الفصل الثامن عشر18والتاسع عشر19
بقلم امل نصر
عابث!
نعم هو العابث الفاسد الذي قضى الشطر الأكبر من سنوات عمره في الركض خلف الفتيات، وتعليق هذه في عشقه، ثم كسب الرهان الذي عقده بين اصدقاءه على أخرى، مغتر بجمال هيئته، وجاذبية التصقت به، نظرا لوسامته، وذكاء تصرفه في أصعب اللحظات.
إلا هذا الموقف، أن يجبر على فعل على غير ارداته، هذا ما لم يتوقعه ابدا.
- بشمهندس عزيز ساكت ليه؟
توجهت له المرأة بالسؤال تقطع عنه حالة الصمت التي تلبسها منذ دخوله المنزل، الامر الذي قد يظنه البعض ادبًا منه، وهذه الملحوظة بالطبع، لن تفوت والدته:
، سيبي عزيز في حاله يا ست نرجس، هو أكيد مكسوف منكم، ولا انتوا فاكرين الكسوف لبنتكم انتو بس؟
قالت باشارة نحو الفتاة التي اطرقت رأسها بخجل تداري ابتسامتها المترافقة مع ضحكات والديها، استجابة لمزاح منار التي كانت تجاهد كي تغطي على وجوم ابنها وعزوفه عن المشاركة بالأحاديث الدائرة معهم، في هذه الجلسة التي جمعتهم بمنزل رانيا لإتمام الخطبة.
رسم عزيز ابتسامة صفراء، ظهرت جليًا لمن يراه، ليحدج والدته بنظرة محتدة، تدخلت ريهام ملطفة هي الأخرى بطريقتها، رغم حالة الضجر التي تكتنفها، من أجله، بعد أن اتى مجبورًا معهما:
- هو مش كسوف بمعنى الكسوف يعني، بس تقدروا تقولوا كدة، متهاب الموقف، دي اول مرة يخطب يا جماعة، ولا انتوا مش واخدين بالكم ولا ايه.
تبسمت السيدة نرجس، لتعلق ردًا لها:
- لا طبعًا يا حبيبتي واخدين بالنا، بالظبط زي بنتنا ، رغم ان جالها عرسان كتير اوي يطلبوها، بس النصيب بقى.......
- زي ما رفضتوني انا قبل كدة، مش كدة برضوا؟
باغت المرأة برده حتى تلجمت تناظره بتوتر، فتكفل زوجها قائلًا بحرج:
- يا بني دا كان سوء تفاهم، وراح لحاله خلاص، ربنا يجازي بقى اللي كان السبب، احنا والله بعد ما فهمنا الحكاية من الست منار والدتك، اجبرنا رانيا تقطع علاقتها مع البنت صاحبتها دي دوغري، بنت قليلة ادب.
التقط الأخيرة ليتوجه بحديثه الحاد نحو الأخيرة سائلًا:
- وانتي بقى يا رانيا، لما قالولك اقطعي علاقتك مع صاحبتك، روحتي فاطعة دوغري كدة، طب مش يمكن البنت كانت بتكلمك لمصلحتك زي ما انتي كنتي فاهمة ، ما هو الفيديو حقيقي على فكرة.
- هاا
دمدمت بها تطالعه بتشتت، حتى تطلعت لوالديها تبتغي الدعم، والذي اتى اليها من جهة أخرى، وقد تكفلت منار بالرد مدافعة:
- دي تفارقها من طول دراعها كمان، رانيا بنت شطورة وبتسمع كلام اهلها، اللي زيها من البنات يتعدوا على الصوابع دلوقتي.....
توقفت عن اللهجة القوية نحو ابنها ، لتردف موجهه خطابها للرجل وامرأته بتملق مبالغ فيه :
- انا بجد بهنيكم على تربيتها، يا خير ما فعلتوا، بنت جميلة وترفع الراس، حقيقي اتشرفت بيكم وبنسبكم، هي دي اللي تتمناها اي ام لابنها
كان لحديثها اثر كالسحر على الرجل والمرأة، والفتاة التي زاد خجلها حتى لم تعد قادرة على كبح ابتسامة الفرح، بعد هذا الإطراء الكبير، الذي تتلقاه من جبهة قوية يعتمد عليها في المستقبل.
ومن ناحيتها، انتقلت منار بنظرة محذرة نحو ابنها، حتى يكف عن هذه المحاولات المكشوفة من اجل إفساد الخطبة، وقد خاضت معه حربًا ضروس، طوال الايام الماضية، ما بين الضغط بعاطفة الامومة، ثم كرامتها التي سوف تهدر بعدم تنفيذ ما اقدمت عليه، امام البشر التي شهدت على إعلانها، لتصل اَخيرا به إلى هنا، تتوعد انها لن تتركه سوى بغلق باب شقته، بعد ان تزوجه بالفتاة، اختيارها الصحيح.
سرى بينهما حديث بالنظرات والرسائل الحادة انتبهت عليه ريهام بينهما، لتقبض بكفها على رسغه بدعم ، جعله يتطلع لها مذهولا لهذا التغير المفاجئ منها، ليستدرك انه أصبح يلتمسه هذه الأيام منها كثيرًا، ولكنه كان غافلا عن ذلك، في غمرة انشغاله بما تورط به، والمطالبه بإتمامه على غير ارادته .
وفي المنزل
والذي رفضت مغادرته، لتلتزم محلها في عدم الذهاب معهم، ومشاركه هذا الحدث الهام رغم الضغط المضاعف من والدتها نحوها والمحاولات المستميتة، تارة باللين وتارة بالشدة، وتارة بالسباب، حتى يأست منها، لتلكزها بضربة قوية على ذراعها، ما زالت تدلك موضعها حتى الآن، وتمرر على اثره بالثلج؛
- اه يا دراعي، ماشي يا ماما، وديني ما انا حاضرة اي اجتماع ما بينكم، ولو حصلت، همنع نفسي كمان عن الفرح نفسه، واشوفك بقى ساعتها هتجريني ازاي غصب عني؟
تمتمت بها بتوعد، وهي تبحث داخل صندوق الاسعافات ، حتى وجدت الدهان المخصوص بالكدمات، لتأخذ منه جرعة وتمررها على الموضع المحتقن:
- اه اه، دا بيحرق دا ولا ايه؟
كانت غمغمت بها حتى اجفلها صوت جرس المنزل، والذي كان يدوي باستمرار، لتُحكم اغلاق الانبوب سريعًا واعادته الى مكانه، قبل ان تتحرك وتشد قماش كمها عل الجزء المكشوف،
وصلت الى المدخل كي تقوم بفتح باب المنزل الخارجي، وما ان وقعت عينيها عليه واقفًا امامها، حتى تراجعت للخلف، مقررة غلق الباب دون أدن كلمة واحدة، ولكنه كان الأسرع بأن تصدر بكتفه، يمنع عنها فعل ذلك، ليردد لها بغضب:
- عايزة تقفلي الباب في وشي يا ليلى؟ بقى ده زوق ولا فعل يخرج من بينت اصول ولا مر عليها الأدب حتى؟
قارعته بتحدي من خلف الباب الذي تجاهد لغلقه:
- تمام يا سيدي، انا لا عندي أدب ولا مر عليا الزوق فعلا، انت بقى خلي عندك دم وجر عجلك وارجع ، عايز مني يا ايه غتت؟ البيت مفيهوش حد غيري .
تابع بإصراره:
- وافرضي مفيهوش حد غيرك، ما انا برضوا مش غريب، ولا اخلاقي تسمح باي حاجة مش كويسة، ولا انتي مصدقتي تلاقيها فرصة، اعقلي بقى وبطلي شغل العبط ده، انتي ملكيش حد غيري اصلا.
توقفت فجأة لتزجره بغضب:
- ودي خدتها فين ان شاء الله؟ معاك عقد الملكية ولا حد قالك اني فاقدة الاهلية، ولا عقلي راح مني عشان انكفي دماغي واوافق على حد زيك، ما تفوق يا سامح بقى من أوهامك دي.
- لا يا حبيبتي الكلام دا تقوليه لنفسك.
قالها ليستقيم بجسده يعدل من هيئته، بعد ان استرعى انتباهاها وجعلها تتوقف عن دفع الباب، ليتسطرد بغرور:
- اعقلي يا لولو، وبلاها من الغباء اللي بيأذي صاحبه ده، انا مقدر إنك عايزة تتمردي على سلطة خالتو، بإنك تتحديها وترتبطي بحد تاني غير اللي هي عايزاه، بس تفتكري يا قلبي، واحدة زي مامتك، اللي أجبرت عزيز بجلاله قدره، يروح برجليه ويتمم خطوبته برانيا...... هتغلب مع كتكوتة زيك؟
قال الأخيرة وقد امتدت اصابعه نحو ذقنها، دفعتها هي عنها بغيظ، زاده انتشاءًا ليردف بتسلية:
- انا مقدر ان انتي لسة صغيرة يا لولو، ومش فاهمة الدنيا صح، ودا اللي خلاكي تقعي فريسة في ايد البنت اللي اسمها بسمة دي، لفت عليكي وخلت اخوها التافه يرسم دور الحبيب عشان مصلحتها، مصلحتها في انها توقع عزيز ، عزيز اللي كل البنات تتمنى الارتباط بيه، فهمتي بقى يا لولو؟
- يا عم وانت مالك؟
صاحت بها بوجهه باحتقان دفع الدماء بأوردتها، لتتدفق كحمم تغلي.
- هو بيضحك عليا ولا اخته عاملة خطط، انت مالك؟.
انا في كل الحالات مش قبلاك، مبطيقكش ولا طايقة ابص في وشك، حل عني بقى، دا انا واصلة معايا لاخر الكوكب منك يا أخي، صنفك ايه يا جدع انت؟
بصراخها الاخير به امتقع وجهه وانتفخت اوداجه غيظًا وغضب، ليهدر بتهديد ووعيد:
- تمام يا ليلى، خليكي قد الكلام اللي بتهلفطي بيه ده، عشان بكرة هتدفعي تمنه غالي اوي، انا مش هفوتلك من هنا ورايح ولا كلمة، كله هيبقى مرتد عليكي في الاخر، وخلي دماغك الناشفة دي تنفعك.
لم تكلف نفسها عناء الرد عنه بعد ذلك، لتباغته فجأة بصفق الباب بوجهه بقوة اهتزت لها جدران المنزل، ليغمغم هو بغيظ بعدها:
- ماشي يا ليلى، ماشي، ما بقاش انا سامح ابن الدكتور الفيومي ولا والدتي تبقى نغم هانم، ان ما كانت احاسبك حساب الملكين على كل غلطك ده، ماشي يا ليلى، مااااشي.
ومن الداخل.
تنفست بخشونة لاهثة، تمسح بيدها على ذراعها المتألم ، لتتمتم بغيظ وقهر:
- روح يا شيخ ربنا ياخدك، اعوذ بالله منك، انسان غتت ومستفز ، انا مش فاهمة، دا طمع في التناحة ليه لوحده ده ولا ايه؟ يا ساااتر.
توقفت بتفكير متمهل لقوله، وقد تمكن من زرع المخاوف والهواجس برأسها، انها بالفعل ضعيفة مقارنة بشقيقها، الذي انصاع مجبرا تحت ضغط والدتها، ليذهب كي يتم الخطبة بفتاة ليست هي من يرغبها بالفعل.، فكيف لها هي ان تجبرها على الموافقة بمن يعشقها وتعشقه، وهو بالفعل يأتي من الجهة التي تكرهها والدتها.
جهة بسمة الفتاة الوحيد التي استطاعت التغلغل بعقل شقيقها واحتلت قلبه، هي ميتقنة من هذا، حتى ولو هو لم يعترف بذلك، لكنه ضعف واستسلم، ولم يحارب من أجلها، الامر الذي فعلته هي سابقًا حتي اوقعته بعشقها، لم يقوى على فعله.
لماذا لم يفعل؟
لقد اضعف جبهتها بفعله، كانت تتمنى ان تلقى منه المقاومة او الرفض حتى تتحامي به، ويقوي موقفها في الدفاع عن من تحب، ولكنه تخاذل وتركها هي في ساحة القتال وحدها، كيف ستواجه جبروت امرأة كوالدتها؟
انها مقاتلة شرسة في سبيل تحقيق أهدافها، وهي الضعيفة التي لولا دفع بسمة لها، لظلت في الخفاء تكتم عشقها ولوعتها بمن تحب.
زفرت تخرج دفعة الهواء بصدرها بتعب، لتتحرك لا ارديًا نحو هاتفها تطلب رقمه، وهو كالعادة تلقى اتصالها بلهفة ليجيبها على الفور:
- الوو يا قلبي، مساءك فل.
- مساء الخير يا ممدوح، عامل انت ايه؟
لم يعجبه نبرته، ليقطب سائلًا لها على الفور:
- مالك يا ليلى؟ انتي فيكي حاجة؟ صوتك مش عاجبني.
وكأنها تلقت اشارة البدء ، انطلقت العبرات من وجنتيها تسيل بلا توقف لتزيد من جزع الاَخر:
- يا بنتي مالك؟ ايه اللي حصل؟ ا
مسحت بأطراف أكمامها، حتى تتماسك قليلًا في الرد عليه؛
- مفيش حاجة يا حبيبي اطمن
- اطمن ازاي بس؟ انتي قاعدة فين دلوقت اجيلك حالا.
غزت ابتسامة حانية ثغرها لتعقب بمزاح رغم ألمها:
- انا قاعدة قي بيتنا يا ممدوح، ولوحدي كمان، يعني لو جيت ممكن تتسجل عليك قضية دلوقتي.
سمعت صوت زفرة صغيرة خرجت منه قبل ان يعقب بيأس:
- طب اعمل ايه بس؟ ما انا قلبي وقع في رجلي من الخوف عليكي، هو انتي حد مزعلك طيب؟
تجاهلت السؤال لتباغته بسؤالها الملح:
- ممدوح انت مش هتسيبني صح؟
- لا يا قلبي طبعا مش هسببك من قال كدة؟
خرج الرد منه سريعًا، ولكن لم يكفيها:
- اوعى تيأس ولا تستسلم يا ممدوح، انا ضعيفة ومحتاجة اللي يوقف معايا ويواجه، انا عايزة اللي يقويني، قويني بيك يا ممدوح .
رغم يأسه، رغم كل الغضب الذي يعتريه رفضًا لهذا الضعف الذي يلمسه منها الان، ولكنه لم يبخل او يتوانى عن طمأنتها:
- انا معاكي يا قلبي ومش هسيبك ابدا، بس دا برضوا ميمنعش ان عايزك قوية .
بملامح مكفهرة، دلفت تحفر الأرض بخطواتها السريعة، لتدفع عنها حقيبة اليد بغضب وتلقيها باهمال على إحدى الإرائك، ثم تخصرت واقفة في انتظار دخول ابنها وشقيقته لتتلقاه بشرار نظراتها المحتقنة،
والتي انتبه هو عليها ، ليخاطبها بهدوء كاد أن يجلطها:
- نعم يا ست الكل، إيه مالك؟ فيكي حاجة؟
صاحت به تفرغ مقدار غضبها الذي كبتته طيلة الساعات الماضية من أجل مرور الأمر:
- انت كمان ليك عين تسأل؟ دا انا مسكت نفسي عن الخناق معاك في العربية بالعافية، في ايه يا بني؟.
دا انت كان ناقص تتخانق معاهم في بيتهم ، الناس مرحبين والبنت مش شايلة عينها من عيلك، بتتمنى بس بصة منك، وانت البعيد لوح، يا اما تقعد زي الكرسي مفيش كلمة، يا اما تدب معاها في الكلام وتحرجها، ليه المعاملة الجافة دي؟ غلطت معاك في ايه؟ ها؟
صاح بدوره ردا لها:
- مغلطتش معايا يا ست الكل، بس انا بقى مش طايقاها، عاملة زي اللقمة اللي واقفة في زوري، هتجبريني ابلعها بالعافية كمان؟ مش كفاية ان روحت عشان خاطرك، وعشان محرجكيش قدام الناس اللي وعدتيهم، بعد ما نشرتي الخبر، عايزة ايه تاني يا ماما؟
تحركت ريهام بخطوات هادئة وكأن الامر لا يعنيها، لتجلس على أقرب مفعد وجدته امامها، متابعة الشجار وصراخ والدتها :
- طب فهمني يا سيدي، مش قادر تبلعها ليه؟ ايه العيب اللي في البنت، وحشة؟ اخلاقها مش كويسة ؟ ولا دمها تقيل مثلا؟ ولا نجيب من الاخر احسن، ونقول ان المصيبة اللي لفت عقلك هي السبب في كل اللي حاصلك.
اومأ برأسه وبدون تفكير ، يوفقها الرأي، غير عابئًا بثورتها:
- اه هو فعلا كدة، تصدقي؟ البنت اللي بتقولي عليها مصيبة دي، كنت اتكلم وارغي معاها في الفون ولا اشبع حتى لو مر علينا بالساعات، اما اللي اسمها رانيا دي ، يا ساااتر ، نفسي بينحاش في نفس ذات الدقيقة اللي بكلمها فيها.
- شايفة اخوكي بيهلفط بيقول ايه يا ريهام؟
توجهت بالاَخيرة نحو ابنتها، تبتغي منها التدخل وقد فاض بها من تحديه لها ، ولكن الأخرى مطت بشفتيها تظهر عدم الاكتراث، لتزيد من جنونها:
- انتي كمان هتشليني زيه، الاقيها من مين فيكم؟
خرجت ليلى من غرفتها على صوت الشجار، لتكمل عليها هي الأخرى:
- ايه يا جماعة؟ صوتكم واصل لاخر الشارع، هو انتو جاين من خطوبة ولا جاين من خناق؟
- اخرسي انتي،
صاحت بها بغضب مكتوم متابعة:
- تخرسي خالص يا حيوانة، دا انا منظري بقى زباله والبنت بتسأل عنك على اساس انك صاحبتها اللي لازم تبقى موجودة، واحنا مش لاقين حجة نرد عليها بيها، كان هاين عليا اقولها صاحبتك غارت في ستين داهية عشان تفقد الامل من واحدة معندهاش دم زيك.
وكأنها لم تسمع السباب او الشتيمة، استدارات لتعود لغرفتها مغمغمة:
- مفرقاش يعني، كنتي قولتيها ماتت، عادي واقل من العادي كمان.
اوقفتها تردد بحزم:
- عادي فين يا حيوانة؟ هتمشي من غير ما تباركي لاخوكي؟ ولا انتي الزوق راح منك كمان في دي؟
التفت نحوه تطالعه بنظرة يملأؤها العتاب فهمها جيدًا حتى أسبل عينيه عنها، غير قادرًا على مواجهتها، وصله صوتها اللاَئم:
- الف مبروك يا اخوياا.....
رفع رأسه اليها بدون رد ، ف استدرات تكمل طريقها، غير عابئة بالغمغمة الحانقة من والدتها من خلفها:.
- بتباركيلوا من غير نفس يا زفتة؟ كان بلاها احسن يا ختي.
بعد قليل
وبداخل غرفته كان يغلي على صفيح ساخن، هذا المأزق الذي وضع به، ثم نظرات شقيقته له وكأنه ارتكب جرمًا، تتضامن مع صديقتها التي اغلقت في وجهه كل السبل وقطعت نهائيا معه، ماذا كان بيده غبر ذلك حتى تلوم عليه؟.
غلت الدماء برأسه، لن يبقى متكتف الايدي هكذا، سوف يذهب نحو هذه الصغيرة ليُفرغ قهره بها وصديقتها التي تركته بدون ان تستمع له،
وصل ليقف امام غرفتها وما هم ان يطرق على الباب ، حتى تعلقت يده في الهواء ، بسماعه كلماتها من الداخل عبر الهاتف:
- ابوة يا بسمة، هما فعلا راجعين من عندهم، قروا الفاتحة واتفقوا على كل حاجة، انتي مين قالك؟
عابث!
نعم هو العابث الفاسد الذي قضى الشطر الأكبر من سنوات عمره في الركض خلف الفتيات، وتعليق هذه في عشقه، ثم كسب الرهان الذي عقده بين اصدقاءه على أخرى، مغتر بجمال هيئته، وجاذبية التصقت به، نظرا لوسامته، وذكاء تصرفه في أصعب اللحظات.
إلا هذا الموقف، أن يجبر على فعل على غير ارداته، هذا ما لم يتوقعه ابدا.
- بشمهندس عزيز ساكت ليه؟
توجهت له المرأة بالسؤال تقطع عنه حالة الصمت التي تلبسها منذ دخوله المنزل، الامر الذي قد يظنه البعض ادبًا منه، وهذه الملحوظة بالطبع، لن تفوت والدته:
، سيبي عزيز في حاله يا ست نرجس، هو أكيد مكسوف منكم، ولا انتوا فاكرين الكسوف لبنتكم انتو بس؟
قالت باشارة نحو الفتاة التي اطرقت رأسها بخجل تداري ابتسامتها المترافقة مع ضحكات والديها، استجابة لمزاح منار التي كانت تجاهد كي تغطي على وجوم ابنها وعزوفه عن المشاركة بالأحاديث الدائرة معهم، في هذه الجلسة التي جمعتهم بمنزل رانيا لإتمام الخطبة.
رسم عزيز ابتسامة صفراء، ظهرت جليًا لمن يراه، ليحدج والدته بنظرة محتدة، تدخلت ريهام ملطفة هي الأخرى بطريقتها، رغم حالة الضجر التي تكتنفها، من أجله، بعد أن اتى مجبورًا معهما:
- هو مش كسوف بمعنى الكسوف يعني، بس تقدروا تقولوا كدة، متهاب الموقف، دي اول مرة يخطب يا جماعة، ولا انتوا مش واخدين بالكم ولا ايه.
تبسمت السيدة نرجس، لتعلق ردًا لها:
- لا طبعًا يا حبيبتي واخدين بالنا، بالظبط زي بنتنا ، رغم ان جالها عرسان كتير اوي يطلبوها، بس النصيب بقى.......
- زي ما رفضتوني انا قبل كدة، مش كدة برضوا؟
باغت المرأة برده حتى تلجمت تناظره بتوتر، فتكفل زوجها قائلًا بحرج:
- يا بني دا كان سوء تفاهم، وراح لحاله خلاص، ربنا يجازي بقى اللي كان السبب، احنا والله بعد ما فهمنا الحكاية من الست منار والدتك، اجبرنا رانيا تقطع علاقتها مع البنت صاحبتها دي دوغري، بنت قليلة ادب.
التقط الأخيرة ليتوجه بحديثه الحاد نحو الأخيرة سائلًا:
- وانتي بقى يا رانيا، لما قالولك اقطعي علاقتك مع صاحبتك، روحتي فاطعة دوغري كدة، طب مش يمكن البنت كانت بتكلمك لمصلحتك زي ما انتي كنتي فاهمة ، ما هو الفيديو حقيقي على فكرة.
- هاا
دمدمت بها تطالعه بتشتت، حتى تطلعت لوالديها تبتغي الدعم، والذي اتى اليها من جهة أخرى، وقد تكفلت منار بالرد مدافعة:
- دي تفارقها من طول دراعها كمان، رانيا بنت شطورة وبتسمع كلام اهلها، اللي زيها من البنات يتعدوا على الصوابع دلوقتي.....
توقفت عن اللهجة القوية نحو ابنها ، لتردف موجهه خطابها للرجل وامرأته بتملق مبالغ فيه :
- انا بجد بهنيكم على تربيتها، يا خير ما فعلتوا، بنت جميلة وترفع الراس، حقيقي اتشرفت بيكم وبنسبكم، هي دي اللي تتمناها اي ام لابنها
كان لحديثها اثر كالسحر على الرجل والمرأة، والفتاة التي زاد خجلها حتى لم تعد قادرة على كبح ابتسامة الفرح، بعد هذا الإطراء الكبير، الذي تتلقاه من جبهة قوية يعتمد عليها في المستقبل.
ومن ناحيتها، انتقلت منار بنظرة محذرة نحو ابنها، حتى يكف عن هذه المحاولات المكشوفة من اجل إفساد الخطبة، وقد خاضت معه حربًا ضروس، طوال الايام الماضية، ما بين الضغط بعاطفة الامومة، ثم كرامتها التي سوف تهدر بعدم تنفيذ ما اقدمت عليه، امام البشر التي شهدت على إعلانها، لتصل اَخيرا به إلى هنا، تتوعد انها لن تتركه سوى بغلق باب شقته، بعد ان تزوجه بالفتاة، اختيارها الصحيح.
سرى بينهما حديث بالنظرات والرسائل الحادة انتبهت عليه ريهام بينهما، لتقبض بكفها على رسغه بدعم ، جعله يتطلع لها مذهولا لهذا التغير المفاجئ منها، ليستدرك انه أصبح يلتمسه هذه الأيام منها كثيرًا، ولكنه كان غافلا عن ذلك، في غمرة انشغاله بما تورط به، والمطالبه بإتمامه على غير ارادته .
وفي المنزل
والذي رفضت مغادرته، لتلتزم محلها في عدم الذهاب معهم، ومشاركه هذا الحدث الهام رغم الضغط المضاعف من والدتها نحوها والمحاولات المستميتة، تارة باللين وتارة بالشدة، وتارة بالسباب، حتى يأست منها، لتلكزها بضربة قوية على ذراعها، ما زالت تدلك موضعها حتى الآن، وتمرر على اثره بالثلج؛
- اه يا دراعي، ماشي يا ماما، وديني ما انا حاضرة اي اجتماع ما بينكم، ولو حصلت، همنع نفسي كمان عن الفرح نفسه، واشوفك بقى ساعتها هتجريني ازاي غصب عني؟
تمتمت بها بتوعد، وهي تبحث داخل صندوق الاسعافات ، حتى وجدت الدهان المخصوص بالكدمات، لتأخذ منه جرعة وتمررها على الموضع المحتقن:
- اه اه، دا بيحرق دا ولا ايه؟
كانت غمغمت بها حتى اجفلها صوت جرس المنزل، والذي كان يدوي باستمرار، لتُحكم اغلاق الانبوب سريعًا واعادته الى مكانه، قبل ان تتحرك وتشد قماش كمها عل الجزء المكشوف،
وصلت الى المدخل كي تقوم بفتح باب المنزل الخارجي، وما ان وقعت عينيها عليه واقفًا امامها، حتى تراجعت للخلف، مقررة غلق الباب دون أدن كلمة واحدة، ولكنه كان الأسرع بأن تصدر بكتفه، يمنع عنها فعل ذلك، ليردد لها بغضب:
- عايزة تقفلي الباب في وشي يا ليلى؟ بقى ده زوق ولا فعل يخرج من بينت اصول ولا مر عليها الأدب حتى؟
قارعته بتحدي من خلف الباب الذي تجاهد لغلقه:
- تمام يا سيدي، انا لا عندي أدب ولا مر عليا الزوق فعلا، انت بقى خلي عندك دم وجر عجلك وارجع ، عايز مني يا ايه غتت؟ البيت مفيهوش حد غيري .
تابع بإصراره:
- وافرضي مفيهوش حد غيرك، ما انا برضوا مش غريب، ولا اخلاقي تسمح باي حاجة مش كويسة، ولا انتي مصدقتي تلاقيها فرصة، اعقلي بقى وبطلي شغل العبط ده، انتي ملكيش حد غيري اصلا.
توقفت فجأة لتزجره بغضب:
- ودي خدتها فين ان شاء الله؟ معاك عقد الملكية ولا حد قالك اني فاقدة الاهلية، ولا عقلي راح مني عشان انكفي دماغي واوافق على حد زيك، ما تفوق يا سامح بقى من أوهامك دي.
- لا يا حبيبتي الكلام دا تقوليه لنفسك.
قالها ليستقيم بجسده يعدل من هيئته، بعد ان استرعى انتباهاها وجعلها تتوقف عن دفع الباب، ليتسطرد بغرور:
- اعقلي يا لولو، وبلاها من الغباء اللي بيأذي صاحبه ده، انا مقدر إنك عايزة تتمردي على سلطة خالتو، بإنك تتحديها وترتبطي بحد تاني غير اللي هي عايزاه، بس تفتكري يا قلبي، واحدة زي مامتك، اللي أجبرت عزيز بجلاله قدره، يروح برجليه ويتمم خطوبته برانيا...... هتغلب مع كتكوتة زيك؟
قال الأخيرة وقد امتدت اصابعه نحو ذقنها، دفعتها هي عنها بغيظ، زاده انتشاءًا ليردف بتسلية:
- انا مقدر ان انتي لسة صغيرة يا لولو، ومش فاهمة الدنيا صح، ودا اللي خلاكي تقعي فريسة في ايد البنت اللي اسمها بسمة دي، لفت عليكي وخلت اخوها التافه يرسم دور الحبيب عشان مصلحتها، مصلحتها في انها توقع عزيز ، عزيز اللي كل البنات تتمنى الارتباط بيه، فهمتي بقى يا لولو؟
- يا عم وانت مالك؟
صاحت بها بوجهه باحتقان دفع الدماء بأوردتها، لتتدفق كحمم تغلي.
- هو بيضحك عليا ولا اخته عاملة خطط، انت مالك؟.
انا في كل الحالات مش قبلاك، مبطيقكش ولا طايقة ابص في وشك، حل عني بقى، دا انا واصلة معايا لاخر الكوكب منك يا أخي، صنفك ايه يا جدع انت؟
بصراخها الاخير به امتقع وجهه وانتفخت اوداجه غيظًا وغضب، ليهدر بتهديد ووعيد:
- تمام يا ليلى، خليكي قد الكلام اللي بتهلفطي بيه ده، عشان بكرة هتدفعي تمنه غالي اوي، انا مش هفوتلك من هنا ورايح ولا كلمة، كله هيبقى مرتد عليكي في الاخر، وخلي دماغك الناشفة دي تنفعك.
لم تكلف نفسها عناء الرد عنه بعد ذلك، لتباغته فجأة بصفق الباب بوجهه بقوة اهتزت لها جدران المنزل، ليغمغم هو بغيظ بعدها:
- ماشي يا ليلى، ماشي، ما بقاش انا سامح ابن الدكتور الفيومي ولا والدتي تبقى نغم هانم، ان ما كانت احاسبك حساب الملكين على كل غلطك ده، ماشي يا ليلى، مااااشي.
ومن الداخل.
تنفست بخشونة لاهثة، تمسح بيدها على ذراعها المتألم ، لتتمتم بغيظ وقهر:
- روح يا شيخ ربنا ياخدك، اعوذ بالله منك، انسان غتت ومستفز ، انا مش فاهمة، دا طمع في التناحة ليه لوحده ده ولا ايه؟ يا ساااتر.
توقفت بتفكير متمهل لقوله، وقد تمكن من زرع المخاوف والهواجس برأسها، انها بالفعل ضعيفة مقارنة بشقيقها، الذي انصاع مجبرا تحت ضغط والدتها، ليذهب كي يتم الخطبة بفتاة ليست هي من يرغبها بالفعل.، فكيف لها هي ان تجبرها على الموافقة بمن يعشقها وتعشقه، وهو بالفعل يأتي من الجهة التي تكرهها والدتها.
جهة بسمة الفتاة الوحيد التي استطاعت التغلغل بعقل شقيقها واحتلت قلبه، هي ميتقنة من هذا، حتى ولو هو لم يعترف بذلك، لكنه ضعف واستسلم، ولم يحارب من أجلها، الامر الذي فعلته هي سابقًا حتي اوقعته بعشقها، لم يقوى على فعله.
لماذا لم يفعل؟
لقد اضعف جبهتها بفعله، كانت تتمنى ان تلقى منه المقاومة او الرفض حتى تتحامي به، ويقوي موقفها في الدفاع عن من تحب، ولكنه تخاذل وتركها هي في ساحة القتال وحدها، كيف ستواجه جبروت امرأة كوالدتها؟
انها مقاتلة شرسة في سبيل تحقيق أهدافها، وهي الضعيفة التي لولا دفع بسمة لها، لظلت في الخفاء تكتم عشقها ولوعتها بمن تحب.
زفرت تخرج دفعة الهواء بصدرها بتعب، لتتحرك لا ارديًا نحو هاتفها تطلب رقمه، وهو كالعادة تلقى اتصالها بلهفة ليجيبها على الفور:
- الوو يا قلبي، مساءك فل.
- مساء الخير يا ممدوح، عامل انت ايه؟
لم يعجبه نبرته، ليقطب سائلًا لها على الفور:
- مالك يا ليلى؟ انتي فيكي حاجة؟ صوتك مش عاجبني.
وكأنها تلقت اشارة البدء ، انطلقت العبرات من وجنتيها تسيل بلا توقف لتزيد من جزع الاَخر:
- يا بنتي مالك؟ ايه اللي حصل؟ ا
مسحت بأطراف أكمامها، حتى تتماسك قليلًا في الرد عليه؛
- مفيش حاجة يا حبيبي اطمن
- اطمن ازاي بس؟ انتي قاعدة فين دلوقت اجيلك حالا.
غزت ابتسامة حانية ثغرها لتعقب بمزاح رغم ألمها:
- انا قاعدة قي بيتنا يا ممدوح، ولوحدي كمان، يعني لو جيت ممكن تتسجل عليك قضية دلوقتي.
سمعت صوت زفرة صغيرة خرجت منه قبل ان يعقب بيأس:
- طب اعمل ايه بس؟ ما انا قلبي وقع في رجلي من الخوف عليكي، هو انتي حد مزعلك طيب؟
تجاهلت السؤال لتباغته بسؤالها الملح:
- ممدوح انت مش هتسيبني صح؟
- لا يا قلبي طبعا مش هسببك من قال كدة؟
خرج الرد منه سريعًا، ولكن لم يكفيها:
- اوعى تيأس ولا تستسلم يا ممدوح، انا ضعيفة ومحتاجة اللي يوقف معايا ويواجه، انا عايزة اللي يقويني، قويني بيك يا ممدوح .
رغم يأسه، رغم كل الغضب الذي يعتريه رفضًا لهذا الضعف الذي يلمسه منها الان، ولكنه لم يبخل او يتوانى عن طمأنتها:
- انا معاكي يا قلبي ومش هسيبك ابدا، بس دا برضوا ميمنعش ان عايزك قوية .
بملامح مكفهرة، دلفت تحفر الأرض بخطواتها السريعة، لتدفع عنها حقيبة اليد بغضب وتلقيها باهمال على إحدى الإرائك، ثم تخصرت واقفة في انتظار دخول ابنها وشقيقته لتتلقاه بشرار نظراتها المحتقنة،
والتي انتبه هو عليها ، ليخاطبها بهدوء كاد أن يجلطها:
- نعم يا ست الكل، إيه مالك؟ فيكي حاجة؟
صاحت به تفرغ مقدار غضبها الذي كبتته طيلة الساعات الماضية من أجل مرور الأمر:
- انت كمان ليك عين تسأل؟ دا انا مسكت نفسي عن الخناق معاك في العربية بالعافية، في ايه يا بني؟.
دا انت كان ناقص تتخانق معاهم في بيتهم ، الناس مرحبين والبنت مش شايلة عينها من عيلك، بتتمنى بس بصة منك، وانت البعيد لوح، يا اما تقعد زي الكرسي مفيش كلمة، يا اما تدب معاها في الكلام وتحرجها، ليه المعاملة الجافة دي؟ غلطت معاك في ايه؟ ها؟
صاح بدوره ردا لها:
- مغلطتش معايا يا ست الكل، بس انا بقى مش طايقاها، عاملة زي اللقمة اللي واقفة في زوري، هتجبريني ابلعها بالعافية كمان؟ مش كفاية ان روحت عشان خاطرك، وعشان محرجكيش قدام الناس اللي وعدتيهم، بعد ما نشرتي الخبر، عايزة ايه تاني يا ماما؟
تحركت ريهام بخطوات هادئة وكأن الامر لا يعنيها، لتجلس على أقرب مفعد وجدته امامها، متابعة الشجار وصراخ والدتها :
- طب فهمني يا سيدي، مش قادر تبلعها ليه؟ ايه العيب اللي في البنت، وحشة؟ اخلاقها مش كويسة ؟ ولا دمها تقيل مثلا؟ ولا نجيب من الاخر احسن، ونقول ان المصيبة اللي لفت عقلك هي السبب في كل اللي حاصلك.
اومأ برأسه وبدون تفكير ، يوفقها الرأي، غير عابئًا بثورتها:
- اه هو فعلا كدة، تصدقي؟ البنت اللي بتقولي عليها مصيبة دي، كنت اتكلم وارغي معاها في الفون ولا اشبع حتى لو مر علينا بالساعات، اما اللي اسمها رانيا دي ، يا ساااتر ، نفسي بينحاش في نفس ذات الدقيقة اللي بكلمها فيها.
- شايفة اخوكي بيهلفط بيقول ايه يا ريهام؟
توجهت بالاَخيرة نحو ابنتها، تبتغي منها التدخل وقد فاض بها من تحديه لها ، ولكن الأخرى مطت بشفتيها تظهر عدم الاكتراث، لتزيد من جنونها:
- انتي كمان هتشليني زيه، الاقيها من مين فيكم؟
خرجت ليلى من غرفتها على صوت الشجار، لتكمل عليها هي الأخرى:
- ايه يا جماعة؟ صوتكم واصل لاخر الشارع، هو انتو جاين من خطوبة ولا جاين من خناق؟
- اخرسي انتي،
صاحت بها بغضب مكتوم متابعة:
- تخرسي خالص يا حيوانة، دا انا منظري بقى زباله والبنت بتسأل عنك على اساس انك صاحبتها اللي لازم تبقى موجودة، واحنا مش لاقين حجة نرد عليها بيها، كان هاين عليا اقولها صاحبتك غارت في ستين داهية عشان تفقد الامل من واحدة معندهاش دم زيك.
وكأنها لم تسمع السباب او الشتيمة، استدارات لتعود لغرفتها مغمغمة:
- مفرقاش يعني، كنتي قولتيها ماتت، عادي واقل من العادي كمان.
اوقفتها تردد بحزم:
- عادي فين يا حيوانة؟ هتمشي من غير ما تباركي لاخوكي؟ ولا انتي الزوق راح منك كمان في دي؟
التفت نحوه تطالعه بنظرة يملأؤها العتاب فهمها جيدًا حتى أسبل عينيه عنها، غير قادرًا على مواجهتها، وصله صوتها اللاَئم:
- الف مبروك يا اخوياا.....
رفع رأسه اليها بدون رد ، ف استدرات تكمل طريقها، غير عابئة بالغمغمة الحانقة من والدتها من خلفها:.
- بتباركيلوا من غير نفس يا زفتة؟ كان بلاها احسن يا ختي.
بعد قليل
وبداخل غرفته كان يغلي على صفيح ساخن، هذا المأزق الذي وضع به، ثم نظرات شقيقته له وكأنه ارتكب جرمًا، تتضامن مع صديقتها التي اغلقت في وجهه كل السبل وقطعت نهائيا معه، ماذا كان بيده غبر ذلك حتى تلوم عليه؟.
غلت الدماء برأسه، لن يبقى متكتف الايدي هكذا، سوف يذهب نحو هذه الصغيرة ليُفرغ قهره بها وصديقتها التي تركته بدون ان تستمع له،
وصل ليقف امام غرفتها وما هم ان يطرق على الباب ، حتى تعلقت يده في الهواء ، بسماعه كلماتها من الداخل عبر الهاتف:
- ابوة يا بسمة، هما فعلا راجعين من عندهم، قروا الفاتحة واتفقوا على كل حاجة، انتي مين قالك؟
الفصل التاسع عشر
- ابوة يا بسمة، هما فعلا راجعين من عندهم، قروا الفاتحة واتفقوا على كل حاجة، انتي مين قالك؟
خرجت الكلمات ثقيلة على اللسان ومؤلمة للقلب، فهي تشعر بوجعها، مهما ادعت الأخرى القوة وهذا التماسك الذي تلمسه منها بصورة تثير العجب، ولكنها مجبرة فقد وصل اليها الأمر من جهة ما، قبل ان تخبرها هي بذلك.
- مردتيش يا بسمة، مين اللي قالك؟ دول يدوب راجعين ملهومش نص ساعة، لحق الخبر ينتشر؟
وصلها صوت زفرة ذات صوت عالي قبل ان تجيبها:
- الخبر جاني من المصدر نفسه يا ليلى، رانيا اتصلت بيا تبلغني وهي طايرة من الفرح، تصدقي بقى؛ ان البنت دي اول مرة تحصل منها، عمرها ما قالت عن اي شيء يخصها مهما حاولت اجرجرها في الكلام ما بينا، مش تتصل بيا مخصوص عشان تبلغني، بحاجة مهمة زي دي، رانيا كمان طلعت مش سهلة يا ليلى .
- دي بنت مستفزة ووقحة،
صدرت من الاخيرة بانفعال لم تكتمه، فعقبت الآخرى بسخرية:
- ما تظلمهاش يا ليلى، دي ماشية بالريموت كنترول اساسًا، تلاقي حد وزها تعمل كدة، الشيء اللي انا، مستغرباه بقى؟ اشمعنا انا اللي دونا عن الخلق تتصل بيا؟ انا كلمت كذا واحدة اعرفها من صحابنا اسألها عن الموضوع، ولا واحدة فيهم كانت عارفة، وانا صداقتي بيها بصراحة مش لدرجة الانتيم ولا درجة الترابط حتى، عشان تحطني في قائمة أولاوياتها
وصلها مغزى كلمتها، فهي ليست غبية حتى لا تفهم الى ماذا ترنو بحديثها:.
- بسمة، هو انتي شاكة ان ماما هي سلطتها؟ معقول ؟ طب هي تعرف منين؟ عزيز اخويا مجبش سيرتك نهائي قدامها، مهما حاولت تستفزه بكلامها.
ضحكت ترد بدون مرح:
- انتي طيبة اوي يا ليلى، كل اللي بيحصل ده ولسة مفهمتيش ان مامتك فاهمة كل حاجة...
تابعت امام صمت الاخرى، التي ينتابها الشك بالفعل:
- مش عايزة اقول انها مستقصداني، بس ع الاقل انا متأكدة اوي انها عارفة اللي ما بيني وبين عزيز.... ياللا بقى
رددت خلفها باستهجان وعدم تصديق:
- ياللا ايه؟ انتي بجد عايزة تفهميني ان الموضوع بقى بالنسبالك عادي؟ انتي بتتكلمي عن عزيز وعن خطوبته يا بسمة.....
- لا مش عادي يا ليلى، وعشان تبقي عارفة، انا متأكدة ان اخوكي كان هيعمل كدة، انا انسانة بتفكر بعقلها، حتى لو قلبي بيبكي من جوا ، عمري ما هخلي حد يسمع شكوته ولا أنينه من الداخل، ويوم ما تحكم ان ادوس عليه هعملها، قولتها قبل كدة، انا لا يمكن هفبل ادخل معركة صاحبها، مش هماه.
خيم الصمت لفترة طويلة من الوقت، حتى ظن بها المرابض خلف الباب بانتهاء المكالمة، حتى وصله صوت شقيقته:
- عندك حق يا بسمة، انا كمان معاكي في الرأي ده، هو يستاهل اساسًا كل اللي يجراله، خليه مع رانيا بشخصيتها المش مفهومة دي، ان كان ضعف ولا سهتنة ، انا فرحانة فيه.
- اه يا حيوانة.
دمدم بها بغيظ، ليتراجع عن الدخول اليها،، مقررًا العودة لغرفته، يؤجل مناقشته معها لوقت اَخر حتى يستفيق لها، هذه الملعونة التي تقف معها ضده، ألا يجدر بها الإصلاح!
دلف الغرفة ليصفق الباب خلفه بغضب، يركل بقدمه الكرسي الذي أمامه، حتى قلبه على الأرض للناحية الأخرى، تخصر واضعًا كفيه على خصره من الخلف، يزفر انفاس خشنة، يجاهد بصعوبة السيطرة على حريق يسري بداخله، لماذا انقلب كل شيء فجأة ضده؟
لماذا لا يتمكن من الحصول على ما يرغبه؟
- ولكن ما هو ما يرغبه؟...... تبًا
لقد تأكد الان انه يريدها ولا يريد امرأة غيرها، لقد جلس اليوم مع الفتاة التي ابهرته في أول مرة رأها بها، حتى انه وافق على خطبتها على الفور، وقد اغراه حسنها الظاهر للعيان بقوة، اما اليوم... فقد رأى هذا الجمال شيء عادي، بل وأقل من العادي، بالإضافة إلى ما لمسه من عيوب في شخصيتها المرتبطة دائمًا بما يقرره لها والديها، ومن ينوب عنها في الرد كلما حشرت في زاوية وطلب منها الرد
عكس الأخرى، يا إلهي... لقد كانت تنعشه في ردودها، تجمع بين الخصال الجيدة ومكر الساحرات، حتى وان لم تكن بجمال الأخرى، ولكنها تتفوق عليها في كل شيء، ماذا يحدث لك يا عزيز؟ ماذا يحدث؟
سقط بثقله على التخت ، يتناول هاتفه ليعيد الكرة
بمهاتفتها مرة أخرى بإصرار لن يمل منه، ولكن وقبل ان يفعل، تفاجأ باتصال شقيقها، في صدفة غريبة استعجب لها بالفعل، يبدوا انه كان يتصل به منذ فترة ولكنه لم ينتبه ، وذلك لتفعيله في وضع الصامت،
استجاب يجيبه على الفور:
- الوو.... اهلا يا ممدوح.
- اهلا يا عم الحج، جرا ايه يا عم عزيز؟ تماتين مرة ارن عليك ولا مرة فبهم ترد.
- يا راجل، تمانين تمانين، انت متأكد
خرجت منه بلهجة مرحة، قابلها الأخر ضاحكًا:
- يا عم الحج، مدوقش، بس انا فعلا والله حاولت كتير معاك في الاتصال.
رد بأسف موضحًا له:
- معلش انا بعتذر، بس بصراحة انا كنت مخليه على وضع الصامت عشان كان عندي مشوار مهم، ويدوب راجع مبقاليش فترة كبيرة .
قابل اعتذاره بتسامح يجيبه:
- خلاص يا عم ولا يهمك انا مش هدوق معاك، خلينا دلوقتي في الموضوع اللي انا عابزك فيه.
- قول يا باشا الموضوع اللي انت عايزني فيه، انت تؤمر.
- الأمر لله وحده، اقولك با سيدي.
خلعت عنها النظارة التي دائمًا ما ترتديها اثناء المطالعة على اللوح الإلكتروني، أو القراءة كي تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي عليه، لتعطيه انتباهاها بالكامل سائلة باستفسار عما تفوه به:
- بنقول مين؟ مين اللي عايز يتقدم لليلى؟
رد يجيبها بهدوء ، غير مباليًا للعاصفة التي تلوح في الافق بتصربحه:
- بقولك ممدوح يا ماما، دا شاب ممتاز بيشتغل في شركة محترمة، والده يبقى رجل الأعمال الاستاذ شاكر، شاكر عبد اللطيف...
- اللي هو والد بسمة صاحبتها صح؟.
خرجت منها مقاطعة له بحده وانفعال ظهر جلي ، انتبه له جيدًا، وبفعل عبثي لعب حاجبيه لتزداد اشتياطًا، مع تذكرها بهوية الشاب، الذي التقت به منذ أيام ، بعد الشجار الشهير بينه، وبين سامح، فصاحت به موبخة:
- انت مجنون؟ عايز تدخل بيتنا الولد قليل الأدب اللي اتخانق مع ابن خالتك وضربوا، دا اللي لايف على اختك ، وبيخرج معاها في الكافيهات.
علق بهمس محذرًا
- ماما خلي بالك، عشان انتي بتتكلمي على بنتك؛ اللي هي قالتلك من الأول عن نية الولد في الارتباط بيها، يعني مش بيسرح ولا يتسلى بيها.
- عنه ما نيل، احنا مالنا بيه؟ روح قولوا ما عندناش بنات للجواز .
قابل ثروتها بحزم متحديًا:
- لا يا ماما مش هقول، عشان انا اديت الراجل ميعاد، وهيجي هو ووالده يطلبوها وساعتها نقرر احنا بعد ما نشوف الدنيا.
بشراسة اعتلت ملامحها، حتى احتقن وجهها بالدماء ليصبح ككتلة حمراء ملتهبة، احتجت بانفعال شديد:
- انت عايز تشلني، الموضوع مرفوض من البداية، يبقى ندخل الناس دي ليه عتدنا؟ ولا هو غباء وبس؟
وكأنه وجد فرصته، واصل بتحديها قائلًا:
- لأ يا ماما مش هيحصل، واعتبريه غباء زي ما بتقولي، انا اديت كلمة للراجل ومش هرجع فيها، لو شايفاني عيل، اعملي اللي في دماغك بقى واطردبهم، عشان ساعتها اسيبلك البلد واللي فيها......
توقف وصوت ضجيج انفاسه يدوي بقوة في محيط الغرفة التي ساد بها الصمت، ولم يتبقى سوى حرب النظرات بين الاثنين، قبل ان يستأذن بأدب وابتسامة مستفزة:
- انا شايف ان قولت كل اللي عندي، عن اذنك بقى يا ست الكل.
ذهب من الغرفة لتُلقي هي من خلفه باللوح الذي كانت تمسك به، تدفعه عنها بعيدًا، صارخة بغضب:
- ابو بسمة ع اللي يعرف بسمة، هو انا مش هخلص من الزفتة دي؟ ابعد عنها من ناحية، تلفلي من الناحية التانية.
وخلف باب غرفتها، حيث كانت تضع اذنها عليه ، تتصنت بتركيز لأصوات الشجار الآتية من الغرفة المفتوحة على مصراعيها، في الجهة الأخرى، يصلها الصوت بكل وضوح ، لقد فعلها حبيبها، وفاتح شقيقها في أمرهما، بعد ان اصطبر مجبرًا عدة الايام التي تلت الشجار والذهاب للقسم، بناءًا على توصيات والده، والذي اخبره، بضرورة التريث حتى تهدأ الأوضاع .
قلبها من الداخل، كان يتراقص فرحًا ومرح ، وهي تسمع لشجار شقيقها، في التصميم على قبول زيارة الاثنان، ليته يستمر بهذه القوة ليعبر عن اعتراضه ايضًا فيما يخصه:.
- بتعملي ايه ورا الباب يا زفتة.
صدرت فجأة مع دفع الباب للداخل، من قبل شقيقها الذي قبض على رسغها يجفلها، ليصدر صوت شهقة قوية منها ،
- حرام عليك يا عزيز، خضتني وربنا.
اخفى ابتسامة مستترة اعتلت محياه ليردف بمناكفة لها:
- بتتصنتي انتي هنا يا جبانة، وحطاني انا في وش المدفع
ردت بدلال الأنثى تتملقه:
- الله بقى، مش انت اخويا وحبيبي، يعني لازم تدافع عن اختك البريئة الغلبانة وتقف لها تواجه بنفسك،
- والله .
تخصر يطالعها بنظرات كاشفة ليردف بغيظ :
- طب يا ختي كويس ان طلعت حبيبك المرة دي، ياريت بس تفتكريها دي في كله، مش بس في مصلحتك.
- قصدك ايه؟
- قصدي انتي فاهماه كويس، وبلاش تسوقي اللؤم عليا ، ماشي يا شاطرة.
فهمت مقصده، فاغتمت ملامحها تجيبه بحزن:
- ما تزعلش مني، بس انا بصراحة بقى مش قادرة اتخطى، ولا ابين عكس اللي انا حاسة بيه جوايا، تحركت خطوتين تبتعد عنه قليلًا، لتردف بشجاعة اختلطت بحرجها:
- ومعلش يعني، لو فاكر ان موقفي هيتغير بوقوفك جمبي، ف انا بقولك اهو من أولها، مش هقدر، لا هقدر افرحلك، ولا اقدر اتعامل مع اللي اسمها رانيا دي، انها خطيبة اخويا او مراته، انا كدة، دي طبيعتي معرفش اداري.
كانت مطرقة رأسها غير قادرة على مواجتهه، غافلة عن ابتسامة شقت ثغره بمكر وهو يطالعها، قطته الصغيرة كما يسميها دائمًا، لبست وديعة وفقط، انما أكثر ما يميزها هو النقاء، لا تعطي بالا لخبث العالم ونفاق البشر وأحقادهم
حينما رفعت رأسها، اخفى سريعًا ابتسامته، ليغلف وجهه بصفحة غامضة قائلًا:
- براحتك يا ستي، عنك ما اتقبلتيها، اعملي اللي انتي عايزاه.
- يعني ايه يا عزيز؟ هو انت زعلان ولا مش زعلان ؟
مط بشفتيه ليتحرك يستدير مغادرًا الغرفة، بدون ان يعطيها أي إجابة، لتنظر في اثره عدة لحظات بعدم فهم، ثم ما لبثت ان تعود لقضيتها الاساسية ، وهي والدتها واللقاء المرتقب، بزيارة ممدوح ووالده، مع ضغط عزيز، يا ترى ماذا سيكون رد فعلها معهما، وهي التي تضع هذا الغبي سامح دائمًا بطريقها، او كما قال لها صباحًا، ليس لها بديلا غيره.
ليتها تراعي ولو لمرة واحدة رغبتها ولا تنفذ ما تضعه برأسها من مخططات.
وفي الناحية الأخرى
عاد من عمله ، متجهًا نحو شقيقته التي كانت جالسة على الأرجوحة بحديقة المنزل ، ليُقبل عليها، حتى يزف اليها الخبر السعيد:
- بسوم، شوفتي الجديد يا قمر.
طالعته باستفهام، حتى جلس جوارها على الاَريكة التي اهتزت لثقل جسده عليها، حتى اثار على ثغر شقيقته ابتسامة، بادالها اياها قبل ان يردف لها:
- انا خلاص حددت ميعاد وهروح اتقدم لأهل ليلى .
هللت بابتهاج مرحبة:
- يا قلبي يا ميدوا، دا بجد؟ ابوة بقى ع المفاجأت الجامدة، ربنا يوفقك يا حبيبي، بس انت مقولتش، حددت مع مين؟
سألته الاََخيرة بقلق اعتلى ملامحها، انتبه له، ثم ما لبث ان يجيبها:
- حددت مع اخوها طبعا، بس ربنا يستر بقى عشان الست والدتها دي دي اللي متمسكة بالزفت ابن اختها، دي ليلى هتطق منه ومن تقل دمه؟
وافقته الرأي، حتى عبرت بأسى اكتسى ملامحها:
- انت هتقولي على والدتها ولا عن غتاتة الزفت سامح ، دول يتفاتلهم بلاد......
صمتت برهة أمام تحديق شقيقها، والذي بدا انه يستكشف ما بها، لتستطرد بابتسامة اغتصبتها من أجله:
- بس معلش بقى، عشان الورد ينسقي العليق، وليلى تستاهل، هي بريئة وجميلة وانت بتحبها، ودا يكفي .
بشبه ابتسامة عبر كاستجابة لها، قبل ان يسألها مباشرة :
- وانتي يا بسوم، حكايتك ايه مع عزيز ؟ انا خدت فترة كنت فاهم ان في اعجاب ما بينكم، بس اتفاجأت صراحة بخبر خطوبته على واحدة تانية.
كعادتها في الصراحة ردت تجيبه:
- عايزنى اقولك ايه؟ طبعا انت عارفني مش هكدب، يعني مش هنكر ان كان في بجد اعجاب متبادل ومازال على فكرة، بس هو بقى رضخ لرغبة والدته وراح خطب اللي هي اختارتها.
- اخص.
تمتم بها غاضبًا، ليردف بدهشة:
- بس عجيبة يعني، ان واحد زي عزيز ده، يبقى تابع لقرارات الست المتجبرة دي، دا انا كنت واخد عنه فكرة غير كدة خالص.
واصلت موضحة:
- على فكرة هو مبعدتش عن فكرتك، بس هي المشكلة في الست نفسها، قوية ومبتغلبش في الحيل بتاعتها,
اومأ باستدراك مع تذكره للأتصال السابق وبكاء حبيبته:
- اممم، دي على كدة بقى ليلى عندها حق تخاف منها، وانا لازم اخد بالي منها بقى.
- لازم يا ممدوح، خد بالك كويس اوي، وياريت لو تفضل متمسك بيها مهما حصل، او شوفت اعتراض، ليلى تستاهل انك تحارب عشانها.
كانت تشدد بقولها، بحماس لم يغفل عنه، يستشف قهرًا داخلها تخفيه، شقيقته الناضجة رغم صغر عمرها، تدعي التجاوز في امر قد يكسر أخريات غيرها.
هي مين اللي يستاهل انه يحارب عشانها؟
صدرت مع اقتراب والديها منهما، والذي واصل بمزاحه كالعادة:
- هو انت عايز تتجوز ولا تخوض حرب يا ولد؟
التفا له الاثنان يستقبلانه بالإبتسام حتى وصل ليتخذ مقعده بجوارهما، وزاد اهتزاز اريكة الإرجوحة، لتصدح الضحكات الصاخبة من الثلاثة، مع تعقيب بسمة:
- يا نهار ابيض، المرجيحة هتوقع بينا .
- يعني قصدك ان انا تقيل يا بنت؟
هتف بها شاكر يصطنع الحزم، ليتبادل النكات مع ابناءه، حتى وصلا للحديث حول موضوعهم الأساسي:
- يعني ايه يعني؟ انتوا محسسني ان الست منار دي بعبع ولا وحش مفترس هياكلكم، مش لدرجادي بقى؟
ردت بسمة بشقاوة، تشاكسه:
- لا يا بابا هي فعلا وحش، عشان كدة بقى انا عايزاك تاخد حذرك انت كمان، دي مبتعتقش كبير ولا صغير، قوية ومفترية.
اضاف ممدوح يجاري شقيقته الدراما:
- انا بقيت اخاف من دلوقتي يا بابا، عايز ليلى وبنفس الوقت متردد، لتأذيني الست دي ولا تعمل فيا حاجة، اعوذ بالله، دي ممكن تعملها وتطردنا، ساعتها الواحد يعمل معاها ايه دي؟
اعتلى الذهول ملامح الرجل، مع استنكار واضح رغم عدم اتخاذه الأمر بجدية، ليرد مندمجًا معهما:
- ايه اللي بتقوله ده يا بني؟ انت ابن شاكر عبد اللطيف ، يعني لا منار ولا مليون منار تهزك ، اخشن كدة واسترجل، طب اقولك، انا اتشجعت اوي، الست دي لازملها حد يشكمها،....
توقف فجأة ليسأل بخبث:
- هي حلوة؟
- أيوة بقى يا شاكر يا جامد، شكل بابا هيخلص موضوعك وبأقل الخساير يا ممدوح.
هللت بها بسمة ليشاركها شقيقها المزاح ايضًا، لتعقيب والدهما ، والذي اصابه الزهو، ليسأل عن مواصفاتها وما تحب وما تكره، وكأنه قد أتخذ القرار بالفعل؟
- ابوة يا بسمة، هما فعلا راجعين من عندهم، قروا الفاتحة واتفقوا على كل حاجة، انتي مين قالك؟
خرجت الكلمات ثقيلة على اللسان ومؤلمة للقلب، فهي تشعر بوجعها، مهما ادعت الأخرى القوة وهذا التماسك الذي تلمسه منها بصورة تثير العجب، ولكنها مجبرة فقد وصل اليها الأمر من جهة ما، قبل ان تخبرها هي بذلك.
- مردتيش يا بسمة، مين اللي قالك؟ دول يدوب راجعين ملهومش نص ساعة، لحق الخبر ينتشر؟
وصلها صوت زفرة ذات صوت عالي قبل ان تجيبها:
- الخبر جاني من المصدر نفسه يا ليلى، رانيا اتصلت بيا تبلغني وهي طايرة من الفرح، تصدقي بقى؛ ان البنت دي اول مرة تحصل منها، عمرها ما قالت عن اي شيء يخصها مهما حاولت اجرجرها في الكلام ما بينا، مش تتصل بيا مخصوص عشان تبلغني، بحاجة مهمة زي دي، رانيا كمان طلعت مش سهلة يا ليلى .
- دي بنت مستفزة ووقحة،
صدرت من الاخيرة بانفعال لم تكتمه، فعقبت الآخرى بسخرية:
- ما تظلمهاش يا ليلى، دي ماشية بالريموت كنترول اساسًا، تلاقي حد وزها تعمل كدة، الشيء اللي انا، مستغرباه بقى؟ اشمعنا انا اللي دونا عن الخلق تتصل بيا؟ انا كلمت كذا واحدة اعرفها من صحابنا اسألها عن الموضوع، ولا واحدة فيهم كانت عارفة، وانا صداقتي بيها بصراحة مش لدرجة الانتيم ولا درجة الترابط حتى، عشان تحطني في قائمة أولاوياتها
وصلها مغزى كلمتها، فهي ليست غبية حتى لا تفهم الى ماذا ترنو بحديثها:.
- بسمة، هو انتي شاكة ان ماما هي سلطتها؟ معقول ؟ طب هي تعرف منين؟ عزيز اخويا مجبش سيرتك نهائي قدامها، مهما حاولت تستفزه بكلامها.
ضحكت ترد بدون مرح:
- انتي طيبة اوي يا ليلى، كل اللي بيحصل ده ولسة مفهمتيش ان مامتك فاهمة كل حاجة...
تابعت امام صمت الاخرى، التي ينتابها الشك بالفعل:
- مش عايزة اقول انها مستقصداني، بس ع الاقل انا متأكدة اوي انها عارفة اللي ما بيني وبين عزيز.... ياللا بقى
رددت خلفها باستهجان وعدم تصديق:
- ياللا ايه؟ انتي بجد عايزة تفهميني ان الموضوع بقى بالنسبالك عادي؟ انتي بتتكلمي عن عزيز وعن خطوبته يا بسمة.....
- لا مش عادي يا ليلى، وعشان تبقي عارفة، انا متأكدة ان اخوكي كان هيعمل كدة، انا انسانة بتفكر بعقلها، حتى لو قلبي بيبكي من جوا ، عمري ما هخلي حد يسمع شكوته ولا أنينه من الداخل، ويوم ما تحكم ان ادوس عليه هعملها، قولتها قبل كدة، انا لا يمكن هفبل ادخل معركة صاحبها، مش هماه.
خيم الصمت لفترة طويلة من الوقت، حتى ظن بها المرابض خلف الباب بانتهاء المكالمة، حتى وصله صوت شقيقته:
- عندك حق يا بسمة، انا كمان معاكي في الرأي ده، هو يستاهل اساسًا كل اللي يجراله، خليه مع رانيا بشخصيتها المش مفهومة دي، ان كان ضعف ولا سهتنة ، انا فرحانة فيه.
- اه يا حيوانة.
دمدم بها بغيظ، ليتراجع عن الدخول اليها،، مقررًا العودة لغرفته، يؤجل مناقشته معها لوقت اَخر حتى يستفيق لها، هذه الملعونة التي تقف معها ضده، ألا يجدر بها الإصلاح!
دلف الغرفة ليصفق الباب خلفه بغضب، يركل بقدمه الكرسي الذي أمامه، حتى قلبه على الأرض للناحية الأخرى، تخصر واضعًا كفيه على خصره من الخلف، يزفر انفاس خشنة، يجاهد بصعوبة السيطرة على حريق يسري بداخله، لماذا انقلب كل شيء فجأة ضده؟
لماذا لا يتمكن من الحصول على ما يرغبه؟
- ولكن ما هو ما يرغبه؟...... تبًا
لقد تأكد الان انه يريدها ولا يريد امرأة غيرها، لقد جلس اليوم مع الفتاة التي ابهرته في أول مرة رأها بها، حتى انه وافق على خطبتها على الفور، وقد اغراه حسنها الظاهر للعيان بقوة، اما اليوم... فقد رأى هذا الجمال شيء عادي، بل وأقل من العادي، بالإضافة إلى ما لمسه من عيوب في شخصيتها المرتبطة دائمًا بما يقرره لها والديها، ومن ينوب عنها في الرد كلما حشرت في زاوية وطلب منها الرد
عكس الأخرى، يا إلهي... لقد كانت تنعشه في ردودها، تجمع بين الخصال الجيدة ومكر الساحرات، حتى وان لم تكن بجمال الأخرى، ولكنها تتفوق عليها في كل شيء، ماذا يحدث لك يا عزيز؟ ماذا يحدث؟
سقط بثقله على التخت ، يتناول هاتفه ليعيد الكرة
بمهاتفتها مرة أخرى بإصرار لن يمل منه، ولكن وقبل ان يفعل، تفاجأ باتصال شقيقها، في صدفة غريبة استعجب لها بالفعل، يبدوا انه كان يتصل به منذ فترة ولكنه لم ينتبه ، وذلك لتفعيله في وضع الصامت،
استجاب يجيبه على الفور:
- الوو.... اهلا يا ممدوح.
- اهلا يا عم الحج، جرا ايه يا عم عزيز؟ تماتين مرة ارن عليك ولا مرة فبهم ترد.
- يا راجل، تمانين تمانين، انت متأكد
خرجت منه بلهجة مرحة، قابلها الأخر ضاحكًا:
- يا عم الحج، مدوقش، بس انا فعلا والله حاولت كتير معاك في الاتصال.
رد بأسف موضحًا له:
- معلش انا بعتذر، بس بصراحة انا كنت مخليه على وضع الصامت عشان كان عندي مشوار مهم، ويدوب راجع مبقاليش فترة كبيرة .
قابل اعتذاره بتسامح يجيبه:
- خلاص يا عم ولا يهمك انا مش هدوق معاك، خلينا دلوقتي في الموضوع اللي انا عابزك فيه.
- قول يا باشا الموضوع اللي انت عايزني فيه، انت تؤمر.
- الأمر لله وحده، اقولك با سيدي.
خلعت عنها النظارة التي دائمًا ما ترتديها اثناء المطالعة على اللوح الإلكتروني، أو القراءة كي تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي عليه، لتعطيه انتباهاها بالكامل سائلة باستفسار عما تفوه به:
- بنقول مين؟ مين اللي عايز يتقدم لليلى؟
رد يجيبها بهدوء ، غير مباليًا للعاصفة التي تلوح في الافق بتصربحه:
- بقولك ممدوح يا ماما، دا شاب ممتاز بيشتغل في شركة محترمة، والده يبقى رجل الأعمال الاستاذ شاكر، شاكر عبد اللطيف...
- اللي هو والد بسمة صاحبتها صح؟.
خرجت منها مقاطعة له بحده وانفعال ظهر جلي ، انتبه له جيدًا، وبفعل عبثي لعب حاجبيه لتزداد اشتياطًا، مع تذكرها بهوية الشاب، الذي التقت به منذ أيام ، بعد الشجار الشهير بينه، وبين سامح، فصاحت به موبخة:
- انت مجنون؟ عايز تدخل بيتنا الولد قليل الأدب اللي اتخانق مع ابن خالتك وضربوا، دا اللي لايف على اختك ، وبيخرج معاها في الكافيهات.
علق بهمس محذرًا
- ماما خلي بالك، عشان انتي بتتكلمي على بنتك؛ اللي هي قالتلك من الأول عن نية الولد في الارتباط بيها، يعني مش بيسرح ولا يتسلى بيها.
- عنه ما نيل، احنا مالنا بيه؟ روح قولوا ما عندناش بنات للجواز .
قابل ثروتها بحزم متحديًا:
- لا يا ماما مش هقول، عشان انا اديت الراجل ميعاد، وهيجي هو ووالده يطلبوها وساعتها نقرر احنا بعد ما نشوف الدنيا.
بشراسة اعتلت ملامحها، حتى احتقن وجهها بالدماء ليصبح ككتلة حمراء ملتهبة، احتجت بانفعال شديد:
- انت عايز تشلني، الموضوع مرفوض من البداية، يبقى ندخل الناس دي ليه عتدنا؟ ولا هو غباء وبس؟
وكأنه وجد فرصته، واصل بتحديها قائلًا:
- لأ يا ماما مش هيحصل، واعتبريه غباء زي ما بتقولي، انا اديت كلمة للراجل ومش هرجع فيها، لو شايفاني عيل، اعملي اللي في دماغك بقى واطردبهم، عشان ساعتها اسيبلك البلد واللي فيها......
توقف وصوت ضجيج انفاسه يدوي بقوة في محيط الغرفة التي ساد بها الصمت، ولم يتبقى سوى حرب النظرات بين الاثنين، قبل ان يستأذن بأدب وابتسامة مستفزة:
- انا شايف ان قولت كل اللي عندي، عن اذنك بقى يا ست الكل.
ذهب من الغرفة لتُلقي هي من خلفه باللوح الذي كانت تمسك به، تدفعه عنها بعيدًا، صارخة بغضب:
- ابو بسمة ع اللي يعرف بسمة، هو انا مش هخلص من الزفتة دي؟ ابعد عنها من ناحية، تلفلي من الناحية التانية.
وخلف باب غرفتها، حيث كانت تضع اذنها عليه ، تتصنت بتركيز لأصوات الشجار الآتية من الغرفة المفتوحة على مصراعيها، في الجهة الأخرى، يصلها الصوت بكل وضوح ، لقد فعلها حبيبها، وفاتح شقيقها في أمرهما، بعد ان اصطبر مجبرًا عدة الايام التي تلت الشجار والذهاب للقسم، بناءًا على توصيات والده، والذي اخبره، بضرورة التريث حتى تهدأ الأوضاع .
قلبها من الداخل، كان يتراقص فرحًا ومرح ، وهي تسمع لشجار شقيقها، في التصميم على قبول زيارة الاثنان، ليته يستمر بهذه القوة ليعبر عن اعتراضه ايضًا فيما يخصه:.
- بتعملي ايه ورا الباب يا زفتة.
صدرت فجأة مع دفع الباب للداخل، من قبل شقيقها الذي قبض على رسغها يجفلها، ليصدر صوت شهقة قوية منها ،
- حرام عليك يا عزيز، خضتني وربنا.
اخفى ابتسامة مستترة اعتلت محياه ليردف بمناكفة لها:
- بتتصنتي انتي هنا يا جبانة، وحطاني انا في وش المدفع
ردت بدلال الأنثى تتملقه:
- الله بقى، مش انت اخويا وحبيبي، يعني لازم تدافع عن اختك البريئة الغلبانة وتقف لها تواجه بنفسك،
- والله .
تخصر يطالعها بنظرات كاشفة ليردف بغيظ :
- طب يا ختي كويس ان طلعت حبيبك المرة دي، ياريت بس تفتكريها دي في كله، مش بس في مصلحتك.
- قصدك ايه؟
- قصدي انتي فاهماه كويس، وبلاش تسوقي اللؤم عليا ، ماشي يا شاطرة.
فهمت مقصده، فاغتمت ملامحها تجيبه بحزن:
- ما تزعلش مني، بس انا بصراحة بقى مش قادرة اتخطى، ولا ابين عكس اللي انا حاسة بيه جوايا، تحركت خطوتين تبتعد عنه قليلًا، لتردف بشجاعة اختلطت بحرجها:
- ومعلش يعني، لو فاكر ان موقفي هيتغير بوقوفك جمبي، ف انا بقولك اهو من أولها، مش هقدر، لا هقدر افرحلك، ولا اقدر اتعامل مع اللي اسمها رانيا دي، انها خطيبة اخويا او مراته، انا كدة، دي طبيعتي معرفش اداري.
كانت مطرقة رأسها غير قادرة على مواجتهه، غافلة عن ابتسامة شقت ثغره بمكر وهو يطالعها، قطته الصغيرة كما يسميها دائمًا، لبست وديعة وفقط، انما أكثر ما يميزها هو النقاء، لا تعطي بالا لخبث العالم ونفاق البشر وأحقادهم
حينما رفعت رأسها، اخفى سريعًا ابتسامته، ليغلف وجهه بصفحة غامضة قائلًا:
- براحتك يا ستي، عنك ما اتقبلتيها، اعملي اللي انتي عايزاه.
- يعني ايه يا عزيز؟ هو انت زعلان ولا مش زعلان ؟
مط بشفتيه ليتحرك يستدير مغادرًا الغرفة، بدون ان يعطيها أي إجابة، لتنظر في اثره عدة لحظات بعدم فهم، ثم ما لبثت ان تعود لقضيتها الاساسية ، وهي والدتها واللقاء المرتقب، بزيارة ممدوح ووالده، مع ضغط عزيز، يا ترى ماذا سيكون رد فعلها معهما، وهي التي تضع هذا الغبي سامح دائمًا بطريقها، او كما قال لها صباحًا، ليس لها بديلا غيره.
ليتها تراعي ولو لمرة واحدة رغبتها ولا تنفذ ما تضعه برأسها من مخططات.
وفي الناحية الأخرى
عاد من عمله ، متجهًا نحو شقيقته التي كانت جالسة على الأرجوحة بحديقة المنزل ، ليُقبل عليها، حتى يزف اليها الخبر السعيد:
- بسوم، شوفتي الجديد يا قمر.
طالعته باستفهام، حتى جلس جوارها على الاَريكة التي اهتزت لثقل جسده عليها، حتى اثار على ثغر شقيقته ابتسامة، بادالها اياها قبل ان يردف لها:
- انا خلاص حددت ميعاد وهروح اتقدم لأهل ليلى .
هللت بابتهاج مرحبة:
- يا قلبي يا ميدوا، دا بجد؟ ابوة بقى ع المفاجأت الجامدة، ربنا يوفقك يا حبيبي، بس انت مقولتش، حددت مع مين؟
سألته الاََخيرة بقلق اعتلى ملامحها، انتبه له، ثم ما لبث ان يجيبها:
- حددت مع اخوها طبعا، بس ربنا يستر بقى عشان الست والدتها دي دي اللي متمسكة بالزفت ابن اختها، دي ليلى هتطق منه ومن تقل دمه؟
وافقته الرأي، حتى عبرت بأسى اكتسى ملامحها:
- انت هتقولي على والدتها ولا عن غتاتة الزفت سامح ، دول يتفاتلهم بلاد......
صمتت برهة أمام تحديق شقيقها، والذي بدا انه يستكشف ما بها، لتستطرد بابتسامة اغتصبتها من أجله:
- بس معلش بقى، عشان الورد ينسقي العليق، وليلى تستاهل، هي بريئة وجميلة وانت بتحبها، ودا يكفي .
بشبه ابتسامة عبر كاستجابة لها، قبل ان يسألها مباشرة :
- وانتي يا بسوم، حكايتك ايه مع عزيز ؟ انا خدت فترة كنت فاهم ان في اعجاب ما بينكم، بس اتفاجأت صراحة بخبر خطوبته على واحدة تانية.
كعادتها في الصراحة ردت تجيبه:
- عايزنى اقولك ايه؟ طبعا انت عارفني مش هكدب، يعني مش هنكر ان كان في بجد اعجاب متبادل ومازال على فكرة، بس هو بقى رضخ لرغبة والدته وراح خطب اللي هي اختارتها.
- اخص.
تمتم بها غاضبًا، ليردف بدهشة:
- بس عجيبة يعني، ان واحد زي عزيز ده، يبقى تابع لقرارات الست المتجبرة دي، دا انا كنت واخد عنه فكرة غير كدة خالص.
واصلت موضحة:
- على فكرة هو مبعدتش عن فكرتك، بس هي المشكلة في الست نفسها، قوية ومبتغلبش في الحيل بتاعتها,
اومأ باستدراك مع تذكره للأتصال السابق وبكاء حبيبته:
- اممم، دي على كدة بقى ليلى عندها حق تخاف منها، وانا لازم اخد بالي منها بقى.
- لازم يا ممدوح، خد بالك كويس اوي، وياريت لو تفضل متمسك بيها مهما حصل، او شوفت اعتراض، ليلى تستاهل انك تحارب عشانها.
كانت تشدد بقولها، بحماس لم يغفل عنه، يستشف قهرًا داخلها تخفيه، شقيقته الناضجة رغم صغر عمرها، تدعي التجاوز في امر قد يكسر أخريات غيرها.
هي مين اللي يستاهل انه يحارب عشانها؟
صدرت مع اقتراب والديها منهما، والذي واصل بمزاحه كالعادة:
- هو انت عايز تتجوز ولا تخوض حرب يا ولد؟
التفا له الاثنان يستقبلانه بالإبتسام حتى وصل ليتخذ مقعده بجوارهما، وزاد اهتزاز اريكة الإرجوحة، لتصدح الضحكات الصاخبة من الثلاثة، مع تعقيب بسمة:
- يا نهار ابيض، المرجيحة هتوقع بينا .
- يعني قصدك ان انا تقيل يا بنت؟
هتف بها شاكر يصطنع الحزم، ليتبادل النكات مع ابناءه، حتى وصلا للحديث حول موضوعهم الأساسي:
- يعني ايه يعني؟ انتوا محسسني ان الست منار دي بعبع ولا وحش مفترس هياكلكم، مش لدرجادي بقى؟
ردت بسمة بشقاوة، تشاكسه:
- لا يا بابا هي فعلا وحش، عشان كدة بقى انا عايزاك تاخد حذرك انت كمان، دي مبتعتقش كبير ولا صغير، قوية ومفترية.
اضاف ممدوح يجاري شقيقته الدراما:
- انا بقيت اخاف من دلوقتي يا بابا، عايز ليلى وبنفس الوقت متردد، لتأذيني الست دي ولا تعمل فيا حاجة، اعوذ بالله، دي ممكن تعملها وتطردنا، ساعتها الواحد يعمل معاها ايه دي؟
اعتلى الذهول ملامح الرجل، مع استنكار واضح رغم عدم اتخاذه الأمر بجدية، ليرد مندمجًا معهما:
- ايه اللي بتقوله ده يا بني؟ انت ابن شاكر عبد اللطيف ، يعني لا منار ولا مليون منار تهزك ، اخشن كدة واسترجل، طب اقولك، انا اتشجعت اوي، الست دي لازملها حد يشكمها،....
توقف فجأة ليسأل بخبث:
- هي حلوة؟
- أيوة بقى يا شاكر يا جامد، شكل بابا هيخلص موضوعك وبأقل الخساير يا ممدوح.
هللت بها بسمة ليشاركها شقيقها المزاح ايضًا، لتعقيب والدهما ، والذي اصابه الزهو، ليسأل عن مواصفاتها وما تحب وما تكره، وكأنه قد أتخذ القرار بالفعل؟
