
رواية لهيب العشق الفصل السابع7 والثامن8 بقلم سيليا البحيري
في فيلا العطار – غرفة شيرين، منتصف الليل
تجمّد الأحفاد الثلاثة في أماكنهم، قلوبهم تكاد تقفز من صدورهم وهم يسمعون صوت الخطوات الثقيلة تقترب… الباب كان ما زال مفتوحًا قليلًا، والضوء الخافت من الممر كشف هوية القادم
إنه مازن
وقف عند الباب، جسده طويل ونحيف، عيناه الزرقاء العميقتان تلمعان ببرود، نظرته ثابتة… لم يظهر أي تعبير على وجهه، لا غضب، لا دهشة… فقط برود صامت
علا، التي كانت أكثرهم جرأة، تشد ظهرها وترفع ذقنها قليلًا، تحاول السيطرة على التوتر الذي اجتاح الغرفة
علا (بصوت منخفض لكنه ثابت):
"إحنا… إحنا كنا بس…"
لكنها لم تكمل جملتها، لأن مازن لم يكن بحاجة لسماع تبرير، هو يعرف تمامًا لماذا هم هنا
ظل صامتًا للحظات، عيناه تتنقل بين الثلاثة، ثم تجولت في أنحاء الغرفة وكأنه يراها لأول مرة بعد زمن طويل… كانت عيناه تحملان شيئًا غريبًا، مزيج من الحنين والألم… لكنه لم يقل شيئًا
رفع نظره مرة أخرى إليهم، نظرته كانت باردة… لكنها ليست قاسية، بل أشبه بنظرة شخص ينتظر أن يكتشف الآخرون الحقيقة بأنفسهم
ثم، وبكل هدوء، دون أن يعلق بكلمة واحدة، استدار وصعد السلالم ببطء، متجهًا نحو غرفته في الطابق العلوي
الأحفاد تبادلوا النظرات، إحساس غريب تسلل إلى قلوبهم… لم يكن هذا ما توقعوه، لم يكن الصمت هذا ما كانوا يخشونه… بل النظرة الأخيرة التي ألقاها عليهم، تلك النظرة التي جعلتهم يشعرون أنهم اقتربوا من سر خطير… سر لم يخبرهم أحد به من قبل
أحمد (بصوت خافت بعدما ابتلع ريقه بصعوبة):
"هو… هو كان عارف إننا هنا، صح؟"
إياد (ببطء، وكأنه يفهم شيئًا لأول مرة):
"مش بس كان عارف… ده كأنه عايزنا نعرف!"
علا لم تتكلم، فقط نظرت للصورة التي كانت تحملها في يدها… صورة تلك الفتاة التي تشبهها، والتي لم تسمع بها من قبل… لكنها الآن متأكدة أن لها علاقة بكل شيء
بدأت الحقيقة تقترب… والسؤال الذي كان يجب أن يُطرح منذ زمن، أصبح يفرض نفسه بقوة: من هي شيرين؟ وما سر هذه الغرفة؟
وقف الثلاثة وسط الغرفة، عيونهم تتنقل بين الأغراض المبعثرة في المكان… الأثاث قديم لكنه مرتب، وكأن الزمن تجمد هنا منذ 25 سنة. علا كانت أول من تحرك، يدها تلامس مكتبًا صغيرًا بجوار السرير، تمرر أصابعها على سطحه المليء بالغبار
علا (باندهاش وهي تمسح الغبار عن سطح المكتب):
"المكان ده… كأنه حد قفله من سنين طويلة… بس الأغراض… دي حاجات بنت!"
أحمد الذي كان يتفحص خزانة الملابس، سحب منها فستانًا قديمًا بلون زهري باهت، رفعه أمام عينيه بدهشة
أحمد (بصوت منخفض):
"وده كمان، فستان… يعني الغرفة دي كانت بتاعة بنت… بس مين؟!"
إياد كان أكثرهم صمتًا، عيناه تتجول في أنحاء الغرفة، مرر يده على رفوف المكتبة الصغيرة، حيث كانت هناك كتب مدرسية قديمة، وبعض دفاتر المذكرات المغلقة. مد يده والتقط أحدها، نفض عنه الغبار، لكن قبل أن يفتحه، لفت انتباهه شيء آخر… صورة مؤطرة موضوعة على الطاولة بجانب السرير
إياد (بدهشة وهو يرفع الصورة):
"إيه ده… صورة؟"
تجمّع الثلاثة حوله، كانت الصورة قديمة، ألوانها باهتة قليلًا، لكن ملامح الأشخاص فيها كانت واضحة… كانت هناك فتاة صغيرة لا تتجاوز الرابعة عشرة، بشعر طويل منسدل وابتسامة مشرقة، تقف وسط ثلاثة فتيان… الأول بدا أكبرهم، ملامحه قوية، يشبه أحمد كثيرًا… الثاني كان أكثر صرامة، يشبه إياد… أما الثالث، فكان يقف بجانب الفتاة، ملامحه هادئة، وعيناه… عيناه تشبهان عيون عمهم مازن
تجمد الثلاثة في أماكنهم، نظراتهم تتبادل بين الصورة وبين بعضهم البعض، وكأنهم فجأة استوعبوا شيئًا غريبًا
أحمد (مذهولًا وهو يشير إلى الشاب الأول):
"استنوا… ده أبويا!"
علا (تضع يدها على فمها، تشير إلى الثاني):
"وده… ده عمي مهاب!"
إياد (بهمس وهو ينظر إلى الثالث):
"وده… عمي مازن!"
ساد الصمت للحظات، ثم تبادلوا نظرات قلقة، عيونهم عادت إلى الفتاة الصغيرة في الصورة… لم يروا هذا الوجه من قبل، لم يسمعوا عن هذه الفتاة، لكنها كانت واقفة بجانب آبائهم… وكأنها جزء من العائلة التي لم يُخبرهم أحد عنها
علا (بهمس، وكأنها تخشى قولها بصوت عالٍ):
"هي… هي بنت مين دي؟!"
إياد لم يجب، فقط نظر إلى الدفتر الذي كان ما زال يمسك به، أخذ نفسًا عميقًا، ثم فتح الصفحة الأولى… وكانت المفاجأة، أول كلمة مكتوبة بالحبر الأزرق، وبخط طفولي بسيط، جعلت قلبه ينبض بقوة
"يوميات شيرين العطار."
الأحفاد الثلاثة تبادلوا النظرات، الصدمة مرسومة على وجوههم… الحقيقة كانت أمامهم طوال الوقت، لكن أحدًا لم يخبرهم بها… والآن، وجدوا السر الذي خبأته العائلة طوال 25 عامًا
وقف الأحفاد الثلاثة متجمدين في أماكنهم، ينظرون إلى الدفتر الذي يحمله إياد، وقد كُتب على غلافه بخط طفولي: "يوميات شيرين العطار"
أحمد (باندهاش وهو يمرر يده على الغلاف المترب):
"شيرين العطار؟… مين دي؟!
علا (بصوت منخفض وهي تنظر للصورة مرة أخرى):
"أكيد هي البنت اللي في الصورة… بس ليه عمرنا ما سمعنا عنها؟!"
إياد (يأخذ نفسًا عميقًا، ثم يفتح الصفحة الأولى، وبدأ يقرأ بصوت مسموع):
"اليوم: الثلاثاء، 5 ديسمبر 1998
اليوم كان من أحلى الأيام! بابا وماما اشتروا لي دفتر اليوميات ده عشان أكتب فيه كل حاجة بتحصل لي… مش عارفة إزاي هبدأ، بس مهاب قالي اكتبي أي حاجة بتحبيها، وادهم ضحك وقال لي أكيد هتكتبي عن الأكل، لأنكِ بتحبي الأكل أكتر من أي حاجة!"
ضحك أحمد بخفّة وهو يهز رأسه
"واضح إنها كانت بتحب الأكل زينا."
إياد (يتابع القراءة، وصوته أصبح أكثر اهتمامًا):
"النهاردة كنا كلنا مع بعض في الجنينة، مازن لعب معايا شطرنج، كالعادة غلبني، بس بعدين سبني أكسب مرة عشان ما أزعلش، وادهم ومهاب كانوا بيتسابقوا في الجري، بس مهاب غش! ماما كانت بتضحك وبابا كان بيقول إنه هيعاقب مهاب لو غش تاني. ياااه، بحب عيلتي أوي!"
علا شعرت بشيء غريب وهي تستمع… وكأن هذه الفتاة كانت تعيش حياة سعيدة جدًا، لكنها اختفت فجأة
علا (بهمس، وهي تنظر إلى الصفحة):
"هي كانت بتحب إخوتها جدًا… بس ليه عمرنا ما سمعنا عنها؟ ليه محدش اتكلم عنها؟!"
إياد (يكمل القراءة، لكن نبرته أصبحت أكثر هدوءًا):
"اليوم: الخميس، 12 مارس 1999
النهاردة عيد ميلادي، ومازن جاب لي هدية جميلة، قلادة عليها حرف (ش). قال لي إنها عشان أفكر دايمًا إني قوية، حتى لما أكون حزينة. أنا بحب أخواتي جدًا جدًا، نفسي نفضل مع بعض دايمًا!"
هذه الجملة جعلت الثلاثة ينظرون لبعضهم البعض، شعور غريب اجتاحهم… شيء ما تغير بعد هذه الذكريات، شيء جعل هذه الفتاة تختفي من حياتهم دون أن يعرفوا عنها شيئًا
أحمد (وهو ينظر إلى إياد بجدية):
"إحنا لازم نعرف مين شيرين… وليه عيلتنا كلها بتتجاهلها كأنها ما كانتش موجودة!"
علا (تنظر للصورة مرة أخرى، ثم تهمس لنفسها):
"وليه بابا وعمي مهاب ما قالولناش عنها أي حاجة؟!"
إياد (يغلق الدفتر ببطء، عينيه مليئتان بالتفكير):
"واضح إن اللي حصل كان كبير… وكبير جدًا."
ساد الصمت من جديد، لكن هذه المرة لم يكن مجرد صمت عابر… بل كان بداية لكشف أسرار دفنت منذ 25 عامًا
علا تسحب مجموعة صور أخرى، تنفض عنها الغبار، وتنظر إليها بتركيز
علا (بدهشة وهي ترفع إحدى الصور):
"بصوا… دي نفس البنت اللي في الصورة الأولى، بس هنا وهي أكبر شوية… وهنا مع بابا وعمي مهاب ومازن!"
أحمد يسحب صورة أخرى، يتفحصها بعناية، ثم يرفع رأسه إلى إياد وعلا
أحمد (بصوت حائر):
"دي مش مجرد أي بنت… دي عمتنا!"
إياد يحدق في الصورة التي تحملها علا، ثم يلتقط واحدة أخرى لفتت انتباهه… صورة تجمع شيرين مع جدهم محمود، وكان يضع يده على كتفها بحنان واضح
إياد (بصوت خافت وكأنه يحدث نفسه):
"يعني… جدو كان عنده بنت، وعمره ما جاب سيرتها؟"
يسود الصمت لثوانٍ، ثم تنظر علا إلى أخويها وعيناها مليئتان بالأسئلة
علا (بقلق):
"بس ليه؟ ليه محدش بيتكلم عنها؟ وليه عمرنا ما سمعنا حتى اسمها؟!"
أحمد يقلب الصور بسرعة، وكأنه يبحث عن إجابة، ثم يتوقف عند صورة لشيرين وهي في الرابعة عشرة من عمرها، واقفة بجانب والديها وإخوتها، تبتسم بسعادة… لم يكن في الصورة أي أثر لما حدث لاحقًا
أحمد (بحيرة وهو يشير للصورة):
"هنا كانت عايشة وسطهم… يعني أكيد في حاجة حصلت خلت اسمها يختفي كأنه عمره ما كان موجود."
إياد يضع الصور جانبًا، ينظر حوله في الغرفة، وكأنه يحاول تخيل الماضي… يحاول استيعاب أن هذه الغرفة التي يقفون فيها كانت يومًا ممتلئة بالضحك والحياة… ثم فجأة أصبحت مهجورة
إياد (بحزم):
"إحنا لازم نعرف إيه اللي حصل… لازم نسأل."
علا تتنهد، تشعر أن هناك سرًا كبيرًا لم يُكشف بعد
علا (بصوت خافت):
"بس السؤال الأهم… هي فين دلوقتي؟!"
أحمد وإياد ينظران لبعضهما… هذا هو السؤال الذي لم يكن لديهم أي إجابة له… لكنهم عازمون على إيجادها
أحمد يلاحظ شروده، يلمح الصورة في يده فيرفع حاجبه باستغراب
أحمد (بفضول):
"إياد؟ في إيه؟ شكلك شفت شبح!"
إياد يهز رأسه بسرعة، كأنه يحاول طرد الفكرة، ثم يضع الصورة جانبًا
إياد (بلامبالاة مصطنعة):
"لأ، بس… حسيت إني شفت الوش ده قبل كده، مش عارف ليه."
علا تقترب منه، تنظر للصورة، ثم ترفع كتفيها بلا اهتمام
علا:
"ممكن تكون شبه حد قابلته في الشغل أو في أي حتة… الناس بتتشابه كتير."
إياد يضحك ضحكة قصيرة، ثم يرمي الصورة على الطاولة، وكأنه يقرر أن الأمر لا يستحق التفكير فيه
إياد (بمزاح):
"آه، يمكن… بس ما أظنش إني قابلت حد عنده نفس النظرة دي."
لكنه لا يخبرهم بالحقيقة… لا يخبرهم أنه التقى اليوم بفتاة في صالة الجيم، فتاة ذات عيون زرقاء حادة… فتاة اسمها تارا، كان في شيء غريب يشده نحوها… والآن، وهو ينظر إلى صورة شيرين، يشعر بشيء مألوف… لكنه يهز رأسه مجددًا، يقنع نفسه أنها مجرد صدفة
أما أحمد، فيتثاءب، ثم ينظر إلى الساعة
أحمد:
"خلاص يا جماعة، كفاية كده، لازم نخرج قبل ما حد يحس بغيابنا."
علا تلقي نظرة أخيرة على الغرفة، ثم تتمتم
علا (بهدوء):
"إحنا لازم نعرف القصة دي… مش هسيب الموضوع ده لحد ما أفهم كل حاجة."
إياد يضع يده في جيبه، يرمق الصورة الأخيرة بنظرة سريعة، ثم يستدير للخروج
إياد (بابتسامة جانبية):
"أهو عندك جدو، اسأليه، وشوفي هيقولك إيه."
لكن الثلاثة يعلمون جيدًا… أن هذا هو آخر شخص سيجيب عن أسئلتهم
******************
كورنيش النيل، نص الليل، النسمة الباردة بتحرك خصلات شعر تارا وهي واقفة بتبص على المية المتراقصة قدامها. عقلها مشوش… خطتها كانت ماشية زي ما هي عايزة، بس دلوقتي بدأت تحس بحاجه مكنتش حاطاها في حساباتها… إياد
تارا ماسكة سلسلة والدها في إيدها، بتاخد نفس عميق، بتحاول تمسح الفكرة من دماغها، تحاول تفتكر هي ليه هنا… ليه بدأت كل ده؟ بس فجأة، وهي بتلف عشان تمشي، تخبط في واحد، فتترنح خطوة لورا
كريم (بابتسامة ساخرة، عينه بتلمع بمكر):
"ياه، لو مكنتش دي الجميلة تارا… شكلك سرحانة، هو التخطيط للانتقام متعب للدرجة دي؟"
تارا بتضيّق عنيها، مش عاجبها طريقته، ولا نبرته الساخرة، ولا النظرة الماكرة اللي في عينه
تارا (ببرود):
"إنت مين؟ وإيه الهري اللي بتقوله ده؟"
كريم بيضحك بسخرية، يحط إيديه في جيوبه ويتقدم منها بخطوات هادية
كريم:
"أنا؟ مجرد واحد معدي… بس أنا عارف كويس إنتِ هنا ليه، وعارف إنك بتمثلي دور العاشقة قدام إياد العطار… مسكين أوي، مش عارف إنه مجرد قطعة في لعبتك الصغيرة."
تارا بتحس بقلبها بيدق بسرعة، مش خوف، لا… غضب. مين الأحمق ده؟ وإزاي عارف كل حاجة؟ بتحاول تفضل هادية، بس بتحس بالدم بيسخن في عروقها
تارا (بحدة):
"يظهر إنك رغّاي، عندك حاجة مفيدة تقولها ولا لأ؟"
كريم بيبتسم، يقرب أكتر لحد ما يبقى بينهم مسافة قصيرة، يبص في عنيها مباشرة، وبعدين يميل راسه شوية
كريم (بهمس مليان مكر):
"تحبي أقولك على سر صغير يا تارا؟ إنتِ فاكرة نفسك فاهمة كل حاجة… بس الحقيقة إنك أجهل مما تخيلت، بتجري ورا انتقام مبني على كدبة… يا ترى إنتِ غبية للدرجة دي؟"
تارا بتحس بقشعريرة في جسمها، بس الغضب بيتغلب على أي إحساس تاني، ترفع عينيها له، ونظرتها بتتحول لإعصار صامت… نظرة خلّت كريم يتجمد مكانه
لحظات صمت، مفيش صوت غير أنفاسهم وصوت المية الهادية، قبل ما كريم يبلع ريقه ويتراجع خطوة لورا من غير ما يحس
وفجأة، يلف بسرعة، كأن النظرة دي قالت له لازم يمشي… يمشي قبل ما يندم
أما تارا، فضلت واقفة مكانها، بتبص على ضهره وهو بيختفي في الضلمة، وعقلها بيصرخ بسؤال واحد… كان يقصد إيه؟ وإيه الحقيقة اللي هي مش عارفاها؟
*******************
غرفة إياد – فيلا عائلة العطار – صباح اليوم التالي
الضوء يتسلل بخجل من نافذة الغرفة، الستائر تتحرك بلطف مع نسمات الصباح. إياد جالس على طرف السرير، مرتدياً بيجامة داكنة، وشعره مبعثر قليلاً من ليلة لم ينم فيها. بين يديه صورة قديمة لعمة شيرين أخذها من الغرفة المهجورة، وعيناه شاردة، غارقة في دوامة التفكير.
إياد (بصوت منخفض، يحدث نفسه):شيرين… عمتنا…
وإحنا طول عمرنا ما نعرفش عنها حاجة…
كأنها كانت شبح جوه البيت ده.
يقرب الصورة من وجهه، يتأمل ملامحها بدقة، خصوصاً عينيها وشكل فمها، ثم تنهض أمامه في ذاكرته صورة تارا، تلك الفتاة الغامضة التي التقاها مؤخراً.
إياد (مندهشاً، يهمس):تارا…
فيه شبه… شبه كبير!
نفس النظرة، نفس الشفاه… حتى طريقة الوقفة…
ينهض من مكانه، يتجه ناحية المرآة الكبيرة، ينظر إلى نفسه وكأنه يبحث عن إجابة من عقله المتشتت.
إياد: بس إزاي؟
يعني معقول تكون قريبة؟
ولا أنا بتخيل بس؟
لا… الشبه مش صدفة.
يتنهد ويبدأ بالسير في الغرفة بتوتر، يمرر يده في شعره.
اياد (بغضب داخلي):إزاي محدش قالنا عنها؟
ليه أمي ولا بابا جابوا سيرتها؟
هي اختفت فجأة… و إحنا سكتنا كأنها ما كانتش موجودة أصلاً!
يتوقف فجأة عند الطاولة الجانبية، يلتقط المذكرة التي نسخ جزءاً منها بالأمس، يفتح صفحة فيها تاريخ معين.
إياد (يقرأ بصوت مرتجف):
“أنا مش غلطانة… أنا ما عملتش حاجة… ليه محدش سمعني؟ ليه طردتوني؟”
يصمت… ثم يهمس لنفسه وكأن الحقيقة تقترب منه لكنه لا يراها كاملة بعد.
إياد:لو تارا… قريبتنا فعلاً…
يبقى فيه حاجات كتير لازم أعرفها.
أنا مش هسكت… مش بعد اللي قريته.
عيناه تلمعان بوميض من القلق، لكنه في الوقت نفسه… فضول لا يمكن كبته
********************
– غرفة الطعام – صباح اليوم التالي
الجميع مجتمع على طاولة الإفطار، الجو ثقيل رغم روائح الطعام الشهية. إياد، علا، وأحمد يتبادلون نظرات ذات معنى. الجد محمود يقطع خبزه بصمت، الجدة مها تنظر نحو ولديها مهاب وأدهم كأنها تتوقع شيئًا.
يدخل مازن متأخرًا كعادته، أنيق بهدوءه، ينظر للحاضرين بسخرية صامتة ويجلس في الطرف دون أن ينبس بكلمة.
يتبادل إياد وعلا وأحمد النظرات ثم يبدأ الحديث:
إياد (ينظر للجد):
جدي… عندي سؤال، وأتمنى ما تعتبره تطاول.
محمود (يرفع نظره ببطء):
اتفضل يا ابني.
أحمد:من هي شيرين؟
وليه عمرنا ما سمعنا اسمها قبل كده؟
وليه غرفتها مقفولة من 25 سنة؟
تتجمد الحركة على الطاولة. يد الجدة مها ترتجف وهي تضع كوب الشاي. أدهم يضغط على قبضته بقوة، بينما ينظر مهاب للأرض بصمت.
علا (تكمل):امبارح دخلنا الغرفة… لقينا صور… دفاتر… أشياء كثيرة.
كانت مليانة روح… ووجع.
مازن يبتسم ابتسامة ساخرة وينظر نحو الجميع، ثم يقول بنبرة لاذعة:أخيراً… الأحفاد عرفوا إن العيلة دي كان عندها بنت… مش بس أولاد.
عرفوا إن في شيرين… التوأم اللي رميتوها كأنها وصمة.
ينظر إلى أدهم مباشرة، صوته ينخفض لكنه محمل بالغضب:
مازن:فاكر يا أدهم؟ كنت أول واحد تصرخ عليها… تضربها…
كنت تقول "جابت العار"... وهي كانت أنقى واحدة فينا.
أدهم ينكمش في مكانه، صوته مبحوح:كنت غبي… كنت جاهل… صدّقت الكذبة…
وما قدرت أغفر لنفسي من يومها.
مهاب (بألم):كلنا صدقنا… كلنا رميناها… رغم إنها كانت تبكي وتقول إنها بريئة.
الجدة مها تهمس بصوت يكاد لا يُسمع:والدكتور… اللي جاي يخبرنا بالحقيقة…
قتل قبل ما يقول من اللي عمل فيها كده…
إياد (بصوت متوتر):يعني أنتم عارفين إنها بريئة؟
كل دا، وأنتم ساكتين؟!
أحمد (غاضبًا):كنا نعيش في بيت مليان كذب!
عمة مطرودة… بريئة… وأنتم تكتّمتم كأنها ماتت!
مازن (ساخرًا بمرارة):هم ما كتموش… هم دفنوها حية.
25 سنة، والغرفة دي شاهدة على كل دمعة سالت منها.
يصمت الجميع. تنزل دمعة من عين أدهم، ثم يقول بانكسار:
أنا ظلمتها… أكتر من أي حد…
ولو الزمن يرجع، كنت أرمي نفسي في الشارع بدلها.
ينظر إياد إلى جده محمود:فين عمتي شيرين دلوقتي؟
الجد محمود يغض بصره، لا يرد. يتدخل مازن بصوت عميق وهادئ:مش عارفين…
بس احساسي بيقولي إنها لسه حية… ويمكن تشوفكم قريب…
بس مش بنفس القلب اللي خرج من البيت دا من 25 سنة.
الجو ثقيل، الصمت يخيّم، وكل شخص غارق في خيبته وذنبه. إياد، علا، وأحمد يحدقون في مازن الذي ينهض بهدوء، ينفض يده من الفتات، ثم يهمس وهو يمشي:أنا كنت أتمنى إنهم يعرفوا…
بس ما توقعت إنه اليوم يكون مرّ الطعم كده
**********************
الصمت ما زال يلف المكان بعد كلمات مازن الأخيرة. الجميع يتهرب من نظرات بعضهم، إلا إياد، الذي ينهض من مقعده بعينين تلمع فيهما شرارة التحدي.
إياد (بحزم):أنا مش هقدر أسكت.
لازم أعرف هي فين… وازاي حصلها كده.
لازم أرجع عمتي شيرين…
ولو فضلت أدور العمر كله.
ينظر مباشرة في عيني جده محمود، ونبرة صوته تمتلئ بعزيمة لا تتزعزع:
إياد:أنا حفيدك، من دمك… بس مش هكون من سكوتكم.
ينظر له الجد محمود طويلاً… ثم يبتسم ابتسامة صغيرة فيها فخر دفين يهزم خطوط الزمن على وجهه، ويهز رأسه بتقدير:
محمود (بصوت خافت):أنت تشبّه عمتك يا إياد…
كنت أتمنى واحد فيكم يقول الكلام دا من زمان.
تتحرك علا ببطء، تقف بجوار إياد، تمسك بذراعه، وتقول بحماس ناعم:وأنا كمان معاك…
مش هسيبك تدور لوحدك.
يلحق بهما أحمد، نبرة صوته حادة لكن صادقة:كلنا معاك يا إياد.
لو في أمل نلاقيها… يبقى لازم نتمسك بيه.
أدهم يرفع رأسه ببطء، عيونه محمرة، فيه ذرة حياة كانت ميتة وانبعثت من جديد. يقول بصوت مبحوح:لو لقيتوها… قولولها إن أخوها…
لسه بيندم كل يوم.
مهاب (يمسح عينه):ولسه بيحلم يرجّع الزمن…
حتى لو بيوم واحد.
الجد محمود ينهض من مكانه، يقترب من إياد، يضع يده على كتفه، ويقول بكل ما تبقى من قوة في صوته:دور يا بني… يمكن ربنا كتب لك تكون سبب لمغفرة قلوبنا.
ينظر الجميع إلى بعضهم… لأول مرة منذ زمن، هناك هدف واحد يجمعهم.
في زاوية الغرفة، يقف مازن، يراقب بصمت، يبتسم بسخرية خفيفة لكنه هذه المرة لا يعلق.
مازن (بهمس لنفسه):أهو أخيراً… حد فيهم قرر يفتح الباب
***********************
بعد أن هدأ التوتر قليلاً، وتسلّل الأمل إلى قلوب الجميع بقرار الأحفاد البحث عن شيرين، يتنحنح محمود ليكسر الصمت:
محمود (بلهجة عملية):
طيب… قبل ما يبرد الفطور خلونا نرجع شوية لموضوع الشغل.
اتفقنا أمس إننا نختار وجه إعلاني جديد للشركة، والموضوع لازم يتحرك بسرعة اياد ، أحمد اتصلوا بالبنت اللي اتفقنا عليها و خلوها تيجي للشركة انهارده
إياد يخرج هاتفه من جيبه، يبدأ بالبحث عن رقمها، لكن أحمد يتدخل:
أحمد (بضحكة خفيفة):اتركها عليّ…
أنا اللي طلبت حسابها على إنستغرام، أقدر أرسل لها دلوقتي.
محمود:تمام… بس لما تجي، خلوها تمر على مكتبي.
حابب أشوف البنت دي اللي قدرت تقنعكم من أول لقاء.
في الخلف، مازن يتوقف عن الأكل، يرفع رأسه للحظة، نظرة خفية من القلق تمر بعينيه، وكأنه شعر بشيء… أو تذكّر أحداً.
مازن (بهمس لنفسه): "تارا…"
يكرر الاسم في ذهنه… لكنه لا يتكلم
**********************
بعد شوية
علا كانت سايقة عربيتها بسرعة متوسطة وبتبص في الساعة بقلق، وفي إيدها شوية ملفات مهمين. فجأة، بنت شابة طلعت قدامها بتعدّي الشارع من غير ما تبص.
علا (وهي بتصرخ ودايسة فرامل):
انتي عبيطة؟!! مش شايفة رايحة فين؟!
تارا رجعت خطوة لورا، بس فضلت واقفة، رتبت شعرها بهدوء كإن ما حصلش حاجة، وبصّت لعلا بنظرة باردة.
تارا (ببرود):
لو كنتي مركّزة في السواقة بدل ما دماغك شاردة، كان ما حصلش حاجة.
علا (نزلت من العربية وهي متعصبة):
بجد؟!
انتي اللي ماشية من غير ما تبصي، وجاية تحطّي الغلط عليا؟!
شوية ناس اتجمّعوا حواليهم بيحاولوا يهدّوا الموقف، بس التوتر كان بيزيد. تارا ابتسمت بسخرية.
تارا:
واضح إنك مشغولة أوي… بس شكلك أعصابك بتولّع من أقل حاجة.
مش غريب… على عيلة زي عيلتكم.
علا (اتصدمت):
إيه؟!
انتي تعرفيني؟ وانتي أصلاً مين؟!
تارا قربت منها خطوة، وبصّت في عينيها مباشرة، وهمست:
أنا عارفاكي أكتر ما تتخيلي يا "علا ادهم محمود العطار"…
وبعدين لفّت، ومشيت، سايبة علا واقفة مذهولة ومتوترة، وبتفكر بينها وبين نفسها:
علا (في سرها):
مين دي؟ وليه عنيها كانت كلها حقد كده؟!
***********************
– شركة العطار – الطابق التنفيذي
في المكتب الواسع والفاخر، يجلس محمود العطار خلف مكتبه العتيق، وبين يديه بعض الأوراق لكنه بالكاد يقرأ شيئًا. أمامه يقف كل من ادهم ومهاب، يناقشون بعض التفاصيل، بينما يقف إياد وأحمد جانبًا يتبادلون النظرات ويمسكون بهواتفهم، في انتظار مكالمة من تارا.
رنّ هاتف إياد، ردّ بسرعة، وصوته بدا أكثر هدوءًا من المعتاد.
إياد (بابتسامة):أهلاً، نعم… طبعًا، العنوان واضح؟… ممتاز، بانتظارك.
أنهى المكالمة ونظر لأحمد بحماس، ثم إلى جده ووالده وعمه.
إياد:جايه بالطريق.
محمود (بصوته العميق):كويس… نشوف إذا تستحق فعلاً تكون وجه الشركة الجديد.
دقائق تمر… الجو هادئ، الأصوات الوحيدة هي لأوراق تُقلّب، وهواتف ترن من مكاتب الموظفين بالخارج.
وفجأة، يُفتح الباب الرئيسي للمكتب الواسع…دخلت تارا.
خطواتها واثقة، رأسها مرفوع، شعرها منسدل بعناية على كتفيها، ترتدي فستانًا بسيطًا وأنيقًا لكنه يبرز جمالها... أما وجهها، فكان هو الصدمة.
محمود، الجالس خلف المكتب، اتسعت عيناه فجأة.
ادهم، الذي كان يقف قرب النافذة، التف ببطء، وعيناه لا تصدقان ما تراه.
مهاب شهق دون أن يشعر، ويده سقطت من على الورقة التي كان يمسك بها.
أحمد وإياد، اللذان التقيا تارا من قبل، نظرا إليهم بارتباك، دون أن يفهموا سبب ردّة الفعل.
تارا توقفت أمامهم مباشرة، ابتسامة باردة تزين ملامحها، بينما عيناها تتفحص الوجوه التي تحمل لها الماضي والدم والخذلان.
وفي لحظة صمت مشحونة بالدهشة…
محمود (بصوت مرتعش وخافت):مستحيل…
ادهم همس وكأنه يتحدث مع نفسه:شيرين؟!
الفصل الثامن
في مكتب شيك في آخر دور في الشركة. محمود قاعد على الكرسي الكبير في نص المكتب، جنبه أدهم ومهاب، وقُدامهم أحمد وإياد. الجو فيه ترقّب، والباب بيتفتح وتدخل تارا.
تارا داخلة لابسة بدلة شيك، خطواتها هادية وواثقة، نظراتها باردة ومليانة غل مش مفهوم سببه. عينها بتلف عليهم كلهم من غير حتى ما تبتسم.
محمود (بيقوم وهو بيحاول يكون ودود):
أهلاً يا آنسة تارا… اتفضلي، كنا مستنيينك.
تارا (ببرود وهي قاعدة من غير ما تسلم على حد):
يا رب ما أكونش اتأخرت… الوقت غالي زي ما حضراتكم عارفين.
مهاب (بيحاول يلطّف الجو):
أكيد طبعًا، وإحنا مقدرين إنك جيتي. أحمد وإياد اتكلموا عنك كتير… كانوا شايفين إنك أنسب واحدة للدور ده.
تارا (بصّة لإياد وبعدين لأحمد، عنيها كلها كلام مش مريح):
آه… اتقابلنا في الجيم كده صدفة. صدفة لذيذة يعني، مش كده؟
أحمد (بيضحك وهو بيحاول يخفف التوتر):
بصراحة… كنتِ لافتة أوي. وكان طبيعي نرشحك. حضورك جامد يعني.
تارا (بتبتسم بسخرية وبترمي عليه نظرة نار):
قوة الحضور مش معناها إن حد يقرب… أو يفتكر إن ليه حق، صح يا أحمد؟
أحمد (بيتلخبط شوية ونظرات أبوه أدهم بتسكتّه):
طبعًا طبعًا… أنا قصدي بس من الناحية الإعلانية… مش أكتر.
أدهم (بيبص له بنظرة تحذير وبعدين يوجه كلامه لتارا):
إحنا عايزين شغل محترم، يا آنسة تارا. ومفيش أي نية لحاجة تانية.
تارا (بصّة تقيلة عليه):
طول ما الشغل هيكون "محترم" زي ما بتقول… يبقى مفيش مشكلة.
إياد (ساكت طول الوقت، بس دلوقتي بيتكلم بهدوء):
راجعتي العقد؟ كله واضح، بس لو عندك أي ملاحظات…
تارا (بتقاطعه بنبرة حاسمة):
هوقّع… بس بشرط واضح: مفيش هزار، لا في الكلام ولا في التصرفات.
محمود (بيحاول يهدّي الموقف):
معاكي حق، وإحنا دايمًا حريصين على احترام الناس اللي معانا. ومتطمنة… كل اللي هنا عارفين حدودهم كويس.
تارا بتقوم، بتلم أوراقها، وبترمي عليهم نظرة مليانة مشاعر متلخبطة… كأنها شايفة حاجة هما مش شايفينها.
مواعيد التصوير إمتى؟
مهاب:
كمان أسبوع، هنتواصل معاكي عشان نحدّد التفاصيل.
تارا (وهي ماشية ناحية الباب، بتقف لحظة):
تمام… يبقى أشوفكم قريب.
بتخرج من غير كلمة زيادة، وسيبا وراها ريحة غموض مريبة.
أحمد (بينفخ وبيهرش في رقبته):
يا نهار أبيض… دي مش طبعية خالص.
إياد (بصوت هادي وهو مركز معاها):
هي عارفة بتعمل إيه… كويس أوي.
محمود (بيبص لأدهم ومهاب):
حاسس إننا دخلنا في حاجة أكبر من مجرد إعلان
***********************
ممر في كلية الجامعة، الوقت صباح، طلاب يمرّون مسرعين بين المحاضرات. عُلا تسير بسرعة تحمل ملفات، وجهها جاد وغاضب. فجأة تصطدم بشخص وسقطت بعض الأوراق.
عُلا (بعصبية):
حضرتك ما بتشوفش وانت ماشي ولا إيه؟!
ياسر (بابتسامة عريضة، بينحني يساعدها يجمع الورق):
آسف بجد… بس ممكن نقول إن البداية دي مثالية لفيلم رومانسي؟!
عُلا (تشوح بإيدها وتاخد الورق منه):
فيلم إيه يا أستاذ؟ احنا في جامعة، مش في سينما… وده مش وقت هزار.
ياسر (واقف وبيبص لها بنظرة فيها تحدي):
طيب طيب… ما تزعلِيش، واضح إني جيت على دماغ المعيدة الغاضبة!
عُلا (بحدة):
إسمي "دكتورة عُلا". وده مكان شغل، مش حفلة.
ياسر (بيرفع حاجبه باندهاش مفتعل):
آسف يا دكتورة، أول يوم ليّ… معيد جديد هنا. ياسر.
(يمدّ إيده بابتسامة):
وإن شاء الله مش هخبطك تاني… رغم إني مش ندمان على أول مقابلة خالص.
عُلا (ما بتسلمش على إيده، بتبص له من فوق لتحت):
واضح إنك واخد الشغل هزار من أول دقيقة… بس خليني أوضحلك، هنا الالتزام قبل أي حاجة.
ياسر (بضحكة خفيفة):
ده غير إني متأكد إنك هتغيري رأيك عني… قريب جدًا.
عُلا (تضيق عينيها):
ده اللي هنشوفه يا أستاذ ياسر.
ياسر (وهو بيبتعد وبيبص لها من فوق كتفه):
متحمّس أوي للشغل معاكِ… يا دكتورة الغاضبة!
عُلا (تتمتم وهي ماشية بعصبية):
يا ربي على النكد اللي جاي…
**********************
غرفة نوم هادئة في بيت أنيق في القاهرة. الوقت مساء. أنوار خافتة. شيرين جالسة على كرسيها المتحرّك قرب النافذة، تنظر بصمت إلى الخارج.
أدهم يدخل بهدوء، يحمل كوب شاي دافئ. يضعه على الطاولة الصغيرة قربها، ثم يجلس على كرسي أمامها.
أدهم (بنبرة حنونة):
"ماما... الجو برد بره، عارفة إنك بتحبي ريحة المطر بس خلي بالك على نفسك."
شيرين لا ترد، فقط تنظر له بعينين دامعتين.
أدهم (يتنهد، ثم يبتسم رغم ألمه):
"كنتي دايمًا تقوليلنا إن الضلمة مش بتخوف، اللي بيخوف فعلاً إننا نفضل عايشين فيها ومش ندوّر على النور… أنا لسه فاكر كلامك."
شيرين ترف عيناها قليلًا، كأنها تحاول الرد.
أدهم (يتأمل وجهها، صوته يرتجف):
"أنا عارف إنك شايفة كل حاجة… شايفة قد إيه تارا قلبها بقى نار، وإنها ماشية في طريق كله وجع ودم، بس أنا مش هسيبها، مش هسيبها تضيع يا ماما."
شيرين تدمع عيناها أكثر، وتحاول رفع يدها قليلًا لكنها لا تستطيع. أدهم يلتقط يدها ويقبلها.
أدهم (بصوت مختنق):
"أنا مش زعلان منك… ولا عمري كنت. عارفة ليه؟ علشان انتي ضحية زيك زي كلنا… وهمّ افتكروا إنهم بيحموا اسم العيلة، بس دمّروها. بس أنا مش ناوي أكمّل السكة دي، أنا مش هنتقم… ولازم أخلي تارا تفوق."
شيرين تنظر له مطولًا، كأنها ترجوه ألا ييأس، كأن كل ما تملك من أمل صار معقودًا في عيونه.
أدهم (يتنفس بعمق، ثم بصوت منخفض):
"بحبك قوي يا ماما… وإنتي مش لوحدك. وسليم… سليم أكيد شايفنا وبيقولنا ما نمشيش في طريق الظلمة."
شيرين تدمع عيناها بقوة، وقطرة دمعة تسيل على خدها.
أدهم ينهض، يحتضنها برفق دون أن يؤذيها.
"أنا وعدتك إنك هترتاحي… وهعمل ده. حتى لو تارا رفضت تسمعني، أنا هفضل أقولها… العيلة اللي ظلمتك لازم تعرف الحقيقة، بس مش بالنار… لازم نكشف اللي عملته سعاد، مش نحرق قلوبهم."
صمت ثقيل يملأ الغرفة… فقط صوت المطر بالخارج... وقلب أم مكسور بين الحياة والموت، متعلق بابن مؤمن أن النور لسه ممكن ييجي
********************
مساء، غرفة المكتب الخاصة بـ ماريا داخل منزل شيرين في مصر. أضواء خافتة. ماريا تقف قرب النافذة، تنظر نحو غرفة شيرين ثم تغلق الستائر. تخرج هاتفها وتتصل.
على الطرف الآخر: سعاد، تجلس في قصرها العتيق، تضحك بهدوء شيطاني وهي تمسك بمسبحة سوداء في يدها.
ماريا (بصوت منخفض، نبرة متوترة لكن مطيعة):
"مادام سعاد… تأكدت اليوم. الحالة مستقرة… للأسوأ كما خططنا. رفعت الجرعة مثل ما قلتيلي، و... ما في أي تحسن، العكس تمامًا."
سعاد (تضحك بخفة، بصوت متهكم):
"ممتاز… ممتاز يا ماريا. شيرين لازم تفضل كده، بين الحياة والموت… لا تتكلم، لا تتحرك… مجرد ظل."
ماريا (بقلق خفيف):
"ابنها، أدهم… بدأ يشك في بعض الأشياء، بيلاحظ إن الأدوية ما بتجيب نتيجة، وبيسأل كتير."
سعاد (بحزم بارد):
"أدهم عاطفي زيادة، مش هيقدر يشوف الحقيقة لو حطتيها قدامه. استمري بالدواء، وخلي شكوكه توصل لطريق مسدود… قولي له إن الحالة نادرة، وإنه مفيش علاج فعال."
ماريا (تنظر من نافذة غرفتها نحو غرفة شيرين):
"و... بالنسبة لتارا؟ شكلها بتقرب توصل للمرحلة الأخيرة من خطتها… بتتحرك بسرعة، وبتحقد عليهم بقلب أسود… زي ما كنتي عايزة."
سعاد (تضحك ضحكة قصيرة، خبيثة):
"آه يا تارا… بنت شيرين، لكن سلاح في إيدي. تفتكري إيه هيحصل لما تارا تكتشف إنها كانت لعبة في إيدي مش في إيد أمها؟"
ماريا (بهمس):
"هتكره الكل… يمكن حتى والدتها."
سعاد (بصوت هادئ وشيطاني):
"برافو يا ماريا… استمري. وافتكري، لو يومي جِه قبل يومك، اسمك هيتدفن مع أسراري. فاهمة؟"
ماريا (ترتجف خفياً):
"فاهمة تمامًا يا مادام… ما فيش حد هيعرف أي حاجة. ولا كلمة."
سعاد (بابتسامة باردة):
"كويس… خلي شيرين تفضل في سجنها، وخلي تارا تمشي في طريق الهلاك. وأنا… أنا بس هستمتع بالمشهد."
المكالمة تنتهي… ماريا تغلق الهاتف وتنظر إلى صورتها في المرآة، للحظة يظهر في عينيها ندم خافت… لكنها تطفئه بابتسامة مزيفة وتخرج من الغرفة
********************
في مكان غير معلوم، غرفة مظلمة كليًا باستثناء ضوء خافت ينبعث من شاشة جهاز الكمبيوتر المحمول. الرجل المجهول جالس على كرسي مريح، يراقب بعناية شديدة كل الأحداث عبر شاشة موصولة بكاميرات مخفية في كل أنحاء المنزل والمستشفى. صوته غير مسموع إلا لنفسه.
الرجل المجهول (بصوت خافت لكن مليء بالكراهية):
"كل خطوة في لعبتها محكومة... كل نفس يأخذونه في هذا البيت... أراه وأعرفه. كل شيء تحت سيطرتي. ماريا... خائنة. ظنّت أنها ستفلت من عقابها... ولكنها لا تدرك أنها مجرد أداة في لعبة أكبر."
يأخذ نفسًا عميقًا ويستعرض لقطات مرعبة تظهر سعاد وهي تتلاعب بكل شيء، ثم تنتقل عينيه إلى صورة تارا، التي تتبع خطة الانتقام على الرغم من أنه لا يوافق عليها. يضغط على زر ليتنقل بين الصور.
الرجل المجهول (بهمسات هادئة، وكأنما يتحدث مع نفسه):
"تارا... أنتِ ضحية، لكنكِ أضعتي نفسك في طريق لا مفر منه. هل تعرفين يا ابنتي الصغيرة، أن كل خطوة لكِ هي خطوة نحو جحيم أعده لأعدائك؟"
ثم يوجه نظره نحو صورة سعاد. عينيه تتألق بالكراهية.
الرجل المجهول (بصوت أكثر حدة):
"سعاد، أنتِ من جعلتِ كل شيء يتحطم... أنتِ من دمرتِ حياة تلك العائلة كلها، ومن خلفكِ تراقب كل شيء عن كثب، تدفعين الكل للهاوية، لكنكِ ستدفعين الثمن غاليًا. كل ما فعلته، كل من خدمكِ... سيذوقون ناري."
يتنفس بعمق وهو يضغط على حافة الطاولة بيديه، ثم ينظر إلى نافذة الغرفة التي تطل على الظلام الخارجي.
الرجل المجهول (مواصلاً، وكأن الحديث موجه إلى سعاد):
"انتظريني يا سعاد، أنتِ تظنين أنكِ محمية... لكنكِ أضعف مما تتصورين. سنرى كيف سينقلب الملعونون عليكِ يومًا ما. كل من وقف في صفكِ... سيُدفع الثمن. ماريا؟ ستدفع هي الأخرى، ولن تفر منها لعنة الانتقام."
ينهض فجأة من مكانه ويبدأ السير داخل الغرفة وهو يفكر بصوت عالٍ:
الرجل المجهول (بعزم غريب):
"أنا سأكون النهاية التي لا أحد يتوقعها. عندها فقط... ستعلمون من كان يراقبكم، ومن كان يحرك خيوط اللعب في الظلال. موعدي معكم قريب، وكل من ساعد سعاد سيرى جحيمه الخاص. ليس بعد، بل حينما يأتي الوقت المناسب. سنرى من سيتنفس الأمل حينها."
ينهض عن الكرسي ويغلق جهاز الكمبيوتر، ثم يقترب من نافذة الغرفة مرة أخرى ويقفل الستائر بعناية تامة. يصمت للحظة قبل أن يهمس في نفسه، عاقدًا العزم على الانتقام.
الرجل المجهول (وهو يبتسم ابتسامة مريبة):
"الجميع سيعرف الحقيقة، وسأكون الحاكم الأخير."
فجأة الباب يُفتح بهدوء ويدخل الرجل المجهول الثاني. يدخل بهدوء ويرتدي سترة داكنة وقبعة تغطي جزءًا من وجهه. الرجل الأول ينظر إليه دون أن يعبس، لكن عينيه تعكس اهتمامًا كبيرًا.
الرجل المجهول الأول (بصوت هادئ مليء بالترقب):
"أنت هنا أخيرًا. كنت أعتقد أنك ستتأخر، ولكن يبدو أن الوقت قد حان للتحرك."
الرجل المجهول الثاني (يخلع سترته ويجلس على المقعد أمام الطاولة، عينيه مليئة بالحذر والتفكير العميق):
"كان من المتوقع أن تظهر الأمور بهذه الطريقة. سعاد تظن أنها يمكنها الهروب من العدالة إلى الأبد، ولكنها لن تنجح. نحن هنا فقط من أجل شيء واحد... القضاء على كل من يشارك في ظلم شيرين."
الرجل المجهول الأول (يميل برأسه قليلاً، ثم يبتسم ابتسامة مظلمة):
"سعاد تظن أنها يمكنها التحكم بكل شيء... تظن أنها تستطيع دفع تارا للانتقام من عائلة شيرين، وتوجيهها ضد كل من حولها. لكننا نعرف الحقيقة، وتارا لن تكون في طريقنا. نحن هنا لنسحق الفساد الذي زرعته سعاد في قلب هذه العائلة."
الرجل المجهول الثاني (نبرة صوته جادة، وهو ينظر مباشرة إلى الرجل الأول):
"تارا لا تحمل في قلبها أي كراهية ضدنا، ولا ضد شيرين. هي فقط ضحية للشر الذي زرعته سعاد. هي ليست عدوًا لنا. هدفنا هو سعاد وكل من ساعدها في مؤامراتها. هؤلاء فقط هم من سيرون الجحيم الذي أعددناه لهم."
الرجل المجهول الأول (يضع يده على الطاولة، وهو يضغط أصابعه ببعض القوة):
"سعاد هي من أفسدت حياة الجميع. هي من دفعت شيرين إلى تلك المعاناة، وهي من قتلت سليم. هي من فرقت العائلة، وها هي تدفع تارا لتكون أداة انتقام... ونحن هنا لوضع حد لهذا الفساد. سعاد ستدفع الثمن، وكل من يقف إلى جانبها سيعاقب."
الرجل المجهول الثاني (يتنهد قليلاً، ثم يرفع رأسه ويبتسم ابتسامة غير مرئية تحت قناعه):
"نحن نعرف أن تارا لا تعرف الحقيقة كاملة. ولكن لحسن الحظ، نعرف أن هناك دائمًا وقتًا للحقيقة لتظهر. ونحن سنكون هناك عندما يأتي ذلك الوقت. سعاد ستدفع ثمن كل ما فعلته، ونحن سنجعلها تدفع ثمن كل دمعة سكبتها، وكل حياة دمرتها."
الرجل المجهول الأول (بحزم، عينيه مشتعلة بالحقد):
"نحن لسنا ضد تارا، نحن ضد الشر. ضد من يدفع الناس ليكونوا أدوات للإنتقام. سعاد هي العدو، وكل من يساعدها سيكون العدو. هذه ليست مجرد انتقام، إنها العدالة التي تأخرت كثيرًا."
الرجل المجهول الثاني (ينظر بعيدًا إلى الظلام خارج النافذة، ثم يلتفت إلى الرجل الأول):
"نعم، العدالة التي تأخرت... ولكن في النهاية، سيكون هناك حساب لكل شيء. سعاد ستدفع، وكل من يعتقد أنه يمكنه الوقوف ضدنا سيرى النهاية التي يستحقها."
الرجل المجهول الأول (بصوت هادئ، ولكنه مليء بالقوة):
"تمامًا. وسنعرف اللحظة المناسبة. نحن نراقبهم جميعًا. سنكون هناك عندما يكون الوقت قد حان. وكل من ساعد سعاد سيندم."