رواية كله بالحلال
الفصل السابع والعشرون27الاخير
بقلم امل نصر
أشعلت المذياع على إحدى الاغاني الصباحية، في عادة تفعلها منذ نشأتها، لا يكتمل الصباح سوى بأغاني فيروز ، مع ارتشاف قهوتها ، والتطلع على كل ما هو جديد وهام، وقد حل الهاتف مكان الجرائد اليومية، تضع النظارة على عينيها وتتصفح الأخبار اليومية في الصفحات المشهورة بذلككانت منكفئة بتركيز لدرجة جعلتها لم تنتبه على قدوم أحدهما من خلفها حتى اجفلت بقبلة على وجنتها ، علمت بصاحبتها، لتلتف اليها بابتسامة رزينة كعادتها والأخرى تلقي التحية بشقاوة لم تتخلى عنها حتى بعد مرور أكثر من سنتين منذ زوجها:
- صباح الخير يا نونا.
كبتت بصعوبة شعور الغبطة الذي يتسلل اليها في كل مرة تذكرها بلقب الدلال الذي اختارته هي لها، لتردد به على الدوام، رغم استهجانها في البداية وعدم تقبله منها، لكن مع إصرار الأخرى على التقرب ، رويدا رويدًا أصبحت تلين ، وبتكرار منادتها به، أصبح الجميع يقلدها، وكأنها خلقت بهذا الأسم:
- صباح الخير يا قلب نونا، صاحية متأخر يعني؟ مش بعادة.
التفت تجيبها وهي تسقط على الكرسي المقابل لها وتتمطع بذراعيها بتكاسل:
- ما انا بصراحة مكنتش عايزة اسيب السرير، بعد ما خلصت من المذاكرة ومن الامتحانات والمرمطة، مفيش احلى من الراحة يا نونا.
- يعني واخده اجازة؟
- بالظبط كدة يا نونتي.
- اممم
ارتخت على مقعدها، تطالعها بمكر قائلة:
- ولما انتي اجازة النهاردة يا حلوة، مش كان اولى بقى تقضي اليوم مع جوزك، بدل ما تسبيه يخرج لوحده ويروح النادي.
- النادي! مين قالك ان هو راح النادي؟
رددت بالسؤال مزهولة لتزيد عليها الأخرى:
- انا سمعته بنفسي وهو بيتفق مع واحد صاحبه انهم يتقابلوا هناك...
توقفت لتردف بخبث:
- شكله عايز يعمل ماتش تنس، ويرجع أمجاده القديمة، اللي انت عارفاها بقى، ختمت بغمزة، لترى على الفور رد فعل الأخرى، والتي تحولت ملامحها، مرددة بجزع؛
- يا نهار اسود.
- انتي متأكدة من كلامك دا؟
- وانا من إمتى كنت بهزر؟ تعرفي عني الكلام دا يا بسمة؟
- لأ طبعا، انتي عمرك ما كنتي بتهزري
هتفت بها بسمة وهي تنهض عن مقعدها، تدبدب الأرض بقدميها مغمغمة:
- انا عارفة من الاول، هيفضل تاعبني كدة طول العمر ؤ
ولا هيتهد ابدا حتى لو بقى كركوبة.
تبسمت منار تلاحقها بالسؤال:
- طب انتي رايحة على اؤضتك ليه دلوقتي.
- عشان رايحة انيل اغير هدومي، وهروح النادي انا كمان اما اشوف اخرتها ايه معاه سي كازنوفا.
همت لتتحرك مرة أخرى ولكن منار أوقفتها بقولها:
- ما انتي لو كنتي خلفتيلوا عيل زي ليلى بنتي ما عملت، يمكن كان اتلهى فيه دلوقتى.
كتمت بسمة زفرتها، لتخفي ضجرها لهذا الحديث الذي لا تنفك حماتها العزيزة بتذكيرها به، فخرج ردها بنزق:
- عشان ليلى معاها ممدوح يساعدها في الدراسة وف رعايا البيبي وف كله
،لكن انا ربنا وفقني في واحد اسم الله عليه، ممكن ينساني انا نفسى قدام ماتش كورة بيتابعه.. عن اذنك بقى عشان اروح اغير هدومي.
مصمصت منار خلفها، تغمغم وهي تعود لمطالعة الهاتف:
- وماله يا ختي حظك؟ مش دا اللي حفيتي عليه؟ اشربي بقى...... ياما نفسي بقى اشيل حفيدي منه هو كمان .
لم تكمل قراءة الخبر جيدا حتى اتاها عدد الرسائل اليومية على تطبيق الوتس:
- صباح الفل والياسمين، الجميل عامل ايه النهاردة.
تنهدت تخلع النظارة من فوق عينيها، وابتسامة شقت ثغرها، قبل ان تضغط على أحرف الكلمات في ردها له:
- يا راجل مش ناوي بقى تعقل وتراعي سنك. مفيش مرة تبعت رسالة من غير معاكسة!
وضعت طفلها في مهده وقد غفى بين ذراعيها، بعد انتهائها من ارضاعه، لتضعه بحنان، ثم تعود إلى زوجها الذي كان يرتب بعض المقتنيات التي حصدها نتيجة الرحلات التي قام بها قبل الزواج وبعده،
خاطبته وهي تقترب منه
اجي ارتب معاك؟
رفع رأسه اليها بابتسامة تفهمها جيدًا ، لتعرف الاجابة منها:.
- ما انا قولتلك يا جميل، كله الا ثروتي القيمة، اسمحلك تشاركيني في أي حاجة وتعبثي وتعملي اللي انتي عايزاه، لكن عند دولابي الغالي، ونقول ستوب.
- اممم
زامت بها تجلس على المقعد القريب منه ، تراقبه وهو يمسح على التمثال الصغير من الأتربة بحرص شديد، لتعلق ساخرة:
- اقعد كدة حافظ بقلبك على دولاب الجوايز الغالي لحد ما يكبر ابنك سنتين تلاتة وتلاقيه هو اللي كسره ودمره بلعبة الكورة بتاعته.
برقت عينيه بزعر امامها وقد تخيل الصورة امامه:
- يا نهارك اسود يا ليلى، معقول دا يحصل فعلا، دا انا ممكن تيجني سكتة قلبية فيها دي؟
- سلامة قلبك يا حبيبي من كل شر، انا مش قصدي اخوفك والله، بس انت بصراحة بتفكرني بحاجة الستات الإزاز اللي بتحتفظ بيها في النيش،
قالتها بعفوية ندمت عليها حينما رأت بعينيه عتابه الصامت لتسقط على الأرض بجواره في محاولة لترضيته:
- طب انت ليه زعلت؟ انا بهزر والله، ودا مجرد مثل خطر في دماغي حالا قدامك، مقصدتش منه التقليل ابدا، لكني بصراحة بستغرب الخوف الشديد دا منك, على حاجة ممكن تتعوض بمنتهى السهولة خصوصا وان معظمهم تكلفتهم بسيطة،
- لا يا لولو مش بتكلفتهم المادية
قالها ثم عبر برفع السلسال الغريب امام عينيها:
- يعني مثلا السلسة دي، بقلبها اللي مشغول يدوي بالخرز، ليها في قلبي زكريات الرحلة اللي قومت بيها في الصحرا عند اخوانا البدو، بالظبط زي القلادة اللي ادتهالك هدية من صديقي الافريقى، اظن انتي كمان محتفظة بيها.
- طبعا دي اغلى عندي من كنوز الدنيا.
قالتها ليطالعها بغيظه بعض الوقت حتى طرق بكفه على جانب رأسها:
- طب يعني فاهمة اهو، امال ايه لزوم الرغي بس؟ دا انتي منار باينها بهتت عليكي.
ضحكت تحاول الابتعاد برأسها عن مرمى يده، حتى تذكرت لتسأله:
- اه صحيح انت مقولتليش، عن سبب إصرار بابا شاكر على عزومتو لينا النهاردة .
بكذب مكشوف انكر قائلا:
- ممم بصراحة مش عارف.
ضاقت عينيها لتلكزه على ساعده بإلحاح تخاطبه:
- طب بزمتك انت مش عارف، ممدوح حط عينك في عيني.
ضحك تاركًا ما بيده ليقبض على ساعديها، يستجيب لمطلبها بإشراق وجهه الضاحك:
- اهو قدامك اهو، عيوني الاتنين في عيونك، طلعي منهم الأجابة براحتك.
ارتبكت قليلًا ثم سرعان ما تحول التواصل البصري، والمشاكسة، لمشاعر أخرى مليئة بالدفء والعشق، لتنسى السؤال، وينسى هو معها ما كان يحرص عليه منذ قليل، ذهبت رغبته فيما كان يفعله، وقد امتلك بين يديه الاَن اغلى مقتنياته، بل الأغلى من روحه:
- بقولك ايه الواد نايم صح؟
أومأت بهزة بسيطة من رأسها، ليتكفل هو بالباقي، ينتهز الفرصة بكل اجتهاد، ولكنها لم تكن سوى لحظات قليلة حتى فصلت قبلتهما، لتدفعه عنها وتنهض على الفور ، على اثر صراخ صغيرها:
- الواد بيعيط يا ممدوح.
- اقسم بالله دا انا اللي هعيط
ردد بها من خلفها، قبل ان ينتبه على رسالة الوتس، وصورة لعزيز التقطها من داخل الملعب ، يضحك بملئ فمه، ويخبره عن نتيجة المبارة التي ييخوضها الاَن، وجمهور الفتيات من خلفه يشجعن بحماس شديد ..
زفر ممدوح يلقي الهاتف من يده، يغمغم بغيظ شديد:
- روح يا عزيز ، الهي يارب يبتليك بجوز توأم من عينة الواد الغلس اللي جوا ده..
- الماتش كان جامد اوي يا عزيز، مهما تغيب بالشهور ولا بالسنين حتى لازم تكسب وتبقى شيء مميز
وصلت لاسماعها فور ان وصلت اليه داخل المربع الذي اقيمت به المبارة منذ قليل وفاز به، ليفوز ايضًا بجمع الفتيات الاتي أتين لتهنئته قبل المغادرة
- عزيز طول عمره جامد، ودي حاجة مش غريبة عنه.
تفوهت بها فتاة أخرى
- يا جماعة مش لدرجادي يعني، الكابتن اللي لعب قصادي كمان مش قليل.
تمتم بها بابتسامة زادت من اشتعال النيران بأوردتها، لتقطع عليه لحظة الانتشاء بالنصر والحديث مع الفتيات، تباغته بحضورها، وكأنها ظهرت من العدم
- ايوة يا حبيبي بس انت برضوا اجمد منه .
اقتربت لتضع كفها فوق كتفه تميل بجسدها عليه بتملك مخاطبة الفتيات:
- ولا ايه رأيكو يا بنات ؟ في جوزى.....
ضغطت على أحرف الأخيرة، ترمق الفتيات بنظرات تحذيرية صارمة، وكأنها قطة في انتظار الهجوم، حتى ادخلت الرعب في قلوب الفتيات لينسحبن من أمامها واحدة تلو الأخرى، فلم يتبقى الا هي وهو، ليكن تعقيبه الاول :
- خلاص عملت نمرتك وخوفتي البنات بجنانك، عن اذنك بقى.
قالها وتحرك ذاهبًا من خلفها، لتلحق به مرددة من خلفه:.
- وبتستأذن وتسيبني؟ لدرجادي مش طايقني يا عزيز .
لتجاري خطواته، صارت تعدو بسرعة وكأنها تركض، حتى وصل لغرفة الملابس، فدلفت خلفه مستغلة غياب البشر في هذا الوقت، فغلقت الباب لتدلف خلفه، تستند مائلة بجسدها على احدى خزائن الملابس المغلقة، ويبادرها الحديث بعدما خلع عنه ما كان يرتديه في الأعلى من ملابسه رياضية؛
- نعم يا حلوة، انتي جاية ورايا هنا كمان عشان تكملي، محدش عرفك ان وجودك هنا غير مرغوب، عشان دا مكان مخصص للرجالة.
ردت ببساطة:
- عارفه انه مخصص للرجالة، بس انا مع جوزي حبيبي ، يعني محدش له عندي حا... اه
تأوهت بالاَخيرة وقد باغتها بدفعه لها حتى اصطدمت بالجدار من خلفها ليحاصرها بجسده، يطالعها بتحفز اثار قلقها، بالإضافة لحالة الارتباك التي تكتنفها الاَن، بقربه الشديد لها، مع وقوفه أمامها بجذعه العاري ووسامته التي تأثر قلبها كلما نظرت اليه، بالإضافة لاشتياقها له، وقد ساهمت الظروف في الفترة الأخيرة لابتعادهما عن بعض، وصل اليه ما كانت تشعر به، فظل صامتًا يتلذذ بهذا الشوق الذي يراه في عينيها، حتى ترجته قائلة:
- على فكرة احنا كدة وضعنا غلط يا عزيز، في أي لحظة ممكن اوي حد يدخل ويشوفنا كدة، هيبقى منظرها زبالة حتى لو قلنا اننا متجوزين.
- متجوزين اااه
تمتم بها بما يشبه السخرية، ليردف بحنق ما يجثم على انفاسه:
- تعرفي جوزك بس غير لما نار الغيرة تشعلل قلبك، لكن غير كدة عادي اوي في حياتك، يجي درجة تالتة بعد الدراسة اللي لازم تجيبي فيها درجة امتيار، ولا شغل والدك اللي بتخلقيلو وقت عشان تشيلي من بعده الشركة بعد ما يزهد من الشغل ويقرر يعيش حياته.
ذهب سحر ما كان يكتنفها منذ قليل، ليخرج السؤال منها بصدمة:
- مين قالك الكلام ده يا عزيز؟.
ابتعد فجأة، ليجيبها وهو يرتدي القميص الذي كان قد خلعه سابقًا:
- العصفورة هي اللي قالتلي، عشان افوق لنفسي بقى ، واصحى من أحلامي، بعد ما كنت بصبر نفسي بانتهاء امتحاناتك عشان......
توقف حتى لا يخبرها بغباءه عما كان يخطط له من اجل الاستمتاع بوقتهما لأكبر قدر، وقد أهلكه الاشتياق لها..
- عشان ايه يا عزيز؟ كمل.
- ارتدى سترة حلته ثم وضع النظارة الشمية أعلى عينيه ، دون ان يكلف نفسه عناء تمشيط شعره،، وقد كان شديد الجاذبية بشعره الناعم المشعث، ليعدل من هيئته، ثم يقول ببساطة:
- مليش مزاج اكمل.
- ملكش مزاج تكمل.
تمتمت بها، تطالع مغادرته امامها بتشتت، لكن سرعان ما استدركت، لتعدو مسرعة حتى تلحق به،
حتى وصل الى السيارة وفور ان دلف بها، انضمت معه في الأمام :
- عزيز انت لازم تفهمني جايب الكلام دا منين؟ مينفعش تسيبني كدة ارجوك.
زفر انفاسه الخشنة، ليلتف اليه بغضبه قائلًا:
- عايزة ايه بالظبط يا بسمة؟ مالك انتي باللي قالي ولا اللي فهمني؟ مش برضوا دي هي نيتك، ولا هتنكري كلامك مع والدك امبارح في التليفون
ارتدت برأسها للخلف ترفرف بأهدابها تعيد بذهنها حديث الأمس مع والدها عبر الهاتف، والذي يبدوا انه قد سمعه منها رغم انها كانت وحدها في الغرفة.
- انت قصدك لما قولت لبابا، متشيلش هم يا بابا، وانا خلاص فضيت عشان اسد عنك في الشركة؟
بدا على ملامحه انها اصابت التخمين، ليعلق بلهجة تشبعت باللوم:.
- أديكي جيبتيها لوحدك اهو، زكية وشاطرة، وعمليه بشكل مبهر.
خرجت كلماته الأخيرة بسخرية، قبل ان يلتفت لقيادة سيارته وظلت هي صامتة حتى عودتها للمنزل، فلم تنبت ببنت شفاه سوى بعد غلق باب الغرفة عليهم:
- أكيد انت مكملتش باقي المكالمة، لأنك لو سمعت الباقي أكيد دا مكنش هيبقى موقفك، ومع ذلك برضوا انا كنت اتمنى تيجي تواجهني بدل ما تزعل وتشيل في قلبك مني .
عقب ساخرا:
- كنت هكتشف في اخر المكالمة انك كنتي بتهزري معاه
صح؟
- لأ مش صح يا عزيز وانا مقدرة غضبك، عشان ما فضلت متحمل الفترة اللي فاتت من امتحانات ومذاكرة، بس انا كنت بكلم بابي على اساس ان اخره شهرين ولا تلاتة بكتير يتفسح ويعيش الاجازة اللي بيتمناها، لاني بعدها انا اللي هاخد الاجازة الطويلة سنة ولا سنتين ولا تلاتة حتى........
ردد خلفها بعدم تصديق:
- سنة ولا تلاتة حتى! وهتقدري تعيشي كدة بقى؟ دا انتي تموتي لو قعدتي كدة من غير ما تلاقي اللي تشغلي نفسك بيه.
- ما انا فعلا هيبقى معايا اللي يشغلني.
قطب يرمقها بعدم فهم، حتى وجدها ترتد بأقدامها نحو الكمود تخرج له ملفًا طبي تضعه بيده، امسكه ليطالع ما دون داخله بريبة، لكن سرعان ما تحولت ملامحه، لتبرق عينيه، وتحفزت كل خلية بجسده، لينهض فجأ يقابلها بتساؤله:
- الكلام اللي هنا دا بجد؟
ردت بلهجة لائمة مبتعدة بأبصارها عنه:
- امال يعني هكون بهزر؟
امسك بذقنها ليدير وجهها اليه، واضعًا عينيه صوب خاصتيه، ليشرق وجهه بابتسامة كانت تتوسع امامها لتتحول لضحكة كبيرة، ثم رفعها بين ذراعيه، رغم رفضها وغضبها الذي كانت تعبر عنه بضربه بقبضتيها:
- اوعي نزلني يا عزيز، اوعي انا مش طايقة ابص في وشك اساسا، ابعد عني يا عزيز.
- لأ مش هسيبك ولو شاطرة، حاولي تنزلي لوحدك.
صاحت به مزمجرة:
- دلوقتي بتضحك ومن شوية ، كنت شايفني الجبلة عديمة الاحساس مش كدة برضوا.
- لا مش كدة برضوا.
قالها ثم انزل اقدامها للأرض ليكوب وجهها بين كفيه، ضاغطًا على وجنتيها الاتي اكتنزت مؤخرًا، يتأمل ملامحها بعشق يتغلغل داخله، كسريان الدماء داخل الوريد، ويردف بشعور اختلط بغيظه منها:
- ما انتي لو كنتي اديتيني فكرة من الاول مكانش دا كله حصل ، خبيتي وداريتي مع نفسك ، يبقى اتحملي بقى.
- ما انا حبيت اعملك مفاجأة بس انت مدتنيش فرصة، اه خدودي يا عزيز.
- مالهم؟ دا انا ودي اعصرهم بين ايديا، ع الاقل افش غليلي منك .
عقبت بضعف حينما زاد بضغطه:
- اقسم بالله وجعوني بجد، خف بقى.
اذعن اخيرا لمطلبها، ليرفع كفيه قليلًا ، ويستبدل بتقبيلها، بعشق لم يفتر ولم ينقص طوال فترة زواجه بها مهما مر بينهما من تحديات ومشاكل، بل يزداد ويتأكد له يوميًا صدق محبته لها، ما أجمل أن يكتفي الرجل بامرأة واحدة رغم قدرته على اجتذاب جيش من النساء، ولكن ما فائدة العدد؟ حينما يضيع في البحث، ولا يجد توأم روحه بينهن.
حينما هدأت ثورت مشاعره، ضمها اليه مقبلا جبهتها ، ليسألها بفضول :
- ما قولتيش بقى، ايه مناسبة الرحلة اللي والدك عايز يقوم بيها؟
رفعت رأسها عن صدره بأعين يتراقص بها العبث:
- معقول يا عزيز ، انت لسة مخدتش بالك؟...... ولا حتى افتكرت الموضوع اللي كلمك عنه.......
قطب قليلًا ثم سرعان ما تذكر ، لتنكمش ملامحه، فيعيدها الى مخبأها في حضنه قائلًا:
- خلاص افتكرت.
ضحكت تزيد عليه، طب ومتنساش كمان انك وافقت
- ما قولنا خلاص افتكرت، اتهدي بقى
اردف بها بغيظ، يضربها بكفه على خلف رأسها بخفة، لتصدر هي صوت ضحكتها العالية:
- حبيبي بلاش عصبية مش كويس عشانك .
رغم استمتاعه بمرحها وصوت رنتها المميز ، الا أنه لم يصمت عن مشاغبتها له:
- اقسم بالله لو ما اتلميتي، لا اعرفك عصبيتي بجد، ولا هيهمني حمل ولا ديالوا، اتلمي، ها اتملي.
- ولو ما اتلميتش .
- يبقى انتي اللي جبتيه لنفسك.
قالها ليهم بتنفيذ تهديده، وكان ردها ضحكة جلجل صخبها في قلب الغرفة،
مساءًا في منزل شاكر الذي ظل به وحده بعد مفارقة ابناءه له، اثر زواجهم،
دلف عزيز يصطحب زوجته ووالدته بعد إصرار الأخر على مجيئهم اليوم، ليفاجأ الثلاثة بعدد الحضور في انتظارهم، ريهام وابنها الصغير بصحبة زوجها المحب، عوض الله اليها بعد انفصالها من الاول
ليلى وزوجها ممدوح يحمل عنها الطفل،
- ايه ده ايه ده؟ دا كل الحبايب متجمعين النهاردة.
هلل بها عزيز يبادر بترحيبه، ثم يقترب بزوجته ووالدته، ويتبادل الجميع الحديث الودي المعتاد في مثل هذه اللقاءات، وكان السؤال عن صاحب الحفل هو ابرز الأشياء، حتى ظهر الاخير أعلى الدرج يرحب بمرحه المعروف:
- يا اهلا بكل الحبايب، اخيرا الجمعة الحلوة دي نورت منزلي المتواضع
نزل ليصافحهم فردًا فردًا ، بابتسامة وحديث لا يخلو من دعابته، حتى اذا وصل اليها:
- منار وشك ولا القمر ذاته
تبسمت بحرج، لتجيب بنبرة تبدوا طبيعية حتى لا تثير انتباه احد ونظرة محذرة وجهتها له حتى يكف عن مشاغبته لها امامهم:
- مرسي يا شاكر بيه، دا من زوقك.
- اهااا
تمتم بها ساخرًا لها، ثم هتف يلفت انظار الجميع نحوهما:
- طب اشهدوا بقى يا شباب، عشان الست دي مصرة تخرجني عن شعوري
شهقة خرجت من جوفها لتعقب مصدومة لفعله
- ايه اللي بتقوله دا يا شاكر؟
ردد يذهلها بإصراره:
- ايه اللي بقوله ولادك نفسهم وولادي عارفينه، يا ست يا مفترية بقالي سنتين بتحايل عليكي، هو العمر في كام سنة؟ مدوخاني ومش راضية تريحي قلبي، عايز ارتاح بقى.
كتمت بكفها على فمها بحرج، وعينيها تذهب نحوهم، تتمنى الأرض تنشق وتبتلعها، تحاول استكشاف صدق قوله بأعينهم
فواصل هو يفاجئها:
- انا عارف انها مش مستوعبة، سموعها بقى يا ولاد عشان ترحمني، ريهام
- انا موافقة يا عمو
- ليلى.
- وانا كمان
كانت كالمصعقوة تسمع الموافقة من افواه الجميع حتى عزيز ، رغم جموده الظاهر الا أنه لم يخفي ارتياحه:
- حتى انت يا عزيز؟ ازاي تقبل،.
- لازم اقبل يا ماما واغلب انانيتي، انتي من حقك تعيشي، وانا مش هلاقي احسن من عمو شاكر تعيشي في أمان معاه
اضافت بسمة على قوله بلهفة وعفويه:
- ايوة يا نونا ، دا موصيني على اجازة هيلففك العالم فيهم، شهرين عسل .
- يا نهار اسود
غمغمت بها منار تشيح بوجهها عنهم بخجل شديد، ليزمجر عزيز, يقرص على كفها بعنف، يهدر هامسًا بالكز على اسنانه:
- بتتكلمي ليه؟ اقفلي بوفقك، ومتسمعنيش مفرداتك الزفت دي يا بسمة، انا بحذرك.
ضحكت بصوت مكتوم تتحاشى غضبه بطاعة:
- حاضر خلاص مش هتكلم، بس مالها مفرداتي يعني،
- بسمة
- خلاص اهو قفلت بوقي.
اشارت بالاخيرة على فمها لتتطوع ريهام من نفسها هي الأخرى بدعم شاكر:
- انا كمان يا ماما مع عزيز، عمو شاكر جميل وبيعرف يدلع الست كويس ، وانتي تستاهلي الدلع.
ليلى هي الأخرى:
- وافقي يا ماما ، دا عمو شاكر حفي في محايلته ليكي، وعلى ايدي كمان.
- قوليلها يا ليلى
قالها شاكر ليضيف بشكل فكاهي ، جعلها تكتم ضحكتها بصعوبة:
- اعمل ايه تاني يا ناس؟ دا انا ريقي نشف ما تحني بقى يا ست .
امام الاصرار والتشجيع من الجميع، اذعنت اخيرا لتومئ بهزة خفيفة برأسها هلل على اثرها شاكر، ليخرج من جيب سترته علبة مخملية يخرج منها خاتمًا:
- كدة بقى عشان ما ترجعيش في كلامك.
ادخله بإصبعها لتصدر اصوات التصفيق والمباركات.
- مبروك يا ماما، مبروك يا انكل .
وكأنها فتاة في العشرين كانت تتقبل تهنئتهم، بحياء، امام مشاكسات شاكر التي لا تخلوا من المداعبات الشقية والمشاكسة، حتى صدر قول عزيز:
- طيب يا جماعة،،نعلن احنا كمان عن خبرنا، بسمة حامل يماما.
شهقة عالية خرجت من جوف المرأة، لتغلب كبريائها، وتجذب بسمة تحتضنها بحب امومي، نشأ بحنان العيش والمودة التي جمعتهما
- مبروك يا بنتي، الف مبروك يا حبايبي، انا حاسة قلبي هيوقف.
- سلامة قلبك.
اردف بها شاكر ليسحبها من كفها، يضغط على مشعل الاغاني قائلا :
- كدة نحتفل بقى بالمناسبتين.
ليبيدا احتفال الليلة ، على اغنية تعبر عن حالة المحبين اختارها شاكر بعناية من اجل تدليل محبوبته ، يسحبها للرقص عليها، ويشاركه بعدها البقية، تجمع كل حبيبن.
شو حلو حبيبي شو حلو ها القمر شوفوا ما اجملو
بس انا عبالي دللو وحياتي ما حدا بقى يزعلو
شو حلو حبيبي شو حلو ها القمر شوفوا ما اجملو
بس أنا عبالي دللو وحياتي ما حدا بقى يزعلو
و اسمحوا اذا بتسمحوا و استحوا ما بقى تجرحو
لو زعل انا بصالحو حبيبي بالقلب صاير مطرحو
و إسمحوا إذا بتسمحوا و إستحوا ما بقى تجرحو
تمت بحمد الله
