رواية الساعة الاخيرة الفصل الاول1بقلم اية محمد
"بنتي... بنتي راحت!"
"اقف على رجلك يا خالد، مش هينفع تقع."
"راحوا... راحوا مرة واحدة، وأنا واقف عاجز."
انهار خالد أرضًا وظل يبكي في أحضان صديقه، غير مصدق لما حدث، وما رآه منذ دقائق قليلة.
"سلمي!! إنتي جوه؟! هي سايبة باب الشقة مفتوحة ليه؟!"
تحرك خالد للداخل رغم عدم رغبته في ذلك، فهو قد قرر الانفصال عنها منذ بضعة أيام، وترك لها بيت الزوجية لها ولابنته بالاتفاق بينهما. كان القرار مشتركًا بينهما بكل هدوء وتفاهم، لعدم قدرتهما على الاستمرار سويًا بسبب منازعاتهم المتكررة، فقررا الانفصال مؤقتًا مع تأجيل الطلاق قليلًا.
تحرك خالد للطُرقة الصغيرة المؤدية للغرف وهو ينادي باسم ابنته، ولم يجد ردًا، فدخل غرفة النوم ليُفجع بما رأته عيناه؛ كانت زوجته ملقاة أرضًا وبأحشائها سك.ين، وامتلأت الغرفة بد'مائها.
اقترب خالد بأقدام مرتجفة تجاهها، وفاضت عينيه بالدموع، يردف بهلع وخو'ف:
"س... سلمي!! سلمي، ردي عليا... سلمي!! فـ... فين لين؟!"
التفت خالد سريعًا يبحث عن طفلته، لتصيبه الفاجعة الأكبر على الفور عندما رأى صغيرته على فراشها، وقد ذُ'بحت بطريقة بشعة حتى كاد يُصاب بالجنون، وصرخ باسمها:
"ليـن!! بنتي، بنتي، بنتي! يا ناس حد يلحقني!"
أخرج خالد هاتفه على الفور، يتصل بسيارة إسعاف، يُخبرهم ويرجوهم بالإسراع. ولم تعد قدماه قادرة على حمله، فسقط جوار ابنته، وأمسك بيدها باكيًا يناديها لعلها تفيق:
"لين... يا حبيبتي، بابا جه! ردي عليا!"
عشرة دقائق يُحاول الضغط على جر'وح المصابتين لإيقاف نز'يفهما، ولكنه رأى بعينيه أنفاسهما وقد توقفت، وذلك ما أكده لهم المُسعف.
"لازم نبلغ البوليس..."
ربت سليم على كتف صديقه ليُعيده لوعيه، وقال بجدية:
"خالد، انت هيتحقق معاك، متقلقش، أنا هكون معاك، وإن شاء الله نقدر نوصل للي عمل كده."
سأل خالد بتيه:
"الدفنة إمتى؟"
قال سليم بجدية:
"أنت عارف إن الموضوع مش سهل، لسه شوية. ياريت تبلغ أهل مراتك، وتبلغ أهلك باللي حصل."
اقترب الضابط الآخر "صالح" وقال بهدوء:
"البقاء لله يا أستاذ خالد، شد حيلك."
"ونعمة بالله."
"أنا محتاج أسأل حضرتك شوية أسئلة. ممكن نقعد برا ونتكلم شوية؟ أنا مقدّر الوضع، بس دي جريمة، ولازم نبدأ التحقيقات."
أومأ خالد برأسه، وتحرك للخارج تجاه الصالون، وجلس أمام الضابط المسئول عن القضية، وجواره سليم.
"أستاذ خالد، ممكن أعرف حضرتك كنت فين وقت الحادثة؟"
"كنت في بيت أبويا، وجيت علشان آخد شوية هدوم."
"وحضرتك مش قاعد هنا؟"
"أنا وسلمي كنا مقررين نبعد فترة، والموضوع كان رايح للطلاق. بس أنا قررت أهدى وقلت لها نبعد ونستنى شوية. إحنا كنا متفاهمين على النقطة دي، وإن بينا طفلة، وإن مشاكلنا لازم تنتهي بكل احترام."
قال صالح بجدية:
"آه، بس كان بينكم خلافات؟"
نظر خالد لسليم، ثم عاد بنظره لصالح وقال بهدوء:
"أيوه."
سأل صالح:
"ممكن تقولي إيه اللي حصل بالضبط من وقت ما جيت الشقة لحد ما تم البلاغ؟"
قصّ له خالد ما حدث، وهو بالكاد يلتقط أنفاسه، لما يشعر به بداخل صدره من ألم. فلم يكن الفقدان سهلًا أبدًا، وصدمته مو'جعة لن يستطيع تخطيها...
تم وضع السيدة وطفلتها داخل أكياس حفظ الجث-ث السوداء، والتوجه بهما للمشر'حة للعرض على الطبيب الشرعي.
اقترب أحد رجال الإسعاف يحمل كيسًا أسودًا كثيف السمك، ذاك الذي لا يُحمل فيه سوى الأجساد التي لن تعود. كان لون المو'ت نفسه، أسود، بارد، وصامت.
قال صالح:
"إنت هتيجي معانا القسم دلوقتي يا أستاذ خالد، وهنكمّل الاستجواب هناك. عندي سؤال حاليًا..."
قال خالد بتعب:
"اتفضل."
"هل فيه حد تاني عايش في البيت ده؟ أو تعرف حد كان متعود يجي لها دايمًا؟"
أجابه خالد:
"لأ، إحنا قليل لما كنا بنستقبل ضيوف، بس في ست بتيجي تساعدها في شغل البيت."
"تمام، ممكن عنوانها أو تليفونها؟"
أخرج خالد رقم هاتفها من هاتفه المحمول وقال:
"أنا معرفش هي ساكنة فين."
كتب صالح الرقم، وأعطاه لأحد العساكر قائلًا:
"عاوزها في أقل من ساعة زمن. تسجيلات كاميرات المراقبة جهزت؟"
أومأ العسكري قائلًا بجدية:
"بتجهز يا باشا."
قال صالح متعبًا:
"خلاص، يبقى نبص عليها الأول."
تحرك صالح، فأشار سليم لخالد أن يتحرك خلفه، واتجهوا ثلاثتهم لمراجعة كاميرات المراقبة بالطابق الأرضي من المبنى.
دلف سليم وصالح، مانعين خالد من الالتحاق بهما...
تعاطف معه العساكر وحارس المبنى، فمصيبة الرجل كبيرة. طفلته وزوجته في ج'ريمة شنيعة تقشعر لها الأبدان...
ما الذي فعلته طفلة صغيرة في الثالثة من العمر لتُق-تل بهذه الطريقة؟!
انتبه على صوت خطوات صالح مقتربًا منه، وخلفه سليم، ملامحه قد اختلفت تمامًا، وتبدو الكلمات على لسانه تأبى أن ينطق بها...
تساءل خالد بتوتر:
"إيه!! لقيتوا إيه؟!"
سأله صالح من جديد:
"أنت قلت إيه سبب الانفصال؟!"
أجابه خالد مرة أخرى:
"كان قراري، علشان فيه خلافات، ومحبيناش الموضوع يتطور لطلاق، وناخد وقتنا علشان البنت."
سأله صالح بحدة:
"أستاذ خالد... إنت متأكد إنك لما جيت الشقة كانت فاضية، مافيهاش غير الضحا'يا؟"
سأله خالد بشك:
"قصدك إيه؟!!!"
