رواية حجر الشيطان الفصل التاسع9والعاشر10بقلم شاهنده


رواية حجر الشيطان

 الفصل التاسع9والعاشر10

بقلم شاهنده

دلفت فتون الى مبنى الشركة بخطوات تبدو لناظريها واثقة بل تكاد تصل الى الغرور ..ولكن لمن يعرفها جيدا سيلاحظ توترها الشديد من خلال احكامها غلق قبضتها على حقيبتها ..فلقد كانت تجلس فى سيارتها لمدة طويلة تنتظر اتصالا من نبيل ليجيئها هذا الاتصال منذ قليل..يخبرها أنهم قد اتفقوا على بنود العقد ولم يبقى سوى التوقيع وأن تحضر الى الشركة على الفور كي توقع العقود..وبالطبع هنأها نبيل على اقتراحها بعدم الحضور متعللين بذلك الميعاد الذى كانوا مضطرين لالغاءه فى اللحظة الأخيرة،فقد قضي ذلك على أي أثر لشك قد سكن فى قلب ياسين تجاههما..لا يعلم نبيل أنها ما لجأت لتلك الكذبة لدحض شكوك ياسين تجاههم ..بل على الأحرى لتستطيع تمالك مشاعرها فمنذ الصباح وهي قلقة للغاية من لقائها بياسين..لذا احتاجت فقط بعض الوقت لتعود السيطرة مجددا لتلك الفتاة التى أقسمت على أن لا يهدأ لها بال حتى تجعل قاتل أختها ذليلا لها ليتمنى الموت على يدها ولا يجده.. لتعود تلك التى لا تبغى شيئا فى الحياة سوى انتقاما مشتعلا يليق بمصابها.
دلفت الى المصعد متجهة الى مكتب ياسين وقد امتلأ قلبها عزما على المضي فى مخططها..طرقت الباب بهدوء ثم دلفت لتجد تلك الفتاة المتحذلقة والتى لا تطيقها جالسة على مقعدها خلف المكتب.. لم تنبت فتون بكلمة وهي تنظر اليها ببرود..لتنهض الفتاة ثم تتجه الى ذلك الباب الجانبى والخاص بياسين تطرق بابه بهدوء ثم تدلف معلنة عن وصول فتون ثم تتنحى لها جانبا وتدلف فتون الى الحجرة تتأمل فى هدوء أولئك الحاضرين و الذين وقفوا تحية لها..لتبتسم محيية إياهم برأسها حتى استقرت نظراتها على ياسين ..شعرت برجفة فى قلبها من تلك النظرات الباردة والتى حدقها بها ..رسمت ابتسامة على شفتيها وهي تقترب منه قائلة بأسف مصطنع:
آسفة لو اتأخرت عليكم..بس الطريق كان زحمة جدا فى وسط البلد.
أومأ ياسين برأسه متفهما وهو يقول:
محصلش حاجة يامدام فتون ..اتفضلى اقعدى.
شابت ابتسامتها بعض السخرية وهي تقول:
آنسة فتون..وبعدين احنا مش قلنا بلاش الألقاب ..احنا خلاص هنبقى شركا ..ولا ايه؟
اومأ برأسه موافقا دون أن ينطق بكلمة..وهو يتجنب النظر إليها..جلست على المقعد المواجه لمكتب ياسين بهدوء تضع قدما فوق الأخرى.. فاقترب منها محامى الشركة فى تلك اللحظة يتأملها فى اعجاب..ثم يمد يده اليها محييا وهو يقول:
ألف مبروك يافتون هانم..دى أول مرة أشوف حضرتك بس سمعت عنك كتير..احنا أكيد اتشرفنا بانضمامكم لينا.
ابتسمت فتون وهى تمد يدها بدورها تسلم عليه قائلة:
الشرف لينا أستاذ.....
وتركت جملتها معلقة ليسرع المحامى بالتعريف عن نفسه قائلا:
محمود شاكر محامى الشركة.
أخفت ابتسامة داخلية عندما سمعت صوت ياسين وهو يقول بحدة:
ياريت نمضى العقود بسرعة ومنضيعش وقت ياأساتذة.
نظر إليه الجميع بدهشة من حدته ليشعر بالارتباك..ويقول متلعثما:
أنا..أنا ..يعنى ورايا مواعيد تانية وبالشكل ده هتأخر عليهم.
التفتت اليه فتون تقول بنبرة آسفة مصطنعة:
آسفة لتانى مرة ع التأخير..وأكيد مش هنأخرك أكتر من كدة على مواعيدك ياياسين.
أغلق ياسين أهدابه يخفى نارا تأججت بعيونه..فحتى طريقة نطقها لإسمه تشبهها كثيرا..ياالله ..يبدوا أنه سيتعذب كثيرا، فلكي يستطيعوا تقوية مكانة شركتهم فى السوق.. حتى يستطيعوا التغلب بها على شركة الشيطان سيكون عليه أن يتعامل طويلا مع تلك الفتاة التى تذكره بها كثيرا..تذكره بحبيبته ومعذبته ميسون.
********************
تناهى الى مسامع مروان صوت ضحكات تأتى من الحديقة ..عقد حاجبيه وهو يميز صوت تلك الضحكات .. يدرك أنها لها لتتسارع دقات قلبه على نبراتها الضاحكة..نهض مقتربا من النافذة لينظر الى مشهد خلب لبه ووجد رغما عنه ابتسامة تسللت الى شفتيه..كان فارس يمسك يد زينة يحاول أن يقنعها بالنزول الى الماء ولكنها كانت ترفض ليميل فارس ويحمل بعض الماء بين يديه..يقذفه باتجاهها فتتعالى ضحكاتها..كانت اشارات فارس تنبأه بأنه يحاول اقناعها بالنزول الى الماء وإشاراتها ترفض رفضا قاطعا..يعلم تماما سبب رفضها فقد أخبرته فى احدى الليالى عن موت شقيقها غرقا وكم كانت مرتبطة بأخيها ..حتى أصبح لديها عقدة مرضية تجاه الماء ..لدرجة أنها عندما تستحم لا تغمر نفسها أبدا بالماء وتختنق بسرعة اذا سكبت الماء بكثرة على رأسها..ليقسم فى نفسه وقتها أنه يوما ما سيقضى على تلك العقدة لديها وسيعلمها بنفسه السباحة..ابتسم فى سخرية من نفسه ..كم كان ساذجا فى حينها.
أفاق من أفكاره فى هلع على مرأى فارس يجذب يد زينة بشدة فتقع فى الماء ليتعالى صريخها.. أسرع بالخروج من المكتب مهرولا..و متجها الى حمام السباحة بسرعة البرق.. ليقذف بنفسه فى الماء بملابسه دون تفكير يقترب منها بسرعة ويحملها من خصرها لتضع يديها حول رقبته تتمسك به بشدة ..هاله وجهها الذى تحول لونه الى الأزرق وشفتيها اللتان ترتعشان رغم أن المياه لم تكن عميقة ابدا ولكن لابد وأن يكون ذلك من تأثير خوفها المرضي..لم تنطق سوى اسمه بنبرة ضعيفة ليجد نفسه يضمها الى صدره بشدة..يغمض عينيه..وهو يمرر يده على شعرها المبتل بحنان يقول بهمس:
انتى كويسة يازينة..كويسة ياحبيبتى.
ليهدأ ارتجافها رويدا..حتى توقفت عن الارتجاف تماما وسكنت حركتها ليدرك أنها قد أغشي عليها.. حملها بين يديه بسرعة وهو يتجه الى السلم يصعد الى خارج المياه لتقع عيناه فى تلك اللحظة على فارس الذى شحب لونه وظهرت عليه الصدمة ليشعر بما يعانيه ذلك الطفل الرقيق المحب لوالدته والذى ربما يشعر الآن بالذنب لما تعانيه هي ..ليغير وضعية حملها ويحملها على كتفه وهو يمد يده الى فارس قائلا فى حنان:
تعالى معايا يافارس.
نظر فارس الى يد مروان الممدودة اليه بنظرات زائغة ليكرر مروان طلبه ولكن بنبرة أكثر صرامة لتستقر نظرات فارس على يد مروان ويمد يده اليه بدوره ليتمسك بها مروان وهو يأخذه معه الى خارج حمام السباحة يسرعان بخطواتهما الى داخل الفيلا لتقابلهم دادة تحية على الباب وقد اصابها الفزع من مظهرهم لتقول بقلق:
خير ياسى مروان ..مالها زينة.
قال مروان بسرعة :
تعالى معايا يادادة على أوضتها بسرعة.
اومأت تحية برأسها وهي تتبعهم بخطوات سريعة ليدلف مروان الى الحجرة ويترك يد فارس ثم يضعها على السرير برقة..أسرع الى طاولة الزينة وأحضر عطرا ونثره على يده ثم مرره على أنفها لتتململ زينة ويبدو انها على وشك الاستيقاظ ..أحس مروان بالارتياح وهو يراها تفتح عينيها الجميلتين تنظر إليه ببراءة وضعف لطالما سحراه.. أحس بضعفها يقتله..ليبعد ناظريه عنها يبتعد عن سحرها وهو يقول موجها حديثه لدادة تحية:
هاتيلى هدوم لفارس يادادة وساعديها عشان تغير هدومها.
أسرعت دادة تحية تنفذ اوامره بينما ألقى هو نظرة أخيرة عليها تأمل فيها ملامحها لثانية قبل أن يبتعد وهو يأخذ الملابس من يد دادة تحية ويمسك يد الصبي الناظر الى والدته بخوف..فمازالت الصدمة تعتريه ..ليتجه به مغادرا تلك الحجرة إلى حجرته و مغلقا الباب خلفه ولكن ليس قبل أن ينظر اليها ليجدها تتابعه بعينيها وقد ارتسمت فى عينيها نظرة حملت إليه مشاعر عديدة تمنى لو صدقها ..لو وثق بها ولكن للأسف ..ذهبت الثقة ولكنه اكتشف أن العشق لم يذهب معها.
******************
كانت سوزى تمشى بسيارتها فى ذلك الممر الطويل والذى ينتهى بتلك القلعة المحصنة .. يتناثر افراد الحراسة بها..لقد سمعت كثيرا عن تلك القلعة والتى يطلقون عليها جحر الشيطان..ولكن تلك هي المرة الأولى التى تراها فيها..أصابت جسدها قشعريرة وهى تدلف اليها ..توقن من أن اسمها حقا يليق بها..فهى قلعة قاتمة تليق بشيطان مثل عدنان..أوقفت سيارتها ليقوم أفراد الحراسة بالتأكد من هويتها ..لم يهمها اطلاقا نظرات الاعجاب التى رمقوها بها وهى تهبط من السيارة ليستقبلها هارون بنفسه بترحيب شديد..ابتسمت له قائلة:
ازيك ياهارون.
قال هارون باحترام:
أنا تمام ياهانم..نورتى القلعة.
ابتسمت قائلة:
ميرسيه.
أشاراليها بيده أن تتقدمه قائلا:
اتفضلى ياهانم ..عدنان باشا فى انتظارك.
تقدمته سوزى وهى تقول:
انت اشتغلت مع عدنان من إمتى ياهارون؟
قال هارون :
من سنتين ياهانم.
قالت سوزى:
وسبت شاكر منصور ليه؟
قال هارون:
الباشا طلبنى أشتغل معاه ..وأنا مقدرتش أرفض.
توقفت سوزى والتفتت لتنظر اليه قائلة:
فرصة عظيمة طبعا ..أنا اللى اعرفه ان شغلك ممتاز ياهارون بس مادام عدنان طلبك يبقى شغلك فوق الممتاز كمان.
ابتسم هارون قائلا:
دى شهادة كبيرة ياهانم..أشكرك عليها.
عادت سوزى لتتقدمه قائلة:
بس خلى بالك.. مع عدنان مينفعش تغلط..هيوديك ورا الشمس لو ده حصل واسألنى أنا.
قال هارون بهدوء:
عارف ياهانم ..عارف
ابتسمت سوزى فى نفسها وهى تقول بصوت خافت لا يسمع:
لأ متعرفش..لأن لو تعرف اللى أنا أعرفه مش هتشتغل معاه أصلا.
قال هارون:
بتقولى حاجة ياهانم؟
توقفت سوزى أمام باب غرفة المكتب الخاصة بعدنان والذى أشار اليها بيده أنها الحجرة المقصودة وهى تقول:
لأ مبقلش حاجة ياهارون..فرصة سعيدة..سلام.
أومأ هارون برأسه محييا وهو يراها تدلف الى الحجرة دون أن تطرق بابها ليدرك عمق العلاقة بينها وبين عدنان..التفت مغادر بابتسامة خبيثة وهو يقول بصوت خافت ساخر:
لو تعرفى انتى اللى أنا أعرفه مكنتش رجلك هتخطى عتبة جحر الشيطان ياسوزى هانم.
لتتسع ابتسامته الساخرة تدريجيا وهو يغادر تلك القلعة ليتفقد الحراس ويتأكد من أن كل شئ طلبه منه عدنان قد تم.. وأن كل شئ على مايرام وكما يريده سيده تماما.
الفصل العاشر10

كان مروان يبدل ثياب فارس وبينما يغلق له سحاب سترته حتى شعر بيده تبتل فرفع عينيه بسرعة الى عيون فارس ليجد الدموع تغرقها ..شعر مروان بالألم لمرأى دموع ذلك الصبى الجميل وارتجافته التى ازدادت حدتها..ليضمه الى صدره على الفور ليفرغ فارس كل دموعه على صدر مروان..تتعالى شهقاته لتمزق نياط قلبه..قال مروان بحنان:
خلاص يافارس..ماما محصلهاش حاجة ..هي دلوقتى كويسة وبخير ياحبيبى.
قال فارس من بين دموعه بصوت متقطع النبرات:
بس كان ممكن ...يحصلها ياآنكل....كان ممكن تموت....بسببى...أنا مش عارف هي خافت ليه...المية مكنتش غويطة... ومكنتش هتغرق.. هي خافت ليه ياآنكل؟
قال مروان وهو يربت على ظهر الصبى بحنان:
ماما وهي صغيرة حصلتلها حادثة صغيرة يافارس خليتها تخاف من المية ..بس متقلقش..لو حد ساعدها ممكن مع الأيام .. خوفها ده يقل وفى يوم هيروح خالص.
أحس مروان بالصبى تخف ارتجافته تدريجيا..وتتحول تلك الشهقات الى تنهيدات صغيرة ليبعده مروان عن صدره وينظر الى وجهه يمد يده بحنان يمسح تلك الدموع من وجه فارس..قائلا:
متقلقش قلتلك ..الموضوع مش صعب أوى.
نظر فارس الى عيون مروان قائلا:
طب ممكن تساعد ماما معايا ياآنكل عشان نخليها متخفش تانى من المية؟
نظر مروان الى عيون فارس بصدمة ..كاد أن يرفض رفضا قاطعا فهو لن يقطع هذا الوعد ولن يمد يده بالمساعدة الى تلك الفتاة مجددا ولكن تلك النظرة المتوسلة فى عيون فارس أجبرته على أن يهز رأسه موافقا بهدوء ليندفع الصبى الى حضنه يضمه بقوة وهو يقول:
شكر ياآنكل..أنا بحبك أوى أوى.
ضمه مروان بحنان وهو يغمض عينيه قائلا:
وأنا بحبك أوى ياقلب آنكل.
********************
نهض عدنان على الفور عندما رأى سوزى تدلف الى المكتب بتلك الهالة الساحرة والتى عهدها فيها ليبتسم وهو يقترب منها ويمد يده يمسك يدها ويرفعها الى فمه يقبلها قائلا:
أهلا أهلا بأميرتى.
ابتسمت سوزى قائلة :
أهلا بيك ياعدنان.
تأمل ملامحها بعيون يغمرها الاعجاب الواضح وهو يقول:
متغيرتيش ياسوزى.. بالعكس.. حلاوتك زادت..وكأن السنين اللى فاتت ممرتش عليكى.
ابتسمت سوزى وهى تقترب منه كثيرا ترفع يدها الحرة وتلمس فوديه اللذان خطهما الشيب بالتوالى وهي تقول:
بس انت اتغيرت ياعدنان..والسنين بانت عليك.
ابتسم عدنان قائلا:
يمكن بانت على شعرى....
ثم أشار الى جسده بأكمله مستطردا:
بس شكلى..معتقدش...
وضرب على قلبه بقوة قائلا:
والقلب لسة حديد ...
ليغمز قائلا:
وأعجبك أوى.
أطلقت سوزى ضحكة عالية أطاحت بعقل عدنان وهي تقول:
لسة زي ما انت ياعدنان..حقيقى متغيرتش.
ابتسم عدنان وهو يتجه بها الى الأريكة الموجودة بالحجرة ليجلسها ويجلس بجوارها قائلا:
وأتغير ليه ياسوزى؟المهم.. سيبك منى وقوليلى أخبارك ايه؟
مطت سوزى شفتيها الجميلتين قائلة:
كله تمام ياعدنان..انا لسة زي ما انا.
قال عدنان بتساؤل:
يعنى مفيش حد فى حياتك دلوقتى؟مفيش ضحية جديدة لسوزى هانم؟
هزت سوزى رأسها نفيا وهي تقول:
لأ.. لسة ملقتش.
لتغمز قائلة:
بس بدور وأكيد هلاقى.
نظر عدنان الى عينيها قائلا:
ولو قلتلك انك مش محتاجة تدورى.
عقدت حاجبيها قائلة :
تقصد ايه ياعدنان؟
نظر عدنان الى عمق عينيها وهو يقول:
هقولك ياسوزى ..هقولك.
********************
أسرع الجميع بتهنئة بعضهم البعض لإمضاءهم العقود..وما ان صافح ياسين فتون حتى توقف الزمن لثوان فتلك الصاعقة التى أصابت كليهما جعلت كل منهما ينظر وفى نفس اللحظة الى عيون الآخر.. بداخلهما يرتجف ولكن ملامحهما لم تعبر عن صدمتهما ليترك ياسين يد فتون على الفور وهو يتجه الى كرسي مكتبه ليجلس عليه بينما أغمضت فتون عينيها لثانية قبل ان تفتحهما وقد عادت البرودة الى ملامحها..قال محمود المحامى:
أنا هقوم دلوقتى أروح لمروان بيه آخد امضاؤه على العقود وبعدين هروح أوثقها.
اومأ ياسين برأسه بينما قال محمود لنبيل:
فرصة سعيدة يانبيل بيه ..الحقيقة المحامى بتاعكم أستاذ كبير وأنا اتشرفت بمعرفته..وآسف إنه اضطر يمشى بسرعة كان نفسى أتعرف بيه أكتر.
ليبتسم نبيل مجاملا وهو يقول:
فرصة تانية بإذن الله.
ليبتسم محمود قائلا:
بإذن الله.
بينما اقترب من فتون قائلا:
فرصة سعيدة يافتون هانم.
ابتسمت فتون فظهرت غمازتيها..ليدق قلب ياسين بقوة ..يشتعل بالغيرة وهو يرى محمود تشتد نظراته اعجابا وهى تقول:
أكيد احنا الأسعد ياأستاذ محمود.
قال ياسين بصوت حاول جعله هادئ قدر المستطاع:
بسرعة ياأستاذ محمود ..عشان تلحق تاخد امضة مروان ..هو مستنيك دلوقتى.
نظر محمود الى عيون ياسين ليدرك من نظراتهم ان عليه التوجه حالا للخارج ليومئ برأسه متجها الى الخارج بسرعة بينما قال نبيل:
نستأذن احنا بقى دلوقتى ياياسين ومن بكرة الصبح هتلاقينا فى الشركة بإذن الله.
كاد ياسين ان يتحدث حين تناهى الى مسامعه صوت طرقات على الباب ليقول بصوت رخيم:
اتفضل.
دلفت الى الحجرة دارين تمسك بيدها بعض الأوراق تأملت الحاضرين بارتباك خاصة عندما وقعت عيناها على نبيل الذى تجمد فى مكانه تتركز نظراته عليها ..تلك النظرات التى تربك كيانها بأكمله..تحاشت نظراته وهي تنظر الى ياسين الذى قال بهدوء:
تعالى يادارين.
دق قلب نبيل على نغمات حروفها اسمها ..وظل يردد..دارين دارين دارين.
تقدمت دارين باتجاه ياسين وهي تقول باعتذار :
أنا آسفة والله انى بقاطع اجتماعكم ..بس الورق ده لازم تمضى عليه ياياسين عشان اوديه البنك حالا.
ابتسم ياسين لها قائلا:
ولا يهمك ياحبيبتى..هاتى الورق وأنا همضيه علطول.
دقت القلوب رعبا فى تلك اللحظة ..يتساءل نبيل هل دارين هي حبيبة ياسين ؟ هل هي خطيبته؟بينما شعرت فتون باليأس وأن خطتها على وشك الفشل..وهناك فى أعماقها احست بشعور غريب بالغيظ من تلك الفتاة التى تحوز على اهتمام ياسين وقبل أن تفسر ذلك الشعور..وجدت ياسين يقول بعد ان أنهى امضاء تلك الأوراق:
أحب اعرفكم بدارين أختى.
لينظر الى دارين قائلا:
نبيل وفتون ..الشركا الجداد معانا هنا فى الشركة.
ابتسمت قائلة:
أهلا وسهلا.
ابتسموا وهم يومأوا لها برءوسهم بينما تنفس نبيل الصعداء وهو يدرك أنها اخته وليست حبيبته ليعود وينتابه الضيق فكونها أخته يقضى على أي أمل كان لديه للتعرف إليها..ورغما عنه ظهر ذلك الضيق على ملامحه لتعقد دارين حاجبيها..بينما كادت فتون أن تضرب رأسها بخفة تتعجب كيف تاه عن بالها كونه لديه اخت تدعى دارين لتدرك أنها تفقد تركيزها بسهولة عندما تكون بجوار هذا الياسين مما يهدد خطتها كلها بالفشل..طال الصمت فشعرت دارين بالارتباك لتقول:
انا مضطرة أستاذن لإنى اتأخرت..فرصة سعيدة ياجماعة.
لم يجيبها نبيل بينما قالت فتون بهدوء:
احنا الأسعد.
نظرت دارين الى أخيها بابتسامة وهي تومئ له برأسها ثم غادرت تتبعها عيون نبيل فى ألم لتلتقط فتون تلك النظرة ولكنها لم تعقب وهي تقول موجهة حديثها الى ياسين:
احنا كمان مضطرين نمشى..بعد إذنك.
أومأ ياسين برأسه لتمسك فتون بيد نبيل الشارد وتتجه الى الخارج تتابع حركتها عيون ياسين لتشتعل داخله النيران وهو يراها تتعامل بتلك الأريحية مع نبيل..ليغمض عينيه بعد مغادرتهما يفكر فى تلك الورطة التى أوقع نفسه بها.
********************
نظر مروان إلى ذلك الملاك البرئ النائم بجواره بعد معاناة..يتأمل ملامحه بحنان..ليميل عليه يقبل رأسه برقة قبل أن يعتدل ويستند بظهره على وسادته يشرد فى ذلك الماضى الذى تعذبه ذكرياته..كانت تلك الليلة هي الليلة الأخيرة له فى منزله والتى جمعته بزينة فى حجرته..وقتها كانت زينة تنام على صدره تمرر يدها عليه برقة بينما يضمها إليه يمرر يده فى خصلات شعرها..ينعم بقربها..حين سمعها تقول بهمس:
مروان.
همهم قائلا:
امممممم.
اعتدلت تنظر إلى عينيه قائلة:
انت بتحب الأطفال؟
عقد حاجبيه وهو ينظر إليها قائلا:
اشمعنى؟
عقدت حاجبيها بدورها وهي تقول:
ايه هو اللى اشمعنى؟أنا بسألك بتحب الأطفال؟الاجابة بسيطة ياآاه يالأ.
اعتدل وهو حائر من سبب سؤالها..هل ترغب فى الأطفال أم تسأله سؤالا عاديا؟لم يدرى وقتها سبب سؤالها..ليصمت وهو يتأمل ملامحها يود لو يسبر أغوارها..لتتحول ملامح زينة إلى الجمود ثم تنهض بعصبية وهي تلبس فستانها بسرعة قائلة:
خلاص يامروان..اجابتك وصلتلى..عن اذنك.
ثم اتجهت إلى الباب لينهض بسرعة من السرير ويمسك بيدها يقربها منه لتواجهه بوجه خال من الانفعال غريب كلية عنها..ليقول هو بحدة:
هو إيه اللى اجابتك وصلتلى وعن اذنك..انتى اتجننتى يازينة..هو أنا لسة اتكلمت؟
نظرت إليه زينة تقول بحزن:
وسكوتك ده إيه..قوللى؟معناه ايه غير انك مبتحبنيش وانك مش عايز منى أطفال..مش عايز نكون عيلة..وان اللى بيجمعنى بيك مش اكتر من رغبة..وانى نزوة بالنسبة لك.
اتسعت عينيه بصدمة من كلماتها ليترك يدها موجها اصبعه إلى صدره قائلا:
أنا يازينة..أنا مبحبكيش ومش عايز يكون لية منك أطفال وانت بالنسبة لى نزوة وبس ..كل ده اكتشفتيه من سكاتى؟
نظرت إليه لاتدرى فيم تفكر وبماذا ترد عليه ليقول بألم:
أنا محبتش حد فى الدنيا دى أدك انتى.. ورغم انى كنت رافض أدخل أي حد فى حياتى دخلتك انتى..لانى لقيتنى غصب عنى بحبك..مهما قاومت مشاعرى..فى الآخر استسلمت..ولو حابب يكون لية أطفال مش هعوزهم غير منك انتى..بس انتى عارفة حالة قلبى..صحيح أنا حالتى أحسن من غيرى كتير بس برده بخاف..بخاف أجيب طفل للدنيا دى وبعدين أموت وأسيب....
وضعت زينة يدها على فمه قائلة بلهفة:
أبوس ايدك متقلش الكلام ده..انت زي ما قلت أحسن من غيرك كتير..وبإذن الله ربنا هيخليك لية عشان عارف بحبك أد إيه وانى من غيرك أموت يامروان.
ليضمها مروان بسرعة يغمض عينيه بقوة قائلا:
بلاش سيرة الموت ..كفاية وجع..كفاية يازينة..انا وانتى هنعيش ومع العلاج اكيد هكون أحسن وساعتها هطمن..و هنجيب الطفل اللى نفسك فيه.
قالت زينة فى ألم:
أنا المهم عندى انت..انك تكون معايا ياحبيبى ..وآسفة لو سيرة الأطفال قلبت عليك المواجع ..آسفة بجد..
ابتعد عنها ينظر الى عينيها الجميلتين وهو يقول بحزن:
أنا اللى آسف يازينة..حياتك معايا ملخبطة وأي حاجة بتتمنيها مش قادر أديهالك..مع ان لو بإيدى كنت حققتلك كل أحلامك من قبل حتى ما تحلميها.
نظرت إلى عينيه قائلة بعشق:
انت كل أحلامى يامروان..
لتتردد قليلا وهي تقول:
بس....
لتصمت فعقد مروان حاجبيه قائلا:
بس ايه يازينة؟
تجنبت النظر إلى عينيه وهي تقول:
كنت عايزة أقولك على حاجة مهمة.
قال بحيرة:
فيه ايه يازينة؟
ليسمعا صوت حركة بالخارج فانتفضت زينة قائلة:
شكل فيه حد صحى..أنا همشى دلوقتى ونكمل كلامنا بعدين.
لتتركه وتغادر بسرعة ليتابعها فى حيرة ويظل طوال الليل يتساءل عن ذلك الشئ المهم الذى كانت تود إخباره به..وفى اليوم التالى وجد نفسه بالمعتقل لتظل كلماتها ترن فى أذنه تحيره .....حتى عرف الحقيقة.
لينظر مجددا إلى فارس قائلا فى مرارة:
ياترى انت ابنه يافارس؟انت تقريبا عمرك من عمر السنين اللى بعدت فيها عن مامتك..بس تعرف حتى لو كنت ابنه فقلبى اللى اتعلق بيك مش ممكن يكرهك بسببه..أنا لو كنت حبيت يكون لية طفل مكنتش هتمنى غيرك..بس مع الأسف دلوقتى فات أوان التمنى ومبقتش حتى أحلم يكون لية طفل من زينة أو من غيرها..فياريت تعتبرنى زي باباك وتعوضنى عن حرمانى من الأطفال اللى باقى من عمرى.
لتنزل دمعة حزينة تنعى قلبه المتألم بشدة ليمد يده بحزن يمسحها ..ثم يعتدل على جانبه يضم فارس إلى حضنه وهو يغمض عينيه ينفض أفكاره الحزينة ويحاول أن يستسلم للنوم لعله يريحه من عذابه.
********************
نهضت سوزى وهي تقول فى عصبية :
انت اتجننت ياعدنان؟
تغاضى عدنان عن اهانتها له وهو يجز على اسنانه قبل أن يقول بهدوء:
اهدى بس ياسوزى واقعدى وأنا هفهمك.
قالت سوزى بحدة:
تفهمنى ايه بس؟انت ناسى مروان اللى بتكلمنى عنه ده كان مين؟كان ابن جوزى ياعدنان؟ابن سعيد فياض ولا نسيت؟
تراجع عدنان فى مقعده قائلا بهدوء:
لأ منستش ..وعشان كدة شايفك أنسب واحدة للمهمة دى..انتى لسة صغيرة وحلوة أوى كمان..يعنى بسهولة تقدرى توقعيه فى شباكك لو حبيتى.
قالت سوزى باستنكار:
أوقعه فى شباكى؟انت أكيد نسيت مروان ياعدنان؟مروان ده محدش يقدر يضحك عليه ..هو صحيح طيب بس مش ساذج ابدا ولا عبيط.. وبعدين حتى لو افترضنا ان ممكن واحدة تلعب عليه فأكيد مش أنا ولا نسيت المشاكل اللى بينا وورث باباه اللى خرج من المعتقل لاقانى آخداه.
ابتسم عدنان قائلا:
لأ منسنتش بس اللى انتى متعرفيهوش ان مروان بقى واحد تانى خالص..مبقاش الراجل بتاع القيم والأخلاق زي زمان ..ده هيدخل معايا صفقة لو أقولك عليها مش هتصدقى..صفقة العمر ياسوزى وبصراحة انا محتاج الصفقة دى بس لسة خايف منه وحابب يكون لية عين عليه من جوة بيته..ومش هآمن لحد غيرك يجيبلى أخباره ويوقعه فى الكلام.
أطرقت سوزى برأسها تفكر قليلا الا أنها نفضت افكارها وهي تهز رأسها نفيا قائلة:
لأ ياعدنان..صدقنى مش هينفع..مروان زي العقرب وأنا أخاف اقرب منه يلدعنى وأبقى ضعت للأبد.
نهض عدنان واقترب منها يمسك يدها قائلا:
متخافيش ياسوزى أنا جنبك..هتخافى وأنا جنبك؟
نظرت اليه سوزى قائلة:
ياعدنان افهمنى ..أنا مش مرتاحة للموضوع ده ..شوفلك واحدة غيرى.
ترك عدنان يدها وهو يزفر قائلا:
الوحيدة اللى كانت تنفع أزرعها جوة بيته وتجيبلى أخباره كانت زينة وزينة هربت.
اتسعت عينا سوزى فى صدمة قائلة:
هربت..هربت راحت فين ياعدنان؟..أنا مش قايلالك تخليها تحت عنيك..دى ممكن تودينى فى داهية لو وصلت لمروان.
عقد عدنان حاجبيه قائلا:
ازاي يعنى؟
قالت سوزى بارتباك:
يعنى ..انت..انت عارف.. انها عارفة العلاقة اللى بينى وبينك وانى كنت بخون باباه معاك.. وممكن تقوله وتقلبه علية اكتر .
قال عدنان بهدوء:
متقلقيش أنا و رجالتى بندور عليها وأكيد هنلاقيها قبل ما توصله.. مقلتليش بقى هتعملى ايه مع مروان؟ ..أنا عايز ادخل الصفقة بقلب جامد.
زفرت سوزى بقوة قائلة:
بقولك ايه ياعدنان..خلى شغلك بعيد عنى ..أنا مش هقدر أعمل اللى انت عايزه منى ..أنا مش أد مروان..يلا بقى أنا ماشية ..سلام.
لتبتعد مغادرة يتابعها عدنان بعينيه حتى ابتعدت عن مرمى بصره ليرفع سماعة الهاتف وما ان أجابه محدثه حتى قال بهدوء:
نفذ ياهارون..وحالا.
تعليقات



<>