رواية حياة مهدورة الفصل الخامس5بقلم رشا عبد العزيز


رواية حياة مهدورة الفصل الخامس5بقلم رشا عبد العزيز

خيم الصمت للحظات تحاول جمع مشاعرها المبعثرة  تحارب قلبًا عزف لكلمات غزله وعقلًا ينهره ويمنعه أن ينجرف حتى أنهت كرامتها هذا الجدال وصفعت ذلك الغبي الذي أطربه استيقاظ تلك المشاعر النائمه منذ زمن بعيد كم أشتاقت لها وللذتها وكم هي بحاجه لها الآن بعد أنعصفت بها الحياه وتركتها وحيده كتائهة في صحراء
ليصرخ بها ضميرها  هل ستعيش على ركام قلب آخر هل ستعطي لنفسها الحق في هدم حياه امرأة أخرى باسم الحب هل ستكون أنانيه وتحطم عائلة كاملة ليصرخ ذلك اللعين داخل أضلعها يتوسلها أنه بحاجه للحب 
لم تسرقه هو جاء اليها لماذا تبقى وحيده وهناك من يريد أن يعوضها .

ضجيج أستمر ومعركة أفكار ومشاعر شرسة اندلعت داخل كيانها زلزل قوتها المزعومة حتى جاء صوته
ينتشلها من وسط هذه الضوضاء

-إيمان روحتي فين ؟ قلتي أي يا حبيبتي ؟ زمان رفضتي وضحيتي بيا عشان أخواتك دلوقت أخواتك شافو حياتهم 
شوفي انت كمان حياتك أنا عمري مانسيتك يا إيمان طول السنين الي فاتت وأنت عايشة جوايا حبي ليكى  لسه عايش جوه قلبي كنت فاكر إني نسيتك لكن أول ماشوفتك قلبي قلي انت غلطان سابني وراح عندك جالك عاوزك تطبطي عليه لاجل ما يعيش حبنا يا إيمان.

هل كان ينقصها كلامه أيضا يزيد من ضياعها أغلقت عينيها تسمع كلامه ويعيد قلبها سرده من جديد 
ابتلعت ريقها الذي جف واستجمعت قواها ليسكت ضميرها صراخ قلبها العاشق ويدهس على مشاعرها 
بلا رحمة ويأمر لسانها بالنطق بما يرضيه ويرضي كرامتها

-مش موافقه ، انساني ياحسن

اتسعت عينيه بدهشة هل سمع قلبه يتحطم على يدها للمرة الثانية هل هوت أحلامه وذهبت أدراج الرياح
كان متأكد من موافقتها لقد رأى لمعة حبه في عينيها لازل يسكن ذلك القلب العنيد إذا لماذا سألها
برجاء

-ليه يا إيمان؟ أي الي يمنعك

لتحدثه بشده مفتعلة الصلابة في صوتها رغم اهتزاز جميع خلاياها

-عاوزني أهدم عيلة بحالها وأعيش على أنقاض سعادتهم عاوزني أخذ مكان مراتك وأكسر قلبها

لا يا حسن أنا مش أنانيه ومش هارضى أعيش على حساب غيري

-يا إيمان مراتي طيبة هتوافق ومش هتعمل مشاكل  أنت مش هتضريها بس أنا مقدرش أطلقها دي مهما كان بنت خالتي وأم ولادي وبعدين انت هتكوني فى مكان وهي فى مكان  الشرع محلل أربعة يبقى إيه المانع

ظلت تحدق به برهة من الزمن ألم يفهم ماتقوله منذ متى وهو قاسى القلب هكذا يدهس على قلب زوجته بلا رحمة يستخدم الشرع أداة لإرضاء ضميره وإذا كانت زوجته طيبة يكافئها هكذا ألم يفكر بأولاده

حنت رأسها على كتفها الأيمن تحاول ان تتأكد هل هذا حسن الذي أحبته أم حبها أصابه بالجنون
خذت نفساً عميقاً وزفرته بشدة

تستعد لانهاء هذه المواجهة

_المانع أني مش هاسمح لنفسي أني أكون سبب في تعاسة غيري

ولا هابني سعادتي.. على. خراب بيتها بأسم الحب
نكس رأسه يحركه يمينا وشمالا... ثم رفعه ونظراليها فضحك بسخرية وقال

_بتضحي بيا مرة تانية ، المرة اللي فاتت كانت عشان أخواتك المرادي عشان ضميرك

ثم صرخ بشدة ارعبتها

_ليه أنا رخيص للدرجادي عندك.. ليه بتبيعي حبي ليك
ليه تكسريني...

ظلت تحدق به بدهشة ثم دخلت في نوبة ضحك مزيفة تخفي ألماً اجتاح أعماق ذلك القلب .. الذي أثقلته الهموم
وتركته رمادا مركوم ليأتي هو يضيف جرحًا أخر يتهمها  بكسره وجرحه....

استفزته فعلتها ليصرخ محاولا أيقافها

_إيماااان

توقفت تصفق له بيديها وتقول بحسرة

_حلو اوي تمثيل دور الضحية ياحسن برافو....
بص ياحسن حوليك بص شوف مين فينا الي خسر.... أنت الي عشت حياتك بالطول والعرض
اشتغلت وخلفت وحققت أحلامك
ولا أنا يا حسن الي واقفه مكاني من عشرين سنة

ليقطع كلامها غاضباً :

_أنت اللي اختارتى تعيشي الدور دا انت الي اختارتي أخواتك
وأهم اخواتك سابوكي وفضلتى وحيدة

ضحكت بسخرية وقالت

_بتعايرني ياحسن...

تراجع عن هيجانه عندما لمعت الدموع بعينيها.. واستشعر كسرة صوتها  ثم بصوت بصوت منخفض توسل إليها

_طب أرجوكى يا إيمان أنا متأكد أنك لسه بتحبيني وأنا والله بحبك... سيبني أداوي جروحك سيبني أعوضك.. عن الوحدة والحزن الي شفتيه

_حتى لو بحبك ، أنا أدوس على قلبي و لا أني أهدم عيلة... إذا كنت زمان.. رفضت.. عشان أخواتي. مع أن قلبي كان بينادي عليك... فأنا المرة دي بارفض وقلبي مستريح وبقولك مع السلامة
ومش ندمانة ياحسن مش ندمانة لا زمان ولادلوقت

كلامها اخرج وحوش غضبه... وصب الزيت على نار كرامته التي أشعل كلامها فتيله فقال بصوت خنقته خيبة الأمل

_كده يا إيمان.. طيب.. أنتِ أختاري وأنا أخترت... أنت أختارتي البعد وأنا أخترتك

ومش هسيبك يا إيمان هتوافقي برضاكي أو غصب عنك... أنا مش هسمح لك تكسريني مرتين

قال هذا ورحل صافعاً الباب المفتوح ليرتد من شدة ضربته

فلاح أمامها طيف أم رجب تلك المرأة الثرثارة ... قبل أن يعود الباب ويغلق

خارت قواها وجلست بجسد أنهكه الحزن على المقعد خلفها لتتحرر دموعها و تقول معاتبة

_ليه ياحسن ليه رجعت ؟ هو أنا ناقصة هموم ؟

تنهدت بحسرة تسيل على وجنتيها ترثي حباً ضاع بين سطور الحياة ها هي تكتب نهايته بيديها.. ومسحت دموعها بأكمام عبائتها.
.
لكنها توقفت فجأه تستدرك أمراً

فوقوف أم رجب وتصنتها..لحوارهم.. سيزيد الأمر سوء.. هذا ماكان ينقصها
تلك المرأه الثرثارة

أستيقظت بجسد مرهق  بالكاد أستطاعت أن تنهض.... وتفتح عينيها المتورمة من البكاء لكنها

حاولت أن تخرج ، عليها أن تذهب إلى المركز علها تنسى هذا الضجيج الذي اجهد عقلها وقلبها معا...

تناولت فطورها... واتجهت نحو الباب تفتحه.. لتجد جارتها الثرثارة تهمس في اذن جارة أخرى ثم توقفت عن الثرثرة ما أن رأتها لتلقي عليهم إيمان تحية الصباح :

_صباح الخير

_صباح الخير يا أختي

تركتهم إيمان ونزلت لتجد نبرة صوتهم ترتفع كأنهم يحاولون أن يوصلوا لها مضمون حديثهم

الذي لم يكن سوى ماتوقعت إيمان لقد استمعت أم رجب لحوارها مع حسن لتقول أم رجب

_شفتي ياختي خطافة الرجالة خارجة ولا كأنها عملت حاجة
أمه بتقول. أنه كان خاطبها زمان... تلاقيها متفقة معاه يرجع عشان يتجوزها.... طبعا ماهو دلوقت مفيش مانع اصلي أمه قالت أنها سابته عشان أخواتها
أهم أخواتها اتجوزوا وفضي ليها الجو
.
_كبدي عليها مراته قال كان جايبها عشان تعيش وسط أهلها اتاريه جايبها عشان يتجوز عليها

لامت إيمان نفسها على توقفها على درجات السلم وأصغائها لحديثهم الذي زادها ألماً..
يتهمونها من دون وجه حق

رفعت رأسها للسماء وقالت :

_حسبي الله ونعم الوكيل
ربنا يسامحك ياحسن .. خلتني
خطافة رجالة..
هخلص ازاي دلوقت من كلام الناس...

*************************************
وصلت إلى المركز بالها مشغول.. الافكار تقرع رأسها
فقدت حتى شغفها.... كان تجلس في دروسها شاردة الذهن... لتنتبه ليان لحالتها الغير معهودة فلم تسأل ولاتناقش. كعادتها إنما كانت صامتة صامتة فقط

أنهت دروسها واتجهت إلى تلك الشجرة التي أعتادت الجلوس تحت ظلها.... لاتود العودة الى منزلها و مواجهة كلام الجيران أو رؤية حسن

انتبهت لليان التي اقتربت وجلست بجانبها وسألتها بفضول :

_مالك يا إيمي أنت مش على بعضك النهاردة ؟

التفتت لها تنظر لها بنظرات خاوية  تملأها الحسرة وبصوت مثقل بالهموم اجابت :

_لا مفيش حاجة بس تعبانة شوية .

ضيقت ليان نظرها.واقتربت تهمس لها :

_مابتعرفيش تكذبي يا إيمي

أتكلمي أنا صحيح لسه صغيرة بس بأعرف أكتم الاسرار
ثم حاولت المزاح معها لتمسك ياقة قميصها بيديها ترفعا تدعي الفخر

_أني مستمعة جيدة جربيني

ضحكت إيمان ثم تنهدت بحزن

... صادقة ليان أنها بحاجة  للتتحدث فقد أصبح مايجول في صدرها فوق طاقه تحملها

فلما لا تخبرها.. هي زميلة دراسة وعلاقتهم مؤقتة سوف تنتهي.. فلتعتبرها عابر سبيل في حياتها وتشاركها همومها

لتقص إيمان عليها قصتها وجلست ليان تصغي باهتمام. إلى أن انتهت من سرد حكايته

لتسألها ليان

_ندمانة ؟

اشاحت إيمان نظرها عنها واستندت على ظهر المقعد وقالت :

_أنا عمري ماندمت على اللى  عملته جايز ساعات لما بحس بالوحدة بالوم نفسي لكن صدقيني لو الزمان رجع بيا تاني هختار أخواتي...

ثم التفتت إليها وابتسمت :

_عمري ما كنت هخلف وعد قطعته لأمي.. وهي على فراش المرض

_وحسن لسه بتحبيه ؟

زفرت إيمان انفاسها  وقالت :

_صدقيني مش عارفة... أمبارح لما مشي حسن حسيت أحساس غريب  حسيت أن مش دا حسن الي أنا حبيته.. حسن الي كان بيخاف على حبيبته... وبيحس بيها.. شوفته وهو عاوز يكسر مراته... ويهدم عيلة حسيته أناني...مفكرش غير في نفسه... وبرر دا بالحب.. واستخدم الشرع.. عشان يرضى ضميره

أمسكت ليان يدها وربتت عليها

_مدام أنت مقتنعة بقرارك خلاص...وصدقيني هتلاقي الي يعوضك أن شاء الله

ضحكت إيمان بقوة وقالت :

_يابنتي أنا خلاص استسلمت لنصيبي...دأنا بقيت أربعين سنة

رفعت ليان حاجبها وقالت مستنكرة

._وليه محسساني أنهم تسعين سنه يا تيتا ؟

لتضحك إيمان على كلامها وتقول بعد أن بدلت صوتها لصوت سيدة عجوز

_ماهي دي الحقيقه يا بنتي .

ضحكت ليان وقالت

_والله يا بنتي أنت الي عاملة فى نفسك كده... في ناس بيدأ عمرها بعد الاربعين

_دا في بلاد بره مش عندنا
أحنا هنا الأربعين يعني خلاص
يستعد للمعاش.

لتنظر لها ليان باستهجان :

_طب والله أنت نكدو... ومافيش فايدة فيكى...دا أنت أصلا الي يشوفك يقول عندك تلاتين سنة...

لتتنهد إيمان وتقول

_ربنا يجبر بخاطرك يابنتي

لتقول ليان مستنكرة :

_ طب والله بتكلم بجد... دانت شكلك كنت قمر وانت صغيرة

_كنت اديكى قلتيها ثم كان فادني بايه الجمال ياحسرة... عمر الجمال يا لي لي ماكان مقياس للسعادة .

ليرن هاتف ليان فجأة وتنظر نحو الشاشة فترى اسم والدها وتقول وهي تنهض من مكانها مغادرة :

_دا بابا شكله مستنيني بره

ثم أشارت نحو إيمان

_يلا عشان أوصلك معايا يا إيمي

لتهز إيمان رأسها رافضة وتقول :

_لا أنا عاوزة أفضل هنا شوية روحي أنتى .

رحلت ليان لتظل إيمان شاردة الذهن تفكر في حياتها بين الماضي والحاضر حتى أخرجها من شرودها صوت رجولي خشن :

_صباح الخير

رمشت اهدابها كأنها تعود من دوامة الماضي وتخرج من أعماق أفكارها لتلتفت نحو مصدر الصوت فتجده يقف أمامها بجسده الرياضي وشعره الذي خالطه الشيب فأرتبكت وهبت واقفة تجمع أغراضها على عجل دون أن تجيبه 

_حضرتك ممكن أسألك سؤال
أنت مستنيه حد ؟

وضعت حقيبتها على كتفها بسرعة ظناً منها أنه ينهرها على جلوسها هنا لتقول بتلعثم وكلمات متقطعة :

_صباح الخير آسفة ماكنتش اعرف انه ممنوع مع السلامة .

وفرت من أمامه بخطوات سريعة ولم تستمع حتى لباقي كلامه وهو يشير إليها أن تنتظر

فهذا الرجل كان دوما محط رهبتها لاتعرف ما السبب... ربما لكونه دائمًا يعقد حاجبيه ويوبخ موظفيه او لحدته في الحديث مع أي شخص... ربما منصبه كمدير للمركز ومسؤوليته تحتم عليه يكون بشخصيته هذه

****************************************
عادت إلى المنزل واغلقت الباب.. تدعو بداخلها على ذلك الذي قطع خلوتها....والا لما عادت وكانت بقيت وقت أضافي تحت ظل تلك الشجرة

اعدت لها شيئا تأكله... وجلست على طاولة الطعام... وهمت بالاكل... ومع اول لقمة..أستشعرت مرارة الطعام في فمها..اغلقت عينها تبتلع تلك اللقمة

 بصعوبة.فارتشفت الشاي عله يبعد طعم المرارة من فمها.. لتبتسم بسخرية وهي تنظر للطعام وقالت:

_حتى السكر في حياتك بقى علقم يا إيمان.

لتتفاجأ بطرق عنيف على الباب أفزعها لتنتفض من مكانها.. من سيأتي في هذا الوقت.. آسر في عمله وحنان مشغولة مع زوجها وابنتها... اقتربت من الباب متوجسة. وقالت

_مين؟

ليأتيها صوت غريب يقول بحدة

_أنا أحمد

رددت أسمه بدهشه. أحمد ومن يكون أحمد لتسأله مستفهمة :

_أحمد مين؟

لياتي الرد الذي ادهشها أكثر وزاد من حيرتها

_أحمد أبن حسن. تيتا عاوزاكي تطلعي عندها

أعتصرها قلبها و عادت تردد ماقاله بعقل مشتت ترى وماذا تريد منها تلك العجوز..
لكنها أجابته....

_تمام بلغ أم حسن خمس دقائق وأكون عندها

عادت تخطو خطواتها. تملؤها الحيرة... هذه المرأة لم تحبها يومًا حتى بعد زواج حسن وابتعادها عنه... ظلت تكن لها نظرات.. حقد.. تراها جليًا كلما قابلتها

ارتدت ملابسها بعقل مغيب وصعدت السلم نحو شقتهم طرقت الباب ليفتح لها أحمد بوجه محتقن ، بادلته هي بابتسامة وقالت :

_مساء الخير

ليجيبها باقتضاب :       (رشا عبد العزيز) 

_اهلا

ازداد ضيقها بعد أن رأت وجه أحمد وإيمان شقيقته في صالة المنزل كانوا ينظرون إليها بإزدراء وهم يشيرون لها نحو غرفة جدتهم وكلما كانت تقترب من غرفة تلك المرأة تشعر بالضيق أكثر كأن جدران هذا المكان تضغط على صدرها تشعرها بالاختناق

دخلت الغرفة لتجدهاممددة على سرير المرض لكن وجهها لازال كما عهدته يشع حقدا لها :

_مساء الخير

_مساء النور يا إيمان ادخلي

قالتها بأزدراء مشابه لا زدراء أحفادها... وأشارت لها لتجلس على الكرسي المقابل لسريرها

جلست إيمان بقلب منقبض درات عينها داخل الغرفة ليلفت انتباهها تلك التي تجلس مططأة الرأس.. في الجهة المقابلة.

كم أشفقت عليها كانت تسمع دوما أن زوجه حسن طيبة القلب... لكنها تراها اليوم ذليلة ، عينها تصرخ بالخذلان.
يا إلهي هي هكذا مع أنها لم توافق على الزواج من حسن اذا ماذا كان سيكون حالها لو قبلت بعرض حسن... هنا وهي تحدق بها أيقنت انها فعلت الصواب

لم تكسر قلب هذه المرأة ، اجفلت بشهقة وهي تعود من شرودها على صوت أم حسن :

_إيمان أنا بعتلك النهاردة عشان عاوزاكي في موضوع مهم...
عاوزه أسألك يا إيمان هو صحيح حسن طلبك للجواز ؟

وزعت نظرها بين أم حسن وزوجته وقالت بحرج وهي تشيح بنظرها عنهم

_أيوه

تقسم انها عندما عادت تطالعهم رأت الكسرة في عين زوجته كأن كسر قلبها.. بان على قسمات وجهها لتسمع صوت والدته الغاضب.

_وأنا بقولك أنك هتخربي بيت ابني وتكسري مراته... وتأذي ولاده لو وافقتي
وأنا بقلك يا إيمان أنا مش هسمح لك تعملي كده...

وكأنها بكلامها أشعلت فتيل غضبها وأحرقت صبرها... فلم تعد تتحمل الاهانة من تلك المرأة المتبجحة
لتضحك باستهزاء وتقول :

_وهتعملي أيه ؟.        (بقلم رشا عبد العزيز) 

ازداد غضب تلك السيدة وقالت :

_هادمرك يا إيمان هشوه سمعتك.. هاعمل أي حاجه عشان أحمي بيت أبني
رفعت إيمان حاجبها باستهزاء وقالت:

_يااا كل دا تقدري تعملي... عشان تمنعيني

لتدعي الضحك وتقول :

_ولاتقدري تعملي حاجة... أنت أخرك الكلام وبس

_أحترمي نفسك يا إيمان

صاحت بها أم حسن.. ليقف أحفادها عند الباب متأهبين
كأنهم ينتظرون أشارة منها

نظرت لهم إيمان ثم نظرت لتلك المرأة ....لتقول بتحدي :

_أنا أقدر أتجوز حسن بكرة.. لوعاوزة... لكن مش أنا الي أعملها مش أنا الي ابني سعادتي على تعاسة غيري... مش أنا الي أكسر قلب غيري

لترفع زوجة حسن عينها المحمرة من البكاء تناظرها..
لتكمل وهي تحدق بها :

_ماتخافيش ياسلمي أنا رفضت حسن أمبارح وقلتله الكلام دا

ثم التفتت نحو والدة حسن التي بهت لونها واسبلت عينيها بندم

على ماقالته لها :

_هو الي وصلك الخبر ياخالتي، ماقلكيش الكلام دا غريبة مع انه سمع الحوار للاخر
لتقف وتهم بالمغادرة
وتقف أمام أولاده ليبتعدوا مفسحين لها الطريق لكن قبل أن تخرج وجدته يدخل والدهشة ترتسم على وجهه

 ليسألها... بقلق :

_إيمان أيه الي جابك هنا ؟

وقبل أن تجيب أجابته والدته :

_أنا بعتلها

وزع نظره بين والدته وبينها يحاول أن يفهم مايحدث فهمت هي مايجول في ذهنه لتجيبه

وهي تبتسم باستهزاء :

_أصل الست الوالدة كانت بعتالي عشان تمنعني... أوافق أتجوزك.

اتسعت عينيه بدهشة وظل يحدق بها وقد فرت الدماء من وجهه لتكمل هي

_ميعرفوش أني رفضتك أمبارح

لتتسارع أنفاسها وهي تسترجع كلام والدته ونظره زوجته المنكسرة وتصرخ بوجهه :

_وأنا أهو وقدام أمك ومراتك واولادك بقولك أبعد عني احسن وانساني سيبني أعيش حياتي

ورفعت يدها تشير له بسبابتها و تكمل هجومها عليه :

_وحتى لو عنست وكنت أخر راجل في الدنيا... مش عاوزاك لا أنت نصيبي ولا أنا نصيبك ياحسن

وكالإعصار الهائج دفعته عن طريقها ورحلت

لينهار ويجلس على سرير والدته

لايصدق مافعلته وماتفوهت به

لقد مزقت أخر ورقة في حكايتهم

ودعست على قلبه للمرة الثالثة

لتصفعه كرامته وهو يشعر بنظرات والدته وزوجته وأولاده المسلطة نحوه يترقبون ردة فعله

ليقول لقلبه موبخًا يكفي ذلًا لقد انتهى كل شئ .

*********************************
أما هي فقد وصلت شقتها ملاذها الآمن دخلت واغلقت الباب وتحركت نحو غرفتها بجسد منهك....لكنها هذه المرة لم تستطع البكاء لاتعلم لماذا هل نفذ مخزون الدموع في عينيها... ام حتى البكاء لم يعد يريحها

تحاور نفسها وتقول الا يكفيك قسوة معي يا زماني اتعبتني..

اتجهت نحو دولاب ملابسها واخرجت وشاح والدتها.. الذي لازال يحمل رائحتها

تلحفت بالوشاح تتخيل كما لوكانت والدتها تحتضنها
واغمضت عينيها المجهدة وهربت مما حدث بالنوم العميق

*************************************
شهران قد مرا على ماحدث... علمت فيهم أن حسن قد سافر مع عائلته عائدًا من حيث آتي
ورغم كل شئ تمنت من الله ان يسعده
اما هي فحدث في حياتها الكثير
فلم تكن تعتقد أن صداقتها مع ليان ستأخذ هذا المنحى
فقد توطدت علاقتهم وأصبحت ترى الدنيا من زاوية أخرى زاوية
سحبتها نحوها تلك الصغيرة
وكأنها أصبحت تعيش شبابها من جديد لكن هذه المرة مع جيل آخر وزمان مختلف عن زمانها

وحدتها ملأتها رسائل تلك الصغيرة التي أصبحت تنتظرها
فنكاتها واسلوب حديثها كان يبعث بها السرور وينسيها تلك الوحدة

وهاهي تمسك الهاتف تقرأ إحدى تلك الرسائل

_إيمي هاتي فلوس معاكى بكرة نازلين السوق بعد الدروس

لتسألها بدهشة :

_ليه؟

_من غير ليه هاتي الفلوس انت بس وبعدين هتعرفي.. See ya later.

_بت تعالي هنا قبل اشوفك بعدين.. أنت بلغتي والدتك ولا هتطلعي معايا من غير أذنها :

_متخافيش يا إيمي حفظت الدرس... مفيش خروج من غير اذن ماما... مفيش تأخير من غير اذن ماما. مفيش أكل بره من غير اذن ماما حافظة والله حافظة

_شاطره يا لي لي

كتبتها إيمان وهي تضحك على تذمر تلك الصغيرة... التي أصبحت تنصت لكلامها وتنفذ أوامرها كما ينفذ التلميذ النجيب أوامر معلمه

انتهيا من أداء دروسهم.. واتجها إلى السوق تسحب ليان يدها كأنها هي  المسؤولة عنها :

_يابنتي مش افهم احنا هنا ليه

ابتسمت ليان وقالت ببهجة :

_احنا هنا عشان نشتريلك فساتين بس بألوان مختلفة 
قطبت حاجبيها مستفهمة :

_يعني ايه ؟

لتعاود ليان امساك يدها وهي تسير بها نحو محلات الملابس

_يعني نشتري فساتين بينك فوشيا أحمر بيبي بلو الألوان الربيعية دي بدل الغوامق الي لابساها

لترفع حاجبيها بدهشة وقالت مستنكرة :

_لا يا ليان مش هقدر أغير أنا متعودة عليهم.. أنا بلبس الألوان دي من ساعة ما ماما ماتت .

زفرت ليان انفاسها بشدة وقالت :

_هتقدرى يا إيمي هتتعودي على الألوان دي زي ماتعودتي على الغوامق.. ومش عاوزة اعتراض .

كانت تقيس الملابس بخجل

لتقف امام ليان التي كانت تصفق وتقفز تشجيعاً لها ليعودا محملين بملابس جديدة تحمل كل واحدة مجموعة من الاكياس لتقول لها إيمان باضطراب :

_مش عارفه ازاي طاوعتك واشتريت الألوان دي..أنا هتكسف ألبسها وأنا في السن دا

التفتت إليها ليان تحدقها بنظرة مستنكرة وتقول :

_وليه يعني هو مين حدد أن اللون البنك والأحمر مخصص للعشرينات..والتلاتينات...الالوان دي بتتلبس في اي وقت. وفي أي سن سيبك بقى من كلام الناس ومتحسسنيش ان عندك تسعين سنة...انت لسه صغنن يا قمر.

لتضحك إيمان على كلامها لتكمل ليان

_بس انت طلعتي شاطرة فى تنسيق الألوان برافو عليك
لتوكزها ايمان وتقول بابتسامة

_يابنتي التنسيق دا لعبتي بكرة أعملك فستان تلبسيه بدل اللبس الي انت لابساه ومش باينله ملامح

ليمتعض وجه ليان من وصفها فتضحك هي على امتعاضها

قررت إيمان في اليوم التالي الانصياع لكلام ليان و ارتداء فستان باللون الوردي. وتنسق معه حجاب بلون أخر نظرت إلى نفسها في المرآة لتجد وجهها قد أشرق وكانها عادت إلى الماضي فلطالما كانت والدتها تصنع لها فساتين من هذا اللون

ضحكت على نفسها وهي تدور امام المرآة حتى ترى الفستان من جميع الجوانب لتقول :

_يخرب عقلك يالي لي شكلي هتجنن زيك

كانت تجلس داخل احدى  الدروس عندما دخل عليهم الساعي ينادي بإسمها لترفع نظرها من الكتب وتنظر اليه ليقول :

_حضرتك مطلوبة في الادارة

                 الفصل السادس من هنا
تعليقات



<>