رواية صرخات انثى الفصل المائة واربعة104 بقلم ايه محمد رفعت

 رواية صرخات انثى  بقلم ايه محمد رفعت

رواية صرخات انثى الفصل المائة واربعة104 بقلم ايه محمد رفعت

قلوبًا_جمعها_اللقاء!)          

اختلجت أنفاسها، وكأنها تساق لنقطة فاصلة لقطع شكوكها، تزاحمت الدموع في عقر دارها، ومُقلتيها تتلصص على ملامحه بكل عشقها المركون داخلها، بينما الآخر يقف قبالتها في سكون، وخفقات ضربت نياط قلبه، فرعش جسده بأكمله استجابة لتلك الذبذبات التي أنعشته، وجعلته يشعر بأنه على قيد الحياة! 


أصدرت أمرها بتحرك جسدها، فتحرك إليه بخطوات بطيئة، دموعها كانت أسرع من خطواتها التي خطتها إليه، ولسانها لا يتوقف عن تردد إسمه بكل لهفة واشتياق. 


مال جسدها حتى كادت بالسقوط، فأسرع "علي" لمساعدتها ولكن ذراعي زوجها كانت الأسرع لها، أمسكها بقوة جعلتها تستعيد كل ذكرى كان يشد من قوتها ودعمها، فعاد يساندها مثلما إعتاد. 


أحاطها يدعمها بقوته ، مالت إليه وعينيها لا تفارق خاصته، أحاطت وجهه بيديها وقد تركت عنها البكاء ليخبره كم عانت دونه، مالت على صدره باكية، ارتطم جبينها به، فتيقنت كل اليقين أنه حيًا. 


ثمة نبضات تخفق من أسفل أذنيها، فحررت جليد جسدها، أحاطته بكل قوتها، وقالت شاكية له: 

_كلهم قالولي إنك مش راجع، كلهم قالوا إنك مت خلاص، أنا كنت عارفة أنك هترجعلي، كنت واثقة إنك مش هتقدر تعمل فيا كده. 


رفع ذراعيه يبادلها ضمتها الهزيلة بقوة، بينما يترك أحاسيسه تخترق تلك البرودة، فشعر، وكأنه ارتدى ملابس مبطنه من نيران عشقها المتسرب إليه. 


تهاوى الدمع بعيني "علي" تأثرًا بحديثها، ولولا حساسية ما يمر به "عُمران" لترك لهما مساحتهما الخاصة، ولكن عليه أن يفصلهما لينبهها بحالته. 


شددت "مايا" من التعلق به، بينما يميل بها لداخله، لقد بادلها مشاعرها بدون أي مجهود منه للمعارضة، الأمر كان يبدو غريبًا له، كان تفكيره الأساسي منذ قليل يحوم على كيفية التعامل معها، ولكنها بمجرد أن اقتربت وطالبت بأن تنزوي بين حصن قلعته، استقبلها بكل ذرة بمشاعره. 


مالت تطبع قبلة على كتفه، بينما تستطرد ببكاءٍ حارق: 

_أنا مملتش ثانية من انتظارك، كنت مستعدة أستناك عمري كله بس ترجعلي! 


اختلجته دموع وغصة مؤلمة تزداد عليه، بينما يحتوي جسدها إليه، ترقبت أن يتحدث لها، ولكنه كان صامتًا، يصغي لكل كلمة صادرة عنها بامعانٍ، بينما تعود هي لاحتضانه تارة، ولتأمل وجهه بعدم تصديق تارة آخرى. 


وضع علي عينيه أرضًا واقترب بمسافة معقولة منهما: 

_مايا ممكن تيجي معايا بره شوية، في حاجة مهمة لازم تعرفيها. 


رفعت رأسها عن كتفه، تراقب معالم وجهه بتركيزٍ، فتجاهلت حديث علي ونادته بخوفٍ: 

_إنت ساكت ليه يا عُمران؟  أتكلم معايا من فضلك! 


تعمق بنظرته الحزينة لها، وشعور العجز يضعفه كليًا، فإذا بـ علي يصر على طلبه: 

_مايا من فضلك تعالي معايا. 


أحاطها الخوف برداء ثقيل، فضمت وجهه بين يديها ورددت بصوتها المبحوح: 

_صوتك وحشني، متسكتش أتكلم، قولي أيه اللي منعك ترجعلي طول الفترة اللي فاتت دي، إزاي هان عليك تسبني أتعذب في بعدك عني كل ده، رد عليا، فهمنـي! 


سحب عينيه من لقائها، وتلك المرة لم يسمح لها "علي" بقول المزيد، فشدد على حديثه حينما أبعد أخيه للخلف وواجهها بنظرة صارمة: 

_إطلعي معايا حالًا، اللي بتعمليه ده ممكن يجيب معاه نتيجة عكسية يا مايا. 


وزنت حديثه المحذر لها، فانقبض قلبها مما يختبئ خلف صمته الغامض، نبئتها حواسها أن هناك جزءًا مظلمًا يخفيه كلاهما عنها! 

                          ******

داعب صوته الحنون نومها الثقيل، ففتحت عينيها بتعب شديد، فرأت دمعاته تحتل مُقلتيه، ونظراته المهتمة تسكنه، مرر يده على خصلاتها الملتصقة على جيينها، ويده الآخرى تزيح عرقها النازح. 


تعجبت لرؤيته بتلك الحالة، فنادته بغرابةٍ: 

_يوسف!! 


أبعد يدها، وجلس جوارها يميل من فوقها، طابعًا قبلة أعلى جبينها: 

_حمدلله على سلامتك يا دكتورة. 


منحته ابتسامة متعبة كحال جسدها الهزيل، ومالت بعينيها تراقب السرير الصغير المجاور لها، متسائلة: 

_فين البيبي، عايزة أشوفها؟ 


مال يعيد قبلته على جبينها، ونطق بكل حب: 

_هجبها حاضر، ارتاحي إنتِ بس. 


ونهض يرنو من صغيرته، حملها وعاد يضغها بين ذراعيها، حملتها "ليلى" وقبلت جبينها بفرحةٍ، بينما يحاوطهما "يوسف" بين ذراعيه، ويمسل بهما على، الفراش. 


راقبت "ليلى" ملامح الصغيرة بابتسامةٍ واسعة، ورددت بانبهارٍ: 

_دي شبه الملاك يا يوسف، بص ملامحها صغيرة أوي ازاي!!! حاسة كأني أول مرة أشوف بيبي مولود. 


نذر عنه ضحكة مسموعه، بينما يخبرها: 

_أنا واخد على الحجم ده لإني بشوفه تقريبًا بشكل شبه يومي يا ليلى، بس بالنسبالي بنتي أحلى قمراية شالتها وشافتها عنيا. 


منحته نظرة محذرة بحاجبيها المعقودان: 

_ومامت بنت جنابك، محلها أيه من الاعراب يا دكتور؟ 


ضحك وهو يضمها بحبٍ: 

_محلها شامل بكل الاعراب، دي رافعة الادرينالين،  وجره قلبي وراها جر، ولو ترضى تنصبني أب تاني لابن منها أكون سعيد الحظ. 


تخلت عنها ابتسامتها، وكأنها لم تزورها قط، فاذا بها تبتعد عنه وتشير بعينيها أن ينهض، ويضع الوسادة من خلفها، نفذ ما طلبته منه بقلقٍ من طريقته الجافة، وإذا بها تخبره: 

_اطلع بقى بره ويا ريت متورنيش وشك لأربع خمس سنين قدام، كده كده سيف راح يسجل نوجة، وزينب بتحضرلي حاجة سخنة أشربها، يعني إنت مالكش أي لزمة يا دكتور. 


جعل نظرته مصدومة، وقال: 

_بتطرديني يا لوليتا؟ 


هز رأسها بكل ترحاب: 

_بالظبط.. اتفضل بقى خليني أخد راحتي أنا والبنت. 


أخفى ابتسامته وأعدل من البلطو الطبي الذي يرتديه: 

_همشي ولما مفعول المسكن يخلص  إنتِ حافظة رقمي، بس فكري في العرض اللي هتغريني بيه عشان اقبل اديكي جرعة المخدر أقصد المسكن. 


قالها وخرج بكل كبرياء، بينما الاخيرة ترمقه بحنقٍ، وبينما كان بطريقه للخارج، فاذا به يرى جمال قبالته، وكان الاسرع له، وبسؤاله: 

_طمني يا يوسف، مدام ليلى قامت بالسلامة؟ 


سكن الحزن معالمه فور أن رأه، كان بحاجة لأحدٌ منهما جواره، غادر الآخر الحياة، ولم يبقى له سوى من أتى مهرولًا إليه. 


أفاق يوسف من شروده على هزة يد جمال، فرسم ابتسامة مخادعة وقال: 

_فاقت الحمد لله، وربنا رزقنا بعروسة ابنك، ها جاهز تشيل من دلوقتي ولا تصبر عليها لما تسنن؟ 


لفظ أنفاسه على مهلٍ، وصاح فيه: 

_يا أخي وقعت قلبي، أمال مالك وشك عمل كدليه لما شوفتني؟! 


انسحب من لقاء عينيه وادعى انشغاله بالملف الذس يحمله: 

_عملت أيه، أنا كويس وزي الفل قدامك أهو! 


أبعد جمال عنه الملف، وعاد يتفرس بعينيه الدامعتان، وجده يجاهد ألا تسقط عنه دموعه، يخشى أن يضعفه وهو يعاني ولم يتعافى من الاساس، علم جمال بأنه يفتقد وجود عُمران رفقته بذلك الوقت الذي لم يكن ليتخلى عنه فيه أبدًا. 


أمسك "جمال" بدموعه طوعًا، وبدون أي حرفًا يقال عنه، سحبه يضمه في عناقٍ صامت، يكبت كلاهما دمعاته بصعوبة، يستمدان الصبر من بعضهما البعض، وأكثر ما أوجع جمال إنهيار يوسف الغير متوقع في مناسبة هامة كتلك. 


                           *****

_يعني أيه يا علي؟؟!   


قالتها مايا وصدمتها تحرر كل الوجع ليموج داخل مُقلتيها بشكلٍ انتحاري، حاول "علي" أن يهدأ من روعها، فقال بصوته الرخيم: 

_عُمران كان بين الحيا والموت يا مايا، ربنا سبحانه وتعالى إدله عمر جديد، أي حاجة تانية مش المفروض نهتم بيها، عارف انه فقدان الذاكرة شيء مؤلم ومش محتمل ليكِ ولا ليا، بس عندي الثقة إن الست اللي حارب عشان تكسب قلب جوزها بعد ما كان ميال لغيرها، هتعمل ألف حاجة عشان تكسب الحرب التانية وهترجعه لنفسه. 


وأضاف وهو يتابعها تبكي بانهيارٍ: 

_مايا القوية اللي وقفت تواجه فريدة هانم بمنتهى الشجاعة، قادرة تقف في وش الظرف ده وتغلبه ولا عُمران ميستحقش منك كده؟ 


أزاحت دموعها المنهمرة على وجنتها الحمراء، وباتت تهمس ببحة صوتها المنخفض: 

_يستاهل يا علي. 


قالتها وانطلقت لغرفتها دون أن تضيف كلمة أخرى، وبداخلها تستجمع كل ما غاب عنها لمواجهة تلك العقبة التي ستجعل من زوجها رجلًا غريبًا عنها! 


بالغرفة. 


تلصصت عينيه على محتويات الغرفة ببطءٍ، ما زواية بها حملت له صور غير مكتملة، صوت الضحكات تخترق أذنيه، كل مكان حمل له عن مشاهد رومانسية عبرت له عن عشقٍ دافين خُلق بينه وبين زوجته، كل شيءٍ يدور من حوله بسرعة البرق، جمل مقتطفة، عبارات تخترق رأسه، لدرجة جعلته يشعر بدوارٍ عنيف يراوده، حتى شعر بكفها الرقيق يستحوذ على ظهره. 


استدار إليها فوجدها تتطلع له بقوة لا يعلم من أين أتت بها تلك الهزيلة، بينما تراقب هي كل فعلٍ صادر عنه، وبثباتٍ قالت: 

_مهما علي أكدلي إنك فاقد الذاكرة انا عمري ما هقتنع إنك مش فاكرني، لو نسيت الكون كله مستحيل أنك تنساني يا عُمران. 


واقتربت منه تتطلع له في تحدٍ سافر: 

_بصلي كويس وقولي إنك مش فاكرني!   بص في عنيا زي ما كنت بتعمل وقولي معرفهمش،  إنت في اللحظة اللي واقف فيها قدامي صوت نبض قلبك واصلي من مكاني هنا! 


وأمسكته من تلباب قميصه تصرخ في وجهه: 

_ساكت ليـــــه، أتكلــــم!!!  


وأضافت وقد ألقت كل تحذيرات علي عرض الحائط، بينما تنهار باكية اسفل قدمي عُمران الذي يتابعها بوجعٍ: 

_استنيتك ترجع وتأخدلي حقي وحق وجع قلبي من اللي وجعوني، كنت مستنياك تأخدني في حضنك واشتكيلك من اللي شوفته في بعدك، أوصفلك وجع قلبي، والايام اللي قضتها من غيرك في المستشفى، كنت مستنياك بصبر كبير وكنت مستعدة أستناك لاخر يوم في عمري، والله مستعدة لأي وجع بس صعب عليا أتحمل نظراتك الغريبة دي. 


واستطردت وشهقاتها تنحسر بوجعٍ: 

_علي عايزني أحارب عشانك بس أنا ضعيفة وبعدك عني في وجودك قتلني! 


قالتها وضمت ذاتها، تدفن رأسها بين ذراعيها وتترك العنان لدموعها، تابعها عُمران في عجزٍ تام، بداخله معركة طاحنة بين عجزه عن التعامل مع تلك الفتاة، ومواجهة أخرى لصوت يوضح له أنها زوجته، يود الاقتراب ولكنه يخشى أن يتخطى حدوده المحرمة بينهما، خلوته مع تلك الفتاة تقشعر بدنه في حد ذاته. 


ألقى ما يعتريه، وأخرس كل الاصوات بصوتٍ واحد، أن تلك الفتاة زوجته، الحقائق بأكمله تنص أنه "عُمران سالم الغرباوي"  ، فليضع كل شيءٍ جانبًا وليتعامل على هذا الاساس. 


إنحنى عُمران وجلس قبالتها أرضًا، ثم وضع كفه فوق كفيها، وقال بتوترٍ: 

_بس أنا جنبك ومش بعيد يا مايا! 


وأضاف بحنانٍ صوته الرجولي الدافئ: 

_أنا آسف لو مكنتش جنبك في كل اللي مريتي بيه ده، بس أوعدك إنك مش هتعاني تاني في وجودي. 


رفعت رأسها إليه، تتطلع له بدهشةٍ،، تود أن يتحدث إليها لأخر لحظة بحياتها، تود سماع صوته فحسب، ارتسمت ابتسامة تعاكس دموعها المنهمرة، بينما تهتف بذهولٍ: 

_عُمران! 


زحفت إليه حتى قطعت مسافته الاخيرة بينهما، وترجته بشكلٍ مزق قلبها: 

_إتكلم تاني عشان خاطري، صوتك وحشني، وإنت  آآ... إنت كمان وحشتني أوي. 


وأضافت والمُقل تحتضن بعضها: 

_بالله عليك قولي انك فاكرني ومنستنيش حتى لو هتكدب عليا. 


غارت عينيه بالدمعات القابعه داخلها، بينما يجلي صوته الهادر: 

_من لحظة ما عنيا شافتك وقلبي مطمنلك، حسيت إنك مني وتخصيني. 


وأضاف بصدقٍ وهو يراقب بسمتها الرقيقة: 

_قربك من قلبي عوضني إحساس النقص اللي كنت حاسس بيه طول الفترة اللي فاتت، أنا عارف إن اللي بيحصل ده صعب عليا وعليكي، فلو علي وصفلك غربتي عنكم إنها حرب فمش هسيبك تخوضيها لوحدك، أنا معاكِ وهفضل جنبك على طول، بس أنا كمان محتاجك جنبي ومعايا. 


احتملت على ركبتيها وحبت تجاهه تخبره بكل محبةٍ وعشق: 

_أنا مش هفارقك الا بموتي يا عُمران. 


تلك المرة هو الذي بادر بضمها، احتضنها بقوةٍ وكأنها أخر ذكرى ستجمعه بها، ولم يشعر كلاهما بطول الوقت وهما على هذة الحالة، فارتكن بها عُمران على الحائط وتركها تغفو على صدره بينما هو يفرد قدميه، ويثني الاخرى من خلف ظهرها ليمنحها نومة مريحة، حظت بها بعدما هاجرها النوم المريح لأيامًا، بينما بقى هو يراقب ملامحها بحب بدأ يتربع داخله لمرته الثانية، وكأنه يختار حبها بملء إرادته في كل عهدًا بات فيه! 

                               *******

أشرقت الشمس بيومها الصباحي، فداعبت أهدابها المُغلقة، مالت "مايا" بانزعاجٍ مما يراودها في منامها، فانتفضت جالسه وهي تراقب المكان من حوله في هلعٍ ورعب من أن تكون تتوهم بوجوده وبما حدث بالأمس، فإذا بالسكينة تغمرها حينما وجدته يغفو على الحائط، وجسدها يستريح على ساقه المثنية. 


عادت تميل على ساقه وتلك المرة وجهها يميل إليه، يراقب ملامحه بشوقٍ وحب، فاذا به يفرج عن رماديتاه ليقابل نظرات عينيها المهلكة. 


بقى مسترخي على الحائط، وبادلها النظرات بسكينة نزلت على قلبه ببقائها لجواره، لقد داهمه النون أخيرًا بشكلٍ جعله لا يستوعب بأن نومته غير مريحة، تدلت شفتيها بابتسامة رقيقة، ورددت بصوت نعاسها المغري: 

_ عُمران. 


بادلها الابتسامة وردد بعشقٍ هاجمه كالداء: 

_حبيب قلبه وروحه أنتِ يا مايا!!!!!!                                     الفصل المائة وخمسة من هنا

تعليقات



<>