رواية اوجاع الروح الفصل الحادي عشر11بقلم فاطمه فارس
عدّى أسبوعين على الكل، ومهاب كان كل يوم يبعت لمنه رسائل اعتذار.
هي فرحت لأنه لسه بيحبها، بس كانت مصمّمة "تربّيه شويه".
مهاب جه واتفق مع أحمد إنه يكتب على منه، وأحمد وافق لأنه عارف قد إيه بيحب أخته من زمان.
الكل ساعد في زينة الشقة، وكانت طالعة جميلة لأنها معمولة بحب، ومهاب جاب المأذون، وكل حاجة كانت جاهزة.
حمزه قال لحاتم
ـ يا حاتم، منه هتزعل مننا إن محدش عرفها
حاتم رد
ـ مش هتزعل، صدقني يا حمزه... منه بتحب مهاب، هي بس بتعاند معاه شويه
جوري طلعت لمنه فوق ومدّت لها فستان وقالت لها إنهم رايحين فرح واحدة صاحبتهم.
وطبعًا حاتم كان عرّفها هي ومرام على كل حاجة، وفرحوا ليها جدًا.
منه قالت
ـ مش عايزة أروح أفراح... هو بالعافية؟
جوري ردت
ـ عشان خاطري، أنا معرفش حد غيركم يا منه... تعالي معانا
مرام استعجلت
ـ مفيش وقت... انجزي
لبست وهي متضايقة ولسه هتنزل، جوري قالت
ـ إحنا نسينا حاجة تحت، استني هنا وهنرجع ناخدك
نزلوا بسرعة وقفلوا الباب
منه كانت مستغربة جدًا من اللي بيحصل
بعد شوية... الباب خبط
فتحت، لقت حاتم وأحمد وحمزه ومهاب واقفين قدامها
دخلوا الشقة
أحمد قال
ـ متزعليش مني يا منه، أنا عملت كده عشان مصلحتك
ـ مهاب كان خايف عليكي يا حبيبتي، خلي قلبك أبيض وانسي اللي حصل زمان
منه ردت
ـ حمد لله على السلامة... مش كنت تقول إنك جاي يا أبيه؟
ـ كان لازم تحضر فرح ابن صاحبك ده وتغيب كل ده؟
أحمد حضنها وقال
ـ إنتي غالية عندي قوي يا منه، وفراقك صعب عليّا
منه دمعت
ـ وإيه بس اللي هيفرقنا يا أبيه... ربنا يخليك ليا ومحرمنيش منك أبدًا
أحمد دعا لها
ـ اللهم آمين، ربنا يحفظك ويسعدك يا حبيبتي
حاتم قال
ـ تعال يا عريس، سلّم على عروستك
منه اتلخبطت
ـ عريس مين؟! معلش... هو في إيه بالظبط؟
حمزه قرب منها وقال على جنب
ـ بصراحة... النهاردة كتب كتابك على مهاب
ـ ألف مبروك يا قلبي
منه برقت بذهول
الكل ضحك عليها وسابوا مهاب معاها ونزلوا
مهاب قفل الباب وقال
ـ مبروك يا حرم مهاب سعد الدين
منه اتنفضت
ـ ولااا، ابعد يااااض... وربنا هصوّت وألمّ عليك البيت كله
مهاب ضحك
ـ مش مهم... أهم حاجة أصالح منه حبيبتي اللي زعلانة مني
منه اتوترت
ـ لا لا لا... هو إنت متعرفش
ـ أنا مش زعلانة ولا حاجة... يلا روح بقى
مهاب قرب منها وقال بكل حنية
ـ مش همشي غير بيكي، يا زوجتي العزيزة
منه كانت هتعيط من الموقف، وقالت
ـ مهاب ابعد، مالك، إنت شارب حاجة ولا إيه؟ وبعدين إزاي يسيبوك هنا معايا لوحدك؟
مهاب ابتسم وقال
ـ إنتي لسه مش مستوعبة ولا إيه؟ يا بنتي، إنتي خلاص دخلتي القفص برجلك... ومش هتطلعي منه أبدًا
منه بصوت مليان حب قالت
ـ ده جواز باطل، عشان محدش خد رأيي فيه... وأنا مش موافقة
مهاب قرب منها وأخدها في حضنه
ـ ياه يا منه... من زمان وأنا نفسي في الحضن ده. دلوقتي أنا ملكت الدنيا باللي فيها، ومش عايز حاجة غيرك
منه بدموع
ـ يعني مش هتتخلى عني تاني يا مهاب؟
مهاب بكل يقين
ـ عمري ما هتخلى عنك أبدًا يا روح مهاب
منه حاولت تبعد
ـ طب وسّع بقى، إنت استحلّتها ولا إيه؟
مهاب ضحك
ـ بصراحة... آه. وقريب جدًا هنعمل الفرح. أنا مش قادر أعيش من غيرك يا منه... إنتي عمري
نزلوا مع بعض، ومنه مضت على قسيمة الجواز وهي مكسوفة.
كريمة زغردت كتير، والكل كان فرحان بيهم
جوري كانت مبسوطة جدًا لمنه، لكن جواها أمنية دفينة... إنها ولو للحظة، تعيش إحساس الحب الحلال
بعد ما الكل مشي، حمزه دخل أوضته، وبعت رسالة لجوري
ـ كنتي كالبدر في تمامه اليوم... أتدري يا صغيرتي؟ تمنيت لو أكون أنا العريس، وإنتي العروس، ونجتمع معًا في بيت واحد. متى ستصدرين فرمان الزواج؟ أنا لا أقوى بدونك... ليلة سعيدة يا حبيبتي، تصبحين على جنة
جوري ابتسمت وقالت
ـ وبعدين معاك؟ إنت مين يا روميو؟! وحكايتك إيه
غمضت عينيها، وأول حد جه قدامها كان حمزه... وابتسامته اللي بتجننها
قالت لنفسها
ـ معقول حمزه اللي بيبعت الرسائل دي؟ لا... أكيد مش هو، أنا هنام أحسن ما أتجنن .
دخل عليه لقاه بيصلي، قعد على السرير واستنّي يخلص صلاته
حمزه أول ما سلّم وقام، قال
ـ في حاجة يا حاتم؟ إيه اللي مصحيك لحد دلوقتي؟
حاتم رد
ـ مش ناوي تفرّح وتفرّحنا معاك؟
حمزه
ـ إن شاء الله يا حاتم قريب... بس إدعيلي توافق
حاتم
ـ هتوافق، بس إنت انوي واتكلم معاها... أو حتى سبني أنا أفتحها في الموضوع
حمزه رفض
ـ لا بلاش يا حاتم، أنا أصلاً خايف تفكر إني طمعان في البيت
حاتم
ـ بطل هبل... جوري مستحيل تفكر كده
حمزه بابتسامة خجل
ـ اللي فيه الخير يقدمه ربنا
حاتم قال
ـ جوري اشتكت من حد بيعاكسها
حمزه غير فجأة
ـ مين ده؟! وأنا أشرب من دمه
حاتم ضحك
ـ معرفش، بس هي مسمياه روميو عشان بيبعت لها رسائل حب
حمزه توتر
ـ وإنت عرفت مين ده ولا لسه؟
حاتم حاوط كتف أخوه بدراعه وقال بابتسامة
ـ لازم أعرفه... عشان أنا اللي مربيه بإيدي
حمزه بخجل
ـ قصدك إيه يعني؟
حاتم قالها بصراحة
ـ أنا عارف إنك إنت العاشق الولهان يا حمزه، بس نصيحة من أخوك الكبير... كفاية كده
ـ بلاش تعلق قلب جوري بيك وهي أصلاً متعرفش إنت مين
حمزه تنهّد وقال
ـ أنا آسف... غصب عني، مقدرتش أخبّي مشاعري أكتر من كده
ـ حسّيت إني هموت يا حاتم لو فضلت مخبّي عليها
ـ مقدرتش أعترف لها بحبي، بس قلمي قدر
حاتم
ـ اطلبها من ربنا يا حمزه، وبلاش تدخل البيت من الشباك... على رأي جوري
حمزه
ـ معاك حق... أنا آسف، ومش هبعت لها حاجة تاني
ـ لولا إنها قافلة على قلبها ورافضة الجواز، كنت اتقدمت لها من زمان
حاتم
ـ أنا عارف، ومتاكد إن نيتك خير
ـ وعشان كده لازم تقرر... إزاي تفوز بقلبها، وإنت حمزه مش وإنت مجهول
ـ هي ممكن تحب الشخص ده، لكن متحبكش
ـ تعرف ليه؟ عشان هو قدر يوصل لقلبها، وإنت واقف مستخبّي
حمزه بابتسامة فيها أمل
ـ تمام، أنا هتصرف... متقلقش
حاتم
ـ أنا واثق فيك يا حمزه... بلاش تعقّد الأمور
*****
جُوَيرِية كانت في مكان غريب، مقفول عليها بأقفال كتير، ومتكتفة من إيديها ورجليها. الظلام حالك، ومفيش أي نور. كانت خايفة وبتعيط، وفضلت تنادي على أي حد يساعدها، لكن مفيش رد.
وفجأة، نور أبيض قوي اخترق الظلام، وباب اتفتح... شخص واقف على الباب، مدّ إيده ليها وقال بهدوء:
– تعالي يا جويرية، نخرج من المكان ده.
قالت بتوسل: ساعدني أرجوك... أنا متكتفة، مش هقدر أقوم لوحدي، أنا خايفة.
رد عليها: لازم تساعدي نفسك بنفسك. مفيش حد هيطلعك من الأسر ده غير إيمانك بربنا وثقتك فيه وفي نفسك.
قالت: مش هقدر، أنا ضعيفة... أرجوك ساعدني!
– انتي قوية بالله. خليكي دايمًا فاكرة إن ربنا معاكي، انتي مش لوحدك.
– أعمل إيه طيب؟ قولي .
– انوي إنك تفتحي القيود والسلاسل، وهي هتتفك بأمر الله.
جويرية عملت اللي قال عليه، لكن القيود ماتفكتش، صرخت وهي بتبكي: مش بتتفك... خرجني من هنا!
قال بنبرة مليانة يقين: ثقي في الله قبل ما تنوي... مش إنتي اللي هتفكيها، انتي عبدة ضعيفة قدام قدرة ربنا. هو القوي العزيز، هو من يقول للشيء "كُن فيكون". متطلبيش مساعدة بني آدم ضعيف زَيّي، اطلبي العون من ربك.
جويرية رفعت عينيها للسماء وقالت في نفسها: يارب، ساعدني أخرج من هنا، أنا مليش غيرك. أنا واثقة فيك خير، وإنك هتنجيني من الحبس ده. خد بإيد عبدتك الضعيفة...
"اللهم إني أبرأ من حولي وقوتي وألتجئ إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين"
وما إن خلصت دعاءها، حتى وقعت السلاسل كلها على الأرض، والمكان كله اتملأ بنور أبيض ساطع... نور لدرجة إنها مقدرتش تفتح عينيها من شدته.
سمعت صوته من جديد: افتحي عينك... وهاتي إيدك.
فتحت عينيها... لقت نفسها في مكان جميل، جنينة كلها ورد وزرع بألوان وأشكال مبهجة. بصت حواليها بدهشة: إزاي؟! راح فين الظلام والسلاسل؟! أنا فين؟!
قال وهو بيبتسم: "العتمة و الظلام و السلاسل كلها اختفت لما توكلتي علي الله ووثقتي فيه ورضيتي بحكمة و قضاءه... وربنا سبحانه وتعالي لما صبرتي علي المحنه عطاكي منحه... و عوضك علي صبرك بالمكان اللي انت واقفه فيه ده... ولسه ربنا هيعوضك و يكرمك من فضله وينعم عليكي بنعمه...
بس انتي ثقي في الله خير و ارمي حمولك عليه و استعوضي اهلك عنده."
قالت وهي لسه مش مصدقة: شكرًا... بس حضرتك مين؟ وعرفت اسمي منين؟!
قرب منها، وملامحه بقت واضحة جدًا... وقال بابتسامة: أنا قُرّة عينك، ورفيق دربك، وحبيب قلبك...
*****
صحيت من النوم على أذان الفجر، وقلبي بيدق بسرعة، مذهولة من الحلم، ومن الشخص اللي ظهر لي... وكان شخص أعرفه كويس جدًا.
قمت، صليت الفجر، وقلت نفس الدعاء اللي حلمت بيه:
"اللهم إني أبرأ من حولي وقوتي وألتجئ إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين"
"اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ منك إلا إليك..."
ماكنتش قادرة أنام تاني. مسكت المصحف وفضلت أقرأ فيه لحد طلوع الشمس، بعدها صليت الضحى، وقعدت أذاكر شوية.
وأول ما النهار طلع، لبست بسرعة، ونزلت من البيت... روحت على طول لشيخ الجامع. كنت عايزة أسأله عن الحلم.
استقبلني بابتسامة:
– أهلا يا بنتي... اتفضلي.
– أنا آسفة لو صحيت حضرتك بدري.
ضحك وقال:
– ده بيت ربنا يا بنتي، مفتوح لأي حد، في أي وقت.
حكيت له كل حاجة. وبعد ما خلصت، قاللي:
– دي رؤية، مش حلم. ربنا حب ينور بصيرتك... معناها إنك تتوكلي عليه وترضي بقضاءه. واصبري، ربنا هيجازيكي خير. أما الشخص اللي شفتيه، فممكن – والله أعلم – يكون بيحبك وبيّدعيلك... عشان كده أرواحكم اتقابلت في المنام.
---
السنة خلصت على خير.
مرام اتخرجت من كلية فنون جميلة، وحبها لحاتم زاد أكتر لأنه كان دايمًا معاها وبيشجعها.
منه اتجوزت مهاب، وعملوا فرح كبير، وأحمد ودّعها بدموع الأب اللي ربى بنته بإيده.
حاتم بدأ يوضب شقته عشان فرحه قرب.
حمزه اتخرج من كلية الطب، وبعد سنتين امتياز بقى دكتور مخ وأعصاب.
مازن خلص امتحاناته، وكان فرحان جدًا إن ربنا كرّمه واشتغل مع كارم أبو ضُحي، وحياته المادية اتحسنت.
أما جُويرية... فخلصت أول سنة طب، وكانت فرحانة جدًا إنها قدرت تتخطى أول سلمة في سلم النجاح.
وبين الحلم والواقع... كانت لسه بتدعي ربنا يحقق لها الحلم اللي شافته، وتلاقي رفيق دربها اللي وعدها بيه في منامها.
كل وجع ليه نهاية، وكل قيد له مفتاح...
ولسه الرحلة مكملة، ولسه الأمل جاي."
