رواية كبرياء رجل الفصل التاسع9 بقلم داليا السيد


 رواية كبرياء رجل الفصل التاسع9 بقلم داليا السيد
مشاجرة
استسلمت أسيل لمصيرها ونطقت الشهادة بسرها ولكن فجأة شعرت أن شيء ما دفع راسيل عنها وصوت اصطدام واضح وما أن فتحت عيونها حتى رأت بدر يصطدم مع جسد راسيل بعراك مخيف حتى أسقطها على الأرض وقد سقطت بجواره السكاكين فجذب واحدة ورفعها ثم هوى بها على قلب راسيل مباشرة فانثنى جسدها للأعلى ثم همد على الأرض دون أي حركة
ما أن سكنت راسيل حتى التفت هو إليها فصرخت باسمه "بدر" 
لم يلتقط حتى أنفاسه وإنما أسرع إليها ليجذبها الى أحضانه بقوة وقد تشبثت به لتبعد عنها الفزع والخوف اللذان تملكاها بسبب ما حدث، أخيرا انتظمت أنفاسها وهدأت عندما لفتها ذراعيه بقوة وربت على شعرها بحنان فأبعدها وأحاط وجهها بيديه وقال 
"هل أنتِ بخير؟ هل أصابك شيء"
هزت رأسها بالنفي والدموع تملأ وجهها وهي تقول "أنا لا أفهم شيء بدر؟ ما الذي يحدث لي؟ كيف كانت تتحرك وهي فاقدة للحياة؟ ومن الذي فعل بها ذلك؟ لقد كانت تتحدث معي قبل العشاء؟ بدر هناك شيء غير طبيعي يحدث" 
ساعدها على الوقوف قبل أن يقول وهو يتصل برجاله "نعم هناك شيء غير طبيعي، أوليفر أحضر رجالك وتعالى ببيت الجبل، نعم هناك مشاكل وأريد الانتهاء منها قبل الصباح" 
أغلق الهاتف وأحاطها بذراعه وقال "هل تصعدي لتغيري ملابسك لقد انتهى الأمر"
نظرت إليه وقالت بدهشة لأنه لا يمنحها أي تفسير "أخبرني ماذا يحدث أولا بدر"
ابعد وجهه وهو يحاول أن يستعيد هدوئه وهو يقول "هل تفعلي ما أقوله بلا جدال؟"
هتفت "لا بدر، وسواء اخبرتني بشيء أم لم تفعل فأنا لن أبقى هنا لحظة واحدة، هذا البيت ملعون أو ربما مسكون، نعم مسكون، منذ أن أتيت هنا وتلك الأشياء تحدث لي، فقط أبعدني عن هنا أرجوك"
نظر إليها ولم يمنع ذكرياته من أن تتدفق إليه لكن لا وقت لان يعيشها الآن فأحاط كتفيها بيده وقال "أنا بالفعل سأنقلك من هنا الى بيتي حتى أجهز مكان آخر" 
تراجعت بفزع جديد وقالت "لا، بيتك لا، ليس مع تلك المرأة ربما هي سبب كل ذلك، لن أعود لبيتك مرة أخرى"
حدق بها لحظة قبل أن يقول "لابد أن نعود إلى البيت أسيل لا مجال للاختيار" 
قالت بغضب "لن تفرض علي شيء بدر، لن تفعل ولن أقبل" 
قال بضيق واضح "لا داعي لإثارة غضبي بالعناد الآن أسيل فهو أمر لا أحبه، أنتِ زوجتي ومكانك بجواري"
ابتعدت وقالت بغضب "كنت زوجتك أيضا عندما تركتني وحدي اسبوعين دون أن تعرف عني شيء"
قال بطريقته الهادئة "تعلمين أني لم أكن متفرغ لأفعل، أخبرتك ذلك"
ابتسمت بسخرية وقالت "وأنا جاريتك التي تطلبها وقتما تشاء وتلقي بها وقتما تشاء، لا بدر أنا لا أوافق"
اقترب منها ووقف أمامها وهو يسمع السيارات بالخارج فنظر بعيونها نظرة حادة أوقفت العناد داخلها خاصة عندما قال بنبرة لم تعهدها من قبل به "ستصعدين إلى غرفتك وتغيرين ملابسك بأقل من نصف ساعة وسنرحل من هنا إلى حيث أشاء، ولا أريد كلمات أخرى أسيل لأني لن أقبلها ولو خالفت كلماتي فتصرفي لن يعجبك أبدا خاصة أمام الرجال، اذهبي أسيل، الآن" 
كانت كلماته الأخيرة حادة وغاضبة حقا لدرجة أخافتها وجعلتها تظل تنظر إليه حتى رأت الرجال تخترق المطبخ وأحدهم يتحدث للباقين بالإيطالية فلم تنتظر أن يهينها أمام أحد فتحركت وتجاوزته إلى الخارج مخترقة الرجال فلم يستدير ليتبعها بنظراته وإنما أخرج سيجار وأشعله وأحد الرجال يتجه إليه ويقف أمامه ليأخذ أوامره
ظلت فترة بغرفتها تحاول أن تستعيد نفسها بعد أن اغتسلت وغيرت ملابسها وجلست أخيرا على طرف الفراش وجسدها كله يرتجف وهي تتذكر ما مر بها منذ أتت هنا، بالتأكيد هناك أمر غير طبيعي فلا يمكن للميتين أن يتحركوا ويهاجموا ويقتلوا، أغمضت عيونها وهي تشعر بأن مخاوفها تزداد رغم وجوده معها. لكن خلافهم هذا لن يعيد لها الراحة التي تريدها
عندما نزلت كان كل شيء قد انتهى وكأن شيء لم يحدث، تم إزالة الدماء من كل مكان واختفت جثة راسيل وأعيد ترتيب المكان كما لو لم يكن حدث شيء
رأته يقف بطريقة مهيبة وسط الرجال وهم يتعاملون معه باحترام شديد وواضح وهو ثابت بمكانه فقط ينظر ويسمع، تحركت عيونهم تجاهها باحترام ولكنه لم يوقف تعليماته إلى أن انتهى ثم التفت إليها وقال وقد استعاد الهدوء الذي يسكنه بشكل غريب وكأنه وجهه الآخر بل الأول وقد أدركت أنه شعر بوجودها 
"هل نذهب؟"
لم تمنحه أي نظرات فقط هزت رأسها فأشار إليها لتتقدم الى الخارج حيث سيارته، فتح لها أحد الرجال فدخلت وركب هو ليقود بصمت، لحظات مضت قبل أن تقول "ماذا فعلت براسيل؟"
لم ينظر إليها وهو يرد "سيتم دفنها بشكل لائق"
نظرت إليه وسألته مرة أخرى "ألا أهل لها؟"
قال باختصار "لا"
عندما شعرت بكلماته مقتضبة صمتت ولم تتحدث ولكن بعد وهلة عادت تقول "هل يعلم أحد أني.."
ولم تكمل وقد فهم كلامها فنظر إليها وقال بلهجة قوية "الجميع يعلم أنكِ زوجتي أنا لا أخاف أحد أسيل كي أخفي زواجي منكِ متى ستعرفين زوجك؟" 
ضاقت عيونها وقالت بضيق "وكيف أعرفك وأنا لا أراك؟" 
نظر إليها بشدة وقال "وهل رؤيتي هي فقط من يجعلك تعرفيني؟ ألا فارق لتصرفاتي معك أو اسمي وسمعتي مع الجميع؟ حتى الآن لا تعرفين من أنا أم لا تريدين التصديق بأنني رجل شريف لي اسمي وسمعتي ولا أهاب أحد"
لم يوقفها كلامه ولا غضبه المكتوم وهي ترد بلا خوف من نبرة غضبه "لا بدر، أنا لا أشكك في شرفك فأنا أعرف ذلك جيدا ولا دخل لكلامك هذا بسؤالي، كل ما في الأمر أن سلمى مثل أي امرأة ليس من السهل عليها تقبل زوجة ثانية سواها ووالدك أنا عرفت موقفه مني فماذا كنت تتوقع مني وأنت تدفعني بطريقهم مرة أخرى؟"
نظر إليها بنظراته الحادة وقال "كما أخبرتك أتوقع الثقة وإدراك من أنا أم أنك لم تتعاملي مع أمثالي من قبل فهذا الوسط جديد بالنسبة لكِ؟ ظننت أن معرفتك بي ستخلصك من المكان الذي أتيت منه"
تراجعت بالمقعد من كلماته
الآن ظهر الوجه الآخر لبدر المسيري.. هكذا يراها حقا
فتاة فقيرة لا ترقى لمستواه.. لقد بدأ الأمر مبكرا، مبكرا جدا
انتهى الهواء من حولها وشعرت أنها تختنق بكلماته وكأن لها أجنحة كالطيور العملاقة التي تلف جسد البشر وتمتص دمائهم ولحمهم وتسقطهم عظاما وها هي تعتصر تحت أجنحة الحقيقة التي لم تكن تراها
هي ومكانتها الحقيقة، هو أسد روما، أين هي منه؟ سؤال لم يخطر على بالها يوم ولكن الآن يلطمها بلا هوادة لطمة وراء الأخرى
كان قد توقف بانتظار الإشارة عندما كانت كلماته ترن بأذنيها وهي تحدق به بغضب وبلا وعي وجدت نفسها  تفتح بابها وتندفع خارجة  دون أن تنظر إليه أو ترد على كلماته فهي لا تقبل أي إهانة حتى ولو كانت منه. 
تفاجأ من تصرفها وقد أدرك أنه اندفع بكلمات لم يقصدها وربما ضغط الأيام السابقة هي سبب غضبه، وما حدث الليلة لكنه أبدا لم يراها كما قال  
لم يهتم بالسيارات التي تقف خلفه ولا بالإنذارات التي أطلقتها وسباب السائقين عندما نزل خلفها وقد حاول ألا يسيء التصرف كرجل تدرب جيدا كيف يتحكم في غضبه ولكن أين العقل وهي سلبته كل عقلانيات العالم
وصل إليها قبل أن تبتعد وقد غطت الدموع وجهها وعيونها فأمسكها من ذراعها ليوقفها وقال بهدوئه الغريب لكن زائف "حسنا أسيل أنا آسف هل تتوقفين الآن؟" 
 أبعدت يده بقوة وهي لا تهتم بأي شيء، فقط متألمة، غاضب، حانقة أي شيء إلا أن تتوقف كما يطلب منها فقط الغضب هو ما هتفت به "كان عليك أن تدرك وقت تزوجتني أنني لست ابنة رئيس وزراء أو أحد المشاهير، ولكني أيضا لست من الشارع وإلى هنا وانتهينا بدر بيه، أنا أيضا أخبرتك كثيرا ألا تدخلني حياتك فأنا لا أصلح لك، أنا لست مثلك، حياتنا مختلفة ولا نصلح لبعض"
ثم تحركت مرة أخرى مبتعدة ولكنه عاد ولحق بها. لا، لن ترحل هكذا وبسبب غباء منه، للحظة فقط السيطرة وهذه هي النتيجة سيفقدها بلا شك وهو ما لن يمكنه أن يتحمله
وقف أمامها ليقطع عليها طريقها واختفى المارة من حولهم رغم أنهم كانوا موجودين بل ويرمقونهم بنظرات الفضول دون تدخل 
توقفت كي لا تصطدم به وكلاهم يلهث من سرعة خطواتها التي تعبر عن الغضب، قال محاولا إيقاف الغضب من أن يتمكن منه "حسنا أسيل لنتحاور بهذا الأمر بالمكان المناسب وبالتأكيد ليس هنا"
قالت بجنون "لا، لن أذهب معك لأي مكان، هذا هو المكان والوقت المناسبين لأي شيء وكل شيء لأننا انتهينا بدر، أنا ليس لدي أي شيء لنتحاور فيه، ليس بعد ما قلته، فقط اتركني لأني لم أعد أريد أن أكون معك ولا أريد أي شيء له صلة بك، أريد أن أعود مصر أعدني بلدي لا أريد البقاء هنا بعد اليوم"
بالتأكيد لم تكن تلاحظ نظرات من حولها وربما لم تتذكر من هو زوجها ولحسن الحظ لم تتواجد صحافة وعيون فضولية، فعاد وأمسكها من ذراعها ولكن هذه المرة كانت بقوة وهو يدفعها بنفس القوة إلى السيارة دون أن يتحدث وهي تحاول أن تبعد يده وتقاومه وتقول بغضب ممتزج بالدموع 
"اتركني، ألا تسمعني؟ أنا لا أريدك، أخبرتك أني لا أريد أن أذهب معك"
كان قد فتح الباب وقال بنفس الصوت الذي كانت بالبيت منذ قليل وارتجف له جسدها مرة أخرى رغم قوتها الظاهرة "اركبي أسيل ولا تختبري صبري أكثر من ذلك، ادخلي، الآن"
بالطبع كانت الكلمة الأخيرة بنبرة قوية ممتزجة بغضب مكتوم أدركته وهي تواجه عيونه لترى تلك النظرة التي زادت ارتجافها فخفت مقاومتها وربما أعادها من نوبة الغضب التي أفقدتها صوابها فدخلت وصفعت بوجهه ولم تحاول النزول من السيارة مرة أخرى وهو يغلق بابه بقوة مماثلة أفزعتها وما زالت الدموع تغشي عيونها ولم تنظر إليه عندما قاد في صمت قاتل لم يقطعه سوى صوت السيارات من حولهم. 
وصلا إلى القصر ولم تكن تعلم ماذا يمكنها أن تفعل، نزل وفتح لها الباب وقال "لا تدفعيني لم لن يعجبك، انزلي"
لم تنظر إليه ولم تنزل بل قالت بألم "على أساس أن كل ما يحدث لي يعجبني"
انحنى عليها وقال بنفاد صبر "هذا لا شيء بجوار ما يمكن أن يكون عليه غضبي خاصة إذا كنت أغضب بصعوبة وأنت سبب غضبي"
نظرت إليه وقالت "وهل أمثالي يمكن أن يغضب رجل مثلك؟"
أغمض عيونه محاولا أن يتماسك لأقصى حد وتنفس بقوة ثم فتح عيونه وقال "هذا فعلا ما اعتدت على فعله معي منذ أول يوم وأنت للأسف لم تدركي ماذا يمكن لرجل مثلي أن يصبح عليه عندما تثير جنونه امرأة مجنونة ومتهورة مثلك، انزلي أسيل، الآن"
عاودها الارتجاف من نبرته ونظرته الحادة كالصقر وحاولت أن تفتح فمها لتكمل ولكنه قال بصوت مرتفع لأول مرة "الآن"
ظل كلاهما يحدق بالآخر لحظة وعيونهم تنطق بالغضب إلى أن تراجع هو إلى الخلف فاستسلمت له ونزلت دون أن تجادل مرة أخرى. 
رحبت بها ماري بابتسامة جميلة كعادتها أعادت لها بعض من هدوئها ولكن لحظات ورأت براء يندفع خارجا من غرفة باسل وينطلق إليها باحثا عن أحضانها ولم تبخل هي وإنما احتوته بين ذراعيها بحنان وهو يقول 
"أسيل، أنا سعيد جدا بوجودك، بالتأكيد أتيت لزيارة باسل، إنه متعب جدا اليوم بعد أن غير له الطبيب على الجرح"
أنزلته على الأرض وانحنت لتنظر بعيونه إليه بتساؤل وهي تقول "جرح؟ أي جرح؟"
قال الطفل "ذلك الجرح الذي حدث له بعد العملية الأخيرة"
استدارت تبحث عن بدر فرأته خلفها مباشرة ولكن ملامحه كانت جامدة وهو يقول "لماذا أنت مستيقظ حتى الآن؟"
لم يشعر براء بغضب والده المختفي خلف مظهره الهادئ وهو يجيب "باسل كان يتألم فلم يمكنني أن أنام وراشيل لا تستطيع مساعدته، هل يمكن أن تساعديه أسيل، سيحب قصصك جدا، داد هل يمكنها أن تفعل؟"
 لم تنتظر رده وهي تجيب "بالتأكيد لا يمانع"
ولكنه قال "إنه وقت النوم"
نظرت إليه نظرة غاضبة ولكن براء قال "فقط نسمع منها قصة قبل النوم، من فضلك داد، من أجل باسل"
بادلها النظرة وقد هدأ غضبه فقال "حسنا"
جذبها براء من يدها وأسرع بها إلى غرفة أخيه وما أن دخل حتى قال "باسل انظر من هنا؟ أنا أخبرتك أنها هي"
انفرج وجه باسل عن ابتسامة شاحبة مثل لون وجهه المتعب وهو ينظر إليها بعيون حزينة، بينما تحركت هي إليه بابتسامة كلها حنان وطبعت قبلة على وجنته الصغيرة وقالت "رجلي الهمام كيف حاله اليوم؟"
وقف بدر وسط باب الغرفة وعقد ذراعيه أمام صدره يراقب الأولاد وسمع باسل يقول "افتقدك أسيل، أشعر بألم بظهري"
مررت يدها بشعره البني وبراء يسرع إلى فراشه ويقول "باسل كفى ودع أسيل تقص لنا قصة جديدة، هيا أسيل داد لن يتركك كثيرا"
لم تنظر إليه وهي تجلس على طرف فراش باسل وتمسك يده بحنان ثم تبدأ بسرد حكاية صغيرة، لاحظت وجود فتاة بالعشرينات تقف خلف فراش باسل وأدركت أنها الممرضة حيتها برأسها وأكملت القصة إلى أن نام براء فأطفأت راشيل النور ولكن باسل قال 
"أسيل، هل صحيح داد تزوجك؟"
عادت له ووقف بجوار فراشه وقالت "هل يضايقك الأمر؟"
عاد وسأل "هل فعل حقا؟"
اندهشت من سؤاله ولكنها قالت "نعم باسل لقد تزوجنا بالفعل"
لم تتضح معالم وجهه من الظلام وهو يقول "إذن لن ترحلي؟"
عندما نظرت إلى الباب لم تجده وعادت إلى باسل وقالت "إذا شئت بقيت من أجلك"
هز رأسه وقال "نعم أسيل أريدك أن تبقي وتكوني معي أنا وبراء، نحن نحب تواجدك"
انحنت ووضعت قبلة حنان على جبينه وهي متأثرة بكلماته وقالت "وأنا أحبكم جدا باسل فلا تقلق حبيبي أنا هنا، والآن لابد أن تنام فالوقت تأخر، يمكننا أن نفعل ما نشاء غدا بالإجازة"
هز رأسه بسعادة ثم أغمض عيونه وظلت تداعب شعره عدة دقائق عندما شعرت بأنه قد نام فابتسمت وقبلته ثم قبلت براء وتحركت لتخرج وقد تذكرت ما كان بينهم وما عرفته بالوقت الحالي
قبل أن تخرج أوقفتها راشيل وقالت بإنجليزية واضحة "مدام من فضلك انتظري"
توقفت واستدارت بينما أحضرت الفتاة شيء واتجهت إليها وقالت "هذا لمستر بدر، الطبيب تركه له"
نظرت إلى علبة الدواء بدهشة وقالت "ما هذا؟ هل بدر مريض؟"
نظرات الفتاة كانت صامتة وصوت بدر يرد "هل نام الأولاد؟"
استدارت لتراه واقفا أمام الباب يسده بقوامه الطويل وقد بدا مرهقا ووجه غارق بالجمود فهزت رأسها وهي تطبق على علبة الدواء وتقول "نعم"
قال وهو يتنحى كي يفسح لها مكان لتمر "حسنا هيا لنذهب لقد تأخر الوقت"
تحركت دون أن تعلق وهو خلفها وتوقفت بمنتصف البهو ولكنه لم يتوقف وهو يقول بتعب واضح "ماري غيرت غرفتك السابقة هيا"
قالت بضيق "بدر ألا نتحدث؟"
لم يتوقف وهو يقول "يمكن للحديث أن ينتظر للصباح أسيل أو بالغرفة"
اضطرت أن تصعد خلفه وقد وصل لنهاية السلم واتجه إلى الممر الطويل وأخير فتح الباب الرابع وتقدم إلى الداخل دون أن ينتظرها بطأت خطواتها وهي تتساءل هل هي غرفتها؟ ولماذا دخل؟ وهل سيقيم معها؟ 
كانت الغرفة أكبر بكثير من السابقة بلون الموف ورائحة البنفسج وفراش عريض مغطى بمفرش ستان موف رائع حتى السجاد المثير كان يتموج بألوان البنفسج، بالفعل كانت الغرفة جميلة بل رائعة. 
رأته يقف أمام زجاج الفراندة الكبيرة ويدخن سيجار كبير فدخلت ولكنه قال "أغلقي الباب نحن لا نقيم بمفردنا هناك خدم وأشخاص أخرى"
حدقت به لحظة قبل أن تنفذ وقلبها تتسارع دقاته داخل صدرها من ملامحه الجادة ومما حدث بينهم، وما عرفته من باسل، وما سيحدث الآن. 
تحركت إلى الداخل دون كلام ولكنه سرعان ما أطفأ السيجارة والتفت لها فتوقفت وهو يتحرك ويقول "هذا الباب يؤدي إلى غرفتي، لو أردت شيء تعرفين الطريق"
تحرك إلى الباب الذي أشار إليه ولكنها قالت بضيق "لماذا لم تخبرني عن باسل؟"
توقف دون أن يلتفت إليها وقال "على ما أذكر كنت مصابة ومتعبة"
اقتربت منه ووقفت خلفه وقالت "ولكني باليوم التالي نزلت الشركة وأنت لم تعارض، كان يمكنني أن أكون معه"
لم يرد فتحركت لتقف أمامه ورفعت علبة الدواء وقالت "هذه تخصك، هل أنت مريض؟"
لمعت عيونه الزرقاء على علبة الدواء دون أن يأخذها ودون أن يرد إلى أن قالت هي "هل تخفي عني شيء؟"
رفع عيونه لها قليلا قبل أن يتحرك مبتعدا من أمامها وقد تبدلت ملامحه دون أن يتحدث ولكنها لم تتركه وهي تقول "إذا لم أكن أمثل لك شيء فلماذا تزوجتني وأتيت بي هنا وألزمت نفسك بي؟"
التفت إليها بنظرة حادة وقال "لا تمثلين لي شيء؟ عدت لذلك الحديث الذي لا معنى له؟ كيف لا تمثلين لي شيء وأنت زوجتي كما تقولين وهنا ببيتي؟ أنا لا أفهم كلامك أسيل"
استدارت وهي تشعر بحيرة وحزن وقالت "بل أنا التي لا أفهمك بدر، تركتني بوقت كنت فيه بأمس الحاجة إليك ولم تبرر تصرفك واليوم أعرف أشياء كان لي الحق بأن أعرفها ولكنك لم تخبرني بها والآن ما زلت تخفي عني أشياء أخرى ولا أعرف سبب إخفائك لها، أشعر أني أسير بمغارة جحا ولا يمكنني أن أصل لنهايتها"
تحرك إليها وقد أدرك أن عليه أن يتحدث ولم يعد هناك مجال للتراجع فنظر بعيونها وقال "ليس الأمر كذلك ولكن وقتها ظهر تعب باسل فجأة وكان علينا أن نذهب إلى لندن لإجراء الجراحة له، أعلم أني كان يجب أن أخبرك ولكن تعبك أوقفني"
قالت بعصبية "وماذا أيضا بدر؟ ما زلت تخفي شيء آخر فما هو؟"
حدق بعيونها العسلية قبل أن يبتعد من أمامها وقال "قبل وفاة أخي باسم بعدة أعوام كنا كلنا سويا برحلة باليونان؛ بابا وماريان زوجته، سلمى وباسل الذي كان ما زال طفل رضيع، وانطلقنا باليخت الخاص بنا بالبحر وأمضينا وقتا جيدا، ولكن بذلك اليوم استيقظت لأجد أنني وحدي باليخت وقد ذهب الجميع ثم عاد باسم متذمرا وقد أثارت سلمى غضبه كالعادة وحاولت تهدئته ولكن كانت ثائرته كبيرة وأثناء ذلك شعرنا بخطوات تتسرب الى اليخت وما أن خرجنا لنبحث حتى وجدنا ثلاثة رجال أشداء هجموا علينا واشتبكوا معنا بقوة وأثناء صراعي مع اثنان منهم تكاتفوا علي ولكموني بشدة لأسقط من الطابق العلوي لليخت إلى أرضه على ظهري مصطدما بسور حاد أصابني إصابة بليغة بالظهر، فقدت الوعي وكذلك باسم وهرب الرجال الذين عرفت فيما بعد أن غرضهم كان باسم وليس أنا، ظللت فاقد للوعي فترة حتى عثر علينا ونقلنا إلى المشفى وكانت حالتي سيئة وأصبت بالشلل فترة غير قليلة"
ثم التفت إليها بملامح جامدة وقد بهت وجهها من المفاجأة وشعرت ببرودة بجسدها مما أصابه حتى عاد وقال "ذلك هو الوقت الذي ابتعدت فيه عن كل شركاتي ومنها الشركات بمصر طبعا وقتما حدث ما حدث لوالدك وشركته، بالرعاية الطبية عدت إلى الحركة ولكن بصعوبة وبالعلاج الطبيعي وبعض المثابرة أصبحت بخير، فقط كان لابد أن يترك الأمر أثره، جرح بطول ظهري لا أعلم كيف يكون شكله، وألم ينتابني كل فترة أو مع المجهود تصحبه حركة ثقيلة بالقدم، وفحص سنوي لا يمكنني أن أتجنبه وقد توافق موعده مع جراحة باسل"
ارتخت معالم وجهها ولم تعرف ماذا يمكنها أن تقول أو ترد وشعرت أن قدماها تعجز عن حملها ولكنها تماسكت وهي تقول "كان لابد أن أكون معك أنا زوجتك"
ابتعد من أمامها وأشعل سيجارة أخرى وقال "لست ملزمة تجاهي بأي شيء أعلم أني أجبرتك على الزواج"
تحركت إليه وقالت بعصبية "وأنت نادم على ذلك؟"
التفت إليها ونظراته تجيبها بالطبع فقالت بدموع "أنا تركت بلدي وحياتي من أجلك بدر، ربما قاومتك كثيرا ولكن كان من أجل بيتك وأولادك، أنا وافقت بدر، وافقت على زواجنا وأنا بكامل إرادتي وظننت أنك أردت ذلك ولم أخمن أن تستبعدني من حياتك بالوقت الذي لابد أن أكون موجودة فيه"
قال بهدوء "لم ولن أفعل، فقط ظننت أنك متعبة ولن تتحملي تعب السهر بالمشفى ففضلت الذهاب بدونك"
نظرت إليه لحظة ثم ابتعدت وقالت "مهما قلت ولكني أفهم بدر"
ظل صامتا لحظة قبل أن يقول وقد اقترب صوته منها "تفهمين ماذا؟"
قالت دون أن تلتفت إليه كي لا يرى دموعها والألم المرتسم بعيونها "أن وجودي غير صحيح فبالتأكيد سلمى كانت ستكون موجودة مع باسل ومعك لذا لم يكن يفضل وجودي، كنت بموقف الاختيار وهذا حقك"
أمسك كتفيها بين يديه وأعادها أمامه ونظر بعينيها الباكية وأدرك الألم الساكن بهما وقال "أنا لم أتمنى سوى وجودك معي أسيل، منذ أول لقاء لنا سويا وكل ما كان يشغلني هو كيف تكونين معي بكل وقت ومكان، وعلى فكرة سلمى لم تكن موجودة أساسا فهي لا تهتم بمثل تلك الأمور"
تلاشت كلماته من ذهنها إلا ما نطق به أولا، هل حقا تمنى وجودها معه أم مجرد كلمات؟ 
هل حقا تمنى ذلك من أول لقاء؟ أن تكون معه بكل وقت ومكان؟ إذن ماذا يحدث حولها؟
مرر أصابعه على وجهها وهو يتأمل ملامحها وأكمل "هل كان لديك استعداد للتواجد مع طفل ليس ابنك وتقضين معه وقتك للتمريض والخدمة والسهر وتحمل تذمره وغضبه بدلا من أمه؟"
تسمرت عيونها على عيونه الساحرة واستسلمت للمساته القاتلة وقالت بصدق "الأمر لا يستحق السؤال بدر، كان عليك ألا تشك لحظة في رغبتي بكل ذلك الأمر، كنت تعلم أني أحبهم هما الاثنان ولم أكن سأرغب سوى بأن أكون معه ومعك بدر، أحمل عنك ولو جزء بسيط من المسؤولية لأني كما قلت أنت، زوجتك، ما فعلته جعلني أفكر بأشياء سيئة كثيرة، لقد تركتني دون أي مبرر وعدت بوقت لم يكن يسمح لك بأن تفسر لي بل وتعاملت معي على أني المخطئة، لم أعد أفهم تصرفاتك"
أبعد يده إلى عنقها وقال "أنت أيضا مجنونة زوجتي الجميلة لأول مرة يخرجني أحد عن شعوري"
أخفضت وجهها وانسحبت من أمامه وقالت بحزن ونبرة خافتة ملوثة بالإهانة "أنت أهنتني"
 شعرت بيده تتخلل خصرها فانتفضت مرة أخرى وابتعدت فتراجع قليلا وقال "تعلمين أني لم أقصد أي إهانة، ورغم ذلك اعتذرت"
لم تجرؤ على الالتفات إليه أو مواجهته وهي تقول "ربما الغضب منعني من حسن التصرف"
عاد إلى الاقتراب وقال "أسيل"
لمسة يده كانت مختلفة وهو يعيدها أمامه، حتى نبرة صوته اختلفت، نظراته اختلفت، كل شيء كان مختلف وهي ترتجف بين يديه وهو يفك شعرها ويفرده بيده بنفس النظرة الهائمة ثم شعرت بيده تتخلل خصرها مرة أخرى فشعرت وكأنها نست ما كان بينهم من خلاف وفقدت الإحساس بكل ما حولها إلا هو ولمساته ونظراته والآن أنفاسه التي اقتربت من وجهها معطرة برائحة عطره المميزة فوجدت نفسها تغلق عيونها وتستسلم لتلك الأنفاس وهي تختطف أنفاسها وتندمج معها في قبلة عميقة اختلفت عن كل مثيلاتها السابقة لأنها بلا تأنيب ضمير ولا خوف من أن يكشفهم أحد، لأنها ببساطة زوجته
زادت عمقا وتطلبا وقد انتظرها كثيرا ولم يعد يرغب بالمزيد من الانتظار، شد أكثر على خصرها ثم أفلت شفتيها ليتسلل إلى وجنتها برقة وصل لعنقها مستمتعا بنعومته ورائحة شعرها الهادئة والمنعشة بذات الوقت، أثاره قربها وليونتها واستجابتها فكم ارادها
منذ سقطت عيونه على عيونها الغاضبة بذلك اليوم وهو أرادها، طاردها وأخذها لبيته ولم يثور عليها رغم ما فعلته به وتسببت له به جعلها ضيفة له لأنه أرادها وتمنى أن تكون له، لم تمنعه نظرات الكره التي كانت تمطره بها بكل لقاء من أن يبحث عنها ويكون معها ويجذبها لدنياه حتى حقق ما تمنى وها هي الآن جنيته الجميلة بين ذراعيه له وحده ولن يمنعه عنها شيء 
لم يفكر يوما بأي امرأة ولم يتجاوز ابدا بأي علاقة، حتى سلمى لم تمر أصلا على مخيلته، بالبداية كان العمل والنجاح همه الأول وتأجيل الأسرة والزواج لبعد تحقيق الهدف ولكن بزواجه من سلمى انغلق الباب تماما ولم يفكر بأي امرأة لان لا مجال لامرأة أخرى حتى سقطت يدها على وجهه وقتها فتحت أمامه كل الأبواب التي وضع عليها أقفالا من حديد 
نظراتها الغاضبة، جرأتها، صوتها الرنان، عطرها النافذ كل ذلك دمر تلك الأقفال وحطم الأبواب وأخرج قلبه السجين للحياة فنبض داخل صدره مناشدا إياه أن يمنحه ما حرم منه طوال سنوات عمره، تلك المرأة غيرت مسار حياته ولن يتركها أبدا فهل يقف أي رجل ضد قوة رياح الرغبة؟
كان إحساس مختلف لم تشعر به إلا معه، فهو أول رجل بحياتها وهو ليس أي رجل فهو من سقط قلبها صريعه رغم كم الكره الذي كانت تكنه له قبل أن تعرفه، تحولت كل مشاعر الكره داخلها للنقيض وخانتها قوتها وضعفت وانحنت أمام جاذبيته وقوة شخصيته الآسرة فوقعت أسيرة له ولعيونه ورغم أنها تحبه والحب يسيطر على كل كيانها إلا أنها تشعر بأنها تخون والدها لأن ذلك الرجل قد يكون، ثم أوقفت أفكارها عندما تذكرت أنه أخبرها ألا يد له بالأمر كما وهي تصدقه وتحبه 
انطلقت يده تفك أزرار فستانها القطني وتتخلل إلى ما تحته بلمسات تعرف طريقها جيدا وبشرتها الناعمة ترحب به، صدرها انتفض عندما لمسه بيده برقة وهمس "لا تتراجعي أسيل، أنا زوجك"
كانت تشتعل بين ذراعيه ويداها لا تعرف ماذا تفعل سوى أنها تعلقت بأكتافه وتخدر كل شيء بها وهو ما زال يلمسها بجرأة لم تنفر منها فهو زوجها وهي حقه انفلتت أكمام الفستان وظهرت أكتافها البيضاء وانتقلت شافهه عليها يقبلها برغبة أكثر وعندما قربها أكثر منه والتصق جسدها به أدركت من التصاقها به أنه يريدها، جسده أخبرها بذلك ولم تتراجع وهو يزداد ويرفع أطراف فستانها ليلمس ساقها التي ارتجفت من لمساته وتأوهت والإثارة تنتفض داخل جسدها بشعور غريب لم تعرفه يضربها بقوة وهي ترغب بالمزيد وشفتاه انتقلت على صدرها ويده تجذب فستانها للأسفل حتى كاد يجردها منه 
"كيف تجرؤ على فعل ذلك بدر؟"
تعليقات



<>