رواية عشقت فتاة المصنع الفصل الخامس5بقلم صفاء حسني
"لا طبعًا… مش موافقة أكون مخبرة ولا أبيع نفسي للخطر. أنا عملت اللي أقدر عليه وخلص."
وظهرت على ملامح زينب التوتر
نظر لها زياد ثم بدأ فى الضحك بسخرية وهو مائل على الكرسي):
"خايفة من الخطر؟ حضرتك لو خرجت من هنا لوحدك… يا هنلاقي جثتك في البحر، يا مرمية من فوق عمارة. أنتي عرفتِ كتير… ومش هيسيبوا اللي يتحدى معلمهم يعيش. قبل ما توصلي بيتك، كانوا هيكونوا بلطجية مستنيينك… ما بالك دلوقتي؟ بعد ما كتبتي المصنع باسم البنات وسجنتي واحد من رجالتهم؟"
عشقت فتاة المصنع
الفصل الخامس
اتجمدت زينب للحظة، قلبها بيخبط، بصّت له بعيون مليانة قلق:
"طب إزاي هتضمن تحميني؟! وإنت لسه بتقول بنفسك ممكن يكونوا مستنينّي برة؟"
كملي زياد (بثبات):
"لأ، في فرق كبير. فرق بين واحدة ماشية في الشارع من غير رقابة… وبين واحدة الشرطة بتتابع كل خطوة ليها. اسمعي كلامي. مش بس هتكوني محمية… أنتي هتكوني من فريقي. وصدقيني، أنا مش بضحك عليك وكمان يكون ليك راتب ."
زينب (بغضب وهي بتقوم واقفة):
"انت فاكرني كل همّي الفلوس؟!"
زياد (هز راسه بهدوء):
"مقصودش كده. المكافأة اللي بتكلم عنها مش فلوس وبس… ده تقدير. انتي لو ساعدتيني نوصل للرأس الكبيرة… هكون سبب إن الشبكة دي تقع، وهترقّى، وأنتِ هتاخدي مكانك معانا. هتكوني بطلة… وأمك وأخوك هيفتخروا بيك. فكري… كام مصنع، كام ورشة، كام بنت ضاع شرفها. لو وقفتي… اللي ضاع ضاع. لو كملتي… هتنقذي مئات."
اتنهدت زينب، وملامحها اتحولت من الغضب للحيرة، ما بين خوفها الحقيقي… وبين إحساسها بالمسؤولية تجاه البنات.
زينب (ماشية رايحة جاية في أوضة صغيرة جوه القسم، إيديها متشابكة وبتضغط على نفسها):
(بتكلم نفسها بصوت واطي)
"هو عنده حق… أنا ماكنتش متخيلة الموضوع يوصل لكده… ولا يكبر بالشكل ده.
لو ماكنتش جريئة شوية… وقدرت أواجه الشاب اللي حاول يوقعني… كنت أنا كمان دلوقتي ضحية زي باقي البنات.
قد إيه في بنات زيي… بيروحوا يشتغلوا عشان يساعدوا أهلهم… وفي الآخر بيتحولوا لفريسة؟
قد إيه في بنات بيسافروا من بلد لبلد عشان الفلوس… ويقابلوا وحوش زي الناس دي؟
يمكن مش هقدر أوقف الدنيا كلها… ولا أقدر أحمي كل البنات… بس على الأقل… لو الشبكة دي وقعت، والإعلام مسك القضية واتكلم عنها… الناس كلها هتفتح عينها…
هتكون قضية رأي عام…
ساعتها أي بنت هتخلي بالها… وأي أم وأب هيخافوا على عيالهم."
(اتنهدت زينب بعمق، وعينيها مليانة دموع مكبوتة، كأنها لقت نفسها متزنقة بين خوفها الشخصي وبين إحساسها بالمسؤولية تجاه البنات اللي وراها).
(زياد قاعد على الكرسي، متعصب ومرهق، صوته عالي)
زياد (بحدة):
"كفاية بقى! دوختيني معاكِ طول الليل… أنا منمتش من امبارح. أنا محتاج أرجع القاهرة دلوقتي. إنتِ معايا… ولا أعتبر نفسي كنت غلطان وأمشي؟"
(زينب وقفت قدامه، عنيها ثابتة فيه، وابتسامة صغيرة بدأت تطلع على وشها كأنها خدت قرارها)
زينب:
"معاك… بإذن الله.
بس على شرط."
(زياد يضيق عينيه وهو مركز معاها)
زياد:
"شرط؟ إيه تاني يا زينب؟"
زينب (بهدوء وابتسامة واثقة):
"لمّا أخويا ينجح… ويقدّم في كلية الشرطة… تقبله.
أنا عارفة كل حاجة بتمشي بالواسطة… وأنا عاوزة الواسطة دي لأخويا."
(زياد يتنهد، يبص لها بنص غضب ونص اندهاش، كأنه مش متوقع الشرط، لكنه برضه شايف قد إيه هي مصرّة ومش بتهزر.)
(زياد يضحك ضحكة قصيرة فيها سخرية)
زياد:
"إنتي فاكرة نفسك بتساومي ظابط مباحث في نص قضية دولية؟"
(زينب تقرب خطوة، تبص له بثبات وبدون خوف)
زينب:
"مش مساومة يا بيه… ده وعد. أنا بخاطر بحياتي عشان البنات دي، وعشان البلد دي. أقل حاجة أخويا يلاقي فرصة يعيشها بشرف… مش زي العفن اللي إحنا بنطارده."ومعلش حضرتك لما دخلت الشرطة دخلتها بكفاح والا حد ساعدك
(زياد يسكت لحظة، يبص لها بإعجاب وإحساس إنها قوية، لكن متضيق من لمضيتها وبعدين يقول بنبرة هادية لكن جادة)
زياد:
"تمام يا زينب… بس افتكري إن ده وعد… والوعد دين."
---
فجأة، وسط صوت الجدال والشد بين سعاد ومنى، صرخت إيمان بأعلى صوتها من الألم:
إيمان (بدموع ووجع):
"حرام عليكم… أقسم بالله حرام!
سنة كاملة عايشة في العذاب… شايلة اتهام منك ليها وحزنها، وخوف يفضل مطاردني. بقيت أخاف أطلب حاجة من أي حد عشان ما أشوفش الخناق ده!"
انحنت على بطنها، وصرخت تاني بصوت يقطع القلب:
إيمان:
"خدني يا مومن على المستشفى… سيبهم يتخانقوا مع بعض!
اتصل بطنط سعاد تخد بالها من أولادي… مدام ربنا كاتب عليا أتحرم دايمًا من أحبابي!"
السكوت غطّى المكان للحظات، كل العيون راحت لإيمان، دموعها ووجعها كسّروا أي كلام.
مؤمن اتلخبط، دموعه نزلت وهو بيشيلها بسرعة.
مؤمن (بصوت مكسور):
"حاضر يا حبيبتي… استحملي، هنروح المستشفى دلوقتي."
منى وسعاد اتبادلتوا نظرات صعبة، بس مافيش وقت للعتاب… الوجع كان أقوى من أي خناق.
اتجمعت سعاد ومعاها حسن، ومنى قدام باب الشقة، كل واحدة عايزة تمسك إيمان وتاخدها بطريقتها.
مؤمن وقف بينهم، عينيه مليانة غضب وقلق:
مؤمن (بحزم):
"كفاية! إيمان مش ناقصة… أنا مش هسمح إنكم تخلوا لحظة زي دي تبقى ساحة خناقة. لو وجودكم هيعمل حرب نفسية لإيمان… والله أخدها وامشي من هنا. أروح محافظة تانية وأبعدها عنكم كلكم… حتى أولادي، أخدهم وأبعد."
سكتوا الاتنين، وفضل صوت أنين إيمان هو المسيطر.
مؤمن (بصوت مكسور لكنه ثابت):
"فكّروا… عايزين تكونوا أمهات حقيقيين لإيمان؟ يبقى تهدوا… وتقفوا جنبها بجد، مش ضد بعض."
بصّت له منى بغيظ مكتوم، وسعاد دموعها قربت تنزل، لكن ماحدش رد.
مؤمن حمل إيمان بهدوء، وحطها في العربية، مسك إيدها وهو بيطمنها:
مؤمن (بحنان):
"مسافة السكة يا حبيبتي… استحملي."
إيمان كانت بتبكي من الألم وتردد بصوت مبحوح:
إيمان:
"يا رب… يا رب."
مؤمن كان واقف قدام العربية، ماسك باب السواق بإيده وعينه حمراء من السهر والقلق:
مؤمن (بحدة):
"قلت كفاية! أنا هاخد إيمان وأوصلها المستشفى، مش عايز خناق ولا حد يزيد وجعها بتوتره."
منّى نفخت بقوة، صوتها مليان عصبية:
"هو إحنا غرب يا مؤمن؟! أنا أختها، ولما أختي تولد مش هكون معاها؟! تعالِ يا سعاد، سيبه في حاله… أنا معايا عربيتي وسواق، ونروح وراهم."
سعاد ردت بهدوء يحاول يبرد الموقف:
"يا جماعة مش وقته. البنت بتتألم، وكل دقيقة بتفرق."
لكن منى ما سكتتش، لمست ذراع سعاد:
"تعالي معايا يا سعاد. العربية جاهزة والسواق تحت. وصحي الأولاد يا حسن يجهزوا، ييجوا معانا… يمكن يفرحوا بختهم أو أخوهم اللي جاي."
مؤمن لف لهم فجأة، صوته عالي لأول مرة:
"مش هينفع! إيمان مش محتاجة زحمة ولا دوشة حواليها دلوقتي. لو شايفين نفسكم عايزين تفرحوها… استنوها هنا وادعولها. لو وجودكم هيولّد حرب نفسية، يبقى أنا آخدها وولادها ونمشي بعيد… حتى لو سبت البيت ده وروحت محافظة تانية!"
سكتوا لحظة، وصوت صراخ إيمان من جوه العربية قطع الجدال:
"كفاية بقى… أنا بموت من الوجع!"
ساعتها سعاد بصت لمنى وقالت بصرامة لأول مرة:
"نركب وراهم بالعربية بتاعتك… من غير صوت، من غير مشاكل. أهم حاجة نوصل قبل ما يحصل لها حاجة."
منى عضت شفايفها، ووافقت وهي متوترة:
"ماشي… بس أوعى تفتكرني هسيبها لوحدها جوه العمليات."
ركبوا بسرعة، وطلع موكب العربيات ناحية المستشفى… الجو كله توتر وقلق.
كانت إيمان نايمة فى العربية ، والوجع بدأ يزيد بشكل غريب… مش زي أي مرة قبل كده.
وجعها مش متوزع على بطنها كلها زي الولادة الطبيعية، لكن مركز أكتر في جنب واحد، بيشد كأن حد بيغرس سكين.
لكن ملامحها كانت بتتغير كل ثانية:
إيمان (وهي بتصرخ):
وشها شاحب جدًا، عرق بارد نازل على جبينها، تنفسها متقطع، وبتقول بصوت واطي وهي شبه منهارة:
"حاسّة بدوخة… الدنيا بتسود قدامي."
"بطني… مش قادرة… الوجع في جنبي، بيقطعني…!"
مؤمن حاول يطمنها:
"يمكن الطلق بدأ…"
وصلوا المستشفى، جري بيها مؤمن مع طقم التمريض، الكرسي المتحرك جه بسرعة.
ممرضة:
"غرفة الكشف بسرعة!"
دخلت دكتورة شابة، بسرعة لبست الجاون، وبدأت الكشف. ملامحها اتشدت من القلق.
الدكتورة كشفت بسرعة، وشها اتغير وقالت بحزم:
"دي مش ولادة عادية… دي حالة حمل خارج الرحم. الجنين مثبت برّه الرحم، وده سبب النزيف الداخلي. لو ما دخلناش عملية قيصري حالًا حياتها في خطر."
سعاد انهارت:
"يعني إيه يا دكتورة؟!"
الدكتورة أوضحت بسرعة:
"الحمل ده بيحصل لما البويضة تثبت في قناة فالوب بدل الرحم. القناة مش مهيئة تتحمل نمو الجنين، وده بيعمل انفجار ونزيف داخلي. لو اتأخرنا… النزيف ممكن يهدد حياتها فورًا."
إيمان وهي بتبكي من الوجع:
"أعملوا أي حاجة… بس خلّوني أعيش عشان أولادي."
