
رواية عزبة الدموع الفصل التاسع بقلم داليا السيد
فضيحة
مر يومان لم تراه عرفت أنه بالإسكندرية ربما شعرت بالراحة لبعده وبالطبع عرفت من سالم أنه وقع العقود كما أراد، لم تغضب لذلك وإنما ما أغضبها أنها عرفت أن أميرة ذهبت معه ولم تعرف سبب ذلك الغضب ...
طلبت من عم صابر أن يذهب معها إلى الأرض الجديدة لدراستها جيدا ورحب بالفكرة وبالفعل حصلت على الصور التي أرادتها واستفادت من خبرة الرجل في اختبار نوعية الأرض ولكنها احتاجت إلى أدوات كثيرة أكيد ستطلبها منه عندما يعود
أخيرا قررا العودة وقت الغروب وأثناء عودتها مع صابر نظر إليها وهي تتحدث معه وقال "الحماس الذي تتحدثين به يعجبني وأتمنى أن يوفقك الله في مشروعك"
ابتسمت وقالت "وأنا أيضا أتمنى ذلك، أتعلم أنه أول عمل لي عندما كنت بالكلية ساعدت بعض الزملاء في مشاريع التخرج الخاصة بهم صحيح أنني لم أكن أراهم كثيرا ولكن عندما كنت أراهم كنت أفعل، كنت أحلم بأن أكون مهندسة ناجحة وأنزل لأرض العمل ولا يوقفني شيء وها هي الفرصة تأتيني هل تظن أني سأنجح؟ أشعر أني لن أستطيع وأن الأمر أكبر مني"
ابتسم وقال "لا تخشين شيء أنتِ ستفعلينها أنا أعلم ذلك"
ابتسمت وكانا قد وصلا، رأت سيارته ولا تعلم لماذا دق قلبها وشعرت بسعادة، عندما رحل شعرت بالراحة والآن تشعر أيضا بالراحة، ما هذا التناقض الغريب؟
قال صابر "آدم عاد" لم ترد
دخلت حيث كانت النساء تجلس ولا وجود له اتجهت أميرة إليها وقالت "أهلا يا فتاة ليتكِ كنتِ معنا لن أخبركِ كم استمتعت أنا وآدم جدا لم يتوانى لحظة عن إسعادي، هكذا هو دائما يفعل ما يسعدني"
قالت بثبات يخفي النيران التي تشتعل داخلها "حقا؟ وأنا سعيدة أنه أسعدك ولكن أظن أن ذلك ليس من شأني أليس كذلك؟ أنتم عائلة واحدة وأموركم لا تخصني"
ضحكت أميرة بصوت مرتفع وقالت "آه حقا فأنا نسيت أنكِ مجرد ضيفة وسترحلين قريبا"
نظرت إليها، هل حقا أخبرها بذلك؟ بالتأكيد فهذه كانت رغبته، لم تشعرها بما في داخلها وقالت بهدوء يتناقض مع نار غضبها "حقا! أنا سعيدة أن رحيلي سيكون قريبا حتى أشعر بالراحة أكثر"
تحركت من أمامها ولكن صوته أوقفها "آنسة رنين أريدك من فضلك"
كان يقف على باب مكتبه فنظرت لأميرة التي تابعتها بنظرات غاضبة فلم تهتم والتفتت إليه وقالت "سأغير ملابسي أولا"
دقت باب مكتبه فأذن دخلت وأغلقت، كان يقف أمام النافذة يتحدث بالهاتف أنهى حديثه بعد دخولها ثم نظر إليها فقالت "أردتني؟"
أشار إليها وقال "نعم تفضلي"
قالت وهي تجلس "وأنا أيضا أريدك"
أشعل سيجارته وقال وهو ينظر بعيونها التي ما زالت تجذبه "حقا! ترى في ماذا؟"
أبعدت عيونها عنه ربما توقف تلك الدقات التي تهتز داخل صدرها، نظرت لأصابعها وقالت "كنت أريد أن أتحدث معك عن المزرعة والمشروع"
ضاقت عيونه وقال "وهو ما أردتك من أجله، ربما أخبرك المحامي بما تم لذا أرى أن نبدأ هل بدأتي بدراسة الموضوع؟"
قالت وهي تمنحه ملف بيدها "نعم، هذه دراسة عن المشروع ومتطلباته ولكني أحتاج لأشياء كثيرة" امسك الأوراق وبدء مناقشتها معها
مر الوقت إلى أن انتهيا فقال "حسنا أعلم أن الأمر ليس بالسهل من الغد سنبدء، علينا بتحديد مكان المزرعة قبل أي شيء ثم سأرسل في إحضار المعدات والأدوات"
أشارت للأوراق وقالت "بالتقرير شيك موقع مني بالمبلغ الذي أخبرني به عمو سالم لحامله"
اطفأ سيجارته وقام فقالت وهي تقف أيضا "طلب آخر"
وقف أمامها فقالت "بيتي، ألم ينتهي بعد؟ أريد أن أعود لبيتي حتى ولو ضايقك الأمر ولكن أنا أريد ذلك لا أشعر بالراحة هنا"
ابتعدت من أمامه فقال محاولا ألا يغضب "هل يمكنني أن أعرف سبب عدم الراحة ؟"
لم تنظر إليه وقالت "لا أبدا ولكن أنتم عائلة واحدة وأنا أشعر أني دخيلة عليكم، لا أريد أن أكون كذلك ثم كلام الناس وربما أولهم اميرة وأمها، عليك أن تتفهم ووضعيأنا غريبة"
أمسكها من ذراعها وأعادها أمامه ونظر بعيونها التي زاغت بين عيونه القاتمة التي لا تخبر عما بداخل صاحبها، تاهت وضاعت ونست نفسها وهي تنظر إليه
قال وكأنه يعيدها من بحر التوهان "هل الأمر له علاقة بآسر؟ هل طلب منكِ ذلك؟"
ضاقت عيونها وهي تتساءل من أين عرف آسر؟ وما علاقته بالأمر؟ قالت بدهشة "آسر! وما دخله بابالأمرإنه قراري أنا ثم ماذا تعرف أنت عن آسر؟"
ابتعد من أمامها وقال "أعرف أنه صديق عمرك أليس كذلك؟ وربما بينكما قصة حب هكذا قال سالم"
اندهشت من كلمات سالم ولكنها لا تعلم لماذا لم تنكر الكلام ربما لأنه لا دخل له بحياتها أو ربما لأن بحياته امرأة فبالتأكيد بحياتها رجل وربما تريد أن تغضبه، لا تعلم .
قالت بهدوء غريب "هذا أمر يخصني ولا أعتقد أنه يهمك في شيء أو يضايقك"
التفت إليها والجنون كاد يأخذه ويجعله يرد بتهور ولكنه عاد وابتعد ليشعل سيجارة أخرى وهو يدرك أن بحياتها رجل آخر فهي لم تنكر ولكنها أيضا لم تؤكد الأمر
استعاد نفسه وقال "لا، هي حياتك وأنا حريص على راحتك واحترام خصوصيتك ولكن اعرفي أن لا أحد يمكنه أن يتحدث بأي كلمة عليكِ لأن الجميع يعلم من أنا ومن أنتِ فلا تهتمي بأميرة وأمها أنا أعرفها جيدا بل الجميع يعرفها ولن يصدقها أحد أيا كان، أرجو أن تستعدي في الصباح لنذهب للأرض كما اتفقنا"
هزت رأسها ثم خرجت بدون أن تقول كلمةأاخرى بينما تابعها بعيونه ولا يعلم بماذا يشعر ...
في الصباح تناولوا الإفطار جميعا وضاقت من تصرفات أميرة المستفزة وكلامها الذي حاولت به أن توحي به لها أن علاقتها به ما زالت قائمة
كانت العربة بالحصان بانتظارهم فانطلق بها في صمت وهناك عادا إلى الحديث ولكن في إطار العمل لقد أوحت إليه أن بحياتها رجلا آخر لذا قرر أن يتراجع ويقتصر في معاملته معها على العمل ولكن ترى هل سينجح الأمر؟
لم تراه كثيرا بعد ذلك اليوم لأن كلا منهما انشغل بالعمل فقد بدأت العمال تصل والأدوات وبدأت تتعامل وتحدد أماكن مساكن الدواجن ومخازن العلف وأماكن الحضانات ومصدر المياه والاتفاق على أماكن انتاج الأعلاف بدلا من شرائها لتوفير مصاريف شرائها وضمان جودتها وبالطبع كانت تتصل به بالهاتف لمناقشة طلباتها وكان يلبيها دون جدال وعينت ناظرا للعمال ليكون متابعا لعمال البناء ولازمها عم صابر بناء على طلبه وربما استعانت بآسر عن طريق النت وكم كان متعاونا وكم اشتاقت إليه ..
واندمج هو الآخر فى استصلاح الجزء الآخر من الأرض وكم كان هيثم متعاونا جدا معه كالعادة فرغم خلافهم السابق إلا أنهم تناسوه لأن آدم يحبه ولا يستغنى عنه وكذلك هيثم، منذ الجامعة وهم أصدقاء وحتى الآن ...
بينما لم يفكر آدم أن يتحدث معها في شيء ولم تتوان إميرة عن اقتناس أي فرصة للتقرب منه ولكن الغريب إنه لم يعد أصلا يقبل قربها أو نظراتها أو حتى يفكر بها وإنما صاحبة العيون البنفسجية الغاضبة الدامعة هي من أسرته وأخذت كل تفكيره ومع ذلك كان حريصا لأنه لا يعلم ما الذي كان يدور داخله أو داخلها؟
مرت الأيام سريعة وبدت معالم المزرعة تتضح وانشغل كلا منهما بعمله وربما كان الاثنان يهربان من مواجهة بعض ولكن هو لم يعد يريد أن يستسلم فها هي تقيم بالعزبة ولم يظهر ذلك الآسر لربما لم يكن بينهما شيء، لا يعلم لماذا يدفعه قلبه إليها
"تمام إستاذ محمود أظن أن الحضانات ستكون أفضل هنا فالتهوية من هذه الجهة أفضل وهناك يمكن إنشاء نظام التخلص من النفايات لا أريده بجانب الأرض الزراعية أنت تفهم طبعا"
هز محمود رأسه وابتسم، كان الرجل متعاونا وهو المسؤول عن سير العمل بعدها قال "نعم سننتهي من المساكن ثم نبدء بالحضانات لن يمكننا العمل بالاثنان سنتكلف عمالة وأجور أكثر"
قالت بجدية "ولكننا سنوفر وقت لأن العمل سينتهي في وقت واحد"
نظرات محمود جعلتها تنتبه للقادم من خلفها فالتفتت لتراه يتقدم نحوها، لا تعلم لماذا ارتعشت يداها لحظة لرؤيته ولكنها تماسكت وهو يتقدم ويقول "أرى أن العمل يسير على خير حال"
قال محمود "الباش مهندسة لا ترحم ولا تضيع وقت"
نظر إليها ولكن الكاب أخفى عيونها فقال "لأنها تعلم أن ضياع الوقت سيكلفنا الكثير"
قال محمود "هي تقول ذلك بالفعل"
سأل آدم "متى ستنتهي المرحلة الأولى؟"
نظرت هي إليه وقد زادت سمرة بشرته وغطى الكاب شعره مثلها وقالت "اسبوعين على الأقل الجو حار جدا ولا يساعد على الاسراع بالعمل فهو مجهد للعمال"
نادى أحدهم على محمود فاستأذن بينما تحركت فتحرك معها فقالت "من الجيد أنك أتيت لأريك شيء"
قال باهتمام "ماذا؟"
أشارت له لم أرادت أن يرى وتناقشت معه في العمل إلى أن انتهت فقال وقد وصلا إلى المظلة التي تبقى فيها للراحة، جلسا فقال
"حسنا سأنتهي من الأمر بنفسي، ما رأيك غدا اجازة ربما تفضلين بعض التغيير"
نظرت إليه وقالت "لا أفهم"
مال عليها وقال "أنا ذاهب للإسكندرية فما رأيك أن تأتي معي ربما تغيرين جو العمل، لكِ وقت طويل لم ترتاحي"
ظلت تنظر له وقالت "ولماذا أنا؟ ألن تأتي معك أميرة؟ أظن أنكم تستمتعون سويا"
تراجع وقال بدهشة "أميرة! لا أنا لم أفكر بها فقد كانت مرة من أجل المحامي ولم تتكرر، والآن هل تفعلي أم أن لديكِ خطط أخرى؟"
لم تبعد عيونها عنه قبل أن ترد "لا ليس لدي أي خطط ولكن ربما أنت لست بحاجة لمن تخشى من تهورها وعدم مسؤوليتها"
أدار رأسه بعيدا للحظة ثم عاد إليها وقال "هل نتوقف عن ذلك؟ أنا أعرض هدنة فما رأيك؟"
فكرت، ماذا ستخسر لو فعلت؟ وأخيرا قالت "حسنا"
ابتسم وكم كان جذابا بتلك الابتسامة التي نادرا ما تراها، نهض وقال "سنرحل مع الفجر لا تتأخري هنا لترتاحي قبل أن نذهب لا أريد أن أحملك لهناك"
ضحكت وقالت "اطمئن سأحاول أن أتماسك حتى لا تفعل"
لم تذهب ابتسامته وقد أرضاه ما حصل عليه ولن يفكر في آسر على الأقل في الوقت الحالي فتحرك مبتعدا وهي تتبعه بعيونها ربما كان ذلك بداية لشيء جديد بينهم غير الغضب ..
عندما عادت كان ما زال الوقت مبكرا لم تر أحد بالفيلا واندهشت من ذلك ولكنها لم تهتم وتحركت لتصعد لولا أن سمعت همهمة من مكتبه فتراجعت ودقات قلبها تحاول أن تثنيها عن التقدم، كان باب المكتب نصف مغلق وكأنه مقصود وعندما اقتربت سمعت صوت أميرة
"حقا يا آدم أنا لا أصدق، أخيرا أصبح الحلم قريب بفضلك حبيبي"
وخزة شعرت بها في قلبها من الكلمة ولا تعلم لماذا لم تتوقف وهي تتقدم حتى توقفت أمام الباب وهي تراهم متواجهين وأميرة تقترب منه
فقال "المحامي يري عمله جيدا وأنتِ لديكِ دافع قوي للطلاق"
أحاطت عنقه بيديها واقتربت منه حد الالتصاق وقالت "نعم دوافع يا آدم، أولها أنت حبيبي"
ثم ألقت نفسها بين أحضانه، كاد يبعدها عندما تحركت عيونه تجاه الباب لتلتقي عيونه بعيونها..
ما أن التقت عيونه بها حتى استدارت بغضب وألم وتحركت إلى الأعلى لتدخل غرفتها وقبل أن تغلق بابها رأته أمامها وهو يتنفس بسرعة تدل على سرعته في تتبعها، نظرت إليه بغضب فابتعدت وتراجعت إلى الداخل وقد شعرت أن وجهها اصطبغ بالون الأحمر من شدة حرارة جسدها وهي تحاول أن تمنع الدموع حتى لا ينكشف ما بداخلها الذي لا تعلم ما هو أصلا، ثم إنها حياته
دخل وراءها وأمسكها من ذراعها وأعادها أمامه وقال بحزم "ماذا فهمتِ؟"
لم تفر من عيونه وهي تبعد ذراعها عنه ثم قالت "ماذا تظن؟"
نفخ بغضب وقال "ليس بيننا أي شيء"
أبعدت وجهها وقالت "وما شأني أنا، إنها حياتك"
اقترب حتى وصل لعيونها بعيونه وقال "حقا؟"
أبعدت عيونها عنه ولم ترد فقال "إنها ابنة عمتي وأنا أساعدها للحصول على الطلاق"
قالت بضعف "طبعا أخبرتك مسبقا أنكم عائلة واحدة وليس من شأني ما يدور بينكم"
قال بإصرار "ليس صحيح ليس هناك ما يخصنا دون أن تعرفيه"
رفعت عيونها له وقالت "لماذا تبرر لي؟ إنه لا يعنيني، أنت حر بحياتك"
ابتعد وقال "لأنها الحقيقة حتى لو لم تصدقيها"
لانت نبرتها فهو ليس مجبر على التصريح فقالت "وهل يهمك أن أصدق؟"
عاد إليها واقترب وقال "ربما، رنين صدقيني ليس بيننا أي شيء لقد انتهت من حياتي منذ أن تزوجت من رجل آخر"
أسعدتها كلماته وتعلقت عيونها به وهو يقترب ولم تبتعد وأصابعه تتحرك برقة فوق وجنتها ولا تعلم كيف لا تبتعد كيف لا تتحرك قدماها بعيدا؟
وهو ازداد قربا ويده تتسلل إلى شعرها وعيناه تتأمل وجهها ثم تثبت على شفتيها كيف لا تبعد يده عنها؟ زاد قربه ولم تقاومه وهو يجذبها وكأنها مخدرة إلى أن شعرت بشفتيه تلمس شفتيها
ولكن قبل أن يكمل انتفض الاثنان على صوت أميرة الغاضب