
رواية كبرياء رجل الفصل السادس6 بقلم داليا السيد
لابد أن أذهب
أغلقت باب الغرفة على نفسها وظلت لحظة واقفة مغمضة العيون وهي تستوعب ما حدث خارج الباب، لم تصدق أن بدر فعل بها ذلك، الرجل الذي أخذها بأدبه وأخلاقه يتحول إلى شخص لا تعرفه، بل تعرفه فهو لم يقبل بلا بأي وقت
ابتعدت إلى الداخل وجلست على أقرب مقعد وأغمضت عيونها تسترجع ذلك المشهد والذي لو لم تكن هي صاحبته لظنت أنه برواية من صنع الخيال
"أسيل هل تتزوجيني؟"
ظلت لحظة تحدق به ثم شعرت بأن ظلام غريب بدأ يحيط بها ودوار يلف برأسها فترنحت بين يديه، قد تكون المفاجأة أصابتها بالصميم وقد يكون إجهاد الفترة السابقة وقد تكون أسباب أخرى ولكن لا يهم
بالطبع كانت ذراعيه سريعة بالتقاطها قبل أن تسقط وهو شبه يحملها إلى أقرب مقعد ويناديها بينما تسمر كمال مكانه فاقدا القدرة على التدخل
ما زالت تذكر أنها كانت تشعر ببرودة تسري بجسدها والجدران تلف من حولها حتى ضربها ظلام وغابت تماما عن الدنيا
فتحت عيونها لتراه جالسا بجوارها وهي ممددة على الأريكة المثيرة والدفء يسري بجسدها، نظراته جعلتها تستوعب ما حدث بأقل من الثانية فاعتدلت بصعوبة والصداع يهاجمها بشكل مؤلم فنهض على الفور وتحرك ليساعدها وهو يقول
"هل أنت بخير؟"
لاحظت أن كمال ذهب ولم يكن هناك إلا هما الاثنان فسألت بضعف وهي لم تدرك كم شحب وجهها وبهت لون شفاها ورغم الدفء كانت ترتجف
"نعم، ماذا حدث؟"
منحها كوب من العصير وقال "فقدت الوعي"
تذكرت ولم تجرؤ على النظر إليه وإنما اعتدلت لتنهض فقال وهو يجلس مكانه مرة أخرى "أظن أنك بحاجة للراحة قليلا قبل أن تنهضي"
ولكنها لم ترغب بأن تسمعه أو تطيعه كفاها ما نالته حتى الآن
تحركت لتقف ولكن سرعان ما عاد الدوار وأسقطها مكانها مرة أخرى، لم يتحدث وهو يتابعها ويدرك مدى العناد الذي يتملكها خاصة معه بينما قالت هي بضعف وربما رجاء واضح
"من فضلك أبعدني عن هنا"
أطفأ السيجارة التي كانت بيده ثم عاد لها والتقي بعيونها الذابلة وقد شعر بألم بسبب ما تسبب لها به ولكنه لم يكن ليقبل بأن ترحل من حياته لأي مكان
"هل تظنين أني كنت أمزح منذ قليل؟"
حدقت بوجهه وهي تسترجع كلماته وطلب الزواج الذي نسف به كل ما كان يدور حولهم فقالت "لم يكن هناك مجال لأي مزاح بدر"
نهض مبتعدا وقال "إذن تدركين أني عرضت عليك الزواج أسيل فلا تحدثيني عن الذهاب"
أبعدت وجهها وقالت بضعف يخفي مخاوفها وتعبها من كل ما واجهته وما زالت تواجه معه "تعلم رأيي تجاه طلبك"
التفت إليها وقال بنبرة حاول أن يجعلها هادئة، متزنة كما اعتاد ولكن معها كل شيء يخرج عن المعتاد "لا، لا أنا لا أعلم وأريد أن أسمعها منك، أريد أن أعرف ردك الصريح والآن"
استعادت قوتها من إصراره على المراوغة وإجبارها على فقد اتزانها من ضغوطه المستمرة "لا بدر، لا أوافق وأنت تعلم السبب لن أكون زوجة لرجل له زوجة وأولاد، لست أنا تلك المرأة التي تدمر حياة أسرة كاملة"
اقترب منها وانحنى عليها وقال بنبرته الموزونة "هي حياة زائفة ولا معنى لها وقد مللت منها، أنا أريد.."
ولم يكمل وهو يبتعد من أمامها، هو حقا يريد ولكن هل يجرؤ على إعلان ما يريده بعيدا عن قفصه الذي سجن به كل رغباته منذ سنوات؟
نهضت تختبر نفسها وقالت "أنت تريد ماذا بدر؟ لماذا تختار أوقات غريبة لتصمت عندما لابد أن تتحدث؟ أنا لم أعد أفهم شيء، وأنت لا تتحدث وأنا لا يمكنني أن أواجه كل ذلك، أنا تعبت بدر حقا تعبت، من فضلك أبعدني عن كل ذلك أنا لا أريد أن أدخل تلك الدائرة"
لم ينظر إليها وهو أخيرا يقول "زواجي من سلمى ليس كما تظنين"
وصلت له بخطى بطيئة حتى وقفت أمامه ليسقط نظراته عليها بلا تراجع وعندها قالت "لن تتوقف هنا"
لم يبعد عيونه عنها وهو يشعر أنه سجين تلك العيون ولا يمكنه أن يقاوم ذلك الضعف الذي يجذبه إليها، قال بهدوء "لأن هناك الكثير أسيل مما لا تعرفيه كما أخبرتك وربما ما كان وقتها صواب الآن أصبح قيد ناري حول رقبتي وللأسف لا أستطيع التخلص منه ليس لأنه ليس بإمكاني ولكن لأنه ليس صواب"
زادت حيرتها ولم تعد تفهم أي شيء مما يقول وهي تهمس برجاء أكثر "من لغز لآخر، أنت تلف بي بنفس الدائرة حتى أخرج فارغة"
نبرة الرجاء بصوتها والضعف واليأس بعيونها جعله يضعف أكثر بل ويتألم، ألم لا يعرف من أين يأتيه فرفع يده إلى وجنتها ولمس بشرتها مما جعلها تجفل من لمسته لكن لم تبعد يده وإن منحتها يده راحة وهو يجيب "زواجي من سلمى لم يكن زواج بين رجل وامرأة طبيعيين بل كان حل لإبقاء الأولاد هنا من أجل أمي قبل وفاتها"
حدقت به وقالت دون أن تبعد يده الدافئة وطل عدم الفهم من عيونها وهي تساله "أنا لا أفهم، ولماذا تضطر لذلك أليست هي أمهم؟"
أسقط يده لأنه سيخرج ما حبسه داخله سنوات وربما هو بحاجة للكثير مما لا يعرف ما هو ولكنه لم يهتم فمنذ متى يبحث عن شيء سوى ما يرغب به هو فقط؟
"بلى هي أمهم، ولكنه أنا"
ظلت ترفع وجهها لتتابعه وضاقت عيونها وهي تردد "أنت!؟ أنت ماذا!؟"
أكمل دون أن يهتز له طرف "أنا لست والدهم"
تلك المرة لن تسمح لنفسها بالانهيار مرة أخرى وهي أصبحت كالببغاء فقط تردد كلماته "لست والدهم!؟"
هز رأسه وما زال جامدا كالصخر وهو يجيبها "هم أولاد أخي هو وسلمى كانوا زوجين حتى مات باسم وزواجي من سلمي بعد موته كان للحفاظ على الأولاد مما يمكن أن تفعله بهم، وقت وفاة باسم هددت سلمى بالرحيل بالأولاد وكادت أمي تنهار لذلك فكان علي أن أوقف رحيلها بالزواج"
هتفت بحيرة "ولماذا لا تبقى!؟ هو بيت زوجها وأسرته"
تأنى قبل أن يقول "هي كانت ترغب بأشياء أخرى"
لم تعد تفهمه وهو ينقطها بالمعلومة بعد الأخرى ولا يلقي كله مرة واحدة فهتفت "التي هي ماذا بدر؟"
ظل يحدق بها قبل أن يقول "الزواج، أرادت أن نتزوج كي تبقى وقد كان"
ابتعدت من أمامه ولم تفهم ما بين السطور وهي تقول بألم "لا فارق بدر بل هذا يعقد الأمور فهي تريدك وبالنهاية هي أصبحت زوجتك"
لكنه قال بهدوء "على الورق فقط"
التفتت إليه وقد ضاقت عيونها وقالت "ماذا!؟"
ابتعد ليدخن سيجار وقد اتخذ قراره بمنحها كل شيء فقد وصلوا للنهاية "كنت أعلم منذ أول يوم رأيتها فيه أنها ليست زوجة مخلصة لأخي وزواجها منه كان لمجرد إثارة غيظي لأني رفضت حبها"
تجهم وجهها وهي الآن فقط ترى الصورة بوضوح، كانت غبية ولم تفهم، سلمى تحب بدر ولعبت بأولادها لتحقق مرادها بالزواج منه
خساسة..
انتبهت لكلماته التي قالها "كثيرا ما كانت تحاول معي بغياب باسم ولكنها كانت تتلقى مني ما يوقفها، الجميع يعرف من أنا وبالأساس لم تكن المرأة التي يمكن أن أراها، للأسف باسم لم يكن يدرك أي شيء وإنما كان يعشقها ويهيم بحبها فلم يرى غشها وخداعها وطبعا أنا لم أجرؤ على كشفها كي لا أكسر قلبه وربما وقتها لم يكن ليصدقني فتحملتها وظللت أدفعها بعيدا حتى مات"
ظل ينظر لها ليرى وقع كلماته عليها لكنها ظلت هادئة، فقط تسمعه وهو أراد أن يكمل، عليه تحرير نفسه أمامها كي تكف عن سؤاله ورفضه
أبعد نظراته الثابتة عليها وقال "كانت تعلم أن لا ميراث لها لأن جدي كتب كل شيء باسمي فقررت الرحيل ولكنها ساومت والدتي على البقاء من أجل الأولاد وتحت رجاء وتوسل أمي فعلت مع اتفاق ما قبل الزواج مما يضمن أنها لن تنال إلا ما تستحقه من مال وللأسف سرعان ما لحقت أمي بأخي"
همست بألم لا تعرف مداه "هي زوجتك"
كان يراقب ملامحها الشاحبة الألم البادي بعيونها وأجاب بهدوء "لم أمسها يوما"
هل عليها أن تصدقه؟ ذلك الرجل لم تعرف عنه أي سوء سلوك بما فيه الكذب
استجمعت شجاعتها واحمرت عيونها رافضة البكاء كعادتها فالدموع آخر طريق لها وقالت "كان يمكنك التفكير بالطلاق؟"
نفخ الدخان بشدة وقال متوقعا السؤال بالطبع "لا، من أجل الأولاد، لا أنكر أني تعلقت بهم وبراء بالذات لأنه يظن أني والده حقا فهو ولد بعد وفاة باسم فلم يعرف أب سواي وبالطبع لم أتمكن من تركهم بعيدا عني"
تهاوت على المقعد بدون أن ترد وقد شعرت أنها سقطت بقاع فوهة جبل عميق واصطدمت بأرضه الباردة والصلبة فتحطم جسدها على أرضيته بدون أن تجد من ينقذها أو يساعدها
رأته يقف أمامها وهو يلفها بنظرات ليست حادة كعادته ولا قوية مما تساند كبريائه بل مختلفة وعاد يقول "أخبرتك أسيل، ليس بيني وبينها أي شيء، هي هنا من أجل الأولاد وربما أبي من أجل علاقاته مع والدها فهو ذا نفوذ، أسيل لابد أن تفهمي أني لم أفكر بها بأي يوم ولم تكن بحياتي أبدا"
شعرت بالدموع دافئة على وجنتها ولم يعد بإمكانها إيقافها أكثر من ذلك، هي بحاجة لها لتساندها الآن فلم تقاومها ولم ترفع عيونها الباكية له وقالت "ولكنها بحياتك يا بدر حتى ولو لم تعترف بذلك هي كذلك، هي زوجتك وأم للأولاد الذين يعتبرون أنفسهم أولادك، لذا لن يمكنك إخراجها من حياتك مهما حاولت"
ابتعد وهو يعلم أنها على حق وطال الصمت إلى أن تماسكت هي ومسحت دموعها ونهضت وقد فكرت وقررت وعليه أن ينفذ قرارها
"من فضلك بدر دعني أرحل من هنا، وجودي سيثير العديد من المشاكل لا أنت تريدها ولا أنا يمكنني تحملها، من فضلك خذني إلى ذلك البيت الليلة قبل أن تعود هي لا أريد أن تضعني بمواجهتها فلو كانت تريدك أنت كما تقول فلن تتركني"
التفت إليها وهو يرفض فكرة ابتعادها عنه فقال "لا، أنا لم أعد أتقبل وجودها هنا خاصة بعد حادث الأولاد، ذلك الحادث الذي كان سبب اختفائي بالستة أشهر الماضية، كان بنفس الليلة التي كنا فيها معا بمصر وما أن عرفت حتى رحلت ولم أملك حتى وقت لإخبارك وتدهورت حالة باسل وكانت صدمتنا كبيرة بما أصابه ومن مشفى لآخر ومن جراحة لأخرى حتى استقر الجميع على حالته؛ إهمالها وانعدام المسؤولية لديها هو سبب الحادث لذا من الصعب وجودها بحياتنا مرة أخرى"
تفهمت كل ما قال ولو بظروف أخرى لغفرت كل شيء لكن ما زالت زوجته وأولاده بحياته ولن تدفعه لإبعادهم عنه، هي ليست أنانية
الحب عطاء.. روح تغذي روح.. لقاء بلا فراق
اقتربت منه وقالت "ولكنها والدتهم شئت أم أبيت وسيغفرون لها أي شيء لكن لن يغفروا لك أنك حرمتهم منها بأي يوم وهي كما فهمت من كلماتك، ليست الملاك الذي يضحي من أجل أولادها، لذا لابد أن تعود حياتكم كما كانت من فضلك بدر أرجوك أبعدني عن هنا"
حدق بعيونها وهو لا يصدق أنها ما زالت تقاوم بعد كل ما شرحه لها، هل ترفضه؟
سحقه السؤال، ترفض بدر المسيري وهو الذي لم يفكر بامرأة من قبل؟
جنون..
تنفس بعمق مختزنا كل مشاعره الغاضبة داخله فقط كي لا يخيفها غضبه وقال "هذه أول مرة أجد امرأة ترفضني بهذا الشكل، كل أملاكي وأموالي التي يمكن لأي امرأة أن تتمتع بها، رغبتي أنا بك كزوجة، أنت ترفضين كل شيء أسيل وهذا يغضبني، يغضبني بشدة"
ظلت تحدق به وهي بالفعل ترى الغضب بزرقاء عيونه التي انغلقت فجأة وبدت أكثر عمقا مما عرفتها وتجمدت كل ملامحه فارتفعت دقات قلبها من كلماته، أنت ترفضيني، رغبتي بك كزوجة..
كلماته شرارة تضربها فتهزها بعنف يكاد يقتلها ويوقف أنفاسها، أنا أيضا أرغب بك كزوج، أنا تركت عالمي كله من أجلك، فقدت كل شيء فقط لأكون معك ولكن، زوجة ثانية؟ لا.. لا يمكنني ذلك
ابتعدت لأقصى مكان عنه بلا رغبة بمواجهته لأكثر من ذلك وهي تقول "ابعدني عن هنا بل عن حياتك كلها وسيتوقف غضبك، هذا هو الحل، سأصعد وأعد حقائبي، لا أستطيع أن أبقى أكثر من.."
وفجأة وبدون أي مقدمات شعرت بيده تجذبها إليه بلا رحمة لتجد شفتيه تقبض على شفتيها بقوة غضبه الذي لم يمكنها إيقافه أكثر من ذلك
بدر الذي يلتف بالأخلاق والأدب الفائض تخلى معها عنهم، ليصبح رجل آخر، رجل بالكاد يعرفه وهو لا يملك سيطرة عليه
تعمقت قبلته بشكل جعلها ترفع يداها لتتمسك بذراعيه وهي تحاول أن تفهم ما يحدث فكرت أن تقاومه بل عليها أن تقاومه ولكنها لم تجد أي قوة لدفعه بعيدا خاصة وهو أحكم ذراعيه عليها ووجدت نفسها بلا أي مقاومة تستسلم لقبلته بل وتبادله إياها واليأس يدفعها إليه أكثر فلو لم تستطيع أن تناله كزوج فعلى الأقل تودعه لآخر مرة ولا وداع سيكون أفضل من وجودها بين ذراعيه وشفتاه تطالب بقبلتها
ضاعت الأنفاس وهو يدرك تماما أن تلك اللحظة قد لا تتكرر مرة أخرى لذا امتص كل ثانية فيها وشعر بنفسه تضيع بين أنفاس تلك المرأة ويذوب على أعتاب شفاها الناعمة وسقط عناده وقوته بين يداها الرقيقة التي تقبض على ذراعيه وتمنحه شعور أنها تريده وليس كما حاولت أن تجعله يظن
هي لا ترفضه..
وأخيرا صرخت رئتيهم طلبا للهواء فترك شفتيها دون أن يبعدها وهمس بين أنفاسه المتقطعة على أعتاب فمها المتورم "لن اعتذر هذه المرة أسيل، ولن تطلبي اعتذار"
انتبهت لنفسها وقربها الساحق منه وذراعه التي كانت تلفها بقوة فشعرت بالخجل يعتصرها ولم تعرف كيف طاوعته بذلك ولكنها لم تفكر كثيرا ولم تعد تقوى على البقاء هنا وبين ذراعيه أكثر من ذلك فنزعت نفسها منه واندفعت إلى الخارج
****
عادت لنفسها وهي تجلس بمكانها والذكرى تنتهي، أغمضت عيونها لتنساب الدموع على وجنتيها بغزارة ثم انهارت ببكاء مسموع وهي تدفن وجهها بين كفيها وكأنها تعبر عن عجزها بتلك الدموع
قبل الفجر كان يفتح لها باب السيارة دون أن تواجه عيونه وقد لاحظ تورم عيونها واحمرارها وشعر بألم يجتاحه بشدة ولكنه كان يعلم أنها اتخذت قرارها ولم يمكنه أن يمانع لأنه يعلم أنها على حق، لا يمكن بقائها هنا ومواجهة جنون سلمى
قاد السيارة بصمت مميت قتل داخلهم القدرة على مقاومة الألم ولكنه رفضه فمزقه وقال "السيارة بالسائق ستبقى معك ولو أردت تعلم القيادة يمكنني أن أدبر لك الأمر"
هزت رأسها رغم الصداع وقالت "لا، لا أريد، هل ما زلت تصر على بقائي بالشركة؟"
حدق بها بقوة قبل أن يعود للطريق وهو لا يقبل النقاش بالأمر، الشركة هي الطريق الوحيد لبقائها ولن يتنازل عنه ولكنه لم يمنحها أي أفكار مما تسكن داخله وهو يقول "هذا أمر غير قابل للنقاش هل تفهمين؟ وجودك بها أمر حتمي ونهائي"
هتفت بغضب "لا تقلي بأوامرك بوجهي"
نفخ بقوة وهو يقبض على عجلة القيادة بطريقة جعلت مفاصل أصابعه تبيض وهو يدرك أنها تحاول ألا تبكي مرة أخرى
تنفس بانتظام كي لا يهوى من على قمة الغضب الذي لازمه ثم مد يده وقبض على يدها وقال بنبرته الهادئة ربما يبثها بعض الراحة والسكينة
"أنا لا أفعل، أسيل هل تهدئي، من فضلك لا تزيدي الأمر سوء"
لم تبعد يدها بل ارتاحت للمسته وشعرت بأنه يخبرها أنه لن يتخلى عنها كما تشعر ورغم كل الحواجز التي بينهم هو يريدها هي
سكنت قليلا وهي تقول "ليس سوء بدر ولكنه خطأ، وجودي هنا خطأ"
ثم أبعدت يدها من يده فقبض على عجلة القيادة بشدة مرة أخرى، هي ترفض الانصياع لكلماته، ترفض التسليم بالرغبات التي تسيرهم، ترفض وجودهم معا
عاد وقال بصوت بارد كالثلج "لا، وجودك هو الشيء الوحيد الصحيح بحياتي أسيل ولن أتنازل عنه هل تفهمين؟"
لم ترد وهي تحدق به وإن كانت تعلم أن حتى كلماته هذه لا تغير من الواقع شيء
وصل إلى مكان قريب من الجبل والبيوت كلها متشابهة ولا تزيد عن طابقين وكل بيت محاط بسياج خشبي وحديقة صغيرة، ارتفع نور الصباح معلنا عن بداية يوم جديد، بالطبع نزلت بعده وهو يتجه إلى البيت وقال
"غدا، أقصد اليوم باكرا ستكون لديك خادمة والسيارة، الشركة قريبة من هنا ولكن بيتي بعيد فلم يكن هذا هو البيت الذي خطط له"
فتح البيت وتبعته إلى الداخل وسطع النهار الذي كان يضيء المكان من الزجاج الذي مثل الجدران العملاقة وقد عبق البيت رائحة الدهان الجديد والممتزج برائحة الخشب الزان والسجاد المنثور بعناية فوقه
تقدمت وهي تتجول بعيونها بالمكان رغم التعب والإرهاق، لم تشعر به عندما ذهب وأحضر الحقائب ثم قال وهو يشير لجانب واضح
"المطبخ هناك وغرفة الطعام، هذه بالطبع غرفة الجلوس وبالأعلى ثلاث غرف نوم وكلها جاهزة ومفروشة، للأسف لا يوجد طعام بالثلاجة ولكن على منتصف اليوم سيصلك كل شيء"
لم يكن ينظر إليها وهو يتحدث بل كان يتجنب النظر بعيونها وهي تنصت في صمت وأخيراً صمت وهو يشعل سيجارة فابتعدت هي إلى غرفة الجلوس التي أشار لها ورأت المكيف الذي يعمل فشعرت بالدفء يسري بجسدها
تبعها وقال "لقد قمت بإعداد المكيف للتشغيل الآلي بمجرد دخولك المنزل"
التفتت لترد ولكنها رأته خلفها مباشرة فتراجعت والمفاجأة تأخذها، فجأة أدركت أنها هنا ومعه وحدهما، بلا خدم، بلا والده أو أولاده، هما الاثنان فقط
لم تفرح لأنه معها بل شعرت بألم يعود لينبض بقلبها، قلبها المجروح المتألم من كل ما عرفته اليوم عن الرجل الوحيد الذي أحبته
عيونه كانت صامتة كالعادة لا تخبرها بأي شيء، هل هناك شيء يمكن أن يقال؟
فرغت الآنية وانتهى الأوان ودقت الأجراس تعلن وقت الذهاب
ظنت أنها تستطيع أن تتحرك، تهرب، تدفن نفسها بأرض المكان فقط كي تبتعد من أمامه ولكنه لم يمنحها أي فرصة لأي شيء فلم يبرح مكانه بل ظلت عيونه ثابتة عليها وهو يخبرها ما أرادها أن تدركه جيدا
"وجودك هنا لا يعني خروجي من حياتك، فأنا لن أخرج منها أسيل"
تاهت بعيونه التي أشعرتها بالغرق ببحر لا نهاية له كما هي حياتها، بحر عميق لا مجال للوصول لرمال أعماقه كي تضع أي أقدام عليها فتثبت
اهتز جسدها من كلماته ولا تعلم هل تفرح بتمسكه بها أم لا؟ لكنها سرعان ما ترتد وتغضب وتتألم وتندب لأن لا صفة لوجودها بحياته كما أنها لن تظل معه كعاشقين
عاشقين!!؟
ارتج جسدها بقوة وهي تصل لتلك المنطقة، هل يظن أنها كذلك؟
جنون..
لن يكون، أبعدت شياطينها وقالت "بل لابد أن تفعل، لابد أن تخرجني من حياتك"
رفع يده إلى عنقها وغرز أصابعه بشعرها وهو يحنى رأسه ليقترب من وجهها وهو يأبى الانصياع لصوت عقلها لأن جنونه هو الذي يجب أن يفوز
عليها أن تدرك أنه هو من يضع النهاية ونهايتهم لن تكون سوى معا لذا قال "أبدا أسيل، هذا لن يحدث أبدا، أنا بحياتك كما هو أنت بعروقي، تأكدي أن ذلك هو ما سيكون ولا يمكن لأحد أن يجبرني على شيء سواه حتى ولو كان أنت، فقط أنا أردت راحتك، لا أريد أن يزداد كرهك لي فأنا لست سيء إلى هذه الدرجة"
حاولت أن تبعد يده ولكنه جذب وجهها إليه برقة جعلتها ترضخ له واقترب بوجهه أكثر حتى لمست شفتاه وجهها وطبع قبلات دافئة على وجنتيها برقة جعلتها تذوب معه وترتجف وتشعر بنيران تأكلها ومع ذلك تستلذ بها ولم يمكنها دفعه بعيدا
كم هي ضعيفة أمامه، عليها أن تخجل من نفسها
وأخيرا توقف وهي تغمض عيونها وتسبح بسماء العشق الذي تكنه لذلك الرجل وشعرت ببرودة غريبة ووحدة عندما ابتعد وهو يقول بصوت لم يشبه صوته الرصين الثابت وهو يحارب رغبته بها بكل قوة يمتلكها
"لابد أن أذهب أسيل وهذا كخروج الروح من الجسد بالنسبة لي ولكن أنت بحاجة لبعض الراحة، أنا طلبت لك طعام سيصل بأي وقت وكذلك راسيل الخادمة"
وأخيرا عاد لها وعيها وتحررت من سحره وهي تبتعد عنه وتتراجع مخفية ضعفها بعيدا عنه وسقطت يده بجواره مفتقدة نعومة بشرتها ورقة أنفاسها وهي لا تصدق أنه يتعامل معها بتلك الطريقة التي لا تتناسب معها ولكنها لم تجد كلمات تطعنه بها أو حتى تطرده فهي لا تعرف ماذا سيكون بعد رحيله عنها ولن تنكر سوء تصرفها لاستسلامها له بتلك الطريقة، هذا منافي لكل ما عرفته من أخلاق
لم يعرف بماذا تفكر لأنها أخفت عيونها عنه ورأى احمرار وجنتيها يتحولان للأصفر ببطء فأدرك أنها تخجل منه ولكنه يريدها ولكن ..
نفخ واستعاد ثباته وشد قامته التي امتدت مستقيمة كعادته ولكنه لم يرفع عيونه عنها وخصلاتها تناثرت حول وجهها بسبب يده وبدت فاتنة وضوء النهار يلمع على وجنتيها
اللعنة كم أريدك يا امرأة.. منذ متى تركت الرغبة تقودني؟ لكن أنت مختلفة
فركت يداها وقالت "فقط ارحل بدر، أنت تدفعني لطريق خطأ، أنا أشعر أني لست أنا"
زاغت عيونه بعيدا عنها كي يفلت من أسرها وهو يستوعب كلماتها فقال "حتى لو رحلت فأنا لن أعتذر عن أي مما يحدث بيننا أسيل، أنا بالكاد أمنع نفسي عنك وحتى الآن لا أستطيع أن أتأقلم مع أنك فتاة مصرية ما زالت تؤمن بتلك التقاليد من أن زوجها هو أول من له الحق بلمسها، ظننت أن تلك الفتيات انقرضت"
كان عليها أن تنظر بعيونه وتجازف بأن تعود خاضعة لسحره وهي تقول "وانت تدفعني بعيدا عنها، هل هذا ما ترغب به؟ تثبت أني فتاة.."
قبض على معصمها بقوة ليوقفها وهي تقاوم الدموع وهو يقول بحزم "والآن توقفي عن التفوه بأي كلمة تقلل منك ومني، لا أنت تلك المرأة ولا أنا ذلك الجبان، أنت مصرية ومسلمة وأنا أيضا كذلك ولولا هذا لأخذتك الآن ولم يكن ليمنعني أي قوة"
ولم ينتظر أي كلمات أخرى وهو يندفع خارجا والغضب يعود له ولا يعلم لم هي من دون كل الناس على الأرض من تتفنن بإثارة غضبه بلا توقف؟
تابعته وهو يندفع بالسيارة بصرير مخيف أثار الفزع داخلها، هو غاضب بمقدار غضبها منه ومن نفسها، كان على حق؛ لو لم يكن رجل شريف حقا لأخذها الآن وهنا وهي جبانة بلا أخلاق ولا مبادئ لأنها قبلت بأن يقبلها ويضمها بذلك الشكل
هي تستحق أن يعاملها كجارية وليس بكل الاحترام والعناية التي يعاملها بها، أغمضت عيونها عندما اختفت السيارة من أمامها وسقطت دموعها وهي تحتقر نفسها وتلعن قلبها الضعيف الذي يدفعها لطريق بكل لحظة تندم على اندفاعها به
راسيل كانت فتاة صغيرة لم تتعدى العشرين؛ نظيفة، نشيطة، مرحة وتجيد الإنجليزية وهي ارتاحت لها فتركت لها زمام الأمور وعلى منتصف اليوم شعرت بأنها لم تعد تتحمل التعب فدخلت الغرفة التي اختارتها ودفنت نفسها تحت الغطاء ونامت دون استسلام للأفكار
بالمساء استيقظت على دقات الباب فاعتدلت وأضاءت النور وأذنت بالدخول لترى راسيل تبتسم وتقول "مستر ديفيد بالأسفل يا آنسة"
اندهشت من وجوده وقد ظنت أنه سافر بدون عودة، فهي لم تلتقي به منذ منحها القيادة بالشركة، اعتدلت وهي تبعد شعرها الذي لم تعد تقصه مؤخرا فزاد طوله ووالدتها كانت تخبرها أنه أجمل، تاج المرأة شعرها
"سأغير ملابسي وأنزل دعيه ينتظر وقدمي له شيء يشربه"
هزت الفتاة رأسها وذهبت بينما غيرت ملابسها ونزلت إليه لتراه يجلس ويعبث بهاتفه الذي تركه بمجرد أن شعر بها ونهض وهو يبتسم، هو وسيم حقا وهو يعلم بذلك، قامته طويلة نحيف الجسد وعيونه العسلية دائما ما تلمع عندما يبتسم مما يمنحه فم واسع
بادلته الابتسامة بصدق وهي سعيدة لرؤيته فعملهم معا كان ممتع حقا فهو مرح وغير تقليدي ولا يشبه بدر بأي شيء، رحبت به ودعته للجلوس وهي تقول "أهلا ديفيد متى عدت؟"
لكنه لم يجلس ولم يترك يدها وظل يحدق بعيونها بابتسامته المثيرة وهو يقول "أنا لم أسافر بعد، كنت بزيارة بعض الأقارب وعدت على هنا عندما عرفت من كمال أنكِ تركت القصر"
سحبت يدها وأشارت له مرة أخرى ليجلس وفعل وهي تمنع عقلها من الانجراف وراء أفكار وهمية وقالت "كمال أخبرك بذلك! متى وكيف؟"
هي لا تذكر أن كمال كان موجود وقت رحيلها، كانوا قرب الفجر
ابتسم ديفيد وهو يجلس بارتياح على الأريكة وكأنه اعتاد المكان وقال "بالصباح عندما طلبتك بالقصر فكان هو من تلقى اتصالي وأخبرني برحيلك فأتيت إلى هنا"
ضاقت عيونها وصمتت وراسيل تضع القهوة وتنصرف فقالت "وهل أخبرك أيضا بمكاني؟"
قال بهدوء "توقعته فأنا أعرف البيت"
تساءلت بدهشة "تعرف البيت!؟ من أين تعرفه؟"
تناول القهوة وكلاهم يتجنب ذكر بدر بالحوار عندما أجابها "منذ كان باسم ما زال بيننا، كان ثلاثتنا نجتمع هنا بالإجازات، لنا ذكريات جميلة معا وقد كنا لا نفترق"
شعرت برغبة في معرفة المزيد فبدر جزء من ذلك وأي شيء يخصه يجذبها فقالت "ولماذا انفصلتم؟"
ضاقت عيونه وقال "باسم تزوج، بدر عاد مصر وظل هناك وقت طويل وأنا هاجرت كما تعلمين فانفض الأمر"
أخفضت وجهها لحظة وما زالت مشغولة بتلك العائلة فعادت وقالت "باسم مات صغيراً"
زاغت نظراته قليلا قبل أن يقول "نعم كان موته صدمة للجميع وأكثرهم بدر فقد كان يحبه بجنون و بالطبع والدته وحتى كمال تأثر جدا بموته"
تأنت قليلا قبل أن تقول "وزوجته؟"
تغيرت ملامحه فترك قدح القهوة ونهض وقال وهو يتجه إلى النافذة "على فكرة هذا البيت قريب جدا من منتزه كبير ربما نذهب إليه"
تابعته بعيونها وقد أدركت أنه يفر من الأمر فاندهشت ولم ترغب بالضغط عليه وقالت "ربما ولكن متى ستعود؟ كنت متعجل السفر!؟"
التفت إليها وهي ترى لمعان عيونه الموجه لها وقال "نعم ولكن بصراحة لا أعلم لماذا أردت البقاء ورؤيتك مرة أخرى؟"
احمر وجهها ولم تشأ أن تسيء التفكير أو تندفع لطريق مختلف فقالت "رؤيتي؟"
ظل ينظر إليها قبل أن يقول "هل يمكن أن نمضي العطلة غدا معا!؟ هناك مكان رائع.."
نهضت فتوقف وهي تقول بنبرة أرادت أن تجعلها حازمة لتوقف عليه أي أفكار، يكفيها ما تعانيه الآن "لا ديفيد، شكرا للطفك ولكن أنا لا أخرج مع أحد، حقا شكرا على الدعوة"
لم تظن أنه استسلم لأنه تحرك وعاد ليقف أمامها ورفعت وجهها لتواجه نظراته وقال بأدب "أسيل هل صحيح ما ذكر من أن بينك وبين بدر علاقة؟"
ارتجف جسدها وهي تستوعب سؤاله الجريء، كان عليها أن تدرك أن ذلك سيواجها من أي أحد وسيضعها بصورة أسوأ مما تتخيل ليس فقط من ديفيد ولكن الجميع قد يفعل وأولهم كمال فالأمر كان على كل مواقع التواصل
ظهر الغضب بعيونها عندما أدركت أن وجودها هنا وتحت رعاية بدر يزيد الظنون ولكن جنونه يأبى عليه أن يتركها وها هي تدفع الثمن
ظلت تنظر إليه بتلك النظرات التي كانت تتبدل من الخجل للغضب وربما الجنون فتدارك هو الأمر وقال "لم أقصد إثارة غضبك أسيل ولكن كل شيء يثير الكثير من التساؤلات، بداية بما حدث بمصر وانتهاء بوجودك هنا وأنت مديرة شركة كبيرة من شركاته وتنالين اهتمام خاص منه"
بالطبع ألم تقيم ببيته اسبوع والآن أيضا ببيته؟ كيف تتهاوى هكذا بلا توقف؟ هو السبب، هو يقودها وهي بلهاء، غبية، فقدت كل التعقل منذ سقطت بغرامه
حاولت أن تهدأ وتستعيد عقلها وثباتها وقالت "معك حق وجودي هنا يثير الكثير من التساؤلات ولكن أظن أن ليس من حق أحد التدخل بما يخصني أنا وبدر أليس كذلك؟"
ظل ينظر إليها لحظة وهي ترى الارتباك يرتفع عندما انزوت شفته السفلى بحركة تكاد لا ترى وظل صامتا برهة وكأنه كان يفكر حتى يصل لقرار عندما أخيرا قرر أن يقول "بالطبع، نحن ببلد حر كما يقولون وهذا ربما يمنحني الحق بأن أسألك، هل بينكم شيء؟"
كادت تثور وتغضب ولكنها عقدت ذراعيها أمامها ورغم شحوب وجهها إلا أنها ظلت هادئة، لن تسمح لأحد بأن ينال منها وتصرفاتها حتى ولو كانت خطأ فهي تخصها وحدها وهي من تتحمل نتيجتها لكن لابد من أن توقفه
هتفت بقوة "كيف تجرؤ؟"
أدرك تلون عيونها واحمرار وجهها وبالطبع نبرة الغضب الواضحة بصوتها فأسرع يقول "أسيل اهدي من فضلك، أنا لم أقصد شيء، تلك الأمور عادية ولا تهم مثل ما تمثله بمصر و"
قاطعته بقوة "أنت لا تعرف شيء عن مصر ولا ما تمثله تقاليدنا وعقيدتنا ديفيد، تلك الأمور لا علاقة لها بالمكان ولا الزمان فهي واحدة ولا تتغير بتغيرهم وأنا نشأت عليها ولا شيء ولا أحد سيجعلني أنسلخ عنها"
وبدر رجل متزوج ولديه بيت وأولاد ولن أدمر حياته، تمنت لو أكملت لكنها لم تفعل، لن تمنحه فكرة جيدة للمضغ
هز رأسه بتفهم وقال "آسف، لقد فهمت"
لم تهدأ وتمنت لو يرحل ولكنه لم يفعل فابتعد وهو يكمل "لكن تلك التقاليد لا تمنع شخصان من التعارف فلم ترفضين الخروج معي؟"
قالت بدهشة "ألم تستوعب ما قلته ديفيد!؟ أنا مسلمة"
أشاح بيده وقال وهو يبتعد "وما المانع يمكنني إعلان إسلامي، أنا معجب بك أسيل ولا يهمني إلا أن نكون سويا فقط وافقي"
أصابها الأمر بصدمة، متى فكر بها هكذا وهي لم تكن تتعامل معه سوى في حدود العمل، العلاقات بين هؤلاء القوم لا يأتي بين ليلة وضحاها فقالت بجدية "أنت بالكاد تعرفني فمتى عرفتني وأعجبت بي؟ كيف ترغب بربط نفسك بامرأة لا تعرفك؟"
أشاح بيده بجدية وهو يجيبها "عرفتك أسيل، لنا اسبوع نمضي يومنا كله معا، ضحكنا سويا وغضبنا معا وتناولنا الطعام بأوقاته أيضا معا، ورأيت بك ما تتحدثين عنه من المبادئ والأخلاق، فكيف تتحدثين عن معرفتك، ، نعم أنا أعرفك، أنت بسيطة جدا وبعيدة عن أي تعقيد لذا أردت الزواج منك"
تراجعت أكثر وكل كلماته تدفعها للدهشة أكثر وأكثر، طوال سنوات عمرها الأربعة والعشرين لم تنال سوى معجب واحد بالجامعة وبالشهور الأخيرة تحصل على ثلاث رجال دفعة واحد، هل تسخر منها الأقدار؟
وكأنها ترى أحمد أمامها بذلك اليوم بنفس الكلمات والرغبة، وبنفس الرد ستجيب لأن ببساطة بدر المسيري يحتكر قلبها وعقلها بل وروحها ولا يمكنها حتى التفكير بسواه ليس حتى بعد معرفتها بعدم الأمل بأن يكون لها.
ظلت بعيدة بلا رغبة بالنظر بعيونه وهي تجيب "لكني لم أرى كل ما رأيته أنت ديفيد أنا كل ما كان يهمني هو العمل فهو ما تركت بلدي من أجله وليس لي رغبة الآن بسواه"
كانت طريقتها البسيطة بالرفض وظنت أنه سيذهب دون حتى كلمة ولكنها رغم ذلك شعرت به وقد اقترب منها فالتفتت لتواجهه فتوقف وقال "وبدر؟"
عاد لنقطة البداية وهي لن تسقط بالفخ فقالت بهدوء "هو من ساعدني على أن أنال وظيفة جيدة بشركته، كان يعلم ظروفي بمصر وأعجبته قدراتي بالعمل فعرض علي الوظيفة وأظنك تعرف أخلاق بدر جيدا وأظن أنك عرفت أخلاقي أنا أيضا كما قلت"
ابتسم بسخرية وقال "معك حق خاصة ولن ننسى أنه رجل متزوج"
شحب وجهها وهي تراه يلعب بخسة، لم ترد وهو يكمل "هي عائدة للبيت غدا وربما وجودك هنا اليوم لهذا السبب؟"
ضحك بمرح بارد لم يعجبها ولكنها لزمت الصمت فلن تستسلم لدفعاته الغير شريفة، لن تتسبب لبدر بمشكلة جديدة بأي تصرف قد يشوبه
ابتعد وعاد يكمل "أنت لم تعرفينها وأنصحك ألا تفعلي بل كوني حذرة بأن تضعي قارات بينكم لأنه لو اشتمت أن بينك وبين بدر شيء فلا أعلم لأين سيأخذك جنونها"
لا تعلم لماذا شعرت بالخوف لحظة من نبرته وكأنه يريد أن يخبرها بشيء فارتبكت وهي تسأله "ماذا تعني؟"
لف وجهه لها وهو تأكد من ملامحها أنها استلمت الرسالة فقال "لا شيء أكثر مما قلت، أنا باقي حتى بداية الأسبوع ولو غيرت رأيك بالخروج فلديك رقمي وسأكون سعيد الحظ بمرافقتك لعشاء فاخر يليق بجمالك"
قالها بنبرة تمثيلية مرحة ولكنها لم تكن لديها أي رغبة أو مزاج للمزاح، ليس بعد كلماته عن بدر ولا عن سلمى
وأخيرا ودعته بهدوء وظلت مستندة على الباب مغمضة عيونها تنظم أنفاسها وسعيدة لرحيله فزيارته لم تكن جيدة وتركتها فاقدة لأي شيء وغاضبة لأقصى حد ليس فقط منه بل ومن نفسها التي تقبل بعلاقتها برجل متزوج ومن بدر الذي يقيدها بقفص بيده هو قفله
بالصباح كان الجو مشرق وأشارت إليها أسيل بأن تخرج إلى المنتزه القريب فلم ترفض وهي ترتدي زي رياضي خفيف منحها صورة رائعة لقوامها الملتف وجذبت شعرها للخلف بذيل حصان وركضت قليلا وهي تستمتع برؤية البيوت النظيفة والهدوء الممتع إلى أن وصلت إلى المكان الكبير ولاحظت ازدحام الناس به والأطفال
ظلت تركض قليلا حتى تعبت فوجدت مقعد خشبي فارغ فجلست وما زالت تتأمل الموجودين من عائلة تفترش الأرض وتتناول طعامها وأطفالهم تمرح حولهم
ربما زوجين من الأحبة يسيران معا وهما متلاصقان تقريبا فكانت تشعر بأنها تتمنى لو كانت هي وبدر بدلا منهم يسيران معا، يلفها بذراعه ويضمها له
فزعت عندما رن هاتفها فأخرجته لترى اسمه، حدقت به وهي لا تصدق فقد كانت تفكر به، شردت ولم ترد، أغمضت عيونها وقلبها يدق شوقا له وغضبا منه ليعود الرنين مرة أخرى فأجابت لتجد صوته الهادئ يقول "أين أنت؟"
قالت بتعب من كل ما يصيبها "الا تستسلم وتتركني لشأني؟"
سمعته بجوارها يقول "أنا أخبرتك أن ذلك لن يكون"
التفتت إليه بفزع وهتفت بدهشة "بدر!؟"
بدلته القاتمة، قميصه المتناسق، ربطة عنقه جعلها تدرك أنه مناسب للرجل الذي عرفته
رفع وجهه ودار بنظراته بالمكان لحظة ثم اقترب من المقعد وجلس بجوارها وقد بدا جذابا حقا لكن لا يناسب المكان ولكنه لا يهتم وقال "ليس من السهل التخلص مني، خاصة هنا؛ أنت بملعبي"
أبعدت وجهها وهي تدرك ذلك ولكن لن تمنحه ما يريد فقالت "راسيل أخبرتك بالطبع"
نفخ دخان السيجارة وقال "لم أضعها عندك لتفعل ذلك ولكن بالطبع عندما لم أجدك كان عليها أن تخبرني أين ذهبتِ"
تعصبت وقالت بعيون غاضبة "بدر لابد أن.."
قاطعها وهو ينظر بعيونها "لابد أن نذهب الآن لأن موعد الغداء اقترب وأنا لم أتناول شيء منذ أول أمس سوى القهوة"
كانت عيونه تخترق عيونها وكأن بها ذلك السحر الذي يذهب عقلها ويوقفها عن إعمال عقلها وإقرار مصيرها بالابتعاد عنه، عندما لم ترد قال بنفس الهدوء "أسيل هل نذهب؟ وكل تلك الأسئلة بعيونك أكيد لها أجوبة ولكن بالتأكيد ليس هنا"
أبعدت وجهها وهي تشعر بحيرة لا تدرك مداها عندما قالت "زوجتك تعلم أنك هنا؟"
حدق بها لحظة قبل أن يبعد عيونه ويقول "لم أعتد أن أحصل على الإذن من أحد، هيا أسيل ماذا تحاولين أن تثبتي؟"
نظرت إليه وقالت بنفس الغضب "أنا لا أريد أن أثبت شيء يا بدر، ولكنك تنسى كل ما أخبرتك به من أننا لا يمكن أن نلتقي لابد أن تنهي كل ذلك"
لم يغضب كالعادة وإنما قال "ننهي ماذا؟ هل هناك شيء أنا لا أعرفه ولابد أن أعرفه وأنهيه"
تراجعت وقالت "بدر لا تلعب معي تلك اللعبة أنت تفهم ماذا أعني"
هز رأسه ثم نهض وقال "حسنا لنكمل ما بدأناه بمكان آخر ليست تلك الأماكن لذلك الحديث، هل نذهب؟"
بالنهاية انصاعت له وقد كانت تعلم أنها ستفعل فهو من يضع القوانين وهي تطيع فتحركت معه في صمت
لم تكن قد لاحظت السيارة إلا عندما قادها هو باتجاهها وفتح لها السائق الباب وركب هو بجوارها وعم الصمت بينهم فقد كان الصداع يدق برأسه نتيجة عدم النوم والطعام، بخلاف مشاكله مع سلمى وعندما قرر أن يرتاح بحث عنها
أسند رأسه على يده وأغمض عيونه وهو يتذكر صراعه بالأمس مع سلمى وقد عرفت بوجود أسيل ورغم أنه أنهى النزاع لصالحه كالعادة إلا أنها استنفذت ما تبقى من قوة لديه
"بدر أنت بخير؟"
نادته مرتين عندما توقفت السيارة أمام بيتها دون أن يتحرك هو، استعاد نفسه ونظر حوله بدهشة وقال "لماذا نحن هنا؟"
قالت برفق "عندما شعرت أنك متعب طلبت من السائق أن يعود بنا إلى البيت، بدر لابد أن تعود بيتك أنت متعب"
لم تبدو عليه أي تعبيرات وهو يفتح الباب وينزل فنزل السائق وفتح لها كما فتحت لهم راسيل باب البيت، فتحرك هو إلى غرفة الجلوس وقال "هل من الممكن أن أطلب قهوة قبل أن أذهب؟"
كانت تتبعه في صمت إلى أن رأته يلقي نفسه على الأريكة بتعب واضح ولكنها قالت "بدر أنت لا تسمعني"
قال بضيق "أسمعك أسيل ولكني بحاجة إلى قهوة هل يمكن أن أحصل عليها قبل أن أذهب؟ أم أذهب وأتناولها بأي جهنم أخرى؟"
تراجعت من غضبه الذي تراه لأول مرة فلم ترد وتحركت إلى الخارج لتطلب له القهوة وصعدت لتغير ملابسها وتأخذ حمام وهي تشعر بالخوف من كل ما يحدث حولها دون أن تملك القدرة على الاعتراض
نزلت دون تأخير وقد استعدت لمواجهته بقوة ولكنها تفاجأت عندما وجدته ممداً على الأريكة ويضع ذراعه فوق رأسه ومن الواضح أنه ذهب في النوم لأنه حتى لم يتناول القهوة.
اقتربت منه وقد شعرت بضعف يجتاحها تجاهه فهي تحبه وتتمنى قربه ولكن للأسف لا يمكنها أن تقترب في ظل ظروفه التي يعيش فيها، صعدت إلى غرفتها وأحضرت غطاء وعادت لتضعه عليه ثم خرجت وأغلقت الباب وقابلتها راسيل وهي تسألها
"هل أعد الغداء آنسة أسيل"
هزت رأسها نفيا وقالت "لا، ولكن ربما يتناول مستر بدر العشاء معنا"
وصعدت إلى غرفتها وحاولت أن تشغل ذهنها بالعمل على اللاب ولكن بالنهاية وجود ذلك الرجل لا يمكن تجاهله فتأثيره يمتد إليها حتى وهو نائم وشغل ذهنها أن رجل غريب ينام في بيتها، ترى ماذا سيكون الأمر بمصر؟ لا يمكن أن يحدث ذلك ولو أنها شاهدته قبل أن يفعل لما وافقته ولكن؟
انتصف الليل دون أن يستيقظ، دخلت الغرفة فوجدته مستغرقا بالنوم جلست على الأرض أمامه تتأمل ملامحه كم هو وسيم حتى بدون تلك العيون الزرقاء التي تأسرها بزرقتها مررت عيونها على جسده من خلف قميصه فأدركت مدى صلابته، كل شيء به يأخذها وهي تعترف
أنا أُدرك بل أعترف أني أُحبك بدر ولا يمكن لشيء أن يوقف هذا الحب حتى ولو نفذت أنت كلامي ورحلت من حياتي فقد سكن حبك شراييني وامتزج بدمائي التي تحييني
نهضت بهدوء ولكن يده أطبقت على يدها وجذبها فانحنت عليه وما زالت عيونه مغمضة وهو يقول "من أين تأتين بهذا العطر؟ إنه يذهب العقل أسيل"
فتح عيونه ليواجه عيونها ووجهها الذي سرت الحرارة به، خلصت يدها من أصابعه وهي تتراجع لتفر منه وقالت بضعف "أراك أصبحت بخير الآن"
ابتعدت من أمامه واعتدل هو جالسا يبحث عن سيجاره حتى أشعل واحد وعدل شعره بيده وقال "لم أنم بهذا الشكل منذ سنوات كثيرة"
حاولت ألا تنظر له وقد تورد وجهها فقالت "سأجعل راسيل تجهز العشاء"
نهض وعدل ملابسه وقال "لا لابد أن أذهب، كنت واضحة جدا معي"
وتحرك إلى الباب ولكن قلبها لم يطاوعها وتذكرت أنه لم يتناول الطعام منذ عدة أيام فأسرعت تقول "بالتأكيد هي تنتظرك"
توقف وضاقت عيونه وهو يستوعب كلماتها بلا فهم فالتفت ونظر إليها مما جعل قلبها يرتجف من نظراته قبل أن يقول "هي؟ من هي؟"
استدارت بعيدا عن عيونه وقد تداركت اندفاعها وندمت ولكنه أكمل وقد استوعب ما قالت "لا أظنك تعنين سلمى"
لم ترد فتنهد وقال "أسيل أخبرتك أنها بالنسبة لي لا شيء لماذا لا تصدقين؟ تعلمين أني لا أكذب"
لم تنظر إليه ولم ترد أيضا بل ظلت تعصر أصابعها العشر ببعضهم من الغيرة التي تأكلها فعاد يقول "أنا ذاهب من أجلك فقد أدركت أن وجودي أصبح فوق طاقة تحملك وهذا لا يسعدني، أنا فقط كنت متعب ولم اظن أني سأنام بهذا الشكل فهي لم تحدث لي من قبل، والآن لا يمكن أن أبقى أكثر من ذلك إلا إذا شئت أنت"
والآن يزيدها ضعف ويفضح أمرها دون أن يشعر ويقذف الكرة لها، أنت محاور رائع ولا مجال لهزيمتك
حاولت أن تبدو قوية عندما استدارت فرأته مازال بمكانه فقالت "لن تبق بعد العشاء"
حدق بها لحظة ثم تحرك تجاهها ووقف أمامها قد أدرك ما تخفيه عيونها ولكنه قال "أعلم أنكِ تقاومين ما ينبض داخل قلبك الصغير هذا فعيونك تخبرني بالكثير مما يجعلني أتحمل كل هجماتك التي لا تتوقف تجاهي، ومع ذلك لا أحب أن أرى الضيق بعيونك بسببي"
ضعفت أكثر من كلماته وشعرت بأنها فقدت القدرة على الكلام وعلمت أن مشاعرها تطفو على سطح عيونها ولكنها قاومت وقالت "ليس بسببك وأنت تعلم ذلك، وإنما لأن الوضع خطأ ولا يمكن أن يستمر، بدر أنت لك حياتك وأنا لن أكون سبب بدمارها ودمار بيتك وحرمان أولادك منك لا يمكنني أن أفعل"
وتحركت الدموع بعيونها فاستدارت مبتعدة، أغمض عيونه وتنهد بضيق وهو يعلم أنها على حق ولكنه لا يعبأ ولا يهتم، أحاط كتفيها من الخلف بيده وقال "أخبرتك أنك لن تفعلي، لو تزوجنا.."
التفتت إليه بعيون تنبض بالإنكار وقالت "لا، نتزوج لا، لن يسامحني أحد لو فعلت"
قال بغضب مكتوم نادرا ما يصل إليه "اللعنة أسيل أخبرتك أن لا أحد يهمني هي حياتي وأنا حر بها فلم تصرين على عدم الثقة بقدراتي؟"
قالت "أنا أثق بك بدر ولكن إذا أمكنك أنت تجاهل الجميع فأنا لا يمكنني أن أفعل، ستنساني يا بدر أنا مجرد نزوة عابرة بحياتك ومتأكدة من أنك ستنساني لأن لديك ما يكفيك ويشغلك"
نظر إليها بقوة محاولا تصديق ما تحاول إقناع نفسها وإقناعه به وقال مستنكرا "كنت نسيتك بالستة أشهر التي ابتعدت فيها عنكِ، كنت أخرجتك من عقلي بدلا من صورتك التي لا تفارقني، كنت ركزت بعملي الذي أحضره بنصف عقل لأن النصف الآخر معك، أسيل أنا لست مراهق كي أعيش نزوة وأسعى وراء المتعة فلست شاب متهور فقد تخطيت هذه المرحلة منذ سنوات والتهور لم يكن أصلا من سمات شخصيتي وأظن أنكِ عرفت ذلك جيدا لذا كفانا كلام لا معنى له لأنني لن أقبل به، وجودك بحياتي أمر نهائي أسيل ولن أتراجع عنه هل تفهمين؟ أنتظر موافقتك على الزواج وأنا لن أمل، والآن هل سأتناول أي عشاء أم أرحل؟"
ظلت تحدق به لحظة وكلماته تمنحها راحة غريبة وربما تنحي كل مخاوفها جانبا لاحظة، على الأقل تستمتع باهتمامه ووجوده
لم ترد وهي تتحرك من جانبه ولكنه أمسك ذراعها ونظر إليها دون أن تنظر إليه وهمس بجانب أذنها "لم أفكر بمكان آخر سوى هنا عندما شعرت برغبة في الراحة"
نظرت إليه لتتلاقى النظرات فتاه بعيونها الجميلة كما ذابت هي من أنفاسه وهو يكمل "ولم أندم"
همست بلا وعي "أنت تدفعني للجنون"
وأسرعت من أمامه، كان عليها أن تفر من أمامه وإلا لا يمكن أن تدري ماذا سيحدث لو فكر في أن يقربها أكثر هربت وجسدها يرتجف بقوة وقلبها لا يتوقف عن الدق كلما كانت معه، هي تعلم أن مشاعرها واضحة وهو يعرفها جيدا ولو ضغط عليها أكثر لن تقاومه خاصة بتلك الفترة بعد ستة أشهر كانت تعاني بعده وغيابه لدرجة الموت، بينما تابعها هو بنظراته ولا يعلم كيف لا يحسن التصرف معها كما اعتاد
تناولا العشاء في صمت وما أن انتهى حتى قال "كان اختيار راسيل جيد فهي تجيد الطهي"
لم تنظر إليه وقالت "هل تفضل قهوة أم عصير؟"
نهض وهو يبحث عن السجائر وقال باهتمام "لا شيء لابد أن أذهب"
دخلت راسيل تحمل هاتفه وقالت "لقد كان يرن مستر بدر"
هز رأسه وقال "شكرا راسيل العشاء كان شهي"
ابتسمت وقالت "إنها الآنسة أسيل هي التي أعدت العشاء سيدي"
رفع عيونه من الهاتف لها باهتمام وقد شعر بسعادة لاهتمامها به، لم تبادله النظرة فهز رأسه لراسيل التي ذهبت بينما عاد هاتفه يرن فوجده والده فأجاب "نعم"
قال الرجل "أين أنت بدر؟ منذ الأمس ولا نعرف عنك شيء؟ ولا تجيب الهاتف"
اشتعل سيجاره بنار الولاعة الذهبية ثم قال "هل حدث شيء يستدعي وجودي؟"
ابتعدت هي تلملم الأطباق بينما تابع هو والده الذي قال "كل شيء يستدعي وجودك; أولادك، سلمى، كل شيء"
تابعها وهي تعبث بالأطباق ثم قال "وهل حدث شيء؟"
تردد كمال قبل أن يقول "نعم سلمى خرجت من وقت ولم تعد حتى الآن وأنا قلق عليها تعلم أن لا يمكن تركها وحدها دون القلق من نتائج خروجها"
قبل أن يرد على كلمات والده رأى ضوء سيارة يتسرب من نافذة الغرفة فقال "لا تقلق أعتقد أني أعرف أين هي"
ولم يكد يغلق الهاتف حتى دق الباب بقوة فنظرت أسيل إليه ولكنه لم ينظر لها وهو يتجه إلى الباب وتبعته لتقف خلفه وهو يفتح الباب لترى نفس العيون الزرقاء تحدق بها ولكن لامرأة بيضاء البشرة طويلة القامة ونحيفة القوام أنيقة الملبس تركت شعرها الأشقر يتساقط بدقة على وجهها المستدير، جالت عيونها الزرقاء بوجه بدر لحظة قبل أن تنطلق كالسهم إليها ثم قالت بصوت قوي
"كان لابد أن أدرك أن هذا هو المكان"
ظل الصمت حليفهم جميعا إلى أن قالت المرأة "ما هذا بدر؟ لم أعرف أنك فقدت أدبك وذوقك ألن تعرفني بتلك المرأة"
وتحركت من جانبه للداخل إلى أن وقفت أمامها وقد انهار جسدها من ضغط أعصابها ودقات قلبها المؤلمة والمرأة تقف أمامها وتقول بعربية واضحة
"إذن سأفعل أنا، أنا سلمى زوجته وأم أولاده فمن أنتِ يا.. فتاة؟"