الفصل العاشر10والحادي عشر11
بقلم امل نصر
بطاولة ضمتهما وحدهما هي وابنتها، بعيدًا عن كل معارفها في النادي العريق، من سيدات اصدقائها، أو اشخاص تربطها بهم علاقة قرابة أو عشرة قديمة، في هذا المكان المعروف، والمميز لمزاولة كافة الأنشطة الاجتماعية والرياضية لها ولأبنائها،
ولكن هذه المرة كانت على صفيح ساخن، كبركان خامل، تسير حممه ببطء شديد في انتظار الإذن لانفجاره، حتى يحرق الأخضر واليابس،
لقد فقدت سيطرتها على ابناءها، ليلى التي كانت كقطعة قماش بيضاء شفافة ترى كل ما بداخلها، أصبحت الاَن غامضة، تهاودها ولا ترفض لها طلبًا، سوى المطلب الذي تتمناه من قلبها وهو الزواج من ابن خالتها سامح، من يليق بها حقًا، ولكن الغبية، رأسها المتيبس لا يلين ابدا.
عزيز واه من عزيز، ابنها المفضل، والذي اصبح يكذب عليها طوال الوقت، في كل مرة اقتربت منه لتعرف سر هذا التغير بشخصيته، يدخلها في حوارات ودوائر عجيبة، تنسيها الغرض الأساسي من نقاشها معه، وهي الاعلم بهذا الأسلوب حينما يتبعه معها، لا يصدر إلا حينما يكن خافيًا شيئًا ما عنها .
خاطبتها ريهام وهي تتناول من طبق المثلجات خاصتها:
- يا ماما خفي حرق في دمك شوية، اشربي حتى العصير اللي قدامك يمكن يهديكي، الموضوع مش مستاهل اوي يعني
زاد اشتعال عينيها، ترمقها بغضب مرددة:
- هو ايه اللي مش مستاهل؟ يعني بعد كل اللي حكتهولك ده، ولسة برضوا يا ريهام الكلام مش داخل دماغك؟ بقولك الاتنين متغيرين وفي نفس الوقت، طول الوقت مبسوطين، الواحد فيهم ، يا اما برا في مشوار يا اما في الأوضة بتاعته وقافل عليه، عزيز اللي كان طول الوقت بابه مفتوح، حتى لو بيكلم بنات، دلوقتي بيفقل اوضته قدامي، ولا اختك اللي بقت زي العجينة في ايدي ما ترفضليش اي طلب، غير الطلب اياه
عادت ريهام لخلق تبربرات لهما، فما زالت غير مقتنعة لوجود المشكلة من الأساس:
- عادي يا ماما، لما عزيز يعمل خصوصية لنفسه، ما هو يمكن بيتفرج مثلا على حاجة كدة ولا كدة، برضوا هو شاب والحاجات دي عادي بالنسبة للشباب، انا اسفة يعني، وان كان على ليلى، فدي طاقة ومجنونة اصلا، تلاقيها بتتبع معاك الأسلوب الجديد ده، عشان تاخد رضاكي ومتغصبيش عليها في موضوع سامح، ما هي كمان مش طايقاه.
- عنها ما طاقت نفسها.
تفوهت بها بحدة، لتتابع بتصميم:
- دي مقصوفة رقبة ومش عارفة مصلحتها فين، اسيبها انا بقى تخيب نفسها ولا تخسر فرصة زي سامح، بس انا برضوا احساسي بيقول ان الحكاية فيها إن، في لعب بيحصل من ورايا،
اخوكي يا ريهام ميعرفش كسوف ولا خصوصية، دا ابني وانا عارفاه.، لازم اعرف سر التغير اللي حاصل معاهم.
سألتها باهتمام شديد:
- ودا هتعرفيه ازاي؟ ما تفهميني يا ماما، انتي ايه في دماغك؟
طالعتها قليلًا بغموض قبل ان ترتفع بعينيها تبصر ما خلفها قائلة:
- اهو جه اللي مستنياه؟
التفت رأس ريهام تتسائل نحو ما تقصد:
- هو مين يا ماما اللي جه........
لم ترد منار، فقد وصل الجواب لابنتها فور رؤيتها لابن خالتها وهو يتقدم نحوهن، لتردف متسفسرة بفضول:
- سامح دا اللي جاي علينا؟ انتي عايزة سامح في ايه يا ماما؟
اشتدت ملامحها وعينيها ومضت بنظرة غامضة تجيبها:
- دلوقتي تعرفي.
في داخل السيارة، وقد كانت تستقلها اليوم بجواره في الأمام، بعد ان اتي اليها إلى الجامعة ليُقلها بعد انتهاء محاضراتها.
صامتة بابتسامة تعلو قسماتها، تستمتع بفرض دلالها عليه، بعد ان تخطت معه عدة مراحل لتطور علاقته به، حتى قاربت التعلق ، هذا ما يصلها الاَن، تخشى ان تتطرف بأحلامها لتظنه عشقًا وبعدها ينقلب السحر على الساحر، ويجفلها بفعل غير متوقع،
على الرغم من كل ما يقدمه لها من بوادر طيبة، ولكن ما الغريب في الأمر؟ فهو شخصية جذابة، له خبرة جيدة في التعامل مع الأنثى وفهم وأغوارها، بالإضافة لذكاء فطري ، ووسامة توقع اجمل النساء في شباكه، تبًا، انه بالفعل رائع
- ها يا بسمة، وافقتي ع اللي بقوله ولا ليكي رأي تاني؟
- ها .
تفوهت بها بعدم تركيز، قبل أن تستدرك سائلة بتفسير:
- معلش يا عزيز، ممكن تكرر كلامك تاني.
التف لها يشاكسها بابتسامة رائعة :
- الله بقى، دا الحلوة كانت سرحانة وانا اللي بقالي ساعة برغي، اكتشف دلوقتي اني كنت بكلم نفسي.
ضحكت بشقاوة لطالما أثارت انبهاره، ويدها تتلاعب بخصلة من شعرها ترد على قوله بغنج:
- يعني، مش لدرجة انك تكلم نفسك، بس هو شوية عدم تركيز مني، أصلي راجعة من محاضرتين مرهقين، لاتنين دكاترة ارخم من بعض.
ظلت عينيه لعدد ليس هين من الوقت، تتنقل من النظر اليها، والى الطريق الذي يقطعه بسيارته، قاصدًا يربكها بسحره، وهي بالفعل كذلك، ولكنها أصبحت تجيد التمثيل، كي تظهر عدم الاكتراث او مبادلته النظرة بتحدي، كما كان يحدث الاَن، حتى أجفلته بقولها:
- خلي بالك من الطريق يا بشمهمندس، ولا انت عايز تعمل حادثة؟.
كان رده ابتسامة متكاسلة قبل أن يضغط على مكابح السيارة، ثم يتوقف بها فجأة على جانب الطريق، حتى خاطبته سائلة بدهشة:
- وقفت العربية ليه يا مجنون؟ وفي نص الطريق كمان.
تجاهل تذمرها ليلتف إليها قائلًا بقصد:
- طب اعملك ايه يعني؟ ما انا لازم اخد انتباهك، لتسرحي مني مرة تانية وانا بصراحة معنديش حيل لتكرار.
زاد اتساع ابتسامتها لتضرب كفًا بالاَخر مدمدة:
- عليا النعمة انت فيك ربع ضارب، طب سمعنا يا عم كلمتينك دول بسرعة، قبل ما نتأخد مخالفة، محدش ضامن.
اعتدل بجذعه حتى اصبح مقابلًا لها، مستندًا بذراعه على عجلة القيادة، يخاطبها بجدية:
- انا عايز منك ميعاد مظبوط نخرج فيه سوا مع بعض يا بسمة، امور التهرب والحجج اللي بتعمليها دي في كل مرة متخيلش عليا.
- طب وعايزني اخرج معاك ليه؟ ما احنا بنتكلم في الشات بالساعات، دا غير انك بتيجي بقالك كام يوم تاخذني بالعربية من قدام الكلية عشان توصلني وانا مبعترضش، عايز ايه تاني؟.
- يعني انتي بتسمي كلام الشات وتوصيلك من الجامعة لحد البيت خروجة؟ في ايه يا بسمة؟ ما بلاش تحوري بقى، انتي فاهمة انا قصدي ايه؟
- قصدك ايه؟
التقطتها منه، لتضغط عليها تريد ان تسحب منه المزيد حتى يطمئنها بحقيقة مشاعره نحوها، ولكنه وكعادته فضل الرد بمرواغة:
- قصدي انك تحترمي عقلي شوية، انا مش عيل صغير يضحك عليه بكلمتين، انا عايز نتعرف على بعض اكتر، في جو جميل، نقضي وقت لطيف، ولا انتي ايه رأيك؟
لملمت ابتسامة ملحة داخلها، فهذا الأمر كانت تتوقعه من البداية، ولطالما تهربت منه بالفعل، ولكن الاَن امام تصميمه، لابد لها من حل سريع، ظلت لعدد من اللحظات تطالعه صامتة بتفكير، وهو يُشبع انظاره بالتطلع إليها، فهي بالفعل جميلة، بالإضافة لذكاء حاد علمه من واقع الفترة القصيرة التي عرفها بها، لقد خبر اعداد كثيرة من النساء لا يستطيع أن يحصي أعدادهن ، ولكنها هي بها شيء مميز، شيء مختلف عن الجميع، لم يحدده حتى الاَن، ولكن هذا الشيء يجعله ينتظر لقاءها على احر من الجمر ، يتحدث معها بالساعات عبر وسائل التواصل الاتصال العنكبوتية ولا يمل، داخله رغبة غير طبيعية، تدفعه للقرب منها أكثر وأكثر حتى .......
- انت كمان سرحت؟
قالتها ترد مشاكسته مرددة نفس كلماته:
- لا يا عم انا مينفش ارغي بالساعة معاك، وفي الآخر اكتشف اني كنت بكلم نفسي.... انا بقول اقوم احسن .
- يا سلام.
تفوه بها، لينطلق ضاحكا وهي تشاركه، حتى توقف متابعًا:
- انتي مش ساهلة ابدا يا بسمة، برضوا بتلفي وتتهربي.
ردت بدفاعية:
- لا والنعمة ما بهرب، بس انا يعني شايفة حكاية الخروج والفسح دي أمر مش هين ان اتخذ قراري فيه كدة عادي اول ما تكلمني.
توقفت برهة ثم تابعت:
- انت راجل يا عزيز، وقرارك تاخده في ثانية، حتى لو خرجت مع مية بنت، لكن انا لأ، لازم افكر مية مرة قبل ما اخرج معاك، حتى لو مرتحالك او واثقة في رجولتك، لكن برضوا.... مش عايزة ادخل مكان وبعدها اكره لو لا قدر الله بقى ليا فيه ذكرى سيئة.
مرر بأطراف اصابعه على طرف ذقنه يستوعب كلماتها، انها فعلا تثير اهتمامه، لها أراء اكبر من سنوات عمرها بمراحل، لا يدري كيف لهذه العقلية ان تندمج مع شقيقته ليلى، والتي لم تتخطى بعد مرحلة افلام الكرتون وديزني.
- طب وانتي اش عرفك انها تبقى وحشة مش يمكن تبقى لطيفة ولذيذة.
قالها بتساؤل وكان ردها:
- انت فاهم قصدي كويس يا عزيز، يعني مفيش داعي اشرح اكتر من كدة.........
- بس انتي عجباني يا بسمة.........
اجفلها مقاطعًا، ليميل بجسده نحوها، وذراعه استندت على التبلوه أمامها، لتشعر وكأنها محاصرة، بالإضافة لحضورها الطاغي والمهلك، ومع ذلك لم يكن مخيفًا، فقد كان سامحًا لها بمسافة جيدة تعطيها الامان، كي تنتبه لقوله وتقبل جرأته:
- عجباني اوي وانت عارفة كدة، زي ما انا شايف في عيونك الإعجاب ناحيتي كويس اوي، حتى وانتي مقلقة من وضعنا دلوقتى، انا مش قاصد ارعبك، بس بصراحة عندي انجذاب غير طبيعي ناحيتك، وطبعا ما تفهمنيش غلط....... لأن انا مقصدش انجذاب جسدي وبس عشان نبقى واضحين، انا عندي رغبة قوية اني اكتشفك، يمكن ساعتها اعرف سر انجذابي ده.
وكأنها لم تسمع، او مرت كلماته أمامها دون اكتراث، اعتدلت فجأة تبعده بيدها للخلف، لينتبه على كفها الصغيرة التي تلامس بخفة كتف ذراعه العضلي، تطالعه بتحدي وابتسامة واثقة كادت ان تطيح بثباته، لترد بتماسك مذهل:
- تمام اوي ان انت وضحت، بس انا برضوا مينفعش اغير رأيي، حتى مع كل مبرارتك.
لاحت لمحة خفيفية من احباط اعتلى ملامحه، اخفاه سريعًا ليطالعها بجمود، ادعت تغافلها عنه، لتردف متابعة:
- ع العموم يا سيدي انا عندي حل وسط ممكن يرضيك، ويرضيني، انت عايز مكان جميل نقعد فيه، وانا بخضر
لمفاجأة عايزاك تساعدني فيها
طالعها باستفسار يشوبه التوجس، لتستطرد موضحة له:
- عيد ميلاد ليلى بعد كان يوم، ف انا عايزاك تساعدني في المفاجأة اللي بحضرهالها، عايزاه يبقى عيد مميز السنادي.
ردد خلفها باستنكار:
- انتي بتهزري صح؟ عايزاني اوافق على عرضك المذهل دا بقى وافرح، انك هتحنى وتقابليني، بس في وجود المحرِم، اللي هي اختي، لا وفي مناسبة عيد ميلادها كمان ؟ طب ما بدل التعب والتخطيط، ما تجبيلها هدية وخلاص تديهالها في الحفلة اللي بتعملها ماما كل سنة.
ردت بابتسامة مستترة تبرر:
- يا عزيز ما انا قولتك ان عايزاه يبقى مميز، ثم انا كمان مش هعمله في نفس اليوم، لا احنا هنبقى سابقين بيوم، عشان نقعد براحتنا من غير تطفل اي حد، انت مش عايز تقضي وقت جميل، اظن ان دا مفيش أجمل منه، ها ايه رأيك؟
ضغط على نواجزه بحنق، فعرضها لم يكن سيئًا بالكامل، ان تكون معه بموعد وحدهما حتى لو كانت الحجة شقيقته وموعد ميلادها، لكن لا بأس..
- ودا عايزة تعمليه فين ان شاء الله؟
- في بيتنا
- بتقولي فين؟
سألها وقد ازداد غرابة، لكنها بررت على الفور:
- ليلى مش هتستغرب لما اسحبها معايا على بيتنا، دا غير اني هجهز كل حاجة براحتي، وهي بقى هتفرح اوي لما تعرف ان انت كنت معايا في التحضير بمفاجأتها.
تفهم وجهة نظرها، ليخبرها اخيرا بموافقته، هللت هي بسعادة، تردف له تفاصيل ما سيقومون به، وهو لم ينتبه لحرف واحد. فعقله كان يفكر من الاَن في وسيلة لتسريب ليلى بعد ان يفرحها بحفلها وهديتها، ثم ينفرد بهذه الشقية التي تلاعبه، ومع ذلك لا يغضب منها، بل الأعجب هو انه يروقه اللعب معها
وعودة الى جلسة النادي
ورد سامح عن الذي اخبرته به خالته، حتى اثار استهجان ابنتها:
- نعم يا خالتو، يعني انتي عايزاني اراقب عزيز، طب تيجي ازاي دي؟
تدخلت ريهام هي الأخرى:
- ايوة يا ماما طبعا دا مينفعش.
جاء رد منار نحو الاثنان بقوة:
- انتي كمان هتقولي مراقبة يا غبية انتي، ما تفهموا بقى انتوا الاتنين، ايه اللي انا بطلبه منه مش محتاج مراقبة، دا محتاج زكاءك يا سامح، يعني لو ممكن تعرف اصحابه بيسهروا فين؟ وهو بيسهر معاهم ولا لأ؟ الخروجات الكتيرة اللي بيخرجها معاهم نفسهم ولا غير ولقى ناس تانية،، فهمت يا ناصح؟
سبقته ابنتها بلهجة معترضة:
- ودا فرق عن المراقبة ايه؟ ما هو كله واحد يا ماما.
عنفتها منار بنظرة محذرة:
- اخرصي انتي يا ريهام بدل ما تخليني اندم اني جيبتك معايا.
اذعنت مضطرة لصب غضبها في تناول كأس المثلجات، تبتلع رفضها عن فعل والدتها مجبرة لإطاعة امرها، اما سامح فقد بدا انه فهم مقصدها، وبدأ يستجيب لها :
- يعني من الاخر كدة يا خالتو انتي عايزة تجمعي معلومات عن عزيز.
- ايييييوة يا حبيب يا خالتو، ياريت بقى تبقي شطور كدة وتجيبلي المفيد في اقرب فرصة.
اومأ رأسه بموافقة فتابعت بطلبها الأخر:
- ليلى يا سامح.
- مالها ليلى كمان يا خالتو؟
رفعت ريهام هي الأخرى رأسها تطالعها بتساؤل، جاوبت عنه والدتها بذكائها:
- عايزاك تاخد بالك منها يا حبيبي اليومين دول، ولا انت خلاص نسيت طلبك؟
تهللت اسارير الاَخر ليُجيبها بلهفة:
- ازاي بس يا خالتو؟ دي حلمي من وهي في اللفة، انا بس قولت ابعد شوية دلوقتي على ما خلصت الشهور الاَخيرة في دراستها، عشان يبقى الكلام جد بقى.
تبسمت برضا تلقي نظرات تحدي نحو ابنتها التي لم يعجبها الأمر ثم ما لبثت ان تفاجئها بالطلب الأخير لسامح:.
طب حاجة اخيرة بقى وياريت تخدمني فيها دي كمان يا قلبي:
- أؤمري يا خالتو
قربت رأسها منه تقول بصوت خفيض:
- قرب أكتر عشان افهمك كويس.
أما عن ليلى
فقد كانت في هذا الوقت غافلة عن كل شيء ، تسحبها غيمية وردية، تسير بها في مدن الخيال، وهذه البلاد التي أصبحت تتوق لزيارتها، تلك التي ذهب اليها في رحلات استكشافه التي لا تنتهي، تتمنى ان يأتي هذا اليوم لتشاركه شغفه، بعد ان أصبح شغفها هي الأخرى، وهو يقص عليها يوميًا قصص مغامراته بها، ثم التطرق لأحاديث في مواضيع شتى، تزيد من تقاربهم، وتساهم في فهم شخصيات بعضهم البعض
كما يحدث الاَن:
- ليلى انا عمري ما كلمت قبلك أي واحدة في التليفون؟
- ولا انا والله، عمري ما اتجرأت ورديت على أي واحد مهما حصل .
- بس انا الموضوع عندي ملوش دعوة بالجرأة يا ليلى، انا اقدر اتكلم واعمل زي باقي الشباب، دا لو عايز، بس انا عمر ي ما عوزت، ولو كان عندي الشغف اكلم أي واحدة غيرك انتي يا ليلى.
تبسمت وقلبها يتراقص فرحًا لطلب المزيد رغم خجلها:
-معقول، يعني مصادفتش اي بنت جميلة في دراستك ولا شغلك ولا حتى في رحلاتك تشدك ليها؟
- الجميلات في كل حتى يا ليلى، والعين ياما بتشوف، بس احنا فينا حاجة ملناش سلطة عليها، يعني حتى لو الواحد حواليه ملكات الجمال من كل ناحيه، يوم ما هيجي يختار ، القلب هو اللي هيشاور على اللي عايزها، مش العين.
- قلب!
- ايوة قلب يا ليلى، مش بقولك هو اللي بيختار.
الفصل الحادي عشر
بوجه مشرق، خرج من المنزل وعينيه منصبة على شقيقته التي كانت تضع اللمسات الأخيرة على الركن الجانبي بالحديقة، والذي أعدته اليوم ليكون مقرًا للإحتفال الصغير الذي سوف تقيمة وأعدت عدته منذ الأمس، بمناسبة يوم ميلاد صديقتها وحبيبته ليلى .
- صباح الخير.
القى التحية وقد اقترب ليطبع قبلة على وجنتها، تقبلتها تبادله رد التحية قائلة:
- صباح الفل يا قلبي، ايه رايح الشغل؟
- لا النهاردة اجازة، بس ورايا كام مشوار لازم اعملهم.
قالها بعدم تركيز، وعينيه تجول حولها على ما قد اضافته بلمساتها الانثوية الرقيقة، حتى طغى على كل ما قام بفعله بالأمس:
- ايه ده يا ست بسمة؟ يعني انا يطلع عيني في التجهيز وتيجي انتي بشوية زواق وحاجات بسيطة، تغطى على كل اللي عملته.
ضحكت تتعلق به كالعلقة، لتشير بيدها نحو الإضافات التي قامت بها، تصف قيمتها وفائدتها في احتفال الفتيات في هذا العصر، ليعبر عن دهشته بالضحك ساخرًا على هذه التفاصيل البسيطة، والتي قد يصنفها بعض الرجال بتفاهات، ولكنها ذات قيمة عالية بالنسبة للنساء.
انتبهت بسمة اخيرًا لأبصار شقيقها الذي تعلقت بها، تطالع لهفتها وحماسها الشديد، حتى عقب بانشداه:
- معقول يا بسمة كل دا عشان ليلى، هي غالية عليكي للدرجادي؟
ردت على الفور بتأكيد:
- طبعًا، دي ارق وأطيب واحدة عاشرتها من كل اصحابي.
رغم ابتهاجه لقولها، إلا أنه لم يقوى على كباح سؤاله الملح:
- طيب ولما هي غالية عليكي للدرجادي؟ بعدتي ليه عنها السنتين اللي فاتوا؟ انا تقريبًا افتكرتك قطعتي علاقتك بيها.
خبئت ابتسامتها مع تذكرها لفترة الشتات التي مرت بها في هذه المرحلة، ما بين البحث عن حب حقيقي ومصادقة عدد من الشباب، بغرض ان تنسى من كان ولا يزال يحتل كل تفكيرها وكيانها، حتى يأست وفاض بها من الفشل، لتقرر اخيرا الاقتحام وخوض التجربة، وليحدث بعدها ما يحدث.
داعبها يمسك طرف ذقنها بأصباعيه، ليُعلق مذهولا لشرودها:
- ايه دا يا بنتي؟ هو انتي اللي عقلتي ولا انا اللي كنت غافل ولا مخدتش بالي ولا ايه بس؟ كل دا تفكير في السؤال البسيط؟
اجابته بصدق ظهر جليًا في نبرتها وهذه اللمعة الخاطفة في عينيها بتأثر:
- اصلها فترات يا ممدوح، بتعدي علينا فترات ما بين التوهة وخوض التجارب لحد ما نرسى على حقيقة اللي حوالينا ونرجع بعدها ندور ع الحاجة الحلوة اللي تستاهل بجد اننا نتمسك بيها.
- وليلى هي الحاجة الحلوة؟
قالها بابتسامة زادت على وجهه بهاءًا وابتهاج، لتقارعه مشاكسة:
- إنت ايه رأيك؟
بطرف كفه طرق على جانب رأسها قبل ان يتحرك ويتركها مرددًا:
- رأيي في إيه يا عفريتة؟ مالك انتي ومال رأيي؟
ذهب من أمامها، يتركها تتطلع في أثره حتى رددت بالسؤال من خلفه:
- طب ناوي تيجي بدري النهاردة ولا هتخلع؟
التف يجيبها وهو مستمر في خطواته ذاهبًا:
- اخلع ولا مخلعش انتي مالك يا باردة؟
ظلت تشيعه بابتسامتها ونظراتها المحبة حتى غادر من باب المنزل الخارجي، لتطلق تنهيدة حالمة من العمق، تتمنى استمرار الأمر هكذا في التقدم، حتى يتحقق ما تتمناه، واقتران كل حبيب بحبيبه، فما توصلت له حتى الآن من نتائج مبشرة، تزيد من داخلها الأمل في تحقق ما تتمناه وتريده، ولكنها ما زالت في البداية.
اهتز الهاتف فجأة بجيب سترتها تناولته سريعًا حتى صعقت برؤية اتصاله، وكأنه سمع النداء،
- الووو صباح الفل يا قمر.
ردت تجيبه بصوت مهتز وقد غلبه خفقان قلبها المدوي داخلها، فرحًا باتصاله:
- صباح الورد والنرجس كمان
والى ليلى التي كانت تتناول وجبة الإفطار مع والدتها، غافلة عن كل التحضيرات وما يعد لهذه الليلة السابقة لموعد ميلادها، كانت منشغلة بالتصفح على هاتفها بعدم انتباه لحديث والدتها معها حتى عنفتها غاضبة:
- انتي يا بت، اعملي احترام ليا واقفلي الزفت ده ، على ما تخلصي طفح.
رفضت تردد بتذمر:
- حاضر يا ماما هقفل، بس استني اخلص الشات ده من صاحبتي اللي ع الواتس.
على صوت منار هذه اَمرة بحزم:
- بقولك اقفلي يا زفتة، بدل ما اسحب منك الفون دلوقتي حالا.
- اهو اهو.
اغلقته مرغمة لتضع همها في تناول الطعام بغيظ جعلها لا تتحدث سوى بكلمات مقتضبة، حينما تجبرها منار بالسؤال، فعقلها كان منشغل بالتفكير في الأسئلة التي كانت تصلها عبر رسائلنا معه قبل غلق الهاتف، هذه لمره كان ملحًا في الطلب عما تحبه ومالا تحبه، عن ملابس عن الوان عن اشياء ذات قيمة، كالتي تعشقها الفتيات وهو لا يعلم عنها ، نتيجة لخبرته القليلة في الاختلاط بالاناث، عما تهوي، عما يلفت يلفت نظرها ويثير إعجابها حينما تتسوق، لا تدري لما شعرت بغرابة أسئلته هذه المرة .
- تاني برضوا سرحتي يا بنت؟ هو انتي ايه حكايتك بالظبط؟
خرج صوت منار هذه المرة بقوة اجفلتها، حتى انتفضت لتنتبه على اللقيمة التي كانت بفمها من وقت ما وضعتها منذ لحظات ولم تمضغها، لتلوكها سريعًا، وترد بدفاعية:
- يعني هيكون حكايتي ايه بس يا ماما؟ ما انا قولتلك كان معايا مراسلة مع واحدة صاحبتي وانتي اجبرتيني اقطع عليها، وأقفل الفون، ايه تاني بقى؟
- ايه تاني؟ هو انتي طول ما ماسكة الفون دا ليل نهار، هتركزي في حاجة؟ ثم تعالي هنا، ايه اهمية الحوار اللي بينك وبين صاحبتك، ويخليكي تسرحي للدرجادي؟
أجفلتها بالسؤال وهذه النبرة القوية في التوبيخ، وكأنها تتعمد استدراجها، حتى هذه النظرة التي توجهها اليها ليست مريحة على الإطلاق لذلك لم تجد بدا من التهرب والمرواغة:
- وليه متقوليش يا ماما، ان انتي النهاردة اللي مستلماني؟ ع العموم انا قايمة وسيبهالك خالص وبلاها من فطار.
صعقتها بردها حتى شهقت تنتوي ان توقفها صائحة بها لتنهرها على قلة زوقها قبل ان تذهب، ولكن منعها مجيء ابنها الأكبر، بعد ان خرج من غرفته على اصواتهن ليتلقف شقيقته، قائلًا:
- ايه في ايه بس ع الصبح؟ وليه الخناق؟ مالك يا بت؟
قال الاخيرة، يمسك بإصباعيه طرف انفها بمداعبة ثقيلة، ازعجتها، لتهتف بوجهه متذمرة:
- يووه يا عزيز انت كمان؟ كان ناقصني غلاستك دي ع الصبح؟
ضحك يكرر الفعلة على عدة انحاء من وجهها ليزيد من سخطها، بعد ان اوقفها مجبرة، فتولت والدته الرد هي الأخرى:
- اديك شوفت بنفسك يا غالي، الحلوة مش مستحملة كلمة من امها، لأ وكمان بتقل أدبها وتقوم من قدامي من غير ما تستأذني، يعجبك دا يا عزيز؟
- انا قليت أدبي يا ماما؟
- بس يا بت متقاوحيش
قالها عزيز بأسلوبه الهادئ، ليلتف نحو والدته يخاطبها بتغزل:
- ست الكل لما تتكلم محدش يراجعها، ولا ايه يا قمر؟
تبسمت له منار، تجاري مداعابته لها، قائلة بقصد:
- قولها يا حبيبي، ع الله تفهم بس ان انا امها ولازم تسمع كلامي وتحترمني، وهو في حد في الدنيا هيعرف مصلحتها اكتر مني؟
- لأ طبعا يا قمر.
قالها عزيز قبل ان يعود لشقيقتها يدعي الحزم:
- سمعتي يا بنت قالتلك ايه؟ اوعي تزعليها تاني مرة.
اومأت له ليلى بابتسامة صفراء، قبل ان يجفلها بقبلته على وجنتها، ليلف ذراعه حول كتفها يضمها اليه:
- ايوة كدة شطورة،
عقبت منار على فعلته ساخرة"
- يا ما شاء الله، دا انت بتبوسها كمان؟
رد بمزاج رائق يقبلها مرة أخرى:
- طبعًا يا قلبي ومبوسهاش ليه؟ مش هتكمل عشرين سنة بكرة، قطتي كبرت وبقت عروسة يا ماما.
تبسمت ليلى على ذكر لقبها المحبب منه، بالإضافة بتذكره لموعد ميلادها، مما جعلها تلف ذراعها حول خصره قائلة بامتنان:
- حبيبي يا خويا، دا انا نفسي مفتكرتش.
زاد بضمها، ليضيف قبله أخرى اعلى رأسها يقول بمزاح:
- عشان انتي عبيطة يا روحي.
ضحكت تضربه بقضتيها وهو يزيد عليها بمشاكساته، امام انظار والدتهن، وقد راقها ما يفعله ابنها مع شقيقته، رغم استغرابها بعض الشيء لتذكره الميعاد، وهو المعروف عنه ضعف الذاكرة في هذه المناسبات، فهي المتكفلة بهذه الأشياء دائمًا بإقامة الحفلات، وابتياع الهديا كما فعلت منذ ايام واعدت في صمت تام لهذا اليوم بالاشتراك مع ابن شقيقتها سامح، بغرض التقريب بينهم، حتى تعلم بقيمته الحمقاء.
قي وقت لاحق من االيوم
وقد ولجت منار الى داخل غرفة ابنها، الذي كان يهندم نفسه امام المراَة بأناقة مبالغ فيها ، مما لفت انتباهاها لتسأله باهتمام:
- ما شاء الله عليك يا قلبي، ايه الشياكة دي كلها؟
التف اليها يستعرض اناقته، بهذه السترة التي ابتعاها جديدًا لهذا اليوم، وقد زادت على وسامته تزيده سحرًا، ليخاطبها متسائلًا:
- ايه رأيك يا ست الكل، لايق الجاكت الجديد؟
تبسمت له قائلة بإكبار:
- ولما ما يلقش الجاكت على عزيز، هيليق على مين بقى؟ انت قمر يا نور عيني بتليق عليك اي حاجة، بس مقولتش بقى، ايه مناسبة الشياكة والطقم الجديد؟
رد بابتسامة مرواغة اعتادت عليها هذه الايام:
- يا ست الكل، هو لازم يبقى في مناسبة بقى عشان البس الجديد؟ التغير مطلوب يا قلبي عشان الواحد يعيش شبابه يتنزه، انا عايز دايما ابقى اجمد واحد وسط اصحابي، ولا ايه؟
- ايه
رددتها ثم افتر فاهاها بضحكة تجاريه رغم الشكوك التي بدأت تدور برأسها:
- طبعًا يا حبيبي، دا اللي انا متعودة عليه منك،
وبتشرف بيك قدام صحابي.
نهت تبتلع باقي الكلمات والتساؤلات، تسمع لحججه وبعض الاخبار التافهة التي ليس لها معنى، حتى فاجئها بسؤالها:
- هي البت ليلى خلصت ولا لسة؟
ذوت ما بين حاجبيها تجيب عن سؤاله بسؤال :
- خلصت ايه؟
اجابها سريعًا وقد انشغل بتناول هاتفه ليتصل على احد الأشخاص:
- اصلها خارجة معايا اوصلها، معلش يا ماما، اندهي عليها على ما خلصت المكالمة اللي في ايدي؟
- هتخرج معاك فين يا ولد؟
اشار لها بيده غامزًا، وقد اندمج في المكالمة:
- ايوة يا هشام، انت فين يا حيوان؟
حينما يأست من اجابته، واندماجه في الحديث مع صديقه، اضطرت ان تخرج وتتركه، تعض على شفتيها بغيظ، حتى خرجت تصفق الباب خلفها، ليصلها صوته من الداخل:
- لا يا بني انا مش خارج معاكم النهاردة، عندي مشوار مهم .
ضاقت عينيها وزاد الارتياب داخلها ، عن ماهية هذا الموعد الهام، الذي جعله يتأنق بهذا الشكل، وبدون اصداقائه!
وفي داخل غرفتها ، كانت هي الأخرى لا تقل عجبًا من حديث صديقتها معها عبر الهاتف :
- يا بنتي والله قربت اخلص لبس اهو، انا مش فاهمة انتي مصممة ليه على مجيتي عندك، ما كنا خرجنا وخلاص........ كمان دي مستغرباها اكتر....... ازاي يعني عزيز يجي معايا؟ يكونش هيخطبك يا بت؟
تبادلت معها الضحكات حتى دلفت اليها والدتها دون استئذان تجفلها بحضورها، مما جعلها تغلق فمها سريعًا وتنهي المكالمة.
- طيب يا قلبي مع السلامة بعدين ابقى اكلمك.
- هي مين اللي هتكلميها بعدين؟
قالتها منار بتسأل، وكان رد ليلى:
- يعني هيكون مين بس يا ست الكل، دي واحدة صاحبتي.
رددت من خلقها بلهجة شابها السخرية:
- ااه واحدة صاحبتك!
ظلت واقفة تطالع تأنق ابنتها بوضع اللمسات الأخيرة من زينة وجهه، لتبدوا شديدة الجمال، لقد كبرت طفلتها بالفعل كما قال عزيز.
- ماما انتي عايزة حاجة؟
سالتها ليلى حينما طال تحديقها بها، وهذا الصمت الغريب عن شخصيتها، فجاء ردها بمكر:
- لا يا حبيبتي انا مش عايزة منك حاجة، انا بس جاية استعجلك، اخوكي خلص لبس، مش انتو خارجين مع بعض برضوا؟
لاح بعض الارتباك على وجه ليلى قبل ان تتدارك سريعًا نافية:.
- لا يا ماما، هو مش هيخرج معايا، دا بس هيوصلني، انا متفقة معاه على كدة .
- اه يا حبيبتي مصدقاكي، يمكن انا فهمت غلط.
شعرت ليلى بعدم الارتياح لهذه اللهجة منها ولكنها تغاضت عن التركيز، فور ان سمعت بنداء شقيقها:
- اخلصي يا ليلى، انا هجهز العربية تحت، خمس دقايق والاقيكي قدامي، يا اما همشي واسيبك.
- لا يا عزيز، تسيبني دا ايه؟ انا جاية اهو
قالتها وهي تستل حقيبتها تعلقها على كتف ذراعها، ثم تناولت الهاتف وخرجت مغادرة من امام والدتها على الفور، لتلحق به، وظلت منار واقفة بمحلها دقائق تنظر في اثرها بتفكير عميق ، قطعته فجأة حاسمة ، بأن تناولت هاتفها تتصل على احد الارقام :
- سامح، هو انت فاضي دلوقتي ولا لأ؟
بعد قليل
وقد استقلت ليلى مقعدها في الامام بجوار شقيقها الذي كان يقود بمزاج رائق يدندن في اغنيه لعمر دياب، وهي صامته تتابعه بانشداه
يوم تلات تلات بنات نادهوني
ع البساط بصات يا ناس عجبوني
قعدة وانبساط غدا وعزموني
فتفتوا الفتافيت وفتنوني
يوم تلات تلات بنات نادهوني
ع البساط بصات يا ناس عجبوني
قعدة وانبساط غدا وعزموني
فتفتوا الفتافيت وفتنوني
شكلها مؤامرة
أعشق السمرا
ولا أعشق البيضا
أم الخدود حمرا
الحياة حلوة
ويّا أم روح حلوة
كلهم حلوين جننوني
عند الأخيرة انطلقت ضحكة صاخبة منها تضرب كفًا بالاخر مرددة:
- الأغنية دي مناسبة اوي ليك يا عزيز، أكيد عمر دياب مغنياهالك مخصوص.
ضحك يشاركها هو الأخر مرددًا:
- تصدقي صح يا لولو، اول مرة تطلعي شاطرة في التخمين، هو اكيد قرا عن انجازتي وعرف، امال يا بنتي، اخوكي برضوا مش هين.
غلبها الفضول لتسأله:
- طب وبسمة يا عزيز، انا شايفة ان في اهتمام ما بينكم، يا ترى برضوا دي من ضمن انجازاتك؟ انا مش عايزة اتدخل لأني واثقة فيها وفيك يا عزيز.
قالتها بقصد فهمه جيدًا، ليرمقها بنظرة غامضة، وكأنه يستوعب مغزى حديثها ، وهذا الرجاء الذي بدا واضحا في نظرتها اليه، ليريحها اخيرا بقوله:
- متقلقيش يا ليلى، انا فاهم انتي عايزة توصلي لإيه، وعشان كدة بقولك اطمني، لا انا بالدناءة اللي تخليني اجرحها، ولا هي تستاهل، كفاية انها صاحبتك.
شجعها تجاوبه معها لتزيد بتسألها:
- يعني عشان هي صاحبتي وبس يا عزيز، مفيش اي حاجة تاني؟
شاكسها مرواغًا:
- يهمك تعرفي؟ ولا السؤال دا من صاحبتك نفسها؟
اجابته ببساطة:
- بصراحة عايزة اعرف ويهمني اوي، عشان هي صاحبتي، لكن هي نفسها مش قايلة حاجة خالص.
قالت الأخيرة بكذب مفضوح جعله يضحك مرددًا:
- مدام هي نفسها مقالتش، بتدخلي نفسك ليه انتي يا حشرية؟
اغلقت فمها مجبرة بعد أن افحمها بقوله، وعاد هو لترديد الغناء:
سحرهم خطير يوصف إيه كلامي
يوم تلات وبكل أيامي
كل عود وعود أحلى م التاني
قلبي لم يعود ليا من تاني
كان في إيدي عود قولت بيه أغاني
والصباح رباح ياللي عجباني
كلمة كلمتين الليل قوام ليل
عشنا يوم جميل أحلى ما أتخيل
واحدة واحدة عليا بتميل
لو هعيش عمري هنا قليل
يوم تلات تلات بنات نادهوني
بطاولة ضمتهما وحدهما هي وابنتها، بعيدًا عن كل معارفها في النادي العريق، من سيدات اصدقائها، أو اشخاص تربطها بهم علاقة قرابة أو عشرة قديمة، في هذا المكان المعروف، والمميز لمزاولة كافة الأنشطة الاجتماعية والرياضية لها ولأبنائها،
ولكن هذه المرة كانت على صفيح ساخن، كبركان خامل، تسير حممه ببطء شديد في انتظار الإذن لانفجاره، حتى يحرق الأخضر واليابس،
لقد فقدت سيطرتها على ابناءها، ليلى التي كانت كقطعة قماش بيضاء شفافة ترى كل ما بداخلها، أصبحت الاَن غامضة، تهاودها ولا ترفض لها طلبًا، سوى المطلب الذي تتمناه من قلبها وهو الزواج من ابن خالتها سامح، من يليق بها حقًا، ولكن الغبية، رأسها المتيبس لا يلين ابدا.
عزيز واه من عزيز، ابنها المفضل، والذي اصبح يكذب عليها طوال الوقت، في كل مرة اقتربت منه لتعرف سر هذا التغير بشخصيته، يدخلها في حوارات ودوائر عجيبة، تنسيها الغرض الأساسي من نقاشها معه، وهي الاعلم بهذا الأسلوب حينما يتبعه معها، لا يصدر إلا حينما يكن خافيًا شيئًا ما عنها .
خاطبتها ريهام وهي تتناول من طبق المثلجات خاصتها:
- يا ماما خفي حرق في دمك شوية، اشربي حتى العصير اللي قدامك يمكن يهديكي، الموضوع مش مستاهل اوي يعني
زاد اشتعال عينيها، ترمقها بغضب مرددة:
- هو ايه اللي مش مستاهل؟ يعني بعد كل اللي حكتهولك ده، ولسة برضوا يا ريهام الكلام مش داخل دماغك؟ بقولك الاتنين متغيرين وفي نفس الوقت، طول الوقت مبسوطين، الواحد فيهم ، يا اما برا في مشوار يا اما في الأوضة بتاعته وقافل عليه، عزيز اللي كان طول الوقت بابه مفتوح، حتى لو بيكلم بنات، دلوقتي بيفقل اوضته قدامي، ولا اختك اللي بقت زي العجينة في ايدي ما ترفضليش اي طلب، غير الطلب اياه
عادت ريهام لخلق تبربرات لهما، فما زالت غير مقتنعة لوجود المشكلة من الأساس:
- عادي يا ماما، لما عزيز يعمل خصوصية لنفسه، ما هو يمكن بيتفرج مثلا على حاجة كدة ولا كدة، برضوا هو شاب والحاجات دي عادي بالنسبة للشباب، انا اسفة يعني، وان كان على ليلى، فدي طاقة ومجنونة اصلا، تلاقيها بتتبع معاك الأسلوب الجديد ده، عشان تاخد رضاكي ومتغصبيش عليها في موضوع سامح، ما هي كمان مش طايقاه.
- عنها ما طاقت نفسها.
تفوهت بها بحدة، لتتابع بتصميم:
- دي مقصوفة رقبة ومش عارفة مصلحتها فين، اسيبها انا بقى تخيب نفسها ولا تخسر فرصة زي سامح، بس انا برضوا احساسي بيقول ان الحكاية فيها إن، في لعب بيحصل من ورايا،
اخوكي يا ريهام ميعرفش كسوف ولا خصوصية، دا ابني وانا عارفاه.، لازم اعرف سر التغير اللي حاصل معاهم.
سألتها باهتمام شديد:
- ودا هتعرفيه ازاي؟ ما تفهميني يا ماما، انتي ايه في دماغك؟
طالعتها قليلًا بغموض قبل ان ترتفع بعينيها تبصر ما خلفها قائلة:
- اهو جه اللي مستنياه؟
التفت رأس ريهام تتسائل نحو ما تقصد:
- هو مين يا ماما اللي جه........
لم ترد منار، فقد وصل الجواب لابنتها فور رؤيتها لابن خالتها وهو يتقدم نحوهن، لتردف متسفسرة بفضول:
- سامح دا اللي جاي علينا؟ انتي عايزة سامح في ايه يا ماما؟
اشتدت ملامحها وعينيها ومضت بنظرة غامضة تجيبها:
- دلوقتي تعرفي.
في داخل السيارة، وقد كانت تستقلها اليوم بجواره في الأمام، بعد ان اتي اليها إلى الجامعة ليُقلها بعد انتهاء محاضراتها.
صامتة بابتسامة تعلو قسماتها، تستمتع بفرض دلالها عليه، بعد ان تخطت معه عدة مراحل لتطور علاقته به، حتى قاربت التعلق ، هذا ما يصلها الاَن، تخشى ان تتطرف بأحلامها لتظنه عشقًا وبعدها ينقلب السحر على الساحر، ويجفلها بفعل غير متوقع،
على الرغم من كل ما يقدمه لها من بوادر طيبة، ولكن ما الغريب في الأمر؟ فهو شخصية جذابة، له خبرة جيدة في التعامل مع الأنثى وفهم وأغوارها، بالإضافة لذكاء فطري ، ووسامة توقع اجمل النساء في شباكه، تبًا، انه بالفعل رائع
- ها يا بسمة، وافقتي ع اللي بقوله ولا ليكي رأي تاني؟
- ها .
تفوهت بها بعدم تركيز، قبل أن تستدرك سائلة بتفسير:
- معلش يا عزيز، ممكن تكرر كلامك تاني.
التف لها يشاكسها بابتسامة رائعة :
- الله بقى، دا الحلوة كانت سرحانة وانا اللي بقالي ساعة برغي، اكتشف دلوقتي اني كنت بكلم نفسي.
ضحكت بشقاوة لطالما أثارت انبهاره، ويدها تتلاعب بخصلة من شعرها ترد على قوله بغنج:
- يعني، مش لدرجة انك تكلم نفسك، بس هو شوية عدم تركيز مني، أصلي راجعة من محاضرتين مرهقين، لاتنين دكاترة ارخم من بعض.
ظلت عينيه لعدد ليس هين من الوقت، تتنقل من النظر اليها، والى الطريق الذي يقطعه بسيارته، قاصدًا يربكها بسحره، وهي بالفعل كذلك، ولكنها أصبحت تجيد التمثيل، كي تظهر عدم الاكتراث او مبادلته النظرة بتحدي، كما كان يحدث الاَن، حتى أجفلته بقولها:
- خلي بالك من الطريق يا بشمهمندس، ولا انت عايز تعمل حادثة؟.
كان رده ابتسامة متكاسلة قبل أن يضغط على مكابح السيارة، ثم يتوقف بها فجأة على جانب الطريق، حتى خاطبته سائلة بدهشة:
- وقفت العربية ليه يا مجنون؟ وفي نص الطريق كمان.
تجاهل تذمرها ليلتف إليها قائلًا بقصد:
- طب اعملك ايه يعني؟ ما انا لازم اخد انتباهك، لتسرحي مني مرة تانية وانا بصراحة معنديش حيل لتكرار.
زاد اتساع ابتسامتها لتضرب كفًا بالاَخر مدمدة:
- عليا النعمة انت فيك ربع ضارب، طب سمعنا يا عم كلمتينك دول بسرعة، قبل ما نتأخد مخالفة، محدش ضامن.
اعتدل بجذعه حتى اصبح مقابلًا لها، مستندًا بذراعه على عجلة القيادة، يخاطبها بجدية:
- انا عايز منك ميعاد مظبوط نخرج فيه سوا مع بعض يا بسمة، امور التهرب والحجج اللي بتعمليها دي في كل مرة متخيلش عليا.
- طب وعايزني اخرج معاك ليه؟ ما احنا بنتكلم في الشات بالساعات، دا غير انك بتيجي بقالك كام يوم تاخذني بالعربية من قدام الكلية عشان توصلني وانا مبعترضش، عايز ايه تاني؟.
- يعني انتي بتسمي كلام الشات وتوصيلك من الجامعة لحد البيت خروجة؟ في ايه يا بسمة؟ ما بلاش تحوري بقى، انتي فاهمة انا قصدي ايه؟
- قصدك ايه؟
التقطتها منه، لتضغط عليها تريد ان تسحب منه المزيد حتى يطمئنها بحقيقة مشاعره نحوها، ولكنه وكعادته فضل الرد بمرواغة:
- قصدي انك تحترمي عقلي شوية، انا مش عيل صغير يضحك عليه بكلمتين، انا عايز نتعرف على بعض اكتر، في جو جميل، نقضي وقت لطيف، ولا انتي ايه رأيك؟
لملمت ابتسامة ملحة داخلها، فهذا الأمر كانت تتوقعه من البداية، ولطالما تهربت منه بالفعل، ولكن الاَن امام تصميمه، لابد لها من حل سريع، ظلت لعدد من اللحظات تطالعه صامتة بتفكير، وهو يُشبع انظاره بالتطلع إليها، فهي بالفعل جميلة، بالإضافة لذكاء حاد علمه من واقع الفترة القصيرة التي عرفها بها، لقد خبر اعداد كثيرة من النساء لا يستطيع أن يحصي أعدادهن ، ولكنها هي بها شيء مميز، شيء مختلف عن الجميع، لم يحدده حتى الاَن، ولكن هذا الشيء يجعله ينتظر لقاءها على احر من الجمر ، يتحدث معها بالساعات عبر وسائل التواصل الاتصال العنكبوتية ولا يمل، داخله رغبة غير طبيعية، تدفعه للقرب منها أكثر وأكثر حتى .......
- انت كمان سرحت؟
قالتها ترد مشاكسته مرددة نفس كلماته:
- لا يا عم انا مينفش ارغي بالساعة معاك، وفي الآخر اكتشف اني كنت بكلم نفسي.... انا بقول اقوم احسن .
- يا سلام.
تفوه بها، لينطلق ضاحكا وهي تشاركه، حتى توقف متابعًا:
- انتي مش ساهلة ابدا يا بسمة، برضوا بتلفي وتتهربي.
ردت بدفاعية:
- لا والنعمة ما بهرب، بس انا يعني شايفة حكاية الخروج والفسح دي أمر مش هين ان اتخذ قراري فيه كدة عادي اول ما تكلمني.
توقفت برهة ثم تابعت:
- انت راجل يا عزيز، وقرارك تاخده في ثانية، حتى لو خرجت مع مية بنت، لكن انا لأ، لازم افكر مية مرة قبل ما اخرج معاك، حتى لو مرتحالك او واثقة في رجولتك، لكن برضوا.... مش عايزة ادخل مكان وبعدها اكره لو لا قدر الله بقى ليا فيه ذكرى سيئة.
مرر بأطراف اصابعه على طرف ذقنه يستوعب كلماتها، انها فعلا تثير اهتمامه، لها أراء اكبر من سنوات عمرها بمراحل، لا يدري كيف لهذه العقلية ان تندمج مع شقيقته ليلى، والتي لم تتخطى بعد مرحلة افلام الكرتون وديزني.
- طب وانتي اش عرفك انها تبقى وحشة مش يمكن تبقى لطيفة ولذيذة.
قالها بتساؤل وكان ردها:
- انت فاهم قصدي كويس يا عزيز، يعني مفيش داعي اشرح اكتر من كدة.........
- بس انتي عجباني يا بسمة.........
اجفلها مقاطعًا، ليميل بجسده نحوها، وذراعه استندت على التبلوه أمامها، لتشعر وكأنها محاصرة، بالإضافة لحضورها الطاغي والمهلك، ومع ذلك لم يكن مخيفًا، فقد كان سامحًا لها بمسافة جيدة تعطيها الامان، كي تنتبه لقوله وتقبل جرأته:
- عجباني اوي وانت عارفة كدة، زي ما انا شايف في عيونك الإعجاب ناحيتي كويس اوي، حتى وانتي مقلقة من وضعنا دلوقتى، انا مش قاصد ارعبك، بس بصراحة عندي انجذاب غير طبيعي ناحيتك، وطبعا ما تفهمنيش غلط....... لأن انا مقصدش انجذاب جسدي وبس عشان نبقى واضحين، انا عندي رغبة قوية اني اكتشفك، يمكن ساعتها اعرف سر انجذابي ده.
وكأنها لم تسمع، او مرت كلماته أمامها دون اكتراث، اعتدلت فجأة تبعده بيدها للخلف، لينتبه على كفها الصغيرة التي تلامس بخفة كتف ذراعه العضلي، تطالعه بتحدي وابتسامة واثقة كادت ان تطيح بثباته، لترد بتماسك مذهل:
- تمام اوي ان انت وضحت، بس انا برضوا مينفعش اغير رأيي، حتى مع كل مبرارتك.
لاحت لمحة خفيفية من احباط اعتلى ملامحه، اخفاه سريعًا ليطالعها بجمود، ادعت تغافلها عنه، لتردف متابعة:
- ع العموم يا سيدي انا عندي حل وسط ممكن يرضيك، ويرضيني، انت عايز مكان جميل نقعد فيه، وانا بخضر
لمفاجأة عايزاك تساعدني فيها
طالعها باستفسار يشوبه التوجس، لتستطرد موضحة له:
- عيد ميلاد ليلى بعد كان يوم، ف انا عايزاك تساعدني في المفاجأة اللي بحضرهالها، عايزاه يبقى عيد مميز السنادي.
ردد خلفها باستنكار:
- انتي بتهزري صح؟ عايزاني اوافق على عرضك المذهل دا بقى وافرح، انك هتحنى وتقابليني، بس في وجود المحرِم، اللي هي اختي، لا وفي مناسبة عيد ميلادها كمان ؟ طب ما بدل التعب والتخطيط، ما تجبيلها هدية وخلاص تديهالها في الحفلة اللي بتعملها ماما كل سنة.
ردت بابتسامة مستترة تبرر:
- يا عزيز ما انا قولتك ان عايزاه يبقى مميز، ثم انا كمان مش هعمله في نفس اليوم، لا احنا هنبقى سابقين بيوم، عشان نقعد براحتنا من غير تطفل اي حد، انت مش عايز تقضي وقت جميل، اظن ان دا مفيش أجمل منه، ها ايه رأيك؟
ضغط على نواجزه بحنق، فعرضها لم يكن سيئًا بالكامل، ان تكون معه بموعد وحدهما حتى لو كانت الحجة شقيقته وموعد ميلادها، لكن لا بأس..
- ودا عايزة تعمليه فين ان شاء الله؟
- في بيتنا
- بتقولي فين؟
سألها وقد ازداد غرابة، لكنها بررت على الفور:
- ليلى مش هتستغرب لما اسحبها معايا على بيتنا، دا غير اني هجهز كل حاجة براحتي، وهي بقى هتفرح اوي لما تعرف ان انت كنت معايا في التحضير بمفاجأتها.
تفهم وجهة نظرها، ليخبرها اخيرا بموافقته، هللت هي بسعادة، تردف له تفاصيل ما سيقومون به، وهو لم ينتبه لحرف واحد. فعقله كان يفكر من الاَن في وسيلة لتسريب ليلى بعد ان يفرحها بحفلها وهديتها، ثم ينفرد بهذه الشقية التي تلاعبه، ومع ذلك لا يغضب منها، بل الأعجب هو انه يروقه اللعب معها
وعودة الى جلسة النادي
ورد سامح عن الذي اخبرته به خالته، حتى اثار استهجان ابنتها:
- نعم يا خالتو، يعني انتي عايزاني اراقب عزيز، طب تيجي ازاي دي؟
تدخلت ريهام هي الأخرى:
- ايوة يا ماما طبعا دا مينفعش.
جاء رد منار نحو الاثنان بقوة:
- انتي كمان هتقولي مراقبة يا غبية انتي، ما تفهموا بقى انتوا الاتنين، ايه اللي انا بطلبه منه مش محتاج مراقبة، دا محتاج زكاءك يا سامح، يعني لو ممكن تعرف اصحابه بيسهروا فين؟ وهو بيسهر معاهم ولا لأ؟ الخروجات الكتيرة اللي بيخرجها معاهم نفسهم ولا غير ولقى ناس تانية،، فهمت يا ناصح؟
سبقته ابنتها بلهجة معترضة:
- ودا فرق عن المراقبة ايه؟ ما هو كله واحد يا ماما.
عنفتها منار بنظرة محذرة:
- اخرصي انتي يا ريهام بدل ما تخليني اندم اني جيبتك معايا.
اذعنت مضطرة لصب غضبها في تناول كأس المثلجات، تبتلع رفضها عن فعل والدتها مجبرة لإطاعة امرها، اما سامح فقد بدا انه فهم مقصدها، وبدأ يستجيب لها :
- يعني من الاخر كدة يا خالتو انتي عايزة تجمعي معلومات عن عزيز.
- ايييييوة يا حبيب يا خالتو، ياريت بقى تبقي شطور كدة وتجيبلي المفيد في اقرب فرصة.
اومأ رأسه بموافقة فتابعت بطلبها الأخر:
- ليلى يا سامح.
- مالها ليلى كمان يا خالتو؟
رفعت ريهام هي الأخرى رأسها تطالعها بتساؤل، جاوبت عنه والدتها بذكائها:
- عايزاك تاخد بالك منها يا حبيبي اليومين دول، ولا انت خلاص نسيت طلبك؟
تهللت اسارير الاَخر ليُجيبها بلهفة:
- ازاي بس يا خالتو؟ دي حلمي من وهي في اللفة، انا بس قولت ابعد شوية دلوقتي على ما خلصت الشهور الاَخيرة في دراستها، عشان يبقى الكلام جد بقى.
تبسمت برضا تلقي نظرات تحدي نحو ابنتها التي لم يعجبها الأمر ثم ما لبثت ان تفاجئها بالطلب الأخير لسامح:.
طب حاجة اخيرة بقى وياريت تخدمني فيها دي كمان يا قلبي:
- أؤمري يا خالتو
قربت رأسها منه تقول بصوت خفيض:
- قرب أكتر عشان افهمك كويس.
أما عن ليلى
فقد كانت في هذا الوقت غافلة عن كل شيء ، تسحبها غيمية وردية، تسير بها في مدن الخيال، وهذه البلاد التي أصبحت تتوق لزيارتها، تلك التي ذهب اليها في رحلات استكشافه التي لا تنتهي، تتمنى ان يأتي هذا اليوم لتشاركه شغفه، بعد ان أصبح شغفها هي الأخرى، وهو يقص عليها يوميًا قصص مغامراته بها، ثم التطرق لأحاديث في مواضيع شتى، تزيد من تقاربهم، وتساهم في فهم شخصيات بعضهم البعض
كما يحدث الاَن:
- ليلى انا عمري ما كلمت قبلك أي واحدة في التليفون؟
- ولا انا والله، عمري ما اتجرأت ورديت على أي واحد مهما حصل .
- بس انا الموضوع عندي ملوش دعوة بالجرأة يا ليلى، انا اقدر اتكلم واعمل زي باقي الشباب، دا لو عايز، بس انا عمر ي ما عوزت، ولو كان عندي الشغف اكلم أي واحدة غيرك انتي يا ليلى.
تبسمت وقلبها يتراقص فرحًا لطلب المزيد رغم خجلها:
-معقول، يعني مصادفتش اي بنت جميلة في دراستك ولا شغلك ولا حتى في رحلاتك تشدك ليها؟
- الجميلات في كل حتى يا ليلى، والعين ياما بتشوف، بس احنا فينا حاجة ملناش سلطة عليها، يعني حتى لو الواحد حواليه ملكات الجمال من كل ناحيه، يوم ما هيجي يختار ، القلب هو اللي هيشاور على اللي عايزها، مش العين.
- قلب!
- ايوة قلب يا ليلى، مش بقولك هو اللي بيختار.
الفصل الحادي عشر
بوجه مشرق، خرج من المنزل وعينيه منصبة على شقيقته التي كانت تضع اللمسات الأخيرة على الركن الجانبي بالحديقة، والذي أعدته اليوم ليكون مقرًا للإحتفال الصغير الذي سوف تقيمة وأعدت عدته منذ الأمس، بمناسبة يوم ميلاد صديقتها وحبيبته ليلى .
- صباح الخير.
القى التحية وقد اقترب ليطبع قبلة على وجنتها، تقبلتها تبادله رد التحية قائلة:
- صباح الفل يا قلبي، ايه رايح الشغل؟
- لا النهاردة اجازة، بس ورايا كام مشوار لازم اعملهم.
قالها بعدم تركيز، وعينيه تجول حولها على ما قد اضافته بلمساتها الانثوية الرقيقة، حتى طغى على كل ما قام بفعله بالأمس:
- ايه ده يا ست بسمة؟ يعني انا يطلع عيني في التجهيز وتيجي انتي بشوية زواق وحاجات بسيطة، تغطى على كل اللي عملته.
ضحكت تتعلق به كالعلقة، لتشير بيدها نحو الإضافات التي قامت بها، تصف قيمتها وفائدتها في احتفال الفتيات في هذا العصر، ليعبر عن دهشته بالضحك ساخرًا على هذه التفاصيل البسيطة، والتي قد يصنفها بعض الرجال بتفاهات، ولكنها ذات قيمة عالية بالنسبة للنساء.
انتبهت بسمة اخيرًا لأبصار شقيقها الذي تعلقت بها، تطالع لهفتها وحماسها الشديد، حتى عقب بانشداه:
- معقول يا بسمة كل دا عشان ليلى، هي غالية عليكي للدرجادي؟
ردت على الفور بتأكيد:
- طبعًا، دي ارق وأطيب واحدة عاشرتها من كل اصحابي.
رغم ابتهاجه لقولها، إلا أنه لم يقوى على كباح سؤاله الملح:
- طيب ولما هي غالية عليكي للدرجادي؟ بعدتي ليه عنها السنتين اللي فاتوا؟ انا تقريبًا افتكرتك قطعتي علاقتك بيها.
خبئت ابتسامتها مع تذكرها لفترة الشتات التي مرت بها في هذه المرحلة، ما بين البحث عن حب حقيقي ومصادقة عدد من الشباب، بغرض ان تنسى من كان ولا يزال يحتل كل تفكيرها وكيانها، حتى يأست وفاض بها من الفشل، لتقرر اخيرا الاقتحام وخوض التجربة، وليحدث بعدها ما يحدث.
داعبها يمسك طرف ذقنها بأصباعيه، ليُعلق مذهولا لشرودها:
- ايه دا يا بنتي؟ هو انتي اللي عقلتي ولا انا اللي كنت غافل ولا مخدتش بالي ولا ايه بس؟ كل دا تفكير في السؤال البسيط؟
اجابته بصدق ظهر جليًا في نبرتها وهذه اللمعة الخاطفة في عينيها بتأثر:
- اصلها فترات يا ممدوح، بتعدي علينا فترات ما بين التوهة وخوض التجارب لحد ما نرسى على حقيقة اللي حوالينا ونرجع بعدها ندور ع الحاجة الحلوة اللي تستاهل بجد اننا نتمسك بيها.
- وليلى هي الحاجة الحلوة؟
قالها بابتسامة زادت على وجهه بهاءًا وابتهاج، لتقارعه مشاكسة:
- إنت ايه رأيك؟
بطرف كفه طرق على جانب رأسها قبل ان يتحرك ويتركها مرددًا:
- رأيي في إيه يا عفريتة؟ مالك انتي ومال رأيي؟
ذهب من أمامها، يتركها تتطلع في أثره حتى رددت بالسؤال من خلفه:
- طب ناوي تيجي بدري النهاردة ولا هتخلع؟
التف يجيبها وهو مستمر في خطواته ذاهبًا:
- اخلع ولا مخلعش انتي مالك يا باردة؟
ظلت تشيعه بابتسامتها ونظراتها المحبة حتى غادر من باب المنزل الخارجي، لتطلق تنهيدة حالمة من العمق، تتمنى استمرار الأمر هكذا في التقدم، حتى يتحقق ما تتمناه، واقتران كل حبيب بحبيبه، فما توصلت له حتى الآن من نتائج مبشرة، تزيد من داخلها الأمل في تحقق ما تتمناه وتريده، ولكنها ما زالت في البداية.
اهتز الهاتف فجأة بجيب سترتها تناولته سريعًا حتى صعقت برؤية اتصاله، وكأنه سمع النداء،
- الووو صباح الفل يا قمر.
ردت تجيبه بصوت مهتز وقد غلبه خفقان قلبها المدوي داخلها، فرحًا باتصاله:
- صباح الورد والنرجس كمان
والى ليلى التي كانت تتناول وجبة الإفطار مع والدتها، غافلة عن كل التحضيرات وما يعد لهذه الليلة السابقة لموعد ميلادها، كانت منشغلة بالتصفح على هاتفها بعدم انتباه لحديث والدتها معها حتى عنفتها غاضبة:
- انتي يا بت، اعملي احترام ليا واقفلي الزفت ده ، على ما تخلصي طفح.
رفضت تردد بتذمر:
- حاضر يا ماما هقفل، بس استني اخلص الشات ده من صاحبتي اللي ع الواتس.
على صوت منار هذه اَمرة بحزم:
- بقولك اقفلي يا زفتة، بدل ما اسحب منك الفون دلوقتي حالا.
- اهو اهو.
اغلقته مرغمة لتضع همها في تناول الطعام بغيظ جعلها لا تتحدث سوى بكلمات مقتضبة، حينما تجبرها منار بالسؤال، فعقلها كان منشغل بالتفكير في الأسئلة التي كانت تصلها عبر رسائلنا معه قبل غلق الهاتف، هذه لمره كان ملحًا في الطلب عما تحبه ومالا تحبه، عن ملابس عن الوان عن اشياء ذات قيمة، كالتي تعشقها الفتيات وهو لا يعلم عنها ، نتيجة لخبرته القليلة في الاختلاط بالاناث، عما تهوي، عما يلفت يلفت نظرها ويثير إعجابها حينما تتسوق، لا تدري لما شعرت بغرابة أسئلته هذه المرة .
- تاني برضوا سرحتي يا بنت؟ هو انتي ايه حكايتك بالظبط؟
خرج صوت منار هذه المرة بقوة اجفلتها، حتى انتفضت لتنتبه على اللقيمة التي كانت بفمها من وقت ما وضعتها منذ لحظات ولم تمضغها، لتلوكها سريعًا، وترد بدفاعية:
- يعني هيكون حكايتي ايه بس يا ماما؟ ما انا قولتلك كان معايا مراسلة مع واحدة صاحبتي وانتي اجبرتيني اقطع عليها، وأقفل الفون، ايه تاني بقى؟
- ايه تاني؟ هو انتي طول ما ماسكة الفون دا ليل نهار، هتركزي في حاجة؟ ثم تعالي هنا، ايه اهمية الحوار اللي بينك وبين صاحبتك، ويخليكي تسرحي للدرجادي؟
أجفلتها بالسؤال وهذه النبرة القوية في التوبيخ، وكأنها تتعمد استدراجها، حتى هذه النظرة التي توجهها اليها ليست مريحة على الإطلاق لذلك لم تجد بدا من التهرب والمرواغة:
- وليه متقوليش يا ماما، ان انتي النهاردة اللي مستلماني؟ ع العموم انا قايمة وسيبهالك خالص وبلاها من فطار.
صعقتها بردها حتى شهقت تنتوي ان توقفها صائحة بها لتنهرها على قلة زوقها قبل ان تذهب، ولكن منعها مجيء ابنها الأكبر، بعد ان خرج من غرفته على اصواتهن ليتلقف شقيقته، قائلًا:
- ايه في ايه بس ع الصبح؟ وليه الخناق؟ مالك يا بت؟
قال الاخيرة، يمسك بإصباعيه طرف انفها بمداعبة ثقيلة، ازعجتها، لتهتف بوجهه متذمرة:
- يووه يا عزيز انت كمان؟ كان ناقصني غلاستك دي ع الصبح؟
ضحك يكرر الفعلة على عدة انحاء من وجهها ليزيد من سخطها، بعد ان اوقفها مجبرة، فتولت والدته الرد هي الأخرى:
- اديك شوفت بنفسك يا غالي، الحلوة مش مستحملة كلمة من امها، لأ وكمان بتقل أدبها وتقوم من قدامي من غير ما تستأذني، يعجبك دا يا عزيز؟
- انا قليت أدبي يا ماما؟
- بس يا بت متقاوحيش
قالها عزيز بأسلوبه الهادئ، ليلتف نحو والدته يخاطبها بتغزل:
- ست الكل لما تتكلم محدش يراجعها، ولا ايه يا قمر؟
تبسمت له منار، تجاري مداعابته لها، قائلة بقصد:
- قولها يا حبيبي، ع الله تفهم بس ان انا امها ولازم تسمع كلامي وتحترمني، وهو في حد في الدنيا هيعرف مصلحتها اكتر مني؟
- لأ طبعا يا قمر.
قالها عزيز قبل ان يعود لشقيقتها يدعي الحزم:
- سمعتي يا بنت قالتلك ايه؟ اوعي تزعليها تاني مرة.
اومأت له ليلى بابتسامة صفراء، قبل ان يجفلها بقبلته على وجنتها، ليلف ذراعه حول كتفها يضمها اليه:
- ايوة كدة شطورة،
عقبت منار على فعلته ساخرة"
- يا ما شاء الله، دا انت بتبوسها كمان؟
رد بمزاج رائق يقبلها مرة أخرى:
- طبعًا يا قلبي ومبوسهاش ليه؟ مش هتكمل عشرين سنة بكرة، قطتي كبرت وبقت عروسة يا ماما.
تبسمت ليلى على ذكر لقبها المحبب منه، بالإضافة بتذكره لموعد ميلادها، مما جعلها تلف ذراعها حول خصره قائلة بامتنان:
- حبيبي يا خويا، دا انا نفسي مفتكرتش.
زاد بضمها، ليضيف قبله أخرى اعلى رأسها يقول بمزاح:
- عشان انتي عبيطة يا روحي.
ضحكت تضربه بقضتيها وهو يزيد عليها بمشاكساته، امام انظار والدتهن، وقد راقها ما يفعله ابنها مع شقيقته، رغم استغرابها بعض الشيء لتذكره الميعاد، وهو المعروف عنه ضعف الذاكرة في هذه المناسبات، فهي المتكفلة بهذه الأشياء دائمًا بإقامة الحفلات، وابتياع الهديا كما فعلت منذ ايام واعدت في صمت تام لهذا اليوم بالاشتراك مع ابن شقيقتها سامح، بغرض التقريب بينهم، حتى تعلم بقيمته الحمقاء.
قي وقت لاحق من االيوم
وقد ولجت منار الى داخل غرفة ابنها، الذي كان يهندم نفسه امام المراَة بأناقة مبالغ فيها ، مما لفت انتباهاها لتسأله باهتمام:
- ما شاء الله عليك يا قلبي، ايه الشياكة دي كلها؟
التف اليها يستعرض اناقته، بهذه السترة التي ابتعاها جديدًا لهذا اليوم، وقد زادت على وسامته تزيده سحرًا، ليخاطبها متسائلًا:
- ايه رأيك يا ست الكل، لايق الجاكت الجديد؟
تبسمت له قائلة بإكبار:
- ولما ما يلقش الجاكت على عزيز، هيليق على مين بقى؟ انت قمر يا نور عيني بتليق عليك اي حاجة، بس مقولتش بقى، ايه مناسبة الشياكة والطقم الجديد؟
رد بابتسامة مرواغة اعتادت عليها هذه الايام:
- يا ست الكل، هو لازم يبقى في مناسبة بقى عشان البس الجديد؟ التغير مطلوب يا قلبي عشان الواحد يعيش شبابه يتنزه، انا عايز دايما ابقى اجمد واحد وسط اصحابي، ولا ايه؟
- ايه
رددتها ثم افتر فاهاها بضحكة تجاريه رغم الشكوك التي بدأت تدور برأسها:
- طبعًا يا حبيبي، دا اللي انا متعودة عليه منك،
وبتشرف بيك قدام صحابي.
نهت تبتلع باقي الكلمات والتساؤلات، تسمع لحججه وبعض الاخبار التافهة التي ليس لها معنى، حتى فاجئها بسؤالها:
- هي البت ليلى خلصت ولا لسة؟
ذوت ما بين حاجبيها تجيب عن سؤاله بسؤال :
- خلصت ايه؟
اجابها سريعًا وقد انشغل بتناول هاتفه ليتصل على احد الأشخاص:
- اصلها خارجة معايا اوصلها، معلش يا ماما، اندهي عليها على ما خلصت المكالمة اللي في ايدي؟
- هتخرج معاك فين يا ولد؟
اشار لها بيده غامزًا، وقد اندمج في المكالمة:
- ايوة يا هشام، انت فين يا حيوان؟
حينما يأست من اجابته، واندماجه في الحديث مع صديقه، اضطرت ان تخرج وتتركه، تعض على شفتيها بغيظ، حتى خرجت تصفق الباب خلفها، ليصلها صوته من الداخل:
- لا يا بني انا مش خارج معاكم النهاردة، عندي مشوار مهم .
ضاقت عينيها وزاد الارتياب داخلها ، عن ماهية هذا الموعد الهام، الذي جعله يتأنق بهذا الشكل، وبدون اصداقائه!
وفي داخل غرفتها ، كانت هي الأخرى لا تقل عجبًا من حديث صديقتها معها عبر الهاتف :
- يا بنتي والله قربت اخلص لبس اهو، انا مش فاهمة انتي مصممة ليه على مجيتي عندك، ما كنا خرجنا وخلاص........ كمان دي مستغرباها اكتر....... ازاي يعني عزيز يجي معايا؟ يكونش هيخطبك يا بت؟
تبادلت معها الضحكات حتى دلفت اليها والدتها دون استئذان تجفلها بحضورها، مما جعلها تغلق فمها سريعًا وتنهي المكالمة.
- طيب يا قلبي مع السلامة بعدين ابقى اكلمك.
- هي مين اللي هتكلميها بعدين؟
قالتها منار بتسأل، وكان رد ليلى:
- يعني هيكون مين بس يا ست الكل، دي واحدة صاحبتي.
رددت من خلقها بلهجة شابها السخرية:
- ااه واحدة صاحبتك!
ظلت واقفة تطالع تأنق ابنتها بوضع اللمسات الأخيرة من زينة وجهه، لتبدوا شديدة الجمال، لقد كبرت طفلتها بالفعل كما قال عزيز.
- ماما انتي عايزة حاجة؟
سالتها ليلى حينما طال تحديقها بها، وهذا الصمت الغريب عن شخصيتها، فجاء ردها بمكر:
- لا يا حبيبتي انا مش عايزة منك حاجة، انا بس جاية استعجلك، اخوكي خلص لبس، مش انتو خارجين مع بعض برضوا؟
لاح بعض الارتباك على وجه ليلى قبل ان تتدارك سريعًا نافية:.
- لا يا ماما، هو مش هيخرج معايا، دا بس هيوصلني، انا متفقة معاه على كدة .
- اه يا حبيبتي مصدقاكي، يمكن انا فهمت غلط.
شعرت ليلى بعدم الارتياح لهذه اللهجة منها ولكنها تغاضت عن التركيز، فور ان سمعت بنداء شقيقها:
- اخلصي يا ليلى، انا هجهز العربية تحت، خمس دقايق والاقيكي قدامي، يا اما همشي واسيبك.
- لا يا عزيز، تسيبني دا ايه؟ انا جاية اهو
قالتها وهي تستل حقيبتها تعلقها على كتف ذراعها، ثم تناولت الهاتف وخرجت مغادرة من امام والدتها على الفور، لتلحق به، وظلت منار واقفة بمحلها دقائق تنظر في اثرها بتفكير عميق ، قطعته فجأة حاسمة ، بأن تناولت هاتفها تتصل على احد الارقام :
- سامح، هو انت فاضي دلوقتي ولا لأ؟
بعد قليل
وقد استقلت ليلى مقعدها في الامام بجوار شقيقها الذي كان يقود بمزاج رائق يدندن في اغنيه لعمر دياب، وهي صامته تتابعه بانشداه
يوم تلات تلات بنات نادهوني
ع البساط بصات يا ناس عجبوني
قعدة وانبساط غدا وعزموني
فتفتوا الفتافيت وفتنوني
يوم تلات تلات بنات نادهوني
ع البساط بصات يا ناس عجبوني
قعدة وانبساط غدا وعزموني
فتفتوا الفتافيت وفتنوني
شكلها مؤامرة
أعشق السمرا
ولا أعشق البيضا
أم الخدود حمرا
الحياة حلوة
ويّا أم روح حلوة
كلهم حلوين جننوني
عند الأخيرة انطلقت ضحكة صاخبة منها تضرب كفًا بالاخر مرددة:
- الأغنية دي مناسبة اوي ليك يا عزيز، أكيد عمر دياب مغنياهالك مخصوص.
ضحك يشاركها هو الأخر مرددًا:
- تصدقي صح يا لولو، اول مرة تطلعي شاطرة في التخمين، هو اكيد قرا عن انجازتي وعرف، امال يا بنتي، اخوكي برضوا مش هين.
غلبها الفضول لتسأله:
- طب وبسمة يا عزيز، انا شايفة ان في اهتمام ما بينكم، يا ترى برضوا دي من ضمن انجازاتك؟ انا مش عايزة اتدخل لأني واثقة فيها وفيك يا عزيز.
قالتها بقصد فهمه جيدًا، ليرمقها بنظرة غامضة، وكأنه يستوعب مغزى حديثها ، وهذا الرجاء الذي بدا واضحا في نظرتها اليه، ليريحها اخيرا بقوله:
- متقلقيش يا ليلى، انا فاهم انتي عايزة توصلي لإيه، وعشان كدة بقولك اطمني، لا انا بالدناءة اللي تخليني اجرحها، ولا هي تستاهل، كفاية انها صاحبتك.
شجعها تجاوبه معها لتزيد بتسألها:
- يعني عشان هي صاحبتي وبس يا عزيز، مفيش اي حاجة تاني؟
شاكسها مرواغًا:
- يهمك تعرفي؟ ولا السؤال دا من صاحبتك نفسها؟
اجابته ببساطة:
- بصراحة عايزة اعرف ويهمني اوي، عشان هي صاحبتي، لكن هي نفسها مش قايلة حاجة خالص.
قالت الأخيرة بكذب مفضوح جعله يضحك مرددًا:
- مدام هي نفسها مقالتش، بتدخلي نفسك ليه انتي يا حشرية؟
اغلقت فمها مجبرة بعد أن افحمها بقوله، وعاد هو لترديد الغناء:
سحرهم خطير يوصف إيه كلامي
يوم تلات وبكل أيامي
كل عود وعود أحلى م التاني
قلبي لم يعود ليا من تاني
كان في إيدي عود قولت بيه أغاني
والصباح رباح ياللي عجباني
كلمة كلمتين الليل قوام ليل
عشنا يوم جميل أحلى ما أتخيل
واحدة واحدة عليا بتميل
لو هعيش عمري هنا قليل
يوم تلات تلات بنات نادهوني
