
رواية لهيب العشق الفصل الحادي عشر والثاني عشر بقلم سيليا البحيري
بعد عدة أيام
مطعم فخم بيطلّ على المدينة – بالليل
المطعم منوّر بنور هادي، والمزيكا شغالة وراهم ناعمة كده ومُريحة. إياد لابس بدلة شيك قوي، وتارا لابسة فستان أسود قصير بيظهر جمالها وثقتها في نفسها. قاعدين على ترابيزة في رُكن هادي، قدامهم شمعة بتنور على خفيف، بتتهز مع أنفاسهم.
إياد: (بيبص لها بنظرة كلها إعجاب)
"كل مرة بشوفك فيها... بكتشف فيكي حاجة جديدة تخطفني."
تارا: (بتضحك بهدوء وبتبص لتحت بدلع محسوب)
"هو إنت فاكرني هسهّلها عليك وأكشف كل اللي عندي مرة واحدة؟"
إياد: (بيضحك برقة)
"أنا شايف إنك خبيرة في إنك تخلّي الراجل يستنى... ويتلهف."
تارا: (بتقرب منه شوية، ونبرتها دافية)
"علشان اللي بيستنى... بيحس بقيمة الحاجة، صح؟"
إياد: (بيبصلها بانبهار، ويمسك إيدها)
"ولو على عيونك، أستنى العمر كله... من غير زهق."
تارا: (تحط إيدها التانية على إيده، وتبص له في عينيه بنظرة ساحرة، شكلها صادق بس متقن)
"إياد... أنا مش فاهمة إنت عملت فيا إيه. وجودك جنبي بينسيني كل حاجة تانية."
إياد: (بيبصلها بحُب حقيقي)
"وده كل اللي بتمناه... إنك تنسي الدنيا كلها، وتشوفي أنا وبس."
تارا: (بهمس، وعينيها فيها دفء كداب بس ساحر)
"إنت دلوقتي بقت دنيتي... صدقني."
إياد: (عينيه بتنور بعشق واضح)
"كنت حاسس من أول لحظة إن في حاجة مختلفة بينا."
تارا: (بتضحك ضحكة خفيفة، وبعدين تهمس كأنها بتعترف بسر)
"ساعات... بخاف من كمية المشاعر اللي جوايا ناحيتك."
إياد: (يضغط على إيدها بلُطف)
"ماتخافيش... أنا موجود، ومش هسيبك."
(تارا تميل برأسها شوية، وعينيها مركّزة على وشه، وجواها نار مش باينة. هي بتمثل دور العاشقة ببراعة، وإياد شايفها ست بتحبه بجد.)
تارا: (بصوت مكسور كأنها موجوعة)
"لو تعرف قد إيه أنا محتاجة أحس بالأمان... برجل ميكسفنيش."
إياد: (بثقة)
"أنا هو الراجل ده يا تارا... ومش هخذلك أبداً."
تارا: (تغمض عينيها لحظة، وبعدين تبتسم ابتسامة فيها كلام كتير مش باين)
"وأنا معاك... حاسة إن أخيراً لقيت اللي بدوّر عليه."
(بتقرب أكتر، وتستند على إيده بلُطف. المزيكا تعلى شوية، والمشهد يخلص على ملامحهم اللي كلها حب. إياد بيبتسم كأنه لقى ست أحلامه، وتارا بتبتسم كأنها لعبت الورقة الصح بامتياز
*********************
بعد ساعة افترق كل منهما ، و عادت تارا لفيلا الشرقاوي ، فهم قرروا الاستقرار مع جدها و عائلة والدتها و ما إن همت تارا بالدخول حتى اوقفها صوت قائلا
تميم: كنتي فين يا هانم ؟
تارا ( بصدمة): تميم ؟؟؟ كككنت... شغالة في الشركة
تميم: شركة العطار مش كده؟؟؟ و عايزة تنتقمي منهم لأنهم دمروا حياة طنط شيرين و قتلوا عمي سليم ؟؟ ولا أنا غلطان
تارا ( بصدمة) : عرفت ازاي ؟؟
تميم: متنسيش يا تارا ، أنا ضابط مخابرات و حاجة زي كده أنا عارفها و من زمان و كنت ساكت ممكن تتعدلي لوحدك بس الظاهر أني كنت غلطان
تارا ( بغضب) : اه و المفروض أني دلوقتي لازم اتراجع عشان خاطر تميم بيه ميزعلش ؟؟ ليه مش عايزين تفهموا ، العيلة دي و الناس دول دمروا حياة ماما و قتلوا بابا و دمروا حياتنا و لازم يشربوا من نفس الكاسة
تميم ( بغموض): مش لازم تصدقي اي حاجة يا تارا ، ساعات الانسان ميعرفش الحقيقة غير بعد فوات الاوان
تارا: قصدك إيه يا تميم ؟؟
تميم ( بحنان): تارا ، أنتي بنت عمي و زي اختي و من واجبي اني انبهك ، ابعدي عن حوارا الإنتقام دا لأنه في النهاية محدش هيخسر غيرك
ليتركها و يذهب تحت نظرات تارا المستغربة
********************
في فيلا العطار ، نجد ادهم في حديقة الفيلا ، يدخن سيجارته و ينظر نحو السماء و يفكر في شقيقته الصغرى شيرين و كيف و اين هي الآن ، قطع افكاره دخول إياد و على وجهه ابتسامة سعيدة
اياد: مساء الخير يا عمي
ادهم ( بإبتسامة): مساء النور يا ابني ، كنت فين ؟
اياد: كنت معا الآنسة تارا ، كانت عايزة تشوفني عشان نتفق على الموديل الجديد
ادهم ( بمكر): متأكد أن ده هو السبب وبس
اياد ( بارتباك): قصدك إيه يا عمي
ادهم: اياد ، يا ابني أنا عارفك كويس ، و عارف أنك واقع
صمت إياد و ابتسم مما اكد كلام ادهم
أدهم (بنظرة فاحصة): إياد، أنا واخد بالي من نظرات الآنسة تارا... فيها حاجة مش مريحة. مش نظرات عادية يعني.
إياد (مستغرب): يعني إيه يا عمي؟ دي دايمًا بتعاملني كويس!
أدهم (بحذر): يا ابني، الدنيا مليانة تمثيل وخداع. أنا مش عايز أحبطك، بس شايف في عينيها حاجة... كأنها بتحقد. مش عارف ليه، بس الإحساس موجود.
إياد (ببراءة): يمكن تكون تعبانة ولا زعلانة من حاجة؟ أنت دايمًا بتشك في الناس يا عمي
أدهم (بيهز راسه): يا إياد، القلب ساعات بيخدع، بس العين الخبيرة بتشوف اللي ورا الضحكة. خلي بالك منها.
إياد (بيحاول يهون): ماشي يا عمي، هاخد كلامك في دماغي، بس ما تقلقش، أنا مش ساذج!
أدهم (بيتنهّد): يارب... بس تارا دي، عندي إحساس إنها مش مجرد عارضة أزياء وخلاص. (بيبص بعيد) لازم ناخد بالنا.
إياد (بفضول): هو انت شاكك فيها ليه بالظبط؟
أدهم (بصوت واطي): عشان اللي بيحقد، بيبان عليه... وده اللي شايفه في عنيها. بس الزمن هيوضح كل حاجة.
وفي اللحظة دي، إياد بيعيش صراع جوا نفسه بين مشاعره ناحية تارا وشكوك عمه، في الوقت اللي تارا فيه مكملة لعبتها، وهي مش عارفة إن أدهم بدأ يجمع الخيوط...
********************
في فيلا سعاد عاد كريم يدخل مترنّحًا وهو ثمل، أنفاسه ثقيلة، عيناه حمراء من التعب والقهر.
خالد (واقف عند الدرج، وجهه مشدود بالغضب):
أهلاً بالبيه اللي سايب الشغل كله على أبوه وجدته... راجع سكران زي العادة!
كريم (يضحك بسخرية وهو يترنّح):
آه راجع سكران، مش أحسن ما أكون نسخة منكم؟ سكران... بس مش قاتل... مش تاجر****... مش حاقد زيكم!
ناهد (من خلف خالد، بصوت حاد):
عيب يا كريم! دا أبوك اللي رباك وكبّرك!
كريم (ينظر لها بكره):
ربّاني؟ انتو ما ربيتونيش... انتو كسرتوني!
أنا من وانا طفل، والضرب والإهانة ... ما سمعتش كلمة حلوة من حد فيكم، دا حتى الجدة "سعاد"... ست الحقد والخراب، كانت دايمًا تتمنى موتي!
سعاد (تتقدّم بعكازها، نظراتها مليانة سخرية):
ومازلت بتمنّى! ما كنتش يوم حفيدي، ولا حتكون... انت نقطة ضعفنا!
كريم (ينفجر وهو يشير نحوها):
وانتِ نقطة سواد في حياة الكل! دمّرتي حياة طنط شيرين وهي بنت صغيرة... خليتي ابوها يطردها في عز الشتاء... بريئة كانت، بس انت ما بتحبي البراءة، بتحبي تلوّثي كل شي!
(يقترب منها رغم ثمله)
وما اكتفيتيش... سليم؟ فاكرة سليم؟ الراجل اللي حبها وسترها؟ قتلتيه يا ست الكل... وقتلتي بعدها قلب شيرين معاها... وهي دلوقتي مشلولة، ساكتة... بس أنا هتكلم بدلها!
خالد (يتقدّم غاضبًا):
اخرس، يا ولد! ولا كلمة كمان!
كريم (ينظر إليه بشراسة):
لا... حاتكلم! وهافضح كل حاجة... هاروح للشرطة وأقولهم إنك بتتاجر في المخدرات والسلاح...
وهاروح لجدي محمود وأقول له مين السبب في ضياع شيرين... مين السبب في كل المصايب... جدتي العزيزة سعاد!
ناهد (بصوت مهزوز):
انت مش طبيعي، دا الشرب خلى عقلك يطير...
كريم (بمرارة):
أنا طبيعي أكتر منكم كلكم... أنا الضحية الوحيدة اللي عايشة بين مجرمين... وأنا حأنهي المهزلة دي، حتى لو آخر حاجة أعملها!
خالد (ينهال عليه بصفعة قوية تطرحه أرضًا):
برااا! اطلع بره! ما عنديش ابن جبان وخاين زيك!
سعاد (تضحك بصوت منخفض وهي تهمس لناهد):
الولد بدأ يشم ريحة الحقيقة... لازم نسكته قبل ما يوصلها للكل.
كريم (ينهض بصعوبة، ينظر إليهم نظرة تحدٍ):
خلاص... انتهت اللعبة. أنا مش هسكت تاني.
شيرين، وتارا، وحتى أنا... كلكم جرحتونا، بس الدور جاي...
وكل الظلم اللي زرعتوه... هتحصدوه!
(يخرج مترنّحًا من الفيلا، باب يُغلق بقوة خلفه، تاركًا خلفه وجوه مذعورة لأول مرة)
(بعد أن خرج كريم من الفيلا وصفع الباب خلفه، لحظة صمت ثقيلة تسود المكان، سعاد تنظر إلى خالد وناهد بقلق... لكن فجأة يُفتح الباب من جديد بقوة ويدخل كريم وهو يترنّح لكنه عيونه مليانة شرارة تحدّي.)
كريم (بابتسامة باردة ساخرة):
على فكرة... نسيت أقولكم حاجة قبل ما أمشي...
خالد (بغضب مكتوم):
اطلع برا يا كريم، كفاية قلة أدب!
كريم (يرفع يده كأنه يُسكت خالد):
ششش... اسمعني، يمكن تكون آخر مرة تسمع فيها صوتي قبل ما حياتك تنقلب جحيم...
إيه رأيكم... لو تارا بنت شيرين... عرفت الحقيقة؟
(سعاد تشهق، وناهد تتراجع خطوة، وخالد يتجمّد)
كريم (بصوت متمهل لاذع):
لو عرفت إن القاتل الحقيقي لأبوها مش جدها محمود... بل حضرتك يا ست سعاد
(يضحك ضحكة مخيفة ثملة، ثم يحدق بسعاد):
تفتكري تارا هتعمل إيه؟ هتبوس إيدك؟ ولا هتخلي حياتك نار؟
ولا يمكن... تبدأ تنتقم منكم واحد واحد؟
تارا مش زي شيرين... دي نار، نار مش هترحمكم!
ناهد (بصوت يرتجف):
أنت بتهددنا ؟ مستحيل تعرف حاجة...
كريم (ينظر لها باحتقار):
ما هو الغباء وراثة... تارا موجودة، وشايفة، وبتراقب...
ولما تعرف الحقيقة، مش هتضرب الباب وتمشي زيي... دي هتخلّيكم تتمنوا الموت كل يوم.
خالد (يتقدّم نحوه بانفعال):
لو فتحت بقك قدامها بكلمة، هكون آخر يوم في حياتك!
كريم (بلا خوف، بنبرة هادئة):
يا ريت...
الموت أرحم من العيش معكم.
(ينظر إليهم نظرة طويلة مليانة ازدراء وضحكة صغيرة ساخرة تتسلل من فمه)
خليكم خايفين... خليكم مترقبين...
كل ثانية... كل باب يخبط... افتكروا يمكن تكون تارا جاية!
وأنا؟
هكون أول واحد يقولها الحقيقة... بكل تفصيلة... بكل دمعة سالت من أمها!
يدير ظهره ويخرج من الفيلا، يختفي خلف الظلام، وداخل الفيلا يبقى فقط صوت تنفّسهم المرتعب ووجه سعاد الذي فقد لأول مرة قناع السيطرة
*********************
في فيلا عائلة الشرقاوي – غرفة شيرين الهادئة – مساء رمادي ملبد بالحزن.
الستائر شبه مسدلة، الضوء خافت، نسمة خفيفة تعبث بطرف ستارة بيضاء، وفي ركن الغرفة…
تجلس شيرين على كرسيها المتحرك، ملامحها هادئة لكنها غارقة في حزن عميق، ودمعة تنزلق ببطء على خدها.
عيناها الزرقاوان مثل السماء قبيل العاصفة… مليئتان بالصمت والرجاء… وألم السنين.
(باب الغرفة يُفتح بهدوء، يدخل عادل، شعره أصبح أكثر بياضًا، ظهره محني قليلاً من تعب السنين، لكنه ما زال يحتفظ بهيبته الدافئة)
عادل (بصوت ناعم مليء بالشجن):
مساء الخير يا بنتي…
(لا رد… فقط عينا شيرين تلتفت نحوه ببطيء، وفيها لمعان الألم والعتاب الدفين)
عادل (يقترب منها ببطء ويجلس بجانبها على كرسي خشبي قرب النافذة):
لسه بتبكي؟
من يوم ما عرفتك وإنتِ دمعتك أقرب من أنفاسك…
أنا مش قادر… مش قادر أتخيل إزاي قلبك استحمل كل ده يا شيرين.
(ينظر إلى يديها المرتخيتين على حضنها، فيمسك بهما برقة كأنهما زجاج)
أنا عارف…
عارف اللي حصل… وعارف إن ابني سليم كان آخر نور دخل حياتك، وإني فقدته... وفقدتك معاه.
(يبكي بهدوء لأول مرة منذ زمن، يمسح دمعة بعيدة عن وجهها)
ما قدرتش أنقذك…
ولا قدرت أحمي سليم.
ولما وصلت للمشهد، كان فات الأوان… وكان قلبي انكسر مرتين… على ابني… وعليك.
(يشهق بهدوء ثم يهمس بصوت مهزوم):
بس أنا هنا يا شيرين…
أنا لسه هنا، وبحبك زي ما كنت بحبك دايمًا… زي بنتي… ويمكن أكتر.
(لحظة صمت، وشيرين تنظر إليه، عيناها تلمعان، وشفتاها ترتجفان قليلًا وكأنها تحاول الكلام لكن جسدها يخونها كعادته)
عادل (يربت على يدها):
أنا وعدتك زمان… لما سليم خدك من الشارع، لما دخلتي علينا بنت صغيرة، خايفة… مضروبة… وحيدة…
قلتلك يومها: "انسي العالم، إنتِ من النهاردة بنتي."
ولحد دلوقتي… الوعد ده لسه قائم، مهما حصل.
(يخفض صوته أكثر، نظراته مشبعة بالندم):
سامحيني…
سامحيني لأني ما كنتش قوي كفاية…
سامحيني لأني ما حميتِش سليم ولا عرفنا نحميك…
وسامحيني لأني شاكك إن اللي حصل فيكم... مش كان مجرد صدفة.
أنا حاسس إن في يد ورا اللي حصل… يد قذرة… شريرة… وأنا هلاقيها، وهحاسبها… حتى لو كانت من دمك.
(تغلق شيرين عينيها بقوة، دموعها تنهمر بصمت… أما عادل، فقبل جبينها بحنان، ثم نهض ببطء)
عادل (وهو ينظر لها قبل أن يخرج):
ارتاحي يا بنتي… دلوقتي مش لوحدك.
رجعتي لبيتك… ولقلبي…
وأنا هافضل جنبك… لحد ما نعرف الحقيقة، وتاخدي حقك… وحق سليم.
(يخرج من الغرفة، تاركًا خلفه صمتًا ثقيلاً… وشيرين تهمس بدمعها، بلا صوت، فقط بكاء القلب الذي لا يُسمع)
**********************
في فيلا عائلة العطار – غرفة إياد – ليل هادئ
الجو ساكن، نسمات الليل تدخل من الشباك المفتوح، وإياد يجلس على طرف سريره، بين يديه دفتر جلدي قديم وجدتْه يعلوه الغبار في غرفة قديمة مغلقة… غرفة عمة لم يعرفها يومًا، ولم تُذكر أمامه إلا كأنها لم تكن.
يفتح الصفحة الأولى، يُطالعها بعينين تلمعان بدهشة…
"شيرين محمود العطار – 14 سنة – دفتر أسراري"
إياد (يهمس بدهشة):
شيرين…
إنتِ كنتي فين كل حياتي؟ ليه عمري ما سمعت اسمك؟
(يبدأ في القراءة بصوت داخلي، كأن كلمات شيرين تنبعث من الورق وتحاكيه)
صوت شيرين (من المذكرات):
اليوم كان عيد ميلادي… أنا ومازن أتممنا 14 سنة. بابا جاب لي دبدوب كبير، ومازن جاب لي كتاب رسم… و مهاب جابلي علبة شوكولا كبيرة اوي و ابيه ادهم جابلي عروسة كبيرة ياه بحب اخواتي اوي، وبحب ألواني، نفسي يوم أرسم عيلتي كلها وأعلقهم على جدران أوضتي.
إياد (بابتسامة حزينة):
كان حلمك بسيط…
وكان قلبك مليان نور.
(ينتقل إلى صفحة أخرى، تنزل دمعة بصمت من عينه)
صوت شيرين:
أنا بحب بابا وماما… حتى لما يزعقوا… بحب لما مهاب يقولي “يا شوشو” بصوت عالي وهو بيرجع من الشغل… يمكن ييجي يوم أكتب عن كل الحاجات اللي بحبها، قبل ما أنسى.
إياد (بابتسامة مرتجفة):
يا شوشو…
إزاي محدش قالّي إن ليّا عمة كانت بتحب الحياة كده؟
(ينقلب إلى صفحة فيها رسم بسيط… شيرين ومازن في عيد ميلادهما… وتحتها تعليق طفولي):
"أنا ومازن… دايمًا سوا، حتى لو زعلنا، بنرجع نضحك تاني."
إياد (يهمس):
ومازن… سابك وقت ما كنتي محتاجة له أكتر من أي حد…
وأنا؟
أنا هشيل ذنبهم كلهم…
(ينهض، يقف أمام المرآة، يمسك الدفتر بقوة كأنه يحمل قلبها)
إياد (بصوت مبحوح):
لو كانوا نسوك…
أنا مش هنسى.
ولو دفنوا اسمك…
أنا هكتبه من جديد،
وهعرفك على العالم، مش كـ"فضيحة" زي ما ظنوك…
لكن كقلب كان يستحق كل الحب
*********************
مشفى النور الخاصة – الطابق الرابع – قسم جراحة الأعصاب
الجو هادئ، صوت خطوات الأطباء والممرضين يملأ المكان، وعبق المطهرات يملأ الأنوف رغم تأخر الوقت
مازن العطار، في أواخر الثلاثينات، ببزته البيضاء، واقف خلف الزجاج المطل على غرفة العمليات رقم 3، ويداه معقودتان خلف ظهره. عيناه، المتعبتان دوماً، تتابع الدكتور الشاب أدهم سليم الشرقاوي، وهو يشرح بابتسامة خجولة خطة الجراحة لأحد المرضى المسنين.
الممرضة:
دكتور مازن؟ تحب أدخل حضرتك؟
مازن (بدون أن ينظر لها، بصوت منخفض):
لأ… خليه يكمل.
(مازن يتأمل أدهم وهو يضحك برقة مع المريض ثم يربت على كتفه مطمئنًا، ملامحه طيبة ونظراته فيها حنان نادر في هذا المجال القاسي)
مازن (يهمس لنفسه):
الولد ده… في حاجة في ضحكته…
(يتنهّد)
نفس الطريقة اللي كانت شيرين تبتسم بيها…
لما كانت تضحك، الدنيا كلها كانت تضحك معاها…
(عيناه تتسعان للحظة، يتابع ملامح وجه أدهم أكثر… العينين، حركة اليد، الخجل اللطيف في صوته… يشبه شيرين لدرجة لا تُحتمل)
مازن (بهمس داخلي):
بس مش ممكن… مستحيل…
شيرين… راحت… واختفت من حياتنا من 25 سنة.
مفيش حاجة بتربطني بالولد ده…
(ولكن رغم منطقه، قلبه يرتجف، كأن الزمن عاد به إلى اليوم الذي وقف فيه أمام توأمته وهي تبكي، تُطرد، ولم يدافع عنها)
مازن (بصوت خافت يكاد لا يُسمع):
سامحيني يا شيرين…
ينظر نحو الغرفة، و يجد ادهم ينحني للمريض، ثم يدير وجهه فيقع بصره على مازن خلف الزجاج. يبتسم له أدهم، ابتسامة صادقة نقية لا تصطنع شيئاً.)
مازن (يهمس):
الابتسامة دي…
كأنها منها… كأنك أنت…
(ثم يهز رأسه ليطرد الفكرة، يدس يديه في جيب معطفه، ويدير ظهره ليرحل، لكن نظرته الأخيرة لأدهم لا تخلو من الارتباك العاطفي والحنين العميق)
الفصل الثاني عشر12
بعد عدة أيام ، مطار القاهرة الدولي – بوابة الوصول – الساعة 10 صباحاً
زحام، صوت نداءات الطائرات، عربات الحقائب، أسر تلمّ شتاتها… وسط الزحام، يدخل زين ممدوح العطار، 28 سنة، أنيق ببذلة سوداء فاخرة ونظارة شمسية، يسير بخطوات واثقة كأنه مالك المطار كله.
زين (يرفع نظارته قليلاً وهو ينظر للموظف عند الجمارك):
أهم شي، ما حد يلمس لي الشنطة الجلد… دي ماركة محدش في البلد دي يحلم يشتريها.
الموظف (بملل):
تمام يا باشا، بس لازم نمرّها على الجهاز.
زين (بتنهيدة متعجرفة):
طبعًا، كأن في أمريكا بيوقفوني كده. بس معلش، لازم أرجع أتعوّد على أساليب العالم الثالث.
(يمر من البوابة، ويتوقف لحظة ويخرج هاتفه الآيفون الأحدث، يتحدث بالإنجليزية)
زين (بصوت مرتفع متعمّد):
Yeah, just landed in Cairo. Place is as chaotic as ever. Honestly, I already miss Manhattan...
(ثم يضحك بتصنع)
I’ll survive. Barely.
(يُنهي المكالمة، يلتفت ليجد شاباً ينظر إليه باستغراب، فينظر له زين من أعلى إلى أسفل)
زين (بابتسامة ساخرة):
عجبتك البدلة؟ ولا شكلي مش لايق على مطاركم؟
(ثم يمشي بثقة، يقف أمام مرآة في العمود ويمشط شعره بأصابعه)
زين (بهمس):
رجعت يا مصر…
وزين ما بيرجع عشان يزورها… بيرجع عشان يملكها.
(ثم يخرج هاتفه ويتصل)
زين:
إياد… حبيبي!
فينك؟ أنا وصلت، بس لو هتخليني أستنى كتير، هطلب ليموزين من المطار، مش ناقصني تعب من أولها.
(ينظر حوله بازدراء بسيط)
قول لمحمود الكبير… حفيد اخوه رجع، وهيقلب الدنيا فوق تحت
**********************
في فيلا العطار – حي راقٍ في القاهرة – بعد العصر بقليل
السيارة السوداء تقف أمام البوابة الحديدية. السائق يفتح الباب وينزل زين ببطء، بنظارته الشمسية وستايله الأميركي، يرمق الفيلا القديمة بنظرة تقييم.
زين (يغمغم لنفسه):
أوه… الريحة دي! تراب… وذكريات ماعرفهاش.
(تُفتح البوابة ويخرج الجد محمود بنفسه، وراءه الجدة مها، ثم أبناؤه: أدهم، مهاب، مازن – الذي يقف بعيداً – وزوجتا أدهم ومهاب، علا وأحمد، ثم إياد.)
الجد محمود (بابتسامة دافئة):
أهلاً… أهلاً وسهلاً بحفيد أخويا. نورت البيت يا زين!
زين (يخلع نظارته بتأنٍ ويطالعهم بابتسامة خفيفة):
الشرف لي يا جدو… دايمًا كنت أسمع عن حضرتك من والدي، بس اللقاء غير الحكي.
الجدة مها (تقترب منه وتربت على كتفه بحنان):
كبرت يا زين! آخر مرة شفناك كان عندك عشر سنين. بسم الله ما شاء الله، طالع زياد نسخة تانية!
زين (ينظر حوله):
أكيد البيت كبير، بس مفيش GPS جوة، هضيع لوحدي.
(الكل يضحك بخفة. أدهم يقترب منه ويصافحه بحرارة.)
أدهم:
أنا ابن عم ابوك… أدهم. أبو علا وأحمد.
زين (ينظر له من أعلى إلى أسفل ثم يبتسم باحتراف):
أدهم… آه سمعت عنك. مدير مشاريع صح؟ Nice.
(ثم يلتفت)
وده أكيد مهاب؟ أنت والد إياد، صح؟
مهاب (بهدوء):
بالضبط، ودي سلوى مراتي… نورتنا يا زين.
زين (ينظر لسلوى):
نورتوني أنتوا… والبيت محتاج بس شوية لمسات أمريكية ويبقى five stars!
(يضحك إياد بخفة ويقترب منه.)
إياد:
وأنا إياد… ابن عمك مهاب، تقريبًا أنا اللي كنت على اتصال معك بخصوص مجيئك.
زين (يصافحه بقوة):
وأخيراً شفتك! كنت فاكر صورتك على الواتساب فوتوشوب، بس أنت طالع فعلاً مصري وسيم.
(يضحكون جميعًا. ثم تلتفت الأنظار إلى مازن، الذي يقف خلفهم بصمت، مكتف اليدين.)
الجد محمود:
مازن… تعال سلّم على زين
(يتردد مازن قليلاً، ثم يقترب بخطى هادئة، ينظر لزين بتمعن.)
مازن (ببرود خفيف):
أهلاً وسهلاً… رجعت لمصر؟
زين (بثقة وابتسامة مغرورة):
رجعت أزور… ولو ارتحت، يمكن أشتري البلد.
(صمت لحظة، ثم ينظر للفيلا)
زين:
بس حقيقي… البيت عنده طابع كلاسيكي. ممكن نعمل فيه جلسات تصوير لبراند أزياء.
(ثم يلتفت بابتسامة)
طبعاً بعد ما نشرب الشاي المصري التقليدي.
الجدة مها (بضحك):
عندنا شاي بالنعناع يرد الروح. تعالوا يا ولاد، ندخل جوه، خليه يحس إنه بين أهله.
(الجميع يدخل، بينما مازن يظل واقفاً قليلاً ثم يتبعهم بصمت، ونظرة طويلة يلقيها زين على مازن قبل أن يدخل.)
*********************
الجد محمود (يرتشف من كوب الشاي، ثم يبتسم):
طمني يا زين… عامل إيه جدك ممدوح؟ له وحشة كبيرة، من أيام ما هاجر لأمريكا وما رجعش.
زين (بهدوء وابتسامة فيها لمسة فخر):
جدي ممدوح بخير الحمد لله… لسه محافظ على نظامه الصارم، وبيحب كل حاجة تكون مرتبة وبدقة.
الجد محمود (يضحك بخفة):
كان عنيد وأنا كمان… بس كنا بنحب بعض رغم الخناق!
الجدة مها:
وسلامته ابوك ، زياد؟ عامل إيه؟
زين (يعدل جلسته):
بابا؟ الحمد لله، شغال في شركة أدوية كبيرة هناك، وعنده لسه حلمه القديم يفتح فرع في الشرق الأوسط. ماما كمان بتسلم عليكم كتير… قالتلي: "ما تنساش تبوس إيد تيتا مها".
الجدة مها (بتأثر):
الله يسعدها يا رب… دا حلا كانت بنت مؤدبة جدًا. فاكرة فرحها كأنه امبارح.
مهاب (بلطف):
إنت ناوي تقعد فترة طويلة في مصر، ولا زيارة سريعة وترجع تاني؟
زين (يبتسم بنصف ثقة):
الصراحة… ما قررتش. بس يمكن أقدّم على تدريب في مستشفى خاص هنا، أو أفتح مشروع صغير… بابا شايف السوق العربي فيه فرص.
(ينظر لمازن دون قصد واضح)
بس محتاج أعرف الناس هنا الأول… وطبيعة المكان.
مازن (يرد بهدوء وهو ينظر إليه باهتمام):
تعرفهم… بس من غير أحكام مسبقة.
زين (يرفع حاجبه باهتمام):
أنا ما بحكمش… أنا بس بلاحظ.
(صمت لحظة. ثم تقاطعه علا بابتسامة):
وإيه أكتر حاجة مفتقدها من مصر؟
زين (ينظر لها بابتسامة شبه مغرورة):
بصراحة؟... ولا حاجة لسه. بس يمكن أكتشف قريب.
أحمد (يضحك):
واضح إنك مش سهل يا زين.
زين (ينظر له بثقة):
ولا بسيط كمان.
الجد محمود (يتدخل مازحًا):
طب نِفطر بكرة سوا ونوريك مصر على أصولها… مش بس مولات وكافيهات.
زين (ينهض بنشاط):
تمام… بس بشرط، تكونوا قد كرم الضيافة. أنا متعوّد على ستاندرد عالي.
الجدة مها (بحنان):
هتلاقينا نرفع لك السقف كمان يا حبيبي.
(تعلو الضحكات، بينما مازن ينظر إلى زين مطولًا دون أن يعلّق، كأنه يشعر بشيء غامض لا يستطيع تحديده.)
*********************
(بعد أن ينتهي الجميع من الترحيب بزين وجلوسه، يستقبل إياد اتصالاً على هاتفه المحمول، يقطع حديث الضحك.)
إياد (يرد بهدوء):
ألو… آه، تارا…
(يصمت قليلاً وهو يستمع، ثم يهز رأسه بخفة)
حاضر، هحل الموضوع وأكلمك… باي.
(ينهي الاتصال، ويلتفت للجميع بابتسامة بسيطة)
كانت تارا، في مشكلة صغيرة في العرض الأخير.
زين (يرفع حاجبه باهتمام، وعيناه تلمعان بفضول):
تارا؟
الاسم مألوف… كنت بدرس لطالبة بنفس الاسم في أمريكا. جميلة، ذكية… ومتمردة جدًا.
ادهم (يبتسم بخبث):
متمردة؟ يبقى فعلاً بتتكلم عن تارا بتاعتنا.
أحمد (مازحًا):
عارضة الأزياء الأولى في شركة العائلة! بس عندها دماغ أكبر من منصة عرض.
زين (نظراته تتيقظ):
عارضة أزياء؟ هنا في شركتكم؟
إياد:
آه، من حوالي سنة. انضمت كجزء من حملة جديدة للشركة، وأثبتت وجودها بسرعة.
زين (يتكئ إلى الوراء، وابتسامة خفيفة على شفتيه):
غريب… كانت شبه مختفية أيام الدراسة، ما كانتش اجتماعية أبدًا. بس دايمًا عندها نظرة… فيها حقد غريب.
(يسود صمت للحظة، وكأن الجميع شعروا بشيء غير مريح في كلام زين، لكنهم لا يدركون ما هو بالضبط.)
مازن (ينظر إليه ببرود معتاد، لكنه يحدق في زين مطولًا):
أحيانًا الناس بتتغير… أو بتغير شكلها بس مش حقيقتها.
زين (ينظر إلى مازن ويميل رأسه باهتمام):
وأحيانًا الحقيقة بتكون أذكى من إنها تظهر من أول نظرة، مش كده يا دكتور مازن؟
(ينظر الجميع لمازن الذي يصمت، وملامحه تتجمد، وكأنه غاص في ذكرى ما، لكنه لا يرد، فينقل زين بصره إلى إياد.)
زين:
هتشرفونا بعرض قريب؟ ولا لازم أطلب دعوة خاصة من "الآنسة تارا" شخصيًا؟
إياد (يضحك):
الدعوة جاهزة، ولو عرفنا إنك عارفها من زمان، هنبعت لها تبلغك بنفسها.
زين (نصف ضحكة):
أنا بحب المفاجآت… خصوصًا لما بتيجي من الماضي
*********************
في تاني يوم، في أوضة شيرين اللي فوق في فيلا الشرقاوي، كانت قاعدة على كرسيها المتحرّك، عنيها الزجاج مش سايبة حركة ثريا اللي دخلت من غير ما تخبط، شايلة فنجان قهوتها الغالية، وعلى وشها ضحكة كلها سُخرية.
ثريا (وهي بتقرب من شيرين بخطوات بطيئة):
– صباح الخير... ولا يمكن المفروض أقول صباح السكوت؟ (تضحك بسخرية)
شيرين بصتلها، من غير حيلة ولا قوة، عنيها مليانة حزن ساكن جواها من سنين.
ثريا (بتبص حواليها في الأوضة):
– لسه بيعاملوكي كإنك ملكة مع إنك... (بتوطي صوتها وببُص باشمئزاز) مومياء!
– يا شيرين، هتفضلي لحد إمتى كده؟ ولا بلاش أقولها بصراحة... هتفضلي عبء علينا لحد إمتى؟
شيرين رمشت بعنيها بسرعة، كأنها بتحاول ترد، بس جسمها مش بيساعدها.
ثريا (قعدت على الكرسي اللي قدامها، ورفعت رجل على التانية):
– أنا عارفة كويس إنتي ناوية على إيه...
جبتي ابنك وبنتك عشان تتسللوا جوّه العيلة، بتعملي فيها ضعيفة، بس الحقيقة؟ إنتي دُيب في جلد ضحية.
– أدهم؟ الشاب المؤدب ده؟
تارا؟ الموديل اللي شكلها ملاك؟
فاكرة إني عبيطة؟ إنتوا جايين تلطشوا في فلوس الشرقاوي، مش كده؟
شيرين بتتنفس ببطء، ودمعة نزلت على خدها في صمت.
ثريا (ابتسمت بخبث وهي بتقوم):
– دموع التماسيح دي مش بتمشي عليا، ومتنسيش، أنا مرات عمهم... ومش هسيبك تضحكي عليهم زي ما ضحكتي على سليم زمان.
يمكن همّا صدقوا حكاية "المسكينة" اللي أهلها رموها، بس أنا؟ لأ.
شيرين حاولت تحرك إيدها الشمال، كأنها عايزة تقول حاجة، بس صوتها مش طالع... بس عنيها كانت بتصرخ.
ثريا (فتحت الباب ووقفت قبل ما تخرج):
– اتبسطي في سكوتك... طول ما إنتي مش قادرة تدافعي عن نفسك، هاقول اللي على مزاجي.
ولو قررتي تسيبي الفيلا؟ أنا أول واحدة هافتحلك الباب... برجلي
ثريا كانت هتكمل سُخريتها، لولا الباب اتفتح فجأة بعنف، والجدران كلها اتهزّت من قوة الدفع.
دخل إياد، ووشه مولّع غضب، عنيه بتلمع زي شرارة نار، وصوته طالع زي هدير الزلزال.
إياد (بصوت عالي زي الرعد):
– ثريا!!!
(نظره بيروح ما بينها وبين شيرين اللي قاعدة مشلولة، بتحاول تمنع دموعها تنزل)
ثريا (بتاخد خطوة لورا، ومتلخبطة):
– إياد... أنا بس...
إياد (بيقطع كلامها بحدة):
– بس إيه؟!
جايبة نفسك على ست مش قادرة تتحرك؟!
قاعدة تشتمي وتذلي فيها وهي مش قادرة تدافع عن نفسها؟!
ده اللي قدرتي عليه؟! على شيرين؟!
ثريا (بصوت واطي وهي بتحاول تبرر):
– إياد، دي بتلعب على عطف العيلة... وجابت ولادها عشان...
اياد (بيصرخ، مقاطعها):
– كفــــــايــــــــة!!!
شيرين دي مش "دي"! دي مرات أخويا سليم!
سليم اللي كان أكتر من أخ ليا!
شيرين اللي شالت فوق طاقتها بكتير...
دي لما كانت صغيرة، الدنيا كلها كانت ضدها، إلا سليم... وإحنا!
وإنتِ دلوقتي جاية تهينيها؟ جوا بيتها؟!
ثريا (بتحاول تتمالك نفسها):
– بس يا إياد، أنا شايفة...
إياد (بيتقدّم منها، ووشه كله غضب):
– لأ، إنتِ مش "شايفة"...
إنتِ "تسمعي"!
شيرين لو فتحت بقها وقالت اللي في قلبها، يولّع الدنيا نار...
بس ربنا شايف... وأنا كمان شايف،
وكل مرة هتفتحي بقك عليها، هتلاقيني قدامك!
(بيبص لشيرين، وصوته يهدى، وعنيه فيها لمعة حزن):
– حقك عليّا يا شيرين...
سامحيني إني اتأخرت،
بس من النهاردة، مافيش حد هيلمّس كرامتك...
ولا يقربلك.
إياد (يبص لثريا بنظرة كلها قسوة):
– وانتي...
اخرجي من هنا...
قبل ما أنسى إنك مراتي.
ثريا بصّتله بدهشة، عايزة ترد، بس الغضب اللي في صوته خلّاها تتشل في مكانها،
وبعدين خرجت من الأوضة وهي مليانة غيظ ومهانة.
إياد مشي ناحيت شيرين، وركع على ركبة واحدة قدّام كرسيها المتحرّك،
مسك إيدها بلُطف، وعنيه ابتلّوا من غير ما ينطق.
إياد (بصوت واطي ومكسور):
– سامحيني يا شيرين... سامحيني
**********************
ليل متأخر، في شقة فخمة في نيويورك. النور خافت، وسارة ماسكة كاس نبيذ بإيدها، لابسة فستان أسود شيك وقاعدة على الكنبة، ووشها مكشر، باين عليه الغضب والغيرة.
ديفيد، راجل أنيق بعينين كلها مكر، قاعد قدامها بيبص عليها وهو بيضحك بسخرية.
سارة (وهي بتتكلم بصوت مخنوق وبترفع كاسها):
– تارا الشرقاوي… المتكبرة دي.
والله العظيم مجرد ما بشوفها بحس إني عايزة أرجع!
ماشية عاملة فيها ملكة وكأننا كلنا تراب تحت رجليها!
ديفيد (بهداوة، وهو بيقرّب بجسمه لقدام):
– بس إنتي بتتكلمي عنها كتير أوي يا سارة...
هو إنتي غيرانة منها؟ ولا من إن كل مرة هي اللي بتكسبك؟
سارة (بحدّة وهي بتبصله):
– أنا؟ أغير منها؟
بلاش تفاهة يا ديفيد!
هي بس... دايمًا محظوظة، دايمًا بتاخد اللي هي عايزاه،
الناس بتجري وراها كأنها أميرة في فيلم!
وأنا؟!
أنا الأذكى، والأحلى، والمفروض أكون أنا اللي فوق! بس محدش شايف!
ديفيد (يضحك بخبث وهو بياخد رشفة من كاسه):
– شكلك كده واخدة الموضوع على صدرك جامد...
بس اسمعيني، تارا مش هتفضل فوق على طول.
حتى الملوك ليهم وقت وبيقعوا...
خصوصًا لما اللي بيكرهم يعرف إمتى وفين يضرب.
سارة (بفضول وهي بتبصله):
– وبتقترح إيه يا ديفيد؟
أنا مستعدة أعمل أي حاجة... بس أشوفها مكسورة، بتعيط، بتتوسّل!
ديفيد (عنيه بتديق بدهاء):
– أول حاجة، لازم نعرف كل أسرارها...
أسرار عيلتها...
أكيد ورا الضحكة الباردة دي حاجة سودة.
وأراهن إن أبوها مش بالبراءة اللي الناس فاكرينها...
وأمها اللي مشلولة؟ ممكن نلعب على الحتة دي...
سارة (تضحك بخفة، وصوتها كله سم):
– على فكرة، بابا فاكر إن جوازه من شيرين هيفتح له باب الشهرة والفلوس،
بس أدهم، الأهبل ده، خدها وسافر بيها مصر!
وتارا كمان... كأنهم بيهربوا بحاجة...
ديفيد (بيهز راسه):
– أو بيخبّوا حاجة...
اسمعيني كويس يا سارة،
لو عايزين نوقّع تارا، لازم نعرف الأول إيه اللي مخبياه.
سيبيها عليا، وأنا هفتحلك باب لماضيها…
ماضي ممكن تارا تدفع حياتها تمنه.
سارة (بتبتسم بخبث):
– اعملها يا ديفيد…
خلّيها تركع، وأنا هخليك تملك نص الجحيم اللي أنا محضراه ليها.
ديفيد (يقوم، ويبوس إيدها بخفة):
– أنا ما بحبش الجحيم...
بس لو تارا فيه، أبقى أنا الشيطان اللي هيولّع النار
سارة (تضحك بتهكم وهي تستند إلى الأريكة):
– بالمناسبة، أتدري من أكثر شخص أشفق عليه؟
جاكلين... تلك الغبية الرخيصة التي كلفها أبي بمهمة "إغواء" أدهم الشرقاوي!
ديفيد (يرفع حاجبه باهتمام):
– جاكلين؟ تلك الممثلة الفاشلة؟
أعتقد أني رأيتها مرة... كثيرة التبرج وقليلة الذكاء.
سارة (تضحك ضحكة ساخرة):
– بالضبط!
كان أبي مقتنعًا أنها ستسيطر على قلب أدهم، ذلك الطيب الساذج،
تخيل! كان يعتقد أن فتاة مثل جاكلين قادرة على سرقة قلب ابن سليم الشرقاوي!
ديفيد (يضحك بخبث):
– وهل نجحت؟
سارة (تلوّح بيدها بسخرية):
– لمدة أسبوعين ربما...
أدهم أعطاها وردة... اصطحبها إلى مطعم...
كاد أن يصدق أنها "تحبه"...
لكن ما إن سافر إلى مصر مع مومياء والدته وتلك المتعجرفة تارا، حتى اختفى!
لا رسالة... لا اتصال... لا حتى نظرة وداع!
ديفيد (يبتسم وهو يميل نحوها):
– يبدو أن الغبية جاكلين تلقت صفعة العمر.
سارة (بخبث):
– وتستحقها.
كل من يحاول التقرب من عائلة الشرقاوي يفشل...
تلك العائلة محصّنة، وكأن الحظ يركع عند أقدامهم.
ديفيد (بعينين تلمعان مكرًا):
– أو لعلهم يخفون شيئًا… شيئًا يجعل الجميع يهابهم.
لكن صدقيني يا سارة، الحصون تُهدم من الداخل…
وربما جاكلين ما زالت تملك شيئًا نحتاجه.
سارة (تتوقف لحظة بتفكير، ثم تهمس):
– جاكلين؟
فكرة… قد نعيدها للمسرح مجددًا…
لكن هذه المرة، لن تكون أداتهم… بل أداة لنا.
ديفيد (بصوت خافت):
– تمامًا ما كنت أفكر به
***********************
[ليل – على شط البحر – السما ملبدة بالسحاب، والأمواج بتخبط بعنف كأنها بتعكس اللي جوا كريم]
كريم قاعد على صخرة بتطل عالبحر، عيونه حمرا من كتر البكا، وزجاجة فاضية مرمية جنبه، وإيده بترتعش من البرد… أو يمكن من الخوف، من الندم، من الحيرة.
كريم (بيهمس لنفسه، وصوته مكسور):
– أنا عملت في نفسي إيه؟ وهما عملوا فيا إيه؟
(يبص للبحر)
ليه أنا؟ إيه ذنبي أكون حفيد ست قاتلة؟ ابن مجرم؟
إيه ذنبي أعيش طول عمري منبوذ؟
ليه يا رب خلّيتني أعيش في البيت ده؟
ماكنتش عايز غير كلمة "يا ابني"... حضن... نظرة حنية، بس كده.
[ياخد نفس عميق من الهوا المالح، ويغمض عينه، كأنه بيحاول يسمع صوت جواه]
كريم (بمرارة):
– كنت دايمًا لابس وش القسوة...
بس جوايا؟
أنا طفل عنده سبع سنين لسه مستني يسمع أمه تقول له: "بحبك"، وأبوه يقول له: "أنا فخور بيك".
بس ما سمعتهاش… ومش هسمعها.
[يضرب الأرض بإيده بغضب، وبعدين يبص للسما]
كريم (بصوت مخنوق):
– حتى لما قلتلهم إني هفضحهم...
كنت بتمنى بس حد فيهم يوقفني...
حد يمسكني من إيدي ويقول لي: "ما تعملش كده، إحنا آسفين..."
بس لأ... كأنهم مبسوطين يشوفوني بفرقع... كأنهم مستنيين نهايتي.
[يبص للبحر تاني، كأنه بيكلمه]
كريم:
– البحر... إنت الوحيد اللي بيسمعني...
كل الناس خايفة من الحقيقة...
بس أنا تعبت، عايز حد يفهمني، عايز حضن مش حكم.
أنا ماكنتش وحش...
أنا كنت لوحدي.
[يطلع من جيبه سلسلة قديمة، فيها صورة باهتة ليه وهو صغير مع جدته من ناحية أمه، يبصلها بحزن]
كريم (بهمس):
– كانت دايمًا تقول لي جدتي من ناحية أمي: "إنت شبه الملاك"...
إنتي فين دلوقتي يا ستي؟
يمكن لو كنت عندك، كنت بقيت بني آدم بجد...
[دموعه تنزل من غير صوت... بس البحر هو اللي بيشاركه حزنه]
كريم (بيبص في الفراغ):
– لازم أقرر...
أكمل كده، تايه... مكسور...
ولا أواجه، حتى لو لوحدي...
أنا تعبت... تعبت.
[يقوم بصعوبة، يمسح دموعه، يقف قدام البحر، صوته هادي بس مليان وجع]
كريم:
– بكرة... هاروح لمحمود...
ولو مُتّ في السكة، على الأقل هموت وأنا واقف... مش مكسور
(طريق ضيق قريب من البحر – بعد نص الليل – نور خفيف – صوت البحر لسه مسموع في الخلفية)
كريم ماشي بخطوات تقيلة، راسه لتحت، وصوته الداخلي بيصرخ، بس ملامحه ثابتة كأنها حجر.
صوت بنت بيطلع من زقاق جانبي:
– "بليز سيبوني أمشي! قلت لأ!"
أصوات ضحك شباب مستفزة:
– "فاكرة نفسك إيه؟ متلعبيلناش دور الشريفة!"
– "تعالي نلعب شوية، وبعدين روحي برحتك!"
كريم بيقف، رافع راسه فجأة، عنيه بتتفتح على الآخر… يتحرك بسرعة، يجري ناحية الصوت.
(المشهد: تلات شباب بيتحرشوا ببنت خايفة، محشورة بين حيطين، بتحاول تهرب بس واحد منهم ماسك شنطتها)
كريم (بصوت عالي، جامد):
– "سيبوا البنت حالًا، قبل ما تندموا!"
الشاب الأول (بيضحك):
– "وإنت مين يعني؟ سوبرمان؟ خليك في حالك يا نجم، مالكش دعوة..."
وقبل ما يكمل، كريم يضربه بوكس جامد في وشه، يقع في الأرض!
كريم (عنينه نار):
– "قلت سيبوها!"
(يهجم على التاني، يضربه في بطنه، التالت يهرب فورًا)
رونق واقفة مصدومة، جسمها بيرتجف، عينيها مليانة دموع، بتعدل طرحتها وبتحاول تاخد نفسها.
كريم (بيبص لها وبيمد إيده):
– "إنتي كويسة؟"
رونق (بصوت بيرتعش):
– "آه... شكرًا... كنت حاسة إنهم هيقتلوني..."
كريم (بيحاول يبين قوي، بس صوته حنين):
– "ولا كانوا هيقربوا منك حتى... إنتي دلوقتي في أمان."
(لحظة سكون، هي بتبص له بشكر حقيقي، وهو بيبصلها بنظرة مختلفة... كأنها أول مرة من سنين حد يبص له من غير كره)
رونق (بصوت واطي):
– "أنا اسمي رونق... شكرًا ليك... إنت أنقذتني."
كريم (بيبص بعيد وهمس):
– "أنا مش بطل... بس ما قدرتش أشوف الظلم وأسكت."
رونق (بتبتسم بخجل):
– "لو كل الناس زيك، كانت الدنيا لسه بخير."
(يمشوا سوا نحية الطريق العام، خطواتهم بطيئة، بس جوا كريم... نور صغير ابتدا يولع من جديد)
******************
(سطح مبنى عالي بيطل على البحر – الهوا شديد – الليل هادي بس فيه أسرار كتير)
راجل واقف على الحافة، لابس بالطو غامق، ملامحه مش باينة – قدامه منظار ليلي، بيراقب بيه كريم اللي قاعد مع رونق على الرصيف، بيتكلموا بهدوء
صوت الراجل – كلام داخلي بصوت واطي ورايق:
"كريم... حفيد اللي زَرَع الخراب... وابن اللي ما عرفش الحنية."
"أنا كنت بتابعك من وإنت عيل صغير، بتبلع دمعتك وتهرب في الضلمة... زيي بالظبط."
"أنا عارف قلبك... عارف وجعك... وعارف النظرة اللي بتقول: 'أنا ما استاهلش حد يحبني'."
(بيبص للسماء، كأنه بيكلم ربنا أو القدر)
"بس هو يستاهل... وأكتر كمان... لأنه ما بقىش شيطان، رغم إن كل حاجة كانت ممكن تحوّله."
"سعاد... يا اللي كنتي زَي العاصفة، دمّرتي كل حاجة، هتدفعى التمن. بس... مش من إيدي بس."
(يبص تاني من المنظار، ويبتسم ابتسامة خفيفة)
"كريم... إنت حتة النور اللي ما طفيتش خالص... إنت السلاح اللي هيقلب الموازين، حتى لو ما كنتش واخد بالك."
"كمل يا فتى... قاومهم، قاوم نفسك... وقوم."
"أنا وراك، همهّد لك الطريق من غير ما تشوفني... لحد ما ييجي وقتنا."
(ياخد نفس عميق، يقفل المنظار، ويمشي بعيد بخطوات ثابتة في عتمة الليل...)
***********************
في فيلا عائلة الشرقاوي – قاعة الطعام – طاولة فخمة طويلة – الشموع مشتعلة، الطعام مرتب بعناية – الجو دافئ لكنه مشحون
الحاضرون: الجد عادل، الجدة صفاء، زين ومنار وابنهما ياسر، إياد وثريا وابنهما تميم، تارا، أدهم، وشيرين على كرسيها المتحرك تجلس بجوارها الممرضة الجديدة
الجدة صفاء (بابتسامة دافئة):
– الحمد لله إنكم قررتوا ترجعوا مصر يا أدهم... البيت كان ناقصكم.
الجد عادل (ينظر إلى شيرين بحنان):
– وأنتِ يا بنتي... شيرين، مهما طال البعد، مكانك دايمًا وسطنا.
أدهم (بصوت هادئ ومؤدب):
– شكراً يا جدي... ماما كانت دايمًا تحكي عنكم، وتقول إن أحن قلوب شافتها كانت هنا.
ياسر (مازحًا وهو يمد يده لتميم):
– بس خلينا نعترف، تميم وأنا كنا مشغولين بالتحريات... لازم نعرف نية العودة دي إيه بظبط!
ضحك خفيف على الطاولة – الجو كان دافئًا حتى الآن
ثريا (ترفع حاجبها بنظرة لاذعة، تتظاهر بالبراءة):
– بصراحة بقى، أنا عندي نظرية تانية... شيرين رجعت مش عشان “استقرار” ولا عشان تشوف عيلتها.
(تبتسم بسخرية، وتكمل بنبرة باردة)
– دي راجعة عشان تفتن بين الإخوة... يمكن عينها على زين، يمكن على إياد!
(صمت ثقيل يسقط على الطاولة فجأة – الجميع يحدق بها بذهول)
صفاء (بصوت مخنوق):
– ثريا!!! إنتي اتجننتي؟!
إياد (بغضب مكتوم):
– في عشا وفي ضيوف وفي أم مشلولة قاعده قدامك، انعدمت تربيتك ولا إيه؟!
زين (ينظر لها ببرود، ثم إلى منار):
– معلش يا منار، أنا ما عادتش فاهم إزاي مرات أخويا بتتكلم كده ومحدش رباها من أول يوم
تارا (تنهض فجأة، عيناها مشتعلة بالغضب، صوتها حاد كالسيف):
– كفاية!!!
(تتقدم بخطى واثقة نحو ثريا، نظرتها قاتلة)
– لما كانت أمي بتتعذب بالشارع، انتي كنتي بتشتري شنطة ماركة...
– لما كانت أمي بتتهان، كانت ساكتة، مشلولة عن الرد، بس أنا... مش مشلولة.
ثريا (تتراجع قليلًا، تحاول أن ترد بسخرية):
– البنت اتجننت!
تارا (تقترب أكثر، بنبرة منخفضة ولكنها تهز المكان):
– لا... أنا فقت.
– ومش هاسمحلك تلمسي كرامة أمي ولو بكلمة.
– وأقسم بالله، لو فتحتِ بقك مرة تانية بكلمة عنها...
(تقترب أكثر، تنحني نحوها وتهمس)
– هخليكي تتمني الشلل بنفسك.
(ثريا تصمت، مذهولة من التهديد الذي لم تتوقعه من "البنت الصغيرة")
الجد عادل (ينهض غاضبًا):
– كفاية!
– أنا اللي مربيكم، وعمري ما شفت وقاحة زي دي!
– شيرين بنتي قبل ما تكون مرات ابني، والي يزعلها يزعلني أنا شخصيًا.
الجدة صفاء (بدموع بعينيها):
– يا ريت سليم كان هنا وشاف بنته، كيف واقفة تحمي أمها زي الأسد.
أدهم (يمسك بيد والدته، ينظر إلى الجميع):
– أمي عمرها ما طلبت منكم شي... بس كرامتها فوق كل اعتبار.
ياسر (ينظر إلى تارا بإعجاب):
– واضح إن اللي بيفكر يقرب لأهل سليم لازم يفكر مرتين.
تميم (نفسه بصوت خافت):
– أو يخاف من تارا الشرقاوي
[إياد ينهض من مقعده فجأة، ينظر إلى الجميع بنظرة صارمة، ثم يوجه عينيه مباشرة نحو ثريا، بصوت هادئ لكنه حاد كحد السكين]
إياد:
– كفاية سكوت.
– بقالي سنين ساكت، وبتغاضى، لكن كل شيء وله حدود...
(ينظر إلى شيرين بحنان ثم يتحدث بصوت قوي)
– شيرين مش بس مرات أخويا… دي أختي، بنتي، عرضي… واللي يهينها ينهيني أنا.
ثريا (بانفعال، تنهض من مكانها):
– يعني إيه يا إياد؟! بتدافع عنها بالشكل ده؟! ما خلتلهاش أهل غيرك؟!
إياد (بثبات ونبرة صادمة):
– آه… يمكن ما خلتلهاش، وعلشان كده أنا قررت أكون أهلها بجد.
(ينظر إلى الجميع ثم يعلن بصوت مدوٍّ)
– أنا هتجوز شيرين.
[الصدمة تعم المكان… الجدة صفاء تفتح عينيها بذهول، الجد عادل ينهض متشنجًا، تميم وياسر يحدقان في بعض مذهولين، تارا تحدق في إياد كأنها لا تصدق]
صفاء (بصدمة):
– إياد! إنت بتقول إيه؟!
زين (واقف، صوته متردد):
– إنتَ واعي على اللي بتقوله؟!
إياد (بهدوء لكن بحسم):
– جدًا.
– أنا شايف إن شيرين تستحق راجل يحترمها، يوقف معاها، يحميها من أشكال ثريا.
– واللي زاد وغطى، إن ثريا نسيت نفسها تمامًا… وبقى لازم تتربى.
ثريا (بانفجار غاضب):
– تتجوزها؟! وهي مشلولة؟! وهي... وهي مرات أخوك؟! إنت اتجننت؟!
إياد (بهدوء قاتل):
– على الأقل هي مش وقحة... ومش حقودة... ومش بتاكل في لحم الناس اللي مالهاش غير ربها.
– وأيوه، هتجوزها...
– ومش بس كده...
(ينظر لها باحتقار)
– من اللحظة دي، لو عايزة تفضلي في البيت... هتبقي خدامة عند شيرين.
– تساعديها، تطبخي ليها، تلبسيها... وتتربّي شوية على إيد إنسانة أنضف منك مليون مرة.
[صمت مدوٍّ… ثريا مصدومة، الدموع تلمع في عينيها لكنها مليئة بالغضب، لا تقدر على الرد]
تارا (بهمس وهي تنظر لإياد بذهول وإعجاب):
– مستحيل…
ياسر (لنفسه، مبهور):
– ده عم إياد قلب الطاولة!
الجد عادل (بصوت قوي، حازم):
– لو ده قرارك يا إياد... أنا مش هعارضك.
(ينظر إلى ثريا باحتقار)
– إحنا اللي غلطنا لما قبلنا وقاحة زي دي تدخل بيت الشرقاوي.
الجدة صفاء (بدموع):
– يا ريت سليم شايفك دلوقتي... كان هيفتخر بيك.
أدهم (يمسك بيد والدته، يهمس):
– سامعاه يا ماما؟ في ناس لسه بتحبك بجد.
[شيرين تنظر إلى إياد والدموع تتساقط من عينيها بصمت، تعبير وجهها لا يوصف – مزيج من الصدمة والامتنان]
إياد (يتقدم نحوها، يجثو على ركبته، ينظر في عينيها):
– لو كنتي تقدري تقولي حاجة، عارف إنك هتوافقي... بس أنا هفضل جنبك مهما حصل...
– مش علشان شفقة، لأ…
– علشان انتي من أغلى الناس اللي دخلت حياتنا... وآن الأوان تاخدي مكانك اللي تستحقيه
تميم (بصوت هادئ لكنه واضح):
– بابا…
– قبل ما تقول أي حاجة تانية… اسمحلي أقول كلمة.
[الكل يلتفت إليه… تارا تنظر إليه باستغراب، وادهم يتابعه بنظرات فضولية]
تميم (ينظر لوالدته، ثم يشيح ببصره بحزن):
– ماما… طول عمري بحبك، وبحترمك، بس…
– اللي عملتيه النهاردة… عيب. كبير كمان.
– مدام شيرين مش بس مرات عمي الله يرحمه، هي أم لناس بحبهم زي إخواتي.
ثريا (بانفعال):
– تميم! إنت كمان ضدي؟! أنا أمك!
تميم (بنبرة جادة لأول مرة):
– أنا مش ضدك… أنا ضد تصرفاتك.
– وأنا ضابط مخابرات يا ماما… يعني عارف كويس قيمة الناس، والكرامة، والوفاء…
(ينظر إلى شيرين)
– الست دي شالت حاجات كتير، واتحملت فوق طاقتها…
– ولما رجعت، رجعت برقي… وبرأس مرفوعة، رغم إنها ما بتقدرش تتحرك أو تتكلم.
[ينتقل بنظره إلى والده إياد، بابتسامة فيها مزيج من الاحترام والحب]
تميم:
– وأنا فخور بيك يا بابا…
– لأنك وقفت مع الحق، ومع الطيبة… وواجهت الكره بالحُب.
– ولو فعلاً قررت تتجوزها… فأنا أول واحد هيكون شاهد على الجوازة دي، ومش بس كده…
(ينظر إلى شيرين بلطف)
– أنا هكون ابنها التاني… زي ما كنت دايمًا.
[الجد عادل يربت على كتف تميم بفخر، وصفاء تمسح دموعها، وياسر يصفق بخفة كأن الموقف أبهره]
ياسر (نص ساخر، نص جدي):
– والله يا ابن عمي طلعت أحن مننا كلنا… إنت مش بس ضابط، إنت فارس زمانك يا تميم!
[تارا تنظر إلى تميم بعيون دامعة، ثم تهمس]
تارا:
– شكراً يا تميم…
– فعلاً… أنتوا العيلة اللي كنا محتاجينها زمان.
[شيرين تحرك يدها بصعوبة نحو تميم، كأنها تحاول لمسه… تميم ينحني بسرعة، يقبل يدها بلطف، ويبتسم]
تميم (بهمس):
– أنا ابنك، وهنفضل نحميك… دايماً
ثريا (بصوت مرتفع مليء بالهستيريا والغضب):
– إنتو كلكم اتجننتوا؟!
– وحدة مشلولة داخلة علينا من آخر الدنيا، فجأة تبقوا كلكم عبيد عند رجليها؟!
– وِلا إيه؟ أنا اللي غلطانة لأني شايفة الحقيقة؟!
[تضرب الطاولة بكفها، والكؤوس ترتجف، وتارا تشد على يد شيرين بقلق، أما تميم فيطأطئ رأسه بخجل]
ثريا (توجه كلامها لإياد):
– تتجوزها؟! أنا مراتك! أم ابنك! وتيجي تقوللي هتخليني خادمتها؟!
– ده اسمه إذلال! ده اسمه جنون!
[إياد ينظر إليها بهدوء مرعب، يضع شوكته وسكينته على الطبق، يمسح فمه بمنديل، ويقف ببطء]
إياد (بنبرة حاسمة وباردة):
– أخيراً يا ثريا… بينتي وشّك الحقيقي.
– كرهك لشيرين مش جديد… لكن وقاحتك دي وصلت حدود ما ينفعش أعديها.
[يقترب منها خطوة بخطوة، وعيناه لا تتركانها]
إياد:
– شيرين جت هنا وهي في أضعف حالاتها…
– وانتِ ما لقيتيش غير إنك تطعنيها بكلامك وتقللي من قيمتها؟
– تعرفي يا ثريا… أنا فعلاً فكرت أتجوزها. بس مش علشان أغيظك.
– علشان أحميها… من أمثالك.
[ثريا تتراجع للخلف، ووجهها متشنج]
إياد (ينطقها كالقاضي):
– قدامك خيارين وبس:
– يا إما تلمي لسانك وتخدمي شيرين بنفسك…
– يا إما تلمّي شنطك وتطلعي من الفيلا دي… ومش هتشوفيها تاني طول حياتك.
[صمت تام… الجميع مشدوه. تميم ينهض سريعًا واقفًا بجانب والده، يحط يده على كتفه دعمًا، وياسر يصفر بدهشة وهو يهمس:]
ياسر:
– دي مش قنبلة… ده زلزال رسمي!
[الجد عادل يهمس لصفاء]:
– إياد رجع للهيبة اللي نعرفها…!
[ثريا تفتح فمها لترد، لكن لا تجد كلمات… تتراجع خطوات إلى الخلف، تنظر للجميع وكأنهم أعداؤها الآن، ثم تلتفت فجأة وتخرج من القاعة غاضبة، ودموع القهر في عينيها]
[شيرين تراقب بصمت، وجهها جامد لكنه يحمل لمحة خفية من النصر، بينما تارا تحني رأسها نحو والدها الثاني – إياد – وتهمس:]
تارا:
– شكراً… من قلبي.
[إياد يربت على رأسها بلطف]
إياد:
– وأنا كمان… اعتبريني أبوك من النهارده يا تارا… انتي وادهم أولادي قبل ما تكونوا ولاد سليم.