الي ملكش فيه بس هحكيلك عشان ارتحتلك 

عقد يديه حول صده قائلًا:

-احكيلي 

نظرت حوالها بارتباك فمعالم الطريق قد اختفت ولا تعرف طريق العودة للبيت، هتفت قائلة:

-هو أنا جدي قالي متخرجيش لوحدك وبعدين غفلته وخرجت 

عقد جبهته قائلًا بتعجب:

-غفلتيه! 

عقبت فرح بتوضيح:


-أيوه يعني هربت منه... المهم كنت معلمه البيت بشجره قدامه ونخله قبله بشويه




نظر حوله للطريق المليء بالأشجار والنخيل وعقب:


-معلمه البيت بشجره ونخله واضح انك ذكيه أوي! 




تجاهلت جملته وعقبت بتوضيح أكثر:

-المهم يا كابتن كنت بسر...ق جوافه من أرض كدا 

أغلقت عينيها باستمتاع حينما تذكرت طعم الجوافه مردفة:

-وفعلًا طعمها كان لذيد أوي وكنت مستمتعه لحد ما جه كلب جري ورايا وأنا جربت 

نظرت حولها بتوجس تحاول تذكر طريق العوده للبيت وهتفت قائله:

-تقريبًا جريت شمال!

نظرت يمينها مردفةً بقلق:

-أو يمين مش فاكره!

تجعدت ملامحها ولوت شفتيها لأسفل كمن يوشك على البكاء:

-أنا شكلي كدا توهت تاني! 

كان يراقب طريقة كلامها العفوية التي رسمت الإبتسامه بقلبه قبل شفتيه، فهي تشبه الطفله الصغيره، مظهرها يدل على أنها بالكاد على مشارف بلوغ ١٤ عام، فك عقدة يديه ووضع يده أسفل ذقنه قائلًا بتعجب: 

-توهتي تاني يعني دي مش أول مره!

عقبت بملامح مجعده بخوف:

-لأ دي سادس مره وجدي هيعلقني المره دي

ابتسم ولم يعقب عليها فنظرت حولها مردفة:

-المشكله هرجع إزاي؟!

عقب يوسف قائلًا:


-قوليلي بس انتي من عيلة مين وانا هوصلك بنفسي لحد البيت..... 

                 الفصل الثاني من هنا
تعليقات