رواية التوام والسحر الاسود الفصل السابع7بقلم رقيه

رواية التوام والسحر الاسود الفصل السابع7بقلم رقيه

تجالس إليزا في سيارتها، عيناها تراقبان الطريق، والساعة تشير إلى مرور ساعة كاملة منذ بدأت الانتظار. أخيرًا، تصل عزيزة، تدخل السيارة وهي تتذمر، وكلماتها مختلطة بالضيق.
 إليزا : بقلق هل انتي بخير؟ تبدين متوترة.
 عزيزة :  تنفجر  في الحقيقة، أنا منزعجة جدًا! كل ما أريده الآن هو الابتعاد عن هنا!
 إليزا : تسأل بفضول  ماذا حدث؟
عزيزة :  تبتلع غيظها، المشرفة تريد مني أن أغيّر دوامي إلى الليل حتى تعود دكتورة خلود من السفر.
 إليزا :  ولهذا أنتي مستاءة؟
عزيزة : بصوت خافت، تعرفين أنني أكره العمل ليلاً.
إليزا :  تشجعها، يمكنني أخذ مكانك إذا أردت، فأنا لا أمانع العمل ليلاً.
عزيزة :  تبتسم بسخرية، هل تعتقدين أن المشرفة ستوافق؟
 إليزا  : بتحدٍ ، لن نعرف إذا لم نسألها. اتركي الأمر لي.

مرّ صمت ثقيل بينهما، كأن الكلمات تنتظر إذنًا بالمرور.
قطعت عزيزة السكون بصوت هادئ:"جاء سلطان إلى مكتبي يبحث عنكِ. أخبرته أنكِ في الكافتيريا."
هزّت إليزا رأسها متذكرة، وقالت بنبرة متأنية:"نعم، أخبرني بذلك."
نظرت إليها عزيزة بعينين مليئتين بالفضول:"وماذا كان يريد؟"
ترددت إليزا لوهلة، ثم أجابت بصوت خافت، كأنها تفكر في الكلمات قبل أن تنطق بها:
"قال إنه يريد التحدث معي بخصوص مشروعٍ ما... وأصر أن نلتقي لاحقًا."
ضحكت عزيزة بخفة، وقالت مازحة وقد رفعت حاجبيها بخبث لطيف:"هل هذا يعني أن المياه عادت لمجاريها؟"

قهقهت إليزا، وهزّت رأسها نافية:"لا تكوني سخيفة!"
ثم قامت عزيزة من مكانها، وألقت عليها نظرة واثقة، وقالت بنبرة مرحة وهي تعدّل حجابها:"حسنًا، تمني لي حظًا موفقًا."
ابتسمت إليزا وقالت بمزاح رقيق:"بالتوفيق... ومنه المال ومنكِ العيال."
رفعت عزيزة يدها للسماء، وأجابت وهي تضحك:"آمين يا رب!"
انطلقت إليزا بالسيارة، تقودها بهدوء بينما كانت الشمس تميل إلى المغيب، ترسم على زجاج النوافذ خطوطًا ذهبية ناعمة. لم يستغرق الوصول سوى دقائق، وما إن توقفت السيارة أمام المنزل، حتى نزلت إليزا أولًا وفتحت الباب بخفة، كأنها تستقبل دفئًا غائبًا.
دخلت، لتفاجأ بامرأة تجلس بهدوء في الصالة، يعلو ملامحها الوقار، وعيناها تحملان طيبة السنين. إنها سيدة جواهر، والدة عزيزة.
نهضت السيدة بسرعة حين رأت إليزا، وقالت ببسمة رقيقة:
"شكرًا لكِ، يا ابنتي... أعذرينا، لقد أزعجناكِ."
اقتربت منها إليزا، واحتضنت يدها بحنان:"كيف حالكِ خالتي؟ أسعدتني رؤيتكِ كثيرًا."
ثم أضافت بلطف دافئ:"لا تقولي هذا الكلام، خالتي. وجودكم يسعدني. البيت كبير... ولا أحد يعيش فيه غيري. أنا بحاجة لرفقة تشبهكم."
وقفت عزيزة بجانب والدتها، تبتسم بخجل وامتنان:"لا أعرف كيف أشكركِ على هذا..."
هزّت إليزا رأسها تواضعًا:"لا تشكريني، هذا أقل من الواجب."
لكن عزيزة نظرت إليها بعين جادّة، وقالت بنبرة مؤثرة:
"لن أنسى لكِ هذا المعروف ما حييت."
ضحكت إليزا بخفة وهي تهزّ إصبعها ممازحة:"هكذا ستجعلينني أغضب منكِ!"
نظرت السيدة جواهر حولها، تتأمل الزوايا والديكورات بأعين ممتنة:"منزلكِ جميل جدًا، ما شاء الله."

أجابت إليزا بابتسامة خجولة:"شكرًا لكِ سيدتي... لكن ما رأيكما أن نؤجل الحديث في الموضوع الآن، ونطلب شيئًا نأكله؟ أنا أتضور جوعًا!"
ضحكت عزيزة وقالت بحماسة:"فكرة رائعة!"
أخرجت إليزا هاتفها من حقيبتها، ومدّته لعزيزة قائلة:
"اطلبي أنتم ما تشتهون، وسأذهب لأدعو العم عمر ليشاركنا الغداء."
أخذت عزيزة الهاتف وقالت بابتسامة:"حسنًا، على الرحب والسعة."
____
"العم عمر"، رجل جاوز السبعين، انحنت سنواته بثقل الفقد ومرارة الخذلان. منذ أن رحلت زوجته، اختار أن يعيش بقرب قبرها، تحت شجرة زيتون هرمة تمدّ له ظلّها وكأنها تعرف وجعه. تخلى عنه أولاده واحدًا تلو الآخر، حتى لم يبقَ له سوى الموز الذي يبيعه على قارعة الطريق ووسادة من تراب الذكريات.

رفض كل المحاولات لإقناعه بالانتقال إلى دار المسنين. "كيف أبتعد عنها؟" كان يقول. فهنا، حيث يرقد قلبه المدفون، يشعر أنه ما زال يحيا.

في أحد أيام الشتاء الرمادية، كانت إليزا تمرّ لزيارة قبر والدتها. شدّ انتباهها جسد ممدّد قرب شجرة، مغطّى ببطانية بالية، يصدر عنه صوت أنين خافت. اقتربت فزِعة، فوجدت العم عمر مرتجفًا، وجهه محمّر وملامحه شاحبة لا تعي من حولها.

أخبرها أحد المارة، رجل مسن يسكن بجوار المقبرة، أن هذا العجوز يعيش هنا منذ خمس سنوات. "أولاده تخلوا عنه بعد موت زوجته. لم يغادر المكان منذ ذلك اليوم"، قالها بنبرة حزينة.

دون تردد، ساعدته إليزا على النهوض، وأسندته إلى ذراعها، ثم أقلّته بسيارتها إلى المستشفى. ظلّ في العناية المركّزة أسبوعًا كاملًا، غائبًا عن الوعي، مصابًا بالتهاب حاد، يطارد الهلوسات كأنها أطياف موتاه. وخلال تلك الأيام، بقيت إليزا بجواره، تتفقده وتتكفّل بمصاريف علاجه.
حين استعاد وعيه، فتحت إليزا الحديث:
إليزا بصوت هادئ: "عمي، لا يمكنك البقاء هناك وحدك... أرجوك، تعال وامكث معي. بيتي واسع، وفيه جناح للضيوف... لن أزعجك."
تردّد، نظر بعيدًا نحو النافذة كأنّه يرى قبر زوجته من بعيد.
العم عمر بصوت مكسور: "لا أريد الابتعاد عنها... لا أستطيع."
إليزا تجلس قربه، تضع يدها على يده: "أعدك... يمكنك زيارتها متى شئت. أنا أزور قبر والدتي وجدتي كل يوم جمعة، وسأكون سعيدة أن ترافقني."
طال صمته، وكأن قلبه يخوض معركة بين الوفاء والحاجة. وبعد لحظة طويلة، هزّ رأسه موافقًا بصمت ثقيل.
مرت أيام، وانتقل العم عمر إلى منزل إليزا. اختارت له غرفة تطل على الحديقة، فيها شرفة صغيرة تشبه تلك التي كانت لزوجته.

كان العم عمر جالسًا على كرسيه الخشبي قرب النافذة، يقرأ في مصحفه بعينين مطمئنتين، حين دخلت إليزا بهدوء. رفع بصره ووضع المصحف جانبًا، ثم ابتسم ابتسامة هادئة وقال: "مرحبًا يا ابنتي.."
اقتربت منه إليزا وجلست قبالته: وقالت بحنان: "كيف حال ركبتك؟ هل ما زالت تؤلمك؟"
أجاب بابتسامة يعلوها الرضا:العم عمر: "بعد أن تناولت الدواء، اختفى الألم تقريبًا. بارك الله فيك."
أضاءت وجهها سعادة صادقة:إليزا: "هذا رائع!"
العم عمر (بامتنان): "أشكرك يا بنتي... على كل شيء."
نهضت إليزا بحيوية: "ما رأيك أن تأتي لتتناول الغداء معنا؟ هناك ضيوف أيضًا، أحب أن تتعرّف عليهم."
أومأ برأسه موافقًا بلطف، ثم نهض ببطء، يرتدي حذاءه بعناية، وتبعها إلى غرفة الطعام.
وفي أثناء تناولهم الغداء، حيث كانت الأصوات تتعالى بأحاديث خفيفة وأجواء دافئة، دوّى جرس الباب فجأة.
همّت عزيزة بالنهوض، لكن إليزا سبقتها، وركضت بخفة نحو الباب، كأن قلبها خفق بشيء مألوف. فتحت الباب، وأطلت برأسها إلى الخارج، لتتسع عيناها بدهشة غامرة.
نورهان كانت تقف هناك، تبتسم بعينين تلمعان من الحماس:
نورهان: "مفاجأة!"
اندفعت نحوها تحتضنها بقوة، وضحكتهما تتعانق في الهواء.
إليزا: "متى عدتِ؟"
نورهان: "وصلت البارحة... بعد منتصف الليل."
إليزا: "اشتقتُ لكِ كثيرًا!"
نورهان: "وأنا أكثر... كيف حالك؟"
إليزا: "بخير... وأنتِ؟"
تغيرت ملامح نورهان فجأة، وترددت قبل أن تقول بنبرة منخفضة: "لا أعرف... في الحقيقة."
نظرت إليها إليزا بقلق، تمسّكت بيدها بلطف: "ما الذي حدث؟ هل أنتِ بخير؟"
نورهان (بهمس): "أعتقد ذلك..."
سحبتها إليزا نحو الداخل، تحاول التخفيف من قلقها:
إليزا (بمرح): "لقد جئتِ في الوقت المناسب. تعالي، تناولي الغداء معنا."
توقفت نورهان فجأة، ونظرت إليها بارتباك: "معنا؟ من تقصدين؟ هل... ما زال ذلك الرجل يعيش معكِ؟"
ضحكت إليزا ضحكة مشاكسة، وقالت: "لن تتغيري أبدًا!" ثم سحبتها نحو غرفة الطعام، وهي تنادي:"انظروا من هنا! إنها صديقتي نورهان!"
التفت الجميع نحو الباب، وقالوا بصوت واحد ترحيبي:
"مرحبًا بكِ، نورهان!"
وقفت نورهان عند العتبة، تبتسم بخجل: وقالت بصوت خافت "مرحبًا بكم..."ثم انحنت نحو إليزا وهمست باستغراب:
 "من هم؟"
 إليزا :" تشير إلى عزيزة "هذه عزيزة، صديقتي، وعائلتها يعيشون معي هنا. تعالي اجلسي معنا."
نورهان: محرجة  "لا، لقد تناولت الغداء للتو. أنتِ اجلسي وأكملي غداءك. سأنتظرك في الغرفة." (ثم تندفع نحو الدرج وتصعد إلى غرفة إليزا "  تعود إليزا إلى مقعدها وتجلس
عزيزة: "صديقتك تبدو لطيفة."
 إليزا: تبتسم برفق "أحيانًا."
بعد انتهاء الغداء، تستأذن إليزا وتذهب للقاء نورهان. تصعد السلم نحو غرفتها  " تدخل إليزا غرفتها لتجد نورهان مستلقية على الأريكة. 
إليزا : تطرق الباب وتدخل  مرادفة هل تأخرت عليكِ؟"
 نورهان : ترفع رأسها  قائلة "كلا."
 إليزا:  تجلس على حافة الفراش "كيف كانت رحلتكِ هذه المرة؟"
 نورهان: تتنهد، وتجلس  "سيئة."
إليزا : قلقة "ماذا حدث؟ ألم تسر الأمور جيدًا؟"
 نورهان: "كل شيء كان على ما يرام، لكن... لم أستطع التوقف عن التفكير  عنها . وهذا يفطر قلبي... لا أعرف ماذا أفعل."
 إليزا : "أنا آسفة بشأن ذلك، لكن ليس لديكِ إلا حل واحد."
 نورهان: بصوت متوتر "أتعلمين ماذا سيحدث حينها ؟ إذا لم يقتلوني إخوتي، سيفعل ذلك أبي." تسود لحظة من الصمت. ثم تنهدت إليزا بعمق مرادفة  عندما كنت طفلة، فقدت والدتي. لم أكن حتى أتذكرها جيدًا. كنت أسأل نفسي دائمًا: لماذا ليس لديّ أب مثل باقي الأطفال؟ وعندما سألت جدتي عن الأمر، أخبرتني أن أمي هربت مع والدي دون موافقتها.و تركها بعد عدة أشهر، ورفض الاعتراف بي، عشت مع كره لأبي الذي لم أره أبدًا، امي توفيت وتركتنى ووالدى ربما يعيش في مكان ما سعيدا مع عائلته وانا هنا اعاني من الوحده  وحتى والدتي لم تكن  ترغب فيّ... أشعر أنك لا تريدين أن تدعي ابنتك تعاني من أخطائك."
 نورهان : بصوت متردد  "ما الذي تحاولين قوله؟"
 إليزا: "ابنتك تستحق أن تعيش حياة طبيعية، نورهان."
 نورهان : بحزن "أعرف ذلك... لكن ماذا أستطيع أن أفعل؟ الندم لن يغير شيئًا."
 إليزا: "هل تفكرين في إخبار والدها يومًا ما؟"
 نورهان:  بسرعة "أبدًا."
 إليزا: "ألا تعتقدين أن من حقه أن يعرف أن لديه ابنة؟"
 نورهان: "كلا."
إليزا: "لماذا؟"
 نورهان : "لأن ذلك سيشعل النار في كل شيء!"
 إليزا: "ألا يمكنكما إصلاح الأمر؟"
 نورهان : مستغربة  "كيف؟"
 إليزا: "أن تتزوجا."
 نورهان: مندهشة  "ماذا؟! هل أنتِ جادة؟"
 إليزا: "من أجل ابنتكما فقط."
 نورهان: "مستحيل. لو أردت الزواج منه، لما تركته في البداية."
 إليزا: "إذًا لماذا أحببته من البداية؟"
 نورهان : مضطربة  "لا أعرف... لا تسألي."
 إليزا: "إذا كان مستعدًا لترك زوجته من أجلكِ، فهو يحبكِ حقًا. وربما ما زال يحبكِ. لا يتعلق الأمر الآن بكِ، بل بابنتكِ. إنها تستحق أن تحمل اسمه."
 نورهان : بتوتر  "هل ندمتِ لأنكِ تبنيتها؟"
 إليزا: "بالطبع لا. لكنني أحاول مساعدتكِ. أيهما أسهل: أن تخبري أهلكِ أنكِ أنجبتها من علاقة زوجية، أم من علاقة غير رسمية؟"
نورهان: بصوت جازم  "لا هذا ولا ذاك. أرجوكِ، لا أريد التحدث عن هذا الموضوع مرة أخرى."
 إليزا: تتنهّد "كما تريدين."
 نورهان. : تتنهد بعمق " ليتني لم أذهب لتلك الحفلة المشؤومة تلك الليلة. 
 إليزا :  تتحدث بنبرة هادئة " لقد حدث ما حدث، والندم لن يغير شيئًا مما حدث.
 نورهان  : تظهر عزمها " أنتِ محقة. هل تودين الذهاب معي؟ أريد رؤيتها قبل أن أسافر.
 إليزا :  مستغربة قليلاً" لقد وصلت بالأمس. ستعودين بهذه السرعة؟
 نورهان  : بإصرار" نعم، لقد عدت فقط لرؤيتها.
 إليزا  :  تتجه نحو الحمام " حسنًا، دعني أستحم وأبدل ملابسي.
نورهان  : تسأل بحذر " بالمناسبة، هل هم حقًا سيعيشون معك ؟ هنا  تقصدين عزيزة وعائلتها؟
 إليزا :  ترد وهي تبتسم"  نعم.
نورهان  : بقلق " لماذا؟
إليزا:  بجدية "  لديهم ظروف خاصة.
 نورهان : تمزح" أخشى أن أجدك في المرة القادمة قد حولت منزلك إلى ملجأ للمشردين.
إليزا :  تضحك" هذه فكرة جيدة!
نورهان. :  تبتسم برفق" لن أتفاجأ إن فعلتها.
بعد قليل، تخرج إليزا من الحمام وقد بدلت ملابسها
 إليزا : أنا جاهزة.
 نورهان  : بحماس"  دعينا نذهب إذن.
 إليزا :هل نذهب بسيارتي أم بسيارتك؟
 نورهان :  بصوت خافت" في الحقيقة، لقد جئت بسيارة أجرة لأنني لم أشعر برغبة في قيادة السيارة اليوم.
إليزا :  تأخذ مفتاح السيارة" إذن سنذهب بسيارتي.
بعد لحظات، يصلان إلى منزل السيدة سوسن، الذي لا يبعد كثيرًا عن منزل إليزا  إلا  بضعة دقائق وكانت السيدة سوسن في انتظارهم . 
 نورهان :  كانت تشعر بقلق عميق وحزن متراكم عندما قررت الذهاب إلى منزل المربية لرؤية طفلتها، منذ شهرين كانت تفكر في ابنتها كل يوم، وتحتل ذكراها كل لحظة من حياتها. عندما دقت جرس الباب، شعرت بقلبها  يتسارع، مزيج من الفرح والخوف يسيطران عليها."عندما دخلت الغرفة ورأت ابنتها تلعب، تملكتها مشاعر مختلطة من السعادة والأسى. كانت الطفلة تضحك وتلعب بلا هموم، وكأنها لم تعرف غياب والدتها. اقتربت نورهان منها بحذر، واحتضنتها برفق، وهمست في أذنها: "أنا آسفة، حبيبتي. لم أقصد أن أتركك. كنت مجبرة."
كانت الكلمات تخرج منها بصعوبة، وكأن كل حرف يحمل وزر الذكريات الثقيلة. شعرت بأن كل لحظة تمر كانت فرصة لتصحيح ما حدث، لكنها كانت تعرف أن الوقت قد فات. بينما كانت تلاعب ابنتها، كانت عينيها تلمعان بالدموع، وقلبها  يتألم من الشعور بالذنب.
نورهان أدركت أن الحب الذي شعرت به تجاه ابنتها لم يتغير، وأنها ستبذل قصارى جهدها لتعويض ما فات. في تلك اللحظة، كانت تأمل أن تتفهم ابنتها يوماً ما سبب غيابها، وأن يكون بينهما مستقبل مليء بالحب والتواصل " و بعد زيارتهم نازلي الصغيرة، توجهنا إلى منزل صديقتها نورهان، وهي المرة الأولى التي تقوم فيها  إليزا بذلك بسبب القيود التي فرضتها جدتها، التي لم تكن تسمح لها بزيارة منازل الآخرين. على الرغم من أن نورهان كانت تزور إليزا بانتظام، إلا أن هذه الزيارة كانت لها طابع خاص " استقبلتهم والدة نورهان، السيدة لطيفة، عند الباب. كانت في طريقها إلى النادي، وتبادلت التحيات مع إليزا بحرارة، معبرة عن سعادتها بلقائها بعد أن سمعت الكثير عنها من نورهان.
 نورهان : مرحبًا يا أمي، هل أنتِ ذاهبة إلى المكان؟
والدتها : نعم، ذاهبة إلى النادي. على أي حال، إلى أين ذهبتِ؟
نورهان  : خرجتُ لأتمشى قليلاً، وانظري من أحضرت معي، صديقتي إليزا.
 إليزا : مرحبًا سيدتي. "شعرت بالتوتر، لكن حاولت أن تبدو واثقة
 السيدة لطيفة : ترحب بها بحفاوة " إذاً، أنتِ إليزا! أخيرًا التقينا. لقد سمعت عنكِ الكثير، لأن نورهان لا تتوقف عن الحديث عنك. كيف حالكِ؟ لقد سررتُ برؤيتك.
 إليزا : شكرًا سيدتي، وأنا أيضًا." شعرت بسعادة تغمرها، لكن عواطفها مختلطة بسبب فقدان جدتها "
 السيدة لطيفة : كيف حالكِ؟
 إليزا  : أنا بخير سيدتي، شكرًا على سؤالك.  " لكنها شعرت بشيء من الحزن في قلبها، عندما تذكرت جدتها. 
 السيدة لطيفة تحدثت  مع إليزا بلطف، معبرة عن تعاطفها بعد فقدان إليزا جدتها مؤخرًا، وأعربت عن حزنها لهذا الأمر 
قائلة سمعت أنكِ فقدتِ جدتكِ مؤخرًا، وأحزنني الأمر كثيرًا."
 إليزا  : أشكرك سيدتي، هذا لطفك. " شعرت بدمعة تكاد تخرج، لكنها تمالكت نفسها. 
 السيدة لطيفة  : حسنًا، أراكم لاحقًا.
 نورهان : جذبت إليزا من يدها إلى الداخل قائلة  حسنًا، أمي، أراك لاحقًا.
 إليزا : والدتك جميلة جدًا ولطيفة أيضًا."( شعرت بالراحة في الحديث عنها، وكأنها تبحث عن الأمان في تلك العائلة" 
 نورهان :  تنهدت قائلة " أجل، هذا صحيح." ثم أخذتها إلى غرفة الجلوس " وضعت إليزا حقيبة يدها جانبًا وجلست، قائلة: هل لي بكوب من القهوة؟ أشعر أن رأسي سينفجر لأنني لم أتناول قهوتي الصباحية اليوم .
 نورهان. :  وتوجهت  إلى المطبخ لتلبية طلبها " قائلة  أنا أيضًا بحاجة إلى كوب قهوة. 
 إليزا  :  جلست على الأريكة، تتأمل الصور المبعثرة على الطاولة أمامها. كانت الصور لأشخاص مختلفين، وكل صورة تحمل قصة خاصة. بينما كانت تقلب بين الصور، كان التلفاز يعمل في صمت، يعرض صور نفس الأشخاص الذين أمامها. رفعت جهاز التحكم عن الطاولة وزادت صوت التلفاز، إذ كان 
 سهم ، شقيق نورهان، يراجع بعض تسجيلات القضية التي يعمل عليها مؤخرًا. غادر المكان بسرعة بعد تلقيه اتصالًا من العمل، ناسيًا أن يطفئ التلفاز. "وكانت القضية التى يعمل عليها سهم تتعلق بمقتل نيرمين، الفتاة الثلاثينية التي قُتلت في ظروف غامضة قبل عشرة أيام من زفافها ، كانت نيرمين  كانت تستعد لحياتها الجديدة. في اليوم الذي قُتلت فيه، تلقت نيرمين اتصالًا من خطيبها، الذي أراد رؤيتها لشراء ما تبقى من مستلزمات العرس. كانت والدتها تجلس بجوارها عندما سمحت لها بالخروج. دخلت نيرمين غرفتها، أخذت حقيبتها وخرجت مسرعة. انتظر خطيبها في المطعم المعتاد ، ولكنه بدأ يشعر بالقلق عندما تأخرت عن موعدها. بعد ساعتين من الانتظار، اتصل بها، لكن هاتفها لم يُجب." زاد قلقه، فاتصل بوالدتها ليسأل عن مكانها. أخبرته أنها خرجت للقائه قبل ساعتين. ثم اتصل بنيرمين مرة أخرى، ولكن لم يكن هناك رد. تواصل مع جميع صديقاتها، لكن لم يرها أحد. وفي لحظة، جاءهم اتصال من المستشفى، حيث اكتشفوا الفاجعة: وجدت نيرمين مفارقة الحياة، وأثبت الطبيب الشرعي أنها قُتلت بطريقة مروعة أن  أحدهم دق عنقها وحطم قصبتها  الهوائية. 
وبدأ التحقيق مع جميع العائلة من ضمنهم خطيبها السابق جوزيف  الذي يعمل كمدرب لياقة بدنية ولديه نادي خاص به 
بينما كانت إليزا تتابع التفاصيل المروعة، دخلت نورهان تحمل صينية القهوة، وقدمت كوبًا لإليزا.  وجلست بجانبها، وابتسمت قائلة: "لا تأخذي الأمر على محمل الجد، أخي فوضوي ويترك الأشياء في كل مكان."
 إليزا  : ، وهي تتناول القهوة، نظرت إلى الصور وعبَّرت عن استغرابها: "ما كل هذا؟"
 نورهان :  أشارت  إلى الصور: "أعتقد أنها صور للأشخاص المتهمين في القضية التي يعمل عليها أخي."
 إليزا : سألت  بقلق " هل حُلَّت القضية؟".
 نورها "لا، يقول إنها معقدة جدًا." .
 قالت إليزا، مشاعر الحزن تسيطر عليها "هذا مؤسف." 
ثم أخرجت  قلمًا من حقيبتها ورسمت دائرة حول صورة خطيبها  ، ثم وضعت الصورة في مكانها، وسألت: "ما الموضوع الذي كنت تريدين إخباري به؟"
 نورهان بتردد. "أي موضوع؟"    
  إليزا : "عندما كنا عند المربية، قلت إن لديك شيئًا تريدين التحدث عنه."
نورهان  "انسِ الأمر، ليس موضوعًا مهمًا."  
إليزا "هل أنتِ متأكدة؟" .
نورهان بصوت متردد، : "أجل، أجل."
إليزا : "مهما كان، الموضوع يمكنك التحدث إلي." تعرفين ذلك 
نورهان " ترفق الصمت  قليلا شاردة  وأضافت في الحقيقة كنت أفكر فيما قلته لي. أنتِ محقة، هي لا ذنب لها وتستحق حياة طبيعية. لهذا، فكرت أن آخذها معي إلى بريطانيا."
 إليزا "حقًا؟" .
نورهان : "نعم."
إليزا :  "أعلم أن الأمر لن يكون سهلاً، لكن هذا هو القرار الصحيح. هل يعني أنك أجلت سفرك؟"
نورهان "لا." .
 قالت إليزا بقلق. "لكن قبل أن تقرري أخذها، عليك أن تتخلصي من السم الذي تأخذينه." 
 نورهان تنفست  بعمق" مرادفة "أنا لا أخذ أي سموم."
 إليزا "من الواضح أنك نسيت أنني طبيبة." .
نورهان "صدقيني، ليس لدي فكرة عما تتحدثين عنه."
 إليزا :  "لن تكذبي علي."
 تنهدت نورهان، مرادفة: "اعتني بها حتى عودتي."
 إليزا  : اطمئني " و لا تقلقي بشأنها.".
 نورهان : "عندما أعود، سأخبر أهلي الحقيقة." لكن قبل أن تكمل جملتها، سمعوا صوت سيارة  تتوقف في المرآب. نهضت نورهان بسرعة قائلة: "أحدهم قادم. دعينا نكمل الحديث لاحقًا."
  إليزا : وضعت كوب القهوة جانبًا ونهضت قائلة "في كل حال، يجب أن أعود إلى المنزل."
 نورهان : "سأتصل بك لاحقًا.".
 إليزا :  أخذت حقيبتها ونهضت، مرادفة: "إذا كنت تريدين بدء حياة جديدة، عليك أن تقلعي عن هذا السم."
 نورهان : بتصميم "قلت لك، لا أتناول شيئًا." 
إليزا : "توقفي قبل أن تدمري حياتك. مهما كانت مشاكلك، عليك مواجهتها وليس الهروب منها. ليس من أجلك فقط، بل من أجلها أيضًا."
 نورهان : "ليس لدي فكرة عما تتحدثين عنه." 
 إليزا: أنتِ تعرفين تمامًا عما أتحدث ، ونعلم جميعًا كيف ستنتهي هذه القصة إذا لم تتوقفي .
نورهان  :عانقتها برقة" اعتني بها جيدًا حتى أعود.
 إليزا: لا تقلقي، سأفعل. "رافقت نورهان إلى الباب وغادرت إليزا ، وعادت  إلى منزلها. 
" بدأت مشكلة نورهان مع الإدمان منذ تعرفها على صديقتها الجديدة في بريطانيا، ريهام، التي كانت دائمًا تأتي إلى الصالون. سرعان ما أصبحتا صديقتين حميمتين. في أحد الأيام كانت نورهان تشعر بصداع شديد، ولاحظت ريهام ذلك وأخرجت عبوة من حقيبتها تحتوي على أقراص دوائية، زعمت أنها مسكنات للصداع ومهدئة للأعصاب. أخذت نورهان العبوة وتناولت حبتين، وبعد قليل، شعرت بالتحسن. وبدأت تتناول الحبوب كلما شعرت بالصداع، حتى انتهت العبوة. اتصلت بريهام تسأل إن كان لديها المزيد، فأخبرتها ريهام أنه ليس لديها ولكن يمكنها الحصول عليها من قريبتها التي تعمل في صيدلية، لأن هذه الأقراص ممنوعة البيع إلا بوصفة طبية. لكن الحقيقة، لم تكن تلك الأقراص سوى نوع من المخدرات سريعة الإدمان، وعندما أدمنت عليها نورهان، فقدت السيطرة على نفسها، وبدأت تعاني من الهلوسة وكوابيس مزعجة. وبدأت تشتريها بمبالغ كبيرة.
_____
= سهم : عاد إلى المنزل بعد مغادرة إليزا، دخل وهو يتحدث في الهاتف. اتجه نحو غرفة الجلوس وفي يده ملف يحتوي على بعض الأوراق، ورمى الملف فوق الطاولة، ثم جلس على الأريكة وهو يتحدث. لاحظ التلفاز مثبتًا على صورة ابن عم المغدورة، جوزيف، وأخذ ينظر إليه لبرهة، ثم أنهى المكالمة ونهض يبحث عن صورته بين الصور. تفاجأ عندما وجد دائرة حول صورته مع عبارة تقول "هو يعرف". انتابه شعور بأن أحدهم يحاول إيصال رسالة له بينما كان يحدق في الصورة. دخلت المساعدة واقتربت منه قائلة:*
المساعدة : سيدي، هل ترغب في أن أحضر لك الغداء؟
 سهم : نظر إليها قائلاً:* لا، لقد تناولت الغداء مع صديقي. فقط احضري لي كوبًا من القهوة. *ثم أضاف متسائلاً:* هل جاء أحد هنا في غيابي؟
  المساعدة : لم يأتي أحد سوى صديقة نورهان، سيدي.
سهم :استفسر بفضول " صديقة نورهان؟
 المساعدة : نعم، سيدي، وغادرت قبل قليل.
 سهم : أخذ يحدق في الصور لبرهة، ثم خطف مفتاح سيارته من الطاولة وخرج مسرعًا، ركب سيارته وانطلق إلى النادي.
بعد دقائق، وصل إلى النادي حيث قابلته موظفة الاستقبال التي رحبت به، ظنًا منها أنه زبون جديد.
 موظفة الاستقبال : هل تحتاج إلى أي خدمة، سيد؟
 سهم : أريد مقابلة المدرب جوزيف إذا كان ممكنًا.
 موظفة الاستقبال : من أقول له؟
 سهم :  بلهجة حازمة " أخبريني أين هو وسأذهب إليه بنفسي.
 موظفة الاستقبال : أشارت إلى الصالة التدريبية قائلة" إنه داخل.
سهم  : اندفع نحو الصالة التدريبية قائلاً " شكرًا. ثم دخل محييًا.
 جوزيف : كان يقوم بتدريب سيدة، وبدت عليه علامات التوتر والارتباك عندما رآه سهم.
سهم : اقترب منه وبادله السلام قائلاً " آسف على مجيئي دون موعد، هل يمكنني التحدث إليك قليلاً؟
 جوزيف : بصوت مضطرب " أجل، أجل، ولكن امنحني دقيقة.
 سهم : حسنًا " كما تريد.
 جوزيف : أضاف بقلق" لكن ماذا هناك؟ هل كل شيء على ما يرام؟
سهم : أريد أن أطرح عليك بعض الأسئلة فقط ، بخصوص خطيبتك السابعة نرمين. 
 جوزيف : أومأ برأسه" انتظرني في صالة الاستقبال، سألحَق بك بعد قليل.
 سهم : عاد  إلى صالة الاستقبال وجلس ينتظره، يتصفح بعض المجلات. في هذه الأثناء، دخل جوزيف إلى مكتبه بسرعة، فتح الخزانة، وأخذ النقود وجواز سفره، وضعه في حقيبة صغيرة، ثم تسلل من الباب الخلفي ونزل إلى المرآب. موظفة الاستقبال شاهدته يخرج من المرآب من خلال كاميرا المراقبة في شاشة امامها ، ونظرت إلى سهم وقالت متسائلة  هل السيد جوزيف يعلم أنك تنتظره هنا؟
سهم : وضع المجلة جانبًا قائلاً " نعم، وهو من طلب مني الانتظار هنا.
 موظفة الاستقبال :لكنه غادر للتو.
 سهم : صُدم وانهض سريعًا: " ماذا؟" شعر أنه يحاول الهروب، فخرج مسرعًا نحو سيارته وانطلق خلفه.
بعد ساعة، تمكنت السلطات من القبض عليه أمام شقته وهو يحاول الهروب خارج البلاد. وبعد التحقيق، اعترف بفعلته، أنه استأجر قاتلاً مأجورًا للتخلص منها. برر فعلته بالانتقام لما فعلته به، لأنها خدعته وكذب عليه، وأوهمته أنها تحبه حتى تحصل على كل ما تريد، ثم تركته وفسخت الخطبة عندما وجدت من هو أغنى منه. وبعد عدة جلسات في المحكمة، حُكم عليه بالمؤبد.
__________
وتمت محاكمة سلطان أيضا "  كان السيد نايف يقف في صمتٍ قاتم، يراقب ابنه سلطان وهو يُقتاد إلى السجن. تملّكه شعورٌ مرير، إذ كانت المحاكمة قد أُجريت بعد أسبوعٍ من التحقيقات المتواصلة، ليتبين أن السلاح الذي استُخدم في الجريمة كان سلاح المجني عليه، وأن ما حدث لم يكن إلا دفاعًا عن النفس. لكن ذلك لم يُخفف من وطأة الألم الذي يشعر به.
حرص السيد نايف على أن تُجرى محاكمة ابنه في سرية تامة، خوفًا عليه من أعدائه الذين قد يستغلون أي فرصة للانتقام. ومع أول جلسة سرية، أصدرت المحكمة حكمها القاسي: سنة من السجن وغرامة مالية، أو بالأحرى فدية لأهل القتيل. لم يكن أحدٌ يعلم بدخول سلطان السجن، حتى زوجته التي اختارت مغادرة منزل الزوجية والعودة إلى أهلها، تاركةً خلفها ذكريات مؤلمة.
**
بينما كان سلطان يقضي فترة سجنه، اتخذ قرارًا مؤلمًا بإنهاء زواجه. طلق زوجته عبر محاميه، وأرسل لها ورقة الطلاق إلى منزلها، وكأنما يقطع آخر خيوط الأمل. داخل السجن عمل كطبيب، مُحاولًا أن يجد طمأنينة في مساعدة الآخرين، لكن الجميع كانوا يعتقدون أن سبب اختفائه هو الاكتئاب الذي ألمّ به بعد وفاة أقرب أصدقائه أثناء إجراء عملية جراحية له. لكن الحقيقة كانت أكثر قسوة؛ فقد كان يعاني من صراعٍ داخلي أعمق، بعيدًا عن أنظار الجميع.
كل يوم كان يمر كالعمر، وكل لحظة كانت تذكره بأن الحياة ليست كما كانت، وأنه لا يزال أسيرًا لأحزانه التي لا تنتهي.
في زوايا السجن المظلمة، وجد سلطان نفسه محاصرًا بين جدران لا تترك له مجالًا للفرار. كان يشعر بالعزلة، حيث غابت أصوات الأصدقاء وأحضان العائلة، تاركةً فراغًا عميقًا في قلبه. كل يوم كان يتنفس فيه هواءً ثقيلًا، محاطًا بظروف قاسية تحدّ من حريته ،" والأفكار المتضاربة كانت تلاحقه، تلك التي تعود به إلى ماضيه، حيث تلاقت أحلامه مع الواقع المرير. في خضم هذا الصراع، كان يتعين عليه التعامل مع الآخرين، محاولًا الحفاظ على هدوئه في بيئة قد تكون عدائية . ومع كل هذه التحديات، كان يشتاق بشغف إلى محبوبته الاليز، التي تمثل له أكثر من مجرد امرأة؛ فهي وطنه وملاذه. تتجلى ذكرياته معها في كل لحظة، حيث يتمنى لو يستطيع رؤيتها لمرة واحدة فقط، لمسة واحدة تشبع شغفه وحنينه.
سلطان ليس مجرد سجين، بل هو قلب محاصر بأمل الخروج من هذا الظلام ليعود إلى النور، حيث تنتظره الاليز. كل يوم يمر عليه كالعمر، وهو يتخيل كيف سيكون اللقاء، كيف سيجمعهما الحب بعد الفراق الطويل. رغم تجاربه السابقة، لم يكن أي حب آخر يعادل ما يشعر به نحو الاليز. هي الوحيدة التي أحبها بصدق، وبدونها يشعر كأنه فقد جزءًا من روحه.

رغم الصعوبات، يظل سلطان قويًا وعازمًا على البقاء على قيد الحياة. يكتب لها رسائل في خياله، ويخطط ليوم لقائهما مجددًا. حب الاليز يمنحه القوة لمواجهة الحياة،  و يشتعل في داخله، ينير له الطريق وسط الظلام الدامس، ويذكره بأن هناك شيئًا يستحق الانتظار. "هكذا، استمر سلطان في مقاومة الصعوبات، حيث أصبحت ذكرياته وقيمه دافعًا له للتغلب على كل ما يواجهه، في انتظار اليوم الذي سيجمعه ثانيةً مع حب حياته." 

هذا الشغف العميق يملأه بالقوة، ويجعله يتحدى قسوة السجن، إذ يظل يحلم باللحظة التي سيستطيع  فيها أن يصنع من حبه واقعًا، وأن يحتضن الاليز كما لطالما تمنى.
تعليقات



<>