رواية كبرياء رجل الفصل السابع7 بقلم داليا السيد


 رواية كبرياء رجل الفصل السابع7 بقلم داليا السيد
شبح
شعرت أسيل بوخزة في صدرها وتسارعت دقات قلبها أكثر وأكثر، كانت تعلم أنها ستواجه تلك المرأة بيوم ما إلا أنها لم تكن تعلم أن المواجهة ستكون بهذه الصعوبة.. والخوف
سمعت بدر يقول "لا دخل لك بها سلمى وأخبريني ما الذي أحضرك هنا؟"
لم تبتعد سلمى من أمامها ولا تلك الابتسامة الصفراء التي علت شفتيها الحمراء ولكنها ظلت تتجول بعيونها على وجه أسيل وقالت "جئت أبحث عن زوجي ولم أعرف أنه يقضي وقت ممتع مع واحدة من هؤلاء الفتيات" 
جف حلق أسيل والإهانة تندفع لقلبها ويستوعبها عقلها ولم تتحرك وبدر يجذب زوجته من ذراعها بقوة ليعيدها إليه بعيدا عنها وهو ينظر بعيون الأخرى بنظرة حادة قلما تصدر منه وقال بصوت حاد كالسيف "أخبرتك ألا دخل لك بها ألا تفهمين؟" 
كلماته تعني أنهم سبق وتجادلا بسببها من قبل، قالت سلمى بعناد واضح "لا، لا أفهم إلا أنني أرى تلك الفتاة التي قال عنها الجميع أنها عشيقتك وهنا ببيتك وأنت معها بهذا الوقت من الليل فماذا تظن أنني سأفعل؟ أتركها وأرحل؟ لا، بالطبع لن أفعل" 
كل هذا وهي لا تعرف ماذا تفعل أو تقول، هل ترد؟ ولكن بدر شد بقوة على ذراع زوجته وهو يقربها منه أكثر ويطلق نظراته النارية إليها ويقول بصوت كحفيف الأفاعي "كلمة أخرى وسأقطع لسانك هذا وتعلمين أني لا أهدد، حياتي وتصرفاتي لا دخل لك بهم ولو رأيتك هنا مرة أخرى فلن أرحمك ولن يهمني شيء"
تراجعت أسيل من تعامله معها بينما تألمت سلمى من يده بعد أن تركها وحدقت بأسيل لحظة قبل أن تقول "لن أتركك، هل تفهمين؟ لا يسلم من يقف بطريقي أو يفكر بزوجي، نحن لم ننتهي بدر ما زلت زوجي وسأصارع للنهاية للحفاظ عليك"
واستدارت خارجة وهي تطلق هدفها الواضح بوجه أسيل، هي لن تتركها ولن تترك زوجها وهذا حقها
كانت ترتجف وهي بمكانها وكأنها لا تعي بما حدث أو كيف حدث؟ شعرت بيده على ذراعها فانتفضت بفزع فتراجع وقال "ماذا أسيل!؟ إنه أنا" 
أسرعت الدموع إلى عيونها فاستدارت إلى الداخل دون أن تهتم به ولكنه تبعها إلى الداخل وقال "أعلم أن ما حدث لم يكن صحيح ولكن سلمى" 
التفتت إليه ولملمت شتات نفسها وأوقفت غضبها الذي لا حق لها به وواجهته بوجه ممتزج بالدموع وهي تقول "بدر من فضلك كفى" 
تراجع من نظراتها قبل أن يهز رأسه وقد أدرك أن لا مجال للحديث الآن فقال "تمام" 
ثم التفت وذهب وقد اندفعت الدموع إليها كالشلال من فوق الربوة المرتفعة ليتساقط ماؤه مغرقا الأرض من تحته وسقطت هي على المقعد المجاور وقدمها لم تعد تحمل هذا القدر من الإهانات والألم الذين أصابوها
****
عندما وصل إلى البيت كانت سلمى قد سبقته ولكنها كانت بانتظاره والغضب يظهر بعيونها فالأمر لم ولن ينتهي
واجهته وهو يدخل ولم تنتظر حتى أن يلتقط أنفاسه وهي تندفع قائلة "أخيرا تركت عشيقتك وتذكرت بيتك" 
ولم تكمل لأن يده التي صفعتها بقوة على وجهها أوقفت الكلمات على شفتيها ودفعتها بقوة حتى كادت توقعها أرضا وسمعته يقول بغضب واضح "كلمة أخرى عنها ولا أعلم ماذا سأفعل بك"
تحولت نظراتها إلى حقد وكره وهي تضع يدها على وجهها وقالت "تضربني من أجلها؟ لماذا؟ ماذا تمثل تلك الفتاة بالنسبة لك أجبني؟" 
لم يبتعد من أمامها وهو يقول بلا هدوء "أنتِ بالذات لن أجيبك على أي سؤال لأن حياتي لا تعنيك ولكنك لا تفهمين كلامي أبدا ولا تستسلمي"
قالت بنفس الغضب "لأن هذا حقي أنا زوجتك و" 
ابتعد وقال وهو يستعيد هدوئه رغما عنه "نعم زوجتي!؟ هل تسمعين نفسك؟ أنا وأنت والجميع يعلم سبب هذا الزواج ونعلم أيضا حقيقته فلا داع للكذب على الآخرين واخرجيني من رأسك هذا سلمى هل تسمعيني؟ أخرجيني من حياتك كلها كما أخرجك أنا من عقلي وتفكيري وإلا أقسم أن أخرجك من حياتي كلها ولن أتراجع هذه المرة يا سلمى ولن أهتم بأي شيء" 
كلماته كانت حادة، جادة وتحمل تهديد واضح جعلها تفكر قليلا قبل أن تقترب منه وتجيب ببرود "وقتها سآخذ الأولاد بدر، سآخذهم وأرحل ولن تراهم مرة أخرى"
التفت إليها بحدة دون أن يفقد هدوءه مرة أخرى وقال "تعلمين أنه لن يكون، لن يكون بإمكانك أن تفعلي الآن، ليس بعد تلك الحادث التي جعلتك غير أمينة عليهم والأولاد نفسها لا ترغب بوجودك أصلا، الآن أنا الذي أخبرك أنك إن لم تعودي لصوابك وتعيشي من أجل أولادك وتبعديني عن عقلك سأرميك خارج هذا البيت ولن تشاهدي طرف واحد منهما" 
تراجعت سلمى وتبدلت ملامحها وكأنها تبدل فستانها وهي تقول بدلال هو يعلم زيفه جيدا "بدر أنت تعلم أني أحبك فلماذا تفعل معي ذلك؟"
تلاشى وجهه خلف دخان سيجارته التي أشعلها ونفخ دخانها ليكتسب بعض الهدوء من جديد وقال "لأنك تعلمين أني لم أحبك بأي يوم وأكره خيانتك لأخي وما كنت تفعليه معه وكل ما تفعليه الآن"
قالت بحزن "لم تحبني رغم صدق مشاعري ولكن هي تعجبك أليس كذلك؟ عرفتها بمصر وأتيت بها هنا لتكون معك ببيتك المفضل لتمضي معها لياليك بدلا من الوحدة التي تحيا بها"
ابتعد ولم يرد فتجاوزت بحدة "هل نمت معها؟" 
التفت لها بحدة واستنكار وعيونه تكاد تلتهمها بمكانها أو حتى تحرقها لرماد بلا ندم فأخفضت وجهها وقالت "آسفة، نسيت أن بدر المسيري لا يتجاوز الأصول ولا يرتكب الخطايا، إذن هل تزوجتها؟"
لم يرد فاقتربت منه وقالت وهي تستعيد الهدوء "لن يمكنني أن أتحمل زواجك بدر، فلا تفعل بي ذلك وابعد تلك الفتاة من حياتك لأني لن أقف صامتة وهي تأخذك مني"
فقال بنفس هدوئها "لا دخل لك بحياتي سلمى ولا بمن بها فأنا لم ولن أكن لك بأي يوم، كفي عن الأوهام التي برأسك هذه وعيشي حياتك مع أولادك بعيدا عني كما اعتدنا أن نفعل بالسنوات الماضية لأني لن أمنحك سواها" 
حدقت به بصمت ثم تركها هو وذهب إلى غرفته وقد تملكه الصداع بقوة لا منافس لها
****
استلقت بالفراش وقد جافاها النوم بعد كل ما صار بذلك اليوم ولا تعلم ما سبب ذلك الخوف الذي سكن قلبها بسبب تلك المرأة التي بدت غير مريحة أما بدر فكان الحلم الذي تعلم أنه خطأ ولن يكون حقيقة، وجودها بحياته هو الخطأ الأكبر ومع ذلك هو يصر على وجودها معه ويدبر أمورها دون حتى أن يأخذ رأيها وهي تقاومه دون فائدة لأنها تعلم أن حبها له يضعفها ويجعلها تستمتع بقربه، ليتها ما بدأت تلك الحكاية من الأصل فهي السبب ولا تلوم إلا نفسها
مرت أيام الأسبوع هادئة لم تراه ولكنه لم يكف عن الاتصال بها ولو فقط لسماع صوتها لانشغاله هو الآخر ولكن لم يتجرأ أحد منهما على ذكر سلمى أو فتح الحديث عنها واستسلمت لحياتها الجديدة بوجوده حولها بكل خطوة رغم أنها لم تعرف ماذا يمكن أن تكون النهاية؟ 
اندمجت بالعمل بالشركة ربما بالعمل تداوي مشاكلها وبالفعل لم تعد تشعر بالوقت إلا بالمساء عندما تدخل المنزل منهكة غير قادرة على التفكير بأي شيء فتسقط بالنوم، حتى جاء آخر يوم بالأسبوع دق باب مكتبها ودخلت السكرتيرة وقالت 
"لقد رحل الجميع أسيل" 
رفعت وجهها عن الأوراق ونظرت إلى ساعتها فكانت الثامنة فقالت "حسنا يمكنك الذهاب أنا أيضا ذاهبة" 
خرجت الفتاة بينما لملمت هي أوراقها وأخذت هاتفها، كادت تتحرك عندما انطفأت الأضواء فجأة وساد الظلام بالمكان فتراجعت في خوف من الظلام الذي أحاط بها، ارتبكت لحظة قبل أن تضيء كشاف هاتفها وهي تحاول أن ترى طريقها إلى الخارج، مبنى كهذا لا يمكن أن تنقطع عنه الأنوار وحتى لو لابد أن تعمل أنوار الطوارئ ولكنها لم تفعل
تحركت ببطء شديد وهي تدرك أن الجميع رحل وهي بمفردها فزاد خوفها، كادت تتراجع وتتصل ببدر ولكنها لن تنتظره وربما لا يرد لانشغاله فعادت تتحرك إلى الباب ولكن فجأة سمعت شيء يتهاوى على الأرض بقوة مصدرا صوتا قويا فصرخت من الفزع وهي تلتفت لترى من أين يأتي الصوت ولكنها لم ترى شيء 
زادت دقات قلبها من الخوف وهي تلف حول نفسها إلى أن تكرر الصوت مرة أخرى فصرخت بفزع، وفجأة شعرت بيد تلمس شعرها فصرخت بهلع مما يحدث وهي تتراجع بخطى غير ثابتة لترى ماذا خلفها ولكنها لم تجد شيء، جالت عيونها الفزعة بالكشاف بأرجاء المكتب ولكنها لم ترى أي شيء وبصعوبة قالت بصوت مرتعش 
"من هنا؟ من أنت؟"
وفجأة سمعت ضحكة رجولية خشنة مخيفة بعض الشيء وصوت ينادي باسمها بطريقة بطيئة زادت من مخاوفها، اقتربت بلا وعي من الباب وهي تشعر بقبضة الباب الباردة تلمس أصابعها فقبضت عليها بلا تفكير لتفتحه بارتباك من خوفها ودعت أن ينفتح وبالفعل انفتح فأسرعت إلى الخارج وهي تصطدم بالمكاتب من حولها وتلك الضحكة الهادئة واسمها يتردد من حولها
بالطبع المصعد لم يكن يعمل فأسرعت للدرجات ونزلت على ضوء الكشاف وهي تخشى من ان يفاجئها شيء مخيف ولكنها أخيرا وصلت للأسفل ولم تجد رجل الأمن وكأنه تبخر فأسرعت حتى خرجت خارج الشركة ونظرت للخلف فرأت الأضواء تعود وكأنها لم تذهب من الأساس فجمدت مكانها وهي لا تفهم ما حدث بينما الحركة بالخارج كانت عادية ولا شيء يدعو للتفكير 
أفزعها صوت السائق "هل نذهب سيدتي؟" 
التفتت بفزع ولم تدرى بحبات العرق على جبينها ولكن قلبها المتألم من دقات الخوف وأنفاسها المتتالية كانت تنبئ عن حالتها
الرجل كان واقفا بالقرب منها لتراه يفتح لها الباب وينظر إليها بدهشة من منظرها فانتبهت له وهزت رأسها وهي تركب السيارة وما زالت ترتجف وتتذكر ما حدث لها وذلك الصوت الغريب الذي كان يناديها فهل كان الأمر حقيقي أم مجرد تخيلات؟ أغمضت عيونها لتهدأ 
عندما عادت إلى البيت رن هاتفها باسمه فأجابت على الفور وكأنها تبحث عن الأمان حتى ولو فقط بصوته فقال "هل انتهيت من العمل؟" 
تماسكت وقالت "نعم وعدت إلى البيت" 
صمت لحظة قبل أن يقول "الأولاد يسألون عنكِ أسيل" 
فتحت لها راسيل فدخلت ولكنها توقفت وقالت "الأولاد؟" 
قال بهدوء تعشقه "نعم، براء سألني عنك اليوم وأخبرني أن باسل أيضا يسأل عنكِ" 
أكملت للأريكة وجلست قائلة وهي تحاول أن تبدو هادئة مثله "وماذا؟" 
قال بنفس الوتيرة "أنا فكرت أن نخرج غدا سويا لقضاء الاجازة، هناك الكثير من الأماكن السياحية التي لم تشاهديها وكذلك الاولاد" 
لم ترد ولكنه لم ينتظر ردها وهو يقول بنبرة تعرفها عندما ينظر لها بتلك النظرة الناعسة وتعرف أن القبلة آتية "افتقدتك أسيل"
دقات قلبها تناجيه بقوة هي أيضا تفتقده وتفتقده بشدة، الوحدة هنا بالغربة سيئة ولا تقارن بوحدتها بمصر خاصة عندما كانت بالقرية، كانت سعيدة بعيدا عن شوقها له
لكنها الآن وبتلك اللحظة أرادت أن تراه وتكون معه ليعيد إليها الراحة والأمان بعد أن فقدتهم خاصة بعد ما حدث الليلة والرعب الذي شعرت به بالشركة
سمعته يناديها فقالت بلا تفكير "حسنا بدر أوافق من أجل الأولاد فأنا أيضا أشتاق لهم" 
تراجع بمقعده وابتسم وهو يقول "الأولاد فقط، حتى لو، ستحتاجين بعض الملابس ليومي العطلة وكذلك ملابس للسباحة لن نعود قبل الأحد مساء سأمر عليك بالتاسعة" 
ولم يمنحها وقت للتراجع فأغلق الهاتف بينما أغلقت هي عيونها وظلت لحظات جالسة وعادت تتذكر ما مرت به وفكرت أنه ربما عطل فني بالكهرباء ولكن تلك الضحكة والصوت؟ عندما لم تجد تفسير استسلمت إلى أنها تهيئت بسبب أنها كانت وحدها بالشركة رغم أنها ليست مرتها الأولى، أبعدت الأفكار ونهضت إلى غرفتها ولا تعلم لماذا تريثت قبل أن تدخلها ولكن بالنهاية دخلت 
نست ما حدث بالشركة وهي تأخذ حمام وخرجت لتمشط شعرها أمام المرآة عندما انطفأ النور مرة أخرى فالتفت في ذعر وجمد جسدها واعتصرت يدها المشط وهي تتجول بعيونها بفزع بالغرفة وتتساءل هل سيتكرر ما حدث بالشركة؟ 
التصقت بمائدة الزينة وهي تبحث بيدها عن الهاتف ولكنها نست أين وضعته وبصعوبة نادت "راسيل، راسيل" 
ولكن لم يأتها أي رد، استجمعت شجاعتها وتحركت ببطء إلى الباب وهي تلتف حول نفسها وتبحث بعيونها هنا وهناك بالظلام دون أن ترى أي شيء رغم أن عيونها قد اعتادت الظلام، وأخيرا وصلت يدها إلى مقبض الباب وأدارته ولكنه لم يفتح، حاولت مرة وراء الأخرى بيداها الاثنان والخوف يرتفع داخلها ولكن بلا جدو 
لم تستسلم ولكن فجأة سمعت نفس الصوت الرجولي يناديها فالتفتت والتصقت بالباب وهي تشعر بفزع وخوف لا مثيل لهم وهي لا ترى أي شيء من الظلام المحيط حتى ظهرت لها نقطة بيضاء بركن من أركان الغرفة ثم كبرت النقطة
لا تعلم أين ذهب صوتها ولماذا لا تستطيع أن تتحرك وزاد جمودها عندما تحول الضوء الأبيض إلى شبح طويل لإنسان يقف أمامها بلا أي معالم، فقط تكوين لجسد إنسان من النور ثم سمعت نفس الصوت يناديها بهدوء 
"أسيل"
زاد التصاقها بالباب دون أن ترد إلى أن قال الصوت "لا مكان لك هنا ولن ينقذك أحد من القادم"
شعرت بأن الدماء اندفعت إلى رأسها بقوة وانتشر العرق على جسدها وانتابها إحساس بالقيء فسعلت بشدة وانحنت تضع يدها على فمها ليضيء النور فجأة كما ذهب ويختفي الشبح فتسرع إلى الحمام لتلقي ما بمعدتها 
ظلت جالسة بأرض الحمام وهلة حتى استعادت نفسها فنهضت وغسلت وجهها وخرجت لتقف على باب الحمام وهي تدور بنظراتها بالغرفة ولكنها لم تجد أي شيء، ألقت نفسها على الفراش وهي تتذكر الصوت والكلمات دون أن تفهم ماذا يحدث وماذا تعني تلك الكلمات؟
لم تنم بالطبع إلا نوما متقطعا مليئا بالأحلام المزعجة وفكرت لو نزلت ونامت بالأسفل ولكنها قاومت مخاوفها حتى ظهر النهار فنهضت لتستعد لرحلتها معه هو والأولاد ولا تعلم ماذا ستفعل مع ما يحدث لها وتساءلت هل تخبره بما يصيبها؟ لو فعلت ألن يتهمها بالجنون والتخريف؟
كان لقائها بالأولاد رائع حتى باسل ابتسم عند رؤيتها فهو لم ينس القصص التي كانت قد حكتها لهم بتلك الأيام القليلة التي أمضتها معهم أما براء فثبت بمقعده بجوار أخيه، بدر ملتزم جدا بكل القواعد حتى مع الأولاد وهم لا يعترضون  
براء لم يتوقف عن إلقاء الأسئلة وبدر كان يجيبه بصبر وبلا تذمر ثم التفت ليتحدث معها عن المكان الذي سيذهبون إليه بعد الانتهاء من زيارة الأماكن السياحية ولم توقفه بل كانت تتناقش معه وتسأل باسل وبراء ليشاركا بالحديث بطريقة سهلة تتناسب مع أعمارهم بل وجعلته هو نفسه مشدود لكلماتها وهي تسترسل بمعلومتها عن الآثار والرومان وهي كانت تعشق ذلك ولم تلاحظ أنه كان يراقبها بجانب عينه وهو يقود السيارة 
كان اليوم رائعا والأماكن غاية في الإثارة والروعة ولم يعوقهم الكرسي المتحرك لباسل بل كان بدر يتعامل معه بسهولة ويسر، تناولوا الغداء بمطعم شهير اختاره الأولاد وساعدتهم هي به دون ملل رغم أنهم لم يكونوا بحاجة لأي مساعدة لكنهم كانوا سعداء باهتمامها، كانوا يفتقدون وجود الأم المهتمة
أجادت التعامل معهم ليس فقط بسبب نجاحها بعملها السابق كمعلمة بالقرية مما أكسبها خبرة بسيطة في التعامل مع هذا السن ولكن أيضا لأنها كانت حقا تحب ما تفعله لهما مما جعلها سعيدة ونست ما حدث لها بالأمس ولم تتذكره أصلا 
عادوا إلى السيارة بعد المغرب فنام الأولاد بسرعة من التعب وقد بدأ الجو يتغير والريح تشتد فقالت "من الجيد أني جعلتهم يرتدون المعاطف فالجو أصبح برد" 
هز رأسه وقال "نعم، من أين تعلمت التعامل مع الأولاد بهذه الطريقة؟" 
نظرت إليه وقالت "الستة أشهر الأخيرة كنت أعمل معلمة وربما تعلمت منها الكثير، وأنا أحبهم هما رائعين حقا" 
قال وهو يتأمل عيونها البنية المتسعة بجمال والمرح والصدق بصوتها ونظرات عيونها "أرى ذلك، لم أتوقع أن يكون اليوم بهذا الشكل" 
اندهشت وقالت "لا أفهم"
قال وقد بدأ المطر يتساقط قليلا "ممتع أسيل كل لحظة تمضي معك تكون ممتعة حتى الأولاد كانوا مستمتعين حقا"
احمر وجهها وأخفضت عيونها عنه بخجل فابتسم وقال "لن يوقفني هذا الخجل فأنا أتمتع به، شكرا لوجودك"
ابتسمت وهي ترفع عيونها إليه فأمسك يدها ورفعها إلى فمه وقبلها وهو ينظر بعيونها والغريب أنها كانت سعيدة بلمسة شفاهه ليدها ودق قلبها بسعادة حتى أنها تركت يدها بيده ولم تبعدها وقد تناثر الخوف بعيدا وحلت السعادة محلها فأرادت أن تستمتع بها وهو ارتاح لأنها لم تبعد يدها ربما وجودهم معا يزيل تلك الجدران التي تضعها بينهم وتدرك صدق رغبته بها
وأخيرا وصلا إلى كوخ خشبي صغير وقد سمعت صوت أمواج البحر وتسربت رائحته إلى أنفها وأضاء ضوء السيارة العالي الظلام المحيط لترى البيت الذي توقف أمامه فقال "سأفتح الباب أولا وأضيء الأنوار ثم أحمل باسل للداخل" 
أكملت بلا تفكير "وأنا براء" 
وبالفعل بلحظات كان الجميع داخل البيت وقد أدخل هو الحقائب وهي تغطي الأولاد بتلك الغرفة الجميلة والتي بها مدفأة بالكهرباء أثارت الدفء بالمكان ثم أغلقت الباب وخرجت وجدته قد خلع معطفه وتركه بعيدا وأشعل المدفأة التي أخذت جزء كبير من المكان ولكن نشرت الدفء ولون رائع حولها يصدر من النيران وصوت احتراق الخشب داخلها ولكنها لم تراه فتجولت بنظرها تبحث عنه فرأت باب آخر وضوء به وصوت يصدر من الداخل 
اتجهت إليه وأدركت أنه المطبخ دخلت وهو كان يضع حبوب البن بالماكينة وبدا غريبا هنا ولكنه لم يدرك أفكارها وهو يقول "بالتأكيد نحتاج إلى قهوة دافئة بذلك الجو" 
تقدمت منه وقالت "هل تتركها لي؟"
نظر إليها بابتسامة جذابة أدركت معها كم هو فاتن ذلك الرجل، حتى تلك الشعيرات الفضية منحته وسامة وجاذبية لا مثيل لها، قال بمرح لم تعهده به من قبل "لا أصلح لشيء أليس كذلك؟"
ضحكت وقالت وهو لا يتراجع "لم أقصد ولكن لم أظن أنك يمكن أن تدخل المطبخ بيوم ما"
لم يتوقف وهو يقول "ولماذا؟"
قالت وهي تجلس أمام المائدة التي انتصفت المكان "لأني منذ عرفتك وأنا أراك رجل وجد ليخدمه الجميع، ولا يمكن أن يفعل إلا إلقاء الأوامر" 
وضع كوب أمامها على المائدة ففاحت رائحة القهوة منه وجلس بجوارها وبيده الكوب خاصته ولم يبعد عيونه عنها وقال "بالمدرسة تعلمنا كل شيء يمكن أن تتخيليه وهناك لا مجال إلا لأن نخدم أنفسنا بأنفسنا" 
تسربت رائحة القهوة إلى أنفها فقالت "ومتى توقفت عن ذلك وبدأت ألقاء الأوامر؟"
قال وهو يدخن سيجار "منذ أن عدت إلى القصر واستلمت ميراثي من جدي وعلمتني أمي أن مكانتي تتعارض مع أفعالي ولابد أن أصبح ما أصبحت عليه الآن"
تناولت القهوة فرفعت حاجبها وقالت "إنها جميلة حقا" 
ابتسم ولم يعلق واشتد المطر فقالت "يبدو أننا لم نحسن اختيار وقت الاجازة" 
قال بنفس الهدوء "الجو يتغير في لحظات ومع الصباح ستتبدل الأحوال ويستمتع الأولاد بالسباحة، هل تريدين النوم؟"
هزت رأسها بالنفي فابتسم وقال "لدي خطط للعشاء" 
حدقت به وقالت "أي عشاء؟ ظننت" 
نهض وقال "لا تظنين شيء دون أن تتأكدي منه أولا، يمكنك الذهاب لتغيير ملابسك وأنا سأعد الطعام"
ولكنها وقفت وقالت بإصرار غريب "بالتأكيد أفضل مشاركتك على البقاء بغرفتي بهذا الجو المخيف فأنا أكره البرق وأخاف من صوت الرعد خاصة بمكان كهذا"
اقترب منها وهو ينظر بملامحها الرقيقة ثم وقف أمامها وقد أعجبه عطرها الذي يميزه من بين المئات، تحركت يده إلى خصلات شعرها وهو يبرم بعضها على اصبعه بسهولة ويسر ويقول "سعيد لأنك تركته بلا قص فهو يجعلك ملكة، هل تخافين وأنا موجود أسيل؟" 
عاد جسدها يرتجف من كلماته ولمسته وحذرها قلبها من خطر اقترابه منها فابتعدت وقالت "بالتأكيد لا، لذا هنا أفضل من التواجد وحدي بالغرفة، هيا أخبرني بماذا سنبدأ"
أدرك هروبها منه وبالطبع كان يفهم تصرفاتها ولم يغضب وإنما منحها ارشاداته واندمج الاثنان بالعمل 
كانت الحادية عشرة عندما جلس الاثنان أمام الطعام ورائحته الشهية تخترق أنفهم وهي تقول "رائحته رائعة، أنت رائع بدر"
ابتسم ولم يرد وما أن انتهت من الطعام الشهي حتى رأت براء يتقدم إليهم وهو يفرك عيونه فأسرعت إليه وهي تقول "حبيبي لماذا استيقظت؟" 
قال بنعاس "أريد أن أدخل الحمام ولا أعرف الطريق" 
ابتسمت وأخذته للحمام حتى انتهى فحملته عائدة إلى غرفته ولكن الطفل تعلق بها كي تبقى بجواره على الفراش حتى ينام ولكن سرعان ما ذهبت بالنوم هي الأخرى 
عندما تأخرت ذهب ليراها فوجدها نائمة بجوار براء استند إلى الباب بكتفه وعقد ذراعيه أمام صدره وظل يتأملها وهو يتساءل؛ لماذا لم يقابله بها القدر من قبل أن تكون تلك حياته؟ كم يتمنى أن تكون زوجته وتشاركه تربية أولاد أخيه بدلا من تلك المرأة التي لا تعرف أي شيء عن أولادها 
ارتفع صوت الرعد مرة أخرى فاعتدل ودخل ليضع عليهم الغطاء ثم أغلق الباب وتركهم 
بالصباح تغير الجو بالفعل وعادت الشمس وقد كانت هي أول من استيقظ، غيرت ملابسها بالحمام بالطبع بعد أن تأكدت أنه بغرفته واتجهت إلى المطبخ وأعدت الإفطار ثم عادت لتجد باسل قد استيقظ فساعدته على تغيير ملابسه رغم اعتراضه بالبداية ولكنها تملك طريقة سهلة الإقناع تسمى الحنان وهو ما يفتقده الأولاد وسرعان ما لحق بهم براء وامتلاء المكان بالضوضاء بوجوده. حاولت تهدئته ولكن بالنهاية رأت بدر وقد غير ملابسه وبدا جذابا وقد ابتل شعره من الحمام الصباحي وبدا شابا يافعا بملابسه الرياضية مفتول العضلات واثقا من نفسه وهو يتجه إلى براء ويقول 
“ألا تعرف شيء عن الهدوء"
ضحك براء وقال "لا، ولن أفعل كي تستيقظ ونذهب إلى البحر"
ابتسمت كما فعل هو ونظر إليها وقال "صباح الخير، يبدو عليك النشاط اليوم"
قالت وهي تضع الأطباق على المائدة "لقد نمت جيدا ولم أشعر بأي شيء"
تناولوا الطعام في جو من المرح ثم أعدوا أشيائهم واتجهوا إلى الشاطئ الذي كان قريب من البيت الخشبي ولكن الطريق يخترق الكثير من الأشجار الكثيفة تحركوا من خلالها حتى بدا الشاطئ وقد ندر به الموجودين فقال "المكان هنا منعزل وبعيد عن المدينة لذا لا يتواجد أحد إلا قليلا"
لم ترد وهي تساعده في تحريك مقعد باسل وسرعان ما كانوا جميعا بالمياه الدافئة والأطفال داخل العوامات وبدر يلعب معهم بطريقة أعجبتها واندهشت من أن بداخله رجل مختلف تماما عن ذلك الذي عرفته، باختصار كان أب حقيقي وليس عم، أب يحب أولاده ويخاف عليهم ويتعامل معهم بتفهم وبما يناسب أعمارهم 
كانت المياه رائعة والجميع مستمتع ما بين اللعب والضحك حتى شعرت فجأة بشيء يجذبها إلى الأسفل، قاومت بساقيها ويدها تضرب المياه وقبل أن تستطيع أن تناديه كانت تنجذب للأسفل مرة أخرى ولكن بقوة أكبر فلم تستطع أن تسيطر على نفسها وهي تنهار إلى الأسفل بقوة لا تعرف مصدرها لوحت بيديها بالمياه كي تحاول مقاومة ما يجذبها ولكنها لم تستطع والنفس لا يكفيها حتى بدأت تشعر بأنها تختنق وأنفاسها تنتهي والمياه بدأت تضغط على رئتيها بل وتدخل فمها 
زادت مقاومتها ولكن دون جدوى فأي ما كان يجذبها إلا أنه قوي وقوي جدا ويقبض على ساقها بلا انفلات حتى زادت المياه بفمها ورحلت أنفاسها وهاجمها دوار ناتج من فقد الأكسجين بجسدها وزاد تسرب الماء إلى رئتيها والدوار يزداد وهي تتخيل أن هناك يد تقبض على معصمها لتجذبها لأعلى كالحلم ولكن الظلام ساد حولها وضاعت أنفاسها. 
تعليقات



<>